برتولوتشي: لقاء |
"حالة حب" مولد مخرج جديد من صناع المستقبل سمير فريد |
كان صلاح أبوسيف يقول ان عاطف الطيب هو امتداده. وعندما شاهد عاطف الطيب فيلم تخرج سعد هنداوي في المعهد العالي للسينما عام 1994"زيارة في الخريف" قال إن سعد هنداوي هو امتداده. وكان كلاهما رحمة الله عليهما علي حق. وهذا ما يبدو بوضوح في الفيلم الروائي الطويل الأول الذي أخرجه سعد هنداوي "حالة حب". ما قصده صلاح أبوسيف عن عاطف الطيب. وما قصده عاطف الطيب عن سعد هنداوي أن لكل مخرج خلفيته الثقافية السينمائية. وان خلفية سعد هنداوي مثل خلفية عاطف الطيب وصلاح أبوسيف هي السينما المصرية دون غيرها من سينمات العالم وبالتالي فهم يحاولون التجديد ولكن من دون قطيعة مع جمهور السينما السائدة. وهو نمط شائع من المخرجين في كل سينمات العالم. وكل مخرج. بل وكل إنسان حيث يضع نفسه لا حيث يضعه الأخرون. والزمن وحده هو الذي يحكم علي كل الابداع الفني بأن يطوي مع الوقت ويصبح في سجلات الأرشيف. أو يظل باقياً ومؤثراً مهما طال الزمن. أخرج سعد هنداوي العديد من الأفلام التسجيلية والقصيرة المتميزة مثل فيلم تخرجه المذكور. وفيلم الدراسات العليا من انتاج المعهد أيضاً "يوم الأحد العادي" عام 1995 والذي يعد من تحف الأفلام القصيرة في التسعينيات. و"المشهد الأخير" من انتاج المركز القومي للسينما عام .1998 وبعد عشر سنوات من تخرجه اخرج فيلمه الطويل الأول. أتعس الأجيال ينتمي سعد هنداوي إلي ما يمكن اعتباره أتعس الأجيال في تاريخ السينما المصرية الذي يقترب من مائة سنة "عام 1907". فلم يسبق أن أصبح المفهوم السائد لشركات الانتاج والتوزيع هو تحقيق الايرادات بأي شكل ولو كان ما يطلبه الجمهور أن يتحول المخرج إلي قرداتي ويطلب أن ينام القرد نوم العازب وغيرها من حركات القرداتية. كانت شركات الانتاج والتوزيع في مصر حتي السنوات العشر الأخيرة مثل كل الشركات في العالم تسعي لتحقيق الأرباح. ولكنها تسعي أيضاً للمساهمة في صنع تاريخ السينما في بلادها. كان جبرائيل تلحمي ورمسيس نجيب وغيرهما يسعيان للربح طبعاً. وهي مسألة بدهية غير قابلة للنقاش. ولكنهما كانا وغيرهما ينتجون "صراع في الوادي" و"شباب امرأة" وعشرات الأفلام التي يصنعون بها تاريخ السينما في مصر. ويفخرون بانهم يرفعون علم مصر في المهرجانات الدولية. قال لي أحدهم ذات يوم وهو يدعي الخسارة لو وضعت أموالي في البنك لكانت الفوائد أكبر من أرباح السينما فقلت له لا تتردد في وضعها في البنك فتربح وتربح السينما في نفس الوقت. حتي صناع الأحذية يهمهم أن تكون جيدة وللتصدير. ولكن شركات السينما في مصر وصلت إلي درجة "قشطة يابا" و"اشتاتا أشتوت" ولست أنقد الفيلمين فلم أشاهدهما. ولكن وصول العناوين إلي هذه الدرجة من الفجاجة والابتذال تدل علي أننا نعيش في مرحلة غير مسبوقة بالفعل طوال نحو مائة سنة. وجيل سعد هنداوي ليس الأتعس بسبب العقلية المسيطرة علي الغالبية الساحقة من شركات السينما فقط. فهو يبدأ حياته في عصر تكفير السينما والفتوي والمطالبة بأن تكون الأعمال الفنية امتداداً للبرامج الدينية في التليفزيون أو ما يطلقون عليه "السينما النظيفة" وهي أقذر ظواهر حياتنا الفنية. ومحاولة أحدهم ذبح نجيب محفوظ لأنه كتب رواية لم تعجبه. ونجاح آخر في ذبح مخرج هولندي لأنه أخرج فيلماً لم يعجبه. قد تبدو هذه مقدمة طويلة لنقد فيلم "حالة حب" ولكنها ضرورية ولا تتجزأ عن نقده لأن أغلب الجوانب السلبية فيه ترجع إلي هذه الظروف التي انتج فيها.. وهي لا تبرر السلبيات وإنما تفسرها. فلا انحدار في الفن أو الأدب. اننا أمام "فيلم" في زمن ندرت فيه الأفلام وطغت الشرائط الملونة التي ننساها بعد دقائق من انتهاء مشاهدتها فمن الواضح أنه كان من الضروري لانتاج الفيلم اسناد دور رئيسي إلي مغن من