"موضوعي هو الإنسان, وهو كل ما يهمني. عندما توجد مشكلات في البلد, فإن الجميع يخضع لها, ويعاني منها". هذا ما يردده المخرج الإيراني جعفر بناهـي في لقاءاته مع الجمهور والصحافة. في فزول, المدينة الفرنسية الصغيـرة القريـبـة من الحدود السويسرية, وحيث مهرجان الفيلم الآسيوي يلقى إقبالاً كبيراً, كان بـنـاهـي محاطاً في قاعة السينما التي عرض فيها فيلمه "دماء وذهب" (بحسب الترجمة الفرنسية) بمجموعة من الإيرانيين الذين قدم بعضهم من القرى والمدن المجاورة لرؤية فيلمه وللاجتماع معه. وقد تبعوه الى مقهى المهرجان بعد انتهاء لقائه مع الحضور الفرنسي, لمتابعة الحديث معه مشكلين حوله "دائرة" كان من الصعب خرقها على رغم الموعد المقرر مسبقاً. وبناهي الذي ولد عام 1960, درس الإخراج في طهران وأنجز افلاماً قصيرة وطويلة للتلفزيون الإيراني, ولكن افلامه السينمائية لا تعرض في ايران! وقد عمل مساعداً لعباس كياروستامي في فيلمه "عبر شجر الزيتون", ونال جائزة الكاميرا الذهبية في كان عن فيلمه "البالون الأبيض", والأسد الذهبي في البندقية عن فيلمه "الدائرة". وفيلمه "دماء وذهب" هو الرابع, وقد كتب له السيناريو كياروستامي وذلك عن واقعة حقيقية. تحوّل الطيب يحكي الفيلم, الذي يعرض حالياً في الصالات الفرنسية في عروض تجارية, قصة تحول شاب طيب مسالم الى قاتل نتيجة شعور بالإهانة تحكم فيه وسيطر على تفكيره. موزع للبيتزا يتنقل على دراجته النارية في انحاء طهران, يصادف اشكالاً وأصنافاً متنوعة من الناس. يعاني المذلة من طريقة تعامل بائع للمجوهرات معه, ومن عدم التفاته إليه سوى لنصحه بتهذيب بارد جارح, بالتوجه الى البازار لشراء الذهب لخطيبته, فهناك سيجد مبتغاه من المجوهرات المحلية الرخيصة, بدلاً من المجوهرات المستوردة التي يبيعـها العجوز, والتي ليست لأمثال هذا الشاب الذي احتفظ بهيئته الفقيرة المحرومة, على رغم الجهود التي بذلها في التأنق والتي ذهبت سدى.
- نعم! فالفيلم يحكي عن المشكلات الاجتماعية وكل ما من شأنه دفع الناس نحو القاع. هناك حيث الضغط كبير على الأفراد. وعندما يكون النظام الاقتصادي ضعيفاً, فإن الفرق بين الطبقات يغدو اكبر. في فيلمي, انا لا ادين اي طبقة. اذ مهما كانت تلك, فهي لا تهمني, ما يهمني هو الإنسان. لأنه عندما توجد مشكلة ما في المجتمع فالجميع يخضع لها.
- الغني له مشكلاته في الاندماج في المجتمع. اما العائدون فموقفهم يتوقف على الزمن الذي تركوا فيه البلد. هؤلاء الذين نشأوا في بلد اجنبي ولا يعرفون المجتمع الإيراني, اتخذوا عادات جديدة. ولكن الجيل الذي نشأ في ايران وتربى فإن احساسه بالمجتمع الإيراني ما زال موجوداً.
- صحيح هناك منع, ولكن الناس يحتفلون. يعرفون ان حفلة الزواج محظورة ولكنهم يقومون بها. لا يمكن منع ذلك حتى لو حاولوا. وقد يحاول الشبان اظهار احتفالهم كنوع من التحدي او التمرد ولإظهار انهم لا يخشون المنع. واجتماع الشباب يرافقه دائماً وجود الشرطة. ومنذ ثلاثة اشهـر تجمعـت قوى الأمن امام حفلة كهذه, لتوقف الشبان واحداً بعد الآخر وحاول اثنان الفرار وكان نصيب احدهما اثنتي عشـرة طلقـة اردته قتيلاً.
- لا اريد الحديث عن الإسلام. لست مخرجاً سياسياً. ولست هنا لأقول هذا جيد وهذا سيئ. السياسة هي شيء موقت, والمخرج السياسي ليس مخرجاً جيداً بالنسبة إلي. فهو يقرر في فيلمه الحسن من السيئ. المتفرج هو الذي سيقرر من هو المخطئ ومن هو المصيب وليس انا. اذا كنا لا نحب عرض هذا النوع من المشكلات فهذه مشكلتنا الخاصة. في الدين مذاهب عدة وداخل كل مذهب مذاهب... والتصنيف ليس من وظيفتي. عندما اتحدث عن مشكلة اجتماعية على علاقة بوضع اقتصادي فهذا فقط للتفكير فيها وبمنشأها. ليس لإدانة اي شيء او لإعطاء الحلول. هذه الأخيرة اتركها للسياسيين. وإن كان المتدينون هم الذين عليهم ان يعطوا رأيهم فليعطوه. أتكلم عن مبادئي وأفكاري وليس عن شيء آخر. لا مكان لها في ايران
- احاول كل ما بوسعي لتعرض في ايران. وقد عرض لي فقط "البالون الأبيض". وأرادوا حذف بعض المشاهد من فيلمي "دماء وذهب" لإجازته ولكنني رفضت.
- مشهد توزيع بائع البيتزا الطعام على الحرس. وعلبة السجائر ماركة 57 وهو عام قيام الثورة الإيرانية (السنة الفارسية), والنكات حول الزواج وعذرية الفتاة.
- لا أراقب نفسي ولا افكر في هذا على الإطلاق. وأعتبر ان الرقابة والحذف من الذات هي اشد وطأة من رقابة الدولة.
- احاول ان يرى افلامي اكبر عدد ممكـن من الإيرانيين في الخارج. ويوماً ما سيعرض فيلمي هذا في ايران وآمـل بـأن يأتـي هذا اليوم سريعاً. لا يهمني ما يفكر به الآخرون. عندما اقوم بإنجاز فيلم لا افكر بشيء. لا بوضع بلدي ولا بالخارج ولا بالنقد ولا بالمهرجانات. وأنا لا اركض وراء احد لعرض افلامي بل هم الذين يفعلون. انجز فيلمي كما احب انا, وقد يحبه الآخرون وقد لا يفعلون. وسيكون اسوأ فيلم لو قمت بمراعاة احد. احقق فيلمي لشخص واحد فقط. وإذا قال لي لا اريد ذلك, فأنا لا أفعله. وهذا الشخص هو ضميري.
- هؤلاء الذين يجب ان يعرفوني, يعرفونني: المثقفون والنقاد ومحبو السينما.
- لدي افكار كثيرة ولكن ايها سأختار؟ في رأسي معركة تتصارع فيها الأفكار ومن الصعب معرفة اي منها سيفوز! لدي فكرة عن دخول الأميركيين الى العراق. الإنسان هو المسألة. فالنـاس الذيـن خـرجوا مـن ديكتاتورية صدام هم يعانون الآن من العدوان الأميركي. جعفر بناهي. جريدة الحياة في 19 مارس 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
المخرج الإيراني جعفر بناهي: الذين يجب أن يعرفوني يعرفونني ندى الأزهري |
|