عطش .. فيلم يقترع بكارة الصمت بقلم / عايدة نصرالله |
أثار فيلم "عطش" إدهاش الأوساط الفنية المعنية في صناعة السينما في إسرائيل، لكون صانعه توفيق أبو وائل من مدينة أم الفحم، هو عربي فلسطيني لم يتجاوز عمره عند إخراج الفيلم الثلاثين عاما. ومع نجاح الفيلم عالميا وفوزه بجائزة مهرجان "كان" التقديرية، بدأت دور السينما الإسرائيلية تلهث وراء الفيلم وصفقت الصحف الإسرائيلية له ولمخرجه وباركوا أنفسهم بأن السينما (الإسرائيلية) تنتج أخيرا إبداعا يثير إعجاب العالم. وطبعا يصيحون "مبروك لنا". وتنتهي صيغة "الهم" التي ينعتون بها العرب عادة لدى نجاح عربي فلسطيني يعيش في إسرائيل. ثيمة فيلم "عطش" تمثل الإغراق في استلاب الجسد/ المكان ومحاولة العبور عن طريق الماء. يغوص الفيلم في أكثر من طبقة، حيث يتحرك من الذاتي للجماعي - ماسا النبض الحقيقي للوجع المتمثل في الاستلاب الاجتماعي - السياسي. إلا أن السياسي هنا مجدول بشكل بعيد عن الاستعراض والكليشيهات التي تطغى على وسائل الإعلام والتي نراها محشورة في أفلام أخرى. الحكاية لا يتبع المخرج بناء حكايته على طريقة السرد التقليدي المتعاقب في الروي، حيث ينتهج أسلوب الصور المقطعة بحيث نحتاج أن نركبها صورة صورة، وتتكشف الحكاية تدريجيا حتى تكتمل. قصة الفيلم تدور حول عائلة مكونة من 5 أفراد، الأب أبو شكري (حسين ياسين محاجنة)، الأم (أمال بويرات)، جميلة البنت الكبرى (رباب بلال)، حليمة، البنت الثانية (جميلة أبو حسين) والابن شكري ( أحمد عبد الغني). العائلة نفت نفسها قسريا من بلدتها إلى مكان يبدو خارج العالم، هروبا من عار ألحقته البنت الكبرى، واختار الأب أن يعيش بعيدا عن قريته ليحمي نفسه وعائلته من الألسن. على مدار مدة الفيلم تعيش العائلة حياة مكررة رتيبة. ويعمل جميع أفراد العائلة في صناعة الفحم على الطريقة التقليدية حيث يجلبون الفحم من حرش قريب (الذي كان في الأصل تابع للقرية وصودر من قبل السلطات الإسرائيلية) ونرى العائلة في منطقة تبدو معزولة عن الفضاء الخارجي. الشخصيات جميلة هي الفتاة البكر التي تدور حولها الحكاية. جميلة تعاني حصارا مركبا يتمثل بحصار الروح والجسد، حصار المكان وحصار النظرات العازلة التي تواجهها من الأب الغاضب. لكنها مع ذلك تحمل وهج التمرد في داخلها الذي يظهر من خلال نظراتها الاحتجاجية ومشاهد التمرد التي سنتطرق لها لاحقا. الأم أم عادية تمثل في تبعيتها الرغبة في الصون.. صون البيت.. صون صورتها مرضاة لزوجها (مرضاة للسلطة) وصون الكلام الغير مباح، مع ذلك سرعان ما يتبدى لنا الكبت المخزون داخلها من عبء التركة للفكر الذكوري.. أبو شكري يمثل السلطة الذكورية بكل صورها / الاجتماعي والسياسي والتي تنطق من تعابير وجهه القاسية والصرامة التي تنطق بها عيناه، إضافة للمعاناة الداخلية بسبب ما اضطره للهروب من قريته وقسوة الهزيمة داخله. حليمة حليمة نموذج الفتاة التي ترى ولا تتكلم.. تعي كل شيء حولها لكنها تؤثر الصمت كوسيلة للنجاة. وقد اختار المخرج إخراسها إمعانا منه في إعلاء ثيمة ظلم المرأة التي تطالب بالسكوت دائما حتى وهي تتقن النص الذي يتمثل في نظرات حليمة الواعية الناطقة، وفي مشاركتها الفاعلة في العمل.. وبطرق مواجهتها للملل الذي يكتنف حياة العائلة. الابن- شكري الابن يحاول أن يحمل صورة الجيل الجديد المختلف في تحديه للوالد الذي لا يريده الذهاب للمدرسة، إلا أن الولد