إنه لمن دواعي الشرف، أن يمثل عمر الشريف، في بداية إنطلاقته العالمية، في
فيلمين ملحميين، للمخرج البريطاني العبقري
“ديفيد
لين”،
فهو فنان استثنائي بحق. أفلامه قليلة، لكنها مهمة، وحاصلة على أهم جوائز
العالم.
وكعادة المخرج
“ديفيد
لين”،
فهو يقدم
“دكتور
زيفاجو”،
كفيلم ملحمي آخر، يبحث فيه عن نفس القيم التي قدمها في أفلامه السابقة. فهو
في فيلمه هذا يصور بشكل لافت تلك المساحات الشاسعة من الجبال المغاطاة
بالثلوج، والمستنقعات والبحيرات الثلجية التي لا حدود لها. كما الغابات
والسهول المغطاة بالزهور في الربيع والصيف. مصوراً المدن الروسية قبل
وأثناء الثورة البلشفية وبعدها، بكل ما تجيش من تحولات ومشاعر للطبقات
العليا والدنيا. وعندما أراد تجسيد ذلك، اختار قصة طبيب وشاعر، من خلال سرد
مواجهاته ومشاعره خلال تلك الفترة، من عمله كطبيب جراح، وحتى علاقاته
الرومانسية، مع زوجته أو حبيبته، أو شقيقه.
نجمنا
(عمر
الشريف)، هو من اختاره
“لين”
لتجسيد كل ذلك. وكانت هذه التجربة الفيلمية، بمثابة الإنطلاقة الحقيقية
لعمر الشريف على العالم، حيث جعل من اسم عمر الشريف ماركة مسجلة، تتهافت
عليه شركات الإنتاج العالمية، وتتسابق للتوقيع معه على أعمال جديدة. إلا أن
الأمريكان قد نجحوا في احتاكار اسمه لخمس سنوات قادمة.
قصة الفيلم عن ذلك الصدام بين الإنسان والدولة، الفرد الثابت والمرن الذي
يرفض أن يكون منقوشًا أو مسطحًا. حيث “الفرد لا يعني شيئًا، أيها الرفيق”،
على لسان أحد شخصيات الفيلم في لحظة ولادة الثورة. وتجسيداً للمحاولة
السوفيتية لمحو الفرد، وجعله جزءًا من آلة الدولة.
بطل القصة الطبيب والشاعر ”يوري” (عمر الشريف) يجاهد لخوض فرص القرار
الفردي للطبيب والشاعر في نفس الوقت. وبالطبع لا يجوز للطبيب اختيار مرضاه
لمعتقداتهم السياسية، قد يتألق الشاعر من أجل الدولة، لكنه لن يكون طبيباً
دون إنسانية. قصة الفيلم، عن روسيا القيصرية من خلال كارثة دور روسيا في
الحرب العالمية الأولى، والإرهاب القاتل للدولة السوفيتية المبكرة في
الفترة التي تليها، حيث تغطي الصورة حوالي ثلاثون عامًا من التاريخ
الروسي، من ما قبل الثورة مباشرة إلى الثلاثينيات.
باسترناك في هذا الفيلم، يعبث إلى حد ما بالتاريخ لإثبات وجهة نظره.
فـ"يوري" ليس إمبرياليًا ولا اشتراكيًا. على الرغم من أنه تربى يتيما، فقد
نشأ في منزل سعيد ومزدهر. والديه بالتبني هما رالف ريتشاردسون وسيوبهان
ماكينا. وابنتهما جيرالدين شابلن، تكبر معه، ويحبان بعضهم البعض ويتزوجان.
كان على يوري أن لا يكون رجلاً خارج الاضطرابات الكبيرة ولكن ليس ببعيد عن
أسبابها ونتائجها. لديه شفقة الطبيب وتعاطف الشاعر، وجاذبية الرجل الوسيم
للمرأة التي لا تقاوم. تقدم ”تونيا” (جيرالدين شابلن) بداية جذابة كزوجته
الحلوة والبريئة، لم يتم إشراكها لإظهار المشاعر القوية، ولكن في حدود
دورها، كانت موفقة.
