برتولوتشي: لقاء |
ريما المسمار |
الأكاديمية قلقة في ظل غياب الانتاجات الهوليوودية الضخمة والأفلام المميزة هل يُفسح المجال أمام أفلام التحريك والتوثيق للتنافس على أوسكار أفضل فيلم؟ على الرغم من ان المظاهر الخارجية لا تشير الى معركة محتدمة بما يخص جوائز اكاديمية علوم الصورة وفنونها (الاوسكار) للعام 2005 التي تُعلن ترشيحاتها في 25 كانون الثاني/يناير المقبل بينما يُقام حفل توزيعها على الفائزين في كل الفئات السينمائية المعنية في 27 شباط/فبراير 2005، إلا ان بوادر حركة تدور في الخفاء على صعيد الاستديوات ومواعيد افتتاح افلامها والاكاديمية. فالمؤكد ان العام 2004 لم يكن عام الافلام السينمائية المتميزة، بل ان معظم الاضواء اتجهت الى النقاش المحتدم في مكان آخر، اي في مجال السينما الوثائقية التي نالت حظوظاً وافرة من العروض الجماهيرية خلال العام المنصرم. وسط ما يصفه بعضهم بحيرة الاكاديمية إزاء الافلام المؤهلة للتنافس على اوسكار أفضل عمل لاسيما بخلو الساحة السينمائية من أعمال تفرض نفسها مثل "سيد الخواتم" في السنتين الماضيتين و"الساعات" و"عصابات نيويورك" و"عازف البيانو" عام 2003 ال" "نهر ميستيك" و"تائه في الترجمة" العام الماضي، وسط كل ذلك، ثمة مساعٍ حثيثة تقوم بها الاستديوات في الخفاء للافادة من الظروف. ومن تلك ان هناك دفعاً لافلام في اتجاه جوائز الاوسكار لا تلقى في العادة اهتماماً كبيراً من قبل الاكاديمية في الظروف العادية حيث الخيار واسع امام الاخيرة لاختيار خمسة افلام ترشحها لاوسكار افضل فيلم. لا يعني ذلك ان تلك الافلام لا تستأهل بالضرورة الترشح ولكنها ليست الخيار الاول بالنسبة الى مانحي الجوائز ومنها: الافلام الاجنبية، افلام التحريك والافلام الوثائقية. في الفئة الاولى، تسعى الاستديوات المنتجة الى الدفع بجدية بأفلام من طراز The Motorcycle Diaries وA Very Long Engagement وBad Education الى ترشيح افضل فيلم. بينما تبرز في الفئة الثانية، التحريك. المحاولات للحصول على ترشيح لاوسكار افضل فيلم لشريطي The Polar Express وThe Incredibles. اما الافلام الوثائقية فيتصدرها بالطبع "فهرنهايت 9/11" لمايكل مور غير المكتفي بترشيحه المؤكد عن فئة افضل فيلم وثائقي. خلال سبع وسبعين سنة من تاريخ جوائز الاوسكارات، لم يسبق لفيلم أجنبي والتعريف هنا يعني انه ناطق بغير الانكليزيةان فاز بأوسكار افضل فيلم في حين انه سبق لممثلين اجانب الفوز بأوسكار التمثيل. كانت صوفيا لورين السباقة عندما حازت اوسكار افضل ممثلة عن دورها في شريط فيتوريو دو سيكا Two Women العام 1961. ولا ننسى الايطالي ايضاً روبرتو بينيني حائز اوسكار التمثيل قبل اعوام عن دوره في Life Is Beautiful. ويشهد التاريخ الحديث للأوسكارات ترشح الفيلم الصيني Crouchin Tiger, Hidden Dragon لآنغ لي لاوسكار افضل فيلم عام 2001 ولكن فوزه جاء في فئة افضل فيلم اجنبي. بالنسبة الى الافلام الاجنبية المذكورة، فلكل منها ميزة. الاول، Motorcycle، لم يرشحه اي بلد