كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

مهرجان "كانّ" الـ 70:

العنف كلغةٍ سينمائية

كان ـ نديم جرجوره(*)

مهرجان كان السينمائي الدولي

الدورة السبعون

   
 
 
 
 

تتميّز أفلامٌ عديدة، مُشاركة في الدورة الـ 70 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2017) لمهرجان "كانّ" السينمائيّ الدوليّ، بـ 3 ميزات: سِيَر حياتية لشخصيات عامّة، بتنويعٍ بصريّ يكشف معالم مغايرة لمألوفٍ كثيرٍ في مقاربة حيواتها وأعمالها ومساراتها وسلوكها؛ واقتباس رواياتٍ، لن يتمكّن مقتبسون سينمائيون من تحويل المكتوب إلى مرئيّ مثير للاهتمام، دائماً؛ وقراءة بصرية للعلاقة بالآخر، بحثاً في متاهاتها وتفاصيلها، أو سعياً إلى تمتينها وكشف إيجابياتٍ مختلفة فيها.

بعض هذه الميزات متداخل فيما بينها، كأن تُقتبس السيرة من أدبٍ (غالباً من رواية)، أو كأن تختصّ السيرة بجماعة أو بجمعية، فتُبتكر حكايات جانبية لتمتين النصّ الأصلي، قبل أن يسقط الصنيع السينمائيّ في فخّ الثرثرة والتكرار، وإنْ يرى البعض في الفخّ حجّة لمزيدٍ من الضرب على الوتر الحسّاس.

ميزات سينمائية

العنف، بدوره، حاضرٌ. وهو ـ إذْ يُعتَبَر إحدى أكثر الـ "تيمات" جذباً للسينمائيين، لهوسٍ به، أو لشدّة تمكّنه من أفرادٍ ومجتمعات وثقافات وأساليب عيش ـ يتنوّع في "كانّ"، سينمائياً، بين مبطَّن يتمدّد بهدوء في الاتجاهات كلّها، والانكشاف سريعاً عبر صُوَرٍ ساحرة، أحياناً، بفضل جمالياتها التصويرية والتعبيرية.

السير الحياتية، كما العنف والاقتباس السينمائي للأدب، ميزات تصنع جزءاً أساسياً من السينما. العلاقة بالآخر حاضرةٌ، بدورها، خصوصاً بعد 11 سبتمبر/ أيلول 2011، الذي يوصف بكونه "فاتح عصرٍ دوليّ جديد"، يرتكز على عنف متجدّد ومختلف الأشكال والتعابير أولاً، ومحاولات فهم الآخر وتقبّله ثانياً. لكن بعض عناوين الدورة الـ 70 لـ "كانّ" لن تكون انعكاساً للاعتداء الإرهابيّ على الولايات المتحدّة الأميركية، في ذاك اليوم المشؤوم، لانهماك صنّاعه بالبحث في معنى التواصل مع الآخر، أو نبذه، وفي كيفية تمتين التواصل معه، أو مواجهة نبذه.

أفلام الدورة الـ 70 هذه تُكمِل، بأنماطٍ مختلفة، تقليداً إبداعياً، يتّخذ من حياة شخصية عامة، أو مقتطفات منها، ما يراه صانع الفيلم مناسباً لمزاجٍ أو تأمّل أو تفكير أو موقف. أو يتّخذ من الأدب حجّة لبلوغ ما هو خلف المكتوب، أو عمقه، أو بين أسطره. هذا منسحبٌ على "تيمات" أخرى أيضاً، إذ إن جمالية بعض تلك الأفلام كامنةٌ في التفنّن البصري في التلاعب بالأنماط وأشكالها، بهدف تحرير الصنيع السينمائيّ من قبضة التقليد أو الكلاسيكية، أو بهدف تجديد المجدَّد. لذا، تُصبح المُشاهدة شريكاً في صناعة الصورة، لشدّة ما في بعض العناوين من حيوية والتباسات ودوافع لمزيدٍ من التأمّل، وإنْ ينصبّ التأمّل على سيرة أو اقتباس أو علاقة بالآخر.

فيلما "باربارا" لماتيو آمالريك (افتتاح "نظرة ما") و"رودان" لجاك دوايون (المسابقة الرسمية)، نموذجان مختلفان، أحدهما عن الآخر، في مقاربة السيرة الحياتية؛ لكنهما يمتلكان مشتركاً معقوداً على احتواء جمالي لسيرة توهم مُشاهدها بأنها "كاملةٌ"، قبل أن يكتشف المُشاهد أن لكلّ فيلم منهما تحديدات مبطّنة، يُبنى عليها السرد، لبلوغ جمالية سينمائية في اختراق جسد الشخصية وروحها، كما في اختراق المحيطين بها، وآلية ارتباطهم بها.

"120 دقّة في الدقيقة" لروبن كامبيّو (المسابقة الرسمية) مثلٌ عن تحقيق "عمل سيرة حياتية"، يخرج من عباءة الفرد/ الشخصية العامّة، إلى ما هو أوسع بقليل: جماعة فاعلة في الاجتماع الفرنسي، مطلع تسعينيات القرن الـ 20، فتنعكس ـ بالصُور والمعالجة والسرد ـ جوانب من حكايات أناسٍ، يناضلون من أجل حقّ إنساني وأخلاقي وعلمي واجتماعي، يُراد له تغييبٌ، أو يُواجَه بلامبالاة. أما "الرهيب" لميشال أزانافيسيوس (المسابقة الرسمية أيضاً)، فيستعيد فصلاً من سيرة السينمائيّ السويسري/ الفرنسي جان ـ لوك غودار، يتمثّل بعلاقته بآن فيازيمسكي.
سرد سينمائي لا تدريسي

هذه أفلام فرنسية الإنتاج. أمثلة تعكس شيئاً من حيوية النصّ المفتوح على حكاياتٍ وحالاتٍ، والمنبثق من مفهومٍ للصورة، يقضي بجعل المتتاليات البصرية سرداً سينمائياً، لا روايةً تاريخية تدريسية. المحتوى السينمائي، كمعالجة ولغة ومونتاج وأداء وموسيقى ومناخات درامية، لن يكون متساوياً، فنياً ودرامياً، في الأفلام كلّها. الاختلاف موزّع بين توهانٍ حول حبكة غير واضحة المعالم السردية أو المنافع البصرية (الرهيب)، وإطالة غير مُجدية، لاحتوائها على تكرارٍ غير قادرٍ على تقديم أي جديدٍ إضافي على ما قيل، رغم أهمية ما قيل (120 دقّة في الدقيقة)، وتكثيف جماليّ مبنيّ على براعة تمثيل، وتوليف يُخضع السرد لمسار الزمن (رودان)، أو يتيح للمخرج أن يتلاعب بالتداخل الملتبس والجميل بين الشخصيات والممثلين/ الممثلات والأحداث والانفعالات (باربارا).

الاقتباس لعبة تتداخل والسِيَر الحياتية، إذْ يُخضِعان ـ معاً ـ "المادة" المختارة لسلطة السينمائيّ، الباحث عن امتداد له في نصّ ليس له، أو في شخصية ليست شخصيته، أو في حدثٍ مؤثّر به، أو ربما لمجرّد التمتّع بإنجاز صنيع كهذا. التداخل بين النوعين يُشير إلى حيوية المكتوب في اختراع صُورٍ، يتلقّاها السينمائيّ مُضيفاً إليها حساسيته البصرية. علاقة غودار بفيازيمسكي ـ أثناء تصوير الأول "الصينية" (1967) ـ تجمع السيرة بالاقتباس: فالمرحلة الخاصّة بتلك العلاقة تعكس محطة من سيرة المخرج، استناداً إلى "بعد عام" (2015) لفيازيمسكي نفسها، الكاتبة والمخرجة والممثلة الفرنسية، المولودة في برلين عام 1947. والكتاب رواية: هذا يعني أن الاقتباس منخرطٌ، هو أيضاً، في تلك الخانة السينمائية، التي تعتمد على أدبٍ يروي وقائع، أو على نصوص تعكس حقائق، وإنْ تُروى بعض هذه الوقائع والحقائق من وجهة نظر كاتبها، كصناعة الفيلم.

