شعار الموقع (Our Logo)

 

 

تُفتتح الدورة الثالثة ل<<أيام بيروت السينمائية>> مساء الأربعاء المقبل بالفيلم الجديد ليسري نصر الله <<باب الشمس>>، المقتبس عن رواية بالعنوان نفسه للروائي الياس خوري، الذي شارك نصر الله والمخرج والناقد محمد سويد في كتابة السيناريو. وذلك في صالة سينما <<أمبير صوفيل>> في الأشرفية، على أن يُعرض الجزء الأول منه فقط (الرحيل) مساء اليوم التالي في مخيم شاتيلا.

لا يدّعي هذا الحوار أكثر من محاولة أولى للدخول من <<باب الشمس>> إلى تفاصيل تقنية وفنية ودرامية تحتاج إلى قراءة نقدية مستقلّة. انطلق الحوار من البحث في مسار الجزء الثاني من الفيلم (العودة) وشكله وبنائه الفني والدرامي، وتشعّب إلى جوانب كثيرة ارتأيت الاحتفاظ بها ريثما يُعرض الفيلم كاملا.

·     أبدأ بمقولة لعزمي بشارة مفادها أن العرب يحبّون قضية فلسطين ويكرهون الفلسطينيين. هل يُمكن القول إن <<باب الشمس>> أعاد الاعتبار إلى الفرد الفلسطيني كقيمة إنسانية؟

لديّ تحفّظ على تعبير <<إعادة الاعتبار>> المستخدم في سؤالك، لأن <<باب الشمس>> لا يُعيد الاعتبار للفرد الفلسطيني بل يقول <<كيف أحبّ (أنا) الفلسطيني>>، وما الذي يربطني كسينمائي، ويربط الياس ومحمد بالفلسطيني وبفلسطين. مقالاتي السابقة المنشورة في <<السفير>> حول الإنتاج الفلسطيني الذي قدّمته مؤسسات فلسطينية في نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات، انتقدت هذه الأفلام لأنها تصوّر الدمار وتتعاطى مع الفلسطيني كضحية وتلتقط مشاهد البيوت المهدّمة والجثث. وطرحت في الوقت نفسه سؤال عدم قيام هذه المؤسسات بإنتاج أفلام تتناول حياة الفلسطينيين في داخل المخيمات. يومها، لم يخرج أحد من إطار <<الفلسطيني ضحية>>، في حين أن <<باب الشمس>> تعامل مع الفلسطيني ك<<بني آدم>>. السؤال المطروح في الفيلم هو: كيف نحبّ، الياس ومحمد وأنا، الفلسطينيين. إن مقولة عزمي بشارة، الواردة في الفيلم، تمسّني بشكل قوي، واستعنت بها في أحد الحوارات لأننا أمضينا خمسين عاما في ظلّ أنظمة <<طلّعت دين أمّنا>> على أساس القضية الفلسطينية: يحملون القضية، لكن إذا اقتربت أنت من الفرد الفلسطيني، في بيروت أو القاهرة مثلا، تُحال فورا على التحقيق. أنظمة رأت أن الاقتراب من الفرد الفلسطيني خطر، وفي لبنان ارتفعت هذه الحدّة قليلا، فاندلعت حرب أهلية. كيف تحافظ على الفلسطينيين، وفي الوقت نفسه تمنعهم من العمل والعيش وتحرمهم من حقوق إنسانية عدّة. تُجرى مباحثات السلام ولا أحد يأخذ بالاعتبار الفلسطينيين أنفسهم.

هذا في الجانب السياسي. إن موضوع الفيلم كامن في كيفية تقديم صورة عن نفسي وعن الآخر وعن الجيل الذي أنتمي إليه، وفي البحث في علاقتي بالحكاية والناس.

