محمد خان واحد من أبرز مخرجي جيل الثمانينات الذي ضم عاطف الطيب وداود عبد السيد وسمير سيف وخيري بشارة ورأفت الميهي، ذلك الجيل الذي جاء بأفكار جديدة غيّرت وجه السينما المصرية في ذاك الوقت، وأعطاها دفعة بحيث نهضت من عثرتها التي استمرت سنوات طوالاً.

كسر جيل الثمانينات القوالب الجامدة التي كانت تلزم صناع السينما بموضوعات خاصة وتفرض عليهم شكلاً معينًا للبطل. محمد خان ورفاقه كانوا علامة فارقة في تاريخ السينما المصرية ومازالوا كذلك، ومنذ فترة قليلة وبالتحديد في الصيف الماضي قدّم خان فيلم «بنات وسط البلد» الذي حاز إعجاب النقاد والجمهور معاً، وحقق المعادلة الصعبة التي يسعى إلى تحقيقها كل فنان، وعن الفارق بين السينما في بداياته، والمرحلة الحالية... وعن فيلمه المقبل، وعمله مع الأجيال الجديدة، كان معه الحوار التالي:

·     كان هناك رواد للواقعية في السينما المصرية أمثال محمد كريم وصلاح أبو سيف... كما قدمت أنت وعاطف الطيب أفلاماً واقعية جعلتكما محسوبين على ذلك التيار... ما الفارق بين الجيلين؟

- الفارق الجوهري والأساسي هو أنهم كانوا يعتمدون على الروايات الأدبية، بينما نعتمد نحن الكتابة المباشرة للسينما، نصنع شخصيات خاصة بالسينما، وليس معنى كلامي أننا أفضل منهم أو أنهم أفضل منا، فلكل جيل أسلوبه الذي يميز أبناءه.

لم تكن حركة

·     يمكن القول أن جيلك كان حركة لتطوير السينما التي كانت سائدة في ذاك الوقت، لدرجة أنكم غيرتم من شكل البطل الذي ظل مسيطراً على السينما لفترات طويلة، فهل كانت لديكم خطة ما؟ وما هي؟

- لم تكن حركة بالمعنى المفهوم، كما لم يكن هناك تخطيط بهذا الشكل، لكن اختيار الواحد منا للشخصيات التي يقدمها في أفلامه هو الذي صنع الفرق، فقد تعاملنا مع شخصيات عادية من التي نقابلها في حياتنا كل يوم، وقدمنا ما يسمى بنموذج (الأنتي - هيرو) أو البطل المضاد. كان نجم أحمد زكي في تلك الفترة يبزغ من خلال بعض المسلسلات والمسرحيات وبعض الأدوار الصغيرة في السينما، وشاهدته وأعجبتني موهبته ووجدت أنه من الممكن أن يخدم النموذج الجديد للبطل. تلك كانت خطوتي الأولى وعليه قدمته في فيلم «طائر على الطريق»، وكان يحتاج للمساندة مثله مثل أي شخص يدخل أي مجال جديد عليه.

ظهر أحمد زكي في «طائر على الطريق» في دور سائق سيارة أجرة بين المحافظات، وظهر في فيلم «عيون لا تنام» مع رأفت الميهي في دور ميكانيكي، وفي «العوامة 70» لخيري بشارة لعب دور مخرج أفلام تسجيلية... وكلها شخصيات عادية... في المراحل السابقة كان البطل دائماً وسيماً وثرياً ويملك سيارة، وكان هناك شبه تجنب للأنماط العادية من البشر، لكن كان هناك اتجاه جديد في السينما العالمية بالاهتمام بالناس العاديين، فظهر وقتها في هوليوود الممثل داستن هوفمان، وهو قصير وغير وسيم ومثله آل باتشينو. ما أريد التأكيد عليه هو أنه حتى المواضيع بدأت تتناول أشخاصاً على هامش المجتمع ممن كانوا غير مرغوب فيهم كأبطال من قبل، الأمر الذي استدعى تغيير شكل البطل.

·     عملت مع أحمد زكي في بداياته ثم بعد أن حقق شهرة واسعة وبعد أن أصبح «سوبر ستار» ومنتجاً... ما التغيرات التي حدثت لشخصية أحمد زكي؟

- علاقتي بأحمد زكي كانت خاصة جداً ويمكن أن نصفها بأنها علاقة الند بالند، وأنا أفتقده حالياً وأفتقد مثيله في السينما أيضاً. لقد تعودت أن أعرض عليه كل أفلامي على أساس أن من حقه أن يقبل أو يرفض من دون أي حساسية، لأني كنت مؤمناً به كطاقة إبداعية، كما كان له دور كبير في نوعية السينما التي نقدمها... كان متفرداً في الواقع.