أما الحبيبة ”لارا” (جولي كريستي)، بصفتها الطفلة المضطربة، والتي يجب أن
تواجه بعض أقسى مواقف الحياة وتحتفظ بنضارتها وجمالها الجوهريين، فهي
رائعة. لقد أثبتت كريستي بالفعل إلى أنها واحدة من أهم نجوم السينما الشباب
(آنذاك)، وقدمت أداءً لا يمحى بصفتها الفناة التي ألهمت شعر زيفاجو ولمدى
الحياة.
والفيلم بشكل عام، لا يحاول تقييم النظرية والممارسة الشيوعية في
روسيا، إنه يسجل الاضطهاد القيصري الذي أنتج الثورة. كما يشير إلى بعض
المواقف التي أدت إلى الاستبداد السوفيتي، في تعاملها مع روسيا الحديثة،
والتي لا تبدو أنها “استفزازية” في المعجم السوفييتي. لقد جعل سيناريو
روبرت بولت لرواية بوريس باسترناك، وتوجيه ديفيد لين لها، المد والجزر
السياسي لا يرحم. مثل المشهد الروسي الشاسع.
دكتور زيفاجو فيلم من الأفلام الملحمية الضخمة الإنتاج، حيث نجح مخرجه في
الجمع بين قوة أداء ممثليه وسلاسة الحوار والديكورات الكبيرة الدقيقة
التفاصيل مع الإخراج الفني المتقن والموسيقى التصويرية الرائعة، وكل هذه
الخصائص أصبحت من العلامات المميزة لأفلام ديفيد لين، فقد تميز لين بصبره
الذي لا ينفد في التعامل مع عوامل الطبيعة والأحوال الجوية، أثناء تصوير
أفلامه، فنجد أن معظمها صورت في أماكن تكسوها الثلوج والبرد القارس فى فيلم
دكتور. فقد تميز هذا الفيلم بقوة أداء ممثليه، ومشاهده الفسيحة المثيرة،
وكانت معظمها في أسبانيا وفنلندا وكندا، كما تميز بموسيقاه الجميلة الناعمة
للموسيقار الكبير “موريس جار”.
لقد نجح النجم العالمي “عمر الشريف” في إضفاء أبعادٱ كثيرة لشخصية زيفاجو،
بل إن هذا الفيلم، يعد من أهم وأفضل أدواره السينمائية، شاركه بالطبع
مجموعة متميزة من الممثلين العالميين فى مقدمتهم جولي كريستي وجيرالدين
شابلن، ورودستيجر ونجوم كثيرون غيرهم.
وبالرغم من النجاح الكبير والشعبية الجماهيرية التي حضي بها فيلم دكتور
زيفاجو، إلا أن استقبال النقاد للفيلم عند عرضه الأول، صاحبه مزيج من المدح
والنقد السلبي مصاحباً بعبارات الذم والإستهجان بسبب طول. مما جعل المخرج
ديفيد لين أن يقرر التوقف عن الإخراج بعده، لكنه تراجع عن ذلك وقدم للعالم
فيلميه (ابنة رايان، الطريق إلى الهند) ليثبت للذبن هاجموه بأن فيلم دكتور
زيفاجو، رسخ مكانته الفنية المرموقة وسط الأعمال المميزة الخالدة في
السينما العالمية. ففي العام 2016 احتل المرتبة التاسعة والثلاثين، في
قائمة الأفلام الأمريكية لأفضل مائة فيلم. كما أعتبر ثالث أفلام ديفيد لين
(مع فيلمي لورنس العرب، جسر نهر كواي) مكانة، حيث حصلت هذه الأفلام الثلاثة
على أوسكارات أفضل فيلم.
وفي عام 2016 تم اعتبار
فيلم دكتور زيفاجو هو الفيلم الثامن الأعلى ربحًا على الإطلاق في الولايات
المتحدة وكندا.
إضافة إلى أنه احتل مرتبة بين أفضل عشرة أفلام في تاريح السينما العالمية.
كما صنف في عام 1999 من قبل معهد الفيلم البريطاني في المرتبة السابعة
والعشرين بين أفضل الأفلام البريطانية على الإطلاق. |