شعار الموقع (Our Logo)

 

 

وعن علاقته بالسينما يقول آلان روب غرييه في حوار معه نشرته مجلة سينماتوغراف الفرنسية العدد 107 الصادر في فبراير 1985 انه لم يكن متفرجا حريصا دوما علي مشاهدة الافلام الجديدة، لكنه يتردد عادة بكثرة علي صالات العرض، ويشعر بتسامح كبير تجاه افلام السينما التي لاتعجبه، لكنه لايرحم الاعمال المسرحية او الادبية، ويستطيع ان يشاهد فيلما من دون ملل للاعجاب بتمثيل واداء ممثل او ممثلة ما، او تأمل ديكورات الفيلم فقط، لكنه يسافر كثيرا، في حين تحضر سينمات العالم في باريس، عاصمة السينما في العالم، وكان في ما مضي يغيب طويلا عنها، و يستطيع ان يشاهد فيلمين في اليوم علي ظهر البواخر عابرات المحيطات، لكن لم يعد ذلك متوفرا الآن، وهو يكره مشاهدة الافلام علي متن الطائرات، لانها تذكره بشاشة التلفزيون الصغيرة، التي تأتي علي الجودة في الافلام، بتحويلها الي صور فيديو اليكترونية، تهتز علي الشاشة الصغيرة، ولذلك فهو لايحب مشاهدة الافلام علي شاشة التلفزيون في الفنادق، ولاتتاح له فرصة مشاهدة الافلام بكثرة فقط، الا في المهرجانات السينمائية الكبري التي يشارك في أو يترأس لجان تحكيمها.

ويحب آ.ر.ج في السينما جمالها الاستطيقي ويستمتع بمشاهدة الفيلم علي شاشة كبيرة من خلال العرض الجيد والصوت النقي، في حين تبدو له صور التلفزيون قبيحة وتافهة، حيث يختفي اطار الصورة وبخاصة في افلام السينما سكوب، حين تظهر الترجمة وقد شطرت الشخصيات في الصورة الي نصفين، وتتلاشي تدريجيا الحسية الكامنة في الصورة، ويبتر ذلك الاتصال الجسماني بها، في حين ان الشاشة الكبيرة تجعلنا نغطس في قلب الصورة، لكنها حين تظهر الصورة السينمائية علي شاشة التلفزيون فانها تبدو كما لوكانت طابع بريد تافه، ولايحب جرييه المخرجين الكبار المشهورين، ولذلك فهو يعجب ببعض افلام هيتشكوك مثل فيلم " دوار " VERTIGO وفيلم "الحبل" ولم تكن كل افلامه من الروائع كما يحسب البعض بل انه هيتشكوك صنع افلاما رديئة جدا مثل فيلم " مارني " او " من قتل هاري "، وهناك مناظر ومشاهد رائعة في الفيلمين، الا ان اصغر مصور يستطيع ان يلتقط صورا تضاهيها في جمالها بآلة تصوير صغيرة آلان.ويلاحظ آ.روب جرييه ان اسلوب سينما المسرح المصورLE THEATRE FILME سيطر علي اغلبية المخرجين الكبار المعروفين ومن ضمنهم الفرنسي رينوار الذي كان حريصا علي ابراز اهمية الديالوغ او الحوار في الفيلم واعادة انتاجه باكمل صورة، بل ان المخرج الامريكي الكبير مانكوفيتش صرح بان ابراز عنصر الديالوغ في الفيلم يمثل اقصي طموحاته في السينما، بينما نجد في بعض افلام هيتشكوك حوارات تافهة لاتنقطع، وهذه سينما ثرثارة لايحبها جرييه، ويتعجب فيها من اصرار مخرج مثل ايريك رومر علي المغالاة في تدبيج حواراتها، حتي يبدو له ان الكثيرين من المخرجين في السينما الحديثة هم في الاصل كتاب فاشلين، وكانوا يحبون في الأصل تأليف كتاب ما، ولذلك فإنهم يكتبون حوارا ثم سرعان ما يصورونه بالكاميرا وبذلك ينتهي الأمر.ويضيف جرييه " أنا في الأصل كاتب روائي، ولذلك فاني ابحث في السينما عن أشياء أخري غير الأدب، وغير الكلام، سواء علي لسان الراوي الغائب أوعلي لسان الشخصيات الحاضرة في الفيلم، وأكثر أفلامي ثرثرة فيلم " العام الماضي في مارينباد "، لاني كتبته لإرضاء آلان رينيه في المحل الأول، والأعمال السينمائية العظيمة في رأيي هي الأفلام التي يقل فيها الكلام، كما في أفلام الامريكي أورسون ويلز، والالماني ستيرنبيرغ، وأشارك المخرج الروسي الكبير ايزنشتين رأيه الذي أعلنه في كتابه " مانيفستو في الكونترابونط السمعي " MANIFESTE SUR LE CONTREPOINT SONOREمن تأليفه بمشاركة بودفكين والكسندروف، في ان انتقال السينما من مرحلة الافلام الصامتة الي مرحلة الافلام الناطقة بعد ظهورشريط الصوت ومنذ عام 1927، ادي بها الي الاستسهال، والاكتفاء بخلق الوهم بالواقع فقط عن طريق الكلام، وكان ايزنشتين اقترح ان تكون استخدامات شريط الصوت موظفة لتوليد صدمات جديدة اضافية تنضم الي صدمات الصورة في الفيلم عند لصق شريط الصوت بشريط الصورة، وعن تصادمهما تنتج أيضا صدمة إضافية او فرقعة مدوية، غير ان ماحدث هو العكس بظهور شريط الصوت، فقد تراجعت الأفلام الناطقة فنيا، وهبط مستواها بمقارنتها بأفلام السينما الصامتة، وتراجع مستوي أفلام الالمانيين فريتز لانج وستيرنبيرغ حتي بعد أن سيطرا علي عنصر الصوت الجديد، وادمجا الكلام كمادة بسيطة من مكونات الفيلم، في حين ابتلعت الكلمة في الأفلام الاخري لكبار المخرجين عناصر الفيلم الاخري، وكانت النتيجة اقتباس أعمال مسرحية ثرثارة في السينما وإخراجها بشكل شبه واقعي، وكان أن دعم بعض النقاد الفرنسيين هذا المنحي مثل الناقد أندريه بازان الذي أجزم بأنه أضر كثيرا بالسينما حين أكد انها بامكانياتها الكبيرة مثل الشاشة البانورامية، وعمق المجال، وعنصر الصوت، سوف تضع العالم حتما في متناول أيدينا، وكان يقول بان المونتاج الجيد، هو اقل مونتاج يمكن عمله، لأنه لايوجد مونتاج في الطبيعة، وأنا ضد بازان ومع ايزنشتين، لأني أؤمن بأن التركيب الحقيقي SYNTAXE في أي فيلم بعتمد علي المونتاج، ولايجب ان يختفي بل العكس لابد من ظهوره، وانا ضد الراكورRACCORD( تطابق الصورة مع الصورة السابقة عليها والتالية لها) الجيد كما يدرس في معهد الايديك، وعلامة جودة الراكور ان تغيب ملاحظته علي الجمهور اثناء عرض الفيلم، وبالنسبة لبازان كان علي الممثل أن يسعى إلي تقمص الشخصية في الفيلم وتجسيدها دما ولحما، وكان علي الالوان ان تكون طبيعية، واختفاء المونتاج كلية في الفيلم، وهي النظرية التي تدعو الي اختفاء تلك المواد التي تصنع بها الصورة، من أجل أكبر شفافية ممكنة في الفيلم، وانا ضد هذه النظرية، لأن الفيلم محدود بأطار ويكفي ان تطل من اكبر الشبابيك انفتاحا علي الحياة لكي تتبين ان لها حافة وهامش واطار مثل بقية الشبابيك في العالم.