لكن الارتباك في تصوير العلاقة، وإنْ تكن منقولة عن نصّ أدبي، تتناقض ووضوح الرؤية السينمائية لآمالريك، إزاء المغنية باربارا. ففي مقابل ارتباك أزانافيسيوس في مقاربته تلك العلاقة، يُمسِك آمالريك بخيوط اللعبة كلّها، كاسراً الحدود بين الواقع والمتخيّل، وجاعلاً الحبّ نواة الحكايات: حبّ المخرج للمغنية (باربارا)، وللممثلة (جاين باليبار) من جهة أولى، وحبّ شخصية المخرج داخل الفيلم (آمالريك نفسه) بممثلة دور باربارا، التي تؤدّيها شريكة حياة مخرج "باربارا"، ماتيو آمالريك، وأم ولديه (باليبار)، قبل سنين طويلة، من جهة ثانية.

جاك دوايون مكتفٍ بأبحاثه الخاصّة بالنحات الفرنسي أوغست رودان، وبعالمه الفني وحياته الشخصية، وبصخب علاقته الحادّة بكاميل كلوديل، مساعدته ومُلهمته، قبل أن تتحوّل إلى عشيقته. مع هذا، لن تكون كلوديل (إزيا هيجُلان) سيدة الفيلم، بل رودان (فانسان ليندون)، بلحظات عمله، وبهيامه بعشيقته، وبمآزق عائلته، وبمواجهته سلطاتٍ يريد أصحابها منه أعمالاً تتلاءم والمعتقد السائد، قبل أن يرضخ لمشيئةِ إبداعه، مع شيءٍ من فذلكة الإبداع وحِيَله (تمثال بلزاك، مثلاً).

اشتغالات مختلفة

الأبحاث نفسها سيقوم بها روبن كامبيّو، المناضل السابق في جمعية "آكت آب ـ باريس"، المنبثقة من الجمعية الأميركية نفسها. أي أن ما يرويه كامبيّو في "120 دقّة في الدقيقة" لن يكون سيرة حياتية بشكلها التقليدي، القابل لكلّ تجديد ممكن، لأنه يُحدِّد مرحلة، وجمعية، ومكاناً: مطلع تسعينيات القرن الـ 20، في باريس تحديداً، وحراك مدنيّ لنشر الوعي إزاء مآزق أناسٍ مُصابين بـ "مرض فقدان المناعة المكتسبة (سيدا)" في بدايات انتشاره (وإزاء المرض نفسه أيضاً)، بل إنهم مُصابون بما أهو أسوأ: انفضاض المجتمع عنهم، لجهله بحقائق المرض وبكيفية مواجهته؛ وخضوع السلطات السياسية والعلمية والمعرفية لمصالح ونزاعات.

هذه سيرة بلدٍ واجتماع وأناس، وسيرة مرضٍ وسلوكٍ ومشاغل. والفيلم، إذْ يرتكز على مفهومٍ آخر للسيرة، ينضوي في إطار سؤال الآخر، أيضاً، وكيفية قبوله والتواصل معه وفهمه ومحاورته. سؤال منبثقٌ من تلميح تييري فريمو، المندوب العام لمهرجان "كانّ"، بأن أفلاماً عديدة مُشاركة في الدورة الـ 70 معقودةٌ عليه. بالإضافة إلى ذلك، فإن "120 دقّة في الدقيقة" ـ رغم وقوعه في التكرار والإطالة (في مقابل موضوعه المهمّ) ـ يرسم ملامح من العنف، بشكليه المبطّن والعلني، عبر تصرّفات بعض أعضاء الجمعية إزاء كيفية المطالبة بحقوقهم، وآلية العمل، وقواعد الاشتباك مع المسؤولين.

والعنف، بمعنى آخر، سيظهر بشكل مضمر في العلاقات المعقّدة والمتشابكة داخل عالم "باربارا"، ومناخ "رودان"، وفضاء "الرهيب". فالعنف ماديٌّ، لكنه لن يكون أساسياً. والعنف قاسٍ، لكنه لن يُترجم بفعل جُرمي، أو غير جرمي، بقدر ما يُعلن عن توتره وجنونه بأشكال تتراوح بين الصراخ والضجيج، والتعبير الصامت عن أدواته.

لكن، أليس العالم برمّته، ماضياً وحاضراً على الأقل، رازح تحت وطأة العنف، بأشكالٍ وأدوات ولغة ومنطق، تتبدّل بين عصرٍ وآخر، لكنها تبقى سمة فردٍ، وبيئة، واجتماع؟

 (*) ناقد سينمائي من أسرة "العربي الجديد"

ضفة ثالثة اللندنية في

26.05.2017

 
 

فيلمان عربيان في برنامج "نظرة ما" في مهرجان "كانّ": العيش المرتبك

كانّ ــ نديم جرجوره

فيلمان عربيان يُعرضان في برنامج "نظرة ما"، في الدورة الـ 70 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2017) لمهرجان "كان" السينمائيّ الدوليّ: "على كفّ عفريت" للتونسية كوثر بن هنيّة (1977)، و"طبيعة الحال" للجزائري كريم موسوي (1976). وإذْ يأتي "على كفّ عفريت" بعد 3 أفلام طويلة لبن هنيّة، فإن "طبيعة الحال" هو الأول لمخرجه. لكن الاختلاف بينهما لن يبقى أسير هذا فقط، لأن التناقض ـ البصري والدرامي والتمثيلي والجمالي ـ حاصلٌ بشدّة، وكلّ مُقارنة بينهما لن تكون في صالح الإنجاز الأول لموسوي.

وإذْ تستمرّ كوثر بن هنيّة في تفكيك بُنى اجتماعية ونفسية وسياسية، وإنْ يُفكَّك بعضها بشكل مبطّن، ضمن طيات السرد الجمالي والحكائيّ لقصص إنسانية، مستلّة من وقائع العيش اليومي، ومن حكايات أشخاص حقيقيين؛ فإن الميزة الوحيدة لعمل كريم موسوي تكمن في تقديمه صُوراً حسّية عن البؤس اليومي في حياة جزائريين، وعن شقائهم في راهنٍ غارقٍ في التمزّق والانهيار.

ولأن "على كفّ عفريت" يتمتّع بسمات سينمائية عديدة، تُعين على التغاضي عن هناتٍ تتصل بأداءٍ، أو إدارةِ تمثيلٍ في بعض المشاهد، أو تنفيذ هذا البعض؛ يُصبح كلّ كلام نقديّ محاولة لإضفاء مزيدٍ من متعة المُشاهدة، الممتدة منذ وثائقيها الوحيد، لغاية الآن، "الأئمة يذهبون إلى المدرسة(2010)، حتى "على كفّ عفريت" (2017)، مروراً بـ "شلاّط تونس" (2014) و"زينب تكره الثلج" (2016) اللذين يجمعان، بمزاجية سينمائية بديعة، الوثائقي بالروائي (لها أفلام روائية قصيرة أيضاً).