يصر على التعلم وذهابه للمدرسة الموجودة في نفس البلد التي يهربون منها، وتعاضده النساء كنوع من التضامن مع الوريث الوحيد الذي سيحمل فكرا مختلفا عله يكون السند للخلاص من الأغلال. ويكون على الولد مواجهة الداخل / العائلة بكل قسوة الحياة فيها وجبروت الأب، وقسوة الخارج الذي يلاحقه بعبارات مهينة عن أخته. يُفتتح الفيلم مع مشهد مفتوح طولي مظلل، حيث نرى المكان العطش يلهث من عطشه.. فالأرض لاهبة بدخان النار / والغبار، والشفاه الجافة التواقة للماء. على أثر الشح بالماء يقرر الأب أن يجلب الماء عن طريق ماسورة من الأراضي المجاورة بشكل غير مشروع. يغامر بما وفره من نقود وسط احتجاج امرأته. لكنها ترضخ لأرادته التي لا مرد لها. مع قدوم الماء تنفجر المشاعر المبيتة، ذلك النبع (الماء) الذي يرمز للحرية والتطهر من كل ما يكبل الروح والجسد، يستنفر العشق للحرية فنرى مشهد الماء الذي يتمرغ به كل من أفراد العائلة. رذاذ الماء يأزم احتدام الصراع في محاولة الخروج من سلطة الأب. يشكل مشهد الماء ذلك الفتح نحو الانعتاق. فنرى البنتين تغتسلان فرحتين. الماء يفتح بوابة الذكرى عند جميلة فتفتح صندوقا قديما سترت فيه حكايتها وجسدها المنفي. ذلك الصندوق التي كانت تهرب إليه وتختلي به بسرية. وهو نوع من الهروب إلى الماضي كما يفعل الأشخاص المهزومين من الداخل. تلك الأشياء المخبئة في الصندوق من سنوات مثلت لجميلة وطن صغير تهرب إليه. ذكرياتها أصبحت هي الحلم المستلب الذي تبحث عنه وتعيش لأجله. لكن سرعان ما نرى الأب الذي يكتشف وجود الصندوق بمحتوياته (رسالة من الحبيب، زجاجة عطر وصورة)، يقوم بحرقه بمحتوياته وبذلك يقوم بقتل حياة جميلة المتخيلة وهو نوع من السطوة حتى على الأفكار للفتاة، فلم يعد الحصار يكتنف الجسد فقط وإنما بحرق الصندوق أصبحت الفتاة ممنوعة حتى من الحلم. الحياة الروتينية التي تعيشها العائلة بمشاهدها المتكررة هي نوع من الإمعان في الشعور بالحصار والذي يتسرب للمشاهد بحيث ينفذ شيء من الاختناق إليه. وكخروج من الملل الرابض على صدر العائلة فإن حليمة نقلت إلينا بصمتها الضاج إلى حد قشط الجلد عبر نظراتها العميقة وانشغالها في نسيج النول الذي صنعته من بقايا جنود المناورات على تلك الأرض. والنول هو دلالة قديمة للمرأة في محاولة انعتاقها.. وكأنها بنلوب تحاول عن طريق النسيج انتظار المنقذ/ الحل/ تجسيدا لحالة انتظار لحل قد يأتي. تلك الحلقات التي تنسجها حليمة هي بواقي لأغطية القنابل اليدوية التي تركها الجنود، كما تلهو حليمة بالرصاصات الفارغة وكأنها تحاول تحويل الأغراض (البشعة في رمزيتها) لشيء جمالي. فمن حدة الملل تلهو بتلك الرصاصات تعدها وتغربلها وكأنها ألعاب مألوفة، مشهد يحمل سخرية مغرقة في السواد. وسط تأزم التوق للحرية، تنكسر ماسورة المياه.. تنقطع المياه مرة أخرى ويعود الأفراد لنقل المياه من النبع القريب الملوث ليغلى بالطناجر. هذا الإصرار في إظهار شخصية الرجل العنيدة في تحدي عائلته، على رغم جبروتها هي وجه آخر للروح المهزومة التي تؤثر خنق أفراد العائلة وتعذيبهم وإذاقتهم العذاب اليومي داخل أغلال الروح والجسد فضلا عن مواجهة المجتمع. لكن هذه الفحولة المستبدة سرعان ما تكشف نفسها سرا للمشاهد/ بعيدا عن عيون العائلة، عندما نرى أبو شكري يستحم وهو يتخيل نفسه يرفع سلاحه على مغتصب أرضه، لكن هذا السلاح لم يرفع في الحقيقة، فهو عاجز عن الدفاع