(ملك
وكتابة)، للمخرجة كاملة أبو ذكرى، يعد من بين الأفلام المصرية
القليلة التي استمتعت بمشاهدتها خلال السنوات العشر الأخيرة.. مع
أن هذه المشاهدة قد تأخرت كثيراً، باعتبار أن الفيلم من إنتاج عام
2006 وعرض في صيف 2007. عرض مؤخراً على القنوات الفضائية أكثر من
مرة، وشاهدته ثلاث مرات، خلال شهرين فقط.
تدور
أحداث الفيلم (الذي كتبه الثنائي أحمد الناصر وسامي حسام)، حول
أستاذ التمثيل المسرحي الدكتور محمود (محمود حميدة)، الصارم
والملتزم بالنظام والمواعيد في تعامله مع طلابه في المعهد، وحتى في
حياته الشخصية والعامة، في البيت والشارع. وهو متسلط في الرأي
معتقداً بأنه على حق. وبسبب ضروفه هذه، نراه منشغلاً بعمله، ليس له
أصدقاء ولا يعرف من الحياة سوى العمل والمنزل.. حتى علاقته بزوجته
(عايدة رياض) تبدو علاقة جامدة، بل ميته، وكل منهما يعيش عالم
لوحده ومنشغل عن الآخر. وهو مقتنع وسعيد بحياته هذه، أو هكذا يبدو.
إلى أن يكتشف بالصدفة بأن زوجته تخونة، عندما يداهمها مع عشيقها في
الحمام.
هذا
الموقف، يكون سبباً لتغيير جذري في حياته.. حيث تكون الصدمة قوية
باعتباره العارف بكل شيء، فبعد معاناة ومرحلة صراع وبحث عن الذات
واعتزال للحياة لفترة، بعد أن طلق زوجته وأقام في شقة صديقه وزميله
في العمل الدكتور عبده (لطفي لبيب)، ويبدأ بالتردد على المقاهي،
ويتعرف على روادها لتمضية الوقت، ويحدث هذا التحول التدريجي في
شخصيته، وخصوصاً بعد أن يتعرف على الممثلة الشابة هند (هند صبري)،
التي يتصادف وجودها في نفس المقهى الذي يتردد عليه. وبالرغم من
بداية العلاقة الحرجة بينهما ورغم فارق السن بينهما، إلا أنهما
يصبحان صديقين قريبين، وتزداد علاقتهما تألقاً، ويؤثر كل منهما في
الآخر بشكل إيجابي. حيث تنجح هند في أن تفتح له آفاقاً أخرى
للحياة، من خلال صدقها وجمالها وطبيعتها وتوازن عواطفها، لتتهاوى
قناعاته القديمة، ويكتشف عالم السينما من خلالها، ويصل إلى قناعة
بأن الإنسان بما ينجز مهما كان صغيراً. ينطلق في علاقته بهند،
ويعيش حياته بلا ممنوعات، ليشعر بطعم الصداقة الحقة، من خلال تلك
الفاتنة بعفويتها فتنتها الطاغية.
أن
يعالج فيلم مصري علاقة الصداقة بين رجل وإمرأة، فهو أمر لم يألفه
المتفرج عندنا، هنا في فيلمنا هذا نتابع تلك العلاقة الصعبة
والجميلة بين هند والدكتور محمود والتي يملؤها بمشاعر السعادة
والفرح والثقة والاحترام.. علاقة براقة ليس دافعها الانجذاب
الجنسي، يؤكدها الفيلم من مشهد إلى آخر، من خلال لقطات في معظمها
متوسطة أو متوسطة قريبة، للإيحاء بالحياة الجديدة لهذا الأستاذ
المتزمت..!!
شخصيات
فيلم (ملك وكتابة) تنتمي جميعها إلى الطبقة الوسطى، وتعمل في
مجالات الفن.. فالدكتور يعمل في تدريس التمثيل، وزوجته تدرس
الموسيقى، وصديقه زميله في التدريس، وهند المنطلقة ممثلة ناشئة،
وحبيبها مصور فوتوغرافي، وبالطبع أصدقائها ممثلون ومثقفون.
(ملك
وكتابة) فيلماً عن السينما، عن العاملين بها وعن محبيها، عن
جمالياتها، وهو في نفس الوقت تحية للسينما الجادة، السينما التي
ينتمي إليها هذا الفيلم.. السينما المصرية الجديدة، والتي بدأت
كتيار مع بداية الثمانينات، تلك السينما التي تابعناها واستمتعنا
بها، والتي قدمها جيل محمد خان وخيري بشارة ومعهما فرسان آخرين
صنعوا معاً تياراً سينمائياً مهما.. هنا يسجل صناع فيلم (ملك
وكتابة) التحية لهذه السينما من خلال استضافته لهذين المخرجين
ومعهما زميلهما مدير التصوير والمخرج طارق التلمساني ضمن أحداث
الفيلم، ليسجل هذه الشهادة الواضحة بأن تلك السينما التي صنعوها
مازالت باقية ومستمرة.
تبدأ
المعالجة السردية للحكاية غير المألوفة في السينما المصرية،
بمتابعة الشخصية المحورية الأولى، حيث أستاذ التمثيل الذي يخاف من
التمثيل، ومتزمت في تدريسه، ونراه يخاف من الحب أيضاً ليتصور زوجته
مثالية ومستوعبة لكل أبعاد شخصيته، ونراه يحكي عن تطابق الجوهر مع
المضمون، إلا أننا نكتشف بأن جوهره يعكس خواء وفراغاً. حيث أنه
العارف بكل شيء ولا يقتنع بأي رأي ما لم يكن متماشياً مع آرائه
الكلاسيكية المتزمته، متلسط وسادي يعيش حياة خاوية وتقليدية. كل
هذا جسدته المخرجة كاملة أبو ذكرى بلقطات من الأسفل إلى الأعلى
لتوحي بالغرور والتعالي، مع استخدامها للقطات البعيدة.
أما
الشخصية المحورية الثانية، هي شخصية هند الفتاة الطموحة والمنطلقة،
والواثقة من نفسها، تعيش يومها ببساطة وتلقائية، وهي على علاقة
عاطفية بالمصور حاتم (خالد أبو النجا)، وهو شاب ثري لاه كسول
يعشقها، ولكنه يكتفي معها بعلاقة حرة بعيداً عن الزواج، تختلف معه
كثيراً، وتحاول أن تغيره. في الجانب الآخر، تنجح هند في تغيير حياة
الدكتور محمود، حيث تدخله في عالمها، عالم التمثيل، بل وتجعله يقوم
بالتمثيل في السينما في أدوار صغيرة. كما تعرفه على أصدقائها. وهو
بالمقابل يتعايش مع هذا العالم الجديد، متجاوزاً بعض العقبات
الصغيرة.
في
فيلم (ملك وكتابة) هناك أداء تمثيلي خلاق يحيط بك إثناء المشاهدة،
أداء يجعلك في حالة غريبة من السعادة، يتألق فيه الجميع، شخصيات
رئيسية وثانوية.. على رأس هذه المجموعة، المبدع محمود حميدة، من
خلال تجسيده لمشاعر وحالات متناقضة، فيما بين الحزن والفرح، الغضب
والضحك.. يذكرنا حميدة كثيراً بالنجم رشدي أباظة في سنوات تألقه.
أما هند صبري، فهي المتألقة في دور جميل، أعطته الكثير من روحها
لكي نشعر بتلك الحيوية للشخصية.. دور استحقت عليه الجوائز والإشادة
في كل مكان يعرض فيه الفيلم..!!
|