شعار الموقع (Our Logo)

 

 

الى جانب أنه فيلم يتعاطى قصة حب تتم فصولها بالتدريج مؤكدة أن بعض الحب يمكن أن ينشأ، بعد الزواج وليس قبله، هو فيلم يتحدث عن وقع الأفراد العاديين تحت عبء الاحتلال. لكن على عكس أفلام كثيرة تدور في رحى الفترة ذاتها، الاحتلال المشار اليه يبقى - معظم الوقت- في البعد غير المنظور. حين يأتي الأمر الى التحرير فإن الفيلم يسمح لنفسه الانتقال الى مواجهة مختلفة. هذه المرة ضد المحرر.

انها تشيكوسلوفاكيا كما كان وضعها سنة 1943 ايليسكا (جيزلروفا) ممرضة تعمل في المدينة خلال الاحتلال الألماني للبلاد. وهي على علاقة عاطفية بالجرّاح رتشارد (ايفان ترويان) وتعمل معه سرا لجانب المقاومة. في مطلع الفيلم الأحداث مدهمة وعلى ايقاع سريع ضمن تصميم مناظر تقليدي- انما فعّال- من ميلان باييك يؤكد سريعا جو المكان وزمانه. حينما يتم كشف نشاط الجرّاح يحرص على تدبير هرب اليسكا خارج المدينة ومنحها هوية جديدة. لكي تنجح الخطة عليها أن تلتحق بالريفي جوزف (الممثل الهنجاري جيورجي جرهالمي الذي اعتمدت على موهبته عشرات الأفلام الأوروبية الشرقية  خصوصا المجرية ذاتها) ولو مرغمة وذلك بهوية جديدة تحت اسم (تنطقه مرة واحدة وهو هانا هوفمانوفا) على أن تتم مراسم الزواج منه في قريته البعيدة “زيلاري”. هذا الزواج سيبقى بينهما عرفا كونها لا تعرفه بل تعرّفت إليه قبل 24 ساعة من هربها معه وتنوي أن يبقى الأمر مجرد مسرحية تُمارس على مطارديها اذا ما بحثوا عنها. اما أهل القرية فيعلمون ما يدور وأحدهم يخطط لكي يبتزها لقاء النوم معها. هذا يقع بعد أن تتوطد العلاقة الرسمية بين اليسكا/هانا وبين جوزف الى صداقة ومن صداقة الى رباط عائلي حقيقي. لكن اليسكا تدافع عن شرفها ويتعرض الشاب الأرعن لضرب مبرح من جوزف. هذا كله، بعد نحو ساعة ونصف الساعة من التقاط انفاس الحياة في قرية “زيلاري”، حيث تتابع الكاميرا ذات الحس الواقعي (من أسن سوبوف) ملامح الحياة الريفية- الجبلية، عادات الناس، طريقتهم في الحديث والتصرفات والحيوانات الأليفة التي يعيشون معها. القرية تؤلف صرحا طبيعيا وجماليا للأحداث كاشفة عن فقر المنطقة المدقع وطبيعة معظم الناس الطيبة فيها. في نصف الساعة الأخيرة -وبعد زيارة واحدة لضباط ألمان ينتج عنها قتل مواطن تشيكي واحد- يتقدم المحررون الروس الى المنطقة. نراهم كمجموعة مختلطة من الماليشيا ورجال المقاومة الفالتين يطاردون القوات النازية المنهزمة ثم يرتاحون في القرية. يشربون ويبدأ بعضهم بالتعرض الى النساء واغتصابهن وقتل بعض المواطنين خلال ذلك. هذا يؤدي الى مواجهة وقتل بعض أعدادهم قبل أن يصل ما يبدو جنود روس رسميون. هذا التطوّر في الفيلم  مفاجئ وينقله من جو درامي الى آخر من دون تمهيد صحيح. ليس أن أحداثا كهذه لم تقع، لكن المراد منها هنا غير واضح فالفيلم لم يرصف الطريق لمثل هذه الرسالة وهي تبدو محشورة بين ما سبقها وبين النهاية المختارة.

في قلب الموضوع تلك العلاقة المفحوصة جيدا بين امرأة المدينة ورجل الريف وتصاعد التفاهم بينهما وكيف تنتقل من ضيفة على حياة لم تعهدها الى امرأة من صلب تلك الحياة. من ناحيته هو وقع في الحب من بعد قليل من لقائه بها، لكنه يحاول الحفاظ على مسافة ضرورية شاعرا بأنه لا يريد فرض نفسه، وطبقته الاجتماعية، على امرأة مثقفة مثلها ومن بيئة المدينة الأكثر تجربة، لكن ما أن يجد عندها القبول حتى يمنحها أكثر مما كانت تنتظره من حب وإدراك. قيمة الفيلم في هذه المشاهد بينهما وما يحيكه عبر إدراك للبيئة والأجواء وارتياح للإيقاع العام الذي يعمد المخرج اليه.

الفيلم: جيلاري ZELARY

اخراج: اندريه ترويان

تمثيل: آنا جيزلروفا، جيورجي  جرهالمي.

تقويم الناقد:

الخليج الإماراتية في  14 مارس 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

الوقت العصيب في

"جيلاري"

محمد رضا