لاوسكار الفيلم الاجنبي لأنه اسباني الانتاج بممثلين مكسيكيين، تدور احداثه في جنوب اميركا ومخرجه هو البرازيلي وولتر سالز. اما Bad Education فمخرجه الاسباني بيدرو المودوفار الحائز عام 1999 بأوسكار افضل فيلم أجنبي عن "كل شيء عن أمي". اللافت ان كلا الفيلمين من بطولة الممثل بيرنال غارسيا بما يضاعف حظوظ ترشيحه هو الآخر لأوسكار افضل ممثل. من جهة ثانية، شهد تاريخ الاوسكارات ترشيه فيلم تحريك واحد في فئة افضل فيلم كان Beauty and the Beast الذي حاز الاوسكار عام 1992. بالنسبة الى الفيلمين الجديدين المطروحة اسماؤهما، فإن Polar يبدو الاوفر حظاً لأنه يقدم الممثل توم هانكس في خمس شخصيات ولكن جميعها ممسوح رقمياً. ولكن الاكاديمية ستحدد ما اذا كان مؤهلاً للمشاركة في فئة افضل فيلم او افضل فيلم تحريك. وأخيراً يأتي "فهرنهايت" الذي اعلن مخرجه مور مبكراً انه يريد ترشيحه في فئة افضل فيلم. ولعل "طمع" مور نابع من فوز الفيلم بسعفة كانّ الذهب لعام 2004 وسط افلام روائية مهمة مع العلم ان شريطه السابق "بولينغ من اجل كولومباين" نال اوسكار افضل فيلم وثائقي قبل عامين. المستقبل اللبنانية 5 نوفمبر 2004 |
انطلقت عروض مهرجان بيروت الدولي للأفلام الوثائقية قبل يومين في صالة اريسكو بالاس مفتتحة دورته السادسة التي تضم قرابة خمسة وستين فيلماً لطلاب ومحترفين عرب وأجانب. في السادسة من مساء كل يوم، يبدأ عرض الافلام وتخصص الساعة الاولى لافلام الطلاب التي تتنافس على جائزة افضل فيلم. في اليوم الاول، عُرض الشريط الطالبي الايطالي Ape Maria الذي يصور حياة مراهقين في قرية نائية، محورها العمل المتواضع في النهار ولعب البلياردو والشرب في الليل. تنحصر حياة الشابين في امور قليلة ليس اقلها الاعتناء بـ"العفريت" او وسيلة تنقلهم التي هي مزيج من دراجة نارية وفان صغير. الشريط مصور بنفس تلفزيون الواقع ولكنه يفتقد الخلفية الاجتماعية التي من شأنها ان تمنح حياة الراهقين بعداً أعمق كما يفتقر الى سبر اعماق الشابين المسطحين ظاهرياً. في الشريط الطالبي اللبناني "والحرب لم تنتهِ" محاولة لرصد حالة اجتماعية من مخلفات الحرب الاهلية: اب واربعة اولاد يعيشون في ظل ظروف قاسية في غياب الام. لا يخرج الفيلم من إطار الريبورتاج المصور ولا يبذل جهداً لتفادي الكليشيiات المتوقعة في هذا النوع من الافلام من استدرار العاطفة والدموع وافساح المجال امام الشخصية لتقول ما عندها وان كان ما تقوله خاضعاً للنقاش والمساءلة في معظم الاحيان. في المحصلة، يركب صاحبا الفيلم (نور الدين وقازان) مشاهد من المقابلة مع صور من أرشيف الحرب لقول ما هو بديهي ومكرر: الحرب مسؤولة عن تدهور الوضع الاجتماعي والعائلي لبعض الاسر. من جهة ثانية، بدا الشريط الالماني الطالبي Petuhtanten عفوياً وحيوياً في رصده عبارة مائية تشكل مقهىً متحركاً لمجموعة من المسنين، يلتقون يومياً ويتآلفون بالقليل القليل من الكلام. ولكن الاطار العام للفيلم مفقود هنا ايضاً بحيث يبقى الشريط ناقصاً وان قام