برتولوتشي: لقاء |
مسلسلات رمضان جعجعة بلا طحن الا ما رحم ربك سيل جارف أفقد المشاهدين القدرة علي التركيز عبدالرزاق بنان فـلالي |
مسلسل الطريق إلي كابول وأزمة الديمقراطية في العالم العربي عبدالسلام بنعيسي * أوقفت القنوات الفضائية العربية بث مسلسل الطريق إلي كابول . تعددت الأسباب حول توقيف تقديم حلقات هذا المسلسل. البعض أرجع توقيف بثه إلي اعتبارات تقنية، والبعض الآخر إلي التهديد التي تعرضت له القنوات التي كانت تبثه من طرف جماعات إسلامية. فالمسلسل يحكي قصة حب بين شابة أفغانية وشاب عربي، ومن خلال القصة يروي المسلسل حقبا من تاريخ أفغانستان بدءا بالاحتلال السوفياتي ونشأة حركة طالبان، وصولا إلي الاجتياح الأمريكي لهذا البلد. لا نعلم متي كانت القنوات الفضائية العربية تخاف من الجماعات الإسلامية وتأخذ تهديداتها علي محمل الجد، فالكثير من هذه القنوات تقدم مواد مستوردة من الخارج، ومضامينها لا تراعي القيم الدينية للمسلمين ولا تأبه بها، فالعديد من أغاني الكليب التي تبثها بعض الفضائيات العربية تشكل في واقع الأمر استعراضات لأجساد النساء وهي تكاد تكون مجردة من الملابس إلا الخفيف منها الذي يكشف ولا يستر، يغري ولا يخفي. والكثير من السهرات التي تقدمها القنوات الفضائية تتهمها الصحافة العربية المهتمة، بأنها تنقل المشاهد إلي علب الليل، حيث الغناء بألفاظ سوقية وساقطة، والرقص بأجسام شبه عارية، ويتم التركيز أثناء التصوير ونقل هذه البرامج والسهرات علي المناطق الحساسة من جسم المرأة التي لا ترتدي إلا الملبس المثير. وهناك برامج تلفزيونية يشترط في كل فتاة تريد المشاركة فيها أن تكون في لباس يتضمن مواصفات الإثارة والإغراء. الجمهور يشاهد هذه البرامج ، القليلون يتجاوبون معها، والعديدون يستنكرونها، والصحافة تنتقدها ولا من مجيب، فالقنوات التلفزيونية العربية تقدم ما يحلو لها ولا تبالي في الكثير مما تبثه علي شاشتها برأي الجمهور وبردود أفعاله وبمشاعره، فآخر ما تفكر فيه تلك القنوات هو رأي المشاهد مهما علا شأنه، باستثناء الحاكم العربي. وهذا التجاهل من طرف القنوات العربية يشتكي منه في كل البلدان العربية حتي بعض الوزراء، بل كلما اشتد نقد هذه البرامج ضراوة، يزيد المسؤولون عن القنوات العربية تمسكا بها وإصرارا علي بثها، من غير لا وجل، ولا حياء، ولا خوف. فكيف حدث وأصبحت القنوات العربية تخاف من الجماعات الإسلامية وتتوقف عن تقديم مسلسل الطريق إلي كابول ؟ كيف حدث وصارت هذه القنوات المتمردة والمتنطعة علي الجميع تخاف اليوم من الجماعات الإسلامية وتوقف بث مسلسل تلفزيوني بسبب تهديد تلقته منها؟ إذا أوقفت القنوات العربية بث الطريق إلي كابول لأنها تعرضت للتهديد من طرف جماعات إسلامية، فهذا يعني أنها انصاعت للتهديد ورضخت له، ولأن كل القنوات العربية مملوكة بهذه الطريقة أو تلك لدولة من دول العالم العربي، فهذا يفيد أن الدول العربية هي التي خضعت للتهديد وصارت تستجيب له، وإذا خضعت الدول لتهديد الجماعات الإسلامية في موضوع المسلسل المذكور، فما الذي يمنع تلك الجماعات من تصعيد ضغطها للحصول علي مكاسب في مجالات أخري بما في ذلك المجال السياسي؟ وهل هذا يعني أن الأنظمة العربية آيلة للانهيار وأن السلطة أوشكت علي السقوط في أيدي الجماعات الإسلامية المتشددة؟ المعطيات الموجودة في الواقع تفيد بأن هذه الجماعات بإمكانها القيام ببعض الأفعال الإجرامية الخطيرة من نوع ما جري في الدارالبيضاء وأنقرة والرياض.. ولكنها في جميع الأحوال أبعد عن أن تكون قادرة علي تشكيل تهديد حقيقي للأنظمة العربية الحاكمة. فهذه الأنظمة قوية بجيوشها الجرارة التي تستقوي بها علي الشعوب وليس علي الأعداء، وبأجهزتها الأمنية ما ظهر منها وما بطن، وبإداراتها.. والخوف هو أن يكون الهدف من التضخيم الإعلامي لحجم وخطر الجماعات الإسلامية، هو الضبط والتحكم، فبفضل الماكينة الإعلامية التي تنفخ في صورة تلك الجماعات وتجعلها في حجم الديناصورات الموشكة علي ابتلاع الجميع، يقع تحويلها إلي فزاعات للترهيب والتخويف، والالتفاف علي المطلب الديمقراطي الذي قد يصادر في العديد من الدول العربية، وقد يقدم في البعض منها علي جرعات، لا تسمن ولا تغني من جوع، وإنما جرعات تفرغ الديمقراطية من مضمونها الشعبي الحقيقي، تحت ذريعة التصدي للخطر الإسلامي.. إذ ما أكثر المخاطر والمآسي التي تتردي فيها المجتمعات العربية، والمشكل هو أنها مخاطر ومآسي من صنع الحكام الذين يتبجحون عبر وسائل إعلامهم بأنهم مهووسون بالتصدي لخطر الجماعات الإسلامية الراديكالية. هذا تصرف لا يضر عرفات حسنا فعلت التلفزة الكويتية حين تحاشت تغطية تشييع جنازة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وكان هذا التصرف متوقعا منها، فالذي تقوقع في محارة الحقد والتشفي في آلام الإنسان العربي والاعتداءات التي تقع عليه، والحكومة التي وضعت ثلثي أرضها تحت تصرف الجيش الأمريكي ليحتل بلدا شقيقا ويقتل من أبنائه ما يفوق المائة الألف، والحكومة التي غسلت بوسائل إعلامها دماغ مواطنيها وحولت الأغلبية المطلقة منهم إلي حاقدين وناقمين علي أشقائهم في العروبة والإسلام .. حكومة من هذا القبيل لا يمكن أن ينتظر منها غير الذي فعلته حين شكلت تلفزتها استثناء وسط قاعدة الاهتمام التلفزيوني العالمي بجنازة ياسر عرفات. كان الأمر سيبدو خارجا عن المتوقع والمألوف، لو أن التلفزة الكويتية اهتمت كباقي تلفزات العالم العربي بجنازة الرئيس ياسر عرفات، لقد كان ذلك سيشكل مفاجأة للجميع، وسيخدم الحكومة الكويتية في المقام الأول، حتي لو لم يترتب عن تعاملها التلفزيوني هذا أي موقف سياسي. لقد كانت ستظهر، وكأنها في هذه المناسبة الأليمة، أكبر من الأحقاد والعقلية الانتقامية الثأرية، وأنها تتسامي علي ما جري في الماضي حين قام صدام حسين بغزوها، تتسامي أمام لحظة مأساوية يعيشها شعب شقيق أرضه محتلة ويعاني أبناؤه من القتل الجماعي، وقائد كفاحه، ورمزه الوطني انتقل في لحظة عصيبة إلي لقاء ربه مخلفا وراءه حزنا كبيرا وفراغا يصعب ملؤه.. لو أن الحكومة الكويتية أعطت الأمر لإعلامها بالتعامل بشكل حضاري مع وفاة عرفات، لكانت الكويت ستجلب لنفسها بتصرفها هذا تعاطف الكثيرين معها، ولكانت هي الرابحة من مبادرتها تلك أكثر ربما من غيرها. أن تحتفي التلفزة الكويتية بجنازة عرفات، فهذا تشريف لها، وعندما تتجنب القيام بذلك استجابة لغريزة الحقد الأعمي الذي يأكل صدر القائمين عليها ، ففي هذا إساءة لها وللحكومة التي تمولها وتوجهها، فهذا تصرف لا يضر لا عرفات، ولا الشعب الفلسطيني، ولا قيادته، ولا نضاله الأسطوري.. إنه تصرف يضر فقط الحكومة الكويتية، ويكرس النظرة السلبية التي لدي العرب والمسلمين عنها. القدس العربي ـ 26 نوفمبر 2004