وطبعاً كان للنجومية تأثيرها فييه، فأصبح أكثر ثقة بنفسه، فالنجاح له دور مهم في شخصية كل نجم، وطريقة التعامل مع النجاح تختلف من شخص لآخر. وكنت معه من البداية وحتى فيلم «أيام السادات» الذي أنتجه، لأنه كان حلمه الكبير في الحقيقة، واختلفنا في هذا الفيلم لكنه كان خلافاً شخصياً لا علاقة له بالعمل، فتركت المشروع لكنه عاد الي بعد خمس سنوات.

·     عملت في فيلم «بنات وسط البلد» مع هند صبري ومنة شلبي ومحمد نجاتي وخالد أبو النجا، قبلها عملت مع نجلاء فتحي وسعاد حسني وحسين فهمي وأحمد زكي وهؤلاء نجوم راسخون في زمنهم... هل هناك فارق بين التعامل مع الوجوه الجديدة والنجوم ؟

- في بدايتنا كسينمائين تعاملنا مع السينما التي كانت سائدة وغيّرنا فيها. صحيح لكننا غيرنا مما كان سائداً، أقصد أننا تعاملنا مع نجوم الساحة وقتها مثل نور الشريف ومحمود ياسين وهؤلاء كانوا نجوم الفترة . وعندما قدمت بنات وسط البلد تعاملت مع الصاعدين على الساحة اليوم.

وطبعاً هناك اختلاف في التعامل مع النجوم والصاعدين، فالنجم يفهم أدواته جيداً كما أنه يفهم الصناعة في حد ذاتها، ويعلم أن السينما وقت والوقت يعني «فلوس». هذا موجود لدى الجدد لكن بقدر صغير فهم يملكون الموهبة لكن تنقصهم الخبرة، ليس في مجال التمثيل فقط لكن تنقصهم الخبرة الحياتية التي سيتم اكتسابها مع الزمن، لكن هذا لا ينفي أننا في ورطة حقيقية فالجيّدون قلة... وعندما يريد المخرج اختيار الممثلين الذين سيعملون معه في أي فيلم يجد أن عدد الذين يصلحون قليل جداً.

·         لهذا السبب تتكرّر الأسماء في كل عمل جديد، بمعنى أننا نجد منة شلبي وهند صبري في أكثر من عمل؟

- قد يكون هذا صحيحاً إلى حد ما، لكن هذين الاسمين بالتحديد كانا في ذهني منذ البداية، لأن تكوين بنات وسط البلد يختلف كثيراً عن شباب شرم الشيخ ومارينا، وكنت أريد أن أقدم فيلماً في هذا السياق السائد، لكنه يحمل نظرة جدية كذلك، واقترح المنتج أن أستعين بأغنية لأن هذا العرف سائد حالياً، فوظفت الأغنية بما يلائمني... وكان هناك نوع من التحدي لأن الفيلم كان لابد أن ينجح على المستويين التجاري والفني معاً وإلا أجد نفسي في مشكلة، والحمد لله حققت المعادلة الصعبة لأني أشعر أني أمثل جيلي كله وكلما حققت نجاحًا يكون نجاحاً لنا كلنا... وأشعر أن جيلي مظلوم في الفترة الأخيرة، وعندما بدأنا كانت السينما المصرية غنية بالمواهب، كان هناك صلاح أبو سيف وجيلنا وجيل آخر يشق طريقه يمثله شريف عرفة، أما اليوم فالسينما تعاني كبوة كبرى، لأن عندما يكون أصحاب دور العرض موزعين ومنتجين أيضاً يكون هناك احتكار، وهذا ينتج عنه نوعية الأفلام التي نشاهدها حالياً ونموذج البطل السائد حالياً. ثم يقولون أن الجمهور عايز كدة... لا... الجمهور لا يملك الخيار فأصحاب رؤوس الأموال فرضوا عليه سينما موسمية، ولا تعرض الأفلام سوى في الأعياد والاجازات، بينما كانت الأفلام تنتج وتعرض طوال العام من قبل وكان المتفرج يختار، حالياً يطرح 5 أو 6 أفلام في كل مناسبة مع طبع عدد كبير من النسخ فيجد المتفرج نفسه مرغماً على مشاهدة الموجود، كل ذلك حتى يتمكن المنتج من جمع أمواله سريعاً.