على رصد حساس لمشهد يومي. أربعة افلام محترفة عُرضت في اليوم الاول: "أصوات بريئة"، "سيني كارافان"، "منفى وامبراطورية" و"أحببنا بعضنا كثيراً". يتناول الاول زيارة مخرجته الفلسطينية المقيمة في الامارات مخيم شاتيلا في بيروت، محملة بأسئلتها "البريئة" عن فلسطين ومعنى الهوية والانتماء. تمنح المخرجة بعض الملامح الشخصية لفيلمها من خلال الشريط الصوتي المعبر عن اسئلتها وهواجسها بصيغة المتكلم ولكن ما نسمعه بالكاد يقول جديداً وكذلك الامر بالنسبة الى الناحية الفنية للشريط. لابأس في ان تكون الصورة وسيلة لطرح الاسئلة والبحث عن إجابات ولكن ذلك لا يكفي لإنجاز فيلم ولتمييزه عن سرب الاعمال المتشابهة. حتى الهواجس الشخصية تحتاج الى اعادة النظر والاجتهاد لاعادة طرحها بطزاجة تلفت الانتباه اليها. بخلافه، يحاول "سيني كارافان" ان يتخطى حجمه وصيغته. فالواضح انه فيلم طلب او لنقل انه فيلم مرتبط بحدث هو "القافلة السينمائية" التي تنظمها بعثة الاتحاد الاوروبي في لبنان سنوياً، تعرض من خلالها افلاماً سينمائية في القرى اللبنانية في الهواء الطلق. لارا سابا ترافق تلك القافلة بكاميراها، راسمة لكل قرية خلفي تاريخية سياحية بواسطة شريط صوتي، يطغى في معظم الاحيان على الصورة. فالأخيرة الاقرب الى التسجيلية ترزح تحت وطأة نص يستلهم السياسة والاجتماع والفولكلور، محاولاً تقديم صورة عن لبنان المتعدد والطائفي والفينيقي، مستوحاة من كتب التاريخ. بعض الافكار يمر خطفاً وسط الخطابية المباشرة للنص كحكايات السينمات الآفلة في بعلبك او ذكريات كبار السن عن اول تجربة سينمائية او رؤية بعض الشباب للسينما كمفسدة للأخلاق... تلك تفاصيل كان يمكن ان تشكل مادة اغنى واقل ادعاءً لفيلم يحاول ان يرصد العلاقة بين المجتمع والصورة. اما الشريط الهولندي "أحببنا بعضنا كثيراً" لجاك جانسن فمحاولة من زاوية اخرى لتقديم صورة عن المجتمع اللبناني الحاضر المسكون بصور الحرب والطائفية ولكن الموحد بصوت فيروز وحب الناس لها. تجدر الاشارة الى ان هذا هو الفيلم نفسه الذي مُنع عرضه في الدورة الماضية بموجب قرار قضائي عاجل تقدم به محامي السيدة فيروز بحجة انه يستخدم اسمها وصورتها وإحدى اغنياتها من دون إذنها. النسخة الجديدة لا تحتوي على تلك التفاصيل، موضع الخلاف. ولكن الفيلم في كلتا النسختين، لا يتجاوز النظرة الخارجية لمجتمع، لا ينتمي اليه صاحب العمل. في حين تكمل فعاليات المهرجان حتى العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، نتوقف من بين عروض اليوم الاول، عند شريط "منفى وامبراطورية" للمخرج العراقي دريد منجم المقيم في كندا. "المستقبل" التقت المخرج بعيد عرض الفيلم في حوار حول العمل وحول الصورة الطالعة من العراق اليوم. لا شك في ان العراق تحول بقعة الضوء الجديدة بعد، او بمحاذاة، فلسطين في ما يخص انتاج الصورة وصناعتها. فمنذ بدء الحرب الأميركية في آذار/مارس 2003، ظهر عدد غير قليل من الأفلام عن العراق ومنه. اللافت ان القسم الاكبر منها صُنع على ايدي مخرجين عرب وأجانب، بينما قلة حملت تواقيع مخرجين عراقيين. وليس ذلك بمستغرب إذ ان معظم السينمائيين العراقيين مقيمين في الخارج ومن الصعب الحديث على جيل سينمائي جديد في العراق في ظل الظروف المعيشية القاسية التي عاشها البلد منذ اوائل التسعينات، ناهيك بالدراسية والسينمائية منها. دريد منجم هو واحد من المخرجين العراقيين الشباب المقيمين في الخارج. دخل العراق بعيد شهر من بدء الحرب وصور لمدة ثلاثة اسابيع، أثمرت فيلمه الوثائقي الاول "منفى وامبراطورية: عشرون فيلماً قصيراً عن العراق"، قُدم في عرضه العربي الاول قبل يومين في مهرجان بيروت الدولي للأفلام الوثائقية. يقدم العمل من خلال عشرين فيلماً قصيراً، افكار المخرج ومشاهداته في إطار يحتفظ بنكهته الناقصة او غير المكتملة. فيلم متشعب، فوضوي، مفكك الاجزاء، يشبه الى حد بعيد عراق اليوم. يبدأه المخرج بفيديو منزلي بنظام "سوبر 8"، يصور نزهة للعائلة وزيارة "العمة شمسة" وسواها من التفاصيل العائلية الصغرى وينهيه على النحو عينه كأنه يحاصر تلك المشاهدات والصور من العراق المحتل بين دفتي ذاكرته الماضية او بين صوره الذهنية عن عراق هانئ، لم يشهده بأم عينيه بل من خلال ذكريات اهله ومقتطفات "السوبر 8". بين صور الماضي الجميل، تحتشد صور الحاضر ببشاعتها وعنفها وآنيتها. في فيلم آخر (سيني كارافان للارا سابا)، صدف عرضه قبل "منفى وامبراطورية" مباشرة، يقول أحدهم في معرض الحديث على السينما في الماضي ان الناس كانوا يعيشون في رومنسية كبرى لذلك كان للسينما بينهم مكان. الامر عينه ينطبق على ذكريات عائلة "دريد" الموحية بالرومنسية ورغد العيش. يبدأ الحديث مع المخرج الشاب من سؤال بديهي، يُفترض انه خارج الحوار. "تفضّل ان نتحادث بالانكليزية؟" أسأل من باب انه مقيم في كندا من دون أن أعرف انه المدخل المثالي لحوارنا، إذ ينقر على الوتر الاساسي لدى دريد: "أفضل ذلك، لغتي العربية مكسرة قليلاً مع انني وُلدت في الكويت واقمت فيها حتى بلوغي السادسة عشرة. ولكن امي ايرانية وابي عراقي. المفارقة ان امي هي التي علمتنا العربية التي اتقنتها بشكل معقول. ذهبت الى ميامي عام 1988 عندما كنت في السادسة عشرة لدراسة العلوم السياسية. ولكنني انتقلت مع عائلتي الى مونتريال بطلب هجرة اوائل التسعينات لاستحالة بقائنا في الكويت واستحالة ذهابنا الى احد بلدي والديَّ". في مونتريال، درس السينما في جامعة "كونكورديا" وتخرج مصوراً سينمائياً، يعمل منذ ذلك الحين في مجال تصوير الاعلانات والفيديوكليب والافلام الوثائقية. "الواقع انني احب التصوير كثيراً الى ذلك، يتيح لي ان انجز الافلام التي أحبها". حتى تاريخ تفرغه لمشروع "منفى وامبراطورية"، أنجر منجم ثلاثة افلام تجريبية قصيرة. على الرغم من ان شريطه الاخير يحمل ملامح تجريبية، الا ان التحول الى الوثائقي في إطار سياسي يُعد امراً لافتاً بالنسبة اليه: "الحصار الذي فُرض على العراق منذ اوائل التسعينات كان السبب المباشر الذي دفعني الى التفكير بضرورة عمل شيء او بواجبي تجاه ما يجري بقدر ما كان يحمل ذلك من ادعاء. ولكن إحساسي بمصاب العراق كان موجهاً الى العالم العربي بأسره. بدت لي المسألة مسألة هوية ودفاع عن ثقافة، لاسيما مع اللهجة العدائية المتنامية في الغرب ضد العرب والاسلام. من هنا بدأت فكرة الفيلم من العراقيين في المنفى بمقابلات وتصوير تظاهرات ضد الحصار في كندا. حتى انني جئت بيروت في آب/اغسطس 2001 وأجريت بعض المقابلات مع عراقيين وخلال عودتي، حدثت نقطة التحول في كل شيء. فقد صدف يوم سفري بتاريخ 11 ايلول 2001 تاريخ وقوع الهجمات على نيويورك، وما ان وصلت الى مطار هيثرو بلندن، حتى اوقفت مع كثيرين غيري حيث قضيت خمسة ايام هناك. بدا واضحاً منذ تلك اللحظة ان كل شيء سيتغير وان الحجة باتت جاهزة لدخول العراق بعد التلميحات الكثيرة السابقة التي ساقتها الإدارة الاميركية. ومع ارتفاع حدة الكراهية تجاه العرب بعيد 11 ايلول، لم يعد تصوير عراقي المنفى ولا تظاهراتهم يلقى اي صدى، ثم جاء الاعلان الرسمي عن الحرب الاميركية ضد العراق، ليمنح المشروع بعداً آخر".
في العراق الذي دخله كصحفي أجنبي، صور منجم كثيراً بهم اساسي "إظهار الجانب
الانساني او المتعدد الغائب عن صورة العربي والمسلم في الاعلام الغربي".
ولكن ذلك لم يقِه الوقوع في مطبات أخرى، أشعلت ردود فعل سلبية تجاه الفيلم
في عرضه قبل ايام. فالشريط المركب من أجزاء عدة، يبدو كل منها فيلماً
قصيراً مستقلاً، يقوم في ثلاثة او اربعة اجزاء منه على مرافقة المخرج
لدورية اميركية اثناء تطبيقها منع التجول او حديثها عن انجازاتها في منطقة
"الشعلة". وفي أحد المشاهد، يدعس جندي اميركي على صورة لصدام حسين مرمية
على الارض، فتلتقطها عدسة المخرج مع قهقهات الآخرين: "انا مدرك الآن لخطورة
تلك المشاهد ولسوء الفهم الذي قد ينتج عنها ولكن دعيني اشرح بعض الاشياء.
اولاً، كان الوضع مختلفاً تماماً في الفترة الاولى عما هو عليه الآن. لقد
تهيأ لكثيرين ان الاميركيين سيعملون فوراً على استتباب الامن ولكن ما حصل
ان الاحوال تدهورت بعد ذلك الى أسوأ. لم أشأ ان اغير شيئاً في الفيلم وفقاً
لذلك لأنه كان منتهياً ومعبراً من وجهة نظري عن تلك الفترة وعن نظرتي اليها
وقتذاك. كما ان ذلك لا يعني ابداً انني مع الغزو الاميركي. أذكر انني بعد
ايام قليلة، لم أعد أحتمل الذهاب الى القاعدة الاميركية لطلب إذن للتصوير
فكنت ارسل مصوراً كندياً كان برفقتي. اي ان تلك المشاهد صورتها في البداية
ولكن لم أشأ الاستغناء عنها لأنها كانت جزءاً من نظرتي. ثم انني لا أنكر
تعاطفي مع بعض الجنود الاميركيين الذي أُرسل رغم ارادته. الواقع انني عشت
نصف حياتي في العالم العربي والنصف الآخر في الغرب ومن الطبيعي ان اشعر على
ذلك النحو. الى ذلك، حاولت الابتعاد من الصور والمشاهد التي كانت تحفل بها
نشرات الاخبار. ولكن قبل اي شيء، علينا الاعتراف بأننا كنا جميعاً بمثابة
متفرجين على لعبة كرة قدم فيما الأحداث كانت سائرة في اتجاه محتوم. كانت
هناك مظاهرات قبيل الحرب واعتراضات ولكن الكل كان يعلم ان الحرب واقعة". في