|
أمطرتنا القنوات الأرضية والفضائيات العربية طيلة شهر رمضان الكريم بسيل جارف من المسلسلات والأعمال الدرامية العربية، أوصلتنا حد التخمة والتيه وأفقدتنا القدرة علي التركيز أو الوفاء لعمل محدد خلال الأيام الأولي من الشهر الفضيل. ورغبة منا في عدم التسرع في الحكم علي أي عمل قبل التأكد من بنائه وعناصره الدرامية ومن القضايا التي يطرحها ومدي ارتباطها بواقع المجتمع الذي يعبر عنه، ارتأينا أن نؤخر تعليقنا علي هذه الأعمال الي حين نهاية رمضان. من بين أهم الملاحظات التي سجَّلناها خلال شهر رمضان المنصرم البداية الرسمية والفعلية لما بات يُعرف بالعرض الحصري لبعض الأعمال الدرامية من قبل القنوات أو الفضائيات التي أنتجتها أو شاركت في انتاجها، في محاولة منها لمحاكاة القنوات الرياضية التي تشتري حق العرض الحصري لبعض المنافسات الرياضية، لكن الفرق بين التجربتين يبقي شاسعاً وعريضاً، بل ومتضارباً، ما دامت تجربة العرض الحصري للأعمال الدرامية أبانت بشكل قاطع لا يقبل الجدل تهافت الفضائيات علي التضحية بالمستوي الفني والنصي لهذه الأعمال في سبيل ما هو تجاري ومالي. ملاحظة ثانية تطفو علي السطح بشكل لافت تتمثل في اهتمام الفضائيات بالكم علي حساب الجودة من خلال تسابقها علي عرض أكبر عدد ممكن من هذه الأعمال وبشكل متتابع يسمح لها بحقن المشاهد بأكبر الجرعات الممكنة من الاعلانات التجارية، التي بمجرد عملية حسابية بسيطة يتبيِّن أن الوقت الذي تستغرقه يمثل ضعفي فترة عرض المسلسل أو العمل الدرامي نفسه. يمكن توزيع المسلسلات والأعمال الدرامية الرمضانية الي ثلاث مناطق جغرافية، وهي: مصر وسورية والخليج العربي. سنتطرق فيما يلي الي الخصائص العامة لدراما كل منطقة علي حدة، قبل أن نتوقف عند أهم ما أُنتج هذه السنة، وللآسف فقد كانت سنة عجفاء بكل المقاييس بالرغم من الزخم الكبير من الأعمال التي ظلت في عمومها سطحية. الدراما المصرية: انحسار وتراجع نبدأ بالحديث عن الأعمال الدرامية القادمة من أرض الكنانة، والتي كانت حاضرة بكثرة في الشبكات البرامجية لأغلب القنوات العربية من المحيط الي الخليج، لكن حضورها للآسف كان كغثاء السيل، لدرجة بدأ الحديث معه بجدية مند مدة ليست بالقصيرة عن البداية الفعلية لأفول نجم الدراما المصرية. أفول فسره الكثيرون بهجران النجوم الكبار الشاشات الصغيرة، بيد أن تجربة السنوات الأخيرة أتبثت أنه تفسير مجانب للصواب، لأن ما سجَّله المتتبعون لمسيرة الدراما المصرية هو عودة العديد من النجوم المصريين الكبار الي جماهيرهم علي الشاشات الصغيرة، الا أن هذه العودة ظلت باهتة وغير مقنعة الي حد كبير بسبب تورطهم في سيناريوهات لا ترقي الي مستوي تاريخهم الفني. لن نخوض هنا في أسباب عودة النجوم الكبار الي الشاشات الصغيرة، وان كنا نعزوها الي رغبتهم في تدارك ما فاتهم وتعويض فشلهم في السينما بعدما سحب جيل الشباب البساط من تحت أرجلهم، لكن ما يهمنا أن الأعمال الدرامية التي شاركوا فيها