·         هل أثّرت السينما الحالية التي لا تهتم سوى بالايرادات العالية في أسلوبك، أو فرضت عليك نمطاً معيناً من الموضوعات؟

- لم يحدث هذا مطلقاً... ولكن عندما يقول ممثل شاب (من دون ذكر أسماء) عرضت عليه دوراً ما «أنا عايز فيلم يجيب 20 مليون جنيه» تكون هناك مشكلة، لأن الشكل الاحتكاري الموجود حالياً والمسيطر على الإنتاج السينمائي فرض عليه أن يكون ضمن (شلة معينة) وأصبح يخشى على نفسه، لأنه لو شارك في فيلم لم يحقّق الإيرادات التي ينتظرها المنتج قد يقل أجره في الأعمال التالية إن لم يتم الاستغناء عنه نهائياً، وعليه أصبح الممثل في حال ارتباك بحيث لا يفكر في الدور بل في الفيلم الذي يحقق الملايين.

·     المرحلة التي تمر بها السينما المصرية حالياً، تشبه تلك التي بدأت مع جيلك العمل فيها والتي استطعتم أن تغيروها في شكل أو في آخر، فهل تستطيعون تغيير الوضع الحالي كما فعلتم سابقاً؟

- من الصعب التغيير حالياً، لأن المنتج يمتلك دور العرض وهو الموزع كذلك، بل انهم يفكرون عنا أيضا... ومع احترامي لهم جميعاً لكن ما دخلهم بما نفعله؟ اليوم تجلسين مع أي موزع تجدينه يتفلسف في ما يخص مطالب المتفرجين وذوقهم، ويريد المخرج أن يقدم فيلماً كما يريد هو وعلى هواه، لأنه يسيطر على التوزيع والانتاج ويمتلك دور العرض.

·     هل كان لوجود نجوم على درجة من الوعي ويمتلكون رؤوس أموال تتيح لهم انتاج أعمال جيدة، دورهم في تقديم مخرجين متميزين من جيلك؟

- أنتج نور الشريف أفلامًا مثل ناجي العلي لعاطف الطيب، كما أنتج لي «ضربة شمس» على رغم أننا كنا سننتجه لحسابنا أنا ومجموعة من أصدقائي، لكن الفكرة أعجبت نور وقرر إنتاج الفيلم فوافقنا لأننا لا نملك الخبرة في مجال الإنتاج، وفي الواقع كان منتجاً جيداً لا يبخل على أفلامه لأنه فاهم الصناعة ولا يهمه متى ينتهي التصوير أو كم «علبة خام» استخدمناها، كان يهمه المنتج النهائي، وهناك أمثاله كثيرون مثل فريد شوقي وماجدة، هؤلاء غامروا بأموالهم لأنهم يحبون مهنتهم ولهم دور ايجابي في تلك الصناعة، عكس آخرين لم يفكروا في الانتاج رغم أنهم يملكون المال اللازم.

·         هل يمكنك القيام بهذا الدور في تقديم المواهب الجديدة؟

- امكاناتي المادية لا تسمح بهذا على رغم أني أحب فكرة الإنتاج جداً، ولو وضعت بين يدي موازنة كبيرة لن ألعب دور الذي يعطي فرصة لموهبة جديدة فقط، بل سأسمح لظهور نوعيات جديدة من السينما يحتاجها الناس.

·         ما مشروعك المقبل بعد بنات وسط البلد؟

- فيلم بعنوان «بنات مصر الجديدة»، وسنبدأ تصويره نهاية شهر آيار (مايو) المقبل، عن سيناريو لوسام سليمان ومن بطولة نيللي كريم ولم أستقر على البطل بعد لأن عندي مشكلة في الإختيار.

هناك مشروع آخر لفيلم كتبت قصته بنفسي وسيكون معي فيه الفنان محمود عبدالعزيز، وهو من الجيل الذي أحب التعامل معه مرة أخرى وأنا متشوق لتلك التجربة التي يمكن أن تضم مجموعة أخرى من المواهب.

الحياة اللبنانية في 10 يوليو 2006

السينما السورية: من الأفلام التجارية الى القراءات الشعرية

دمشق – فجر يعقوب 

لم يرد اسم دمشق كثيراً في عناوين الأفلام السورية. ظل مخفياً في تفاصيلها، ولم يخرج إلى السطح إلا في بعض الحالات التي انكسر فيها هذا التخفي لأسباب بعضها معلوم وبعضها لا.

