الدورة الثالثة لمهرجان "أفلام من الإمارات" كانت أكبر وأثرى من سابقاتها, كماً ونوعاً. المدير العام للمهرجان, مسعود أمر الله آل علي, واظب خلال السنوات الثلاث الأخيرة على تهيئة سابقة لم تشهدها الإمارات العربية المتحدة مطلقاً, وخلال الفترة أنجز ما لم تنجزه الدول المجاورة: مهرجان لا يكتفي بعرض الأفلام, بل يؤسس لسينما في بلد بلا سينما, بلا هوية سينمائية خاصة وبلا تقاليد في هذا الشأن... او هكذا كانت الحال الى أن ولد هذا المهرجان. مهرجان "أفلام من الإمارات" يستوحي مسابقته, التي هي لب تظاهراته, من عنوانه: اي فيلم جديد من الإمارات يدخل شريطة توافر الحد الأدنى من المتطلبات الفنية والتقنية. هذا يشمل الفيلم التسجيلي القصير والمتوسط والطويل, ويشمل الفيلم الروائي في احجامه الثلاثة, كما يشمل الأفلام التجريبية والرسوم المتحركة وأي نوع آخر يختاره المخرج للتعبير. وأيضاً في سياق التنويع, تحتوي المسابقة هذا العام - كما احتوت في الأعوام السابقة - على أعمال تعبّر عن أوضاع أجتماعية, كما على أخرى تكتفي بقبسات ذاتية .وثالثة يبدو لا هم لها ولا لون. انطلقت الأفلام لتفتق جروح الأمة. ليس كل الأفلام تستطيع أن تترك تأثيراً طويلاً. في الحقيقة هناك تأثيران: واحد يستمر طوال الفيلم والآخر يستمر طواله وبعده. وفي الحال الأول يقع "أحاديث الأبرياء الخضر العيدروس". وتم تصويره مع مطلع الغزو الأميركي - البريطاني ملتقطاً مشاهد النزوح من مدن القتال الى الحقول او القرى او الى اي مكان يستطيع فيه النازحون ايجاد مأوى. والشهادات الناطقة في هذا الفيلم مسرودة كلاماً وصورة وتنقل الوضع كما كان: مجموعات بشرية تبحث عن الحياة في زمن ميّت وحكايات مأسوية عن رضّع بلا حليب ومرضى بلا عناية ومعوقين يُحملون على الأيدي غير مدركين اي بلاء أصابهم. لكن الناتج من كل ذلك هو "ريبورتاج" وليس فيلماً ذا وظيفة فنية. فيلم يعتمد على قوّة المضمون وحدها مع مقدار ملحوظ من حسن التصميم العام للفيلم. على عكس فيلم "بيروت - بغداد" لباسم فيّاض - الفيلم الذي لم يبرح بيروت لكنه تناول الحرب العراقية على نحو قابض, خصوصاً وأن ما يعالجه هو الرابط بين الحربين والوضعين اللبناني والعراقي. ما عاشته العاصمة اللبنانية وما تعيشه العاصمة العراقية. المقابلات لديها ما تقوله, ربما هي أقل قدرة على أن تشكل شهادات عينية عما يحدث في العراق, لكنها مشكلة بحرفية أعلى والتأثير يبقى أطول. في النهاية كلا الفيلمين, وأفلام كثيرة أخرى, لديها أكثر من موضوع وتذهب وراء أكثر من خيط او على الأقل أطول زمناً مما يجب ببضع دقائق ثمينة. في "اجتياح" وهو فيلم الإفتتاح للمخرج فيصل الحصائري, بضعة مواضيع عن اولئك المقاتلين الفلسطينيين الذين اعتصموا في كنيسة بيت لحم ايام الغزو الإسرائيلي الشرس. هذا المنطلق يبقى الأكثر أهمية لكن المخرج يختار ايضاً الحديث عن اولئك المقاتلين بعدما أصبحوا لاجئين علماً أن هذا الموضوع كفيل بفيلم مختلف. الأفلام الإماراتية التي شوهدت حتى الآن ليس من بينها ما هو متميّز. اليومان الأولان حفلا بالنيات الحسنة والنتائج المتواضعة. من بينها فيلم بعنوان "مريم" لعايدة بطي حديد عن والد يحكي نكبته بموت طفلته مريم. وآخر عنوانه "سوء الخاتمة" لأحمد زين حول رجل يبكي أباه الذي مات في حادثة سيارة بعدما رفض الإستماع الى آخر نصائح إبنه: قلل الشرب, قلل التدخين وقلل السرعة. في "خلف الجدران" ليحيى بشير الرفاعي شاب صغير يعيش في بيت تتخلله مشكلات بين والديه. لا أحد منهما يكترث فعلاً له ويحاول أول الفيلم الإتصال برقم ما, فيثور حينما يجد الخط مشغولاً فيخرج من البيت ويجلس على الدرج. هذا يقع مرة أخرى في تكرار غير معذور. قبل عشر دقائق من نهاية الفيلم يظهر إسم المخرج ونعتقد أن الفيلم انتهى, لكن أحداث الفيلم تستمر على اي حال لنحو أربع دقائق أخرى ثم يظهر إسم المخرج من جديد. ومن الافلام التي تستحق التوقّف عندها: "أحاديث الأبرياء" و"ثمن الدموع" لمحمد الطريقي والفيلم الكرتوني البسيط "حقي في الدنيا", وفيلم عن "العمالة في مقهى نايـن بولا" لفيفيان ممدوح إبراهيم وعلياء محمد علي الملا. ونحن في انتظار الفيلم المتميـز الآتي من الإمارات في مستقبل قريب... آتٍ لا محالة. جريدة الحياة في 8 مارس 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
مهرجان "أفلام من الإمارات" يسعى إلى تقليد سينمائي محمد رضا |
|
إضغط على الصورة لمعرفة المزيد عن أفلام الإمارات |