عالم الفيديو كليب هو تامر حسني رغم انه عاجز عن التمثيل ويمتلك وجهاً صلداً لا يتغير في جميع المواقف. وكان من الضروري لانتاج الفيلم ان يكون نظيفاً فلا يلمس أي شاب من شخصياته حبيبته حتي لو كانا في باريس ويقيمان فيها. وحتي لو كانت أمريكية قادمة من أمريكا! حالة الحب التي يعبر عنها الفيلم هي علي الأرجح حب الوطن لأن قصص الحب فيه لا تحرك المشاعر طوال الفيلم. وموضوعه رفض قاطع للهجرة مهما كانت الظروف. وذلك علي أساس أن هناك طلاقا بائنا بين الشرق والغرب. قبل العناوين نشاهد الفنان التشكيلي نور "محمد مرشد" يأخذ ابنه سيف "هاني سلامة" ويهاجر إلي باريس. ويترك زوجته مريم "مها أبوعوف" مع ابنهما الآخر يوسف "تامر حسني" ولكننا لا ندرك انه أخذ معه أحد الولدين إلي باريس إلا بعد فترة طويلة من الفيلم. وتلك احدي فجوات السيناريو. وبعد العناوين ندرك أن سنوات طويلة قد مرت لأن الطفلين أصبحا هاني سلامة المخرج التليفزيوني في باريس وتامر حسني المغني في القاهرة. وندرك أن الانقطاع كان تاماً بين الزوج وزوجته والأخ وأخيه طوال تلك السنوات. وهذه فجوة أخري في السيناريو. تحول نور إلي رسام من رسامي الشوارع في باريس. وتحول عمرو "عمرو ممدوح" صديق سيف إلي مجرم يعمل مع عصابات المخدرات التي تقتله ولا تستطيع حبيبته "هند صبري" الصحفية وهي من أصل تونسي وتتبادل الحب مع سيف أن تعبر عن نفسها بحرية في الصحافة الفرنسية! وينتقل الفيلم بخشونة بين باريس التي يحدث فيها هذا وبين القاهرة التي يحاول فيها يوسف التعبير عن نفسه بحرية ضد رغبة تجار الكاسيت ويتبادل الحب مع فنانة الفضة ريم "زينة" من دون أن ندرك ما هي المشكلة التي يعانيان منها. المشكلة الحقيقية في القاهرة هي مشكلة أدهم "شريف رمزي" صديق يوسف الطائش الذي يتعرف علي ليندا "دنيا" الأمريكية عبر انترنيت. وعندما تأتي إليه في القاهرة يجدها قد تعارفت مع شاب آخر هو حسام "رامي فؤاد" ويكتشف أنها تتاجر في المخدرات مما يؤدي به في النهاية إلي السجن بينما تغادر ليندا القاهرة إلي بلادها. يتكامل مصير عمرو في باريس مع مصير أدهم في القاهرة فالغرب هو الشر سواء جاء إلي الشرق أو ذهب الشرق إليه وإزاء ما يحدث في باريس يقرر سيف العودة إلي مصر و"البحث" عن أمه وأخيه حتي يجدهما. ويتم اللقاء بين الأخوين في مشهد سينمائي من أجمل مشاهد الفيلم من حيث البناء والحركة تبدو فيه موهبة المخرج والمونتيرة مني ربيع وعندما يصور سيف بكاميرته أطفال الشوارع في مصر ينهره يوسف ويتهمه بانه يبيع بلاده لمن يرغبون في أن تكون هذه هي صورتها في فرنسا. ويؤكد سعد هنداوي بهذا موقفه من العلاقة بين الشرق والغرب وهو موقف تبسيطي إلي أبعد الحدود. وكما اننا مع حقه في التعبير عن هذا الموقف فإن من حقنا أيضاً أن نراه يبسط المركب. ويحل التناقض بالغائه. وكيف يمكن أن يعيش الشرق بمعزل عن الغرب أو العكس. ومتي حدث ذلك في التاريخ. الفجوة الكبيرة وأكبر فجوات السيناريو نهاية الفيلم المفتعلة حيث يورط أدهم صديقه يوسف ويهرب. ويتمكن سيف من العثور عليه واثبات براءة أخيه. ويقرر البقاء في مصر كما تقرر ذلك حبيبة التونسية الأصل. وكما بدأ الفيلم باحدي أغنيات تامر حسني من دون مبررات درامية ينتهي باحدي أغنياته من دون مبررات درامية أيضا ويجتمع شمل الشباب الأربعة سيف وحبيبة ويوسف وريم كما في الحواديت التي تروي للأطفال. سعد هنداوي صاحب وجهة نظر متماسكة تصل إلي ذروتها عندما يرفض الجميع في القاهرة مجرد الحديث في التليفون مع الفنان الذي هاجر إلي باريس. ولكن كما أن فيلمه فيلم في عصر اللا أفلام فإن وجهة نظره مهما اختلفنا معها وجهة نظر في عصر تصنع فيه الأفلام من دون أي وجهات نظر. والمؤكد أننا أمام أحد صناع مستقبل السينما في مصر. الجمهورية المصرية في 24 نوفمبر 2004 |
\