ميسون الباججي علم من اعلام السينما التسجيلية في بريطانيا، تعرفنا علي ابداعها من خلال فيلمها (اصوات من غزة). عرفت كذلك من خلال نشاطها السياسي الانساني، لا سيما ضد الحرب الفيتنامية، وتعاونها مع المنظمات الانسانية من اجل القضية الفلسطينية.

وخلال الحروب التي شنت ضد العراق، جندت نشاطها السياسي والابداعي من اجل العراق وطنا وشعبا، فهي من المؤسسات لجمعية (نساء ضد الحرب والحصار) التي تغير اسمها الي (نساء من اجل العراق)، اضافة الي نشاطاتها السياسية التي من خلالها تحاول توصيل صوت العراق الذي تحجبه وسائل الاعلام الاخري. وقد وظفت ابداعها السينمائي للدفاع عن الانسان وحريته وايصال صوته المغيب اعلاميا والمضطهد سياسيا.

ولدت في واشنطن حيث عمل والدها، السياسي المعروف د. عدنان الباججي في السلك الدبلوماسي. لكنها عاشت مراحل مهمة من طفولتها في بغداد.

نالت البكالوريوس في الفلسفة من جامعة لندن، ثم درست صناعة السينما في انكلترا في مدرسة سيلد للسينما ونالت الشهادة العليا في الاخراج من جامعة لندن.

عملت معدة ومنتجة لافلام وثائقية وتسجيلية ودراما للتلفزيون البريطاني. اعطت دروساً بالاخراج وإعداد افلام الفيديو في غزة وفي معهد القدس السينمائي في فلسطين.

اشتهرت بافلامها التسجيلية التي عرضت في مهرجانات عالمية ونالت جوائز مثل الشريط الاحمر عن فيلمها (اصوات من غزة) في مهرجان الفيلم الامريكي في سان فرانسسكو. والجائزة الاولي في الاخراج لفيلمها (رحلة ايرانية). وفي التسعينيات انتجت واخرجت (اصوات من المنفي) عن المرأة العراقية ومعاناتها خلال حكم صدام وحروبه والحصار.

في عام 2004 حققت جزءاً من طموحها لخدمة وطنها العراق، فأسست مع زميلها قاسم عبد مركزاً للتدريب علي الانتاج السينمائي وتصوير الافلام مجانا. فقد قررت العودة محملة باحلام ومشاريع عديدة لتقدمها لابناء العراق المتعطش لكل ما حرم منه فترة حكم صدام وما جرته من حروب وحصار ادت إلي عزل العراق عن العالم.

وعلي الرغم من انها كانت وما زالت ضد الحرب وجدت انها لا بد ان تفعل شيئاً ايجابياً وقد صار الاحتلال واقعاً لم يتمكن من منعه احد، خاصة والقائد نفسه هرب من المعركة.

فلم تبق تدين وتتفرج علي البعد. فدخلت العراق مع والدها د. عدنان الباججي الذي اصر بالرغم من اعوامه الثمانين، مدفوعا برغبته الصادقة في تقديم خبرته وما تبقي له من سنين، لبلده. ولكن لانه من القلة من القادة السياسيين الذين عارضوا صدام والاحتلال، حاولت قوات الاحتلال ان تلعب لعبتها لابعاده باي طريقة. تمكنت في زيارتها تلك من تصوير واعداد واخراج فيلمها التسجيلي (العود ة الي بلد العجائب) الذي قدمته في المهرجان الاخير للفيلم العراقي التسجيلي في لندن.

كان اكثر الافلام قربا لنا نحن المغتربين الذين كنا مثلها متلهفين للعودة لارض الطفولة.

كانت الكاميرا التي صورت الفيلم كأنها لنا، نحن الذين نحملها، ففي ذلك الفيلم كان لميسون المرأة العراقية بكل حنينها للناس هناك لذكريات طفولتها، حضور قوي، لذلك كان الفيلم اقرب لنا نحن العراقيين حيث رأينا فيه تجربتنا ولهفتنا لعمل شيء من اجل الناس هناك. ورأينا من خلاله العواطف والحذر الذي فرضه الوضع الامني. والذي فرض عليها لاول مرة ان تصور الفيلم وحدها، دون فريقها من مصورين ومساعدين، الذين اعتادوا مرافقتها. وعلي الرغم من ذلك نجحت بنقل صورة لم نعرفها، او لم يعرفها المشاهدون غربيين كانوا او عرباً. صورة المعاناة والاصرار من قبل بعض السياسيين لانجاح مشروع الدولة العراقية، لانجاح مشروع الدستور. فنتابع د. الباججي ومساعديه وعطا عبد الهادي ومراحل تحضير الدستور وسهرهم الليالي وكأنهم يسابقون الزمن خوف ان يخطف الموت احدهم، قبل تحقيق حلمهم بتقديم ما يقدرون عليه لبلدهم العراق.

