مغامرات في نابولي «نابولي» مدينة جميلة تطل علي البحر الأبيض المتوسط، أقامت مهرجانها السينمائي السادس الشهر الماضي وفي إطار تبادل ثقافي معنا عرضت لي بعض الأفلام إلي جانب أفلام المخرج الراحل، «رضوان الكاشف» وفيلم هاني خليفة «سهر الليالي» في المسابقة الرسمية. ولي مع هذه المدينة ذكريات تعود إلي الستينيات زرتها ثلاث مرات. المرة الأولي مع عائلتي في سفرية علي متن إحدي السفن العملاقة التي تأتي من أستراليا إلي إنجلترا وتتوقف في بورسعيد حيث بدأت رحلتنا معها لتمر بنابولي ثم جبل طارق وتنتهي بميناء «تلبري» بلندن. وهي رحلة بمثابة إجازة في حد ذاتها فالباخرة الضخمة «حوالي 30 ألف طن» تتفنن في تسلية ركابها، خاصة ركاب الدرجة الأولي من حمام سباحة لمشاهدة أفلام لحفلات راقصة لشتي أنواع الألعاب الرياضية وغيرها... هذا إلي جانب الولائم التي تقدم يوميا. وهي رحلة سبع ليال تكاد تفصلك عن العالم كله. وأثناء توقفها نهارا كاملا بميناء نابولي لمحت علي سطح باخرة أخري علي وشك أن ترسو أيضا بالميناء جارا إيطاليا لي في القاهرة كان هو وأمه وأخته قد قرروا الهجرة إلي أستراليا بعد أن يمروا بالإجراءات اللازمة في إيطاليا.. وكانت صدفة غريبة إذ أننا كنا قد ودعناهم في القاهرة منذ بضعة أيام، والتقت العائلتان لنتاول الغذاء في إحدي مطاعم نابولي ولنودعهم مرة أخري. المرة الثانية كانت رحلتي بمفردي من لندن إلي الإسكندرية عن طريق ميناء مارسيليا في فرنسا. وإن كنت هذه المرة علي متن سفينة أقل حجما ودرجة أقل فخامة وكانت في انتظاري بميناء «نابولي» خالة أتت خصيصا من «ميلانو» حيث تعيش لتقابلني وتطمئن علي. ودعتني للغذاء لدي إحدي صديقاتها الإيطاليات كانت تعيش في مصر واستقرت في نابولي. المرة الثالثة هي رحلة مثل السابقة تماما، إلا أنني لم أجد خالتي في انتظاري هذه المرة بالرغم من اتفاق مسبق، وفي حيرة قررت أن أخوض مغامرة البحث عن منزل صديقتها الإيطالية التي لم أكن أعرف عنوانها وأتذكر اسمها، كل ما تذكرته هو المدرسة الأمريكية التي شاهدتها من شرفة شقتها. فسألت عند محطة الأوتوبيس عن المدرسة فدلوني علي الأوتوبيس الذي يذهب إلي المنطقة، وحين أشار لي السائق بالهبوط عندما وصل إلي المدرسة أسرعت لأطلب من حارسها أن يسمح لي بدخول الفناء لكي أحاول تذكر شكل العمارة التي زرتها منذ عام كامل، وعندما فشلت في مهمتي لمح لي الحارس أن هناك مدرسة أمريكية أخري للكبار بعد عدة محطات فلم أفقد الأمل واستقللت أوتوبيسا آخر ليوصلني إلي مدرسة الكبار ومن فنائها وجدت العمارة التي أبحث عنها، وأمام بواب العمارة سألت عن العائلة المصرية ففهم فورا ما أقصده ودلني إلي شقة صديقة خالتي التي دهشت حينما وجدتني أمامها وإذا بخالتي تتصل بها تليفونيا من الميناء لتحكي لها عن عدم وجودي لتخبرها الصديقة أنني في منزلها بتلك اللحظة، وكم شعرت بالانتصار أن بدون اسم أو عنوان وفي بلد غريب وصلت إلي هذا المكان. وإذا كنت قد قضيت في كل زيارة بضعة ساعات فقط ففي رحلتي الأخيرة قضيت عدة أيام أشاهد أفلاما وأتجول بشوارعها وأتذوق طعام مطاعمها، و«نابولي»، مثل «مارسيليا»، مثل الإسكندرية، يحتويهم البحر المتوسط بمناخه وروحه وفنانيه..... المغنية الفرنسية القديمة «إيدين بياف» «ترعرعت في مارسيليا»، و«صوفيا لورين»، اكتشفت في نابولي والإسكندرية قدمت لنا سيد درويش وعمر الشريف وديميس روسو وغيرهم من النجوم، وإذا كانت الألسن بكل مدينة تنطق لغة مختلفة عن الأخري إلا أن لغة عشق الحياة تجمعهم جميعا. جريدة القاهرة في 20 يوليو 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
مخرج علي الطريق محمد خان |
