في
موضوعنا الـسابق، وفي نفس هذه الزاوية، تحدثنا عن فيلم (دعاءالـكروان)
للثـنائي الـشهـير (فاتن حمامة/ بركات)، وقد أشرنا حينها بأنه سيكون لنا
لقاء آخر مع فيلمهما الأشهر (الحرام).. وهانحن في موضوعنا هذا أمام هذا
الفيلم الخالد.. وفيلم (الحرام ـ 1965) يعد نموذجاً بارزاً من بين أفضل
نماذج السينما العربية، إنه حقاً فيلماً هاماً، إستحق الترتيب الرابع في
قائمة أفضل عشرة أفلام في تاريخ السينما المصرية، وذلك في إستفتاء مجلة
"الفنون" المصرية عام 1984.
إن فيلم (الحرام) قد أتاح لبطلته "فاتن حمامة" بأن تقدم للسينما دوراً
كبيراً وخالداً، وصلت به الى مرتبة النجوم العالميين، تحت قيادة المخرج
"هنري بركات"، ومن خلال دراما ملحمية كتب السيناريو والحوار لها "سعدالدين
وهبة" عن قصة للأديب "يوسف إدريس".. دراما صادقة تعبر عن الواقع في الريف
المصري، وتتحدث ـ ولأول مرة ـ عن شريحة إجتماعية معدمة من قاع السلم الإجتماعي، ألا وهي شريحة عمال التراحيل.
يحكي الفيلم عن عزيزة (فاتن حمامة)، تلك الفلاحة الفقيرة والتي تتحمل
قدراً كبيراً من الضغوطات النفسية والإجتماعية والمعيشية، في سبيل إعاشة
عائلتها.. إنه يحكي عن ذلك السقوط الأخلاقي.. سقوط "عزيزة".. سقوط يقع
في إطار العلاقات السائدة في الريف، إقتصادية كانت أم إجتماعية.
إننا في هذا الفيلم أمام تراجيديا لذلك السقوط الأخلاقي.. تراجيديا لمأساة
فردية، ولكنها ـ في نفس الوقت ـ وسيلة تعرض الواقع المحيط بهذه الشخصية وفرادتها، فالفيلم يتخذ منهجاً موضوعياً شاملاً عندما يضع مأساة بطلته في
إطار ظروف مجتمعها المحيط بها، وذلك بإعتبار أن الفن والأدب بشكل عام
يتناول مصائر الأفراد كظواهر إجتماعية وليست حكايات ذاتية منعزلة عن الواقع.
أما بالنسبة للنواحي الفنية والجمالية في الفيلم، فقد وصل "بركات" الى
درجة عالية من الإتقان والقدرة على نقل الأحاسيس والتحكم في كل التفاصيل،
كذلك إهتم كثيراً بالإيحاء والتعبير عن الواقعية كصوت وصورة، الي حد
إصراره على أن يتم التنفيذ على الطبيعة، من حيث التصوير وتسجيل الصوت
أيضاً.. كما أنه في سبيل ذلك، زار عدة مناطق في الريف وأتاح لـ"فاتن
حمامة" أن تختلط بالفلاحات للتعرف على أسلوب حياتهم ونوعية لباسهم ودراسة
اللهجة الريفية وإجادتها.
ثم أن قيادة "بركات" لهذا الحشد الكبير من الممثلين والكومبارس، إضافة الي
فريقه الفني، قد أكد قدراته وإمكانياته في السيطرة التامة على مجمل العمل
الفني.. فبالتسبة للتمثيل، فقد كان يمتاز بالطبيعية والتلقائية والبساطة، سواء كان بالنسبة للأدوار الرئيسية أو الثانوية أو حتى على مستوى
المجاميع.. فقد كان في الفيلم، إضافة الى "فاتن"، ممثلين كبار، أمثال:
زكي رستم، عبدالله غيث، حسن البارودي، عبدالعليم خطاب، عبدالسلام محمد، حسن مصطفى، وغيرهم من عمالقة التمثيل المصري.
وهناك أيضاً التصوير، والذي ـ كما أشرنا ـ تم بأكمله في المواقع الطبيعية
بعيداً عن أي ديكور مصطنع.. وقد نجح مدير التصوير "ضياء المهدي" في تقديم
كادرات معبرة وتكوينات جمالية قوية، ساعده في ذلك إختياره الموفق لزوايا
التصوير وحجم الكادرات. كما ساهمت الموسيقى التصويرية، الى حد كبير، في
التعبير الدرامي عن الأحداث وذلك بإستخدام أنغام ريفية مناسبة، تعزفها
آلات ريفية صميمة كالناي والأرغول والطبول، حيث أقنعنا مؤلف الموسيقى
"سليمان جميل" فعلاً بملائمة هذه الآلات للتعبير عن أدق الأحاسيس والمشاعر.
إن فيلم (الحرام) سيظل عملاً فنياً خالداً، يقترب كثيراً من الكمال!!
وهذا مما جعله مؤهلاً لأن يُشرِّف السينما المصرية عندما عرض في مهرجان كان
الدولي عام 1965، فقد حضي بإعجاب وإهتمام النقاد والجمهور في هذا المهرجان.
فقد كتبت جريدة "لوموند" الفرنسية عن الفيلم، وقالت:
(...لقد أثار فيلم
الحرام للمخرج بركات إهتماماً خاصاً.. كان من الممكن لهذا الفيلم أن يكون
مجرد فيلم ميلودرامي، إلا أن المخرج لم يقع في هذا الخطأ، لماذا؟ لأنه
حافظ على الواقعية في الفيلم.. إنه يعطينا سجلاً للحياة اليومية في قرية
صغيرة.. وتصوير البطلة يعكس بإستمرار ما يعانيه هذا المجتمع، فهي رمز
للمجموعة وهذا هو ما أعجبنا في الحرام...).
وفي جريدة "الآداب" الفرنسية، كتب الناقد الفرنسي "جورج سادول" يقول:
(...إن فيلم الحرام مفاجأة طيبة، بعدما إعتدنا علي ما نراه من أفلام مصرية
في المهرجانات السابقة، ويشاركني هذا الرأي كثيرون أعجبوا بالواقعية التي
عرض بها الفيلم الحياة اليومية في قرية مصرية...). |