شعار الموقع (Our Logo)

 

 

تثير الأفلام القليلة التي تتناول حياة، أو جزءا من حياة أديب مشهور أسئلة عديدة، ذلك أن الناس يحبون أن يتعرفوا على خصوصيات كاتبهم المفضل، ويحبون أيضا مقارنة حياته بالشخصيات التي أبدعها، وما إذا كانت هذه الشخصيات انعكاسا لهذه الحياة في فترة معينة. لكن الواقع أننا لم نشاهد الأدباء على الشاشة البيضاء إلا نادرا، فلا توجد أفلام روائية عن ماركيز أو دوستوفسكي أو نجيب محفوظ وغيرهم، خلافا للعدد الكبير من الأفلام المبنية على رواياتهم. فلِم كان ذلك ؟ الحق أن المسألة يمكن تناولها من جانبين: الأول هو توفر مصدر موثوق يروي سيرة الأديب، والثاني هو الكيفية التي ستقدم بها هذه السيرة على الشاشة.

إن من الصعوبة بمكان أن يعتمد مخرج على معلومات غير أكيدة يبني عليها فيلما عن أديب ما، فالمعلومات المتضاربة يمكن أن تشوه صورة الأديب الذي ينظر إليه أبناء أمته نظرة إعجاب وإكبار. لذلك لا بد من توفر مصدر موثوق يصدق الناس أنه يرسم صورة حقيقية لأديبهم. والسيرة الذاتية، في هذا المجال، تعد أهم المصادر التي تفيد المخرج في مقاربة حياة الأديب، لأنها مكتوبة بيده، وهو يعترف، عبر وصفها بالسيرة الذاتية، أن المكتوب فيها حياته تماما. لذلك لم يكن غريبا أن نرى فيلمين عربيين اعتمدا على هذا المصدر المهم. فالفيلم الوحيد الذي تناول حياة طه حسين هو فيلم ( قاهر الظلام ) الذي أخرجه عاطف سالم، واعتمد فيه على كتاب «الأيام الشهير»، الذي يعده البعض أهم سيرة ذاتية في الأدب العربي. كما شكلت رحلة توفيق الحكيم إلى فرنسا، التي صور بعضها في روايته (عصفور الشرق) الأساس الذي بنى عليه يوسف فرنسيس فيلمه عن الحكيم، بالعنوان ذاته. ومع أن الحكيم لم يقدم روايته على أنها سيرة ذاتية، إلا أنه اعترف أن بطل الرواية (محسن) يمثله شخصيا حين عاش في فرنسا. ومن الطريف أن الفيلم قدّم لنا توفيق الحكيم ذاته وهو يحكي لنور الشريف، الذي أدّى دور محسن، بعضا من تفاصيل تلك الحقبة في فرنسا. وخلافا لهذين الفيلمين، لم يعمد أحد إلى مقاربة سينمائية للسير الذاتية للأدباء العرب، على الرغم من توفر بعضها على عناصر درامية واضحة، خصوصا سيرة فدوى طوقان، وسيرة محمد شكري المثيرة بجزئيها، والتي سمعنا عن محاولات لتحويلها فيلما سينمائيا.

هذا يقودنا إلى سؤال مهم هو: هل تحوي حياة كل أديب مزايا وسمات يمكن عبرها تحويلها إلى فيلم ؟ فالفيلم في النهاية سرد درامي، وهو مضطر إلى اجتذاب الجمهور الذي يخاطبه، فلا بد من وجود مشكلات في حياة الشخصية حتى تكون مؤهلة لصنع فيلم. ولعل حياة بعض الأدباء لا تختلف عن حياة الناس العاديين، فلا يوجد فيها جاذبية سردية تغري المشاهد بتتبعها. لذلك يحاول بعض المخرجين اختيار اللحظات الحاسمة أو الغريبة في حياة أديب ما، لأنه بذلك سيفاجئ المشاهد بصورة غير مألوفة عن أديبه، كما فعل المخرج جوس فان سانت في فيلم (البحث عن فورستر) الذي صور فيه الأديب البريطاني إي. إم. فورستر في فترة اعتزاله الحياة العامة ولزومه لشقته

