هل يمكن الحديث عن سينما نسائية؟، أم أن هذا الوصف يحمل في طياته رغبة سلبية في التمييز؟، فالأكيد أن التجارب الفنية التي قدمتها العديد من المخرجات في جميع مناطق العالم أكدت أن النساء يمتلكن نظرة خاصة تختلف عن زاوية عمل الرجال، فأعمالهن تتميز بشفافية ملحوظة، وقدرة كبيرة على كسر التابوهات. في هذا العدد من ملحق سينما سيجد القارئ عدة محاور حول ما يوصف بسينما المرأة من خلال العديد من الاطروحات التي وان اختلفنا معها إلا أنها تصب بشكل أو بآخر في حيز قراءتها من منظورات عدة منذ فترة السبعينيات أصبحت للمخرجات مكانة مهمة في الفن السابع، حيث برزت العديد من الأسماء سواء فيما يخص الأفلام الروائية أو الوثائقية، والتي استقبلها الجمهور والنقاد باهتمام بالغ، مما يفسر فوز العديد من الأعمال النسائية بأرقى الجوائز العالمية. وتتميز هاته الأعمال النسوية بتركيزها على المشاكل السياسية والمظاهر المجتمعية السلبية، كما تقدم صور جسد المرأة وتحررها العاطفي والجنسي، بالإضافة إلى المواضيع التي تتطرق لمشاكل الطفولة والمراهقة دون نسيان بطبيعة الحال العلاقة بين الرجل والمرأة. وهكذا، فإن المخرجات اقتحمن السينما بمواضيع قوية ساهمت في تحطيم الطابوهات، مما أدى في نفس الوقت إلى حيازة الإعجاب وإثارة الاختلاف، لكن ماهو سبب اختلاف أفلام النساء؟، هل تدخل تلك الأعمال في إطار سينما أخرى؟، هل يمكن مثلا الحديث عن سينما نسائية؟، ألا تحمل هذه الصفة نوعا من التمييز؟. تتوفر كل مخرجة على أسلوبها الخاص الذي تشتغل به في مجال تخصصها سواء في الميدان الوثائقي أو التخييلي أو حتى البورنوغرافي، وهكذا برزت مجموعة من الأسماء مثل: آني فاردا، ونيلي كابلان، ونيكول غارسيا، وكلير دينيس، وكولين سيرو، وكاثرين بريي، وصوفيا كوبولا، بالإضافة إلى مخرجات في آسيا مثل سميرة مخملباف، وفي الشرق الأوسط مثل إيناس الدغيدي. وما يميز هذه الأسماء هو التنوع واختلاف زاوية العمل، مما جعل منها قوة دينامية ساعدت على إضافة الكثير الى عالم السينما، لأن كل مخرجة تقدم نظرتها الخاصة للأمور، وبالتالي تساهم في تطور تاريخ السينما وتنوعه. لكن أفلام النساء لها خاصية مهمة تتركز في النظرة النسوية المتميزة لمشاكل المجتمع ولوضعية المرأة والتقاليد والرغبات، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، وإذا كانت المخرجات يركزن بصفة أساسية على الواقع المجتمعي والأسري والحياة الجنسية، فلأن هذه المواضيع هي التي تسمح لهن بتطوير صورتهم وتأكيد هويتهن. لمدة عقود كانت السينما تقدم مجموعة من المواضيع انطلاقا من وجهة نظر ذكورية، لهذا فإن ما يميز الأعمال النسائية اليوم هو أنها تحاول أن تكسر التصورات القائمة منذ مدة، ولعل أبرز مثال في هذا الإطار هو السينما الهوليوودية التي قدمت المرأة في صورة الكائن المتسلط، أو الأم الخالدة، أو الزوجة الخائنة، وهكذا فإن هوليوود في زمنها الكلاسيكي لم تكن تقدم المرأة ولكن فقط صورا لها، وهكذا فإن الممثلة مارلين مونرو في استجواب لها سنة ٢٦٩١ صرحت قائلة: » لم يكن الناس ينظرون لشخصيتي، ولكن فقط لما أمثله، فهم كانوا يرفضون أن يتصوروا بأنني أعيش فعلا«. وهكذا، فوضعية مارلين مونرو تؤكد إلى أي درجة كانت المرأة تقدم في الشاشة فقط كمصدر للإثارة مع اخضاعها لعملية تشيئ، وهو ما نلمسه من صورة العديد من الممثلات مثل: بريجيت باردو، وصوفيا لورين، وكلوديا كاردينالي، وكاثرين دونوف، وأورنيلا موتي، اللواتي قدمن كلهن في صورة الحبيبة المأساوية، والبورجوازية المتدهورة، أو الحالمة، أو ضحية النزعة الذكورية، أو تم تصويرهن في صورة شيطانية، وقد اعترف العديد من المخرجين بأنهم يجدون صعوبة في رسم ملامح المشاكل النسائية في الشاشة بسبب الخلفية الذكورية التي تتحكم فيهم. مبدئيا من يمكن أن يتحدث عن مشاكل النساء وكيفية عيشهن في العالم المحيط بهن؟