شعار الموقع (Our Logo)

 

 

إذا أراد المرء تقييم حالة الإنتاج السينمائي الروسي الراهنة فاستطاع أن يقول من جهة أنها لا بأس بها. حيث يجري حاليا في مؤسسة »موسفيلم« للإنتاج السينمائي تنفيذ ما يزيد على ٠٠١ مشروع. ولئن كان معظمها والحق يقال - مسلسلات تلفزيونية إلا أن المسلسلات هي لون من ألوان الفن السينمائي. ولكن من جهة أخرى لا بد وأن نعترف بأننا قد خسرنا سوقنا الداخلية بأكملها تقريبا. وثمة أسباب موضوعية تفسر هذه الظاهرة. فأن سوقنا غير محمية في حين أنها تحتاج إلى حماية وتنظيم ما يجري فيها من تعاملات. وتعجز أفلامنا عن منافسة النتاجات السينمائية الأمريكية التي تتميز بقدر اكبر من الإثارة والتسلية. والمشاهدون الشباب الذين يترددون اليوم على دور السينما يميزهم الميل المسبق إلى السينما الأمريكية. صحيح أننا نرى أحيانا أفلاما روسية تحظى بإقبال جمهور المشاهدين ولكنها معدودة بأصابع اليد. وبهذا المعنى خسرنا سوقنا، ولا شك.

ويتلخص سبب آخر، في رأيي، في أن السينما الروسية تفتقر إلى هويتها المتميزة. مثل تلك الهوية الأصيلة التي كانت تميز السينما السوفيتية المفعمة بالمثل الإنسانية والتعميمات الفنية والاهتمام بالجوانب النفسية لشخصية الإنسان وطبيعتها العاطفية... وكانت السينما السوفيتية تتغذى على تقاليد الحضارة الروسية مما أكسبها حبا وتقديرا لدى المشاهدين. ولا أستطيع القول بأن هذا الاتجاه باق في السينما الروسية المعاصرة إلا في حالات منفردة نادرة للغاية. وكان بإمكاننا أن نصف السينما السوفيتية بأنها ظاهرة عالمية في حين لا يجوز لها حتى الآن أن تطبق هذا الوصف على السينما الروسية. ولكن لا يعني ذلك البتة أنه يجب أن نخلد إلى يأس. فالشعب لذي يتمتع بمثل هذه التقاليد العريقة لا بد وأن يملك سينما قوية بما فيه الكفاية وأعلق الأمل على أن يتحقق كلامي هذا.

وفي الآونة الأخيرة تمكنا من تحديث مؤسسة »موسفيلم« على نحو شامل. وباعتقادي أن مؤسسة»موسفيلم« اليوم هي واحد من احسن الاستوديوهات في أوربا. وإن الإنتاج السينمائي له وجهان. أولهما هو الوجه الإبداعي. ولكن الإبداع يعد إلى حد بعيد هبة من ألله تعالى. أما الوجه الثاني التكنولوجي فهو في يدنا. وتتطور تكنولوجيا الإنتاج السينمائي اليوم بسرعة مذهلة وبالرغم من كل عبقرية أفكار المخرج وعمق مفاهيمه لن تجد أفلامه طريقها إلى شاشات دور السينما إذا ما كانت جودة الصورة والصوت دون المستوى المطلوب. ومن أجل بلوغ هذا المستوى ينبغي توفر معدات فنية مناسبة وإتقان إدارتها. وفي حوزة مؤسسة »موسفيلم« كل المعدات والتكنولوجيات اللازمة. وإننا مستعدون للتعاون مع الدول الأجنبية. فيقوم زملاؤنا في اليابان بتسجيل الموسيقى في استوديوهاتنا ويجيئنا أيضا زملاؤنا من كوريا الجنوبية.

والأزيد من ذلك فإن قدراتنا التكنولوجية والفنية تتفوق اليوم على إمكانياتنا الإبداعية. وفي السابق كان الأمر على العكس من ذلك تماما بحيث كان الجانب الإبداعي هو المتفوق فكنا نعاني من التناقض بين توفر الأفكار الإبداعية الرائعة وغياب الإمكانيات فنية لتجسيدها على النحو المرجو. أما اليوم ففي حوزتها أرقى التكنولوجيات العصرية في ظل شح الأفكار الإبداعية.

أن تاريخ تطور السينما حافل بالألغاز. فمثلا، شهدت السينما السوفيتية على أثر الثورة الاشتراكية نهضة إبداعية خارقة للعادة. فقد تألقت آنذاك كوكبة رائعة من المخرجين أمثال دوفجينكو وبودوفكين والكسندروف ودونسكوي الخ. وذلك في بلد فقير يعيش حالة الخراب. ثم جاءت الحرب العالمية الثانية ونرى في أعقابها نهضة جديدة للفن السينمائي تقترن بأسماء بوندارتشوك وتشوخراي وغيرهما من المخرجين العباقرة.

ومن دواعي الأسف أن عصر الإصلاحات الأخير لم يتمخض عن جيل مماثل من السينمائيين. ولكن ينبغي علينا أن نواجه الحقيقة ولا نستسلم للحزن وإنما نستخلص منها دروسا مناسبة. فعلى سبيل المثال أعرف معرفة اليقين أن للسينما الروسية فرصا جيدة لدخول أسواق الدول الشرقية. فأن الشرق ينظر إلى روسيا أصلا بعين العطف والمودة ويبدي إليها اهتماما أكبر مما في أوربا، مثلا. فأولا، ليس لدينا ما نستطيع أن نعرضه على الأسواق الأوربية وثانيا، لا ينتظروننا هناك. في حين أحرز أسبوع »موسفيلم« في منغوليا وفي هونغ كونغ نجاحا باهرا.

كما تتوفر فرص للخروج إلى أسواق أفريقيا وأمريكا اللاتينية حيث تتمتع روسيا بالحب التقليدي. ولكن يتعين علينا أن نتجه إليهم بمبادرتنا الذاتية دون أن ننتظر الدعوة منهم. خاصة وانه من المستبعد أن يتوجهوا إلينا بمثل هذه الدعوة. بيد أن ترسيخ الأقدام في سوق من الأسواق يتطلب الدعم من قبل الدولة وإعداد سياسة واضحة لغزو سوق هذا البلد وذاك. في حين ليس ثمة في بلدنا الآن أي شركة كبيرة تتخصص في تسويق الأفلام في الدول الأجنبية. لذا فإذا أردنا عرض الأفلام الروسية في الخارج فنضطر إلى أن نستعين بشركات أجنبية وهو أمر في غاية من الصعوبة لسبب غياب اتصالات مطلوبة أو أن نتحمل كل تبعات المجازفة بأنفسنا. ويجب تنظيم شركات تختص بتوزيع وعرض الأفلام وحينئذ سنتمكن لا من تسويق الأفلام الروسية فقط بل ومن الترويج للثقافة الروسية بأكملها مستفيدين من مشاعر المودة التي يكنها لنا أصلا العديد من دول الشرق.

 

* مدير عام مؤسسة السينما

الأيام البحرينية في 21 سبتمبر 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

السينما الروسية بين الماضي والحاضر والمستقبل

كارين شاهنازارنف *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مهرجان موسكو السينمائي..

أكثر المهرجانات عمقاً وأكثرهم رهناً للمتغيرات 

لا يوجد مهرجان ارتبط بالظروف السياسية لبلاده وتأثر بها أيما تأثر قدر مهرجان موسكو السينمائى الدولى الذى سنتحدث عنه اليوم. بل الحقيقة أنه لا يمكن فهم نشأة وتاريخ هذا المهرجان إلا من خلال تتبع ما كان يجرى على الساحة السياسية للبلاد والذى أثر تأثيرا مباشرا على السينما ككل، بل وكل مناحى الحياة، باعتبار أن الاتحاد السوفيتى هو رائد أول تجربة لتطبيق الاشتراكية فى العالم، وهو نظام يقوم على سيطرة الدولة المركزية على جميع وسائل الانتاج، ومنها الانتاج الثقافى أيضا.

رغم أنه كان لروسيا تاريخ سينمائى لا بأس به من الناحية الجماهيرية والفنية معا قبل قيام الثورة البلشفية فى أكتوبر ٧١٩١، إلا أن هذه الثورة تسببت فى خلق وضع سينمائى غريب للغاية. ففى الوقت الذى فرت فيه أغلب المواهب الى الغرب فى أميركا وأوروبا، كان زعيم تلك الثورة فلاديمير لينين أسرع منهم فى اعلان أن السينما هى أحد الأدوات المحورية للثورة الاشتراكية، بل وينشئ بعد أيام معدودات من قيام الثورة وتحديدا فى ٩ نوفمبر ٧١٩١، قسما خاصا بالسينما فى أول وزارة للتربية فى العصر البلشفى، وتخيلوا من وضع رئيسا لهذا القسم: ناديدا كروسكاي،وزوجته.

تدريجيا تخطت السينما الجديدة المصاعب الهائلة لما بعد الحرب، كعدم توافر الفيلم الخام واغلاق معظم دور العرض والمقاطعة الخارجية الخ. بل على الصعيد الفنى بدت أكثر جرأة وطليعية من صناعات السينما التقليدية الأخرى عبر العالم، وذلك من خلال أسماء جديدة شابة فى أغلبها، كويرتو وكوليشو، اللذين سرعان ما أنضم لهما أسماء مثل فودوكين وأيزنستاين وكوزنتسيف ومايا كاثوسكى ودوفيينكو، بل وأصبح لأغلب هؤلاء شهرة عالمية لاسيما الثلاثى أيزنستاين - فودوكين - دوجوينكو.

اذن كانت العشرينيات عصرا ذهبيا للسينما السوفيتية، لكنها كما بدأت بمرسوم أصدره لينين صبيحة الثورة انتهت بمرسوم آخر أصدره ستالين فى ٣١ فبراير ٠٣٩١، فكك بمقتضاه المؤسسة الانتاجية سوفينكو التى كانت تشرف عليها وزارة التربية، والتى أنتجت تلك الروائع المتحررة فنيا رغم أن كان يفترض فيها أن تكون بالأساس منتجات تحريفية أو ؟إشعالية؟ بالمصطلح الروسى ىًىهف والمقصود طبعا إشعال جذوة الثورة.

فى السنوات السابقة كان النظام الستالينى قد بدأ بالفعل النظر بتوجس تجاه قدر التحرر الذى حققه أولئك المخرجون الشبان لأنفسهم، ورأى فيه بذورا لنكسة بروازية يجب اجتثاثها. من عينه ستالين رئيسا لسويوز كينو ربما كان أكثر شخص إثارة للجدل فى كل تاريخ السينما السوفيتية: بوريس شومياتسكى. البعض يرى فيه مديرا فذا نادر الطراز قدير الشخصية والرؤية معا، أما غالبية الفنانين فقد رأوا فيه مجرد شخصية متسلطة تابعة لرأس النظام، ولا تفهم شيئا فى المادة التى تديرها وهى السينما ، كل دورها هو إذلال المواهب من أمثال أيزنستاين وإبقائهم بلا شغل ، وتحطيمهم نفسيا وأدبيا وإجبارهم على نشر اعترافات علنية مكتوبة يستغفرون فيها ما ارتكبوا من أخطاء فنية فى الماضى.بعد ٥ سنوات لشومياتسكى الرهيب بنجاح ساحق فى كرسيه، قرر الاقدام على خطوة غريبة بعض الشئ: أن يقوم بنفسه برحلة يزور فيها ستديوهات هوليوود. وبينما كان الفنانون السوفيتيين يضربون أخماسا فى أسداس فى التحول ذى المائة والثمانين درجة وفى كيف أصبح شومياتسكى قفاز ستالين الحديدى متأمركا لهذه الدرجة، كانت روسيا قد وجدت أول شخص يفهم ما تدور حولة السينما، وهو التسلية المحضة لجمهور كادح مرهق لا يجب شغله بالمزيد من السياسة والهموم فى فترة المساء والعطلات، وأن أكبر الخطر على جماهيريتها يقع فى تلك التجارب المغامرة لبعض الفنانين، أما من حيث الشق السياسى فلم يجد شامياتسكى أن كل طموحاته الجديدة تتعارض مع انتاج عدد خاص محدودا من الأفلام التى تروج لسياسة الدولة، والتى كانت تمثل فى الذروة منها فى ذلك الوقت ما سمى بعبادة الذات، ويقصد بهذه الأخيرة شخصى لينين وستالين تحديدا.

مهرجان موسكو السينمائى الدولى هو أحد النواتج الجانبية لهذا التحول الأسطورى فى السياسة السينمائية لنظام الحكم الستالينى لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية. وفى نفس سنة الزيارة التاريخية لهوليوود ٥٣٩١، كان شامياتسكى يعلن افتتاح أول مهرجان سينمائى فى تاريخ العاصمة السوفيتية.

على أن كل هذا ينطوى على تناقض كبير. فالمهرجانات لا تقام من أجل الأفلام الجماهيرية فهذه تجد طريقها مباشرة لدور العرض. إنما تقام من أجل الترويج للأفلام الأقل جماهيرية وغير التقليدية فنيا. وسياسة الدولة السوفيتية تقوم على قمع هذه الأخيرة باعتبارها نوعا من التمرد على خط الدولة السياسى. من هنا كانت تجربة ما يمكن تسميته مهرجان موسكو الأول تجربة بائسة. ولا نقصد بمهرجان موسكو الأول دورة بعينها، بل كل الحقبة من ٥٣٩١ حتى إعادة هيكلة المهرجان كليا سنة .٩٥٩١ فى تلك الحقبة لم يحقق مهرجان نجاحا كبيرا سواء من حيث استقطاب الأفلام الأجنبية وصناعها، كما لم يكن لديه ما يعرضه من السينما السوفيتية مما يمكن أنه يثير اهتمامهم، ناهيك عن فترات الانقطاع بسبب الحرب العالمية وغيرها.

اليوم يسقط مهرجان موسكو من تاريخه كل السنوات السابقة على ٩٥٩١، ويعتبر أن هذه كانت دورته الأولى. سياسيا كانت تلك السنوات خروتشوف والتحرر الأوسع بما لا يقارن بما سبقها من حقبة ستالينيه متشددة ومتوجسة من كل شئ. لكنها فى نفس الوقت هى ذروة سنوات الحرب الباردة. وقد كان للمهرجان نفسه نصيب من هذا. فعندما أعلن سنة ٩٥٩١ نيته العودة سعى للحصول على اعتراف الاتحاد الدولى للمنتجين، وكان الاتحاد يعترف بالفعل بمهرجان كارلوفى فارى فى دولة تشيكو سلوفاكيا، فرفض الاعتراف بمهرجانيين فى الكتلة الاشتراكية. فتوصل الجميع لحل يرضى جميع الأطراف )عدا تشيكو سلوفاكيا التى كانت جزءا من النفوذ الشيوعى للاتحاد السوفيتى(، وهو أن يقام مهرجان موسكو مرة كل عامين، مع اجبار مهرجان للسنوات الزوجية فقط، ومن ثم يقام بالتبادل مع مهرجان موسكو، وبالفعل ألغيت دورته فى تلك السنة لأول مرة، ولا يكون الاتحاد الدولى قد اعترف بذلك بأكثر من مهرجان اشتراكى واحد فى العام الواحد. هذا الوضع ظل قائما لقرابة ٠٤ عاما إلى أن أصبح من حق المهرجانيين اقامة دورات سنوية بدءا من منتصف التسعينيات، وإن لم يخل الأمر من انقطاعات أخرى مثل سحب الاتحاد لاعترافه بمهرجان موسكو لسنوات طويلة، ولم ينتظم الاعتراف إلا بدءا من سنة ٢٧٩١، ومثل سحبه الاعتراف من مهرجان كارلوفى فارى سنة ٧٩٩١، ومنحه للمهرجان الجديد الذى اعلن عن اقامته فى عاصمة ذات دولة التشيك براج، لكن ما حدث أن لم يقم هذا المهرجان إلا مرة واحدة وعاد الاعتراف لصاحبه الأصلى.

تفكك اتحاد الجمهوريات السوفيتية، وأصبحت روسيا دولة قائمة بذاتها، ولم تتغير الصفة الرسمية لمهرجان موسكو السينمائى الدولى، كمهرجان حكومى. بل أن الصفة السياسية المباشرة لا تزال قائمة بدرجة أو بأخرى، على الأقل من خلال اقامة المهرجان بناء على قرار من رئيس الجمهورية يصدر سنويا عادة بعد انتهاء كل دورة، ليكون بداية الاستعداد لدورة العام التالى. أيضا جهة حكومية بالكامل هى التى تتولى اقامة وتنظيم المهرجان وهى الادارة العامة للمهرجانات الدولية (انترفيست). والمهرجان ينقسم بشكل أساسى إلى قسمين كبيرين: المسابقة والانوراما. وتنص لائحة المهرجان على أن الأفلام المؤهلة للمسابقة هى الأفلام المنتجة خلال العام السابق على عقد المهرجان، وتحديدا الفترة التى تبدأ من أول أغسطس من العام المقدم. ولا يضيف المهرجان أية شروط أخرى، باستثناء الشرط التقليدى للمهرجانات المعترف بها ذات المسابقة، وهو أن لا يكون قد سبق للفيلم الاشتراك فى مسابقة أخرى. وربما يرجع خلو اللائحة من الشروط الكثيرة المعتادة لتقليد قديم سياسى آخر أيام كان المهرجان يحرص على اشتراك أفلام أوروما الشرقية والعالم الثالث، ويحاول أن يجعلها تخرج جميعا فائزة بجوائز.

الأيام البحرينية في 21 سبتمبر 2004