الرغبات المكبوتة التي تحتوينا
بعد
مشاهدتنا لفيلم "ويجا".. وباعتبار أن هذه المشاهدة جاءت ممتعة.. راودني
ذلك الإحساس الجميل بأن هناك أفلاماً مصرية تسعى إلى تقديم سينما
متطورة تقنياً.. وعندما نقول تقنياً.. نعني بذلك الصنعة ومدى إمكانية
المخرج في صنع فيلم يقدم المتعة السينمائية والقدرة على التوصيل الصحيح
للمتلقي.. هذا المتلقي الذي مل من أسلوب المط والتطويل والفبركة
السينمائية.. هنا في "ويجا".. نشعر بتنفيذ مشاهد قوية ومحسوبة بعناية
لتصل إلى المتلقي بالشكل الصحيح. هذا بغض النظر عما جاء في الفيلم من
مضمون وأفكار.. فالسينما متعة بالمقام الأول.. كيف تصنع فيلماً يشير
إلى قضيته بأسلوب مشوق وممتع.. هذا ما إنتبه له المخرج خالد يوسف في
تنفيذ فيلمه.. بل ونجح في شد إنتباه المتلقي إليه منذ اللقطة الأولى
إلى الأخيرة.
مشهد نهائي.. لقطة ذكية
طلقات رصاص أربع.. تدوي
في مشهد النهاية.. لتتركنا نلهث مع بطل الفيلم.. وتهيئنا لمأساة درامية
أخيرة.. ماذا حصل للأصدقاء الأربعة..؟! هل حصلت الكارثة.. هل هناك
جريمة..؟! إلا أن المخرج آثر أن ينهي المشهد بلقطة كبيرة ثابتة تبين
ملامح الخوف والفزع على وجه البطل.. ليترك للمتلقي التعايش مع أحداث
سبقت وعلاقات أدت إلى كارثة.. علاقات مفككة تفتقد إلى الحب والثقة وعدم
القدرة على المغفرة.. وعلاقات من هذا النوع لابد أن تنتهي بمأساة
درامية.
الفيلم يقدم لنا من
خلال أحداثه دراما نفسية تتناول علاقات إجتماعية وعاطفية تبدو منذ
الوهلة الأولى بأنها غير حميمية.. وكأنه يقول لنا تابعو.. لتتكشف لكم
شيئاً فشيئاً.. وتثير فيكم أسباب هشاشتها..!!
تحكي أحداث الفيلم عن
أصدقاء يذهبون للإستجمام على شاطيء البحر.. ويصادف أن يلعبو لعبة الـ"ويجا"..
تلك المعتمدة على استدعاء روح ما لسؤالها وتتبع حركتها وإجاباتها. و"ويجا"
لعبة غربية.. ولكن صانع الفيلم هنا نجح في تجسيدها على مجموعة من
الأصدقاء.. حيث تفجر هذه اللعبة مجموعة من الهواجس والأفكار الكامنة في
العقل الباطن للشخصيات.. وينجح السيناريو في إسقاط تلك الأقنعة وكشف
الأمور المخفية في علاقاتهم هذه، إجتماعية كانت أو عاطفية، بشكل نفسي
بعيداً عن الزيف الذي كان يلف تلك العلاقات.. لتتضح فيما بعد وبشكل
جلي، حقيقة هذه العلاقات وما وصلت إليه من مواجهات حادة مع بعضهم
البعض.
الفكرة التي طرحها
الفيلم.. تتمثل في تلك الرغبات المكبوتة التي تحتوينا، وإلى أي مدى
نستطيع مقاومتها.. ثم فكرة التسامح مع أخطاء الغير في مقابل أخطائنا..
ومهما اختلفنا مع ما طرحه الفيلم من أفكار وقضايا إجتماعية.. إلا أننا
لا نختلف معه في طريقة عرضه لكل هذه الأفكار سينمائياً.. فقد نجح خالد
يوسف في تقديم دراما مشوقة من خلال تعامله مع مع حركة كاميرا سلسة
وقدرة على إدارة ممثليه وتوظيف المونتاج والاضاءة في خدمة الدراما بشكل
يتناسب والأحداث، فضلا عن نجاحه في تنفيذ الخدع السينمائية بالتصوير
اللماح الذي أداره سمير بهزان، من خلال لقطات مدروسة بعناية وحذر بها
الكثير من الذكاء والحيوية والحركة.
السينما متعة بصرية
في فيلمه "ويجا" يصل
خالد يوسف إلى مرحلة مهمة من مشواره السينمائي.. حيث يقدم سينما راقية،
ويقدم تطوراً ملحوظاً في تعامله مع السينما كمتعة بصرية.. بعد أن قدم
ثلاثة أفلام قبل ذلك (العاصفة، جواز بقرار جمهوري، انت عمري).. وخالد
يوسف أحد تلامذة المخرج الكبير يوسف شاهين، حيث بدأ العمل معه عام 1990
من خلال فيلم «القاهرة منوّرة بأهلها» وبعدها شارك شاهين كمساعد
للإخراج وفي كتابة السيناريو لأفلام منها «المهاجر» و»المصير» و»الآخر»
و»سكوت حنصور» قبل أن يبدأ إخراج أول أعماله «العاصفة» في عام 2000
والذي حصل على جوائز عدة منها الهرم.
|