أما "طبيعة الحال"، فهو أول فيلم لمخرجه، ما يؤدي بأي كلام حوله إلى تخفيف حدّته، رغم أن الكمّ الهائل من الأخطاء المتنوّعة كفيلٌ باعتباره "مُسيئاً" للسينما. وهذا الكمّ نفسه يدفع إلى طرح سؤال عن كيفية إنتاجه ودعمه وتمويله من قِبل شركات وصناديق منح وبرامج تمويلية، في الجزائر وفرنسا وألمانيا ولبنان. فهل تكفي أهمية الموضوع لحصول المشروع على مساهمة عددٍ كبير من "الممولين ـ المنتجين"، بصرف النظر عن حجم الأموال المدفوعة، أو الخدمات الإنتاجية المُقدَّمة؛ أم أنّ "الرغبة في دعم أول عمل" أمرٌ حاسمٌ في هذا المجال؟

في الحالتين، يُمكن القول إن "طبيعة الحال" مُفكَّك، بدلاً من أن يُفكِّك الحالات التي يتناولها. وهو مُسطّح، بدلاً من أن يكشف عورات اجتماعٍ آيل إلى مزيد من الخراب. وهو متصنّع، بدلاً من أن يُعرّي التصنّع، الفردي أو الجماعي، في مسالك وأساليب عيش. في حين أن "على كفّ عفريت" يمتلك بنية درامية متماسكة، وسرداً فاضحاً، واشتغالاً بصرياً سوي الصُنعة، وإنْ يقع في مطبّات تقنية وأدائية (خصوصاً مريم الفرجاني)، لن تقف حائلاً دون التنبّه إلى التفكيك السينمائيّ لواقعٍ تونسيّ، في مرحلة لاحقة لـ "ثورة الياسمين".

فكوثر بن هنيّة تنطلق من "قصة واقعية" (كما تؤكّد في الـ "جينيريك")، كي تنقّب في أحوال أفراد ومؤسّسات، وفي أنماط تفكيرٍ يمارسه مسؤولو مؤسّسات رسمية وبعض موظّفيها. أما كريم موسوي فيستلّ من وقائع يومية 3 حكايات، سيكون أبطالها أكثر من شخصية واحدة لكل حكاية، من دون أن يلتقوا معاً، باستثناء لحظات عابرة، لا تُغني ولا تُفيد. حكايات أناسٍ يخنقهم راهنٍ موبوء بتناقضات وانهيارات، أو ماضٍ لن يكون التملّص منه سهلاً، وعلاقات تبدو هشّة وبطيئة.

في حين أن الشخصيات المتتالية، التي ستظهر خلال ليلة واحدة من حياة الشخصية الرئيسية التي تُدعى مريم (كاسم الممثلة)، ستتضافر في تحويل حادث اعتداء عليها إلى جحيمٍ أرضيّ، يكشف عورات المؤسّسات الأمنية وفسادها وبطشها، ويضع بعض الحالمين بالثورة أمام أوهام أو أكاذيب يفبركونها أو يصدّقونها. فالـ "طيبون" القلّة عاجزون، والـ "أشرار" الكثيرون يحيطون بالضحية، محاولين تحميلها "خطأ" الاعتداء عليها، في بلدٍ يعيش "على كفّ عفريت"، ويحتاج إلى "الأمن" لحمايته من الأخطار (بحسب رأي ضابط أمن).

####

إزيِا هيجُلان: كنت أحلم بالسير على السجادة الحمراء

كانّ ـ العربي الجديد

رغم تأديتها أدواراً سينمائية عديدة، منذ عام 2011، إلا أن المغنية والمؤلّفة والملحّنة الفرنسية (1990) تأتي إلى "كان الـ 70"، بمناسبة تمثيلها دور كاميل كلوديل، في "رودان"، للفرنسي جاك دوايون (1944)، المُشارك في المسابقة الرسمية. وكلوديل، مُساعدة النحات الفرنسي أوغست رودان، قبل أن تتحوّل إلى مُلهمته، فعشيقته. هي شقيقة الشاعر بول كلوديل

يروي الفيلم، في جزء أساسي منه، العلاقة الصعبة والقاسية بين رودان (فانسان ليندون) وكاميل كلوديل. ذلك أن دوايون مهتم بالنحات وأسلوب عيشه وانهماكه بمنحوتاته وتفاصيل يومياته

تقول هيجُلان إنها لم تُشاهد فيلمي "كاميل كلوديل(1987) لبرونو نويتّان، و"كاميل كلوديل، 1915" (2013) لبرونو دومان: "طلب جاك مني ألاّ أشاهدهما. ولأني لم أشاهدهما، لم تكن لديّ أية أوهام بخصوص تأدية الدور". تؤكّد أنها شاهدت كاميل كلوديل "كشابّة عاشقة"، وأنها تُدرك معنى عشقها هذا لرودان، لأنها، هي أيضاً، عرفت الحبّ عندما كانت في العمر نفسه لكلوديل. بالنسبة إليها، فإن لرودان شعوراً حقيقياً بالحبّ تجاهها: "أعتقد أنه فكّر بها دائماً. حتى النهاية، كان يُرسل المال إليها، ويسعى إلى إشراك أعمالها في المعارض الكبيرة. بالنسبة إليه، كانت كاميل مضطربة نفسياً. وعندما أُصيبت بـ "مرض جنون العظمة"، أصبحت مقتنعة بأنه يتجسّس على أعمالها". 

أما عن "كان"، فتروي إزيا هيجُلان أنها عبّرت عن حلمٍ يُراودها، عندما كانت تبلغ 13 عاماً، في موضوع إنشاء: أن تمشي على السجادة الحمراء، وتتسلّق درجات "قصر المهرجانات" في "كان". لكن المُدرِّسة نهرتها عن هذا، قائلةً لها إن عليها أن تصعد أولاً درجات الحياة، درجة درجة. تقول إن ردّها كامنٌ في تخلّيها عن الدراسة، وانصرافها إلى ما رأته مناسباً لها: الغناء والموسيقى، ثم التمثيل، والوصول إلى "السجادة الحمراء"، بعد 14 عاماً فقط.

####

"كان" في كتاب صُوَر: أعوام الأنوار

كانّ ـ العربي الجديد

لن تُختزل المطبوعات الصادرة بمناسبة الدورة الـ70 لمهرجان "كان"، بمجلات وصحف ومنشورات. زيارة إحدى مكتبات مدينة "كان" كفيلةٌ بكشف الاهتمام بالذكرى هذه، عبر كتب ذات طباعة فخمة، تجمع الصُوَر (بالأسود والأبيض، أو بالألوان) بنصوصٍ تستعيد غالبيتها محطات وحالات، مساهمة في كتابة نمطٍ آخر من تاريخ المهرجان، بضيوفه النجوم، ومسالكهم المتنوّعة، كما بلحظاته التي لا تُنسى

أحد تلك الكتب، الصادرة باللغتين الفرنسية والإنكليزية معاً، يحمل عنوان "مهرجان كان السينمائيّ" (منشورات "جيليتا"، نيس، 2017)، للثلاثي فيليب دوبوي وجان ـ فرنسوا روبو وجوليان كامي، يرتكز على صُور تؤرّخ الجانب المثير للدهشة والجمال والفرح، الذي يصنعه مهرجان "كان" عبر دوراته. الصُور أساسية. النصوص قليلة. الذاكرة حاضرة: فمنذ عام 1946، مع إطلاق المدينة الجنوبية الفرنسية مهرجانها السينمائيّ الحامل اسمها، يُفرض أسلوبٌ سيبقى أساسياً حتى الدورة الـ70. أسلوبٌ يجمع البريق الفاتن والمطلق بالاسترخاء، على خلفية أشجار النخيل والقصور

المؤلَّف الجديد هذا يستند إلى أرشيف بول لوي وأفراد عائلة ترافرسو، الذين سيُغطّون وقائع الدورات السنوية للمهرجان، خلال 30 عاماً، تبدأ منذ انطلاقته الأولى. فأعمال هؤلاء ستبقى إحدى أبرز شهادات "أعوام الأنوار" تلك: جاين مورو، الواقفة على طاولة عشاء في إحدى الولائم، احتفالاً بعرض Les Amants عام 1958 للوي مال؛ الثنائي "الأسطوري" رومي شنايدر وآلن دولون، "المفعم بشبابٍ مُبهر، وجمالٍ وقح" (كما في الكتاب)؛ راكِل والش، القادمة إلى "كان" بعد 20 عاماً على انطلاقته، فتُصيب بجمالها جيلاً كاملاً من المسحورين به، وهي تمنح المخرج كلود لولوش، البالغ يومها 28 عاماً، "السعفة الذهبية" عن فيلمه "رجلٌ وامرأة" (1966). 

