شعار الموقع (Our Logo)

 

 

حينماو صل فرانك كابرا الى السينما كان مشبعاً بقوانين الكيمياء التي درسها, بكل ما فيها من التركيب الذي تعتمد عليه السينما كثيراً, فصنع لنفسه اتجاهاً خاصاً, لا يوازيه سوى جون فورد ووالت ديزني, منذ نهاية العشرينات الماضية, وعلى مدى نصف قرن.

ينتمي كابرا الى عائلة ايطالية مهاجرة. ولد في صقلية عام 1897 وبدأ نشاطه في هوليوود عام 1926 مساعداً لاثنين من اهم مخرجي الكوميديا, هما هال روش وماك سينيت, قبل ان ينضم الى الممثل الكوميدي الشهير هاري لانغدون, كاتباً ثم مخرجاً, ثم التحق بشركة كولومبيا ليقدم افلاماً كوميدية وميلودرامية, مع نوع من المغامرات, ثم يصعد ليكون استاذاً للكوميديا الأميركية, وحصل على ثلاث جوائز اوسكار, وظل نشاطه متواصلاً حتى عام 1990 اي قبل عام من وفاته.

وتأتي خصوصية اعمال كابرا من تركيزه على شخصية المواطن العادي التي ترى فيها الغالبية العظمى من الناس صوراً عنها, وامتد تأثير كابرا الى مختلف تيارات السينما العالمية, بينما كان يطور تجربته في المونتاج مستفيداً من خبرته العلمية.

ايمان بالحلم الأميركي

قال عنه جون فورد انه استلهم حياة اولئك الذين يؤمنون بالحلم الأميركي, بينما اختار ويليام دوغلاس تشبيه كابرا بكارل ساندبرغ الذي يحمل لقب شاعر الشعب, "انه يعرض لكل اميركا وجوه حياة الأميركي الذي نحبه ونستلطفه".

وكانت العلاقة الوثيقة بين كابرا وكاتب السيناريو روبرت ريسكين من اهم عناصر النجاح التي طورت تجربة كابرا الذي تحوّل الى احد المخرجين النجوم القلائل, اي كانت افلامه هي الأكثر رواجاً في الصالات, وكان اسمه يبرز فوق عناوين الأفلام في الملصقات.

في فيلم "حدث ذات ليلة" 1934, كان النجاح الأول لكابرا, وهو من الأفلام التي صورها في مواقع حقيقية في اربعة اسابيع, وأول الأدوار البارزة التي لمع فيها كلارك غيبل وكلوديت كولبيرت, في قصة صحافي يطارد امرأة ثرية ويتودد إليها ويأخذها في رحلة طويلة عبر الولايات المتحدة, وهو الفيلم الذي حصد كل الجوائز الأساسية للأوسكار, وكان عن قصة صموئيل هوبكنز آدمز "الباص الليلي" من سيناريو روبرت ريسكين الذي كتب سيناريوات اهم افلام كابرا.

وبعد عامين كان الأوسكار الثاني لكابرا عن فيلم "مستر ديد يذهب الى المدينة" عن سيناريو روبرت ريسكين ايضاً, وبطولة غاري كوبير وجين آرثر, ويحكي قصة مواطن مغلوب على امره في مدينة صغيرة يعمل عازفاً للبوق في الفرقة الموسيقية, يهبط عليه الحظ فجأة حينما يرث عشرين مليون دولار بعد وفاة عمه المدلل, وينصحه المحامون بالذهاب الى نيويورك لاستثمار امواله, وهناك تتجاذبه الأضواء, ويبذر امواله حينما يكتشف ان الذين يعملون معه هم من اللصوص والمحتالين.

في عام 1938 قدم كابرا فيلماً مقتبساً عن مسرحية شهيرة كانت تعرضها مسارح برودواي في نيويورك بعنوان "لن تستطيع ان تأخذها معك" من تأليف الكاتبين جورج كوفمان وموس هارت, وهي عن عائلة غريبة الأطوار, وتعمد كابرا ان يكون كل ممثلي هذا الفيلم من النجوم, وهم جيمس ستيوارت, جين آرثر, ليونيل باريمور, وآن ميلر. واستخدم كابرا كعادته اسلوب المزاوجة بين المثالية والعاطفية في تصوير المشاهد المختلفة, وبدا هذا الفيلم وكأنه يتكئ على نجومية الممثلين, وليس على إبداعات المخرج, ومع ذلك فإن نجاحه كان مرتبطاً بجائزة اوسكار للمخرج, وجائزة اسوكار اخرى للتصوير.

عاش بما يكفي

في فيلم "السيد سميث يذهب الى واشنطن" 1939, يكشف كابرا عن ألعاب السياسة وخفايا العلاقات الملتبسة في المحافل السياسية في اروقة الكابيتول, في كوميديا انسانية تعتمد على المزاوجة بين النقد السياسي والملهاة التي تتهم وتقدم تشريحاً للفساد, انطلاقاً من المثالية الفنية التي لازمت اكثر اعمال كابرا, وبرع جيمس ستيوارت في دور السيناتور الشاب جفرسون سميث الى جانب جين آرثر في اهم ادوارها.

وساهم كابرا في الجبهة الإعلامية للمجهود الحربي, في الحرب العالمية الثانية بسلسلة من الأفلام, بين عامي 1942 و1945 وهي من انتاج حكومي, بطول ساعة لكل فيلم, تقريباً, وحظيت هذه الأفلام بانتشار واسع في صالات العرض, وكانت كلها من اخراج كابرا وموسيقى ديمتري تيومكين وتعليق والتر هيوستون, وتحمل العناوين الآتية: افتتاحية للحرب, النازية تضرب, موحد ومنتصر, معركة بريطانيا, معركة روسيا, معركة الصين, الحرب تمتد الى اميركا.

كان كابرا يعتقد "ان الدراما لا يصنعها بكاء الممثل وإنما بكاء الجمهور", وتمثل حرص كابرا على هذا الجمهور في اهتمامه بتقديم شخصية الإنسان الأميركي البسيط, في حالات من الكوميديا العاطفية المثالية, والميلودراما التي انتشرت تأثيراتها على اجيال من السينمائيين في اميركا والعالم, مع ان كابرا قال مرة: "انصح المخرجين الشبان بعدم السير في الاتجاهات السينمائية وإنما بصناعتها".

"الاسم فوق العنوان" سيرة شخصيــة كتـبها كابـرا عـنه وعـن افلامه في اسلوب احتفالي, في اكثـر من خمسمئة صفحة مزدحمة بالتفاصيل.

وكتب ماكبرايد سيرة مختصرة بعنوان "فرانك كابرا: كارثة النجاح" يقول فيها: "إنه عاش بما يكفي لرؤية جيل جديد يعيد اكتشاف اعماله. وكان من السخرية اللاذعة ان اميركا احبت فيلم "حياة رائعة" لأن الفيلم نال اعجاب عامة الناس, وصار يعرض على شاشة التلفزيون في عطلات اعياد الميلاد, ولكنه لم يجلب لصاحبه ايراداً, لأنه كان بالألوان, ضد رغبة صاحبه, فكابرا نفسه اصبح اخيراً انساناً بسيطاً, حزيناً, لا يستطيع ان يعيش نشوة النجاح".

جريدة الحياة في  19 مارس 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

بكاء الجمهور وليس بكاء الممثل

بندر عبد الحميد