اسمه هاني خليفة. رصيده السينمائي فيلم واحد هو "سهر الليالي", الذي قلب موازين السوق السينمائية في مصر رأساً على عقب العام الماضي, ليس لشيء سوى لأنه قدم لمنتجي السينما المصرية دليلاً آخر يدحض مقولاتهم التي ملأوا بها الصحف والمجلات الفنية من ان اللحظة السينمائية في مصر لا تتحمل أفلاماً جادة, وأن الورقة الرابحة في الفترة المقبلة ستكون للأفلام الكوميدية وأبطالها فقط. وظل ذلك الاعتقاد سائداً حتى جاء "سهر الليالي", وأثبت للجميع أن الجمهور في حاجة الى مشاهدة أعمال جادة. وفي مهرجان دمشق السينمائي الدولي الأخير, نال أبطال الفيلم الثمانية جائزتي أحسن ممثل وأحسن ممثلة, في سابقة هي الأولى من نوعها على مستوى المهرجانات السينمائية الدولية. وفي مهرجان المركـز الكاثوليكي رقم 52 الذي أقيم في القاهرة قبل أسابيع, نال فيلم "سهر الليالي" جائزة أفضل فيلم مصري في العام الماضي, فيما نالت بطلته منى زكي جائزة أحسن ممثلة, وحصل مؤلفه تامر حبيب على جائزة أحسن سيناريو. للمناسبة التقينا المخرج هاني خليفة:
- لم أختفِ, لأنني في هذه الأعوام عملت مساعدَ مخرج مع الكثير من المخرجين, منهم داود عبدالسيد وخيري بشارة والراحل رضوان الكاشف ومحمد راضي ومحمد كامل القليوبي والمخرجة اللبنانية رندة الشهال, ثم توقفت عام 2000 عن العمل مساعد مخرج, وقررت أن أقدم فيلمي الأول ووقع اختياري على "سهر الليالي" العام الماضي.
- لا أعتبر الجائزة مجاملة, لأنها كانت اقتراحاً من لجنة تحكيم المهرجان التي رأت أن الممثلين الذين قاموا ببطولة هذا الفيلم يستحقون جائزة التمثيل, ولذلك كانت هي السابقة الأولى من نوعها التي تحدث في تاريخ المهرجانات السينمائية الدولية, ومن ثم أعتبر هذه الجائزة تقديراً لكل من ساهم في إخراج الفيلم إلى النور, بدءاً من النجوم المشاركين فيه وحتى آخر فني إضاءة وعامل. السلبيات... أولاً
- هناك الكثيرون من النقاد الذين تناولوا الفيلم بالنقد والتحليل, ومنهم من رصد الكثير من السلبيات, لكنها سلبيات متعمدة إخراجياً وتنفيذياً!
- لأنها تجربتي السينمائية الأولى, فمن النقاد من رأى أننا كصناع للفيلم كنا مهتمين أكثر بآراء الجمهور, بمعنى أننا خفنا من جرح مشاعرها بتقديم نهاية موجعة للأحداث, وأعترف بأنني قصدت ترك نهاية الفيلم مفتوحة على النحو الذي حدث في الفيلم, فقد أردت أن يشاهد الجمهور الفيلم ويُعجب به, لا أن يجد في داخله ما يخيفه وينفره, ولم أشأ أن أصدم الآخرين أو أقول لهم إن مؤسسة الزواج فاسدة, لأن هذه ليست مهمتي كفنان, وظيفتي الحقيقية هي أن أطرح الأسئلة, لا أن أجد الحلول لمشكلات الناس.
