حينما تلقّى نزار حسن دعوة لعرض فيلمه "اجتياح" في المؤتمر المقبل لمنظمة "انبوت" في برشلونة, لا شك في أنّه شعر بفرحة ممزوجة بالاعتزاز... ذلك أن تجربة هذا السينمائي الفلسطيني الذي بدأ يعرفه الجمهور العربي في لبنان ومصر والأردن... سجالية واشكالية مثيرة للاهتمام. "انبوت" كما هو معروف منظمة عالمية تعنى بالانتاج التلفزيوني والسينمائي المستقل والحر, وتشجع الانتاج الجديد. لكنّ نزار لم يكن يعرف أنّه سيعيش مغامرة عبثيّة... تحمله إلى "مجاهل" أفغانستان! بعد موافقته المبدئية, تسلّم المخرج الشاب بالبريد الالكتروني استمارة اشتراك, لملئها واعادتها الى الجهات المختصّة, فدوّن كل التفاصيل المطلوبة بطريقة شبه ميكانيكية: المخرج نزار حسن, العنوان الناصرة - فلسطين, المنتج: رائد انضوني - رام الله - فلسطين, إلخ. فتلقّى على الفور رداً آلياً, بما معناه أن الاستمارة استوفت الشروط المطلوبة. لكن الرد الالكتروني أشار الى مشكلة عابرة, بدا حلّها بسيطاً: فبما ان فلسطين - شأنها في ذلك شأن بعض الدول العربية الاخرى - ليست عضواً في المنظمة أي ليس لديها مندوب لدى "انبوت", وبما ان المنظمة المذكورة تشترط ان يكون لكل بلد مندوب يقوم بكل الاجراءات والترتيبات اللازمة للمشاركين من بلده, فقد عين مندوب خاص أطلق عليه اسم "مندوب بقية العالم".. وعليه, فسيرد الفيلم, في حال قُبل ضمن التظاهرة, وإلى جانبه عبارة : بلد الانتاج: "بقية العالم" (فلسطين). وعاد نزار حسن فتلقّى بعد أسبوع من الردّ الأوّل, رسالة توضح أنه ارتكب خطأ إذ صنّف فيلمه تحت خانة "بقية العالم". فبحسب الاستمارة التي ملأها والمعلومات التي أرسلها, ينبغي تصنيف الفيلم تحت خانة اسرائيل. وبالتالي تطلب الرسالة منه التوجه الى المندوبة المفوضة لبلده السيدة نوعومه... ويروي نزار حسن في جريدة "الأيام" الصادرة من رام الله: "لم استطع مواصلة القراءة, فخططت لهم هذا الرد: "حضرة السادة, لم اذكر اسم اسرائيل في استمارتي ولو لمرة واحدة, اما اذا أصبتم بالعمى عندما قرأتم استمارتي, او قبل قراءتها, فلا قدرة لي على معالجتكم. اما اذا استنتج احدكم ان الخطأ الفادح وقع حينما كتبت, الناصرة - فلسطين, فلست مسؤولاً عما في الدنيا من غباء, وطني اسمه فلسطين (...) لا ارغب بالتعامل معكم, اسقطوا فيلمي من حساباتكم وتذكروا انكم انتم من طلب مشاركة الفيلم في المؤتمر, فاخرجوه حالاً!". لكن المسألة لم تتوقّف عند هذا الحدّ. بعد أسابيع تلقّى نزار رسالة جديدة من "أنبوت" جاء فيها: نحن سعداء لأن فيلمك "اجتياح" للاشتراك في مؤتمرنا. وبالطبع, سيمثل الفيلم ومخرجه فلسطين تحت خانة "بقية العالم". وتطلب من السينمائي أن يسجل حضوره الكترونياً على موقع المنظمة. لكن بقيت مشكلة السفر. فتكاليف السفر والاقامة, هي "على عاتق دولة المشترك, والمندوب المفوض لدولته في المنظمة"... أي تقوم بتغطيتها احدى الجهات الرسمية في وزارة الخارجية او الثقافة, او تلفزيون القطاع الخاص... إلخ. اتصل نزار حسن بمندوبة من "انبوت", بدت ملمة بملفّه واشكالية هويّته الرسمية التي لا ينتمي إليها. واخذت المندوبة على عاتقها تكاليف الاقامة والاتصال بسفارة فلسطين من اجل تأمين تذكرة السفر. وعندما تفحّص صاحب "اجتياح" موقع المنظمة, للاطلاع على الافلام المشاركة, تصفّح القائمة التي بدت فيها أسماء الدول بالتسلسل الأبجدي, والى جانبها اسماء المشاركين والاعمال المشاركة, فلم يجد لفلسطين أثراً. انتابته حال رعب ممزوجة بالغضب, وفكّر في قرارة نفسه: "لقد فعلوها!", أي وضعوا فيلمه في خانة اسرائيل, كونه من الأراضي العربية المحتلّة عام 1948! لكنه لم يجد اسمه هناك, فتنفس الصعداء. لكنّه وقع في حيرة: أين اسمه واسم فيلمه إذاً؟ بعد استفسارات ومراسلات جاءه حلّ اللغز, في ردّ رسمي من المنظمين: "لا تعترف "انبوت" بفلسطين, ولا يمكن تغيير هذه الامور بسرعة, لذا قمنا بادراج اسمك تحت اسم دولة افغانستان". هكذا وجد نزار حسن نفسه أفغانياً بسحر ساحر. فما كان منه الا أن حاول الاتصال بالسفارة الافغانية في مدريد, لكنّه اكتشف ان سفارتها الوحيدة في واشنطن. وطبعاً ردّت السفارة بلطف: نتمنّى حضوراً أفغانياً في المؤتمر, وأنت لست افغانياً". بمعنى آخر, فإن حكومة أفغانستان غير مستعدة لدفع ثمن التذكرة! أمام سخرية القدر التي جعلته يتسوّل بطاقة سفر الى برشلونة من سفارة أفغانستان, أطلق نزار الحسن السهم الأخير في جعبته. طلب من محام صديق توجيه رسالة تحذير الى منظمة "انبوت" يحذرها من تعريض حياة موكّله (نزار حسن) للخطر. إذ اصبح يعيش حال هلع بعد ادراج اسمه العربي في خانة افغانستان, ويخشى ان تتعرض له جهات امنية عربية, بتهمة الانتماء الى الافغان العرب! وكان أن جاءه الردّ الحاسم: "العزيز نزار, ألف مبروك, نحن سعداء جداً, إذ اعترف بفلسطين. وهي موجودة الآن على موقعنا الالكتروني وفي وثائقنا الرسمية". جريدة الحياة في 29 يوليو 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
وجهة نظر: طريق فلسطين تمرّ في أفغانستان؟ بيار أبي صعب |
|