شعار الموقع (Our Logo)

 

 

السينما لم تكن بالنسبة له وسيلة لـ «اكل العيش» ، وانما مشروع محدد الملامح يهدف من ورائه الى التفرد والانفراد بمساحة خصصت له وحده، لذا فان المخرج «داوود عبدالسيد لايكترث بالضوضاء التي تحيط به ولايقلقه ان عدد افلامه التي قدمها منذ اوائل الثمانينيات وحتى الان هو سبعة افلام فقط» الصعاليك.البحث عن سيد مرزوق،الكيت كات،ارض الاحلام، سارق الفرح، ارض الخوف، مواطن ومخبر وحرامي»، وانما هو يسعي بجدية لتحقيق شيء في خياله.. شيء جعل كل فيلم من افلامه السبعة محط جدل ونقاش ومتعة بصرية وفكرية وعلامة بارزة علي خارطة السينما المصرية.

وربما هو نفس الشيء الذي تسرب الى جمهوره العادي والنخبوي فاستقبل هذه الافلام بحفاوة وفرح عندما حصل داوود عبد السيد مؤخرا على جائزة التفوق من الدولة تقديرا لتميزه واثرائه للحركة السينمائية بأعمال بارزة، تلك الجائزة التي لاشك انه فرح بها ولكنه لم يعتبرها نهاية المطاف اوالهدف الذي يسعي اليه، ولذا فانهم حينما سألوه: هل تشعر بالانتصارلاحلامك بعد الجائزة ؟، اجاب ببساطة وعفوية: أنا لم أقدم بعد كل أفكاري ولهذا أشعر بالتعادل لا مهزوم ولا منتصر.

واليوم يحضر لفيلمه الثامن «رسائل بحر» وكان مرشحا لبطولته النجم احمد زكي لكن أزمته الصحية التي يعاني منها عطلت التصوير، وقد تسربت الاخبار ان الفيلم ينتمي للسينما السياسية ولكن داوود يعترض على هذا التوصيف قائلا: أنا لا اصنع أفلاما سياسية إنما عندي دائما هاجس سياسي، ولذلك كل أفلامي فيها سياسة لكنها في نفس الوقت لا تصنف على أنها أفلام سياسية..

الكيت كات ـ مثلا ليس فيلما سياسيا لكن السياسة كانت موجودة فيه لأن السياسة باختصار موجودة في كل شيء من حولنا، مثلا في فيلمي الأخير ـ مواطن ومخبر وحرامي ـ كانت السياسة موجودة عندما تعرضت للفساد فيها من خلال شخصية المخبر الذي اصبح عضوا في البرلمان رغم انك لو سألتني هل تعتبر ـ مواطن ومخبر وحرامي ـ فيلما سياسيا سأقول لك لا.

وهنا تتضح لنا الصورة كاملة، فهو مخرج لديه خطة سينمائية ينسج خيوطها يوما بعد الاخر علي مهل حتى ينفذها باتقان المحترف الشغوف بعمله، انه يحاول ان يصنع افلاما ممتعة تنفذ مباشرة الى الوجدان وتتسلل الى العقل وتكون قادرة على الوصول للجمهور العادي ويستطيع الجمهور الاكثر نخبوية ان يري فيها ابعادا اخرى، فمنذ ان قرر احتراف السينما وهو لديه تصورات عن الجمهور، وعن الفن.. وكيف يصل الى هذا الجمهور، وهذه الرؤية يحرص عبد السيد ان يعبر عنها، فهو دائما يقول:

عادة اصنع افلامي وفي ذهني الجمهور، وكيفية امتاعه،احيانا يكون العمق الشديد ضد الجماهيرية. جايز. لان الاستمتاع بعمل عميق يحتاج الي تركيز اكثر وثقافة ارفع وظروف مشاهدة افضل... الخ، لكنه ليس ضد الجماهيرية بشكل مطلق، اذ يفترض ان العمل العميق له ايضا جمهوره.