وصورة المنطقة الخضراء بجدرانها الاسمنتية العالية المتداخلة المزروعة في كل الشوارع وكأنها تصر علي ان تبقي سجنا كما كانت من قبل لعناصر صدام ورجالاته، حيث كان دخولها محرماً علي غيرهم.

العباءة السياسية المرفوضة

كان فيلم العودة الي بلد العجائب ، لميسون المغتربة العراقية، اكثر مما هو لميسون المبدعة الفنانة، فكانت بصوتها وهي تحاور من تلتقيهم. نلمح احراجا وارتباكا حيث تركت وطنها طفلة. فنلمح عفوية في الحوارمصحوبة بالخوف والقهر الذي يصاحب كل خطواتنا. وكأنه قدر العراقي ان يعاني الغربة داخل وطنه وبعيدا عنه.

وعلي الرغم من انشغالاتها العديدة ونشاطاتها السياسية الانسانية، التقيتها في احد المقاهي الهادئة النادرة في لندن وخصتنا بحوار او دردشة، للحديث عن تجربتها السينمائية وهمومها العراقية:

·     ذكرت بالندوة التي عقدت بعد عرض فيلمك (العودة الي بلد العجائب) ان لديك مشروعاً روائياً تعدينه وستخرجينه ايضا، هل هذا هو عملك الروائي الاول؟

هذا اول عمل روائي ككاتبة ومخرجة، لكني اشتغلت علي اعمال روائية من قبل كمعدة ومنتجة، كذلك كتبت بعض اعمال دراما للتلفزيون البريطاني. ولدي عمل روائي سينمائي كتبته منذ فترة عن إمرأة عراقية في المنفي تلتقي بلاجئ من امريكا اللاتينية، لكني اجلت تنفيذه.

واشتغل الان علي فيلم روائي جديد عسي ان انجزه باقرب وقت..هو قصة متخيلة، عن مجموعة عراقيين يصور حياتهم بشكل مباشر ومتابعة يومياتهم علي الواقع، دون استخدام ديكور او ممثلين محترفين.

·         هل هو مزيج بين العمل التسجيلي والروائي؟

ممكن ان نقول عنه ذلك.. ولكنه قد يصنف علي الواقعية الجديدة.. التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية، حيث ظهرت تجارب في السينما الايطالية تمزج بين الواقع والرواية، سموها الواقعية الجديدة. ( REALISM NEO) حيث تصور المشاهد في اماكنها الحقيقية.

·     فيلمك اصوات من المنفي الذي عرض علي القناة البريطانية الرابعة، نجحت فيه باعطاء او توصيل صورة عن معاناة العراق ومعاناة المرأة العراقية بشكل خاص، في زمن صدام والحروب التي قادها خاصة حرب 1991والحصار. هل تفكرين بعمل مماثل عن العراقيين الذين انتظروا العودة للوطن وبعضهم عاد واستشهد، وبعضهم شعر بالغربة مجسمة في ظل الفوضي والخوف والتهديد فرجع لغربته الاولي؟

الحقيقة انها فكرة جيدة، لكن انشغالي الان بالرواية الحالية جعلني لا افكر بمثل هكذا المشروع.. لكني سأدرس هذه الفكرة، فقد التقيت بكثير من النساء العراقيات اللواتي كن ينتظرن فرصة العودة للوطن بفارغ الصبر، ولا ادري ان كن عدن ام لا.