، العديد من المخرجات عبرن عن رغبتهم في تصوير واقعهن بصورة مغايرة، عن طريق اقتحام الحدود واكتشاف مجالات جديدة كانت في السابق مهمشة أو منسية، وهكذا فإن هذه المجالات أصبحت مساحة لكشف الحقيقة واكتشاف العالم من زوايا مختلفة، لهذا فإن الأفلام التي ظهرت في الستينيات كانت لها طبيعة نضالية، كما نجد في أشرطة أني فاردا، ونيلي كابلان، ومارغريت ديراس. لكن المشكل أن العديد من الجهات لا ترى في المواضيع التي تتناولها النساء إلا مواضيع خاصة، حيث لا يتم النظر إلى دلالاتها البعيدة، وهكذا فإذا كانت كاثرين بريي تتعرض للمواضيع الجنسية فإنها تهدف إلى شيء أبعد من ذلك، وتعبر عن ذلك بالقول : »ليس الهدف من أفلامي هو الإبتزاز، ولكنها صرخة غضب لأنني تلقيت تربية خاطئة، كما أن الجنس في بعض جوانبه يشكل اليوم أكبر مظهر للعنف، والناس عليهم أن يعرفوا ان السينما هي نوع من التخييل الذي يساعد على تصريف العديد من المكبوتات«. تقول كاثرين دونوف: »تتوفر النساء كذلك على الشجاعة للتطرق للمواضيع الجنسية، كما أنهن لا يجدن حرجا كبيرا في تصوير المشاهد الحميمية حيث يتشبثن بتصوير ما يجول في اذهانهن على عكس المخرجين الرجال الذين يتفادون الإحراج«. وهكذا فإن المخرجات يجدن سهولة كبيرة في الحديث عن الطابوهات وفي تحليل خبايا العلاقة بين الرجل والمرأة مما يعطي لنظرتهن السينماية تميزا إلا أنه قد يؤدي الى تهميشها لهذا فإن الحديث عن سينما نسائية لا يعدو أن يكون إقرارا بوجود اختلاف في استقبال هذا النوع من الفن عند المتلقي لأنه يعرف مبدئيا بأن الفيلم قد تم انجازه من طرف امرأة ولأنه لا يمكن تلخيص خطاب سينمائي للعديد من المخرجات في إطار واحد لهذا فالعديد من المخرجات مثل نيلي كابلان وليتيسيا ماسون يرفضن الحديث عن السينما النسائية لأن دخول النساء إلى عالم السينما منحها ليس فقط نفسا جديدا ولكن ساهم في ظهور زوايا ورؤى سينمائية تتناول مواضيع مبتكرة لهذا تقول المخرجة توني مارشال: » لا أعتقد أنه يمكن منح جنس لفيلم معين لأن هناك العديد من الرجال الذين يتوفرون على جوانب أنثوية أكثر من الإناث، لهذا فلا أؤمن بوجود أفلام نسائية وأحذر من أن تسقط المخرجات في هذا الفخ لأن في هذه المهن النساء محتاجات للذكور والعكس صحيح، فالسينما كانت دائما قضية زوايا ونظرات التي يتم تغذيتها بالحساسيات التي تؤثر في كل شخص، أما الحديث عن سينما نسائية أو ذكورية فيعني نسيان المهم وهو أن السينما هي فعل إبداعي تجديدي«. يتفق الجميع على اعتبار أليس غاي بلاشي التي ولدت سنة ٣٧٨١ وتوفيت سنة ٨٦٩١ أول مخرجة في تاريخ السينما، وذلك بفضل فيلمها القصير »les fee aux choux« والذي ظهر سنة ٠٠٩١ وقد انجزت غاي مئات الأفلام لم تصلنا بكاملها، أما لقب ثاني مخرجة فتتصارع عليه السويدية أنا هوفمان أدرغن والأمريكية لويس ويبير التي أنجزت أكثر من ٠٠٢ فيلم، كان أبرزها »أين أولادي؟« سنة ٦١٩١، والذي يتطرق لمشكل الأطفال اللقطاء، وقد تناولت ويبير بعد ذلك العديد من المواضيع المهمة مثل: الرشوة السياسية والتطرف الديني والوصولية. وحسب الإحصائيات المتوفرة فإن فترة السينما الصامتة عرفت وجود حوالي ٦٣ مخرجة استطاعت بعضهن انجاز افلام رعاة البقر مثل روث آن بالدين. أما في عهد السينما الناطقة فقد برزت العديد من المخرجات مثل: جيرمين ديلاك التي أخرجت ٢٥ فيلما أثارت العديد من الإنتقادات، إلى غيرها من المخرجات مثل إيرما فيب وجين روك في فرنسا، أما في ألمانيا فنجد مخرجات ارتبطن بالحملة الدعائية مثل ثيا فون اغربو وليني ريفنستال التي كانت المصورة الخاصة لهيتلر، ولوث رينيغير و