فما بين العام 1928، تاريخ تسجيل ولادة أول فيلم سوري بعنوان «المتهم البريء» وإلى يومنا هذا - إذ يقوم ريمون بطرس بالاستعداد لتصوير فيلمه الجديد «حسيبة» -، يطل فيلم «تحت سماء دمشق» (1932)، ليحمل اسم المدينة من جهة، وليعطي دلالة ذات مغزى في موضوعة التعاطي مع هذه المدينة من جهة أخرى. وكأنه كُتب أن يتعاطى السينمائيون مع شؤون دمشق وأحوالها بطريقة أن كل شيء يدور بالفعل تحت سماء هذه المدينة، وبالتالي لا يبدو مهماً هذا الغوران في العمق الذي يتطلبه تحديد هويتها وأزمنتها وأمكنتها... سينمائياً.

«تحت سماء دمشق» للمخرج إسماعيل أنزور (1902 – 1981)، الدارس فن السينما في النمسا، كان فيلمه اليتيم، وهو قرر على رغم درايته بصناعة الأفلام، أن تكون للقصص التي تدور تحت سماء هذه المدينة حالة الوضعية المثلى التي سار عليها تطور السينما في سورية، فالكاميرا المتنقلة في شوارع المدينة الرئيسة مطلع الثلاثينات (ساحة المرجة وشارع بغداد والغوطة) تبدو وكأنها قد رسمت مصير دمشق برمته، وهذا قد يبدو محزناً في جانب منه، إذ جاءت الكاميرا جافة في تعاطيها مع الكثير من تفاصيل الحياة الدمشقية. طبعاً هذا لا يعيب «تحت سماء دمشق» بشيء، فالفيلم الذي توفر له 400 ليرة ذهبية لصناعته خسر 300 منها بسبب قدوم أول فيلم مصري ناطق إلى دمشق بعنوان «أنشودة الفؤاد». ولكنه فتح الباب - نقدياً - أمام محاولة تلمس دمشق في عيون سينمائييها أو بالطريقة التي ظهرت فيها الأفلام السورية أمام الأقلام النقدية.

بطبيعة الحال كان بعد ذلك غياب القاعدة المادية الحقيقية لصناعة سينما سورية التي بدا معها تناثر الأفلام زمنياً وكأنه يرسم الفارق بين صناعة هذا الفيلم أو ذاك، ويحدده بأكثر من عشر سنوات، فما بين «عابر سبيل» (1951)، و «الوادي الأخضر» (1962) 11 عاماً مثلاً.

الاسم يعود

ومع بزوغ فجر الستينات من القرن الفائت شهدت السينما السورية اندفاعة إنتاجية معقولة، وعاد اسم دمشق مجدداً ليتردد صداه وسط مجموعة لا بأس بها من الأفلام وظهر اسم المدينة مختالاً وسط سيل من العناوين التجارية في فيلم تسجيلي قصير قدمه المخرج اليوغسلافي بوشكو فوتفينيتش بعنوان «جوهرة من دمشق»، وهو المخرج ذاته الذي قدم أول فيلم روائي سوري طويل بعنوان «سائق الشاحنة» كباكورة إنتاج المؤسسة العامة للسينما.

ومع هذا ظلت ملامسة السينما التجارية التي تصنع في سورية لهذه المدينة سطحية وتتخذ منها ديكوراً لأحداث، ساذجة في معظمها، ولا ترسم قراءة معاصرة وجمالية لأقدم عاصمة في العالم، ففيلم «الصعاليك» مثلاً (1967) ليوسف معلوف، جاء ليقدم قصة مفبركة ومختلقة عن قصر في دمشق يعود لثري تركي أوصى بدفع مليون ليرة سورية لمؤسسة تعنى بتربية الكلاب. ويقوم نهاد قلعي الذي يتلطى بمكتب للأعمال التجارية وراء هذه الوصية ليحظى بالمبلغ المقرر. وكذا الحال بالنسبة لأفلام أخرى تجارية لم تُرد من المدينة سوى خلفية لتدور فيها كل هذه السيول غير المترابطة من الأحداث والقصص الساذجة مثل «خياط للسيدات» لعاطف سالم (1969) الذي يروي قصة مصممة أزياء تعيش في دمشق.

في عام 1975 يقدم المخرج اللبناني محمد سلمان فيلماً تجارياً بعنوان «عروس من دمشق» من دون أن يعني الاسم شيئاً بالطبع، فهو مثل سابقيه يجوز فيه نسب العروس إلى مدينة أو قرية من دون أن يتغير في الأمر شيئاً.

ولم يتغير الوضع كثيراً حتى ظهر فيلم «حادثة النصف متر» للمخرج سمير ذكرى، والذي جعل من مدينة دمشق القديمة والجديدة مكاناً لأحداث فيلمه، وكأنه بذلك يغير من «القاعدة العمومية» التي نشأت عليها الأفلام السورية وظلت تدور «تحت سماء دمشق» من دون كل تلك الملامسات الشاعرية والإنسانية التي تميز القراءات السينمائية لمجمل المدن التي مرت بها وانتصرت فيها، لروايات تكتب عن الشوارع والحواري الخلفية وبيوتاتها وأهلها كما هي الحال في نماذج عرفتها السينما العالمية مبكراً.

(1983) ليشكل الدخول العاصف في المدينة من دون أن يكون لمسطرة «تحت سماء دمشق» النقدية أيما تأثير هنا، فهذه المدينة كما أطلينا عليها من خلال حي الميدان الدمشقي، وعندما يصرخ الصبي ديب (يا الله ما أحلى الشام يا إمي)، تحللت تماماً من حال الغموض التي ميزت العلاقة بين السينمائيين السوريين ومدينتهم. وكأن ملص جاء هنا، كما يبدو للوهلة الأولى، ليخلخل هذا الأفق المسدود الذي ساد على مدى نصف قرن، ويضع مكانه أفقاً جديداً إذ صنعت هذه الجملة البسيطة مدخلاً نحو علاقة جديدة ومغايرة مع هذه المدينة. ولكنه المدخل الذي أجهض مع تورية المخرج في قراءاته بطريقته الخاصة جداً لـ «العنف الكامن في المجتمع السوري»، ففي السيناريو الأدبي للفيلم ثمة مقطع كامل بعنوان «كرنفال سورية» يحكي عن حال من البهجة والحبور يعيشها الشعب السوري بمناسبة الانتخابات النيابية في سورية الخمسينات، وقد صور هذا الكرنفال كاملاً، ولكنه حذف، وحذفت معه فكرة أن الحرية تؤنسن كل هؤلاء الناس المحتفلين، وهم عاشوا من قبل إرهاب الاستعمار وقمع الديكتاتوريات الى درجة أن مجلة «لوبوان» الفرنسية كتبت لاحقاً في معرض تعليقها على الفيلم: «إن الطفل الذي يعاني كل هذا العنف في مثل هذا المجتمع وعبر فيلم روائي من هذا النوع لا بد من أن يصبح إرهابياً»! كما ترجمت عناوين الفيلم لدى عرضه في «كان» إلى «أحلام قرية».

مع عبداللطيف عبدالحميد، إذ يقرر أن يبتعد عن «الباستورال» الريفي الذي كان اختطه لنفسه في «ليالي ابن آوى» و «رسائل شفهية»، نراه يقارب دمشق في «صعود المطر» بقراءة مغرقة في فانتازيتها الى درجة أن سماءها تمطر في لحظة ما بطيخاً أحمر. وكذلك الحال في «نسيم الروح» الذي يقدم فيه عبد الحميد قراءة ذاتية خاصة به لدمشق، وكأنه يقول إن المشكلة ليست مشكلة سينما المؤلف التي يعمل عليها، إذ لا يوجد هنا عمل من دون تفصيل عن حياة المؤلف نفسه.

تفسير ما

وتنتصر الجغرافيا على الفكرة فنرى (الذهاب المناطقي) لدى المخرجين السوريين مكملاً لفكرة ابتعادهم (الطوعي) عن (العاصمة)، فيذهب ريمون بطرس من ناحية إلى مدينة حماة في فيلميه «الطحالب» و «الترحال»، كما يذهب غسان شميط ورياض شيا إلى جنوب سورية، وكذلك الأمر بماهر كدو الذي يمضي في «صهيل الجهات» إلى شمال شرقي سورية، ويجعل المدينة التي تصل إليها بطلته بمثابة المتاهة الروحية التي تقلقه وتقلق أسئلته في فيلمه الوحيد.

على أي حال ثمة رأي للمخرج هيثم حقي قاله في ندوة حلبية جرت عام 1999 وفيه إن «تحت سماء دمشق» هو الفيلم السوري الأول وليس «المتهم البريء» باعتبار أن صُّناعه أناس لم تكن لديهم مواهب في هذا المجال بعكس اسماعيل أنزور، وإذا ما كان الأمر كذلك، فإن قوساً من سبعة عقود سينمائية بدأ من هناك، من تحت سماء هذه المدينة وينغلق مع «حسيبة»، الفيلم الذي يستعد له الآن ريمون بطرس ويقدم فيه قصيدة حب مهداة منه بوصفه ابناً باراً لمدينة حماة إلى نساء دمشق.

الحياة اللبنانية في 10 يوليو 2006

 

سينماتك

 

الممثلون أصبحوا

أمينة فهمي

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك