الغزو.. بين الخير والشر
الفيلم الأخير للنجمة المتألقة
نيكول كيدمان، كان تحت عنوان الغزو.. وهو عنوان
يثير الشكوك.. ويوحي بأنه عن الحرب، أو بالأحرى
الحروب الأمريكية في الشرق الأوسط.. حيث هذا
العام، ظهرت مجموعة من الأفلام الأمريكية تتناول
الحروب والسياسات الأمريكية في دول العالم الثالث.
إلا أن ما قدمه الفيلم يبتعد
كثيراً أو بعيداً عن العنوان والإيحاء الذي
أوصله.. فالفيلم يتناول موضوعاً للخيال العلمي..
حيث هذا الموضوع ليس جديداً على هوليوود والسينما
الأمريكية على السواء.. فقد شاهدنا ما شابهها
كثيراً..!!
يتحدث فيلم كيدمان عن مخلوقات
فضائية تهبط إلى الأرض على شكل نباتات غامضة تولد
شرانق تستولي على البشر حين ينامون.. وبالتالي
يكتسبون هذا المرض الذي يسيطر عليهم ويسلبهم
القدرة والإرادة، إضافة إلى نقل المرض عن طريق
العدوى بشكل سريع ومذهل.. وعلى البطلة (كيدمان)،
الطبيبة النفسية، أن تضل مستيقظة والعثور على
ابنها، الذي يحمل حصانة ضد المرض، إنقاذ البشرية
من هذا الوباء المخيف..!!
بشكل عام جاء الفيلم مخيباً للآمال
التي عقدت على نجمته الكبيرة كيدمان، والتي عودتنا
على مواضيع جديدة ومبتكرة.. وهي التي قدمت مجموعة
من الأفلام تعد من بين أفضل ما قدمته السينما
الأمريكية في السنوات العشر الأخيرة.
صحيح بأن الفيلم جاء في حالة
مقبولة من ناحية الحبكة والسرد الدرامي، إضافة إلى
الإثارة والتشويق.. إلا أن كل ذلك لم يشفع له
كثيراً.. حتى مع تواجد النجمة نيكول كيدمان، والتي
حملت على عاتقها فيلماً بأكمله.. رغبة من صناع
الفيلم من استثمار هذه الشهرة للنجمة لدى جمهورها
العريض.. إلا أن وجودها أيضاً لم يشفع للفيلم..
ولم ينجح في الاستحواذ على المتفرج..!!
في هذا الفيلم، نرى بأن التوليفة
التقليدية الهوليوودية حاضرة بقوة.. الصراع بين
الخير والشر، وانتصار الخير في النهاية.. ولكن هذا
الصراع نشاهده في هذا الفيلم دون وعي أو رؤية
فكرية، تساهم في إعطاء فكرة عن طبيعة وعمق هذا
الصراع بين البشر (الأخيار) وغير البشر
(الأشرار).. حيث يطلق الفيلم إشارات هنا وهناك،
حول الحروب وآثارها على الإنسان، وطبيعة البشر
الشريرة، التي يجب مواجهتها بعنف.. كما يشير إلى
الحرب الأمريكية في العراق في بداية الفيلم
ونهايته.. دون الدخول في تفاصيل وإيحاءات لهذه
الإشارات.. (في أخبار التلفزيون.. نشاهد الرئيسان
شافيز وبوش يتصافحان بحرارة.. وخير يتحدث عن
استتباب الأمن في العراق بين السنة والشيعة.. في
إشارة إلى أن السلام قد تم في العالم، وانتهت
الحروب الأهلية ومخاطرها)..!!
شخصياً.. لم يعجبني الفيلم كثيراً،
بالرغم من وجود نجمتي المفضلة فيه.. لم أشاهد (بنت
كيدمان) كما عهدتها.. لم أشاهد ذلك الأداء الفاتن
الذي يأتي من داخلها.. كانت جسداً وجمال خارجي
فقط.. وهذا في تصوري نابع من ضعف رسم الشخصية
أساساً.. الشخصية لم تكن تعبر عن مشاعر وأحاسيس
داخلية، ولم تكن (كطبيبة نفسيه) تعالج قضية الفيلم
بشكل يثير الكثير من الأسئلة.. نشاهدها تنتقل من
مشهد إلى آخر، ومن مكان إلى آخر، إلى أن ينتهي
الفيلم.. أين تلك الأحاسيس والمشاعر التي يمكن أن
تصعد من دراما الفيلم وأحداثه.. كيف لنا أن
نشاركها هذا الهم التي هي فيه، دون مشاركتنا
لمشاعرها وردود أفعالها.. وهذا كان حال بقية
الشخصيات في الفيلم..؟!
الغزو.. شروط التجارة
قصة فيلم (الغزو ـ 2007)، التي
كتبها جون فيني، أصبحت من كلاسيكيات أدب الخيال
العلمي، حيث قدمت الرواية ثلاث مرات قبل الآن..
فبعد نشر الرواية الأصلية بعام واحد فقط، أي في
1956.. تحولت إلى السينما على يد المخرج دون سيغال
بعنوانها الأصلي وهو (غزو ناهشي الجسد).. ثم قدمها
المخرج فل كوفمان عام 1978، مرة أخرى.. وفي عام
1993، جاء الإقتباس الثالث على يد أبل فيريرا تحت
عنوان (غزاة الجسد).
فيلم (الغزو) لبنت كيدمان، أخرجه
الألماني أولير هيرشبيغل، وهو الذي لاقى فيلمه
الأول (السقوط)، شهرة عالمية، وصل مداها إلى
هوليوود.. ذاك الفيلم الذي تحدث عن الأيام الأخيرة
من حياة الزعيم الألمان أدولف هتلر.. وقدم فيه هذا
الزعيم التاريخي الاستثنائي على نحو يختلف فيه
تماماً عما فعله غالبية المخرجين حين تعرضوا
لسيرته..!!
عموماً.. هذه الشهرة العالمية
للمخرج الألماني من خلال فيلمه الأول، أوصلته إلى
هوليوود، من خلال المنتج الأمريكي جوول سيلر،
عندما تقابلا في مهرجان برلين السينمائي عام
2005.. حيث عرض عليه مشروعان، اختار أحدهما وهو
(الغزو)..!!
إلا أن الشركة الأمريكية المنتجة
للفيلم (وورنر)، لم يعجبها ما كان يفعله المخرج
الألماني أثناء تصوير هذا الفيلم، لذا انتظروا حتى
ينتهي من التصوير، وبعدها استبعد عن الفيلم
تماماً، وتم الاستعانة بمخرجي سلسلة فيلم (ماتريكس)،
أندي ولاري ووشوسكي، ثم بالمخرج جيمس ماكتيغ
لإعادة كتابة بعض الفصول وإعادة تصوير العديد من
المشاهد.. إضافة إلى رفع ميزانية الفيلم من 50 إلى
80 مليون دولار..!!
وبالرغم من كل هذا، فلم تكن الشركة
المنتجة راضية عن العمل، بعد وصوله لمراحل إنتاجه
النهائية.. لذا رأت تأجيل عرضه عاماً كاملاً،
والاستعداد بشكل أفضل للإعلان والدعاية له على
النحو الهوليوودي..!!
أعتقد.. بأن الشركة المنتجة
بخبرتها الطويلة في هذا المجال، كانت تشعر بمدى
ضعف الفيلم، لذلك نراها قد عملت المستحيل
لإنقاذه.. إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل.. حيث
لم ينجح الفيلم في شباك التذاكر، ولم ينافس تلك
الأفلام الشبابية التي عرضت هذا الصيف.. لم يجني
سوى ستة ملايين في أسبوعه الأول.. بينما فيلم (سوبرباد)
الكوميدي، الذي لا يحمل أي قيمة في مضمونه سوى أنه
فيلم للمراهقين، قد حقق 31 مليون (وهي ميزانية
الفيلم الإجمالية) في أيام عرضه الثلاثة
الأولى..!!
فيلم (الغزو).. يعد تراجعاً للوراء
بالنسبة لمشوار النجمة نيكول كيدمان.. كما أنه لا
يتناسب ومستوى فيلم المخرج الألماني الأول
(السقوط).. الفيلم الجديد لكل منهما هو بمثابة
رؤية ناقصة لأشياء كثيرة، أراد الفيلم الحديث
عنها، ولكنه أخفق في الوصول لهدف واضح من كل ما
قاله.. مستسلماً لشروط السينما كتجارة على السينما
كفن..!!
|