شعار الموقع (Our Logo)

 

 

لبلبة لا تعترف بالحزن رغم دموعها التي ظهرت أكثر من مرة خلال أقل من ساعتين، ولا تعترف بالوحدة رغم الخوف الذي قفز من عينيها حين تذكرتها، وتخشي الندم والصدمة التي قد تقابلها في حب عرفته منذ كانت في السادسة من عمرها.

لبلبة باختصار تسكن حقيقتها خلف ملامح وجهها، التي تحتفظ بالبراءة والابتسامة والشجاعة التي تواجه بها الحياة.

ومحطات 'نونيا'­ وهو اسمها الحقيقي­ كثيرة بدأت في السادسة من عمرها، لكنها تقف الآن في منطقة شائكة بين الممثلة والإنسانة.

هي تمسك بدفتر ذكرياتها بيديها، فتبكي وتضحك وتشعر بالرضا والسعادة والخوف وتقرر اتخاذ موقف عنيف تفرضه بكل هدوء علي المحيطين بها سواء في الوسط الفني أو العائلي، لكنها تعود لتراجع حسابات العمر مرة أخري.

لبلبة الطفلة، كبرت الآن، وأصبحت تخاف من الشيخوخة التي عاشتها في اسكندرية­نيويورك، وتحولت إلي أم لعروس في 'عريس من جهة أمنية' وصارت زوجة تعاني من سجن زوجها وسطوة صاحب سلطة في 'فرحان ملازم آدم'.. ثلاث محطات تفرح بها لبلبة الفنانة.. وتخاف منها لبلبة الإنسانة!!

وهناك.. في مدينة الإنتاج الإعلامي كانت لبلبة الفنانة الكبيرة التي اكتشفتها ياسمين عبدالعزيز كإنسانة، وعشقها فتحي عبدالوهاب كصديقة وأحبها فريق 'فرحان ملازم آدم' لرقتها، وعطفها علي الجميع.

هناك كان اللقاء الذي تحمست له 'نونيا' فلديها ما تود التصريح به، فجاء أقرب إلي البوح.. بحب.. وقلق.. وفرح.

جان

كانت 'نونيا' تضيق بتعامل الجميع علي أنها طفلة، ولكنها الآن عرفت طعم الكبر مع يوسف شاهين.. تقول:

لو لم أحب دور 'جان' مع يوسف شاهين في اسكندرية­نيويورك ما كنت قدمته، وكل شخصية أقدمها يجب أن أحبها أولا، وأحب العمل كله أيضا، ودور 'جان' بالتحديد ليس سهلا كما قد يبدو، فهي سيدة عاشت مع العملاق يوسف شاهين أكثر من أربعين عاما، والفيلم يروي سيرته الذاتية، وبالتالي فإن ما نمثله ليس شخصيات من إبداع الخيال أو أحداث كتبها مؤلف، ولكنها تفاصيل حياة عاشها شاهين ونحن نجسدها، بينما يراجعها ويشعر بها، بل ويبكي معنا حين نبكي أنا ومحمود حميدة خاصة حين قلت له 'أنا فرحانة زيك بالضبط، أنا صحيح ماقدرتش أجيب لك الولد اللي بتحلم بيه، لكن ربنا عوضنا' وفرحة 'جان' الكبيرة بهذا الولد تؤكد أنها سيدة قوية وذكية وطيبة في الوقت ذاته، وهي تثق في حب الرجل الذي عاشت معه أكثر من أربعين عاما، ولا تشعر بالغيرة.

والحقيقة أنني تعاملت مع السيدة 'كوليت' زوجة يوسف شاهين كثيرا ولكن أثناء تصوير فيلم الآخر، وتحدثنا معا، لكني لم أتوقع أيامها أن أجسد دورها في الحياة وأقدمها علي الشاشة في شخصية 'جان' وكنت أراها معظم الوقت، وبعد أن عرفت أنني سأقدم دورها توقعت أن يأخذني 'جو' إليها لنجلس معا، لكن هذا لم يحدث بل حدث العكس تماما، ولكني أعرفها جيدا، وبالمناسبة هي طباخة رائعة.

وأنا مازلت منبهرة بقصة رجل يعيش مع إمرأة أربعين عاما وهو يحبها، وهي لا تحقق له حلم الأبوة، وحين يظهر له ابن تفرح ولا تشعر بالغيرة، تفرح لفرحه وتسعد لسعادته.. هي شخصية مبهرة.. (تظهر دموعها) الحقيقية ،أنا متأثرة وأنا أتحدث عنها.

والمشكلة الثانية التي قابلتني في هذا الدور هي السن، فقد كان ماكياج سن السبعين قاسيا، والإحساس بهذه السن أشد قسوة وكما هو معروف فإنه مع التقدم في السن تضيق العيون لذلك كان الماكياج يضع أشياء علي عيني لتضييقها فهي التي تبين العجز بالإضافة إلي مناطق تحت العينين، والأنف وكان عليٌ أن أصنع القناع الداخلي للشخصية من خلال مشاعر سن السبعين لدرجة أنني كبرت في السن من داخلي بسبب هذا الدور ولمست العجز وعشته.. لدرجة أنني في يوم افتتاح الفيلم ارتديت أجمل فستان عندي، ووضعت ماكياجا مختلفا لأقول لكل مشاهدي الفيلم في العرض الخاص 'أنا أهوه.. أنا لبلبة مش جان'.. الصعوبة الحقيقية في هذا الدور اني شعرت بطعم السنوات القادمة، والعجز.. شعرت بالخوف من بكره.. خصوصا أنني طول عمري أتعامل علي أني 'لبلبة' الطفلة الصغيرة، ورغم عدم شعوري بالسعادة مع هذا التعامل إلا أنني الآن عرفت قيمته، وعظمة أن تشعر أن الحياة أمامك وليست خلفك، والحقيقة أنا ويسرا بعد الماكياج الخاص بالشخصيات قبل التصوير كنا نكره أن ننظر في المرآة، وكان ماكياجنا يستغرق ساعتين ونصف، بينما محمود حميدة كان يحتاج إلي ثلاث ساعات ليتم الماكياج.

الحبس الانفرادي

لبلبة لا تريد أن تتوقف عن الحديث في الشيخوخة وذكرياتها المرة.. تقول:

في أحد المشاهد كنا نصور في فندق، وبعد إتمام عمل الماكياج أغلقت باب الغرفة علي نفسي لأكثر من ثلاث ساعات لا أريد لأحد أن يراني، وكلما طلبني أحدهم كنت أنظر للأرض، وأتعمد ألا يري وجهي أي شخص، لكن أنا سعيدة بهذا الدور، لأنه كلما كان التحدي صعبا جاء النجاح كبيرا، وقالتها لي هند رستم حين أبديت لها خوفي من أن يراني الناس عجوزا طوال الفيلم فكان ردها بالحرف الواحد: هذا في صالحك، لأن هذا هو التحدي الحقيقي وحين شاهدت الفيلم أكدت علي هذا المعني أيضا.

وأذكر أنني بعد مشاهدة الفيلم في الافتتاح لم أنظر للجمهور الذي كان يصفق ولكني نظرت إلي السيدة 'كوليت' زوجة يوسف شاهين وتعبير وجهها، فابتسمت لي وقبلتني وهي إنسانة حساسة للغاية، ولا تجامل.

ولو كنت مكانها في حياتها، وظهر ابن لزوجي وكنت في مثل ظروفها، بالتأكيد كنت سأتصرف كما تصرفت الشخصية تماما، لأني أؤمن بالقدر، والنصيب، وأري أنها إرادة إلهية.. فهو سبب لسعادة زوج حرم من الأطفال، حتي أنها لم تشعر بالغيرة من حبيبته 'جنجر' حين التقت معها بل قالت لها 'أنا خايفة عليه من الفرحة دي كلها'.. ثم الموقف العبقري حين يذهب للتعرف علي ابنه فتوصيه بأن يعرفه بها.. لأن المرأة التي عاشت كل هذا العمر مع رجل تمسك بها ونما الشعر الأبيض في رأسيهما معا يجب أن تثق، وهو قال لها في البداية: اعتبريني جوزك وابنك.. وهو راكع وأخيرا تحققت أمنيتها من خلال أمريكية، وحتي لما الأب صرخ في ابنه، عاتبته لأنها أحبت الابن.

وعلاقتي بيوسف شاهين جميلة علي المستوي الشخصي فأنا أحبه جدا، وأعرف أنه يحبني، وأنا أفهمه، وأعرف أنه طفل كبير وعقل عبقري وإنسان عملاق.

إحسان

لبلبة تحب إحسان وتخاف منها تقول: رحل محسن زايد، الذي كان يحلم بهذا العمل (فرحان ملازم آدم)، وهاهو حلمه يتحقق الآن، كان دائما يتحدث معي عنه، ويقول أن دور 'إحسان' سيكون إعادة اكتشاف بالنسبة لي.