للأميركيين حضورهم أيضاً، في المهرجان والمدينة والكتاب: جُوَان بايز، بيتر أوتول (الذي سيُصبح، عام 1962، "لورنس العرب"، بفضل ملحمة ديفيد لين)، بول نيومان، ستيفن سبيلبيرغ (الفائز بجائزة السيناريو، عن Sugarland Express، عام 1974)، فرنسيس فورد كوبولا (القادم، في دورة العام 1979، مع عائلته لتقديم "الرؤيا الآن"، ومرافقاً ـ في الوقت نفسه ـ جيسيكا لانغ، الممثلة في All That Jazz لبوب فوسي)، وأورسون ويلز ("السعفة الذهبية" عن "أوتيلّو"، 1952)، الذي سيحصل على تصفيق حاد لنصف ساعة، في ختام الدورة الـ36 (7 ـ 19 مايو/ أيار 1983) للمهرجان، فـ"يتلذّذ بهذا التكريس التاريخي".

####

احتفال "كان" الـ 70: "نعم لتنوير العالم"

كانّ ـ العربي الجديد

تُشكِّل الحفلة الخاصّة بالعيد الـ 70 لمهرجان "كان" إحدى اللحظات الساحرة في عالم الترفيه والاستعراض، كما في صناعة السينما

فالحفلة، المُقامة في "المسرح الكبير ـ لوميير" (2281 مقعداً)، ضمّت مئات النجوم، الذين عرفوا "كان" سابقاً، والذين فازوا بجوائز، والذين جاؤوا هذا العام بأمل الفوز بإحداها. 12 سينمائياً حصلوا على "السعفة الذهبية"، كانوا موجودين، ومنهم جاين كامبيون وكوستا ـ غافراس وكلود لولوش وكن لوتش وجورج ميلر ورومان بولانسكيوميشاييل هانيكه وآخرون

لكن الأضواء سُلِّطت على الممثلات اللواتي بدون كأنهنّ يتنافسن جمالاً وسحراً وألقاً، بأزيائهنّ ومجوهراتهن وأحذيتهنّ، بالإضافة إلى التنويع الواضح لتصفيف الشعر: كاترين دونوف ونيكول كيدمان وتشارليز ثيرون وإلّ فانينغ وغيرهنّ، في حين أن الممثلين أثاروا صيحات المعجبات أيضاً، ومشوا على السجادة الحمراء بهدوء، مع توقّف لحظاتٍ هنا وهناك، لإشباع فضول المُصوّرين الصحافيين، أمثال كريستوفر فالتز وويل سميث

إيزابيل أوبير وقفت إلى جانب المندوب العام للمهرجان، تييري فريمو، كسيّدة الاحتفال: "هذه نظرية يصعب إثباتها، لكني أعتقد أن الاحتفال بالذكرى السنوية يُعيد شبابنا إلينا". وعبّرت عن تمنياتها بخصوص الـ 70 عاماً المقبلة: "أن يستمرّ السينمائيون في التصوير لتنوير العالم". 

وهذا يُذكِّر بما قاله السينمائي الكندي كزافييه دولان، في "كان" عام 2014: "لنتشبّث بأحلامنا، لأننا نستطيع تغيير العالم". 

عريف الحفلة، الممثل، فانسان ليندون، ألقى كلمات مستلّة من أعمال ألبير كامو وأندره بازان وفاكلاف هافل، في حين أن السينمائي المكسيكي غيلّيرمو دل تورو تحدّث عن الاختلاف، الذي يستطيع أن يكشف عن "جمال العيوب وشِعْره".

العربي الجديد اللندنية في

26.05.2017

 
 

غودار مفترى عليه...

رودان خال من الصراعات ... باربارا في لعبة مرايا

«كان» (جنوب فرنسا) - إبراهيم العريس

حتى وإن كان مخرجون من طينة موريس بيالا عرفوا كيف يحققون أفلام سيرة تناولت حيناً حياة فنسان فان غوغ، وفي أحيان أخرى حياة إديث بياف أو موليير، لكي لا نذكر هنا سوى ثلاثة من الأفلام الفرنسية الأكثر نجاحاً في هذا المجال الذي لا بد من الاعتراف بأن الأنغلوساكسون يظلون أفضل من خاضه، يجب الاعتراف بأن هذا الفن السينمائي الشديد الخصوصية لم يثبت أبداً أنه فن فرنسي بامتياز. ولعل الحاجز الأول الذي يحول دون نجاح الفرنسيين فيه، يكمن في الحوار. فالسينما الفرنسية، وفي شكل عام، سينما ثرثارة تجعل للحكي الدور الأول والأهم في الفيلم، بينما نعرف أن سينما السيرة لا يمكنها أن تكون سينما حوارات! طبعاً، هناك عناصر أخرى عدة تتشارك في منع سينما السيرة من أن تشعر بالراحة في أحضان الصورة الفرنسية، ولكن حسبنا أن نتوقف هنا عند هذا الحد طالما أننا لا نخوض تحليلاً دراسياً حول الموضوع، بل هي مجرد إشارات مناسبتها مشاهدة ثلاثة أفلام في الدورة الحالية لمهرجان «كان» تدور كلها، وإن في أشكال متفاوتة ونجاحات غير متساوية، حول حيوات ثلاثة من الفنانين الفرنسيين بالتحديد ينتمون إلى ثلاثة أصناف من الفنون: النحات رودان، السينمائي جان لوك غودار والمغنية باربارا. ولئن كن نعرف أن لكل مشروع من هذه المشاريع الثلاثة صعوباته وحدوده، فمما لا شك فيه أن المشروع الأصعب كان ذاك المتعلق بغودار لمجرد أن الفيلم يحكي، روائياً، عن مبدع لا يزال يعيش بيننا. وهو أمر نادر الحدوث في مجال سينما السيرة.

وجهة النظر الغائبة

الفيلم الذي يتناول فصلاً من حياة غودار، كما بتنا نعرف اليوم، هو ذاك المعنون «المريع» وهو من إخراج ميشال هازانيفيسيوس وتمثيل لويس غاريل في دور غودار حين كان في السابعة والثلاثين من عمره وينتقل من مرحلة أفلام الموجة الجديدة إلى مرحلة السينما النضالية السياسية. ولئن بدا الفيلم كاريكاتورياً يقدم صورة كالحة عن ذاك الذي يعتبر واحداً من أكبر السينمائيين في تاريخ هذا الفن، فإن في إمكان مخرج الفيلم أن يجد عذره في كونه اقتبس الفصل من كتاب وضعته آن فيازمسكي الممثلة التي كانت في ذلك الحين زوجة غودار وبطلة بعض أفلامه. غير أن الوجه الآخر للميدالية يبقى هنا أن الفيلم لا يتحدّث عن فصل من حياة غودار، بل عن فصل من حياة آن يصور معاناتها معه، وكيف كانت هي تنظر إليه. ما يعني أننا هنا أمام لعبة مرايا متناحرة تنقذ الفيلم من تهمة الوقوع في التسطيح، ليصبح هذا التسطيح مرتبطاً بنظرة الممثلة والنجمة إلى رجل السينما الكبير.

قد يقف هذا التحليل في مصلحة الفيلم، أو على الأقل، قد يخفف من وقعه السيئ بالنسبة إلى الغوداريين. ومع هذا، ينبثق هنا سؤال لا بد من طرحه: طالما أنه كان ثمة مشروع ممكن لتحقيق فيلم عن سنوات غودار النضالية، أفلم يكن من الأسلم اللجوء إلى نصّ أقل تحيزاً ضد الفنان أو أقل ذاتية. أم حتى جعل الفيلم صراحة ينطلق من كتاب فيازمسكي، فيكون فيلماً عنها وكيف كانت تنظر إلى غودار بدل الادعاء بأن ما نراه فيلماً عن غودار؟

الحقيقة أن هذه المحاجّة قد تبدو للوهلة الأولى غير ذات شأن، وربما مجرد مسألة تقنية. لكنها ليست كذلك، بل هي تتعلق بجوهر لعبة تقديم سيرة ما على الشاشة. فهذا الجوهر له اسم اصطلاحي محدّد هو: وجهة النظر. من أين ينظر الفيلم إلى الشخصية التي يتناولها. ويعرف الذين يغوصون في التحليل الفيلمي أن هذه كانت دائماً وتبقى واحدة من الإشكالات الأكثر أهمية في سينما السيرة. بل لعلها وقفت حائلاً دون تبلور مئات المشاريع من هذا النوع حين وقف كتابها ومخرجوها عاجزين عن تحديد وجهة النظر التي ينطلقون منها لتقديم سيرة من السير.