علي امتداد الثلاث سنوات الأخيرة اتسمت بالسطحية والضعف علي مستوي المضمون والبناء الدرامي، خاصة اذا علمنا أن الفضائيات أصبحت تفرض علي كُتَّاب السيناريوهات مواصفاتها التجارية وتُلزمهم بتفصيل أعمالهم علي مقاس النجم الفلاني دون أدني مراعاة للمضمون. أفول نجم الدراما المصرية له أسباب أخري يبقي أهمها اصرارها علي التعامل مع المشاهد العربي منذ عقود خلت بعقدة أن مصر هي أم الدنيا ومركز العالم ، لهذا السبب لم تنفتح علي القضايا العربية الأخري وبقيت حبيسة نهر النيل والريف والتاريخ المصريين، اللذين بات المشاهد العربي يعرف أدق تفاصيلهما. ينضاف الي ما سلف أن هذه الدراما لم تَعِ الي حد الساعة أنها تعيش أزمة مضمون قد تُقبرها علي المدي الطويل، وبالرغم من كل ذلك لم تبادر الي بعث نفسها من جديد، أو علي الأقل تجديد بعض مضامينها أو قضاياها المحورية لتُمضي أكثر من عقدين تكرر المواضيع نفسها وتجتر القضايا ذاتها. والأدهي من كل ذلك، أن معالجة هذه القضايا تتم من خلال نصوص درامية متواضعة ومفككة في أحسن الحالات، نصوص تفتقر الي التماسك والمنطقية والعمق الموضوعي والفكري والاقناع وتجتر الحبكات نفسها وتعتمد الصُدَف والمعجزات لحل تشابك الأحداث والحلول الساذجة للمآزق الدرامية. انحسار الدراما المصرية يعزي كذلك الي بقائها حبيسة حدودها الوطنية، دون أن تهتم بالواقع العربي وهمومه الكبيرة، بالرغم من موقع مصر الجيوسياسي وسِّجلها الفني المتميز الذين يؤهلانها لطرح العديد من القضايا العربية، فعلي سبيل المثال لم تتضمن أعمال هذه السنة أي اشارة جدية الي ما يجري حولها من أحداث، باستثناء مسلسل عباس الأبيض في اليوم الأسود الذي أشار بطريقة عابرة الي مرحلة من مراحل العراق. كنا نتمني أن تتطرق الدراما المصرية لهذا العام الي موضوع السودان أو موضوع فلسطين أو العراق، أو علي الأقل أن تتحلي بالقليل من الجرأة والواقعية وتعكس لنا ولو بصورة مجازية اشكالية الخلافة داخل مصر أو أن تسلط الضوء علي معاناة المصريين في بلدان المهجر، المهم أن تُخرجنا من رتابة مواضيعها، لكن للآسف ليس كل ما يتمناه المرء يدركه. الدراما السورية: قدرة علي التغيير والبعث من منا لا يتذكَّر رائعة نهاية رجل شجاع ومسلسل يوميات مدير عام وأعمال أخري لا يسع المقام هنا لحصرها ظلت راسخة في ذاكرة المشاهد العربي من المحيط الي الخليج. أعمال أدخلت الدراما السورية حلبة التنافس وأكسبتها جمهوراً عربياً عريضاً وحققت لها نجاحات واسعة تعدَّت حدودها الاقليمية والجهوية، وأهلتها لحمل مشعل ريادة الدراما العربية التي يبدو أنها ستحتفظ بها لوقت أطول. استفادت الدراما السورية من الفراغ الذي خلَّفه تراجع الدراما المصرية وبحث المشاهد العربي عن نبع جديد يرتوي منه، بعدما استنزفت الدراما المصرية كل مصادرها وباتت عاجزة أو غير راغبة في تجديد هذه المصادر. لم يكن نجاح الدراما السورية وقدرتها علي الاحتفاظ بمكانتها محض الصدفة، بل جاء نتيجة منطقية لقدرتها علي التكيف مع تطور اتجاهات المشاهد العربي وفقا للمتغيرات الاقليمية والدولية، الأمر الذي جعلها تستنبط قضايا تتجاوز حدودها وخصوصيتها الوطنية لتصبَّ في صلب اهتمام الشارع العربي بكل أطيافه ومشاربه الثقافية