من شباك فيلم Les Invas ions Barbares للمخرج الكندي دنيس اركان اطلت على الجمهور اللبناني، الممثلة الكندية الكيبيكية لويز ورتال التي لها ولمواهبها المتعددة في التمثيل والكت ابة والغناء تُفْتَح ابواب النجومية والشهرة على مداها في كندا واوروبا. اليوم مجدداً لويز ورتال تغزو لبنان غزوة ثقافية فنية، اذ تطل علينا من خلال نافذة من غير بيت الفيلم الروائي الطويل الاول للمخرجة الكيبيكية من اصل لبناني ماريان زحيل. فيلم يحمل عنوان كتاب الشاعرة الراحلة ناديا تويني De Ma Fenêtre sans maison. فيه تؤدي دور سنا، امرأة لبنانية هجرت وطنها مع بدء الحرب وتركت وراءها ماضيها وجذورها وابنتها الصغيرة واستقرت في مونتريال. لكن الماضي سيستيقظ مجدداً بعد سبعة عشرة عاما، مع وصول ابنتها الى كندا . من نافذة ظنت انها اقفلتها الى الابد، ستطل سنا الى الماضي والوطن والوجع لتحاول بلسمة الجروح. والى لبنان وتحديدا الى منطقة المتين وغابة بولونيا اطلت لويز ورتال مع المخرجة وكاتبة السيناريو ماريان زحيل بين اواسط ايلول واواسط تشرين الاول، لتصوير القسم الاول، القسم اللبناني، قبل متابعة الجزء الثاني في كندا. وقبل سفر النجمة الكندية مع انتهاء التصوير في لبنان كان لـ الدليل لقاء استثنائي مع امرأة استثنائية قالت يوما: عندما انجح يوما في ترويض كل النساء اللواتي يولدن في داخلي، عندها فقط قد اعرف من هي المرأة الواقفة امام المرآة تنزع عن وجهها الماكياج . · في داخلك ولدت سنا المرأة اللبنانية. ما الذي جذبك الى هذا الدور وهذه الشخصية؟ - القصة اثرت فيّ كثيراً. انه دور امرأة استثنائية وانا احب النساء الاستثنائيات. كما انه دور رائع مكتوب لامرأة تخطت الخمسين، وفي السينما من النادر ان تجد دوراً مهماً مكتوباً لشخصية تخطت مرحلة الشباب. لقد قلت في نفسي انها فرصة كبيرة لي ان اغوص في كل انفعالات تلك الشخصية. واللافت ان شخصية سنا هي شخصية تكبت مشاعرها ولا تظهرها للعلن وهذا امر جذبني كممثلة لانني معتادة تقديم ادوار امرأة شغوفة تظهر كل مشاعرها وحالاتها النفسية الى العلن. سنا كانت تحدياً لي لأنها عكس ما قدمته سابقا. لقد بنت حولها سياجاً من الصعب اختراقه كما تقول ماريان زحيل لانها لا ترغب في مواجهة انفعالات الحنين فقد حنّت كثيراً عندما تركت لبنان. لقد رغبت في حماية نفسها بهذا البرود. · التحدي الحقيقي ان تقدمي دور امرأة لبنانية. كيف استعددت للدور وكيف تحضّرت لترتدي ثقافة غريبة وعادات شرقية مع ارتدائك ملامح سنا؟ - فعلا لقد كان تحدياً ان اقدم دور امرأة لبنانية وان اتعلم اللغة رغم انني لم امثل سوى مشهدين فقط استعمل فيهما كلمات لبنانية مثل نطور شوي (انتظر قليلا) و تفضل ... السيناريو اعجبني فوراً وقررت ان اخوض التجربة. اما استعدادي النفسي للشخصية، فقد ساعدتني اشعار ناديا تويني كثيرا في فهم مناخ تلك الشخصية وعالمها. كل صباح كنت استيقظ وامارس رياضتي الصباحية واليوغا ثم اقرأ قصيدة او اثنتين من كتاب ناديا تويني الذي قدمته لي ماريان. حتى صور الكتاب ساعدتني لاشعر واحس وافهم الروحية اللبنانية. · هل اثرت فيك تلك القصائد كونك كاتبة ايضا؟ - لقد احببت كثيرا قصائد ناديا تويني. القصائد امر خاص وحميم ويولّد صوراً واحاسيس كثيرة. لذا لم اكن استطيع قراءة اكثر من قصيدتين يومياً. قصائد تويني شاهد كبير عن لبنان وعن ماضيها وعذابها وارثها ومخزونها الحياتي. هذه الاحاسيس عالمية وقد اثّرت فيّ وغذّتني بالانفعالات المطلوبة للدور. لقد مهدت لي الطريق لمعرفة لبنان. وبعد وصولنا الى بلدكم الجميل طلبنا من الناس ان يقصوا علينا التاريخ. صاحب فندق بولونيا حيث كنا نقيم حدثنا عن الـ17 حضارة التي تعاقبت على لبنان والطريف ان زوجي الذي كان يظن ان جذوره تعود الى منطقة يرينيان في فرنسا اكتشف ان جذوره فينيقية. · في اي حال انت ايضا تملكين الملامح الشرقية وهذا امر ساهم حتما في تقمصك الشخصية. - فعلا فأنا لدي بعض ملامح سكان البحر الابيض المتوسط وشعري غامق اللون وقد وضعت بنفسي اليوم ماكياجي والكحل الاسود الذي يميّز النساء الشرقيات. انا عادة لا اضع ماكياجاً قوياً في كندا لكني بدأت استعمله من اجل الفيلم واشعر بانني اشبه الملكة نفرتيتي... سنا امرأة حافظت على اناقة المرأة اللبنانية وأنوثتها رغم انتقالها الى كندا وهي ترتدي اللون الاسود في معظم مشاهد الفيلم حدادا على والدتها وهذا ما يعطي الشخصية الرقي والغموض والسمة الشرقية. · اخبرينا عن تجربة التصوير في لبنان. - رائعة. فخلال اثني عشر يوما من التصوير استطعنا خلق مناخ حميم ودافىء. لقد وجدنا مواقع تصوير ساحرة في المتين وغابة بولونيا وقد قدم لنا السيد شويتر منزله الرائع مجاناً للتصوير وكنا نقيم في فندق بولونيا القريب جدا من مواقع التصوير مثل القرية والمنزل والكنيسة... هذا التقارب في المواقع ساهم في التقارب بين كل فريق العمل فشكلنا عائلة حقيقية. بعد انتهاء التصوير بكى الجميع تأثراً وحزناً على انفراط عقدنا. بدورهم الممثلون اللبنانيون رائعون وقد أحببت بشكل خاص الممثل القدير الياس الياس صاحب الوجه المعبّر الذي كان يدعوني دائماً ابنتي ، والممثل بيار جاماجيان الذي اديت معه باللهجة اللبنانية، واخي في الفيلم وليد العلايلي الجذاب محطم قلوب الصبايا (تقولها ضاحكة) وامي ليلى حكيم رغم ان لا مشاهد تجمعني بها و...إبنتي رينه توما. العمل في لبنان جاء حميماً يشبه عمل الـ ارتيزانا لان موازنته متواضعة ويعوّضه تاليا الدفء والحميمية على عكس الافلام الضخمة التي يكون فيها الاختلاط صعباً والاجواء باردة. · وهل لعبت الجالية اللبنانية الموجودة بكثرة في مونتريال دوراً ايجابياً في تقريبك من الثقافة اللبنانية؟ - ليس لدي اصدقاء بل معارف لبنانيون منهم سيدة تدعى عبلة فرهود تملك مطعماً في مونتريال وكنا نأكل كثيراً عندها ماريان وانا، وكانت تتكلم كثيرا عن لبنان. لكن عندما كنت مراهقة، اغرم بي طبيب لبناني وكان يمكن ان اكون اليوم متزوجة منه (تقولها ضاحكة ثم تكمل) يومها كنت في السابعة عشرة وكان والدي مدير مستشفى في كندا واعتادت امي ان تؤجر بعض غرف بيتنا الكبير لطلاب الطب الاجانب الذين يتابعون تدريباتهم في المستشفى. ومن ضمن المستأجرين عندنا ذلك الطبيب اللبناني الذي وقع سريعاً في حبي وكان يقدم لي الحلويات اللبنانية اللذيذة مثل البقلاوة. اليوم صداقاتي زادت بعد تعرفي على ماريان. · لكن الم تخافي المغامرة السينمائية مع مخرجة وكاتبة سيناريو مبتدئة؟ - انا لا اخاف بتاتاً واتبع غريزتي. ماريان رأتني في افتتاح فيلم لي وقالت فورا هذه هي سنا واتصلت بوكيلي بعد عام ونصف عندما اصبحت جاهزة لتقديم السيناريو. عندما قرأت ما كتبت وافقت فوراً وقلت لوكيل اعمالي انه دور رائع واريد ان اقدمه. يوم التقيت ماريان قلت لها فقط كلمة نعم ، كما تقول العروس لعريسها أمام مذبح الزواج قلت كلمة نعم ... كان تعهداً مني. لكنني تعرّفت على ماريان في العمق اثناء التصوير في لبنان وانا لست مندهشة انها استطاعت ان تنجح في تحقيق حلمها لانها محاربة ومقاتلة. في عالمنا يجب ان يكون المخرج المبتدىء مقاتلاً لا ينهزم عند سماعه كلمات الرفض فصناعة الافلام تكلف كثيراً. انا فخورة بها وكنت على حق في دعمي لها ولفيلمها من البدء. لقد قلت لها انها ستنال سريعاً احترام المجتمع السينمائي في كيبيك لان عملها مميز. لقد اغرمت بالسيناريو وقلت لها نعم رغم انه فيلمها الاول ورغم تخوّف وكيل اعمالي ورغم صعوبة حصولها على التمويل. لقد دعمتها وعرفتها على الاوساط الفنية لانني بعد خبرتي الطويلة في عالم الفن ادركت ان الانسان الذي لا يتمتع بالامل والاصرار على النجاح مثل ماريان، لن يحقق شيئا. · ومثلك ايضا فأنت ناضلت وخصوصاً بعد رفض انتسابك الى معهد المسرح في بداياتك. ترى هل هذا ما منحك الاصرار على عدم القبول بالفشل؟ - صحيح فأنا دائماً ابرز في مواقف التحدي. انا من مواليد برج الثور ولا بد ان لقرني برجي دوراً في شخصيتي ورفضي للهزيمة واصراري على المواجهة ومتابعة النطح ... في مسيرتي كلها لم احصل على النجاح بشكل مجاني. لقد تعبت وجاهدت للوصول. · رغم انك لست اماً في الواقع الا انك قدمت ادوار ام غير تقليدية بالمعنى المتعارف عليه لكلمة الامومة. ففي فيلم Fortier كنت اما تعانين سفاح القربى وفي فيلم Full Blast قدمت دور ام تقع في حب صديق ابنها وفي Les Invasions Barbares كنت اما لابنة تنبذك وتغرق في المخدرات. في De ma Fenêtre sans maison كيف كانت علاقتك بدنيا الابنة التي هجرتها سبعة عشرة عاما؟ - لقد قلت دائما انني انجبت الاولاد في السينما فقط. انا احب الادوار التي فيها تحد والتي تدفعني الى الغوص في داخلي واكتشاف طاقات وقدرات جديدة وغير مكررة. علاقتي برينه توما كانت مميزة جدا فانا من اكتشفها وقدمها لماريان زحيل. انها شابة لبنانية تقيم في كندا منذ عامين وقد التقيت بها مصادفة ولفتني شبهها الكبير بي. عندها سألتها من اين هي وكم كانت دهشتي كبيرة عندما قالت لي انها لبنانية. عندها اخبرتها عن الفيلم وقلت لها انني اؤدي دور امرأة لبنانية وانني ابحث عن ابنتي فهل ترغبين في ان تكوني ابنتي؟ وطبعاً لم تصدق رينه فهي بعيدة عن اجواء التمثيل والسينما لكنني كنت جادة واتصلت بماريان التي قابلتها واجرت لها جلسات اختبار ووافقت عليها بعدما شعرت بمدى اشتياقها للبنان ومدى ثورتها على سنا التي هجرت ابنتها بعد قراءتها السيناريو. · انت لست ممثلة فحسب بل مغنية وكاتبة ايضا. ترى هل الحياة تكفيك وهل تشعرين بالرضا؟ - الخلق هو الذي يهمني. في التمثيل نحن الممثلين اداة بين يدي خالق يحقق تحفته بواسطتنا. رغم عشقي التمثيل رغبت في امتلاك وسائل خلق خاصة بي وهكذا وصلت الى الكتابة ومنها الى الغناء. الكتابة حمتني من ان اكون منتظرة دائما هاتفاً يرن ودوراً يعرض علي. انا احتاج الى مساحات خلق خاصة بي واشعر بالراحة داخل كل تلك الادوار. انا ممثلة منذ 35 عاماً وبدأت الكتابة منذ كنت في الرابعة عشرة، لكنني لم اكتب بشكل احترافي الا منذ خمسة اعوام ولي ثلاث روايات: L enchantée وCap-Au-Renard وL Actrice كما كتبت مسرحية قبل عشرين عاما. · هل تفكرين في تحويل احدى رواياتك فيلما؟ - لقد فكرت فعلا وكنت بصدد اعداد رواية وcap-Au-Renard. انها قصة قاسية تدور في طبيعة قاسية لكن محاولة كهذه ليست سهلة وخصوصا مع صعوبة تمويل قصص ليست تجارية بالمفهوم السينمائي. المشروع ليس مستبعداً، لكنه مؤجل حالياً وانا ساكتفي بان اكون مستشارة فنية ولن اكتب السيناريو و... كالعادة ساقدم دور الام لان بطلة القصة تبلغ السادسة عشرة وفيها ملامح كثيرة مني. · من المعروف عنك انك تواظبين على كتابة يومياتك ومذكراتك منذ كنت صغيرة. ترى هل من المتوقع ان نشاهد يوما فيلماً بعنوان Louise Portal Diary، تماما مثل Bridget Jones s Diary؟ - تضحك قبل ان تجيب: لا اظن. فمذكراتي اشبه بأرشيف للروح والحالات النفسية الخاصة بي. اضافة الى ارشيف مهـنـي اضـع فيه كل افكاري عن الحياة والصق في داخله كل ما له علاقـة بي كمـقابـلات وصـور. مثلا مقابلتنا هذه سأضيفها الى مذكراتي ما ان ترسليها لي بالبريد . · اخيراً، هل تكررين التجربة في العمل في لبنان؟ - حتما ومن دون اي تردد فوطنكم ساحر وانا اقدر كل ما مررتم به كشعب واستطعتم الصمود والاستمرار. لقد احببت جدا جبال لبنان ومنطقة المتين ورأيت ايضا وسط بيروت وتجولت على الشاطىء. لكن عملي المقبل سيكون في جزيرة هاييتي وجمهورية الدومينيكان حيث سأشارك في فيلم بعنوان Vers le Sud من اخراج الفرنسي لوران كاتيه، وتشاركني بطولته الممثلة شارلوت راملينغ وسنبدأ تصويره في كانون الثاني المقبل. دليل النهار في 29 أكتوبر 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
لمناسبة تصوير مشاهد من فيلمها “نافذة من غير بيت” في لبنان لويز پورتال قصائد ناديا تويني مهّدت لي الطريق لمعرفة لبنان حاورتها جوزفين حبشي |