شعار الموقع (Our Logo)

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

كتبوا في السينما

 

 

 

 

 

 

صناعة دقيقة تحدد اقتصاديات السينما:

الأفيش ... ملك الدعاية وصانع النجوم!

القاهرة ـ كمال القاضي

 

 

 

 

 

 

 

تصاحب أفلام العيد والمواسم حرب من نوع خاص، ليست للمنافسة بين النجوم فحسب ولكنها تتصل بجانب آخر لا يدركه سوي المتخصصين والقريبين من صناعة النجم، وعلي الرغم من انتشار وشيوع هذا الفن وارتباطه الوثيق بالفن السينمائي إلا أنه مقصور علي نخبة قليلة تميزت فيه ونقلت خبرات الأجانب ليشكلوا فيما بينهم جماعة قومية تقاوم احتكار الريشة المستوردة.. ظلت صناعة الأفيش السينمائي في مصر رهينة لدي عدد من الخواجات يعدون علي أصابع اليد الواحدة، أغلبه طلاينة ويونانيين وأرمن.. استمروا لسنوات يتربعون علي عرشها ويحصدون ثرواتها وينفردون بفنها، فهي التجارة الرابحة المرتبطة كما اسلفنا بسوق السينما، ترتفع وتنخفض طبقاً للحالة الفنية العامة.

ومع مراحل التطور التي شهدتها السينما علي مدي مئة عام حدثت لعدد من الفنانين المصريين المختصين بهذا المجال طفرة وتجددت الأدوات من خامات وألوان ودخلت التكنولوجيا حلبة المنافسة فأخذت هذه الصناعة شكلاً آخر غير شكلها التقليدي فأتيحت الفرصة لظهور رواد مثل الفنان منير كنعان وأبو العينين ومحمد خليل إبراهيم والأسطي محمد عبد الرحمن الذي كان يعمل في مطبعة بشارع محمد علي اشتهرت باسم مطبعة الرغايب في فترة الأربعينيات، ومن تحت يده تخرج عشرات الأسطوات في فن طباعة الأفيش القماش.. وامتداداً للأسطي عبد الرحمن جاء بعض الفنانين الدارسين من خريجي كلية الفنون الجميلة والفنون التطبيقية، كان من ابرزهم الفنان حسن جاسور هذا الرجل الذي جمع بين الموهبة والدراسة وجدد في مدارس تصميم الأفيش برغم أنه لم يكمل دراسته الأكاديمية، ومثلما ساهم جاسور في حركة التطور الفني للرسوم اليدوية كان أيضاً نظيراه الفنان البيران مرتضي، ثنر وكلاهما من عائلة فنية احترفت هذه الصناعة، أما الفنان محمد خليل إبراهيم الملقب بعم الفنانين والأسطوات والذي تجاوز عمره السبعين عاماً فقد بدأ العمل بهذه المهنة وسنه 6 سنوات أي ما يزيد علي نصف قرن وهي فترة ثرية من حياته الفنية انتقل خلالها من مرسم إلي مرسم ومن بلد إلي بلد.. طاف معظم دول العالم بحثاً وراء الجديد والمبتكر من هذا الفن، وتتلمذ محمد خليل إبراهيم علي يد الإخوة سبيرو أصحاب أكبر عدد من دور العرض السينمائي في مصر آنذاك رويال وديانا ومونتريال وديكي وأوليمبيا ، وظل معهم حتي قامت ثورة يوليو وتم تأميم دور العرض وأنشئت المؤسسة العربية للسينما ومنحت الدولة جوائز تشجيعية للمتميزين في الرسوم الفنية وأرسلوهم في بعثات دراسية للخارج، وكانت أولي الجوائز تلك التي حصل عليها الفنان محمد عبد العزيز كبير فناني الأفيش .. وقد استعرضت الدراسات التي أجريت علي هذا اللون من الفن الجماهيري بعض مراحل تصميم الأفيش باعتبارها لغة مصورة للجذب والإعلان، وأوضحت تلك الدراسات أن فنان الأفيش في الماضي كان لابد أن يطلع علي القصة والسيناريو للفيلم لإدراك الأبعاد الدرامية، بالإضافة إلي تتبعه لمراحل التصوير واختياره لنماذج من الصور الفوتوغرافية التي تم التقاطها للأبطال قبل البدء في عملية تصميم الأفيش التي تنقسم إلي عدة مراحل وتخضع لبعض المواصفات والأشكال.. من بينها ما يسمي بالواجهة وهي تنفذ علي الخشب وتكون أكبر من ناحية الحجم وتوضع عادة علي واجهة السينما.. أما الأفيش فينفذ علي الورق أو البلاستيك ويعلق علي الجدران أو حوامل حديدية في زوايا بارزة من الشوارع والميادين، وتختلف أحجام الواجهة و الأفيش طبقاً لحجم الدعاية وأهمية الفيلم، فعلي سبيل المثال بلغت مساحة الواجهة في فيلم حميدو لفريد شوقي وهو يرتدي زي البحرية كما يقول الفنان محمد خليل إبراهيم في مذكراته الشخصية 14 متراً طولاً وأربعة أمتار ارتفاعاً، وهي أكبر واجهة تم وضعها حتي الآن علي باب دور العرض يليها واجهة فيلم الشيماء للمخرج حسام الدين مصطفي والتي وضعت علي باب سينما ريفولي .. وهذا الفيلم بالتحديد يمثل مفارقة غريبة حيث بلغت دعايته تكاليف باهظة وصلت إلي نصف مليون جنيه في ذلك الوقت ولم يحقق نجاحاً جماهيريا لافتاً وتحملت شركة الدعاية الخسارة مع المنتج فلم تحصل إلا علي ما يوازي التكلفة فقط!