والاجتماعية. نسوق كدليل علي ما أسلفنا ذكره نجاح السوريين في الانتقال بتفوق من مرحلة الفانتازيا الدرامية التي فتحت لهم أبواب كل البيوت العربية، بعدما اكتشفوا بداية تسرب الملل الي المشاهد العربي من كثرة هذا النوع من الأعمال الدرامية، ليتفوقوا بعد ذلك في الدراما القصصية المستوحاة من الموروث القصصي الشعبي. وانتقلوا بعد ذلك الي سبر أغوار التاريخ فأعادوا الحياة الي شخصيات ظلت محفورة في ذاكرة المشاهد العربي كشخصية الحجاج و هولاكو و صلاح الدين الأيوبي وأعادونا الي حدائق وقصور الأندلس وذكَّرونا بأيام كان العالم يتحدث فيها العربية. هذا دون أن ننسي أنهم تفوقوا كذلك وبذكاء شديد في طرح قضايا اجتماعية تابعها المشاهد العربي من الخليج الي المحيط دون أن يحس أنها غريبة عنه أو عن مجتمعه. اشادتنا بالدراما السورية لا يعني بتاتا أننا ننزِّهها عن بعض الأعمال السطحية أو التافهة، لكن تقييمنا لدراما بلد ما أو منطقة ما يستند الي الغالب العام في أعمالها وليس النَّزْر القليل. وقبل أن نختم حديثنا عن الدراما السورية، نشير الي أن هذا الموسم كان جد مثمرا بالنسبة لها، فقد تسابقت العديد من القنوات الأرضية والفضائيات العربية الي عرض العديد من الأعمال السورية المتميزة والناجحة، والتي تنوعت بين الفانتازيا الدرامية والدراما التاريخية والدراما الاجتماعية، أعمال من قبيل التغريبة الفلسطينية والطريق الي كابول و ليالي الصالحية و بقعة ضوء . الدراما الخليجية: دراما الخير والشر ساهم انتشار الفضائيات الخليجية بشكل أساس في اخراج الدراما والأغنية الخليجيتين من عزلتيهما، بعدما ظلتا لأمد طويل منتجاً موجهاً للاستهلاك المحلي داخل حدود منطقة الخليج العربي فقط. ومع تكاثر الفضائيات الخليجية، التي باتت حاضرة بشكل كبير في المشهد الفضائي العربي، اكتشف المشاهد العربي هذه الدراما وبدأ يطرب للأغاني الآتية من هذه الرقعة من الجغرافيا العربية بالرغم من بعض الصعوبات اللغوية. لاقت الدراما الخليجية قبولاً لدي المشاهدين العرب من غير الخليجيين وحصدت بعض أعمالها نجاحات تجاوزت حدود منطقة الخليج العربي، بالرغم من أنها لم تجد بعد طريقها الي القنوات والفضائيات العربية غير الخليجية الا في حالات نادرة. أهم ما يثير انتباه المتتبع للمسلسلات الخليجية المعروضة خلال الخمس سنوات الأخيرة هو ضعف الحضور النسائي الخليجي في هذه الأعمال مقارنة بالأعمال القادمة من مناطق عربية أخري، وان كان هذا الحضور قد بدأ يتضاعف خلال السنتين الأخيرتين. غياب يُفسر بالطبيعة المحافظة للمجتمعات الخليجية وبالنظرة التحقيرية للنساء اللواتي يمتهن الفن في المنطقة، والتي تصل في كثير من الأحيان الي اعتبارهن خارجات عن الدين. ملاحظة أخري تستحق الوقوف عندها وهي النبرة الحزينة التي تطبع جل الأعمال الخليجية، سواء أكان علي مستوي البناء الدرامي أو الموسيقي التصويرية. ينضاف اليها الجرعة الكبيرة من السوداوية التي تحقن بها السيناريوهات، هذا الي جانب ميلها وتواترها في تجسيد كل الشرور في شخصية البطل المضاد وتركيز الخير في المقابل في شخصية البطل المركزي، وهو ما يدفعنا الي التساؤل اذا ما كان تأثير دراما الخير والشر الهندية قد غزا الدراما الخليجية.