وقد تطورت هذه الايديولوجية البازانية الطبيعية ان صح التعبير لتكون تجسيدا للحداثة في رأي بعض مخرجي "الموجة الجديدة" في السينما الفرنسية، ونتيجة ذلك ان اعظم المجددين الحقيقيين من امثال جودار وايريك رومر في تلك الموجة تم تهمشيهم تماما، اذ لم يحظ جودار ابدا بنفس النجاح الشعبي الذي حققه فرانسوا تروفو بافلامه، لانه رغم اعجاب جودار بنظريات بازان، فاننا نجد انه القي جانبا بثلاثة ارباع نظرياته، وسار علي دربه وهواه الخاص، وكان يميل اكثر الي ايزنشتين، ولذلك ايضا، وبسبب نظريات بازان، كانت أسوأ الافلام التي حققها تروفو هي الافلام التي حققت نجاحا جماهيريا، مثل فيلميه " المترو الاخير " و" الليلة الامريكية "، غير ان انجح فيلم حققه تروفو في رأيي، هو فيلم " اطلقوا النار علي عازف البيانو " بطولة المغني شارل ازنافور، لأانه اكثر افلامه قربا من افلام جودار، كما في فيلمه " عصابة منفردة "BANDE A PART واذا كنت استمتعت في بعض سهراتي بمشاهدة بعض افلام تروفو مثل " قبلات مسروقة " او " الصيف القاتل " فذلك بسبب اعجابي بتمثيل ايزابيل ادجاني، واتعجب لماذا لم يجعلها جودار تمثل دور كارمن في فيلمه، غير اني لا اشاهد ابدا هذه الافلام مرتين، علي العكس من افلام اخري رائعة مثل فيلم "وترحل السفينة " للايطالي فردريكو فيلليني وفيلم " ديفا " للفرنسي بينيكس، باختصار انا احب كل الافلام التي تبتعد عن الايديولوجية الواقعية.

موقع "إيلاف" في 12 أغسطس 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

سينما آلان روب جرييه (2/2)

ضد المسرح المصور والقطع الخفي والثرثرات اللامجدية ومع أفلام اورسون ويلز وجودار وايزنشتين

باريس/ صلاح هاشم