هناك مسألة أخرى: الفلسطينيون أنفسهم، كإيليا سليمان ورشيد مشهراوي ونزار حسن وتوفيق أبو وائل وآخرين، بدأوا يصنعون أفلاما يحكون فيها عن أنفسهم. هذا عامل مهم أعانني على التحدّث عن الفلسطينيين، وليس على <<إعادة الاعتبار>> إليهم. لو فعلت هذا لبدا الأمر كأنه حركة إنسانوية غير لطيفة أبدا. <<باب الشمس>> جزء من حياتي وعملي، حكيت فيه <<الحدوتة>> كما هي. هناك أسلوب معيّن قصدته منذ البداية، ونوع من الموسيقى اعتمدته، لأني لا أروي خيالا ولا أنجز فيلما وثائقيا ولا أكتب تاريخا. مُشاهد أوروبي سألني لماذا لم أستخدم موسيقى شرقية. أنا لا أصنع فولكلورا. أنت تعرف أسلوبي وأفلامي.

تساءل الناقد الفرنسي جاك ماندلبوم عن سبب عدم إظهاري الإسرائيلي أو اليهودي في الفيلم. لنترك الإيديولوجيا جانبا: لا يوجد فيلم حرب جيّد قدّم الطرفين المتحاربين. دائما هناك جانب واحد أو طرف واحد. خذ مثلا <<الرؤيا الآن>> أو <<سترة حديدية كاملة>>. إنها أفلام روت حكاية جانب واحد فقط، وطرحت سؤالا أساسيا هو: كيف تحافظ على أخلاقيتك وآدميتك في هذا الآتون؟ هذا ما أردت أن أفعله في <<باب الشمس>>: إنجاز فيلم عن نفسك وعن صورتك عن نفسك. هنا تظهر أهمية الرواية، في هذا الإطار تحديدا. وأيضا أن تقدّم صورتك هذه عن نفسك ليس بالرموز أو الاستعارة أو الكناية، بل من خلال شخصيات وأفراد.

الفلسطينية بلكنات أخرى

·         تعاونت مع ممثلين عرب حاول كل واحد منهم أن يقدّم اللهجة الفلسطينية.

هيام عبّاس وصلاح كوكش كانا يُدرّبان الممثلين على اللهجة وكيفية نطق الكلمات والمفردات. ما فهمناه أن هناك لهجات معقّدة في كل قرية. مثلا: اللهجة المستخدمة في فيلم <<عطش>> لتوفيق أبو وائل هي لهجة أهالي منطقة أم الفحم، حيث أنهم يشدّدون على القاف وال<<تش>>. في قرى الجليل لهجات كثيرة وأساليب مختلفة في نطق الحروف والكلمات. لذا، قرّرنا في <<باب الشمس>> أن يتكلّم الرجال بالقاف والنساء بال<<آ>>، باستثناء أم حسن (نادرة عمران) التي تكلّمت بلهجة بدوية لأنها امرأة بدوية غريبة.

لكن، لماذا كان هناك مثل هذا التدريب؟ السبب بسيط: لأن الممثلين الفلسطينيين الجيّدين جميعهم موجودون في إسرائيل، ويستحيل مجيئهم إلى لبنان وسوريا (حيث صُوّر الفيلم). أصلا، واجهتنا مشكلة مع نادرة عمران ومحتسب عارف (الشيخ إبراهيم)، لأنهما أردنيان من أصل فلسطيني، وهذا يتطلّب أذونات خاصّة. أضف إلى ذلك كلّه أن الفيلم حسّي جدا، مما يعني أن عددا كبيرا من الممثلين الفلسطينيين يرفض مشاهد الحب والعلاقات الحميمة والأحاسيس، إما لأنهم لا يعرفون وإما لأنهم يرفضون القبلة. إحدى الممثلات قالت إن الفلسطينيين محافظون ولا يوافقون على مشاهد كهذه. لكن، كيف أنجبت النساء أولادهنّ؟ أبالروح القدس؟

إذا، هناك أكثر من مشكلة على هذا الصعيد. لكن المعيار الأهمّ في اختيار الممثلين بالنسبة إليّ هو: هل أصدّقهم وأراهم في أدوارهم أم لا؟ بصرف النظر عن المنطقة التي يأتون منها.

ما أردت تفاديه تماما من بداية المشروع هو الممثل المصري. الذين تعاونت معهم تكلّموا الفلسطينية بلكنات لبنانية أو سورية أو أردنية. لا بأس. لكني لا أقتنع باللكنة المصرية في اللهجة الفلسطينية. إذا سمعت كلمة فلسطينية مضغوطة باللكنة المصرية فإني مضطر لإيقاف التصوير. أما تعاوني مع الممثلين المصريين باسم سمرة وماهر عصام فمختلف، لأن الأول أدّى دور ضابط استخبارات فلسطيني تدرّب في مصر، فطلبت منه أن ينسى اللهجة الفلسطينية ويُعطيني اللهجة المصرية، والثاني يتحدّث المصرية لأنه عاش مع العمّال المصريين الذين جاءوا إلى المخيّم، وهو لا يتردّد عن القول في لحظة انفعال أن أبو عمّار نفسه يتحدّث باللهجة المصرية.

·         ماذا عن الدوبلاج؟

إن خيار الدوبلاج جريمة. حقّقت دوبلاجا فرنسيا وأخرجته. تعاونت مع ممثلين رائعين. هذا حقيقي في اللغات كلّها. لكن، هناك الانفعال الحقيقي الذي يقوله النص. أشعر بحسرة إذا لم يظهر في الفيلم، والدوبلاج لا يستطيع أن يقدّمه كما هو.

·         قلت إن الأهم بالنسبة إلى اختيارك الممثلين كامن في مدى رؤيتك إياهم في أدوارهم.

المشكلة الكبرى كانت في شخصية يونس. بالنسبة إلى الآخرين، شعرت بهم من النظرة الأولى تقريبا: حين التقيت ريم تركي رأيت نهيلة. شمس موجودة في حلا عمران. باسل خيّاط أعطاني خليل سريعا. في خلال مرحلة العمل، لم أر يونس لا في الرواية ولا في السيناريو. لم أفهم لماذا هو بطل. أصلا، لديّ مشكلة مع هذا الجيل، جيل مؤسّسي الثورة والقومية العربية، وهي مشكلة سياسية وعاطفية بمعنى ما. رأيت أهمية الدور الذي لعبوه، لكني عرفت الكوارث التي خلّفوها أيضا. منذ البداية، رفضت أن يؤدّي باسم سمرة هذا الدور، لأني لا أصدّقه، ولأني أسمع اللهجة المصرية دائما. لم أرد أن يؤدّي الدور ممثل جسمه فارع ووجهه طاغ، لأنه سيقتل الناس من حوله وسيقتل خليل. لو أتيت بشخص فارع وقوي البنية لصار الفيلم بطوليا، وأنا لست في وارد إنجاز فيلم بطولي. مرّ بعض الوقت ولم تتوضح الأمور أمامي إلاّ بعد أن استعدت الممثلين المصريين في الخمسينيات والستينيات، كأنور وجدي وعماد حمدي وشكري سرحان ورشدي أباظة وعمر الشريف. لذا، أردت ليونس أن يكون مختلفا، فالتقيت عروة النيربية. إن وجوده في الفيلم سمح للنساء ولخليل أن يتواجدوا من دون التضحية بيونس.

لو أدّى باسم سمرا شخصية يونس لوقعت في غلطة سياسية كبيرة وليس فقط سينمائية. كنت دخلت في العالم الخاص بالذين يتحسّرون على التجربة القومية والبطولات، وأخذت الفيلم إلى هذه المنطقة التي رفضتها بقوّة.

السفير اللبنانية في 11 سبتمبر 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

في "باب الشمس" يصور الفلسطيني إنساناً لا ضحية

يسري نصر الله

لا يوجد فيلم حرب جيد يقدم الطرفين

نديم جرجورة