سؤال آخر قد يثير حيرة المشاهد العربي البعيد عن منطقة الخليج العربي والذي
رسم في مخيلته صورة نمطية للمجتمع الخليجي المحافظ، وهو هل الأعمال
الدرامية الآتية من هذه المنطقة تعكس بصدق الواقع الخليجي؟ علماً أن جلُّها
تتفق علي تقديم نماذج لمجتمع خليجي مفكك، تسوده أقصي درجات الأنانية
والانتهازية والشراسة الاجتماعية، بل تبلغ في كثير من الأحيان درجة
الانحراف والخبث والفساد الأخلاقي، أعمال تقدِّم لنا مجتمعاً جل عائلاته
تعاني الشتات والتفكك، وآباء يتحاربون يومياً لتحقير بعضهم البعض وأبناء
منحرفين ومدمنين وغير مسؤولين. ويبقي السؤال الجوهري هل نجحت الدراما
الخليجية حقا في تقديم صورة واقعية عن واقع مجتمعها؟ التغريبة الفلسطينية و الطريق الي كابول فخر أعمال رمضان حديثنا عن ضعف وسطحية الأعمال الدرامية العربية التي عُرضت خلال شهر رمضان لا يعفينا من الاشارة الي استثناءين اثنين، يُعتبران بحق أحسن ما قدَّمته الدراما العربية منذ سنين خلت، يتعلق الأمر بمسلسل الطريق الي كابول الذي وُئِد مبكراً وملحمة التغريبة الفلسطينية ، اللذين تصدرا ـ بحسب استطلاعات الرأي ـ لائحة المسلسلات الأكثر متابعة خلال رمضان. نستهل الحديث بـ الطريق الي كابول الذي أعطي دليلاً آخر علي أن المشاهد العربي يُقدِّر الأعمال الجادة التي تطرح المواضيع المهمة والحساسة والفاعلة في حياة الأمة بغض النظر عن انتمائها الجغرافي أو الاقليمي، خاصة المواضيع المعاصرة التي ترهن المستقبل العربي. لم يتسن لنا قراءة هذا العمل فنياً أو ابداعياً أو تاريخياً، لأن الفضائيات العربية ائتمرت بأمر حكوماتها التي اتفقت، وقلما تتفق، علي تجريدنا من حقنا الطبيعي في متابعة هذا العمل، ربما لابقاء قضية العرب الأفغان وما آلت اليه حياتهم منذ التحول في الموازين السياسية والعسكرية في المنطقة طي ملفات أجهزتها المخابراتية والأمنية، لكن في المقابل علينا أن نشكر قناة MBC التي تحلت بالجرأة التي افتقدتها زميلاتها ومكَّنتنا من متابعة الحلقات الثماني الأولي من المسلسل، ولم تحرمنا حقنا في معرفة ومعايشة الواقع الأفغاني والوقوف علي مظاهر القهر والمؤامرة التي طبعت مسيرة هذا البلد من أجل حياة كريمة ما يزال محروماً منها الي يومنا هذا. عموماً يبقي هذا العمل متميزاً وناجحاً بكل المقاييس لتناوله حدثا مهماً في التاريخ المعاصر بالرغم مما قد يكون قد اعتراه من مغالطات أو هفوات تاريخية أو زمكانية (ظروف زمانية أو مكانية). أما قرار وقف عرضه فقد ذكَّرنا بأن مقص الرقابة ما يزال يلاحقنا كظلنا ليس فقط سياسياً، وانما فنياً وابداعياً كذلك.
أما العمل الثاني الذي يستحق التنويه والتقدير علي جميع الأصعدة هو الملحمة
السورية التغريبة الفلسطينية ، الذي يمكن اعتباره أول رواية تلفزيونية من
نوعها توظِّف أحداثاً تاريخية لخدمة قضية قومية تتجاوز الحدود القُطرية
لبلد الانتاج. صحبتنا التغريبة الفلسطينية ، في أسلوب سهل ممتنع، في جولة من قرية أبو نار الي ثورة الريف الفلسطيني في الثلاثينات الي بداية النكبة والتهجير الي انشاء المخيمات داخل الأراضي الفلسطينية نفسها أو خارجها. جولة ركزت علي الجانب الانساني لقضية اللاجئين الفلسطينيين، من خلال تقفي آثار عائلة فلسطينية حُكم عليها بالتشرد داخل أراضيها. جمالية هذا العمل الملحمي تتمثل أيضا في قوة نصه وبنائه الدرامي وعمق حواراته التي اتخذت في كثير من الأحيان طابعا فلسفياً، اضافة الي قوة مشاهده التي رسمت لوحات فنية ستظل خالدة في ذهن المشاهد العربي، وكذا تناغم موسيقاه التصويرية وتفوق فريقه التمثيلي في تجسيد معاناة اللاجئ الفلسطيني. أهمية التغريبة الفلسطينية تجاوزت الحدود الفنية لتصبَّ فيما هو سياسي وجماهيري، ذلك أن هذا العمل الفني قدّم لفلسطين ولقضاياها أكثر مما قدمته الدوائر الرسمية في العواصم العربية وأكثر مما تكون قد قدَّمته الاجتماعات العربية المتكررة. خليجياً، يبقي أهم ما قُدِّم خلال شهر رمضان مسلسل بعد الشتات ، الذي كان له قصب السبق في التطرق بكثير من الجرأة والشجاعة الي العديد من القضايا بأسلوب مختلف عن السائد في الدراما الخليجية، قضايا من قبيل اشكالية الحصول علي الجنسية ومشكل البدون ومشكل زواج القطرية من أجنبي.
القدس العربي في 26 نوفمبر 2004 |