شعار الموقع (Our Logo)

 

 

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

مهرجان لوكارنو السينمائي الدولي:

نظرة سياسية على واقع إجتماعي متخبط في كل مكان

لوكارنو/ حليمة خطاب

Locarno

 

 

 

 

 

 

أختتمت قبل أيام فاعليات مهرجان لوكارنو السينمائي الدولي في دورته السابعة والخمسين, التي امتدت من الرابع حتى الرابع عشر من آب (اغسطس) الجاري. عشرة أيام ينتظرها جمهور الكانتون الايطالي في سويسرا باهتمام من عام الى آخر وينضم اليهم جمهور عريض من خارج سويسرا لمتابعة أعمال سينمائية يحملها المهرجان من كل أنحاء العالم الى جمهور مدينة لوكارنو.

أكثر من ثمانية عشر فيلماً من ثمانية عشر بلداً مختلفة تنافست للحصول على أعلى جوائز المهرجان وهي جوائز المسابقة الرسمية, أولها جائزة الفهد الذهبي التي تقدر قيمتها بـ90 ألف فرنك سويسري ونالها الفيلم الايطالي "خصوصيات". أما جائزة لجنة التحكيم, التي تبلغ قيمتها 30 ألف فرنك, فذهبت للفيلم الياباني "توني تاكي تانا", بينما حصل الفيلم الالماني "إن جارد" على جائزة الفهد الفضي التي تبلغ قيمتها 30 ألف فرنك وهي الجائزة الخاصة بأفضل ثاني عمل في المسابقة الرسمية. وراحت جائزة الفهد الفضي لأفضل عمل أول الى الفيلم الايراني "داستان ناتامان", وحصلت الممثلة ماريا كيدا بطلة الفيلم الألماني "إن جارد" على جائزة أفضل ممثلة, بينما حاز جائزة أحسن ممثل الممثل الفلسطيني محمد بكري عن الفيلم الايطالي "خصوصيات".

بلغ عدد الافلام المشاركة في دورة هذا العام 500 فيلم سينمائي من ثمانية وثلاثين بلداً, أما الأقسام الرئيسية التي توزعت بينها هذه الأفلام فقد تجاوزت الخمسة عشر قسماً كان أهمها بالطبع قسم المسابقة الدولية, الذي تنافست فيه الأفلام للفوز بجوائز المهرجان.

قسمان جديدان

أضيف الى أقسام المهرجان هذا العام قسمان جديدان أحدهما أطلق عليه اسبوع النقد وعرضت فيه الأفلام المخصصة للنقاد والسينمائيين, والآخر قسم "أمام الأخبار" وخصص لمجموعة الافلام التي تتناول العلاقة بين السينما والصحافة أو العمل الاعلامي.

وظلت الساحة الكبيرة لمدينة لوكارنو أكثر أقسام المهرجان حيوية وجماهيرية, اذ تتسع لأكثر من سبعة آلاف متفرج, يأتون لمتابعة فيلم جديد كل مساء في لقطة سينمائية جديرة بالاعجاب والتسجيل.

تميزت معظم الافلام التي شاركت في دورة هذا العام بأنها "افلام سياسية" كما توضح ايرينه بيناردي المديرة الفنية للمهرجان, قائلة: "أعتدنا في كل عام ان نشاهد افلاماً ترصد واقعاً اجتماعياً معيناً أو تتناول قيمة إنسانية ما, لكن المفاجأة أن غالبية الافلام هذا العام كانت سياسية في المقام الأول بمعنى أنها تعبر عن واقع سياسي ينعكس على مسيرة الاشخاص ويشكل ملامح حياتهم اليومية".

وبنظرة سريعة على بعض العناوين التي حملتها الأفلام نستطيع ان نتبين ان الحرب التي شنتها اميركا على العراق اشعلت أزمات عدة تعيشها المجتمعات العربية والغربية على السواء. أسماء الافلام تتنوع ما بين "نهاية الحرب", "لعبة الحرب" و"الحرب" لترصد حالة من التوتر الانساني التي يعيشها العالم منذ أن قررت اميركا حربها الشعواء على ما سمته بالارهاب.

إنها الحرب التي بدلت الواقع السياسي والاجتماعي في العالم, ذلك الواقع الذي بات يفرض نفسه على الاشخاص بل ويتدخل في طريقة حياتهم, وشكل علاقاتهم بالآخرين. واقع يرصده الفيلم الانكليزي "ياسمين" الذي عرض على جمهور تجاوز الثلاثة آلاف متفرج سادهم الاهتمام والترقب منذ اللحظات الأولى للفيلم وحتى نهايته, فقد استطاع المخرج جيني كيلان ان يقدم حال التناقض التي تعيشها ياسمين الفتاة الباكستانية المسلمة مع اسرتها في بريطانيا. تناقض يمزق أوصالها ما بين عقيدة وتقاليد يجب عليهاالانصياع لها مع زوج تبغضه ويفرضه عليها والدها, وما بين حياة عصرية متحررة ترغب في الاستمتاع بها. تختلي ياسمين المحجبة بنفسها في مكان بعيد وتتخلص من ملابسها الفضفاضة ومن الحجاب لترتدي الملابس العصرية وتطلق شعرها في الهواء وتذهب لتعمل برفقة آخرين يرونها فتاة مسلمة معاصرة. لكن هذه النظرة سرعان ما تتبدل بعد أحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) 2001, فيقبض على زوجها المعتوه بدعوى انضمامه لتنظيم القاعدة وتتعرض هي ايضاً للاعتقال ثم تُفصل من عملها. انه انقلاب سرعان ما يغير حياتها ويبدل نظرتها الى ذاتها ويعيد اليها هويتها المشوشة لتقرر الطلاق من زوجها وتصمم على ارتداء الحجاب محتفظة بهويتها المسلمة في مجتمع غربي متحرر, ربما يرفضها لكنها تنتمي إليه وتعيش فيه.