أحد المشاهد المعبرة، يرافق المخرج دورية اميركية ليلية تتأكد من تنفيذ منع
التجول. يمر رجل قبيل وقف منع التجول بوقت قصير. يدور حوار غير مفهوم بينه
وبين الجنود يعبر بعمق عن التباعد الهائل بين الثقافتين. يتدخل المخرج
ليترجم للطرفين ما يقوله الآخر بلغته التي لا يفهمها الآخر. الوضع غريب
ولولا وجود المخرج في تلك اللحظة، لكان الرجل أُردي قتيلاً ربما. على هذا
النحو من الغرابة والتناقض يرى المخرج واقع العراق وفيلمه كذلك: "الوضع
هناك لا يوصف. بعد ثلاثة اسابيع، شعرت بضرورة البقاء للمساعدة وان عبر
الترجمة فقط". فمن المفارقات التي واجهت المخرج اعتقاله على ايدي جنود
اميركيين لقيامه بتصوير قاعدة عسكرية "وفي السجن تعرفت بعراقيين مساجين
لكسرهم حظر التجول قبل دقائق من انتهائه. لم يعرفوا كيف يطالبون الاميركيين
بإطلاق سراحهم لانقضاء مدة العقوبة التي لا يجب ان تتجاوز اليوم الواحد".
يعلن المخرج عبر حديثه هذا حالة الطوارئ "هناك حاجة قصوى وطارئة في هذه المرحلة للرد على السلبية التي تطالعنا في وسائل الاعلام الغربية تجاه اي شيء عربي، وضرورة للرد على الرد المتطرف من قبل بعض المجموعات عندنا. انه لمن المرعب ان نشهد توظيف ثورة الفيديو ديجيتال في تصوير أحداث الخطف والذبح. لم يكن للخطف او للتفجير هذا الاثر المرعب في السابق لأن المجاهرة بهما لم تكن بالسهولة التي توفرها اليوم كاميرات الديجيتال والبث عبر الانترنت وسواها. من هنا أعتقد بضرورة اعادة الوجه الايجابي للصورة كي لا يتحول الخاطفون سينمائيي العراق الجدد! أقول ذلك انطلاقاً من قناعة شخصية راسخة بضرورة الوقوف ضد تلك الممارسات وأعتقد ان الطريقة الفضلى هي ان يصور العراقيون انفسهم في هذه المرحلة، ان يصوروا يومياتهم في ظل الاحتلال لتشكيل الارضية للوثيقة التاريخية البصرية. فغني عن القول ان صنع فيلم مستقل في العراق اليوم امر شبه مستحيل في ظل الوضع الامني المروع كما انه يستلزم بعض الوقت من العراقيين انفسهم ليتعلموا الحرفة". برغم ذلك، يعتقد المخرج ان الحاجة تبدو مضاعفة في ظل هذه الظروف لاعادة بناء الهوية الثقافية، مشيداً ببعض المحاولات لإنشاء مدرسة سينمائية في بغداد. من هنا، لا ينكر منجم اهتمامه بمخاطبة الجمهور الغربي اولاً: "المشكلة الكبرى تكمن في كيفية رؤية العالم الغربي للعالم العربي. لذلك أرى ان تكسير تلك الاحكام المسبقة والكليشيات حاجة قصوى من خلال انتاج صورة مضادة من دون الابتعاد من الشروط الفنية". ربما لذلك يتحين منجم الفرصة للعودة الى العراق حالما يسمح الوضع الامني بذلك "عندي افكار كثيرة منها تصوير الشرطة العراقية الاكثر تهديداً اليوم لفهم ما الذي يقف خلف تضحياتها اهو الواجب ام ضرورات العيش؟ كما افكر بتصوير مجموعات المجاهدين للوقوف حقاً على ما يريدونه. لا أحد يعلم ماذا يريدون بالضبط. وهناك فكرة فيلم ايضاً عن ملاحقة احد انابيب النفط وتصوير الاماكن وناسها التي يمر فيها". المستقبل اللبنانية في 5 نوفمبر 2004 |