شعار الموقع (Our Logo)

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

كتبوا في السينما

 

 

 

 

 

 

'ابن يتذكر”

سيرة حياة اودري هيپرن يرويها ابنها

توهمت حتى اللحظة الاخيرة ان مارلون براندو أهملها

 

 

 

 

 

 

 

انه ابن يتذكر... يتذكر نجمة ستذكرها ذاكرة السينما العالمية دائماً، وستترحم عليها الاعمال الخيرية والانسانية دائماً.

ابن يتذكر هو اسم الكتاب المؤثر والحنون الذي يكرّم من خلاله شون هيرن فيرر والدته الراحلة اودري هيرن؟ بحنان وشفافية يسلط شون الضوء على وجه آخر لم يعرفه عشاق MY FAIR LADY. اودري هيرن نجمة هوليوود التي عرفت المجد والشهرة مع فيلم ROMAN HOLIDAY عام 1952 (فازت عنه بأوسكار أفضل ممثلة)، والتي انسحبت باكراً ولسنوات عديدة من الأضواء وهي بعد في السابعة والثلاثين لتهتم بتربية ولديها (شون من مل فيرر ولوكا من زوجها الثاني الطبيب الايطالي اندريا دوتي)، ثم تحولت الى خدمة الطفولة المعذبة والمحرومة عبر تعيينها سفيرة من الامم المتحدة (اليونيسيف)، لم تكن ذلك الوجه السعيد والمرح الذي جسد السحر والحيوية والاناقة على الشاشة. الى تعاستها وقلة ثقتها بنفسها وجروحها الكثيرة التي طبعتها وجعلت منها تلك السيدة الاستثنائية، تحملنا شفافية كتاب ابن في اتجاه قدر نجمة.

عام 1993 توقفت عينا اودري هيرن عن البريق بعدما نجح السرطان في اطفائهما عن ثلاثة وستين عاماً. انها لم تكتب مذكراتها لكنها قالت لابنها شون يوماً: لو قررت كتابة مذكراته لبدأتها بالعبارة الآتية: لقد ولدت في بروكسل في الرابع من نيسان 1929... ومت بعد ستة أسابيع بالتمام والكمال . هذا ما حصل فعلاً فقد اعلن الاطباء وفاتها بعد اختناقها بأزمة سعال حادة اصابتها. لكن والدتها البارونة الهولندية ايلاان هيمسترا اصرت على اعادتها الى الحياة عبر توجيه ضربات متلاحقة على مؤخرتها مرفقة بالصلوات والدعوات، ساعدت كلها في جعل الصغيرة تتنفس من جديد. هذه العودة الى الحياة حفرت في داخل اودري الايمان العميق بان زمن المعجزات لن ينتهي يوماً. طفولة اودري في كنف والد انكليزي ديبلوماسي وام هولندية نبيلة، لم تتسم بالسعادة فعندما ضبطت ايلا زوجها بالجرم المشهود مع عشيقته، طردته خارج حياتها. خسارة الاب، جرح لم تشف منه اودري يوماً ولا من حاجتها الى الشعور بالأمان والاحاطة. وهذا ما بحثت عنه دائماً في علاقتها بالرجال الذين لم يفهموا يوماً هشاشتها العاطفية. وهذا ما يفسر اخفاقاتها العديدة وطلاقها من كل من الممثل مل فيرر عام 1968 بعد اربعة عشر عاماً من الحياة المشتركة، والطبيب اندريا دوتي عام 1982.

ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية عادت اودري ابنة العشر سنين الى هولندا مع والدتها لتعيش الرعب وتشهد المجازر والاهوال والامراض والمجاعة. منذ الصغر، نجحت الظروف في تحويل قدرها نحو اعمال الخير. ففي عمر الخامسة عشرة تحولت مقاومة وبدأت تنقل الرسائل في كعب حذائها. وقبل شهرين من التحرير القي القبض عليها وعرفت الرعب والتعذيب لكنها نجحت في الفرار والعودة بعد رحلة هرب طويلة الى حضن والدتها. ولانها في تلك الفترة لم تكن تتجاوز الاربعين كيلوغراماً بينما قامتها تبلغ 176 سنتيمتراً. هذه النحافة الزائدة شكلت لها عقدة نقص دائمة فهي لم تظن يوماً انها قد تصبح رمزاً للجمال والسحر والاناقة التي خصها بها المصمم هوبرت دو جيفنشي المؤمن الاول بها كعارضة لتصاميمه. هوليوود كانت حلماً بعيد المنال بالنسبة اليها لانها كانت ترى نفسها قبيحة ونحيفة جداً بصدر منبسط كبلجيكا التي ولدت على ارضها. يومها كانت الموضة السائدة وقفاً على النساء المكتنزات انوثة ورغم ذلك نجحت اودري في قلب المعادلة وتحقيق الفرق. من الرقص الذي كان شغفها الاكبر انتقلت اودري الى التمثيل لتحصد النجاح وتفرض شخصيتها مع افلام مثل ROMAN HOLIDAY وSABRINA وFUNNY FACE وWAIT UNTIL DARK وMY FAIR LADY وALWAYS آخر افلامها الذي قدمته عام 1989 من اخراج ستيفن سبيلبرغ. مسيرتها الفنية وزيجاتها الفاشلة وتقاعدها في سويسرا على ضفاف بحيرة جنيا في منزل اطلقت عليه اسم هادئ ، امور أشهر من نار على علم. لكن عملها سفيرة في اليونسيف عام 1988 هو الذي يجعل حياتها تبرق بشعاع داخلي. انها لم تنس يوماً أول وجبة التهمتها بعد التحرر من الحكم النازي. لقد كانت احدى منظمات الامم المتحدة هي التي امنت للناس الاغذية الغائبة عنهم منذ أعوام. كيف انسى الزبدة والحليب والطحين؟ كالمجنونة بدأت التهم كل ما تقع عليه يدي وقد اضفت الحليب والسكر على كل ما كنت آكله. هذه الوجبة المجنونة تسببت لي بعصر هضم كاد يتسبب بموتي . سعادة اودري في مساعدة الاطفال المحرومين مثلها،كانت لا توصف. لقد وجدت أخيراً هدفاً يملأ حياتها بالسكينة الداخلية. مساعدة الاطفال ومد الآخرين بما اعطته لهم الحياة، كانا الدواء الذي ساعد والدتي على شفاء تعاستها الدائمة . ولا ينسى شون ان يتوقف بذكرياته عند تضحية اودري بنجاحها الساحق عندما قررت عام 1967 ان توقف عملها للتفرغ لتربيته مع اخيه غير الشقيق. لقد كانت اماً لا تختلف بتاتاً عن سائر الامهات: باكراً كانت تنهض لتحضر فطورنا وتساعدنا على الاستعداد للمدرسة وهي من كانت تراجع لنا دروسنا . وعن قلة ثقتها بنفسها يقول: كانت تظن انها ليست جميلة. وقد حاولت دائماً ان تعوض عن نقصها هذا بالتفاني في العمل والابتعاد عن أهواء النجوم. فقد كانت تصل الى استوديو التصوير قبل عامل التنظيفات وكانت طيبة مع الجميع دون استثناء . ورغم انها خلقت نموذجاً جديداً للمثال النسائي، ورغم ان بيلي وايلدر قال عنها: اودري هيرن نجحت بكل بساطة في جعل موضة الصدور الكبيرة موضة قديمة ، الا ان اودري لم تجرؤ يوماً على تصديق واقع انها احدثت كل هذا التغيير من حولها. كانت تكن الاحترام الكبير للممثلات الكبيرات في حقبتها مثل بتي دايفيس، والحب والاعجاب بنجمات حقبتنا مثل ميريل ستريب وجوليا روبرتس وخصوصاً ميشيل بفيفير التي، وحسب ابنها شون، كانت تعشقها وتراها مدهشة. كل هذا الحب بادلتها إياها هوليوود التي احاطتها دائماً بالرعاية وخصوصاً في فترة مرضها. لقد كانت اودري تتلقى دائماً رسائل حب وتعاطف من النجوم والسينمائيين، لكن اكثر رسالة اثرت فيها هي تلك التي ارسلها مارلون براندو. فبعد اربعين عاماً على لقائهما في حفل غداء احتفاء بالممثلين، قال لها مارلون في رسالته انه لم ينس قط تلك المناسبة وخصوصاً انه جلس الى جانبها من دون ان يجرؤ على ان يكلمها لانه كان مبهوراً بها. لقد ظنت والدتي كل تلك الأعوام ان مارلون براندو لم يوجّه اليها الكلام لأنها لم تسترعِ انتباهه .

النهار اللبنانية في 15 نوفمبر 2004