سيرة على شكل تحية

وإذا كان من الواضح أن مثل هذا السجال لم يخطر على بال صانعي «المريع»، والدليل أنهم هم الذين كان لديهم أصلاً بيكار عريض من الاختيارات وأمامهم نصّ فيازمسكي يشتغلون عليه، ضلوا طريقهم فبدا الفيلم مسطحاً في هذا المجال، من المؤكد أن الفيلم «الأصغر» والأكثر تواضعاً بين الثلاثة التي نتحدث عنها هنا، تمكن من حلّ هذا الإشكال بالطريقة الأكثر منطقية والأكثر ذكاء. ونتحدث هنا عن فيلم «باربارا» ثالث فيلم للممثل - المخرج ماثيو أمالريك يعرض في «كان» خلال السنوات الأخيرة. فهذا الفيلم الذي افتتح تظاهرة «نظرة ما»، هو فيلم عن تلك المغنية والشاعرة والموسيقية الفرنسية الرائعة التي ماتت صبية قبل نحو عشرين عاماً بعدما شغلت الجمهور الفرنسي المثقف بلون خاص من أغاني الشعر و «التروبادور» وضعها يومذاك في صف واحد مع جولييت غريكو وجاك بريل وجورج براسّان وليو فيري. هو فيلم عنها، إذاً، لكنه ليس فيلما عنها. وهنا تكمن قوته وعلاقته الرائعة بمسألة وجهة النظر.

في الفيلم يلعب أمالريك بنفسه دور مخرج مولع بباربارا إلى درجة أنه يقرر أخيراً أن يحقق فيلماً سينمائياً عنها. وهو يستدعي للعب الدور ممثلة ومغنية شابة (تلعب دورها الفنانة جان باليبار التي كانت زوجة أمالريك نفسه في الحياة الحقيقية). واللافت أن الشبه بين باليبار وباربارا الحقيقية كبير ليس في الشكل وحده، ولكن كذلك في الثقافة والسمات والأمزجة إلى درجة أن المخرج، في الفيلم داخل الفيلم، سرعان ما يضيع بين المغنية التي رحلت منذ زمن والممثلة التي تلعب دورها الآن. أما حبكة الفيلم فتتمحور حول استعدادات التصوير حيث تتمازج الممثلة والدور في لعبة مرايا تبدو هنا أكثر صدقية بكثير. وهذا ما يحرف الفيلم بعيداً جداً من أن يكون سيرة للمغنية. صحيح أن المخرج داخل الفيلم كان يتطلع أصلاً لتحقيق فيلم سيرة، لكن اللعبة تنقلب عليه ويصبح الفيلم داخل الفيلم فيلماً عن مخرج معاصر لنا وممثلة ناشئة تنتمي إلى زماننا وهما يسعيان إلى تحقيق فيلم عن مغنيتهما المفضلة، والتي سينسيان في لحظات أنها لم تعد، في حقيقة الأمر، موجودة بيننا.

كان من الواضح لأمالريك أن تلك هي الطريقة الأفضل لتقديم فيلم ممتع وبديع عن حياة فنانة كانت هي في حد ذاتها غريبة ومتشابكة المزاج إلى حد لا يعود معه أي فيلم من نوع السيرة الذاتية قادراً على أن يصور تلك الحياة. وكأن أمالريك وشركاؤه في كتابة سيناريو الفيلم فهموا تماماً درس المخرج الراحل جان ماري ستروب الذي كان يقول أنه بدلاً من أن يصور فيلماً عن هاملت الشكسبيري، يفضل أن يصور فيلماً «وثائقي السمات» عن ممثل معين وهو يؤدي دور هاملت. مرة أخرى قد لا يبدو الفارق بين الحالتين كبيراً، لكنه يحمل ذلك الجوهر الذي أشرنا إليه أعلاه والمتعلق بمسألة وجهة النظر.

رودان «الخليع»

مرة أخرى، لا يبدو أن مثل هذه المسألة من شأنها أن تثير اهتمام المخرج جاك دوايون الذي حقق فيلم رودان المشارك بدوره، وكما حال «المريع» في المسابقة الرسمية لمهرجان «كان»، إذ هنا، ومرة أخرى أيضاً، لدينا فيلم عن فنان حقيقي كان عند منعطف القرنين التاسع عشر والعشرين واحداً من أكبر النحاتين في العالم. في الفيلم يلعب فنسان لندون دور النحات الكبير الذي يقدم لنا تحديداً خلال تلك الفترة التي انصرف فيها إلى تنفيذ منحوتته الأضخم والأجمل «باب الجحيم» في اقتباس عن ثالث أقسام الكوميديا الإلهية لدانتي، كما في الفترة ذاتها التي حقق فيها منحوتته الفضائحية التي تمثل الكاتب أونوريه دي بلزاك. وهي أيضاً وأيضاً الفترة ذاتها التي أغرم فيها بكاميل كلوديل، النحاتة الحسناء وشقيقة الشاعر بول كلوديل. إذاً، كانت الحقبة مدهشة وصاخبة في حياة رودان ومنعطفاته الحياتية والفكرية والعاطفية. غير أن الفيلم لم يرنا أي شيء من هذا كله. صحيح أن الفيلم عرف كيف يخلق بعض أجواء المرحلة وديكوراتها وأزيائها. وصحيح أن لندون بدا، شكلياً على الأقل، مقنعاً في الدور. ومع هذا ظللنا طوال ساعتي عرض الفيلم نبحث عن الفنان وصراعاته الداخلية في ما وراء الشكل. وبحثنا عن الشغف المدهش الذي سبق أن صوره فيلم «كاميل كلوديل» الذي قدم الحكاية ذاتها من بطولة إيزابيل أدجاني وجيرار ديبارديو قبل أكثر من ربع قرن، فلم نجد. وبحثنا عن أي تصوير للمرحلة في أبعادها الفنية وصراعاتها وشخوصها، فكان كل ما وجدناه شبحاً لفيكتور هوغو عابراً، وكاريكاتور لبلزاك أبله السمات واقفاً لينحت رودان تمثالاً له من دون كلمة ومن دون حركة...

هنا في هذا الفيلم، لم يعجز المخرج فقط عن تصوير صراعات رودان الداخلية وتفاعله مع الأجزاء المؤلفة لمنحوتة «باب الجحيم»، بل عجز كذلك عن تصوير ولو أطراف مرحلة كانت حافلة بالصراعات الفنية والسياسية، لكنه أصر على أن يصور وبإلحاح غريب مشاهد عري وجنس من شأنها لمجانيتها أن تنسف جزءاً من الصورة المعهودة لرودان. وهو بدا في هذا كله، على النقيض التام مع فيلم إنكليزي عن مبدع آخر ينتمي إلى المرحلة التجديدية ذاتها وعرض أيضاً في مهرجان «كان» قبل سنتين أو ثلاث. ونتحدث هنا بالطبع عن «مستر تيرنر» لمايك لي المتحدث عن فصول من حياة الرسام الانطباعي، ويليام تيرنر. والحقيقة أن ثمة مقارنات هنا تفرض ذاتها لكي يدرك المرء ما نرمي إليه. المقارنة من ناحية مع فيلمين سابقين عن رودان وكاميل أولهما «كاميل كلوديل» لبرونو نيوتن الذي أشرنا إليه أعلاه، والثاني فيلم برونو دومون «كاميل 1915» من تمثيل جولييت بينوش، ومن ناحية ثانية مع «مستر تيرنر»، لأن هذه المقارنة المزدوجة من شأنها أن توضح عملياً كل ما نرمي للوصول إليه في هذا النصّ.

####

حين لا تنسى السينما

أياً من نجوم القرن العشرين وغيرهم في أفلام السيرة

إ. ع.

نأخذهم هم أنفسهم ونبدأ من جديد.

لعل هذا هو الشعار الذي يطلقه المعلنون عن مشاريعهم الجديدة في مهرجان «كان». وبخاصة، فيما يعنينا هنا، تلك التي تتعلق بالنوع السينمائي الذي بات يلقى رواجاً كبيراً خلال السنوات الأخيرة ويكاد يتحوّل في حد ذاته الى صنف في الفن السابع له تقاليده وأبطاله وتاريخه وما إلى ذلك. ونعني بهذا أفلام السيرة، لا سيما منها تلك التي تطل على «نجوم» القرن العشرين وغيرهم من نجوم القرون الغابرة، في شتى المجالات، فنية كانت أم سياسية أم اجتماعية.

صحيح أن عروض الدورة الحالية لـ «كان»، وفي مختلف تظاهراتها، لم تأتِ بالكثير مما هو جيّد في هذا المجال، إذ إننا بالكاد شاهدنا أفلاماً جيدة تنتمي الى السياق - راجع مكاناً آخر في هذه الصفحة -، ولكن الوفرة حضرت في مكان آخر، في المشاريع المعلن عنها للشهور، أو ربما حتى للسنوات المقبلة. مشاريع باتت في حكم التنفيذ أو على وشك الإنجاز، أو تم اختيار ممثليها... ألخ. والحال أن ما يمكن ترصّده منذ الآن، وفق الأخبار والإعلانات وحتى التسريبات أحياناً، يتّصف بكون معظمه يتناول سير أشخاص سبق للسينما أن عالجت حياتهم أو فصولاً منها من قبل، مع تجديدات تبدو مفاجئة أحياناً، وفي أحيان أخرى مثيرة للدهشة. وفي انتظار فرص مشاهدة الأفلام بعد إنجازها، نستعرض هنا عدداً من هذه المشاريع التي لا شك في أن من شأن بعضها أن يثير حماسة منذ الآن، فيما قد يثير البعض الآخر تساؤلات.

> ولنبدأ هنا من حيث لا بد أن نبدأ، من عند تشارلي شابلن، حيث أعلنت شركتا إنتاج إحداهما فرنسية والثانية أميركية عزمهما تحقيق فيلم تحريك طويل يدور من حول تشارلو وشخصيات فيلمه الرائع «الصبي». صحيح أن هذه لن تكون المرة الأولى التي يُقتبس «الصبي» فيها أو يعاد إنتاجه، لكن المسألة ستتعلق هذه المرة بعمل بالرسوم المتحركة يحكي الحكاية نفسها ويتابع ظروف انتاج الفيلم وعلاقة الصعلوك الشهير بالطفل الذي بات لفترة أكثر شهرة منه. وسيتولى إخراج الفيلم الذي ينجز ثلاثة كتاب السيناريو له حالياً، كل من كريستيان فولكمان وروبرت فيات.

سينمائي آخر يحط عليه نعيم سينما السيرة ولا يقل أهمية عن شابلن، هو الإسباني لويس بونويل الذي يحقق المكسيكي سلفادور سيمو عنه فيلماً عنوانه «بونويل في متاهة السلاحف»، ويتناول فيه الخلفيات التي كانت وراء «واحد من أكثر أفلامه ذاتية» مستعرضاً من خلال ذلك اندماج «المبتدع» الحقيقي للسينما السوريالية في الفن السابع ومعاناته المزدوجة مع ذاته ومع شتى أنواع الرقابات مع كل فيلم كان يحققه.

غير بعيد من ذلك سنجد السينمائي السويدي الكبير الراحل إنغمار برغمان الذي سيبدأ خلال الأسابيع المقبلة، وتحديداً في السويد ولكن من إنتاج فرنسي إسباني مشترك، تصويرُ فيلم وثائقي عن حياته وسينماه بدعم من أسرة برغمان. ويعني هذا بالتحديد أن مخرجي الفيلم الألمانيين مرغريتا فوت تروتا وفليكس مويلر، سيستفيدان من أرشيف ضخم من صور ووثائق ومخطوطات لم يسبق أن استُخدمت من قبل في أي واحد من الأفلام العديدة التي تناولت هذا المبدع الكبير الراحل قبل عشر سنوات نفسه. ومهما يكن من أمر لعل وجود فون تروتا ومويلر وراء الكاميرا كما الآن وراء طاولة الكتابة، إشارة الى أننا ربما سنكون في صدد عمل جيد وقيّم من حول صاحب «برسونا» و «همس وصراخ»...

العودة الى موزار

> سؤال: من ذا الذي يمكنه أن يجرؤ على أن يحقق فيلماً عن موزار بعدما أقدم ميلوش فورمان قبل عقود على تحقيق «آماديوس»، تلك التحفة السينمائية الخالدة عن عبقريّ الموسيقى لا سيما عن علاقته بسالياري، أستاذه ومنافسه وضحيته، وتحديداً إنطلاقاً من مسرحية كان كتبها بوشكين حول الموضوع نفسه؟ الجواب: المخرج جون ستيفنسون الذي عرض في سوق الفيلم «الكاني» عملاً عنوانه «إستهلال في براغ» يعود الى ما يسميه المخرج حكاية «الحب والجشع والجريمة التي حدثت عام 1787 في براغ» إثر الأحداث التي أثّرت في تلحين موزار لتحفته الموسيقية أوبرا «دون جيوفاني». وتدور أحداث الفيلم في براغ حيث كان موزار أمضى بضعة شهور هارباً من نخبة فيينا، ليجد نفسه أمام سلسلة من الأحداث الغريبة التي ستؤثر فيه وفي فنه لما تبقى له من حياة.

> ولأن الشيء بالشيء يذكر، ننتقل من موزار الى ماريا كالاس، «ديفا الأوبرا» العالمية اليونانية الأصل، لنلاحظ أن ثمة في المكتبات السينمائية عشرات الأفلام الوثائقية والروائية حتى دون أن ننسى الشرائط والمسلسلات التلفزيونية التي تناولت حياتها وفجائعها، إذ بالكاد يمر عام من دون أن يكون ثمة عمل جديد عنها. لكنها، وعلى عكس ما هو الأمر بالنسبة الى موزار، لم تحظ حتى الآن وبعد سنوات طويلة مضت على رحيلها، بعمل كبير يعرف كيف يضع حياتها في فيلم يبقى خالداً. ومن هنا أهمية الوعد الذي انطلق في كان معلناً أن «الفيلم الكبير عن ماريا كالاس بات قيد التحضير الفعلي الآن» وهو سيكون فيلماً وثائقياً في ساعة ونصف الساعة ما يعني أنه مصنوع أصلاً لمعايير الصالات السينمائية. أما جديده فهو ما أعلن عنه مخرجه توم فولف إنطلاقاً من العنوان نفسه «ماريا كما تراها كالاس» إذ إن الفيلم سيستخدم حوارات وتصريحات ومواقف وحكايات ترويها كالاس بنفسها - بما فيها نصف ساعة مصورة لم يسبق لأحد مشاهدتها - وذلك بالإضافة الى أكثر من 56000 صورة اكتشفت حديثاً، منها 400 صورة يقول فولف انه اكتشفها بنفسه ولم يكن أحد عارفاً بوجودها من قبل.

المقاومة بالسلاح الصامت

> نجم فن كبير آخر من نجوم القرن العشرين ستحل عليه بركة الفن السابع بدوره هو فنان الإيماء الفرنسي مارسيل مارسو. وكان مارسو قد دخل ملكوت السينما سابقاً، مرات كان أشهرها ذلك الدور العابر الذي لعبه في الفيلم السينمائي الوحيد الذي حققه صامويل بيكيت بعنوان «فيلم» جاعلاً من فنان الإيماء هذا والذي لم يكن سبق لأحد أن سمع صوته على المسرح، الشخصية الوحيدة الناطقة في آخر مشهد من الفيلم... الصامت!. هذه المرة سيعود مارسو الى الشاشة الكبيرة ولكن في مجال مختلف تماماً.