إنه وضع تعيشه الجاليات المسلمة في كل بلد غربي, غير أن السياسيين يجرّون خلفهم ملايين العامة الى أحكام وتصورات مفزعة عن المسلمين, هكذا يرى مخرج الفيلم كيني جيلان الأمور, مؤكداً أن ذلك الوضع "لا يمكن تغييره سوى بضمير جمعي يرفض الخضوع لأغراض الساسة وطموحاتهم".

الى فلسطين

إذاً, السياسة بطلة مهرجان لوكارنو هذا العام, نجدها حاضرة في معظم الأفلام التي أهمها فيلم "خصوصيات" للمخرج الايطالي سافيريو كوستانزو, الذي ترك الواقع الايطالي وذهب الى فلسطين محاولاً تحقيق فيلم تسجيلي قصير. غير أنه اهتدى في النهاية الى فيلم درامي تسجيلي طويل يرصـد حياة أسرة فلسطينية صغيرة تعاني وطأة ظروف نعرفها جميعاً. بطل الفيلم يجد نفسه واسرته المكونة من خمسة أولاد وزوجته, في مواجهة قوات الاحتلال التي تقرر احتلال الطابق الاعلى من المنزل بحجة تأمين مستعمرة يهودية قريبة من المنزل. انه الوضع المأسوي الذي يعيشه الفلسطينيون كل يوم حتى يحل الظلام ولا ترى العيون ما يحدث في الداخل: ترغم الاسرة على النوم في مواعيد محددة وداخل غرفة واحدة, يستفز الوضع الإبنة الراغبة في المقاومة بالسلاح ومقاتلتهم, لكن الأب يظل رافضاً المقاومة بالدم. ويدعوه أولاده الى نوع آخر من المقاومة, المقاومة بالاصرار والصبر والشجاعة والإيمان بأن الكذب والباطل لا يمكن أن ينتصرا دائماً على الحق. انها المقاومة السلمية غير السلبية, حيث تحاول الاسرة ان تواصل حياتها كما اعتادت على أمل أن يتضجر جنود الاحتلال من إصرارها وصبرها ويرحلون يوماً.

يرصد الفيلم تلك الخصوصيات الحميمة وتلك المشاعـر المختـلطة ما بين الحـب الذي تحمله الزوجـة لزوجـها على رغم اختلاف نظرتها عنه ورغبتها في الهرب بأبنائها بعيداً من فلسطين, وبين مشاعر الأبناء المتنوعة ما بين السلبية واللامبالاة وما بين الرغبة في المقاومة المسلحة والرغبة التي تستحوذ على الصغيرة ندى فتصمت عن الكلام حتـى النهـايـة, بينما تواصل الذهاب الى المدرسة كل يوم.

إنه واقع شديد الوطأة يعيشه الفلسطينيون في شكل يومي, وربما باتت هويتهم غير واضحة المعالم, تلك الهوية التي حاول إيليا سليمان بطل الفيلم الفلسطيني "سجل إختفاء" ومخرجه رصدها في شكل تسجيلي صميم انقسم ما بين رصد يوميات الأشخاص وشكل حياتهم وما بين ممارسات الاحتلال الاسرائيلي ضد فلسطين في معاناة لا أحد يعرف متى ستنتهي.

إنها المعاناة نفسها التي يحاول الفيلم الاسرائيلي "العروس السورية" تصويرها على نحو آخر يستعرض فيه قصة فتاة سورية تسكن وأسرتها هضبة الجولان وتقرر الأسرة تزويجها من نجم تلفزيوني سوري, لكن يوم زفافها يتحول أسود أيام حياتها وأكثرها تناقضا وحزناً, إذ تتعرض هي وأسرتها لأشكال مختلفة من المهانة والإذلال على أيدي الجنود الاسرائيليين.

ويأتي الفيلم المغربي "طنجة" للمخرج حسن لغزولي معبراً عن واقع آخر يعيشه العرب المهاجرون في أوروبا, حينما ينفصلون عن أوطانهم الأصلية ويضطرون للعودة إليها لسبب ما. يقرر بطل الفيلم أن ينفذ وصية أبيه بأن يدفن حينما يموت في قريته "أديرج" في المغرب, وبينما يعود الإبن حاملاً جثة أبيه في رحلة بحث عن هذه القرية, يتقابل بفتاة تجعله يكتشف حقيقة الواقع الذي تعيشه المغرب من فقر مدقع وتناقضات شتى, ليجد ذلك الواقع مغايراً تماماً لتلك القصص المثالية التي كان الأب يرويها عن المغرب. إنه الواقع الذي يشبه تلك الأغنية التي اعتاد الإبن سماعها منذ كان صغيراً, ولكنه لم يعرف معانيها إلا حينما صار رجلاً.

جاءت المشاركة العربية ضعيفة الى حد ما, فمن خلال أربعة أفلام من بينها فيلم اسرائيلي, كان الصوت العربي خافتاً إلى حد ما, غير أن الفيلم الايطالي "خصوصيات" استطاع أن يطلق العنان لأصوات عربية خالصة تعبر عن مأساة الفلسطينيين التي يعانونها يوماً بعد يوم, واستطاع الفيلم في النهاية لا أن يستحوذ على اعجاب الجمهور العريض الذي شاهده فقط, بل حصد أهم جوائز المهرجان وهي الجائزة الذهبية, ونال الممثل الفلسطيني محمد بكري جائزة أفضل ممثل ليضيف حضوراً عربياً قوياً ربما لم يتوقعه جمهور مهرجان لوكارنو السينمائي.

الحياة اللبنانية في 27 أغسطس 2004