شعار الموقع (Our Logo)

 

 

في هذه الحلقة الاولى عن كتاب سينما 2004 للمؤلف + الكاتب محمد رضا نستعرض معه اهم الافلام العربية والعالمية من خلال قراءة نقدية للأعمال المختارة ويبدأ المؤلف متناولاً التعليم الفلسطيني «يد آلهية» للمخرج ايليا سليمان قائلاً: في مطلع الفيلم مشهد لرجل في لباس بابا نويل يحمل الهدايا ويقف في هضبة ينظر حوله في خوف. مجموعة من الأطفال والأولاد تركض وراءه. يهرب منها.

يصعد الى أعلى الهضبة والأطفال يلحقون به ويرشقونه بالحجارة. كل ذلك بلقطات طويلة قبل حلول اللقطة المتوسطة الأولى في الفيلم حيث بابا نويل وقد وقف، متهالكاً، أمام ما يشبه الضريح وفي بطنه سكين مغروز. يعد ذلك يلتقط المخرج إيليا سليمان في نحو ثلث ساعة مشاهد شبه منفصلة اشبه بمناظر عامة من حياة الفلسطينيين في الناصرة.

وليست كل المناظر جميلة: والد بطل الفيلم يقود سيارته صباح أحد الأيام والمارة يعرفونه جيداً فيبادرونه بإلقاء التحية الودودة. لكن الرجل يرد عليهم بأقذع الشتائم. التي لا يسمعونها، رجل اعتاد وضع سيارته أمام كاراج جاره. آخر اعتاد رمي الزبالة في حديقة بيت جيرانه. وثالث يقوم بهدم جانب من الطريق من دون تبرير واضح. كالعديد من مشاهد الفيلم الآخرى، يقودنا الفيلم الى حالة بين الكوميديا والمأساة.

مشاهد ايليا سليمان صور انتقادية في أوضاع معينة تشبه بدايات فيلمه السابق «سجل الإختفاء» (والعنوان الفرعي للفيلم «سجل الحب والألم»). ومثل «سجل الإختفاء» ايضا، هناك فاصل بسيط ينتقل فيه الفيلم من تسجيل ملاحظاته على البيئة الى المرحلة التي تليها. والمشهد الفاصل هنا هو الذي يسقط فيه الأب مريضا ـ بقلبه وهمه ـ على الأرض.

في اللقطة التالية مباشرة ينتقل الفيلم الى سجل آخر. انه لا يزال على أسلوبه العام من حيث تصوير مشاهد مقتطعة وغالبا بروح ساخرة، مرحة وكرتونية. في تلك اللقطة نشاهد المخرج نفسه يقود سيارته. الكاميرا الى جانبة وهو يأكل حبة مشمش. يصل الى نهايتها وتبقى البذرة. يرميها من شباك سيارته المفتوح على جانب دبابة اسرائيلية. لقطة للدبابة وهي تنفجر بقوة.

من هذه اللحظة ايليا سليمان يستخدم الواقع لينطلق منه صوب الخيال الجانح. يوظف الحركة العادية لتقديم مستويات من السخرية. واذا تلاحظ، تجد ان حلول سليمان تتماشى مع وضع يجد نفسه فيه، كفلسطيني، في القاع. ليس لديه حل للمقاومة وللنصر سوى ترك خياله يجول في تجسيدات غير واقعية: الدبابة الإسرائيلية التي تنفجر ببذرة المشمش، البالون الذي يحمل صورة عرفات ويطير فوق رؤوس الجنود الاسرائيليين. برج نقطة الحدود وهو يتهاوى عندما تمر الفلسطينية الشامخة والجميلة.

ثم هي عندما تتصدى لقوات الأمن الإسرائيلي وهم يتدربون على الرماية فتطيح بهم. اليد الإلهية هي تلك المعبر عنها بتلك الحلول المنتظرة. يوميات بطل الفيلم (ايليا سليمان نفسه من دون اسم لشخصيته) تتضمن زيارة والده في المستشفى والإلتقاء بالفتاة التي يحبها عند حاجز يقع على الطريق بين القدس ورام الله (حاجز رام).

هو يكره قطع الحاجز صوبها وهي تكره قطع الحاجز صوبه، او ربما يرفضانه. يلتقيان عند مكان مشرف عليه. عوض الحديث معاً يشبكان يديهما ويتطلعان الى حيث جنود الإحتلال يوقفون السيارات المارة. يدففون. يرجعون او يسمحون او يخرجون البعض ويضعونهم مرفوعي الأيدي لا هم أسرى ولا هم أحرار، العاشقان لا يتكلمان. ليست هناك من كلمة واحدة بينهما لأن الحب ممنوع اليوم.

ثم يأتي يوم آخر. يصل هذا الشخص الذي لا يتكلم (بذا أقرب الى شخصية باستر كيتون او جاك تاتي) الى المكان ومعه بالون أحمر عليه صورة الرئيس ياسر عرفات. ينفخه في السيارة وهي تنظر الى مايقوم به بعينين حائرتين. يفتح النافذة التي في سقف السيارة ويطلق البالون الذي يطير باتجاه الحاجز ويدخل القدس يحوم فوق الكنيسة ويحط على قبة مسجد:

انتخاب عرفات سينمائيا في وقت كانت اسرائيل تشكك في شعبيته. في مشاهده الرمزية ايضا يستخدم ايليا سليمان صورة فتاة فلسطينية جميلة. نراها تهدم حاجزا مرت بقربه، ترمق متعاونا فلسطينيا بنظرات متحدية، وأهم ما تقوم به هو تصديها لقوات أمن اسرائيلية تتدرب على إطلاق النار على أهداف ثابتة. تخرج لهم. تتحداهم. تبادلهم فنون القتال الشرقية وتنتصر عليهم في مشهد مصمم على طريقة أفلام النينجا لا يقصد به أن يكون متلاحما او منطقيا، بل لكي يقدم تلك الفتاة رمزاً لفلسطين التي لا تموت.

في مشهد آخر بالغ الدلالة يقع بين بطل الفيلم يتوقف بسيارته عند اشارة ضوئية وبين يهودى في سيارته بمخاذاته. يضع بطل الفيلم أغنية مستقاه من أغنية نينا سايمون الكلاسيكية I put spell on you (وموشحة بصوت مطربة عربية مع ايقاع مختلف). تشتبك عينا سليمان بعيني اليهودي. يتبادلان نظرة طويلة، عميقة بمعين من الغضب. يتعاركان بصريا وفي عراكهما الصامت تلخيص لتاريخ الصراع بأسره.

البيان الإماراتية في  15 أبريل 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

سينما 2004

"يد إلهية"

انفجار الدبابة الاسرائيلية ببذرة مشمش