عن نكسته الاجتماعية فكيف يدافع عن أرضه؟. هذا الطرح هو ما يتوق الفيلم بمجمله لإيصاله وهو يبلغ أوجه في مشهد العجز عن المواجهة في مشهد حمام الرجل/ الرأس/ السلطة. مشاهد التمرد في الفيلم رغم العطش الذي يظهر في جفاف الشفاه- إلا أن جميلة تسكب كأس الماء الذي يأتي به أبوها لتشربه. تسكبه ونرى الماء يجري ويغطي بظلاله الأرض بينما الجسد المتعب عطش يتلوى. وبنفس طريقة المواجهة: وهي لقطة تحتل الكثير من الكلام.. رغم صمتها.. عندما تتهم جميلة الأب بالجبن والخوف ثم تخلع جارزتها –تتعرى أمام الأب. وهو مشهد جريء جدا. هذا التعري كان اتهاما صارخا للأب الذي لم يستطع الدفاع عن ابنته. ودون كلمات وصلت صرخة من قعر القلب. جميلة تحاول الإفلات من حصارها، فتهرب من البيت ليلا باتجاه الريح والحرية. لكن تهزمها الطبيعة فيغمى عليها تعبا وسط الطريق. فيعيدها الأب. مشهد الرقص نرى الأم المستلبة المسالمة والتي تخزن آلامها في باطن المخيلة، تتوق هي الأخرى للانطلاق. وتأتي نقطة الانطلاق عندما تسمح لأولادها بدخول مخزن خبأت فيه أثاث بيتهم القديم، بحثا عن "بطارية" لراديو وجده الابن في الغابة. يعمل الراديو، عندها تدور موسيقى غريبة عنهم ومع هذا تنطلق النساء والولد في رقصة هي أشبه بانفلات من السجن تكاد تشبه رقصا عبثيا في مشهدية مسرحية. يمثل الأثاث الذي خنق في المخزن ذكريات وحياة أجبرت على الدفن، حياة كانت في الفضاء فجأة نقلت إلى مخزن عبأ الذكريات المستلبة. مشهد تلمس الأثاث ينقل العائلة إلى الفضاء الخارجي الموجود في المخيلة فقط، ويتأزم الصراع أكثر مع الوالد (السلطة). بعد أن يصل الصراع لأوجه بين الولد وبين الأب وبتعمق الهزيمة الداخلية في الأب، نرى الأب يحلق لحيته، وهو رمز ربما للاعتراف بالهزيمة، يلبس أجمل ملابسه، ونرى مشهدا يشوبه الغموض الذي يحتمل تأويلين، أو يكون الأب اختار أن ينتحر ولهذا حلق لحيته ولبس أجمل ملابسه كنوع من الطقوس، أو أن الولد الذي نراه مع الأب في خصام هو الذي قتل الأب. يغيب الأب كغياب جيل وسلطة، لإتاحة الفرصة لتغيير نظام هذه السلطة. لكن الولد يكمل النهج لأنه يحمل معه ما تربى عليه. التصوير من الناحية التصويرية الفيلم صور على شكل مقاطع طولية مغلقة وأحيانا حشر المكان، أو الشخصيات في مربعات مؤطرة وقليلا ما فتحت الشاشة، وهذا ما منح التأكيد على الشخصيات، فالمشاهد يرى الشخصية في دائرة اللحظة التي يعمل بها وليس خارجها، ولهذا فالمكان منفيا ويبدو دائرة مغلقة منعزلة عن العالم. طريقة التصوير جاءت لتلائم موضوع الحكاية ولتكون مكملة لما لم تقله الكلمات، وهدفت إلى وضع المشاهد في أغلال الحكاية والصورة. فتلاحق الصور المؤطرة والتي تستفز عين المشاهد بالنفاذ من تحت الخط الحاجز للصورة لرؤية ما تخفيه الصور، وأحيانا تحني جسدك كله كمشاهد لتطل على اليد التي لا نعرف أين تمتد، ولا نعرف هذه الشخصيات التي تخنقها الأطر في أي فراغ تجول. وإلى أي لهاث تصبو، وما وجه الغبار الذي يتلاحق في الرئتين، أهو الدخان، أهو غبار الطريق، أم لهاث الأمنيات في الانعتاق؟. الإيقاع الرتيب للصور يكاد يحك الجلد عما نعانيه كلنا كمشاهدين، الرتابة لم تكن رتابة سلبية إنما هي نوع من الإغراق والإمعان في نقل المشاهد لحالة اختناق روحي وجسدي. المصور "آساف أودري" غاص لحيثيات النفس المصورة وترجمت الصور ما يغور عميقا في هذا الحصار فجاء التصوير المظلل أحيانا والمقطع في أغلب الأحيان والمحكم بشكل محوسب غاية في "الجمال" المستفز وليس جمالا تقليدا (لا يتمشى مع مصطلح الجمال التقليدي) فتعرت الجدران لنرى الثقوب، ودخلت الكاميرا إلى حيثيات الأشياء، الماء، الدخان، النار، الأرض، القضبان الحديدية، التي جميعها نفخت فيها الروح لتنطق عوضا عن الكلام. وفي أحيان معينة ثارت الصورة عن التوازن لتشتد في الجانب التعبيري حد توقيف الشعر مثل مشهد ذبح العصافير. وكم استطاع المخرج بمساعدة مصور الفيلم أن يري لنا أخاديد القهر والغضب والهزيمة من خلال وجه الممثل حسين محاجنة الذي تراه ماشيا في الشارع فلا تصدق انه نفس الشخص. أو الغوص في سرد الحكاية الصامت من خلال عيني حليمة والولوج إلى داخل شكري من خلال ملامح وجهه في مشاهد التمرد. وكلهم ناس عاديون لم يسبق لهم التمثيل (عدا عن رباب بلال الممثلة المحترفة الوحيدة في الفيلم) وهذا يشكل مغامرة لمخرج شاب في اختيار ممثلين لم يسبق لهم التمثيل استطاع أن يخرج مكامن الداخل بمساعدة عين لمصور موهوب. نهاية غير مريحة إصرار المخرج على إعادة جميلة إلى الحصار مرة أخرى هو إدارة الظهر حتى للأساليب الفنية التي تعطي للمشاهد بارقة أمل، رافضا إعطاء الحلول المريحة، لهذا ينتهي الفيلم بنفس الدورة الحياتية حين يظهر الابن بحركة تغطية الفم والأنف بقبة الجارزة خوفا من الدخان كحركة الأب تماما.. إذن هو استمرارية لنفس النهج الذكوري الذي رأيناه.. المخرج يصر على أن يغادر المشاهد قاعة العرض وفي الحلق غصة مصاحبا لقهر الفحم والغبار، يذهب مستفزا للتفتيش عن الحل الداخلي دون منح حلول مهدئة. فدور التحرر النفسي للمشاهد (كاتاراسيس) التي يؤديها الفن لا تمنح هنا في الفيلم. رغم أن ثيمة الفيلم هي موضوع كلاسيكي وعولج كثيرا في السينما العربية، ولكن طريقة طرحه على المستوى الفني والتصويري، جعلت هذه العائلة تمثل النموذج الصغير لمجتمع بأكمله ولتكن الحلقة التي تربط هذا الحصار الصغير بحصار الفلسطيني داخل أرضه المصادرة وحصاره بالموروث الاجتماعي. رغم أننا لا نرى الجيش الإسرائيلي في الفيلم ولا نرى إطلاق الجنود للنار، لكن آثارهم موجودة على الجدران المخرقة بالرصاص، وبقاياهم (الرصاص وحلقات القنابل اليدوية) تصرخ على وجودهم كمغتصبين للأرض.. يركز الفيلم على الثيمة الاجتماعية، أكثر من السياسية حيث ينادي بالتحرر الاجتماعي كشرط للتحرر السياسي. الأجساد رغم كونها في أرضها إلا أنها مسجونة في أرضها لأنها مغلولة من الداخل ومسجونة داخل نفسها، عدا عن استلاب الأرض.. إذن هو فيلم اجتماعي سياسي صارخ بقليل من الكلام، فيلم يقترع بكارة الصمت داخلنا. عايدة نصرالله: aida_nasrallah@hotmail.com موقع "فراديس" في 10 ديسمبر 2005 |
رد غاضب على الناقد السينمائى أحمد يوسف لماذا لا تطبق أحكامك الباترة على سيناريوهاتك؟ سعيد شعيب لا أعرف ما الذى يدفع رجلا مثل الناقد السينمائى أحمد يوسف لأن تتحول كتاباته الى مجرد شتائم لا أول لها ولا آخر.. ولا أعرف أيضا لماذا لا يذكر أسماء الذين ينتقدهم فى الحقيقة يشتمهم، لماذا يفضل هذا التلسين الذى لا يليق به، لماذا يفضل أن يسب الآخرين فى حارة مظلمة، لماذا لا يظهر فى النور ويناقش، ولماذا لا يحترم القارئ الذى يكتب له ويقول له من هؤلاء الذين يلعنهم، حتى يقرأ وجهات نظرهم من المنبع، ويصل إلى الحكم الذى يعجبه، أم أنه يعتقد أنها خناقة شخصية بينه وبينهم؟!. الحقيقة أن ما يفعله منذ فترة وخاصة فى العدد الماضى من العربى سهل على أى أحد أن يفعله، فهذا السلاح الذى لا يليق به يمكن لأى شخص أن يطعن به أحمد نفسه، فهل يريد أن تتحول المناقشات والحوارات المحترمة لمجرد شتائم مجهلة.. لا أظن أنه يريد ذلك ولا أظن أنه يتحمله. أما ما كتبه فى العدد الماضى من العربي، فأننى أريد أن أوجه له عدة أسئلة، أتمنى أن يجيب عليها: 1- من هم بالاسم الذين يكتبون حول السينما من باب العشم والشفقة، ويتشدقون بكلمات مثل الجمهور والمتعة.. أتمنى أن يقول لنا أسماءهم، ثم ما هى حيثياته فى هذا الحكم عليهم. 2- من هو الناقد الكبير الذى صرح بأنه إذا وقف بعض الممثلين أمام الكاميرا فلابد أن يكون هناك فيلما وأين قال هذا الكلام؟ 3- من هم الصحفيون بتوع كله الذين يستخدمون المساحات المتاحة لهم، لكى يوزعوا مجاملاتهم الاجتماعية على الممثل الفلانى والمخرج العلاني، حتى لو لم يكونوا قد رأوا الفيلم من أصله، وكيف فعلوا ذلك وما هى الأفلام التى لم يروها وكيف عرف هو هذا السر الخطير، وأين كتبوا ما كتبوه، ثم ماذا يقصد بالتحديد بكلمة المجاملات الاجتماعية وما هى حيثياته التى بنى عليها وجهة نظره. 4- من هو الصحفى إياه الوصف للناقد الكبير الذى يدخل مناطق لا يعرفها ليصف الأندلس بأنها كانت احتلالا عربيا لأسبانيا، وكيف عرف أن هذا الصحفى إياه يتصور نفسه أنه قد أتى بما لم يأت به الأوائل، وكيف عرف أنه لم يقرأ مرجعا واحدا عربيا أو أسبانيا. ثم لماذا لم يناقش ما يقوله ويرد عليه بدلا من منطق الذين يتسترون وراء تجهيل الأسماء ووراء التلسين الذى لا يليق، ويستخدم المساحة التى تتيحها له العربى لكى يشتم خلق الله. فمشكلة الأستاذ أحمد يوسف أنه لا يتصور أبدا أن من حق الآخرين الاختلاف معه، وأن الآخرين مختلفون لأنهم مختلفون، وليس لأنهم أعداء، فهو للأسف يعتقد أنه وحده الذى يملك الحقيقة، وهو وحده الذى يعرف السينما الصح وهو وحده الذى يعرف مصلحة الجمهور الغائب عن الوعى وهو وحده وهو وحده.. فهو مركز الكون الذى يجب أن نلف حوله ونسبح بحمده والشيء الوحيد الذى يسمح لنا به هو أن نتفق معه، إذا فعلنا نصبح وطنيين وأعظم ناس فى الدنيا، وإذا لم نفعل نصبح مجاملين وأصحاب مصالح وخونه وولاد ستين فى سبعين. وهذا هو بعينه منطق الديكتاتوريين فى كل مكان وزمان، المستبدين الذين يحولون كل من يقول رأيا مختلفا إلى متآمر ضد مصلحة الوطن، فآراؤهم هى عنوان الحقيقة، هى الصح المطلق.. وهذا هو نفسه منطق الأخوان المسلمين الذين يهاجمهم الدكتور فى مقالته، فهم يكفرون الذين يختلفون معهم دينيا وهو يكفر الذين يختلفون معه سياسيا ووطنيا وفنيا، وهو نفسه منطق الذين يحكمون مصير هذا البلد، الذين يعتبرون أنفسهم أوصياء علينا ولابد أن يختاروا لنا ما يرونه صحيحا.. هو منطق من يحولون وجهات نظرهم إلى لاهوت مقدس لا يجب المساس به. إن هؤلاء فى الحقيقة أيا كانت عقيدتهم السياسية والفنية هم الذين أفسدوا هذه البلد، لأنهم لا يرون إلا أنفسهم، وهؤلاء إذا حدث وتولوا الحكم حكم أى شيء فليس أمامنا من خيارات إلا أن نمشى وراءهم كالعميان، يريدون أن يجعلوا هذا الشعب الجمهور كما يريدون، ليس بالتفاعل الخلاق معه، ولكن بصبه على مقاسهم، فهم لا يتصورون أن من حق الناس أن تختار وأن حقنا الوحيد هو أن نقول لهم أى الناس رأينا ويختاروا ما يشاءون ولا نصفهم كما يفعل الأستاذ أحمد بالغائبين عن الوعي، وأصحاب الوعى والحشاشين. وتصوروا معى حال السينما لو تولى مسئوليتها من هم مثل الأستاذ أحمد يوسف: لن يسمح أبدا بأى وجهة نظر فنية تختلف مع ما يراه، ولن يسمح لجمهور السينما بأن يختار ما يريده لنفسه، ولكنه سيجبر الجميع على أن يروا فقط ما يراه هو وحده. وهذا لا يعنى بالطبع أننى أريد من أن يتنازل عن وجهة نظره التى أعرفها وحفظتها، فهى نموذج واحد وحيد يطبقه على كل الأفلام، ولكننى أطالبه فقط بأن يتعامل مع ما يكتبه بأنه صواب يحتمل الخطأ كما قال الإمام الشافعى وليس صواب مطلق. ثم أننى مندهش من الأستاذ أحمد.. فهو الذى يكتب ليل نهار عن الدراما الصحيحة والفن المفروض يكون كذا كذا.. فلماذا لم يفعل ذلك فى فيلم حبك نار الذى كتب له السيناريو والحوار، وكيف نصدق أحكامه الباترة وهو حتى لم يطبقها على نفسه.. فالحقيقة التى يجب أن يعرفها هى أن هناك الكثير من الأفلام التى مسح بها البلاط أفضل من فيلمه بكثير. ثم أننى لا أفهم كيف تكون خصما وحكما فى نفس الوقت، كيف تكون لاعبا وحكما ترفع الصفارة، كيف تكون يا دكتور قاضيا ومتهما، يعنى إما تمارس النقد السينمائى فقط وتظل حكما، فتصبح لك مصداقية ما، لأنك لست داخل الملعب ولك منافسون فى السينما من مصلحتك أن تلعنهم وتحط من قدرهم، أى أنك وهم متنافسون فى سوق السيناريو، أو تتفرغ لكتابة السيناريو وتحاول أن تقدم المنجز الفنى العظيم الذى تتمناه فى مقالاتك، والذى للأسف فشلت فشلا ذريعا فى أن تحققه فى فيلمك الأول.. فربما تحققه فى المستقبل. لقد خسر الأستاذ أحمد يوسف فوق ما يتصوره فى السنوات الأخيرة، عندما انتقل إلى خانة الشتائم والتلسين، وفقد مكانة عزيزة، فقد كنت واحدا من الذين انزعجوا عندما قرر أن يعتزل كتابة النقد السينمائى كان ذلك فى عام 1997 وكتبت وقتها أطالبه بالتراجع وقلت أنه واحد من الذين تربى ذوقى السينمائى على كتاباته، وهذا لا يعنى طبعا أن أوافقه على كل ما يكتبه، أو أقدس آراءه، فالخلاف حتى مع من تحبهم أمر طبيعي، بل ومطلوب ولكنى مندهش لأنه استخدم هذه اللغة الرديئة ضدى وضد زملائه. فهل السبب وأتمنى أن أكون مخطئا هو أننى قلت عيوب فيلمك الكثيرة بصراحة، وأيضا ذكرت مميزاته القليلة.. هل اعتبرت ذلك تطاولا، وقررت أن تلسن من وقتها وأخيرا تشتمني. والآن أنا أدعوه صادقاً إلى أن يعود الى المكانة العزيزة التى كانت له، أن يعود كما كان شجاعا يخوض معاركه فى النور. العربي المصرية في 11 ديسمبر 2005
فى كتابه أحمد زكى الأصل والصورة مؤلف الجنة البائسة يطلق الرصاص على البريء عزمى عبد الوهاب يستطيع السيناريست مصطفى محرم أن يتحدث فى كل شيء، فى السياسة والاقتصاد والفلسفة والفن، فهو مثلا يرى أن الاهتمام الإعلامى الكبير بمرض الفنان الراحل أحمد زكى وتصويره فيلم حليم آنذاك، له بعد سياسي، إنها محاولة لإلهاء الناس فى هذه الفترة الحاسمة من تاريخ الوطن. ويتمادى فى تنظيراته السياسية مؤكدا أن ذلك يأتى كعادة الأنظمة فى مصر، بدءا من عبد الناصر إلى الآن، بل إنه يشتط فى تقييم أغانى عبد الحليم حافظ الوطنية التى أرخت لثورة 23 يوليو/تموز 1952، فهى حسب رأيه أغنيات فقدت مصداقيتها الآن. ويبدو أنه لا يعرف أننا لا نملك سوى هذه الأغنيات، لنذيعها فى مناسباتنا الوطنية، كما أن تجربة حليم وجاهين ستظل أغنية يرددها الباحثون عن الحرية والعدل ومن يرون تاريخ مصر بدون الاستعانة بنظارة مصطفى محرم المصابة بقصر نظر واضح. وبمنطقه يمكن أن نحاكمه، فالاهتمام بمرض أحمد زكى ضمن سياسة إلهاء الشعب بأحداث جانبية كما يقول يجعلنا نرى أن تحفه السينمائية الباطنية، درب الهوي، وكالة البلح، خمسة باب.. وغيرها من روائع كانت إلهاء للشعب المصري، فى أسوأ حقبة تاريخية مرت به، عندما تراجع دور مصر على كل المستويات. يفتتح محرم كتابه أحمد زكى الأصل والصورة الصادر عن الدار للنشر والتوزيع بالتعبير عن دهشته من الاهتمام الواسع بأحمد زكي، بل إنه يحيل الأمر إلى أشياء أخرى لا علاقة لها بالفنان الراحل الكبير، متجاهلا أن زكى كان المتحدث الرسمى باسم ملايين الفقراء، الذين أصر الآلاف منهم على السير فى جنازته، حين حالت قوات الأمن المركزى بين محرم وتشييع صديقه الفنان الراحل إلى مثواه الأخير، فآثر أن يغادر موكب الجنازة عائدا إلى بيته. يهيأ لى أن محرم كان يحسد أحمد زكى على موته، لأن الدولة استنفرت قوات الأمن لحماية جنازته، والغريب أنه يعود بأسباب الحشد الأمنى إلى سبب وجيه جدا! وهو أن الإخوان المسلمين نظموا فى المكان ذاته مظاهرة قبل يوم الجنازة، وهو بهذا التحليل العبقرى ينضم إلى أولئك الذين حسدوا الأعمى على طول عصاه. كثيرا ما يحلق محرم بعيدا عن موضوع كتابه، ليلقى لنا بخلاصة عبقريته، فقد ألهمته حشود الأمن المركزى فكرة أن هذه القوات وجدت لتحافظ على النظام الحاكم وليس لتحافظ على أمن الشعب وهو فى ذلك يرتدى مسوح الثورى بهذا الاكتشاف الخطير جدا، مثلما يفاجئنا بوجه المثقف فيه حين يحشر أسماء أرسطو وأفلاطون وفرويد وستانسلافسكى فى سطور كتابه حتى يصيبنا الفزع من ثقافته المرعبة، ولا مانع من الثرثرة أحيانا كأن ينقل لنا حوارا دار بينه وبين وزير الصحة عن أضرار التدخين، وامتداح أناقة وزير الثقافة ورئيس مجلس الشوري، أو قرب بيته من مسجد مصطفى محمود، ولا مانع أيضا من أن يشغلنا معه بالبحث عن سيارته، لنكتشف أن سائقه الخاص قام بتوصيل زوجة ابنه وأحفاده إلى الطبيب من أجل تطعيمهم. كتاب محرم يندرج فى إطار تصفية الحسابات، فما إن تسمح له ثغرة بالنفاذ إلى اسم لا يحبه، فهو لا يفلتها، فحين يقارن بين جنازتى سعاد حسنى وأحمد زكي، لا يشغله إلا أعداد المشيعين هنا وهناك، ورصد من يبكى بجد ومن يبكى تمثيلا، فنجاة مثلا تظاهرت بالانهيار أثناء جنازة شقيقتها سعاد حسني. ويحار المرء فى الثقة التى تدفع محرم لأن يقول: تعودنا أن نعرض سيناريوهات السينما المصرية أولا على عادل إمام فإذا اعتذر تذهب إلى محمود عبد العزيز، وإذا اعتذر تذهب إلى أحمد زكى كيف له أن يختصر سيناريوهات السينما فيه؟ من منحه جرأة أن يتحدث باسم الآخرين؟! كان عليه أن يتحلى بالتواضع على الأقل حين يتناول الأفلام التى كتب سيناريوهاتها، وهو مغالط لا شك حين يرمى فى وجوهنا بحقيقته المطلقة، بأن أفلام أحمد زكى قبل ناصر 56 وأيام السادات لم تحظ بإقبال جماهيرى كبير مثل أفلام محمود ياسين، الذى يراه نجم النجوم، فهو يقارن بينه وبين أحمد زكي، حين أدى الثانى دور طه حسين فى الأيام وحين قدم الأول الشخصية ذاتها فى قاهر الظلام، فهل تصح المقارنة بين فيلم ومسلسل؟ وإذا صحت فإنها من وجهة نظر آخرين تميل لصالح أحمد زكي. ويكفى أن أفلام نجم النجوم تنتمى إلى الفترة التى نمت فيها موضة السوالف والبنطلون الشارلستون فى السبعينات التى أنتجت أفلام المقاولات وكان محرم أحد صناعها وقد سقطت من تاريخ السينما المصرية. وما يبعث على الضحك أن محرم يرى أن أفلام زكى التى قدم فيها أدوارا ثانوية لم تكن سوى إرهاصات، باستثناء فيلم الباطنية الذى كتب محرم له السيناريو، وهنا إذا كنا نقبل جانبا مما يكتبه محرم على أنه وجهة نظر يمكن الاختلاف أو الاتفاق حولها، فإن حديثه عن المنتج محمد مختار لا يدخل فى هذا الباب أبدا، يقول محرم: ذهبت إلى مختار فى شقة زوجته نادية الجندى أو كان المنتج يريد أن يبدو أمام زوجته ولية نعمته بأنه عنتر وأبو زيد زمانه. النماذج كثيرة، وهى تجعلنا نحس إزاء مصطفى محرم بما عبرت به نادية الجندى حين عرض اسم أحمد زكى عليها للقيام بدور فى الباطنية يقول: أخبرتهم بأننى أريد الممثل الواعد أحمد زكي، لم تكن نادية الجندى حتى ذلك الوقت تعرفه جيدا، فأخذت أذكرها بالأفلام التى عمل بها، ولكنها لم تتذكره فأخبرتها بأنه الممثل الذى كان يقوم بدور الطالب الفقير فى مسرحية مدرسة المشاغبين تذكرته بامتعاض شديد، ثم أبدت قرفها من هيئته، ووصفته بأوصاف تثير الاشمئزاز منه. يبدو أن محرم يرى أن زكى لم يكن ممثلا جيدا خارج السيناريوهات التى كتبها ولست أدرى لماذا تنجح أفلام العبقرى مصطفى محرم بينما تفشل أفلام الآخرين باستمرار، ولماذا يستنجد به المخرجون لإصلاح سيناريوهات أفسدها الآخرون، وفى نظره فإن أغلب سيناريوهات السينما مقتبسة من أفلام أجنبية وهذا صحيح ما عدا ما يكتبه طبعا، رغم أن فيلمه الهروب الذى نجح لاعتبارات أخرى لها علاقة بعاطف الطيب وزكى ومخيون وهالة صدقى وموسيقى راجح داود، ولا علاقة لهذا النجاح بالسيناريو المسروق من اللص والكلاب ودائرة الانتقام. كتاب محرم يصدر من منطقة كراهية لكل شيء وأى شيء وربما يعود تحول مشاعر السيناريست العبقرى من متحمس بلا حدود لزكى إلى كاره بلا حدود له، لأن الفنان الراحل رفض العمل فى سيناريوهات له، وهو دائما يحيل هذا الرفض إلى علاقة زكى بعلى سالم الذى كان يستشيره وكأن هذا الأمر سبة فى جبين زكي. تتعاظم الأزمة حين نعرف فكرة محرم عن نفسه، التى تصل حد البارانويا فهو يقول أنا وأشرف فهمى كنا نعتبر أنفسنا من طبقة النبلاء فى السينما لا نخضع لأحد، ولكن هم يقصد الممثلين الذين يخضعون لنا، وليس فى هذا ما يبرر أن يكتب محرم كتابا عن الفنان أحمد زكى بطلقات الرصاص، بينما لم يكن قد مر على رحيله سوى أيام، فسارع بنشر هذه المقالات فى جريدة القاهرة. وتأكيدا للأزمة التى يعيشها السيناريست العبقرى أنه كان مدعوا لمهرجان دمشق السينمائى الدولى فى دورته الأخيرة، وقادته الصدفة لمقابلة الفنانة السورية القديرة منى واصف، وعندما لم يجد منها الترحاب الذى يليق بذاته المتورمة استاء، وظن أنها ربما لم تعرف شكله، فبادرت إحدى الزميلات بتقديمه: أستاذ مصطفى محرم، واكتفت دون ذكر المسمى المهني، فردت منى مجاملة له قائلة: إيه بقرأ مقالاته، وبما أن هذا الرد لم يرض غروره باعتباره يرى نفسه أهم مؤلفى الدراما فى السينما والتليفزيون، فانبرى يذكرها بأعظم وأخلد أعماله قائلا: أنا مؤلف الحاج متولي!!، فلم تزد منى واصف علي: أهلا وسهلا، وبالطبع واضح من رد فعلها أنها لم تسمع بعمل بهذا الاسم!! لو أننى كنت مكان محرم وتجنبا لهذا الموقف الحرج، لوضعت لافتة على صدرى مكتوبا عليها: أنا مصطفى محرم مؤلف الحاج متولي، على طريقة الراحل محمد عوض فى مسرحية نمرة 2 يكسب عندما كان يردد طوال المسرحية: أنا عاطف الأشمونى مؤلف الجنة البائسة!! العربي المصرية في 11 ديسمبر 2005 |