ففي فيلم «مقاومة» الذي أُعلن في مؤتمر صحافي خاص في «كان» أن جوناثان جاكوبوفتش سيبدأ إخراجه قريباً، سيقوم الممثل الأميركي الشاب جيسي إيزنبرغ (الشهير بدوره في فيلم «الشبكة الاجتماعية» حيث لعب دور مخترع الفايسبوك)، بدور مارسو حين كان خلال الحرب العالمية الثانية، في صفوف المقاومة الفرنسية ضد المحتلين الألمان. ويقول جاكوبوفتش إن الحكاية مبنية على وقائع حقيقية تروي كيف اشتغل مارسو على ملكة التعبير الإيمائي في ذلك الحين كنوع من المقاومة، ما جعل كثراً يرون قرابة بين هذا العمل وفيلم «الحياة حلوة» للإيطالي روبرتو بنيني (وهو فيلم نال الجائزة الكبرى في «كان» قبل سنوات).

وصولاً إلى فان غوغ

وأخيراً، في السياق ذاته، أعلنت الـ «بي بي سي» أنها في صدد إنتاج فيلم عن نجم رقص الباليه الكوبي كارلوس آكوستا الشهير عالمياً باسم «يولي»، يقوم الراقص نفسه بالدور الأول فيه على أن يقوم بدوره شاباً، إثنان من الراقصين الكوبيين الشبان. ويروي الفيلم المأخوذ من كتاب سيرة وضعه آكوستا بنفسه تحت عنوان «ما من طريق الى الديار»، حكاية الصبي الذي نشأ في أزقة هافانا البائسة ليصبح في شبابه واحداً من أعظم راقصي الباليه الكلاسيكي في العالم، وأول راقص أسود يدعى للرقص مع فرقة «الباليه الملكي» في لندن. واللافت أن سيناريو هذا الفيلم الذي سيخرجه الإسباني إيثيار بولّين، هو من كتابة بول لافرتي، الذي يعتبره كين لوتش كاتبه المفضل، حيث انهما تعاونا في تسعة أفلام للوتش عرضت كلها في كان وآخرها «أنا، دانيال بليك» الذي فاز العام الفائت بالسعفة الذهبية في المهرجان.

> وأخيراً، على سبيل الختام، نشير إلى المشروع الأخير في السياق، وهو ذاك المتعلق بعودة الرسام فنسنت فان غوغ الى الشــاشة الكبيرة ولكن هذه المرة تحت ملامح الممثل الأميركي دانيال دافو، الذي يــقوم بدور الرسام، الذي سبق أن لعبه على شاشات مختلفة، كل من كـــيرك دوغـــلاس، ومارتن سكوسيزي ونصف دزينة من ممثلين آخرين. هذه المرة ســـيكون الفيلم، وعنوانه «على باب الخلود» من إخراج الرسام والسينمائي جوليان شنيبل، الذي كتب السيناريو شراكة مع الكاتب المخضرم جان كلود كاريير. وسيركز الفيلم على السنوات الأخيرة من حياة فان غوغ، تلك التي أمضاها في آرل وأوفير سور واز الفرنسيتين...

الحياة اللندنية في

26.05.2017

 
 

القضايا السياسية والاجتماعية تهيمن على مجريات مهرجان كان هذا العام

الحضور العربي كان ضعيفا جدا في المسابقات... وشركة «نيتفلكس» العملاقة تثير خلافات ومشاكل في عروضها

حسام عاصي - كان – «القدس العربي» :

ما يميز مهرجان كانّ السينمائي في عيد ميلاده الـ 70 هو اختلاط بدلات التوكسيدو السوداء وهي الزي الرسمي للدخول إلى القاعة الكبيرة لمشاهدة أفلام المسابقة الرسمية، مع البزات العسكرية الرمادية، التي يرتديها رجال الأمن المدججون بالرشاشات الأوتوماتيكية والذين يتفقدون شوارع المدينة السياحية ليلا نهارا. من جهة، التشديد الأمني صعّبة الحركة على رواد المهرجان الذين يتسارعون من عرض فيلم إلى آخر، ولكن من جهة أخرى أثار شعور الطمأنينة في قلوبهم وخاصة بعد وصول أخبار العملية الإرهابية في مدينة مانشستر البريطانية.

الأمن لم يكن محور النقاشات أو الورشات أو حتى الأفلام في هذا المهرجان العريق. مواضيع سينمائية وسياسية واجتماعية هيمنت على اجوائه وأثارت الجدل والنقاش بين النقاد والمعلقين.

«نيتفلكس» والشاشة الصغيرة

كما كان متوقعا استمر الجدل حول اشتراك أفلام «نيتفلكس» في المسابقة الرسمية منذ لحظة انطلاق المهرجان يوم الخميس الماضي، حين صرح رئيس لجنة تحكيم المسابقة، المخرج الإسباني بيدرو المودوفار، في مؤتمر الافتتاح الصحافي أنه لن يتخيل أن يمنح الجائزة الكبرى لفيلم لا يعرض في دور السينما، مصرا على أن على الأفلام أن تعرض في دور السينما من اجل تقديرها والاستمتاع بها، بينما عبّر عضو لجنة التحكيم، النجم الهوليوودي ويل سميث عن تأييده لنيتفلكس، مشيرا إلى أن منصتها الالكترونية سنحت الفرصة لكل شخص في العالم أن كان يعيش في قرية نائية في أفريقيا او مدينة عالمية لمشاهدة الافلام، التي كان عرضها محصورا في دور سينما في مدن مركزية.

تصريح المودوفار أثار التساؤلات حول امكانية حصول أفلام نيتلفلكس على حوائز في المهرجان. ولكن عندما قابلت رئيس شركة نيتلفكس للانتاج، تيد سوراندوس، قال لي إن المودوفار كان أكد له بان تفسيرات أقواله كانت خاطئة وإنه يكنّ الاحترام لنيتفلكس وأفلامها

فيلمان من انتاج نيتفلكس تم عرضهما في المهرجان وهما: «اوكجا» للمخرج الكوري بونغ جون-هو و «روايات مايروفيتس» للمخرج نوه باومباخ. كلا الفيلمين قوبلا بحماس من قبل رواد المهرجان والنقاد، رغم ان بعض المشاهدين صاحوا استنكارا عندما ظهر اسم نيتلفليكس على الشاشة الكبيرة في بداية كل فيلم

«أوكجا» يطرح موضوع فساد ولا أخلاقية شركات الأغذية العالمية، التي تستخدم هندسة الجينات لانتاج حيوانات تنمو بسرعة وبتكلفة ضئيلة من خلال سرد قصة خنزير وهو اوكجا الذي خُلق في مختبرات أحد تلك الشركات ويعيش في ريف كوريا الجنوبية مع فتاة صغيرة. وعندما يشحنه مسؤولو الشركة إلى نيويورك لإجراء التجارب عليه ومن ثم إلى المذابح، تلاحقهم الفتاة بمساعدة جبهة تحرير الحيوانات العالمية وتحاول أن تنقذ خنزيرها. ويقوم ببطولة الفيلم جاك جيلينهال، تيلدا سوينتون وليلي كولينز.

أما فيلم «روايات مايروفيتس» فيدور حول عائلة مايروفيتس غريبة الاطوار وعلى رأسها الاب النحات البالغ الـ 70 من العمر ويعيش مع زوجته الرابعة (ايما تومسون) وهو هارولد (دستين هوفمان)، الذي يقرر أن يعرض أعماله الفنية في متحف موما العريق في نيويورك ويدعو أبناءه داني (آدم ساندلر) وماثيو (بين ستيلر) لمؤازرته. ولكن خلال التحضير لعرضه يقع على رأسه وينتهي أمره في المستشفى في حالة خطر. وهناك تندلع الاشتباكات بين أبنائه، الذين لا يشاركون الأم نفسها، بينما كانا يقوما برعايته

حضور أفلام نيتفلكس ونجومها في المهرجان كان مهما جدا وذلك بسبب غياب أفلام هوليوود التي كانت تجلب أهم نجوم السينما ليتألقوا على البساط الأحمر ويجذبوا اهتمام الإعلام. ومن نجوم نيتفلكس الذين تألقوا على البساط الأحمر كان: جاك جيلينهال، تيلدا سوينتون، داستين هوفمان، ايما تومسون، ادم ساندلر، وبين ستيلر.