ساغان شليسنغير، بينما منحت إيطاليا مخرجة واحدة هي إلفيرا نوتاري التي توفيت سنة ٦٤٩١، وقد عرفت باقي البلدان الأوربية وجود العديد من المخرجات مثل في هولندا وبولونيا وانجلترا. أما فيما وراء الاطلسي فقد عرفت كندا أول مخرجة وهي نيل شيبمان التي بدأت في انتاج واخراج وتشخيص افلامها ابتداء من سنة ٠٢٩١، أما في الولايات المتحدة فإن العصر الذهبي للإخراج النسوي كان بين سنتي ٠٤٩١ و ٠٦٩١، حيث يمكن ذكر اسمين بارزين هما: مايا أديرن وآدا ليبينو. الأيام البحرينية في 3 أغسطس 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
«سينما المرأة»
خالد الرويعي |
اسهام السينما في حركة تحرير المرأة د. ناهد رمزي: لا تختلف صورة المرأة في الأفلام السينمائية في كل من المادة المذاعة والمشاهدة، ولكن المرأة تقدم من خلالها بأسلوب يتسم بالتسطيح والتبسيط المبالغ فيه، وبشكل يخلو من العمق الدرامي أو الأبعاد النفسية التي تعمل على تحليل الشخصيات، بما يقدم المرأة في صورة لا تعبر إلا عن فئة من النساء، غافلة عن الأنماط الأخرى من النساء ذوات الشخصيات الإيجابية أو ذات الفعالية، فتقدم المرأة أحياناً في دور سلبي، أو في دور يقبل القهر والضغط النفسي، أو تبدو متورطة في أعمال غير شريفة أو أمينة دون التعمق في الأسباب أو الدوافع الحقيقية التي دفعتها إلى هذا العمل أو أدى بها إلى الانحراف، بما يوحى أن ذلك السلوك إنما يتناسب وطبيعتها التي تقبل الضغط أو الابتزاز، أو أن ذلك الانحراف إنما هو أمر كامن في طبيعتها. وتشير إحدى الدراسات المصرية عن صورة المرأة في الأفلام السينمائية (ضمت ٠١٤ أفلام سينمائية، وتضمنت ما يقرب من ٠٦٤ شخصية نسائية احتلت أدواراً اجتماعية متعددة ومستويات اقتصادية متباينة) إلى أنه على الرغم من هذا التعدد، فإن المرأة ظهرت من خلالها في دورها التقليدي أو الأنثوي، حيث صورت كمخلوق وُجدَ لإمتاع الرجل، فلا تشغلها القضايا العامة لمجتمعها، ولا تتأثر بمشكلاته القومية أو السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، بل يشغلها دائماً أمور الحب والزواج والرغبة في الإنجاب. كما دارت نسبة كبيرة من هذه الأفلام في فلك الانحراف الشخصي، فصورت فيها بأشكال شتى من صور الانحراف، وحتى عندما صورت كعاملة أو دارسة للعلم أو مشاركة في تنمية مجتمعها، فإنها لم تظهر إلا بنسب ضئيلة أيضاً، كما ظهرت المرأة الريفية الكادحة بنسب أكثر ضآلة لا تتناسب ونسبتها في المجتمع المصري )منى الحديدي ٧٧٩١). كذلك، لم تتعرض الأفلام السينمائية إلى حركة تحرير المرأة أو إسهامها في مجال العمل السياسي إلا لُماماً، هذا على الرغم من أن الحركة النسائية العربية المعاصرة ـ خاصة في مصر بحكم موقعها الريادي في العالم العربي ـ قد سبقت ظهور وتطور السينما بوصفها فناً وصناعة بوالي نصف قرن، بمعنى أن صورة المرأة في السينما المصرية قد بدأت تتشكل في إطار خلفية ناضجة من النضال السياسي والاجتماعي لتعزيز دور المرأة ومكانتها في المجتمع. ومع ذلك ظلت السينما المصرية تقليدية في نظرتها إلى المرأة، وفي طرحها لقضايا فات أوانها وانتهى عصرها. يضاف إلى ذلك أيضاً بعض المتغيرات الجديدة التي بدأت تلعب دوراً ذا بال في تقديم نوعية هابطة من الأفلام، يلعب فيها عامل الربح المادي الدور الأساسي بهدف التوزيع الخارجي، وهي نوعيات من الأفلام تلقى رواجاً في بعض الدول المستوردة لتلك الأفلام، بما يعني أن القائمين على صناعة السينما قد تخلوا عن الدور المنوط بالعمل الفني الإبداعي وماله من دور مؤثر في تغيير اتجاهات أفراد المجتمع، والقضاء على المد الرجعي من خلال بث رسائل اجتماعية أو ثقافية ذات مضمون هادف اللجنة الاقتصادية لغربي آسيا. الأيام البحرينية 3 أغسطس 2004
|