وتتأثر صناعة الأفيش تأثراً مباشراً بشباك التذاكر وتصاب بعض الشركات بالإفلاس أو الركود نتيجة تعسف المنتج في دفع الأجر. كما ان هناك جانبا آخر يمثل عقبة أمام الرسامين المحترفين لكونه يحجم إبداعهم ويحد من استعراض مهاراتهم، وهو الجانب الرقابي، فهناك العديد من الخلافات والمعارك التي تحدث بين الطرفين نتيجة فرض الرقابة بعض المحاذير علي شكل الأفيش ومراعاة الجانب الأخلاقي وعدم الإباحية.. والصراعات بين الرقابة وفناني الأفيش تتجدد في المواسم والأعياد ولعل اشهرها المعركة الثلاثية بين المخرج حسن الإمام والفنان الرسام حسن جاسور والرقابة بسبب افيش فيلم الجسد بطولة هند رستم حيث كان حسن الإمام يميل للإثارة وجذب الجمهور فأوصي بتصميم أفيش عاري للبطلة رأت الرقابة أنه خارج عن المواصفات الفنية وحررت محضرا بالمخالفة مما تسبب في تأخير عرض الفيلم، وتكبد المنتج خسارة مالية.. وغالباً ما كانت تجري تحقيقات مع الرسامين والفنانين تنتهي بغرامات في معظم الأحيان، وتمتلك شركات الدعاية كفاءات عالية من الفنانين المحترفين والهواة، ولكن تظل المشكلة الرئيسية في تكنولوجيا التشغيل والتصميم، فالأدوات التقليدية باتت غير مجدية في مسايرة حركة التطور، خاصة بعد تحول معظم دور العرض إلي ملكية خاصة ودخول اتحاد الإذاعة والتليفزيون طرفا في الإنتاج.
وبعيداً عن اقتصاديات السوق والحسابات المالية يظل جانب الإبهار في الأفيش هو الأهم ويتوقف ذلك عادة علي جاذبية النجم أو النجمة.. ومن أشهر النجوم الذين احتلوا مواقع الصدارة علي مستوي العالم في الأفيش وحققوا اعلي الإيرادات ريتا هيوارث بطولة فيلم دماء ورمال، جلدا و سوزان هيوارد ، كولديت كولدين، وإنغريد برغمان ، ومن الرجال غاري كوبر، روبرت تيلور، باترون باور، غيلين فورد ومن النجوم المصريين عبد الحليم حافظ ورشدي أباظة وأنور وجدي وفريد شوقي، ومن النجمات القدامي أيضاً هند رستم وسعاد حسني وناهد شريف ومن المعاصرين ليلي علوي ونادية الجندي وإلهام شاهين.

ومن أهم النجوم الرجال عادل إمام ونور الشريف وأحمد زكي ومحمد هنيدي.
وتواجه فناني الأفيش مشكلة عويصة تهدد مستقبلهم تتمثل في عدم وجود نقابة مهنية خاصة بهم تحمي حقوقهم وتدافع عن تواجدهم وبقائهم، خاصة وأن عدداً كبيراً من المحترفين غير مؤهلين دراسياً وليسوا اعضاء بأي من النقابات الفنية، فعلي مدي تاريخ السينما لم تنشأ مؤسسة حكومية أو رابطة لدعم هؤلاء الفنانين واحتوائهم برغم أهميتهم القصوي في تنشيط السوق الداخلية والنهوض بصناعة السينما التي باتت جزءاً أساسياً من الاقتصاد المصري، الأمر الذي يضع الصناعة نفسها في مأزق ويجعل انهيارها احتمالاً قائماً لا سيما وأن أحداً من كبار الرسامين لم يعد مهموماً بتدريب كوادر جديدة وتخريج نشء يواصل العمل في هذه المهنة بقواعدها الفنية والهندسية مما فتح المجال للفهلوة والارتجال ودخول أنصاف الموهوبين حلبة المنافسة في ظل تراجع الكبار وزهدهم وفقدانهم الإيمان بفنهم المربح والخاص جداً.

القدس العربي في 22 نوفمبر 2004