فضلا عن أفلام نيتفلكس، تم عرض 8 ساعات من المسلسل التلفزيوني «طرف البحيرة الأقصى» من المخرجة الأسترالية جين كامبيون وبطولة نيكول كيدمان. ورغم طول العرض إلا أن الجمهور تدفق لمشاهدة البرنامج. وهذا سوف يحث المهرجان على إدراج برامج تلفزيونية اخرى في الدورات المقبلة.

مواضيع الأفلام

عادة أفلام مهرجان كانّ تعالج قضايا اجتماعية وسياسية عالمية. فبينما كشف فيلم «اوكجا» عن تصرفات شركات الأغذية اللاأخلاقية والانتهازية تجاه الحيوانات، التي ينتهي أمرها على طاولات موائدنا، سلط فيلم وثائقي «عجائب البحر»، الذي حضر ليروج له النجم الهوليوودي وحاكم كاليفورنيا السابق أرنولد شوارتزنيغر، على تخريب الحياة البحرية على يد صناعة الصيد الضخمة، مشيرا إلى أن 100 مليون سمكة قرش تموت بسبب استخدام شبكات صيد ضخمة كل عام.

وعندما سألت شوارتزنيغر: هل علينا أن نتمتع عن أكل اللحوم والسمك من أجل حماية الطبيعة والبيئة؟ رد قائلا: لا، علينا أن نحترم الطبيعة والحيوانات التي تقدم لنا الغذاء وتبقينا على قيد الحياة بدلا من انتهازها وتدميرها لأنه في نهاية الأمر نحن نضر أنفسنا.

موضوع الحفاظ على البيئة كان أيضا محور فيلم نائب الرئيس الأمريكي السابق آل غور وهو «الجزء غير المريح»، الذي يكشف عن ذوبان الجليد الجنوبي والشمالي بسبب الاحتباس الحراري، الذي ايضا يؤدي إلى تبخر كميات هائلة من المياه في الجو وتسفر عن هطول أمطار غزيرة في وقت قصيرة وتسبب فيضانات ضخمة. كما أنه كشف أن الاحتباس الحراري أدى إلى جفاف في سوريا لم يسبق له مثيل مما دفع الريفيين للنزوح إلى المدن عام 2009 وبالتالي ساهم في اندلاع الثورة هناك.

موضوع المهاجرين السوريين كان أيضا محور فيلم النجمة البريطانية فانيسا ريدغريف وهو «حزن البحر»، الذي يلوم الأوروبيين على إخفاقها في حل أزمة المهاجرين ومنعهم من دخول بلادهم وخاصة هنغاريا، التي عانت من أزمة مهاجرين في الستينيات عندما اجتاحت القوات السوفييتية عاصمتها بودابست واسفرت عن نزوح 200 ألف من مواطنيها إلى النمسا بحثا عن الأمن. ولكن الهنغاويين قاموا ببناء سياج لمنع دخول اللاجئين السوريين إلى بلدهم وعاملوهم بقسوة وعداوة.

فيلم المخرج الهنغاري كورنيل موندروسو «قمر زحل» يسبر تصرفات دولته العدائية والعنصرية تجاه اللاجئين السوريين من خلال سرد قصة شاب سوري، عريان، يحاول الهرب عندما يفقد والده خلال هجوم حرس الحدود الهنغارية على فريق لاجئين، ويطارده ضابط هنغاري ويطلق النار عليه. ولكن بدلا من أن يموت، يتحول إلى شخص ذات قوى خارقة يمكنه الطيران مثل سوبرمان. وعندما يكتشف طبيب مستشفى اللاجئين قواه الخارقة يهربه إلى داخل هنغاريا لكي يستغله ويجمع الأرباح من استعراض قواه الخارقة أمام الأغنياء. ولكن همّ عريان هو ليس المال وانما البحث عن والده

ما يلفت النظر في «قمر زحل» هو أن اللاجىء السوري هو الشخصية الوحيدة في الفيلم التي تتحلى بأخلاقيات راقية ونزاهة إنسانية وسط شخصيات هنغارية فاسدة وعنصرية وأنانية وانتهازية وخالية من القيم الإنسانية. وطيرانه في السماء فوق بودابست وأهلها يعكس ارتقاءه عليهم في القيم والاخلاقيات. فهو الإنسان البريء الذي ليس معنيا بالارباح المادية أو استغلال الناس وإنما يريد العيش بكرامة وأمان وبرفقة والده الذي يبحث عنه.

الأفلام العربية

بينما حضرت القضايا العربية في أفلام عدة إلا أن الحضور العربي في المهرجان كان ضعيفا جدا في مسابقات هذا العام وتمثل بفيلمين في تظاهرة نظرة ما وهما التونسي «على كف عفريت» من كوثر بن هنية والجزائري «طبيعة الحال» من كريم موساوي.

«على كف عفريت» يسرد قصة طالبة كلية يغتصبها رجال شرطة، بينما كانت على شاطيء البحر برفقة شاب وتذهب لتبلغ عن المعتدين ولكنها تتعرض لتجاهل الأطباء لمحنتها ولاستهتار رجال الأمن الذين يضغطون عليها من أجل التنازل عن دعوتها ويهددون بتلبيسها بتهمة الفجور وذلك لأنها كانت بصحبة شاب غير متزوجة منه. تجربة الفتاة، التي تبدو كملاك بريء، مزعجة ومرعبة لأن الرجال الذين حولها يبدون كشياطين وكأنهم شخصيات من أفلام الزومبي، يحاولون الاعتداء عليها والتخلص منها

أما «طبيعة الحال» فهو يسرد 3 قصص مختلفة، الحدث الأخير من كل منها يقودنا إلى القصة اللاحقة من خلال مقابلة الشخصية المركزية فيها. ويبدأ الفيلم بقصة رجل عقارات عليه أن يواجه ماضيه عندما يقع في أزمة ديون والقصة الثانية تتمحور حول فتاة في طريقها للقاء زوجها ولكنها تعشق الشاب الذي يقودها إلى هناك والقصة الثالثة تدور حول طبيب ناجح تتهمه أمرأة لم يكن يعلم بوجودها بالمشاركة في اغتصابها في الماضي البعيد خلال الحرب الأهلية.
ويذكر ان الممثل الجزائري رضى كاتب والمخرج المصري محمد دياب يشاركان في لجنة تحكيم مسابقة نظرة ما، التي تترأسها النجمة الهوليوودية اوما ثورمان
.

من سيفوز بجائزة المهرجان؟

في الأعوام الأخيرة تكهنات الفوز بجائزة مهرجان كان المهمة وهي السعفة الذهبية كانت كلها خاطئة. فالعام الماضي، تصدر الفيلم الألماني «طوني ايردمان» تكهنات الفوز بالجائزة بعد أن لقي إعجاب رواد المهرجان والنقاد، ولكنه ترك المهرجان بدون أي جائزة. هذا العام هناك تباين في الآراء حول جودة الأفلام التي عرضت حتى الآن، ولكن اتفاق واسع بان الفيلم الروسي «لافليس» من المخرج الروسي أندري زفاياغينسيف هو أفضل فيلم في المهرجان. السؤال هو: هل يوافق اعضاء لجنة التحكيم هذا الرأي؟ الجواب على السؤال سوف نعرفه يوم الأحد المقبل عندما يتم الإعلان جوائز المهرجان؟

القدس العربي اللندنية في

26.05.2017

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)