و'احسان' التي انتهيت من تصوير دورها، امرأة سجن زوجها في إحدي القضايا، لذلك تعمل في بيع الكشري وتساعدها ابنتها وتعيش في حارة شعبية صاحب السلطة فيها هو المخبر الذي يستغلها ويعتدي عليها وتقف له ابنتها بالمرصاد، وهذه المرأة يشاء سوء حظها وحرمانها أن يوقعها في غرام شاب تكتشف فيما بعد أنه حبيب ابنتها.

'احسان' دور مرعب بالنسة لي، لأنني أقدم هذا النوع من الأدوار لأول مرة، حتي انني أخجل من نفسي بعد تمثيل المشهد، وأشاهده وحدي ورغم ذلك فأنا أتوقع أن هذا الفيلم سيكون علامة خاصة في حياتي كما كان دور 'حورية' في 'ليلة ساخنة' مع عاطف الطيب.

تضيف علي استحياء:

'احسان' امرأة تقابل شابا 'فلاحا' وهي في منتصف العمر تحبه، وتغويه، وبعد أن تخطئ معه، تقوم ابنتها بتقديمه لها علي أنه 'حبيبها' الذي يود التقدم لها.. إنها فكرة مذهلة صنع لها الكاتب الراحل نهاية أكثر من رائعة لكنني لا أستطيع أن أتحدث عنها الآن.

مشهد

وتستأذن لبلبة، لتصور 'شوت' تجلس خلاله مع الشاب الفلاح القادم من أعماق الريف، وتلمس يده بطريقة غير عفوية، وحين يرغب في الانصراف تحاصره بنظرة لها معناها، ويدير الفلاح رأسه إلي جهة أخري فتضحك بخبرة امرأة تعرف ما يدور برأسه.

ويصرخ عمرو عبدالعزيز 'ستوب' فتتحول المرأة الناضجة إلي الطفلة لبلبة، وتركز عينيها علي الأرض لدقائق.. لنكتشف أن البراءة قد عادت إليها مرة أخري.

وتسأل بعفوية غريبة:

هو ممكن يكون رد فعل الدور ده سيئ..؟

وتنتقل لبلبة إلي محطتها الثالثة قائلة:

'انشراح' في فيلم 'عريس من جهة أمنية' كانت مفاجأة بكل المقاييس، فالعمل إجمالا يعتمد علي كوميديا الموقف وهو مكتوب بشكل رائع، وقد عرض عليٌ الدور أثناء احتفالات العيد الماضي، وقرأت الدور وأعجبني، ورأيت أنه مختلف ف'انشراح' امرأة مشاكسة، والكوميديا في العمل تنبع من الموقف.. وقد انقصت وزني اثنين كيلو من أجل هذه المرأة التي تقف بالمرصاد لوالد زوجة ابنها وتحدث بينهما مواقف كوميدية عديدة.

الوحدة

اعترف أنني أحيانا أخاف من الوحدة، لكن والدتي تملأ عليٌ حياتي، وتحذرني منها كأنها تهددني بها، وبالمناسبة لم أكن أعرف الطريق إلي المطبخ حتي شهرين مضيا، حين قالت لي والدتي 'انتي خايبة وماتعرفيش تطبخي' فقررت دخول التحدي، وأصبحت الآن محترفة مطبخ، وقبل أن أتعلم كنت أتصور أن الموضوع صعب ولوغاريتمات وغيره، ولكن حين بدأت التعلم اكتشفت أن الأمر بسيط، صحيح أنني لا أستطيع أن أصبح مثل والدتي، لكني تجاوزت البداية.

المهم أن الوحدة لم تكن قراري، فقد كنت دائما أحلم بالزواج، لكن كل من تقدموا لي كانوا يشترطون شرطا واحدا وهو أن أترك الفن، وهذا بالنسبة لي مستحيل، فقد عرفت اسمي مع الفن وعرفت حياتي كلها في الفن ولا أجرؤ حتي علي التفكير في ذلك، واندهش كثيرا من رجل يحب امرأة وهي فنانة ثم يريد منها أن تتركه، فإذا كان قد أحبها وهي علي هذه الصورة فكيف يطلب منها تغييرها.

ورغم ذلك فأنا أشعر بالوحدة، حين أصدم في الفن وهي لحظات قليلة أعيشها سنوات لقسوتها لكني أعود لأكتشف أن الوحدة وهم، لأن حبي الحقيقي يبقي للفن وحده فقد تزوجت للمرة الأولي وعمري ستة عشر عاما ورغم الحب الكبير لم أستطع أن أكون زوجة فقد كان الفن يسري في كياني ومرت بعدها السنوات ليأتي الحب مرة أخري.. وأخري لكن البجعد عن الفن كان شرطا وحيدا، ولم أستطع فهو حبي الحقيقي، وفي كل الأحوال فإن والدتي معي، وأيضا أبناء اخوتي رغم أن أحدهم طبيب يعيش في لندن، لكن أخي الكبير يعمل بتجارة المجوهرات ولي شقيقة ثانية تعمل بإدارة الفنادق.

سر البقاء

لا تعرف لبلبة بالتحديد سر العروض التي تنهال عليها لتقديم أفلام سينمائية رغم غروب شمس السينما عن الكثيرين ولا تعرف التخطيط لكنها تختار، لذلك ترفض الحديث عن أكثر من عمل رشحت له، ورفضته، وألح عليها أبطاله ومخرجوه لكنها تمسكت بموقفها..

تقول: لا أحب الحديث عن أعمال اعتذرت عنها، لأنني اشترط دائما في دوري أن أحبه، وأن يكون ضرورة داخل نسيج السيناريو، فالعمل الفني يتحول بعد بدء تصويره، إلي أهم موضوعات حياتي، وقد اعتدت منذ طفولتي أن أتعامل مع عملي في الفن بجدية شديدة لسببين أولهما أن هذا العمل تحول في فترة مبكرة من حياتي إلي مسئولية حقيقية تجاه كل الأطراف سواء الجمهور أو صنٌاع العمل أو حتي مسئوليتي الشخصية تجاه أسرتي والسبب الثاني لأنه بالفعل من أجل تصنيع عمل فني يلقي احتراما ونجاحا عليك أن تقدم من خلاله أقصي ما لديك من طاقة وإخلاص.

أنور وجدي

وتقفز الطفلة نونيا فجأة إلي عيون لبلبة، لتتذكر أنور وجدي الذي أهداها 'عروسة' مازالت تحتفظ بها حتي الآن.. تقول: فستان هذه العروسة أصبح قديما فاضطررت لتفصيل ملابس جديدة لها، وأتذكر الموقف الذي أهداني فيه أنور وجدي هذه العروسة، رغم أنني لا أتذكره شخصيا إلا مجرد طيف، ففي فيلم '4 بنات وضابط' كان المفروض طبقا للسيناريو أن أطلق الرصاص من مسدس علي يمين ويسار الكاميرا ليتحطم زجاج تم وضعه خصيصا وكان فريق العمل يخشي أن أطلق الرصاص علي الكاميرا، فقال لي أنور وجدي:

ح تضربي الرصاص هنا.. وهنا.. وشرح لي أنني لا يجب أن أطلق الرصاص باتجاه الكاميرا.. وقال: لو عملت كده ح اجيب لك عروسة.. وهو ما حدث.

وجوه

وتنطلق الذكريات فتقول لبلبة: نيازي مصطفي أول من اكتشفني وقدمني وأنا طفلة في فيلمين من إخراجه هما '4 بنات وضابط' و'حبيبتي سوسو' وهو أطلق عليٌ اسم 'لبلبة'، وعندما كبرت قدمني في 'مولد يا دنيا'، ورغم أنني لم أكن بطلة مطلقة للفيلم إلا أنه دفعني لبطولة أكثر من عشرين فيلما، أما عاطف الطيب فهو صاحب البصمة الأكبر في حياتي وأذكر أنني تعرفت عليه في مهرجان كان، وفاجأني بعرض بطولة 'ضد الحكومة' ثم 'ليلة ساخنة' وهو صاحب الفضل الأكبر عليٌ.

آخر محطة

هنا محطة مارينا، وتقيم فيها لبلبة شهرين كاملين في الصيف ولاتتصور ان يعزلها كل هذا الوقت عن فنها فقد عرض عليها أكثر من فيلم وهي هناك، منها جنة الشياطين مع الفنان محمود حميدة.. تقول لبلبة:

كلما اقتربت من الساحل الشمالي اشعر أن الضجة التي بداخلي تهدأ، وحين أصل الي 'الشاليه' في مارينا، أجد نفسي وقد هدأت تماما، أحب الشتاء، لكنني أعشق الصيف، والبحر ومن 'شاطيء مارينا' الي 'شاطيء كان' الذي تحرص لبلبة علي التواجد فيه سنويا لمتابعة مهرجان كان باستثناء العام الماضي الذي انشغلت خلاله بتصوير اسكندرية­ نيويورك، وكما أصبح لصيف مارينا مكان خاص في نفسي، فان مهرجان 'كان' أصبحت له ذكرياته ومكانته في عقلي وفي نفسي.. فهناك اتعلم الجديد واعرف واستمتع بالفن السابع.

أخبار النجوم في 25 سبتمبر 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

لبلبة تعترف:

أنا زوجة يوسف شاهين!

حوار: أسامة صفار