نابولي المهرجان وباريس المولد بعد الثلاثة مهرجانات سينمائية الأولي لنابولي، توقف بضع سنوات ليعود إلي الحياة منذ سنتين بإدارة جديدة ووجه جديد.... وبما أنني لم أكن بدراية بالوجه القديم فكل شيء بدا جديدا بالنسبة لي واعتمدت علي الأقاويل والمقارنات من آخرين فمثلا دار العرض التي كان يعرض بها المهرجان أفلامه من قبل كانت قرب الجامعة وفي قلب المدينة إلا أنه كان قد انتقل إلي صالة جديدة متعددة الشاشات وأفخم وتقع في منطقة أكثر رقي... النتيجة كما عايشتها هي قلة عدد المقبلين علي المهرجان لدرجة أن بعض أصحاب المحلات المجاورة لا يعلمون أن هناك مهرجانا أصلا في نابولي وكعضو في لجنة التحكيم تحتم علي مشاهدة الاثنا عشر فيلما روائيا في المسابقة الرسمية. وقد كان شرط قبولي عضوية لجنة التحكيم هو أن يتولي المهرجان نفقات سفري عقب انتهائه ذهابي إلي باريس لحضور مهرجان السينما العربية وعودتي إلي روما للالتحاق بطائرة مصر للطيران التي تحمل تكلفة رحلتي من القاهرة وزارة الثقافة المصرية ولم أكن أتيقن مدي سياسة التوفير التي يمارسها المهرجان إلا عند وصولي مطار روما فبدلا من الاتجاه إلي نابولي بالطيران المحلي «رحلة أقل من ساعة»، وجدت أوتوبيسا ليقلنا إلي نابولي في خمس ساعات في وقت الذروة، وفوق كل هذا عدم وجود أي مسئول ليستقبلني في الفندق الذي سأقيم فيه مكتفين بملف به تعليمات أحداث اليوم التالي فكان العشاء علي نفقتي الخاصة قبل أن أكتشف أن غداء وعشاء الأيام التالية سيكون أيضا علي نفقتي الخاصة ماعدا دعوات محدودة من قبل أفراد أصدقاء للمهرجان وفي منازلهم واكتفي المهرجان ببوفيه بارد بأحد دهاليز ـ وصف دقيق ـ قاعات العرض مفتوح يوميا للغذاء علي الواقف وحضرته أول يوم فقط ولم أعد إليه وحين طلبت من الإدارة حق استعمال الثلاجة الموجودة في حجرتي بالفندق خاصة الماء. تكرمت بالموافقة في حدود عشرين يورو طوال إقامتي، وإذا حسبنا تسعيرة الفندق المبالغ فيها لكل زجاجة ماء فقد كانت حوالي 5 يورو للزجاجة فهذا معناه أنه كان من حقي 4 زجاجات ماء «حجم صغير»، في 9 أيام. ثم هناك تذاكر السفر إلي فرنسا فتفننت إدارة المهرجان في البحث عن أرخص وسيلة عبر شركة طيران خاصة تعمل بأسلوب الأوتوبيس الطائر وقد دفعت ثمن هذا غاليا كما سأكتشف فيما بعد. وصلت إلي مطار أورلي في باريس في الحادية عشرة مساء ولا أجد أي شخص في انتظاري بالرغم من علم إدارة مهرجان الفيلم العربي بموعد وصولي وفي حيرة اتصلت بالمخرج يسري نصر الله الذي كنت أعلم أنه متواجد في باريس كعضو لجنة تحكيم فدلني علي الفندق الذي يقطن به بعض المدعوين لأستقل تاكسي وأتجه إليه وأجد أنه بالفعل هناك حجز باسمي بالفندق، وحين أبديت غضبي لإدارة المهرجان في اليوم التالي كان الرد أنه بما أن فيلمي «كليفتي» سيعرض خارج المسابقة الرسمية فدعوتي كانت شبه تبرع من المهرجان لي، هذه الإهانة استقبلتها بروح رياضية علما بأنني وافقت علي عرض الفيلم بناء علي موافقة إدارة مهرجان فينيسيا مسبقا الذي يحرم عرض أي فيلم بأي مهرجان آخر إذا كان سيقبل بمهرجانه المهم دوليا وأيضا موافقتي كانت بناء علي طلب مهرجان الفيلم العربي ذاته. وبالرغم من أن الفيلم حدد له صالة خارج مبني المهرجان وفي توقيت يتعارض في نصف الساعة الأخيرة من زمن عرضه مع عرض الفيلم المصري «سهر الليالي» المشترك في المسابقة الرسمية وفي الصالة الرئيسية بمبني المهرجان الذي يبعد حوالي عشر دقائق سيرا علي الأقدام من صالة العرض التابعة لفيلمي فقد اكتظت الصالة براغبي مشاهدة أحدث مغامراتي السينمائية. علاقتي بمهرجان الفيلم العربي في باريس تعود إلي نشأته وهو المكان والمناسبة التي تجمعني بزملاء المهنة من أنحاء البلاد العربية ولكن مع مرور السنين تحول المهرجان إلي مولد يذكرني بمهرجان الإسكندرية في أسوأ حالاته. ثم تأتي النهاية غير السعيدة لأكتشف في مطار أورلي أن الأوتوبيس الطائر قد ألغيت رحلته الصباحية إلي روما وبالتالي لن ألحق بالطائرة التي ستعيدني إلي القاهرة واضطررت إلي أن أتجه إلي مطار شارل ديجول «مسافة ساعة بالأوتوبيس» وأشتري تذكرة علي نفقتي الخاصة «740 يورو» لأعود في نفس اليوم إلي بلدي... وإلي الفيلم الجديد الذي أعد له «بنات وسط البلد»، وأقلب صفحة جديدة في حياتي ويصبح مهرجان نابولي ومولد باريس في طي النسيان. جريدة القاهرة في 27 يوليو 2004 |