النقاد يطلقون عليه فيلسوف السينما المصرية، ربما لما تحمله افلامه من ثقل فكري وعمق يمنحها خصوصية شديدة، وهذا بالطبع كان يتطلب التاني والدراسة والبحث و... كل ذلك قد يمتد سنوات قبل ان يخرج الى النور، فقد تخرج داوود عبدالسيد من معهد السينما في العام 1967، ولكنه لم يبدأ مشواره السينمائي الا في اوائل الثمانينيات، بل انه صور اول افلامه في العام 1983 وعرض في العام 1986، وهنا يقول:

تأخري في البداية يرجع إلى انني بعد التخرج كنت «عامل معسكر تدريب لنفسي» أكتب وابحث واشتغل، وبعد هذه السنوات كنت قادرا على أن أصل لما أريده، ولهذا فمنذ عام1977 ظللت اشتغل على أول فيلم «الصعاليك» وتأخر لظروف إنتاجية ثم كان المشروع الثاني وهو فيلم «الكيت كات» وذهبت به إلى كل الشركات تقريبا ورفضوا إنتاجه بحجة أنه فيلم كئيب وهذا استغرق خمس سنوات وأثناء هذا قمت بتصوير فيلم «البحث عن سيد مرزوق».

ويفضل عبدالسيد ان يكتب افلامه بنفسه معتبرا ان الكتابة هي عمل ذاتي وانه كمخرج له مطلق الحرية في اختيار مايريد، ومؤكدا ان السوق السينمائية تحاول أن تفرض ما تريده ولكنه يحاول ان يجعل السوق تعمل مايريده وهذا يحتاج إلى جهد أكبر من الاقناع والبحث والموافقات، خاصة وان افلامه تدعو للتفكير ولفهم المجتمع والحياة وعدم رفض كل ماهو مختلف، وهي موضوعات وقضايا مثيرة للجدل.

وحين يكتب فان الممثل يكون في خياله يريده ان يحقق دوره بشكل صحيح، وهنا يقول داوود: هناك ممثل يضيف، واخر يحقق الموجود بشكل رائع، وثالث بشكل معقول، ورابع يحققه بطريقته لا بطريقتي، اوبتصوره وليس وفق تصوري، هذا يكون وفق الممثل، المطلوب من الممثل ان يكون ضمن اطار الخطة ويحقق دوره بشكل صحيح، له بعض الحرية بالطبع لانه ليس مجرد «ماريونيت» كما تقول بعض المدارس، الممثل الحلو لابد ان يفاجئك سواء في الدور كله او في لحظات منه.

تظل الحرية هي هاجسه الاكبر، شأنه في ذلك شأن اي مبدع، فليس من حق اي احد ان يمنع الحرية، وهو كمخرج مسيحي لم تمنعه الافكار المتشددة التي تحاول ان تفرض سطوتها على المجتمع من التفكير الحر او الوقوع في فخ المتزمتين، فهو بقدر رفضه لهم وللتطرف بشكل عام، يقول:

لدي هموم اهم من هويتي كقبطي، ووجهة نظري ليبرالية جدا، ومفادها انني لااحب نفي اي ثقافة بما فيها ثقافتي، وبالتالي اعتبر ان اي هوية، قبطية اونوبية اوغيرها، اضافة على مستوى الفرد وعلى مستوي قومى، انا مع وجود ثقافات وهويات مختلفة، انا لا انفي هويتي كقبطي، لكنها في الوقت نفسه ليست هما عاجلا بالنسبة لي، على الرغم من انها ربما تكون ضرورة بالنسبة لاخرين.

البيان الإماراتية في 23 يوليو 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

سبعة أفلام جعلته فيلسوف السينما

داوود عبد السيد : الكتابة عمل ذاتي والفيلم العميق له جمهوره

ناهد صلاح