واللافت أن بعض المخرجين يستفيد من هذه اللحظات المعينة التي عاشها الأديب، فيبني عليها هو حكاية متخيلة، ليصبح الفيلم عندها مزيجا من الواقع والخيال. وذلك مثلما نرى في الفيلم الإيطالي (ساعي البريد) للمخرج مايكل رادفورد. فالفيلم يتناول قصة رجل بسيط يعمل ساعي بريد في إيطاليا، في الفترة ذاتها التي نفي فيها الشاعر التشيلي العظيم بابلو نيرودا إلى إيطاليا. وحادثة إبعاد نيرودا إلى إيطاليا حقيقية فعلا، والمخرج يبدأ بتقديم لقطات وثائقية من لحظات وصول نيرودا إلى إيطاليا، لكن العلاقة التي نشأت بين نيرودا (أدى دوره الممثل الإيطالي فيليب نويريه) وساعي البريد مجرد خيال سينمائي برع المخرج في تقديمه. فالساعي مكلف يوميا بتسليم نيرودا الرسائل التي تصله من أنحاء العالم، وكثير منها رسائل إعجاب من نساء يعشقن شاعر الحب الكبير. وقد حاول هذا الرجل البسيط محاكاة نيرودا سواء في نظم الشعر أو في الانتماء إلى الاتجاهات اليسارية، ورغب أن يصبح مثله معشوقا للنساء عبر الشعر. ونحن نرى نيرودا الإنسان في هذا الفيلم، الإنسان العاشق، الصديق، الذي يعلم ساعي البريد معنى الشعر، ويساعده على الفوز بقلب محبوبته. وهذه الأحداث المتخيلة تلتقي مع صورة نيرودا الجميلة في الأذهان، التي يحتفل العالم هذه الأيام بمئوية ولادتها.

وإذا كان عدد كبير من الأفلام قد بني على مسرحيات شكسبيرية، فإن ظهور شكسبير ذاته بطلا لفيلم ( شكسبير عاشقا ) قد حقّق نجاحا جماهيريا كبيرا، لما لشكسبير من هالة في النفوس، وللصورة التي ظهر عليها في الفيلم. فالناس اعتادوا أن يقرأوا عن شكسبير الكاتب والممثل، وتخيلوا حقيقته عبر صورته الهادئة التي تصور رجلا عاقلا متزنا، لكنهم لا يعرفون حدود حياته الشخصية. فإذا بالفيلم يقدم لنا، لا صورة شكسبير العاشق الولهان فحسب، بل يخبرنا أن روميو وجولييت ما هي إلا قصة حقيقية اكتوى شكسبير بنارها. وأن روميو الفارس النبيل، ليس إلا شكسبير ذاته، الكاتب الفقير الذي عشق فتاة أرستقراطية. وقد برع المخرج جون مادين في إقامة تواز بين خطين من الأحداث، الحدث الشكسبيري وهو عشقه للفتاة الأرستقراطية، والحدث المتخيل روميو وجولييت، فصرنا نشاهد مشهدا لشكسبير غارقا في عشق فتاته، ومشهدا له وهو يكتب ما حدث معه تماما على شكل مسرحية روميو وجولييت. وإذا كان الواحد لا يملك أن يتحقق من الصدق التاريخي لعشق شكسبير هذا، فإن بعض النقاد رأوا في الفيلم محاولة للانتقاص من قيمة شكسبير كمبدع، فهو يقول لنا إن قصة الحب الأسطورية هذه التي غدت رمزا للعشاق ليست من إبداع شكسبير ولا من نتاج خياله، بل هي قصة حقيقية حدثت معه بكل تفاصيلها. كما شاهد المتفرج شكسبير الشاب النزق أحيانا، المندفع الذي لا يخلو من عيوب، بحيث يصعب على المشاهد أن يقتنع أنه أمام أعظم كاتب مسرحي في تاريخ بريطانيا. حتى إن البعض بالغ ورأى في الفيلم غمزا هوليوديا لبريطانيا وقيمها، عبر كاتبها الرمز، مثلما حدث في أفلام عديدة سابقة مثل قلب شجاع والوطني لميل جيبسون. لكن الفيلم في النهاية كسب الرهان الجماهيري والنقدي، فحاز على جائزة أوسكار أحسن فيلم، وأحسن ممثلة (جوينيث بالترو)، ورشح الممثل جوزيف فينيس لجائزة أوسكار عن أدائه لدور شكسبير.

الرأي الأردنية في 25 يوليو 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

الأدباء في الأفلام السينمائية:

الجاذبية السردية والغرائبية في حياة المبدعين

عمر خليفة