تاريخ السينما المصرية مليء بالنماذج التي حققت نجومية في اداء الدور الثاني واصبحت علامات بارزة ومنهم من لمع بشكل ملفت في مجال الكوميديا، واشتهروا بأسماء الادوار وصفاتها، وتأتي زينات صدقي كأشهر عانس عرفتها السينما خلال نصف قرن.اسمها الحقيقي زينب محمد سعد من مواليد 1912، مولوده في حي الجمرك بالاسكندرية وكانت منذ طفولتها مغرمة بالتقليد والتمثيل. وكانت تشجعها صديقة لها هي خيرية صدقي، وذهبتا معا الى معهد انصار التمثيل والسينما الذي اسسه زكي طليمات في الاسكندرية، وكان المعهد يدفع مكافأة شهرية لطلابه، واعترضت اسرتها ان تحترف التمثيل، ولهذا لم تستمر في المعهد، بل ارغمت على الزواج وهي في سن السادسة عشرة من احد اقاربها وكان طبيبا لكن زيجتها لم تستمر طويلا، ورحلت مع امها وزميلتها خيرية صدقي الى بر الشام بحثا عن فرصة في مجال الفن. وفي رحلتها تلك تعرفت الى الفنانة بديعة مصابني وكانت زوجة نجيب الريحاني والذي بدأت معه مشوارها وهو الذي استبدل لها اسم زينب باسم زينات، واضافت هي اليه لقب صديقة طفولتها خيرية صدقي فأصبحت تحمل اسم «زينات صدقي». وعندما حققت بعض الشهرة، تزوجت للمرة الثانية، لواء في الجيش لكنه كره ان تعيش معهما امها وطلقته لانها تمسكت بألا تفترق عن امها، فطوال عمرها آمنت بأن الام هي كل شيء في حياتها وعندما ماتت امها كانت تؤدي احد ادوار البطولة في مسرحية لفرقة اسماعيل يس، وفي المساء رفضت ان يذهب احد الى المسرح لكي يعتذر عن ظهورها، وقالت «ليس للجمهور ذنب، فالحزن حزني انا» . وفي نهاية العرض، استبقى اسماعيل يس الجمهور وخرج ممسكا بيد زينات ليقول: ان هذه الفنانة الكبيرة التي اسعدتكم بفنها، فعلت هذا وقلبها يتمزق حزنا لوفاة والدتها هذا الصباح، وصفقت الجماهير طويلا الى درجة ابكت زينات على المسرح. كان الريحاني هو استاذها الاول، وعلى مسرحه ذاقت طعم الشهرة وعندما رحل في اوائل الخمسينيات دفعها حزنها عليه الى مقاطعة المسرح الى ان استطاع الراحل ابو السعود الابياري والفنان الضاحك اسماعيل يس اقناعها بالانضمام الى فرقتهما عام 1953. مثلت زينات صدقي حوالي 400 فيلم سينمائي، و300 مسرحية حيث كانت تؤدي باقتدار ادوار العانس الباحثة عن زوج، والخادمة خفيفة الظل والزوجة المستبدة التي تعيدها صفعة الزوج الى رشدها، وكانت تفجر نهرا من الضحك في نفوس المتفرجين وكانت ميالة الى الابتكار في الصورة التي تبدو فيها امام الجمهور ودائما كانت تظهر بملابس غريبة الطراز تفصلها بيديها او قبعات مزركشة بالطيور وثمار الفاكهة ومن مفاجأتها ان قدمت الى الاستديو لتمثيل فيلم «شارع الحب» وهي تحمل وسادة طرزت عليها اسم «الوسادة الخالية» لتحضنها وهي تمثل لوعة الغرام بالنابلسي. كانت «الفاكهة» الحلوة التي يلجأ الى تقديمها مخرجو الدراما الباكية الكبار للتخفيف من حدة الحزن وشحنته، هكذا كانت زينات صدقي منذ قدمها على الشاشة لاول مرة العبقري كمال سليم في فيلم «وراء الستار» مع رجاء عبده وعبدالسلام النابلسي الذي اعطاها البطولة السينمائية الوحيدة في فيلم انتجه هو «حلاق السيدات» وكان قمة أدوارها الضاحكة أمام اسماعيل يس في «الآنسة حنفي» و«دهب» و«اسماعيل يس في حديقة الحيوان»، وكانت صاحبة الاطلالة الضاحكة في أفلام مثل «ظلموني الحبايب» لعماد حمدي وصباح، و«ظلموني الناس» امام فاتن حمامة وانور وجدي و«اني راحلة» لمديحة يسري وعماد حمدي. ومن أكثر أدوار العانس تطرفا في الظرف الدور الذي لعبته «زينات صدقي» في فيلم «ابن حميدو» عام 1957، وكانت تقوم بدور «حميدة» الفتاة العانس التي يهرب منها العرسان، وعندما يظهر ابن حميدو تقوم بعمل مصيدة لتجبره على الزواج منها. ومن أهم اعمالها السينمائية «تحيا الستات» 1943، «الآنسة ماما» 1949، «تاكسي الغرام» 1954، «ايامنا الحلوة» 1953، «الأرملة الطروب» 1956، «الكمساريات الفاتنات» 1957، «معبودة الجماهير» 1966، أما آخر أفلامها فكان «بنت اسمها محمود» 1975. وعندما أنعم عليها الرئيس الراحل أنور السادات في السبعينيات بوسام العلوم والفنون وبحث عنها الفنان يوسف وهبي ليبلغها بالنبأ ويعلنها بموعد الحفل، ترددت في الذهاب، فلم يكن عندها الثوب المناسب للحضور به في الحفل، وخجلت ان تقول هذا ليوسف وهبي، وكانت منذ منتصف الستينيات شبه معتزلة لا يطرق بابها طارق يدعوها لعمل فني. وشعر يوسف وهبي بما تعانيه، فتولى علاج المشكلة بكياسة، وعندما علم السادات بظروفها الصعبة قرر منحها معاشا شهريا مدى الحياة، لكنها لم تنعم به طويلا حيث توفيت عام 1987، اي بعد تكريمها بعامين. لتبقى رمزا وقيمة لنجمة الضحك في الزمن الجميل.
البيان الإماراتية في 30 أغسطس 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
ريموت كونترول نجمات الزمن الجميل زينات صدقي أسامة عسل |
|