- أتفق معك, ولكن هذا ينسحب على جميع العلاقات في الفيلم, فكلها لا يمكن أن تستقيم مرة أخرى, فلو عدت لمشاهدة الفيلم من جديد ستجد أنني أشرت إلى هذه النقطة في مشهد نهاية الفيلم, والذي صور زفاف (إيناس) أو علا غانم من (سامح) أو شريف منير, في هذا المشهد ستجد أن علا غانم تدعو رجل الأعمال الذي كان يحاول إغواءها وهو (حامد المهدي) أو سامي العدل, وتجد فتحي عبدالوهاب مازال مستمراً في مغازلة النساء الأخريات في وجود زوجته منى زكي, وتجد جيهان فاضل ترتدي العقد الذي أهداه إليها الشاب الوسيم الذي كادت أن تقيم معه علاقة غرامية أثناء غياب زوجها خالد أبو النجا, فيما تجد العلاقة الزوجية مازالت مهزوزة بين حنان ترك وأحمد حلمي, كل هذه الإشارات تؤكد أنني تركت نهاية العمل مفتوحة على كل الاحتمالات, ومن دون أن ألجأ إلى جرح مشاعر المشاهدين بكلمات رنانة أو مشاهد مبتذلة.
- لو كنت مكان شركة الإنتاج لفعلت مثلها, فهذا شيء طبيعي أن تتخوف من عرض فيلم يطرح موضوعاً سينمائياً جاداً, في ظل سيادة نوع سينمائي آخر حقق العديد من النجاحات في السنوات الأخيرة, وعلى رغم ذلك كنت أحاول إقناع الشركة بعرض الفيلم, والحمد لله أن الفيلم حقق هذا النجاح الجماهيري والنقدي, وصدقني لو فشل الفيلم, لكنت الآن أبحث عن أي عمل آخر غير الإخراج, فالفيلم كان هو المعنى الوحيد والأخير لي في الحياة. تغيير المشهد؟
- الإنجاز الحقيقي لـ"سهر الليالي" هو أنه سيدفعني الى تقديم فيلمي الثاني, ولكن على المستوى العام لا أستطيع أن أزعم أن فيلمي سيغير ما هو حادث حالياً في السوق السينمائية المصرية, فليس هناك فيلم واحد يغير من حال سينمائية كاملة, لأنه لا بد من وجود جيل جديد ومختلف للعمل على إحداث هذا التغيير المطلوب في السينما المصرية الراهنة ومخرجين جدد وشبان يدخلون في تشكيل هذا الواقع بأعمالهم المختلفة, مثل مروان حامد وهالة خليل وغيرهما.
- أنا ابن شرعي لسينما الثمانينات في مصر والعالم العربي, فجذوري الفنية تعود إلى أفلام عاطف الطيب ومحمد خان وداود عبدالسيد وخيري بشارة, فهم علموني وتربيت على أفلامهم الجميلة التي شكلت وجداني منذ كنت مراهقاً, ولن أنسى أن فيلم "يوم مر ويوم حلو" لخيري بشارة هو الذي دفعني لترك دراستي في كلية الحقوق في محافظة أسيوط وترك عائلتي في سوهاج, والمجيء إلى القاهرة لألتحق بالمعهد العالي للسينما, وقبل جيل الثمانينات, أضع المخرج الكبير صلاح أبو سيف كواحد من أهم المخرجين الذين أثروا فيّ, ومن المخرجين العالميين أحب كلاً من الفرنسي لوك بيسون وإنغمار برغمان ووودي آلن وغيرهم.
- تجربتي المقبلة ستكون مختلفة تماماً عن تجـربـة فيلمي الأول, وستكون أرضاً جديدة أجرب فيها نفسي, من خلال عمل سينمائي يقدم في إطار السينما الغنائية الاستعراضية, لأنني أرى أننا في حاجة الى إعادة تقديم نوعيات أخرى إلى جوار النوع الكوميدي السائد حالياً في مصر.
- من الوارد جداً أن أحاول تقديم الكوميديا, ولكن ليس في الوقت الحاضر, لأن مشكلتي الحالية مع الكوميديا تكمن في أنها نوعية سينمائية أهدافها قليلة جداً, ولكنني أتمنى تقديم كوميديا صارخة لها أهداف أسمى وأهم من الضحك المجاني, بالضبط مثل الكوميديا التي قدمتها رواية ثربانتس الخالدة "دون كيخوت", فهي رواية تثير في داخلك قضايا إنسانية مهمة وعميقة, من خلال السخرية الشديدة والموجعة لمثالية الإنسان المتمناه! جريدة الحياة في 20 فبراير 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
هاني خليفة: سلبياتي في "سهر الليالي" متعمدة وائل فؤاد |
مقالات ذات صلة: |