·     المهرجان كان حدثا رائعا بعد طول جذب وترقب، فقد شعرت ان الافلام التي عرضت كأنها تكمل بعضها وهي تفتح نوافذ متعددة لنا وليس للمشاهد الاجنبي فقط. اي من هذه الافلام تودين مشاهدته مرة اخري؟

كنت سعيدة بنجاح المهرجان وقد اعجبتني كل الافلام بعضها كنت قد شاهدته من قبل في التلفزيون البريطاني. الاهم سعادتي بافلام الشباب من داخل العراق، الذين استطاعوا ان ينتجوا تلك الاعمال وسط ظروف القمع والحرب وقبلها الحصار، ووسط الظروف الامنية المرعبة والحقيقة هذا عزز لدي الامل بان هذا الكابوس سينتهي ما دام شعبنا قادراً علي التحدي والابداع تحت اي ظرف.

كذلك كان المهرجان فرصة للحوار بين جيلين او فئتين من السينمائيين، جيلنا المتغرب من عقود والمتعطش للاقتراب من الوطن، من تجارب الشباب والمبدعين هناك. فنقدر ان نقول، اننا، نحن المغتربين، كنا محظوظين حيث كانت لنا فرصة الاطلاع علي السينما العالمية ومواكبة تطور صناعة السينما في اوروبا وتعلمنا من مختلف التجارب السينمائية اوروبية، يابانية روسية، ايرانية وصينية ومن امريكا اللاتينية وامريكية.. الخ. فالمنفي كان صعبا خاصة بالنسبة للفنانين فقد خسرنا الكثير ببعدنا عن الوطن، لكن من ناحية اخري كان مفيدا لحد ما باكتساب تلك الخبرات التي اعتقد انها مهمة جدا للسينمائيين الشباب في العراق الذين هم ايضا لديهم الكثير لنتعلم منهم، عن الحياة الحقيقية في العراق، وكيفية التعامل مع الواقع الذي لم نعشه، او كيفية ايصال الصوت العراقي الحقيقي، لذا لا بد من التعاون والعمل معا.
لا تنسي انهم علي الرغم من عزلتهم بسبب نظام صدام والحصار، وكوارث الاحتلال اليوم، هناك مبادرات رائعة لكنها مبادرات فردية، اضافة الي عدم وجود سينما عراقية علي الرغم من انه يقال ان اول ستوديو سينمائي عربي انشئ في بغداد في الاربعينيات!

شعرت من خلال لقائي بالشباب ان لديهم حماساً واصراراً علي عمل شيء خاصة وكل منهم له قصة، فهناك الاف القصص العراقية التي تشكل مادة سينمائية غنية، وبامكانهم استخدام الكاميرا لمختلف وسائل الابداع. ولكن الان لا بد لهم من العمل من البداية، من الصفر، فطوال السنوات التي مضت حرموا من الاطلاع علي السينما العالمية، او متابعة التطور الثقافي بكل اشكاله، لم يتعرفوا علي السينما الا من خلال الافلام العربية المصرية، بسبب الحصار والتعتيم. لكن حماسهم يجعلهم متعطشين لكل معلومة او مبادرة، فقد لاحظت من خلال تجربة مركز التدريب ان هناك انقطاعاً كاملاً بينهم وبين صناعة السينما في العالم. وقد اعتادوا علي استخدام الكاميرا كوسيلة للدعاية السياسية.. من ناحية اخري لقد استفدت من تجربتهم. لقد استفدت منهم الكثير.

قد تكون حالة الحماس التي ذكرتيها هي حالة تحد لمظاهر القمع والتهديدات التي تشعبت مصادرها وتكاثرت وسائلها البربرية. فقد لمست من خلال زيارتي ان هناك تحدياً لكل التهديدات بكل وسائلها الشريرة، وهناك اصرار علي الحياة من خلال الامل والدفاع عن القيم الانسانية.

صحيح.. فقد توصل البعض منهم الي قناعة وايمان بان الامل والفرح هو سلاح ايضا بوجه اعداء الحياة، وسط كل تلك الفوضي والاحقاد وغياب من يحتضنهم ويقدر جهـودهم. ولكن لا يجوز ان نبالغ بالتفاؤل.. فهناك حالات من الاحباط تسببت بها حالة الخوف والوضع الامني المرعب.. فبعض الشباب يجدون انفسهم متحمسين لعمل ما، وبعد انجازه بنجاح يصطدم بواقع القتل اليومي والتخريب، فيصاب بحالة من اليأس فكثير منهم يسأل ما الفائدة؟ او ثم ماذا؟

اذن لا بد من الاسراع بوضع حلول ونهاية لذلك الوضع الشاذ، حتي لا تصل حالة اليأس الي كوارث اخري... لذا اتساءل، بما انه للسينما حضور فعال وتأثير كبير، هل هناك امكانية لخلق عمل سينمائي جماعي تطرح فيه هموم العراق وابنائه؟ اعرف ان العمل السينمائي عمل فردي، ولكل مخرج اسلوبه في العمل السينمائي.

الحقيقة انا اعتبر العمل السينمائي عملاً جماعياً وليس فردياً.. فالعمل الذي انجزه، لا بد من طرحه علي فريق العمل بعد التفكير به، فالمصور هو فنان ايضا وله رؤياه واسلوبه، ويترك بصماته علي العمل ايضا. لكن الصعوبة تكمن في جمع اربعة او خمسة مخرجين لعمل واحد.. فكل واحد له اسلوبه ورؤياه وطريقته بالعمل...ولو اني شاهدت قبل مدة فيلم بعنوان (تكتس) Tickets.

كان عملاً جميلاً وناجحاً اشترك به ثلاثة مخرجين، ايطالي وانكليزي وايراني، علي الرغم من ان كل واحد احتفظ باسلوبه وطريقته بالعمل مع ذلك نجح الفيلم.. كان عن رحلة بقطار يمر باكثر من بلد، لذا كل مخرج اشتغل علي جزء ليكمله المخرج الاخر.. قد نفكر في ذلك يوما..في عمل مماثل.

·         عن قطار العودة..مثلا؟

إن شاء الله.. ولكن الصعوبة في ان تجمعي بعض الفنانين، كل عاش في ظروف وبلد مختلف واكتسب خبرة وتجربة تختلف عن تجربة الاخر..صحيح، انا عراقية في تفكيري وجذوري وهمومي ايضا، لكن سينمائيا اجد نفسي اقرب للاخر الذي قد يكون ايطالياً او فرنسياً او مغربياً.. فقد اتقاطع مع غيري من فنانين ومبدعين عراقيين، بسبب الدراسة والتعايش مع تجارب الاخرين من الفنانين في اوروبا.

·         ثم هل تعتقدين بنجاح عمل كهذا؟ هل فيه شيء ايجابي يخدم قضيتنا، او فيه اضافة للحركة السينمائية؟

اعتقد ذلك، وان كنت لااعرف شيئاً بصناعة السينما. اعرف ان هناك بعض الروايات كتبت بقلم اكثر من كاتب. فقد يضيف كل واحد للاخر. ويبقي كأي عمل اخر، معرضاً للنجاح او الفشل. فهناك افلام لمخرجين عباقرة وخصصت لها ميزانية هائلة مع ذلك فشلت! ولكن فيلم (تكتس) الذي ذكرتيه، نجح كما قلت، حسب وجهة نظرك كسينمائية. لنحلم اذن، فقد ينجح هكذا مشروع ويكون نقلة او خطوة كبيرة في مسيرة السينما العراقية، خاصة اذا كان الكل توحدهم فكرة واحدة هي العراق.

الفيلم التسجيلي عزز الثقة بين كاميرتي والناس

·         هل لنشاطك السياسي تأثير علي خيارك الابداعي، او هل له تأثيرعلي حجم الانتاج؟

ربما، بل فعلا، فقناعاتي وخياراتي السياسية والانسانية وجهت خياراتي السينمائية، في المواضيع التي انتجها واخرجها. فانا مثلا لا اقدر ان اعمل فيلماً بعيداً عن تلك الاهتمامات، بعيداً عن الناس وهمومهم ومشاكلهم. فلو طلب مني ان اعمل فيلماً ترفيهياً او كوميدياً، قد ارفض، لاني لا اقدر، ليس من الناحية الفنية، ولا من ناحية مبدئية.. فأنا احب بعض الاعمال الكوميدية والفنية من اجل الفن. لكن لا اقدر ان اعمل شيئاً بعيداً عن قناعاتي. لذا عملت افلاماً عن الحياة وصعوبتها في فلسطين والعراق. كمخرجة مستقلة قدمت بعض الاقتراحات او عروضا لمشاريع افلام عن الحياة، عن الجانب الانساني: في البرازيل مثلا او الصين او امريكا اللاتينية، بالهند وبنغلاديش. لكني لم احصل علي دعم او تمويل لها.

·     في فيلمك (العودة الي بلد العجائب ) ادنت من خلال الناس الذين التقيتهم، عمليات القتل اليومي والتفجيرات والتخريب الحاصل يوميا بالعراق باسم المقاومة. هل تعتقدين ان هناك مقاومة فعلية؟

الحقيقة انا اعتبر العمل علي حقوق الانسان، والعمل علي البناء والتعاون لخلق وضع مستقر بالعــــــراق، هو مقاومة. العمل النقابي خاصة في مؤسسات صنــــــاعة النفــــط، والعمل علي رفض خصخصة الثروة النفطية، هو مقاومة. كذلك نشاط المرأة وفي ظل كل تلك الصعوبات والتهديدات هو مقاومة.

فالمقاومة هدفها صالح البلد وابنائه وليس قتلهم وتخريب مؤسساتهم الخدمية. فقد أعلن الشعب العراقي من البداية انه رافض للاحتلال ورافض لصدام وسياسته. كلنا نريد خروج قوات الاحتلال، ولكن لا يعني ان نخرب بلدنا ونقتل اهلنا لخروج الاحتلال! اذن هناك فوضي، فماذا ومن يحارب هؤلاء؟ لا بد للمقاومة من منهج او برنامج سياسي يقنعون الشعب به. فالمقاومة الفيتنامية استطاعت ان تهزم اقوي دولة من خلال برنامجها السياسي وحسها الوطني والانساني اولا والعمليات البطولية التي كان يقوم به الثوار.

اما هؤلاء خاصة من الارهابيين الزرقاويين او غيرهم، فقد استغلوا حالة الفوضي والاختلال الامني لينفذوا عمليات اجرامية بحق الابرياء. فانا اشك في ان يفجر العراقيون المساجد او الكنائس او المدارس والمستشفيات. نعم هناك عناصر مخدوعة، وهناك من يستغل حالة التذمر بين الشباب العراقي العاطل عن العمل، اضافة للعناصر التي خسرت بعد انحلال النظام السابق خاصة في صفوف الجيش. اذن اغلبها عمليات انتقام. ولا بد ان نشير الي اخطاء القوات الامريكية وضغوطها السياسية علي العراقيين السياسيين، الامر الذي يزيد من حالة الفوضي واستمرار الكوارث والتدمير اليومي.

 

القدس العربي في 13 يوليو 2006

السينما العراقية:

نشاط وثائقي والروائية لغير جمهورها

قيس قاسم  

عجل الطلب المتزايد على الصورة المسجلة في العراق في تنشيط الفيلم الوثائقي العراقي بشكل ملفت للنظر، لمسناه، في الدورتين الأخيرتين من مهرجان الفيلم العربي في روتردام. ولا أظنه تقييما مبكرا للتجربة السينمائية الناهضة. فعدد الأفلام، في تزايد بالمقارنة مع الأنتاج السينمائي العراقي في العقدين الماضيين، هذا عدا الكم الكبير من الأفلام العربية والعالمية عن العراق التي شارك فيها عراقيون أو أستفادوا من تجربة انتاجها بشكل من الأشكال. ولكن الشيء المهم الذي تزامن مع هذا التسريع الوثائقي هو أشتغال عدد قليل من السينمائيين العراقيين على الفيلم الروائي القصير والطويل، لذا فالحكم على هذا الجزء، كحصيلة وفيرة قابلة للدراسة والتحليل الأن، سيكون مبكرا ومتعجلا. أولا، لقصر المدة الزمنية التي أنتجت فيها هذة الأفلام، والتي لم تزد على ثلاث سنوات، وثانيا، لظروف انتاجها شبه الانتحارية، في بلد يعيش مواطنوه حالة رعب وخوف ومواجهة يومية مع موت محتمل كل لحظة، والذي بسبب قوته سيبرر وسيغفر نقاد ودارسون، لكثير من نواقص الشغل السينمائي، تعكزا على ظروف أنتاجه اللاطبيعية. المهرجانات السينمائية عنصر أخر في هذة المعادلة ينبغي الأنتباه لها. ففي الوقت الذي يحرم فيه الجمهور العراقي من مشاهدة أفلام عراقية على أرضه، يضطر  السينمائيون عرضها في مهرجانات عالمية، تهتم الأن، على الأقل أستثنائيا، بالفيلم العراقي. فتنشأ علاقة مختلة وغير مختبرة بين السينمائي وجمهوره، علاقة لايمكن تجاهلها عند الحديث عن فن جماهيري كالسينما. فالمهرجانات، وعبر تاريخها الطويل والمثير، لم تخلق بنفسها فنا سينمائيا، هي تساعد، ترفع من مستواه، ولكنها لن تخلق فنا حقيقيا. العلاقة بين الفنان وجمهوره، تبقى مقياسا مهما، لا أحد بمستطاعه تجاهلها. وهذا العنصر، اضافة الى غيره، يؤكد الحاجة الى التريث والتركيز على المتابعة والمسايرة. ومن هذا المنطلق، أيضا، يأتي رصدنا لبعض ما قدم في روتردام، الدورة السادسة، والذي قد يساهم في تراكم معرفتنا بمستوى السينما العراقية.

بين عامين

في الدورة السابقة شاهدنا فيلم عدي رشيد "غير صالح للعرض" وهذا العام فيلم محمد الدراجي "أحلام".  أراد الدراجي لفيلمه أن يكون ملحمة عراقية، يؤطر فيها رؤياه ويحكي لنا ما تعرض له شعبه من دمار وخراب. فهل نجح؟ يندفع أيقاع الفيلم ومنذ المشاهد الأولى في تسارع لاهث. اندفاع متحمس يعكس رغبة الدراجي في الحكي، سرد بصري، تتصاعد وتيرته على مدار، ما يقارب ثلثيه، ثم يهدأ قليلا في الثلث الأخير. وعلى مدى وقته المنفعل، نشعر نحن بضغط العجالة والتوزع بين أكثر من حكاية، بين حكايا أبطاله الثلاثة: أحلام (أسيل عادل) الشابة التي دخلت مستشفى الأمراض العقلية بعد أعتقال رجال أمن صدام زوجها ليلة زفافها. والجندي علي (بشير الماجد) المخلص لصداقته، والذي سيتهم بالجبن والهروب من المعركة، عندما تضعه الأقدار، داخل الأراضي السورية وهو يستميت لأنقاذ حياة صديقه الجندي الجريح "حسن". والثالثة حكاية الطبيب مهدي (محمد هاشم) الذي يعيق تاريخ والده المنتمي للحركة الشيوعية من أكمال تخصصه الطبي، فيقبل راضخا، العمل كطبيب في مستشفى يجمع أحلام وعلي. حكايا هؤلاء تتوزع بين فترات حكم صدام وقمع أجهزته الأمنية ومعركة "ثعلب الصحراء" والاحتلال الأمريكي الأخير للعراق. لا يوجد قانون فني يمنع سردها في فيلم واحد، شريطة الحفاظ على سياق زمني منطقي لها، وقدرة على صهرها في وعاء بصري يفي شروط العمل السينمائي المتكامل.   فالفيلم، مثله مثل أي شكل أبداعي أخر، لانستطيع تحميله كل قضايا ومشكلات العالم دفعة واحدة. ولا نستطيع ان ندون رؤيتنا الوجودية لكل ما يحيط بنا بعمل سينمائي واحد. أظن ان مشكلة الدراجي تكمن هنا، في خوفه من الاكتفاء بسرد حيز صغير، لما جرى في بلاده، وبالتالي أحتمال اتهامه بالتغاضي المتعمد عن جزء أخر منها. بعبارة أخرى أحالة أسباب الخراب الى مسببيها، كلهم، حتى يبريء نفسه من تهمة الانحيار الى هذا الموقف أو ذاك. أراد الدراجي توزيع مسؤلية الدمار على الأمريكيين وصدام. رغبة معلنة بالتوازن! رغبة بعثرت جهدا أخراحيا كان بالأمكان توظيفه في تحسين حركة الممثلين وتشذيب السيناريو من زاوئده والأقتصاد في التصوير، وبالدرجة الأولى تصوير حركة أحلام، وهي تهيم بوجهها طرق بغداد المحترقة. حركة ومشهد ذو بعد واحد تكرر كثيرا، فأفتر روح التوقع والمباغته الذي أنتظرناه طويلا، ولم يأتي إلا متأخرا، حين أغتصبها سرسريا، وشوه براءتها. تكرار أجبرنا على السؤال: وماذا بعد؟ أستدرك الدراجي وأنتبه الى هذا السؤال في الثلث الأخير من فيلمه (110 دقيقة) فحاول لم أطراف حكاياته وشدها، وللحق فقد وفق في هذا وإلا لكنا نتحدث الأن عن فيلم سيء بالكامل، لا عن فيلم فيه مثالب، ولكن فيه حسنات وأنتباهات جيدة. وللحق فالدراجي، ولا تنسوا ان "أحلام" فيلمه الأول، يملك حسا بصريا جيدا، وموهبة أخراجية ستتبلور مستقبلا، أنه ينطلق من بحث واقعي بعيدا عن الفذلكة، وربما هذا أحسن ما في شغله. قد تكون الحماسة والرغبة في مسك كل الخيوط بيديه، ما يبررها في الظروف التي أشتغل فيها محمد وفريقه، ولا أظن ان فيلمه هذا أقنعه بجدوى كتابته السيناريو وأدراته للتصوير والأهتمام بالتفاصيل الأخرى لوحده.

للدراجي، وعلى كثرة أختصاصاته في "أحلام" تحتسب حلاوة التصوير ورشاقة تحريكه للكاميرا، لكن تسجل عليه مغالاته في تصوير اللقطات العالية التي فقد قسم منها مبرراته. وجاء ولعه بجمالية اللقطة على حساب حركة الممثلين والمشهد الذي يليها في أحيان كثيرة. ربما ستفرض عليه، تجاربه القادمة،عملا جماعيا أكثر، يساعده في التركيز على الإخراج. وربما سيحكي الدراجي لنا حكاية ثانية، مكثفة، في حيز زماني وفضاء درامي محدود!

طفولة في زمن الموت

سيكولوجية العنف، التي نشأت عليها أجيال عراقية كثيرة، جديرة ببحث النفسانيين والمختصين الاجتماعين، لأن مستقبل البلد مرهون بمعالجتها. ولا أظن ان العنف الذي يشهده العراق اليوم هو وليد الفوضى التي أحدثها الاحتلال فقط، بل يعود الى وعي متراكم داخل الانسان العراقي، غذته السلطة ولعقود طويلة، بتمجيدها كل مظاهر القسوة واللارحمة. مقداد عبد الرضا يضع قدمه بحذر وبشجاعة على هذة الأرض الملغومة، ويسبق، ربما، بفهمه لوظيفة الفن الأجتماعية، المختصين، في مس هذة المصيبة، التي لاتقل خطرا عن المصائب التي تنتجها موضوعيا. خلال 9 دقائق وفي غرفة، يلعب فيها طفلان، سامر ورفيف، لعبة الدخول الى الجنة، لعبة "مجازية" لا وجود لها في مورثنا الشعبي. لعبة أبتكرها مقداد، سندرك عبرها حجم التأثير الهائل لثقافة العنف على أطفال العراق. سنعرف ان أبيهما قد أستشهد في الحرب وذهب الى الجنة التي يأكل فيها الأن ما يريد من الموز، الفاكهة التي حرموا منها، والمشتهاة في تلك اللحظة. للحصول عليها يقترح سامر على رفيف، فكرة أخراج سلاح ابيه من مخبأه، والتقاتل، لعبا، كما لو أنهما في حرب، حتى يستشهدا ويذهبا الى الجنة، حيث الموز الوفير. الموت، إذن، معادل للموز، لرغبات وتشهيات عادية، كعادية فكرة الموت بالنسبة اليهما!

شغل "زيارة الى الجنة" بسيط، حركة الكاميرا هادئة، والمناخ العام يعكس عالما طفوليا. حكاية أقرب الى الحتوتة، تنتهي بأغفائة عميقة بعد تعب. حتوتة لا تخلو من عمق، ربما هي بروفه أولية لفكرة أوسع، قد يخطط المخرج مقداد عبد الرضا لأنجازها مستقبلا.

"العراق: أغاني الغائبين"

كلفت قناة العربية المخرج العراقي ليث عبد الأمير لأخراج  فيلم "العراق: أغاني الغائبين". وبالتالي فأن كل ملاحظاتنا ستنصب على فيلم يدرج ضمن خانة "أفلام الطلب". وهي أفلام تمون من ميزانيات مؤسسات أعلامية أو شركات تتفق مع المخرج على مادة تسجيلية يطلبون منه أنجازها. هذة الحقيقة ستسهل مهمة الكتابة، وتبعدها عن تحميلات وتأويلات لا يحتملها هذا النوع من الأفلام، التي  تصنف ضمن نوع الأفلام التلفزيونية ،الفيديو، وغالبا مايكتب التعليق المصاحب لها بأسلوب التعليق الريبورتاجي، وفي العادة يقرأه معلقون، أصواتهم مألوفة لمتابعي هذة القنوات وبالتالي تنقلهم، بطريقة غير مباشر الى مناخ تلفزيوني وهم جالسون في قاعة السينما. مع كل هذة الحقائق هل ينبغي ان نقف عند هذا الحد؟ ربما سيكون مفيدا الاجابة بنعم لو أن فيلم ليث كان فيلما تلفزيونيا بالكامل. ثمة لمسات سينمية بين طيات العمل لايمكننا تجاهلها وهي لوحدها تعطي لليث حق أعتبارها شغلا أو محاولة أضفاء بعدا سينميا على عمل تلفزيوني. الجانب الأخر، موقف ليث الفكري من موضوعه. لم يترك فيلمه فريسة لأرادة أقسام التعليق والمونتاج التلفزيوني، في اختيار ما يريدونه من مادته الخام!. ربما سيسألنا القاريء من أين جأنا بهذا الاستنتاج؟ والجواب بسهولة: موقفه من مادته الخام، من خطة عمله، تصويره وأعداد موضوعه. لقد تسلح ليث بخليفة نظرية جيدة ، تسلح بأراء مفكريين وعلماء أجتماع درسوا طبيعة المجتمع العراقي وتنوع أثنياته. وعندما شرع بالجواب على السؤال الضمني والخطر: هل العراق بلد واحد؟ وهل الأعراق والقوميات و الديانات تنتمي الى هذة البقعة الجغرافية، ولا تنتمي لنفسها؟ كان ليث قد أعد نفسه جيدا. أجاب بموضوعية ودراية، بعد ان بذل جهدا دراسيا وتحليليا، بدونها، كنا حكمنا عليه بالسطحية، على الأقل، من الناحية النظرية الخاصة بتفسير التنوع الكبير في العراق. الفيلم أراد ان يقول: ببساطة هذا هو العراق. ليس مادة قابلة لأختيار انتقائي، أنه تنوع تشكل منذ ألاف السنين، طرأت عليه تغيرات كثيرة ولكنه هكذا كما صوره ليث بصدق وحيادية. بدء مسحه من أدنى نقطة في جنوبه الى أقصى نقطة في شماله. وحاول قدر المستطاع في ظروف تصوير خطرة ان يسجل خصوصية كل منطقة زارها. لم يكتب فيلمة بعين سياحية ولا جاهلة بتضاريس الأرض التي ثبتت عليها الكاميرا، كان يعرفها، ومرة أخرى أشدد، درسها بعناية وصبر مسؤل. وبرأي أهمية الفيلم تكمن في هذا الجلد. ولا بد من الأشارة الى الخلل الذي أحدثه، غياب المنطقة الغربية، ذات النسبة السنية العالية، في توازن مادة البحث، وان تعويضها بمنطقة الأعظمية لم يف بالغرض المطلوب. أما على المستوى الفني، فأختار منها، بكثرة، اللقطات الجميلة والمعبرة التي أضفت لمسة رقيقة على مادة بحث تأريخية وأجتماعية ثقيلة، وعكست في آن مهارة وجودة تصوير عمار سعد. ربما للمرة الأولى التي يحق لنا القول، وبشكل نسبي، ان ما نريده من الفيلم الوثائقي العراقي التحليلي، رأينا بعضه هذة المرة في "العراق: أغاني الغائبين".

الحياة اللبنانية في 10 يوليو 2006

 

سينماتك

 

السينمائية العراقية ميسون الباججي:

المقاومة هدفها صالح البلد وليس تخريبه وقتل ابنائه!

التقتها: ابتسام يوسف الطاهر/ لندن ـ القدس العربي

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك