كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

عن السينما والحبّ والجنون:

ماتيو آمالريك في واجهة "كانّ"

كانّ ــ نديم جرجوره

مهرجان كان السينمائي الدولي

الدورة السبعون

   
 
 
 
 

يصعب اختصار السيرة المهنية للممثل والمخرج الفرنسي، ماتيو آمالريك (1965). حضوره في الدورة الـ 70 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2017)،لمهرجان "كانّ" السينمائيّ الدوليّ، مثير لاهتمام معنيين بالنتاج السينمائي الفرنسي، ودعوة إلى التأمّل في نوعية الاشتغال، التي يصنعها ابن مراسل الصحيفة الفرنسية "لو موند"، جاك آمالريك، والناقدة الأدبية في الصحيفة نفسها، نيكول زاند. ففي "كانّ"، يكشف آمالريك، مجدّداً، عن براعته الفنية والجمالية والدرامية، في مهنتين سينمائيتين يُتقن ممارستهما، غالباً: التمثيل والإخراج

هذا، وحده، كافٍ إلى درجة كبيرة، كي يتحوّل الفيلمان المُشاركان في "كانّ الـ 70" إلى معاينة نقدية لأدواته التمثيلية أولاً، ولآلية عمله الإخراجيّ ثانياً.

ثم إن الحضور المذكور غير مُقتَصَر على مُشاركة الفيلمين في افتتاحين رسميين (الأول خاصّ بالمهرجان برمّته، والثاني معنيّ ببرنامج "نظرة ما"). فماتيو آمالريك حاضرٌ شخصياً لتقديم عمليه، وللإجابة على تساؤلات نقاد وصحافيين، في المؤتمرين الصحافيين الخاصّين بهما، ولإبراز "موهبته" الجميلة في إضحاك هؤلاء، وفي إثارة حشرية المُشاهدة والتعليق والتواصل معه. ولأنه ممثلٌ في الفيلمين، فهذا يدعو إلى التنبّه النقدي إلى الاختلاف بين الشخصيتين، كما في كيفية تقديمهما؛ وإلى الاختلاف بين الفيلمين، إذْ يغوص الأول ـ "أشباح إسماعيل" لآرنو ديبلشان (1960) ـ في الانشقاق والتمزّق النفسيين والروحيين للشخصية؛ ويكشف الثاني، "باربارا"، له، ممثلاً ومخرجاً، عن العلاقة الإنسانية والانفعالية والروحية بينه وبين المغنية باربارا (واسمها الأصلي مونيك سِيرْف، 1930 ـ 1997)، من جهة أولى؛ وبينه وبين الممثلة التي تؤدّي دورها في الفيلم داخل الفيلم من جهة ثانية؛ وبينه وبين الممثلة جاين باليبار (1968)، شريكته السابقة وأم ولديه الاثنين، من جهة ثالثة.

إنها، باختصار، متعة المُشاهدة. ماتيو آمالريك صانع متعة، كممثل ومخرج في آن واحد. غرقه في جحيم الألم والحُطام والتوهان في أروقة الخراب والتمزّق (أشباح إسماعيل)، يجعل حرفيته الأدائية انعكاساً لمعنى التحطّم أمام الحبّ الموؤود، والقلق المفتوح على مواجهة عنيدة لأشباح الذات والماضي والعلاقات والأنساق المعتمدة في تواصلٍ حسي ومعنوي وشبقي بالآخر، وتضع أسئلة الحياة والموت، بتفاصيلهما المدمِّرة والمأسوية والانفعالية، في موضع ملتبس، بين الرغبة المجنونة في الخلاص غير المرئيّ، والهذيان المحموم في الحدّ الفاصل بين سيرة ومتخيَّل.

أما انجذابه بمغنية ومؤلّفة وملحنة وممثلة، وارتباطه العاطفي بعوالمها الفنية والدرامية، فعاملٌ إبداعي لصناعة متعة من نوع آخر: في "باربارا"، يتداخل الذاتي الواقعي بالمتخيّل السينمائيّ، المنبثق ـ هو أيضاً ـ من حكاية ذاتية وواقعية. هناك، أولاً، شخصية المغنية، التي يُسحر بها ماتيو آمالريك ذات لحظة، منذ وقتٍ بعيد. وهناك، ثانياً، دوره كمخرج في فيلمٍ يصنعه عن المغنية، داخل فيلم "باربارا"، وما يحمله هذا المخرج (آمالريك نفسه)، الذي يحمل اسم إيف زاند (اسم العائلة مستوحى من اسم عائلة والدته)، من حبّ وهيامٍ بممثلة الشخصية (باليبار) في الفيلم داخل الفيلم، وبالممثلة نفسها، جاين باليبار، أي أن الحبّ، العميق والحاد، يُصبح النواة الدرامية الأساسية لـ "باربارا"، في 3 مستويات، يحتل ماتيو آمالريك فيها مرتبة أولى: فهو يحبّ المغنية، ويحبّ الممثلة التي تؤدّي دورها في الفيلم داخل الفيلم، ويحبّ جاين باليبار التي تؤدّي دور باربارا. بهذا، يتحوّل "باربارا" إلى مزيجٍ جميل من السينما والعشق والتداخل الإبداعي بين صناعة الفيلم وعيش الحياة وإقامة العلاقات، ويُصبح نموذجاً لكيفية تحرير أفلام السِيَر الذاتية ـ الحياتية من سردٍ تأريخي، أو تمعّنٍ بمرحلة محدّدة، أو تكثيفٍ لانعكاس السِيَر بالحياة العامة.

والحبّ نفسه، كحالة مزدوجة التأثيرات بين الإيجابي والسلبي، حاضرٌ في "أشباح إسماعيل"، بل إنه مُحرِّك السياق الدرامي والإنساني والحياتي للحدث وناسه، إذْ ترتكز الحبكة على شخصية مخرج سينمائيّ (تماماً كما في "باربارا")، يستعدّ لتحقيق فيلمٍ عن رجلٍ، يستوحي قصّته من سيرة شقيقه الدبلوماسي، قبل أن يُصدم بعودة حبيبته وزوجته كارلوتا (ماريون كوتيار) من "الموت"، المتمثّل بغيابها التام عنه لمدّة تتجاوز الـ 20 عاماً بقليل. وأمام العودة غير المتوقّعة، وغير المُنتظرة، تنكسر عوالمه الداخلية، وتتحطّم علاقته بصديقته سيلفيا (شارلوت غاينسبور)، التي تُنقذه من الخراب، مجدّداً. أمران يجمعان الشخصيتين الرئيسيتين في الفيلمين، إحداهما بالأخرى، اللتين يؤدّيهما ماتيو آمالريك: مخرج سينمائيّ، والحبّ الذي يُحرّكه، ويسحقه، ويضعه أمام مرايا الذات والروح. معهما، يُقدِّم آمالريك دورين أخّاذين، لشدة براعة أدائهما، هما المنتميان إلى عالمين نفسيين مختلفين، وإنْ كانا ينبثقان من إحساس الحبّ، إلى التخوم الكثيرة للألم.

####

مجلات مهرجان كانّ: "تورّط" جماليّ بالسينما

كانّ ــ نديم جرجوره

لن تتخلّى صحفٌ ومجلات مختلفة، في فرنسا وأوروبا، عن مشاركتها العملية في يوميات مهرجانات سينمائية دولية عديدة. والمطبوعات هذه ـ السينمائية والفنية والسياسية والثقافية ـ تُخصِّص أعداداً مستقلّة بهذه الدورة أو تلك، أو تمنح الحدث السينمائيّ حيّزاً كبيراً في صفحاتها واهتماماتها ومتابعاتها اليومية

وهذا، إنْ دلّ على شيء، فهو يكشف عن المعنى الأسمى لـ "التورّط" الجماليّ بمهرجانات سينمائية، تمتلك سطوة دولية، تؤهّلها ـ بشكل غير مباشر ـ لأن "تفرض" قواعدها على كثيرين، يعملون في قطاعات مرتبطة بالفن السابع، بدءاً من صناعة السينما بحدّ ذاتها، ووصولاً إلى كل ما يحيط بها، من ثقافة وفكر وإعلام وصحافة ونقد وتحليل. وهذا الأخير مفتوحٌ على علوم النفس والاجتماع والجمال والتاريخ، وغيرها.

ينطبق هذا كلّه على مهرجان "كانّ" السينمائيّ الدوليّ، في دورته الـ 70 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2017). فالمهرجان، بثباته منذ سنين طويلة في المكانة الدولية الأولى، يستقطب مؤسّسات إعلامية وصحافية كثيرة، في فرنسا وأوروبا وأميركا وآسيا، فإذْ بها تُصدر ما يُلائمها كمؤسّسات فاعلة ومؤثّرة، وأيضاً ما يُلائم تلك المكانة، وما يحترم مُشاهدين وقرّاء، يريدون متابعة النتاجات السينمائية الحديثة، وقراءة تحاليل ومعلومات ومعطيات وذكريات وحوارات، تتعلق كلّها بالمهرجان أولاً، وبدورته الجديدة ثانياً، وبصناعة السينما وإنتاجاتها ثالثاً.

مع "كانّ"، يستمرّ التقليد المتّبع منذ سنين مديدة: مجلات غير سينمائية، كـ "ماغازين ليترير" و"غالا" و"مدام فيغارو" و"إكسبرس" (التي تُخصِّص صفحات جمّة في ملاحقها تحديداً) وغيرها، تُقدِّم للمُشاهد/ القارئ ما يحتاج إليه من معطيات سينمائية مختلفة، تُعينه على مُشاهدة أفضل، وتخزِّن في ذاكرته توثيقاً وأرقاماً، بالإضافة إلى متابعات نقدية وحوارات كثيرة. أما المجلات السينمائية، بالإضافة إلى صحفٍ يومية، فستكون الأكثر تورّطاً مهنياً، على الأقلّ، في هذا العالم الجمالي البديع.

والمجلات المتخصّصة كثيرة، باللغتين الأكثر تداولاً (الفرنسية والإنكليزية)، كما بلغاتٍ أخرى أيضاً. وإذْ تهتمّ مجلات الثقافة والنقد السينمائيين بالنتاجات الجديدة، وبما تُقدّمه من أسئلة وتحاليل ومراجعات، فإن مجلات الاختصاص المهنيّ تمنح القارئ ما يرغب في معرفته، بخصوص حركة الإنتاج، والسوق السينمائية، والمشاريع الجديدة، وعناوين شركات الإنتاج والتوزيع.

هذا جزءٌ من حالة السينما في مهرجاناتها. و"كانّ" أكثر المهرجانات الدولية إثارة لحركة صحافية كهذه.

العربي الجديد اللندنية في

22.05.2017

 
 

مهرجان كان يواصل الكشف عن درر الدورة‏70‏

المربع والرهيب و‏120‏ ضربة في الدقيقة تثير الدهشة والإعجاب علي شاطئ الريفييرا

رسالة كان - أسامة عبد الفتاح

يوما بعد يوم‏,‏ يكشف مهرجان كان السينمائي الدولي عن المزيد من الدرر السينمائية التي حشدها في مسابقته الرسمية وفي غيرها للاحتفال بدورته السبعين التي تختتم الأحد المقبل‏..‏ وقبل حتي عرض نصف أفلام المسابقة‏(‏ أكتب هذه الرسالة بعد عرض‏8‏ أفلام من أصل‏19),‏ اتضح لجميع الصحفيين والنقاد المتواجدين في كان أن مسابقة هذا العام أقوي كثيرا من نظيرتها العام الماضي‏,‏ والتي لم تشهد من هذه الدرر سوي فيلمين أو ثلاثة‏.‏

وأبدأ بالفيلم المفاجأة120 ضربة في الدقيقة, للمخرج الفرنسي- المولود في المغرب- روبين كامبيو, والذي ينتمي للسينما التي لا يحبها البعض لكنها كاشفة ومؤثرة ومهمة, السينما الخشنة التي لا تهتم بالجماليات والبصريات قدر اهتمامها بالموضوع.. والفيلم, الذي يقترب من كونه وثائقيا, يعود إلي أوائل تسعينات القرن الماضي, حين كان وباء الإيدز منتشرا ومتوحشا, وكان قد حصد- علي مدي عشر سنوات- مئات الأرواح حول العالم. ويركز كامبيو علي جماعة أكت أب- باريس النشطة جدا ضد الإيدز وضد حالة اللامبالاة التي يتعامل بها جميع المسئولين وجميع الجهات المختصة مع الوباء.. ولا شك أن الفيلم ومخرجه هما اكتشاف كان الأهم هذا العام حتي الآن.

وهناك اكتشاف آخر لفيلم مفاجئ آخر وبديع هو المربع, للمخرج السويدي روبين أوستلوند, والذي يتتبع- بخفة ظل ورشاقة شديدة- حياة وأزمات مدير شاب لمتحف للفن الحديث, ويعتمد- مثل معروضات المتحف- علي أسلوب حداثي تماما ومختلف في السرد يتميز باللمسات الكوميدية الذكية, ويبدو متشظيا في ظاهره لكنه في الحقيقة متماسك للغاية, وتمثل قطع الموزاييك التي يتكون منها عملا فنيا جميلا وموحيا.

أما التحفة المتوقعة والتي لم تخيب ظن من كانوا يترقبونها, فهي فيلم الرهيب, الذي كان تميزه متوقعا, ليس فقط لأنه يدور حول حياة أسطورة السينما العالمية جان لوك جودار, ولكن أيضا لأنه يحمل توقيع المخرج الفرنسي الكبير ميشيل هازانافيسيوس, الذي أبهر العالم واكتسح جوائز الأوسكار قبل سنوات قليلة بفيلمه الأبيض والأسود والصامت أيضا الفنان.

هنا, يبدو هازانافيسيوس مختلفا تماما في أسلوبه وطريقة معالجته, ويصنع فيلما عن جودار دون أن يتأثر به أو يتقمصه, مع التعبير المذهل والأمين للغاية عن روح وحقيقة هذا السينمائي الكبير كيساري ثائر ومتمرد وغريب الأطوار أيضا, خاصة في مرحلة ازدهار الموجة الجديدة الفرنسية, وأزمة مايو1968, حين طالب جودار ورفاقه بإلغاء مهرجان كان في ذلك العام تضامنا مع مظاهرات الطلبة والعمال ضد الرئيس الفرنسي في ذلك الوقت شارل ديجول.

توزيع جوائز مركز السينما العربية

من ناحية أخري, أقيم في الخامسة مساء أمس, بجناح مركز السينما العربية بسوق الفيلم بقصر مهرجانات كان, حفل إعلان وتوزيع جوائز النقاد السنوية التي ينظمها المركز, والتي انفرد الأهرام المسائي بنشرها أمس, منوها باكتساح مصر لها, حيث حصدت الأفلام المصرية أربع جوائز من أصل خمس.

والمعروف أن آخر أيام المدينة, للمخرج تامر السعيد, فاز بجائزة أفضل فيلم, ومحمد دياب بجائزة الإخراج عن فيلم اشتباك, وتقاسم دياب جائزة السيناريو مع شقيقه خالد عن نفس الفيلم, فيما ذهبت جائزة أحسن ممثلة للمصرية هبة علي عن فيلم أخضر يابس, للمخرج محمد حماد. أما الجائزة الوحيدة التي لم تفز بها مصر, فهي أفضل ممثل, وكانت من نصيب التونسي مجد مستورة عن فيلم نحبك هادي, للمخرج محمد بن عطية.

وقد تسلم دياب, المتواجد في كان لمشاركته في عضوية لجنة تحكيم مسابقة نظرة ما, جائزتيه بنفسه, بينما لم يتمكن كل من تامر السعيد وهبة علي من الحضور.

الأهرام المسائي في

22.05.2017

 
 

«كان» في أسبوعه الأول حبّ وسيرة وتراجيديا

 عثمان تزغارت

عند منتصف الطريق، في السباق نحو «السعفة الذهبية»، تألقت أفلام عدة. لكن الصدارة كانت للفيلمين الروسي «بلا حب»، والفرنسي «الرهيب»

كانمع نهاية الأسبوع الأول من  عمر الدورة السبعين من «مهرجان كان» السينمائي، بدأت معركة الترجيحات. من بين 8 أفلام عرضت في المسابقة الرسمية (من مجموع 19)، هناك 5 على الأقل يرشحها النقاد للمنافسة على الجوائز الرئيسيّة، ما يشير إلى دورة خصبة، وحافلة بالمفاجآت.

من بين هذا الأعمال الخمسة، ثلاثة لـ «الوافدين الجدد» على الكروازيت: Okja للكوري بونغ جون هو، و«الحديقة» للسويدي روبن أوستلوند، و«100 نبضة في الدقيقة» للفرنسية روبين كامبيلو. لكن الصدارة ظلت بأيدي الكبار. في طليعة الأعمال الأكثر تألقاً في جردة حساب الأسبوع الأول، فيلمان لمخرجين كبيرين أهّلتهما ترجيحات النقاد ليكونا مشروعي سعفتين. أحدهما جسّد التراجيديا في أقسى صورها وأبهاها، بينما حمل الآخر إلى الكروازيت نسائم منعشة من الخفة والفكاهة الساخرة. إنهما «بلا حب»، رائعة الروسي أندريه زفاغينتسيف، و«الرهيب» للفرنسي ميشال هازانافيسيوس، الذي استعاد رواد الكروازيت، من خلال عروضه لحظة مفصلية في تاريخ المهرجان، سبّبت إلغاء فعالياته عام 1968، في خضم الثورة الطلابية الفرنسية، تحت ضغوط جان لوك غودار ورفاقه من أقطاب سينما «الموجة الجديدة».

أندريه زفاغينتسيف تفرّد برؤية إخراجية منحت فيلمه جماليات تشكيلية آسرة

طرق «بلا حب» واحدة من التيمات التي تناولتها أعمال عدة في هذه الدورة، وهي الطفولة المعذبة الأخبار» ـ 19/05/2017)، لكن المعلم الروسي، سليل مدرسة الشكلانيين العريقة، تفرّد برؤية إخراجية منحت فيلمه جماليات تشكيلية آسرة، عمادها الإيقاع البطيء، واللغة البصرية المكثفة، والصنعة المتقنة على صعيد الإضاءة، ما جعل شخوصه تتقلب باستمرار بين الظل والضوء والعتمة. وقد انعكس ذلك، على صعيد المضمون، من خلال التباس الحدود التقليدية بين الخير والشر، ما حصّن الفيلم من الشطط الميلودرامي: العدو اللدود (والقاتل) للتراجيديا!
لم يكن التحدي الذي تصدى له «الرهيب» لميشال هازانافيسيوس، بالأمر اليسير. صاحب رائعة The Artist، الذي جازف، قبل ستة أعوام، بإنجاز فيلم صامت بالأبيض والأسود، عاد ليرفع رهاناً محفوفاً بالمخاطر: إنجاز فيلم عن سيرة أيقونة الموجة الجديدة جان لوك غودار، الذي ما زال على قيد الحياة، وما زال مستعصياً على التصنيف (وعلى الفهم أحياناً
!).

لكن «الرهيب» استطاع أن يفلت من المطبات التي غالباً ما تطيح أفلام السيرة: الجدية المبالغ فيها، والمقاربة الانبهارية التي كثيراً ما تفضي إلى تمجيد صاحب السيرة بدلاً من أنسنته. لم يكن سهلاً تفادي ذلك، حين يتعلق بالأمر بشخصية مثل غودار، الذي لم يكف، منذ نصف قرن، عن إضرام الحرائق في ربوع الفن السابع، مؤسساً لـ «سينما مفكرة» انتزعت اعتراف الخصوم وتقديرهم قبل المعجبين.

وجد هازانافيسيوس ضالته في الكتاب الذي أصدرته، عام 2015، الممثلة آن فيازيمسكي، زوجة غودار السابقة، التي كانت مرتبطة به خلال مرحلة المخاض التي واكبت الثورة الطلابية (1967 - 1969)، قبل أن ينفصلا عام 1970. كان ارتباط آن فيازيمسكي ــ حفيدة صاحب «نوبل» للآداب، الديغولي فرانسوا مورياك ــ بعرّاب «الموجة الجديدة» فعلاً ثورياً بحد ذاته. وقد روت الممثلة قصة لقائها العاصف بصاحب «بيارو المجنون» (1965) في كتاب حمل عنوان «سنة حافلة». لكنها انتظرت 45 سنة كاملة قبل أن تكمل السيرة بكتاب «عام من بعد» الذي رصدت فيه وقائع معايشتها لأحداث مايو 68 إلى جانب غودار حتى انفصالها عنه، بعدها بعام واحد، إثر محاولة غودار الانتحار، على خلفية خلافات نشأت بينهما في روما، عندما كانت آن تؤدي بطولة فيلم «بذرة الإنسان» لماركو فيريري.

كرست فيازيمسكي كل موهبتها الروائية (نالت الجائزة الكبرى للأكاديمية الفرنسية، عام 1998، عن روايتها «حفنة من الناس») لرسم بورتريه عن غودار ينضح حيوية وتألقاً. ورغم نظرة العاشقة المعجبة التي سلطتها على صاحب «الاحتقار» (1963)، إلا أن كتابها لم يخل من النقد والسخرية. إذ استعارت روح الفكاهة الغودارية، للتندر على بعض أفكار غودار وشعاراته الثورية الفاقعة، وتسليط الضوء، في قالب من الرقة والحميمية، على تناقضاته ونزقه وخيباته.

تلفق ميشال هازانافيسيوس الفكاهة الغودارية التي احتلت مكانة مركزية في كتاب فيازيمكسي، ونفخ فيها بعضاً من روح الـ burlesque، التي تشتهر بها أعماله، من «القاهرة، عش الجواسيس» (2006) إلى «الفنان» (2011). بذلك، استطاع أن يجمع بين الخفة الكوميدية والعمق الفكري، ونجح في أنسنة بطله (غودار)، مغلفاً طوباويته وقلقه الوجودي في قالب من الفكاهة السوداء المحببة.

منح الشريط الكروازيت واحدة من تلك المحطات الكوميدية الساحرة، التي ستبقى ماثلة في الذاكرة، وتشكل امتداداً لروائع مماثلة من قبيل O’Brother للأخوين كوين (2000)، و«الغزوات البربرية» لدوني أركان (2003)، و«شباب» لباولو سورانتينو (2015).

لكن المعضلة أنّ «كان» لم يسبق أن منح «السعفة» لأيٍّ من تلك الروائع الكوميدية التي أبهرت الكروازيت. فهل ينجح «الرهيب» غودار في خلخلة هذا التقليد المغالي في الجدية؟ عوامل كثيرة قد تساعد على ذلك: الهوية السينمائية لرئيس لجنة التحكيم، المعلم الإسباني بيدرو ألمودوفار، الذي سيراهن حتماً على المغايرة، وشخصية غودار (الروائية والفعلية) التي أولع بها جمهور الكروازيت، والمخرج ميشال هازانافيسيوس، الذي سيتطلع المهرجان حتماً إلى التكفير عن الذنب الذي ارتُكب بحقه، حين استبعد رائعته The Artist من الجوائز الرئيسيّة للمهرجان، عام 2011، باستثناء منح جائزة أفضل تمثيل لبطله جان دوجاردان. أمر شكل يومها مفاجأة مخيبة، بعد الحفاوة النقدية التي حظي بها الفيلم، ومهّدت لنجاحه العالمي، إذ نال أكثر من 100 جائزة عبر العالم، وأحرز خمسة أوسكارات...

جيل «الغضب العربي» آتٍ!

مع كل دورة جديدة من «مهرجان كان»، يعود السؤال ذاته إلى الواجهة: أي حضور للسينما العربية؟ وهل في الأفق ما ينبئ بميلاد جيل جديد، من شأنه أن يحيي أمجاد العرب في «كان»؟ أمجاد أسَّس لها «جيل الرواد»، من محمد الأخضر حامينا السعفة الذهبية» – 1975) إلى يوسف شاهين (سعفة خمسينية «كان» – 1997).

مع انتصاف الدورة الحالية، نستطيع الجزم بأنّ هذا الجيل العربي الجديد بات واقعاً لا حلماً. بعد محمد دياب، ورائعته «اشتباك» التي شدت جمهورَ الكروازيت ونقادَه العام الماضي، دخلت التونسية كوثر بن هنية معترك تظاهرة «نظرة ما»، أول من أمس، بفيلمها «على كف عفريت»، الذي يختصر وحده سمات هذا الجيل العربي الواعد: سينمائيو الغضب، الذين يحملون هموم جيلهم وتطلعاته، ويتقنون بامتياز لغة عصرهم وثقافته وتقنياته.

أفلام لبنانية غاصت عميقاً في التناقضات الفاقعة للراهن

كوثر بن هنية، التي اكتشفتها الكروازيت من خلال باكورتها «شلّاط تونس»، التي قُدمت عام 2014، ضمن برنامج ACID، الذي يخصصه «كان» لاكتشاف المواهب الشابة، تعود هنا بالنفس النضالي النسائي ذاته، وبالروح الشبابية التي تطبع جيلها الذي تربى على الثقافة الرقمية، مشهراً إياها كسلاح في وجه الاستبداد والهيمنة الذكورية. في «الشلّاط» اقتبست بن هنية فيلمها من قصة واقعية لشاب روّع الشارع التونسي، حيث كان يتجول على متن دراجته النارية حاملاً موسى حلاقة «يشلّط» بها أرداف النساء اللواتي يصادفنه. على المنوال ذاته، اقتبست قصة «على كف عفريت» من واقعة شهيرة هزت تونس ما بعد الثورة، وتمثلت في اغتصاب مجموعة من رجال الشرطة لطالبة جامعية، ومحاولة التستر على ذلك، بحجة أن الفضيحة من شأنها أن تسيء إلى سمعة رجال الشرطة الذين يتصدون للهجمات الإرهابية التي تهدد بوضع مستقبل البلاد «على كف عفريت»!

فضلاً عن الإتقان الفني والحبكة الإخراجية المحكمة، حملت صاحبة «زينب لا تحب الثلج»، في فيلمها هذا مفاجأة سارة أخرى تجسدت في حزمة من المواصفات المحببة التي تتسم بها الحركة النسائية العربية الجديدة: نبرة نضالية عالية، لكن من دون صراخ أو شعارات فاقعة!

في انتظار فيلم عربي ثانٍ، سيُعرض هو الآخر ضمن «نظر ما»، وهو «في انتظار السنونوات» للجزائري كريم موساوي (ينافس أيضاً على «الكاميرا الذهبية»، لكونه العمل الأول لمخرجه)، برزت بوادر هذا الربيع السينمائي العربي أيضاً في التظاهرات الموازية، من خلال العمل الجماعي الذي أنجز في «أسبوعي المخرجين»، ضمن مشروع «فاكتوري لبنان». سُنَّ هذا التقليد عام 2012، على شكل محترف سينمائي يُعنى بإنجاز عمل جماعي يتكون من أربعة أفلام قصيرة عن بلد معين، يُسند إخراجها بالتشارك إلى 4 مخرجين محليين و4 سينمائيين قادمين من مختلف مناطق العالم. تشكل الرؤى المتقاطعة لكل هؤلاء «بورتريه» جماعياً للبلد المعني. في «فاكتوري لبنان»، تشارَك أحمد غصين مع الفرنسية لوسيه لاشينيا لإخراج «تشويش»، بينما تقاسمت شيرين أبو شقرا إخراج «أوتيل النعيم» مع السويسري مانويل ألميريدا، واشترك رامي قديح مع البوسنية أونا غونجاك في تقديم «سلامات من ألمانيا»، بينما حمل الفيلم الرابع El Gran Libano توقيع مونيا عقل والكوستاريكي إرنستو فيلابولوس.

الميزة الأساسية لهذه الأفلام الأربعة أنها طرحت جانباً النظرة الاستشراقية إلى سحر لبنان، بوصفه «سويسرا الشرق»، لتغوص عميقاً في التناقضات الفاقعة للراهن اللبناني، بداية من سطوة عصابات الإجرام، التي تسرق أمن البلد وأهله (تشويش)، وصولاً إلى الكارثة البيئية التي تهدد طبيعة لبنان الساحرة، بسبب الجشع المالي والسياسي في El Gran Libano، الذي تميز إلى جانب خطابه البيئي بتأثيرات أسلوبية قوية من المعلم البوسني أمير كوستوريتسا، مروراً بجشع كبريات شركات البناء، التي باتت أخطبوطاً يهدد الهوية العمرانية للبلد (أوتيل النعيم)... من دون أن ننسى، بالطبع، سمّ الطائفية الذي يتجرع مرارته بطل «سلامات من ألمانيا»، وهو شاب لبناني يقوم بتزوير جواز سوري، أملاً في استعماله للهجرة إلى ألمانيا بصفة لاجئ، وإذا به يقع بين أيدي دورية أمن (ميليشيا؟) تسلط عليه كل الحقد العنصري والعنف الطائفي الذي بات القوت اليومي لملايين اللاجئين السوريين في لبنان. أهلاً بكم في «سويسرا الشرق» (سابقاً)!

عثمان...

####

«مركز السينما العربية» في برلين... وعلى النت!

أصبح «مركز السينما العربية» مسجلاً في برلين كمؤسسة غير ربحية، ليتكامل هذا مع استراتيجية المركز الذي تنظمه شركة MAD Solutions في مكتبيها بالقاهرة وأبوظبي، وتهدف إلى الترويج للسينما العربية في مهرجانات وأسواق السينما الدولية وفق ما جاء في بيان صادر عن المركز.

وبالتزامن مع هذا، كشف المركز عن إطلاق «دليل السينما العربية» عبر موقعه على الإنترنت باللغة الإنكليزية http://acc.film، وهو دليل سينمائي شامل وخدمي يعتمد على مجموعة أدوات يتم تقديمها مجتمعة بهدف توفير المعلومات المرتبطة بالسينما العربية لصُنَّاع الأفلام داخل وخارج العالم العربي، وتيسر لصناع الأفلام والسينمائيين العرب الوصول للأسواق العالمية، كما تساعد ممثلي صناعة السينما العالمية في التعرّف بسهولة على إنتاجات السينما العربية:

ويشمل «دليل الأفلام العربية» التفاصيل الأساسية للأفلام العربية الطويلة (روائية ووثائقية)، وتتضمن صفحة كل فيلم ملخصاً لأحداثه، المدة، جنسية الفيلم، مخرجه وكاتبه، شركات الإنتاج والجهات الداعمة، الجوائز والمشاركات في المهرجانات. وسوف يتم لاحقاً إضافة عناصر أخرى من فريق صناعة الفيلم. النسخة الصادرة حالياً من دليل الأفلام تشمل الأعمال التي تم إطلاقها في المهرجانات العربية والعالمية خلال 2016 و2017، ثم سيتم إجراء تحديث للدليل ليشمل سنوات سابقة، مع إضافة الأفلام الأحدث. أما دليل المهرجانات، فيجمع التفاصيل الأساسية التي يحتاجها صناع الأفلام العرب من أجل إيجاد مساحة لأفلامهم في مهرجانات السينما الدولية والعربية، ويقدم المواعيد الأساسية للمهرجان بداية من تقديم الأفلام وحتى إقامة الفعالية، وأقسامه المتاحة لصناع الأفلام العرب، ووصلة لموقع المهرجان على الإنترنت.

ويقدم «دليل المنح والدعم» المعلومات الأساسية الخاصة بجهات الدعم والمنح المتاحة لصناع الأفلام العرب، على نطاق محلي، عربي ودولي، كما يوضح مواعيد فتح باب تقديم الأعمال. وأخيراً، يأتي «دليل مؤسسات التدريب والتعليم» الذي ييسّر للمبتدئين والمحترفين العرب البحث عن فرص لتسجيل أنفسهم في برامج التدريب والتعليم من المؤسسات السينمائية العاملة بهذا المجال، ويهتم الدليل بتوضيح التخصصات المتاحة، وطرق التواصل مع المؤسسات. أما قسم «مشاريع الأفلام العربية»، فيسعى لحصر المشاريع التي تأتي من صناع أفلام عرب، والمرحلة التي وصل لها المشروع...

وسوف يعمل «مركز السينما العربية» بشكل دوري ومستمر على تحديث قواعد البيانات الخاصة بالقوائم، إضافة إلى مد نطاق خدماتها في مراحل تالية لتشمل أيضاً الأفلام العربية القصيرة، ومؤسسات التدريب والتعليم خارج العالم العربي، وكل المهرجانات المتاحة لصناع الأفلام العرب على نطاق دولي.

####

آدم ساندلر في «كان»... صدمة إيجابية!

منذ توقيعه عقداً مع شبكة «نتفليكس» لإنجاز عدد من الأفلام، يقابل الكوميديان الأميركي آدم ساندلر (الصورة) بردود أفعال وآراء سلبية، خصوصاً مع التقييمات السيئة التي أطلقها النقاد بشأن شرائطه The Ridiculous 6، و The Do-Over، و Sandy Wexler.

وعندما أعلن القائمون على الدورة السبعين من مهرجان «كان» السينمائي المستمرة حتى 28 أيّار (مايو) الحالي أنّ أحدث أفلام ساندلر The Meyerowitz Stories (استحوذت عليه «نتفليكس» في نيسان/ أبريل الماضي ــ إخراج نوا بومباك) سيشارك في المسابقة، سادت أجواء من الحيرة وعدم الإيجابية في أوساط النقاد والمعنيين. فالعمل الذي يؤدي بطولته الممثل البالغ 50 عاماً إلى جانب بن ستيلر وداستين هوفمان وإيما واتسون، يبدو «غير مألوف» مقارنة بالشرائط البازرة التي تعرض عادة خلال «كان». مع ذلك، قوبل The Meyerowitz Stories بردود أفعال إيجابية بعد العرض، فيما أبدى كثيرون «دهشتهم» من هذا الدور «الثوري»، وفق ما ذكرت صحيفة الـ «إندبندنت» البريطانية. على سبيل المثال، قالت صحيفة الـ «تلغراف» البريطانية أنّه «من النادر أن يكون أداء ساندلر بالروعة التي ظهر فيها في The Meyerowitz Stories...». أما موقع The Wrap، فلفت إلى أنّه «يبدو أنّ آدم ينتمي فعلاً إلى «كان»...».

يجسّد ساندلر وستيلر شخصيتي شقيقان لا تربطهما علاقة قوية، يجتمعان للاحتفال بأحدث أعمال والدهما الفنية. علماً بأنّ موعد إطلاق العمل عبر «نتفليكس» لم يحدد بعد.

وكان فيلم «أوكجا» (إخراج بونغ جون ــ هو ) قد أثاؤ بلبلة الأسبوع الماضي أثناء عرضه في «كان» بالمقاييس الخاطئة. لكن بعد تصحيح الخطأ التقني الذي تحمّل المسؤولون في «كان» مسؤوليته، قوبل الشريط بأربع دقائق من التصفيق وقوفاً.

الأخبار اللبنانية في

22.05.2017

 
 

السينمائيون العرب يتناقشون متفائلين بمستقبل أفضل

«الشرق الأوسط» في مهرجان كان (5):

هل الأفلام الفرنسية فرنسية أكثر من اللزوم؟

كان: محمد رُضا

برعاية الهيئة الملكية الأردنية للأفلام والمركز السينمائي المغربي، أقيمت يوم أول من أمس جلسة نقاش تحت عنوان «ما وراء الحدود: لماذا نجحت نسبة ضئيلة من الأفلام العربية في تجاوز المنطقة العربية والوصول للعالمية؟».

أدار الجلسة جورج ديفيد، أحد رؤساء الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، وضمت لمياء الشرايبي (المغرب)، درة بوشوشة (تونس)، سالم براهيمي (الجزائر)، محمد الدراجي (العراق) ومحمد حفظي (مصر)، وكلهم منتجون خبروا المهرجانات والأسواق العالمية ولو بنتائج مختلفة.

إنه سؤال ملحّ، ذاك الذي يطرحه هذا النقاش ويأتي في وقته تماماً، لأنه لم يعد من الممكن الاستمرار في الاعتقاد أن الأمور على خير ما يرام لمجرد أننا نعتقد ذلك أو لمجرد أن هناك بضعة أفلام استطاعت النفاذ إلى المسابقات الرئيسية.

تناول بعض المتحدثين هذا الواقع واجتمع الرأي في النهاية على أن المزيد من العمل مطلوب لدعم الفيلم العربي. وبداية تحدث كل من هؤلاء عن تجربته المحلية وتلك العالمية وكيف صاغ عملية الانتقال. درّة بوشوشة على سبيل المثال، لم تنجح في العام الماضي بإدخال فيلمها «هادي» إلى مسابقة مهرجان برلين الرئيسية، بل نال الفيلم جائزتين ثمينتين (الفيلم الأول وأفضل ممثل). علاوة على ذلك، وجدت نفسها وقد اختيرت عضو لجنة تحكيم المسابقة الرسمية هذا العام.

تجربة محمد الدراجي ربما كانت هي الأصعب إذ أشار إلى أنه على عكس السينمات الأخرى (المغربية أو التونسية أو الجزائرية) فإن المنطلق، عندما بدأ تحقيق أفلامه، كان من الصفر: «لا صناعة سينمائية في العراق، وكل شيء مجمّد وعندما تجلس مع أحد مسؤولي وزارة الثقافة وتعرض عليهم المساهمة في إنتاج فيلم، يقولون لك أنت (بطران). يرون أن العراق في حرب وأنا منشغل بصنع فيلم».

نقاشات وحفلات

الحال هو أن قيام كل دولة عربية بالاعتناء بحاضرها ومستقبلها السينمائي يوفر لها حرية حركة وسرعة قرارات ونفاذ إلى السوق والمهرجانات على نحو أسرع (وأفضل) من العمل المشترك. لا يعني ذلك أن لا نشهد إنتاجات مشتركة تونسية - أردنية أو مصرية - جزائرية أو مغربية - عراقية على نحو الإنتاجات المشتركة بين الدول الأوروبية، فيما لو كانت هناك الأرضية الصحيحة لذلك، لكن من حيث تقديم الفيلم إلى «ما وراء الحدود»، فإنه ليس نافعاً أن يحمل العمل ثلاث أو أربع رايات في حين أن الجمهور العالمي يفضل معرفة فورية ومباشرة بهوية الفيلم كبلد منشأ وكمضمون.

لاحظ بعد المنتدين أنه من الأسهل دخول أحد المهرجانات الخمس الرئيسية من الوصول إلى التسويق. وذكر أحدهم السينما الإيرانية وما وصلت إليه كمثال. لكن السينما الإيرانية، وعلى كون النظام الذي تنتمي إليه أو تحاول مجابهته من خارج حدوده، حظيت بدعم غربي لأن الغرب يريد تغيير النظام عبر الثقافة، والخطّة نجحت بحيث بات من السهل على فيلم إيراني، مثل «رجل كبرياء» وفيلم الأنيميشن الجديد «ممنوع في طهران» (Tehran Taboo)، ومثل أفلام فرهادي ومخملباف وكيارستمي السابقة، إيجاد فرص عروض جماهيرية في معظم أوروبا، بل وفي الصالات المتخصصة في الولايات المتحدة.

والنقاشات والدعوات لحضور المنتديات وجلسات النقاش كثيرة هذا العام، وبعضها مصحوب بحفلات غداء أو عشاء. يوم أمس، وعلى سبيل المثال، كان هناك حفل الغداء السنوي الذي يدعو إليه مهرجان دبي السينمائي كل عام. على أثره إعلان جائزة النقاد الذين اشتركوا في دعوة وجهتها لهم شركة «ماد سوليوشنز». وعلى يخت استأجره رجل الأعمال نجيب سايروس أقيمت ليلاً حفلة الإعلان عن ولادة مهرجان «الجونة السينمائي» الذي ستنطلق دورته الأولى في سبتمبر (أيلول).

هذا النشاط وسواه يستخدم المكان الأنسب للدعاية والحركة لكن العالم المحيط به، بدءاً من الهند وامتداداً إلى الصين ومن أوروبا إلى أميركا الجنوبية وما تحققه دول دون أخرى من نجاحات يتجاوز عالمية هذه النشاطات باستثناء أن مهرجاني دبي ومراكش هما الوحيدان العربيان - العالميان اللذان يتركان صدى إيجابياً يستند إلى خلفية وتاريخ كل منهما.

عن سينما وسينمائيين

الأفلام ما زالت تعبّر عن اهتمامات متجاذبة. ثلاثة أفلام فرنسية في المسابقتين (الرسمية و«نظرة ما») تميّزت بأنها فرنسية صميمة. على عكس العام الماضي، عندما عرض المهرجان فيلم «إل» لبول فرهوفن و«متبضعة شخصية» لأوليفييه أوساياس وسواهما في الأعوام السابقة أيضاً، هناك تلك المعالجة الفرنسية الخاصة التي تتبدّى من خلال أسلوب عمل يحمل في طياته الطريقة الفرنسية البحتة في تقديم الحكايات والرغبة في أن تكون الثقافة المعكوسة فرنسية لا باللغة وحدها بل بالسمات الحية لتلك الثقافة.

«أشباح إسماعيل» الذي تناولناه سابقاً هو من هذه الشريحة. بعده وردت أفلام «باربرا» و«نقاش عشاق». وهي على اختلاف ما ترويه ترصد الشخصيات الفرنسية عن كثب وإن كانت النتائج تختلف من فيلم لآخر.

بطل فيلم «أشباح إسماعيل»، ماتيو أمالريك، هو مخرج «باربرا». كما في «أشباح إسماعيل» يؤدي في «باربرا» دور مخرج (إلى جانب أنه يخرج الفيلم). ومثل الفيلم السابق يتجنب المخرج - كما تجنب أرنولد دبلشان في «أشباح إسماعيل» - تحديد الهوية الذاتية جداً. بكلمات أخرى، كلا الفيلمين يتحدث عن المخرج في ذات المخرج الفعلي، لكنه يتجنب التأكيد على أن الحكاية تَمُتّ له، أو أن الفيلم جزء من السيرة.

في «باربرا» تسأل بطلة الفيلم (جين باليبار) الممثل في دور المخرج أمالريك إذا ما كان يحقق فيلماً عنها أو عنه هو، فيجيبها: «الاثنان معاً». في الواقع هو ليس عنها كثيراً فباربرا هو الاسم الفني لممثلة اسمها بريجيت. أمالريك في الفيلم هو مخرج اسمه إيف. وبالتالي عندما يجيب إيف على ذلك السؤال بالقول إن الفيلم عن باربرا (وليس عن بريجيت) وعن إيف (وليس عن أمالريك) فإنه يزيد المسألة تعقيداً. لكنه ينجح إلى حد في زرع مرايا لكي تعكس جوانب الشخصيتين (الممثلة والمخرج داخل الفيلم) ونذر من حياتهما.

بدوره يعمد المخرج ميشيل أزانفسيوس، في فيلمه الجديد «مهيب»، إلى تقديم حالة دراسة غير واقعية بالضرورة حول سنوات من حياة المخرج الفرنسي جان - لوك غودار. مع جان - لوك غودار، وعلى الرغم من هويته السويسرية، لا تستطيع أن تذهب أبعد من ذلك في مهمّة تقديم هوية السينما الفرنسية.

بأسلوبه الحافل بالنشاط يورد أزانفسيوس ما اقتبسه من بعض ما نشر سابقاً عن الزيجة الفاشلة الثانية للمخرج الشهير وعن المرحلة الثورية التي مر بها (أو مرت به) في الستينات. الرواية التي اقتبس منها أزانفسيوس السيناريو كتبتها آن فايزمسكي التي كان غودار تزوّجها في سنة 1967 وطلقها سنة 1979 وهي فترة خاصة في حياة المخرج الراديكالي (آنذاك أكثر من هذه الأيام) التي رفض خلالها تحقيق أفلام لا تحمل آيديولوجيات ماويّة ولا تعبأ بأن تحمل سمات أعماله قبل تلك الفترة أو بعدها.

هم أزانفسيوس هو تحقيق متعة ترفيهية باستخدام شخصية تاريخية. غودار بعد تلك الفترة أصبح أكثر رصانة، وكان قبل تلك الفترة أكثر طموحاً ليكون فرداً في جبهة سينمائية شابة وجديدة ضمّت إريك رومير وفرنسوا تروفو وكلود شابرول وسواهم. لكن غاية المخرج الذي أخذ على نفسه اختيار مرحلة صعبة حول الزيجة بين مخرج في السادسة والثلاثين وممثلة في العشرين من عمرها، لا تعبأ بغودار وسينماه ولا تحتفي به كصاحب منصب في تاريخ السينما الفرنسية. ما يجيده المخرج، إلى حد ما، توفير معالجة مرحة وخفيفة حول موضوع كان يمكن أن يكون جاداً لو أراد.

الفيلم الثالث هو «دع نور الشمس يدخل» للمخرجة كلير دنيس. مثل الفيلمين السابقين، يشترك هذا الفيلم في الحديث عن نفسه وعن السينما الفرنسية. المختلف هو المخرجة لا تستعرض حياتها لكنها تلتزم بما وضعته كاتبتها كريستين أنوت من لمسات مستوحاة من حياتها ككاتبة، ولو أن الأحداث المسرودة يمكن تفسيرها على أنها غير شخصية.

كلمة السر هنا هو أن الكاتبة لها أعمال قليلة سابقة امتهنت فيها دمج الحكاية الذاتية بالحكاية الخيالية لتخرج بعمل لا يمكن فصل الخاص بالعام به. والمخرجة تحترم ذلك، وتبدو مرتاحة لأن الضوء، في هذه الحالة، ليس مسلطاً عليها، ولو أنها معنية به، إذ ما زال الفيلم يتحدث عن فنانة لديها مشروعها الطموح الذي تؤمن به وتؤديها جولييت بينوش.

عوض الكاتبة لدينا رسّامة تعايش رغبات عاطفية مندفعة منتقلة بين رجل وآخر. تبحث عن رغبتها الجنسية في رجال مختلفين ولا يستطيع أحد أن يرضيها. ليس أن الفيلم فاضح لكن المعالجة كوميدية، وبالتالي فإن تصوير حال بطلته وتصوير حال هؤلاء الرجال الذين يمرون في حياتها فلا تستوقف أحدهم، لأنه لا يلبي ما تبحث عنه في الرجل كخامة، يبقى خفيفاً وفي أحيان خِفَّته هذه تسبب له قدراً من التصدّع.

####

ميشيل ويليامز لـ «الشرق الأوسط»:

لا أرى نفسي نجمة الأفلام التقليدية

ثلاثة أفلام تتحدث عن الطفولة، أفضلها فيلم لا يظهر فيه الطفل (صبي في الثانية عشرة) إلا لبعض الوقت، هو «بلا حب» للمخرج أندريه زفيانتسيف. الآخران هما «أوكجا» («فتاة تحب الخنزير» الذي تم ابتكاره في مختبر، ونما ليصبح في نصف حجم كينغ كونغ) و«ووندرسترك» للأميركي تود هاينز الذي كان قدّم هنا، قبل عامين فيلمه «كارول».

حكاية صبي في الحادية عشرة من عمره ماتت والدته وتركته وحيداً ما جعله يبحث عن أبيه المختفي في ظرف غامض. هذا النطاق من الفيلم يقع في السبعينات ثم هناك حكاية شبه منفصلة أخرى تدور حول فتاة خرساء تعيش في عشرينات القرن الماضي وتهوى مشاهدة الأفلام (الصامتة آنذاك، وما يحمله الصمت من تواز مع كونها غير قادرة على النطق).

في حين تؤدي جوليان مور دور ممثلة من العهد الصامت، تظهر ميشيل ويليامز في دور أم الصبي الراحلة (نراها في مشاهد استرجاعية). تختلط ويليامز في عمل يراد منه أن يحتفي بالصوت والصمت معاً، وبقدرة الولدين على التعامل من موقعهما (الصبي بدوره شبه أخرس) مع العالم المحيط.

هذا دور غريب إلى حد بالنسبة لجوليان مور أو لميشيل ويليامز والأخيرة مثلت أول أفلامهالاسي») بينما كانت في الرابعة عشر من عمرها قبل أن تنطلق متدرجة في أدوارها المختلفة: «ولايات ليلاند المتحدة»، «أنا لست هناك»، «بروكباك ماونتن»، «جزيرة منغلقة»، وأخيراً «مانشستر على البحر».

·        بعد سلسلة من أفلام درامية بعضها تطلب الكثير من إضفاء مشاعر الحزن وحتى البكاء، تجدين في هذا الفيلم دوراً مختلفاً...

- صحيح. في 23 سنة من التمثيل لعبت شخصيات كثيرة، لكن هذه الشخصية اعتبرتها خاصة لأنها تتعامل مع امرأة حانية تحب صغيرها وليس لديها من المشاهد ما يكفي لتوفير ذلك، مما يعني أنه كان علي استغلال كل لحظة لكي أجسد فيها ما هو مطلوب مني تجسيده.

·        تتحدثين عن تكثيف اللحظة؟

- نعم. بعض الأدوار التي مثلتها، خصوصاً تلك التي كانت أدواراً رئيسية لي مثل «أسبوعي مع مارلين» و«وندي ولوسي»، كانت بالضرورة لديها الوقت الكافي لتقدم ما يراد لها تقديمه. ليس هناك من سرعة أو من محاولة تكثيف اللحظة كما تقول. هذا مختلف.

·        في «بروكباك ماونتن» وفي «مانشستر على البحر» لعبت دورين مساندين بدقائق ظهور محدودة. هل شعرت هناك بأن عليك تجسيد الحالة في حد أدنى من الكلمات أو المشاعر؟

- طبعاً. خصوصاً في «مانشستر على البحر». المشهد الذي ألتقي فيه وزوجي السابق في الشارع وأحاول التقرب منه مجدداً لأن الانفصال لم يكن في مصلحتي. هذا نوع من التكثيف الذي أقصده.

·        في «ووندرسترك» دورك المساند أصغر من أدوارك المساندة في مطلع مهنتك. هل تعتبرين ذلك أمراً ثانوياً أم تنظرين إلى تبعاته على أساس أنك ستنشدين في المرّة المقبلة دوراً رئيسياً؟

- لا أهمية في نظري لحجم الدور بل لمن يقف وراء الفيلم. تد هاينز (المخرج) يمتلك تاريخاً مضيئا من الأعمال الفنية ذات الجوائز ولا أعتقد أنني فكرت لأكثر من لحظة قبل أن أعلن رغبتي في تمثيل هذا الدور. صورناه كما كان مكتوباً بنفس الحجم وكنت سعيدة جداً بأنني أتعامل فعلاً مع مخرج موهوب.

·        المخرجون الموهوبون كثيرون بالنظر لقائمة أفلامك. يبدو أنك تختارين من تعملين معهم.

- في الكثير من الأحيان نعم. أمام كل الممثلات والممثلين فرصة لأن يختاروا المخرج أو يتركوا أنفسهم عرضة لاختيارات المخرجين. لا أرى نفسي نجمة في الأفلام التقليدية. أساساً لا أحب هذه الكلمة مطلقاً. إذا كانت مهنتي هي التمثيل فأنا ممثلة.

·        هل تشاهدين أفلامك بعد تصويرها أو من النوع الذي يهرب منها؟

- يعتمد ذلك على مزاجي. أحياناً أسارع في مشاهدة الفيلم الذي مثلته... قلتُ أحياناً لكني في الواقع أعني غالباً لأنه دائماً ما هناك عرض «برميير» أحضره أو عرض في مهرجان سينمائي. عموماً مشاهدة نفسي في أفلامي ليس تحدياً يتطلب جهداً (تضحك).

·        كما ذكرت لعبت أدواراً صغيرة في الأفلام أخيراً، لكنك في الوقت ذاته بدأت العمل المسرحي. هل هناك من تزامن مقصود؟

- ربما لعبت في العامين الماضيين مسرحيتين وثلاثة أدوار قصيرة. وعلى المسرح هناك قدرة على رؤية الذات تختلف عن السينما. أعني أن الجمال مهم بالنسبة للتمثيل السينمائي ما دامت الممثلة تؤدي دور بطولة أو دوراً يستند إلى اسمها، إلا إذا كان المطلوب منها أن تؤدي دور امرأة عجوز على سبيل المثال. في المسرح العناية بالجمال يختلف كثيراً. هناك حرية أكبر لأن جمهور المسرح لا يفرض عليك الشكل الذي عليك أن تقوم به. المسرحية هي التي تفعل ذلك.

·        كثيرون تحدثوا عن براعة دورك في «مانشستر على البحر»، وكتبوا عن صدق أدائك. هل البكاء سهل في المشاهد السينمائية؟

- (تضحك) تمثيل البكاء هو السهل أما البكاء نفسه فصعب. لكن هناك درجة عالية من الإحساس بالدور قد تساعد على تجاوز هذه الصعوبة.

·        هل تبكين في الأفلام التي تشاهدينها؟

- لن تصدق.

·        ماذا؟

- الأفلام الكرتونية حين أدرك أنها عنيفة لا تناسب الأطفال. فيها موت بعض شخصياتها. لماذا يريدون الحديث عن الموت في أفلام للأطفال.

·        هل أنت ممثلة تخطط جيداً لحياتها العملية؟

- لا. لا أخطط مطلقاً بل أعيش أيامي من يوم لآخر. أشعر بأن التخطيط ليس ضرورياً إلا في مرحلة مبكرة مثلاً. لكن الثبات على ما بنيته من كيان من الأفلام ضروري.

·        تؤدين حالياً، كما أعتقد، دوراً رئيسياً في فيلم «أعظم شومان» (The Greatest Showman) هل هو فيلم موسيقي حقاً؟

- نعم هو فيلم ميوزيكال. والتصوير انتهى قبل حضوري هنا. في الحقيقة هناك فيلم غنائي آخر نحاول أن ننجزه عن حياة جانيس جوبلين.

·        قرأت عنه منذ حين. ما الذي أخَّر إنتاجه؟

- لم يتأخر إنتاجه على ما أعتقد، لكننا نعمل عليه.

·        هل تمثلين دور المغنية الشهيرة؟

- نعم.

·        كان هناك فيلم تسجيلي عنها قبل عامين هل شاهدتِه أو تعتزمين مشاهدته قبل دخولك التصوير؟

- شاهدته وأعجبني كثيراً، لكن هناك مصادر أخرى للتعرف على هذه الشخصية. الكثير من الكتب. قرأت بعضها ولا يزال أمامي كتابان أو ثلاثة على ما أعتقد. لكن الصورة الشخصية لها معروفة ولا تحتاج مني للتعمق كثيراً.

·        معنى ذلك أنك ستقومين بالغناء...

- نعم. هذا ما أخشاه.

####

مغامرة في رحاب الدورة السبعين

قبل دخولك قاعة العروض في أي مهرجان هناك دائماً صف الانتظار. في تورنتو صفوف طويلة تمتد من مدخل الصالة إلى الشوارع الرئيسية أو الفرعية حسب موقع الصالة. في برلين، الصف داخل القصر رأفة بالعباد في ذلك الطقس البارد خلال فترة المهرجان.

في فينيسيا، تقف الطوابير في زقاقين طويلين يحيطان بأحد الصالات، أو داخل الكازينو الذي يتحول إلى قصر مهرجانات خلال الفترة. أما في «كان»، فهناك الشارع العام.

القادمون لمشاهدة أفلام المسابقة في صالة «ديبوسي» المخصصة للعروض الصحافية في المسابقة وقسم «نظرة ما» يسبقها درج طويل يبدأ من الرصيف ويبلغ ما يوازي، في مقاييس العمارة، الطابق الثاني. عريض. له سجادته الحمراء الخاصة، إذ تصعد عليه وتصل إلى البوابة الداخلية، هناك من يفحصك وما تحمله أمنياً، ثم تدخل الصالة ذاتها باحثاً عن مكانك المفضل. حال تختار مكانك المفضل فسوف تحاول الحفاظ عليه والعودة إليه في كل مرّة.

مدد الانتظار لدى بوابات الصالات في المهرجانات المختلفة تمتد من عشر دقائق إلى نصف ساعة. في «كان» يتجاوز نصف الساعة. يوم السبت، أول من أمس، تجاوز الساعتين.

ساعتان من الوقوف تحت شمس العصر التي تقلي وتشوي وأنت في مكانك. إذا تحركت قل وداعاً للمقعد الذي تحب أن تشغله. إن تحركت كثيراً، قل وداعاً ربما للصالة بأسرها لأن الحشود بالمئات.

هذا كان الوضع عليه في الساعة السادسة والنصف عندما اتخذت مكان الوقوف المعتاد عند البوابة الفاصلة. كان هناك نفر قليل وفيلم في البال هو «المهيب» لميشيل أزانفسيوس الذي يدور، على نحو أو آخر، حول سنوات الحب في حياة جان - لوك غودار. أزانفيسيس كان نال الأوسكار عن إخراجه «الفنان» قبل عدة أعوام ومن بعدها تراجع في قدراته ومكانته إلى أن كاد يتوارى كما بطل فيلمه ذاك. الآن لديه هذه الفرصة ليترك بصمة مهمّة في فيلم فرنسي بالكامل في مسابقة كثير من أفلامها فرنسية كاملاً أو جزئياً.

مر الوقت في أحاديث متنوعة بين هذا الناقد وزملاء أجانب له. واحد من الأرجنتين. آخر من بولندا. ثالث من كندا، واثنان لا أعرف من أين. نظرت إلى الساعة، فإذا بالزمن المعلن لبدء الفيلم (السابعة والنصف فرنسياً) لم يبقَ منه سوى ثلث ساعة، ونحن ما زلنا ننتظر كما لو أننا لاجئين عند باب الأونروا. كان هناك شيء خطأ لا نستطيع أن نعرفه ونحن على بعد أكثر من ثلاثين متراً من المدخل المغلق. أحدهم علّق قائلاً: «ربما احتج غودار على وجود فيلم عنه ويعقدون الآن اجتماعاً للبت في القضية». آخر قال: «هناك اجتماع سري»، وثالث توقع أن يكون العرض السابق (إعادة عرض لفيلم كلينت إيستوود «غير المسامَح») قد بدأ متأخراً ما نتج عنه التأخير.

في هذه الأثناء كان بلغ عدد المحتشدين من ثلاث جهات (تبعاً للتقسيم اللوني لبطاقات الدخول) أكثر من 800 شخص. وبدأ البعض بالصفير وإطلاق الأصوات. تم فتح باب المدخل العريض عند تلك الصالة وهبط الموظفون في سرعة. لم يكن هبوطهم منظماً كالعادة، وكان بعض النساء العاملات ينظرن خلفهن كما لو كن مهددات. بعد قليل بدا أن رجال الأمن يديرون عملاً ما. ونظرت إلى الملحقة الصحافية كرستين آميه التي اقتربت من حيث نقف بوجه منقبض. سألتها: «ما الحكاية؟ لماذا هذا التأخير؟»، قالت لي على مسمع من الواقفين قربي: «في البداية كان هناك فيلم إيستوود. بعده وجد الأمن حقيبة متروكة داخل الصالة ويُعتَقَد أنها قنبلة».

أخذ رئيس الأمن الخاص في قصر المهرجانات يعلن أسماء الموظفين والموظفات. وما إن انتهى حتى تحدث في سماعته ثم توجه إلى المحتشدين وصرخ بهم: «ابتعدوا أخلوا المكان». تدافعت الموظفات نزولاً إلى حيث نقف، واستدرتُ بدوري - وسواي - لننفذ الأمر الصادر. الآن أصبحت أنا في مؤخرة الحشد بدلاً من أكون في مقدمته، لكن بينما كنت أصرخ بالمحتشدين عدم التدافع (شاهدتُ ما يكفي من أفلام الكوارث) كان هناك من يصرخ مسبباً التدافع: «هناك قنبلة…»، ثم بصوت أعلى «قنبلة».

وقفت بعيداً أرقب. لم يغادر كل الحشود المكان بل تراجعوا إلى حيث أقف. بعد نحو ربع ساعة عادوا فملأوا الرصيف والساحة القريبة وأصبحت أنا في الخلف. لا يهم لننتظر نتيجة ما يدور. هنا تقدم الموظفون من جديد وفتحوا البوّابة إيذاناً بأن الكلاب ثم البشر لم يجدوا في الحقيبة المتروكة أي خطر.

حين دخلتُ الصالة لم أجد مكاني المعتاد. جلس عليه من يبدو كما لو كان من أبطال المصارعة الحرة الذي امتهن النقد كبديل.

####

كلينت إيستوود يعود لأفلام الغرب الأميركي

آخر أعماله فيلم «أنفورجيفن»

كان - لندن: «الشرق الأوسط»

في مهرجان «كان» السينمائي الدولي، قال الممثل كلينت إيستوود أثناء تقديمه نسخة مرممة من فيلم «أنفورجيفن»، الذي طرح قبل 25 عاماً، إنه «لا يستبعد القيام ببطولة عمل آخر من أفلام الغرب الأميركي».

وقال الممثل والمخرج، الذي يبلغ من العمر 86 عاماً: «منذ أن قرأت نص فيلم (أنفورجيفن) قبل 25 عاماً كنت أعتقد دائماً أنني سأقدم فيلماً أخيراً ممتعاً من أفلام الغرب الأميركي».

وأشار إيستوود إلى أنه لم يقرأ قط نصاً أفضل من فيلم «أنفورجيفن» منذ ذلك الحين، إلا أنه استدرك قائلاً: «لكن من يعلم. ربما يظهر شيء في المستقبل».

وحقق إيستوود شهرة واسعة لدوره في مسلسل «روهايد» التلفزيوني، وأفلام الغرب الأميركي التي تعتبر من الأعمال الكلاسيكية.

وفاز «أنفورجيفن» بأربع جوائز أوسكار، من بينها أفضل صورة، وأفضل مخرج الذي كان أيضاً إيستوود.

الشرق الأوسط في

22.05.2017

 
 

«قمر المشتري».. اللاجئون ملائكة تعري الواقع !

عبدالستار ناجي

يحضر موضوع اللاجئين بقوة ضمن عروض الدورة السبعين لمهرجان كان السينمائي وهو بلا ادنى شك حضور لم تخلقه الصدفة بل محصلة حتمية لموقف صريح من صناع السينما العالمية ومن بينهم المخرج المجري الهنغاري كوريل ماندروتشو بفيلمة الجديد قمر المشتري او قمر جوبيتر

ونشير هنا الى ان كوريل كان قد فاز في عام 20144 بجائزة تظاهرة نظرة ما عن فيلم وايت غاد. وفي مسيرته ستة افلام رسخته مبدعا وسينمائيا من الطراز الاول

في فيلمه الجديد يشتغل كوريل ماندروتشو على موضوع اللجوء و اللاجئين ولكن بصيغة تختلف شكلا ومضمونا عما هو سائد وتقليدي ومستعاد. تبدأ احداث الفيلم بإشارات علمية تقول بان العلماء اكتشفوا وجود كمية من الثلوج في احد اقمار المشتري وتحت تلك الثلوج كميات كبيرة من المياه تؤكد وجود الحياة وقد اطلق العلماء على هذا القمر اسم اوروبا ولهذا فان الاحداث تجري كما هو متخيل في ذلك القمر مع الاسقاط على المعاصرة والراهن حيث نتابع حكاية اب مع ابنه من سورية محاولات اجتياز الحدود المجرية من اجل الوصول الى اوروبا حيث يفترقان وخلال الرحلة تتعرض القافلة الى اطلاق رصاص من رجال الشرطة المجرية لتبدأ عملية مطاردة يتعرض خلالها عدد من اللاجئين الى الرصاص من بينهم ريان الذي يصاب بثلاث رصاصات من احد الضباط المجريين ورغم ان الرصاصات اصابت ريان بشكل قاتل الا انه يعيش بل ويتحول الى ملاك يستطيع الطيران

يتم نقل ريان الى احد المستشفيات وحينما يفحصه احد الاطباء يكتشف بان هذا اللاجئ المسكين قد تحول الى انسان ملاك يمتلك قوة خارقة حيث لا يموت ويواجه المصاعب ويعمل على امتلاك بركات تشفي الاخرين. ويعمل هذا الطبيب الذي يعيش على علاج الاثرياء والعاهرات وتجميع الاموال ومنحها الى صديقته الدكتورة من اجل كسب رضاها. يعمل هذا الدكتور على مرافقة ريان من اجل الثراء من البركات التي يمتلكها ومن بينها الطيران وتقديم المعجزات. ولكن الضابط السيئ الاخلاق الذي كان قد اغتال ريان يعثر على فيديو كان قد صوره الدكتور لريان وهو يطير كما ان الرصاصات لم تقتله ويحاول العثور على الدكتور وريان من اجل اغتياله من جديد

هكذا هو المحور الروائي للفيلم الذي يأخذنا الى صور غير نمطية عن معاناة اللاجئين وحكاياتهم وايضا تعرية الشرطة المجرية والممارسات السلبية لهم وايضا الاطباء والمصالح التي تحركهم. وايضا الظروف السيئة التي تحيط باللاجئين عند مرورهم بالاراضي المجرية سواء في قمر جوبيتر او على الارض المجرية في اوروبا الحقيقية

رحلة من التعرية والالم تعري الجميع وتعبر عن واقع حال عشرات الالاف من اللاجئين الذين اضطرتهم الظروف للهجرة. وصولا الى مطاردة يقودها الضابط الشرير لملاحقة الطبيب وريان وصولا الى المشهد الاخير حيث يكتشف الضابط بان ريان ملاك لا يجب ان يقتل ليتركه يطير في الفضاء.. وهنا دعوة صريحة لترك اللاجئين يعبرون الاراضي المجرية وصولا الى حلمهم بالحياة في اوروبا. فيلم شديد القسوة ليس على المجر أو المجريين بل على أوروبا في ظل بعض الممارسات السلبية من هذا الطرف او ذاك لتجارة قضايا اللاجئين. وحينما تأتي النهاية فاننا نشاهد ريان وهو يحلق عاليا فوق المجر بحثا عن حياة جديدة وأمل جديد بينما تغرق المجر بالفساد على جميع الاتجاهات والشرائح، فيلم يقول الكثير ومن هنا يستمد قيمته واهميته.

«120 نبضة في الدقيقة» عن معاناة مرضى الإيدز في فرنسا !

عبدالستار ناجي

يقدم المخرج الايطالى روبين كامبيلو الفيلم الفرنسي 120 نبضة في الدقيقة عن احد التجمعات التطوعية الخاصة بالدفاع من مرضى الايدز في فرنسا في فترة حكم الرئيس الفرنسي الاسبق فرانسوا ميتران

في تلك المرحلة كان التعامل مع مرضى الايدز ناقصا حيث لم يتم اكتشاف الادوية وايضا العلاجات والفحوصات الطبية اللازمة لعلاج او حتى اكتشاف ذلك المرض الذي اجتاح العديد من دول العالم

الفيلم يرصد نضال تلك المجموعة التطوعية من الشباب الفرنسي من الجنسين في قيادة المظاهرات من اجل لفت الانتباه بالذات الراي العام الفرنسي وايضا قيادة المظاهرات وتوجيهها بما يدعم جهودهم. مجموعة من الشباب من الجنسين وعلاقاتهم بل ومرضهم وموتهم وألمهم الجسدي والنفسي وحتى شذوذهم ومثليتهم وغيرها من العلاقات عبر سينما شديدة الذكاء في عدم الانزلاق الى مجانية الطرح والشعارات وايضا مشهديات العلاقات المثلية بل التحرك على مجموعة من الخطوط المكتوبة بعناية حول جملة تلك الشخصيات التي شكلت افراد تلك المجموعة والانطلاق خلفها بالذات مشهديات مواجهات شركات الادوية والابحاث وغيرها من اجل الوصول الى صيغ لتسهيل مهمة فحوصاتهم وعلاجهم

فيلم رغم طوله 1400 دقيقة الا انه يتميز بايقاعه المتسارع لتنوع الشخصيات وكثرتها وايضا حكاياتها ومغامراتها وظروفها. حكاية تقود الى اخرى ووجه يكمل الاخر وحوار يثري حوارا اخر كل ذلك من اجل البحث عن حلول وتشريعات تحمي تلك المجموعة

في الفيلم عدد من الوجوه الجديدة التي تمثل للمرة الاولى وقد عبرت عن شخصياتها التي قدمتها وهى تعبر في الحين ذاته عن الشخصيات ذاتها التي تتصدى للعمل بمعنى موائمة الشخصيات مع من يقدمها لانها تعيش ذات الظروف.

وحتى لا نطيل نشير الى ان الفيلم يمثل حالة من الجرأة العالية وايضا الاكتشاف لجملة من الوجوه التي عبرت عن حالات مرضى الايدز

ويبقى ان نشير الى ان الفيلم يتوقع له شئ من الحصاد ولربما جائزة لجنة التحكيم الخاصة.

تظاهرة «أسبوعا المخرجين»: الجميع مر من هنا

عبدالستار ناجي

تمثل تظاهرة «اسبوعا المخرجين» واحدة من التظاهرات الاساسية في مهرجان كان السينمائي والذي يضم ايضا المسابقة الرسمية ونظرة ما و اسبوع النقاد وايضا ركن الافلام القصيرة وغيرها من الاحتفاليات والمسابقات التي تتواصل على مدى اسبوعين من الزمان

وما يفخر به عناصر «اسبوعا المخرجين « ان النسبة الاكبر من اهم صناع السينما مروا عبر هذا التظاهرة التي راحت تمثل منصة حقيقية لاكتشافات الاجيال. ونشير الى ان «اسبوعا المخرجين» شهدت حضور اسماء مثل يوسف شاهين وفرانسيس فورد كابولا ومرينال سن ويلمز جونية وكم اخر من الكبار. كما قدمت هذة التظاهرة دعما كبيرا لحشد من السينمائيين العرب ومنهم الكويتي خالد الصديق والتونسي نوري بوزيد والمغربي نبيل عيوش ومواطنة الراحل الطيب الصديقي وكم اخر من صناع السينما في العالم العربي

ونتوقف في هذه المحطة للحديث عن ابرز الحضور هذا العام. حيث يعود المخرج الاميركي الكبير ابيل فريرا ليقدم فيلمه «الحياة في فرنسا». كما يقدم الاسرائيلي اموس غيتاي فيلم « غرب نهر الاردن « والذي يتوقع ان يثير كثيرا من الجدل كعادة هذا المخرج المشاكس

الفرنسية كلير ديني تقدم «شمس رائعة في الداخل» واما مواطنها برونو دومون فيقدم فيلم «جانيت ابنة جان دارك». 

وتضم قائمة الافلام التي انطلقت عروضها في هذه التظاهرة هناك افلام «كامبيرا» لجونز كاربينجو و «كوري بوري» للروبتو دو باولية و «الغابة» لشارينز باراتز و «دفاع التنين» لنتاليا سانتا و «نوتنجوود» لسونيا كرونلاند

هذا وتغيب السينما العربية هذا العام عن هذة التظاهرة وهي المرة الاولى منذ زمن بعيد بعد ان ظلت حاضرة بوصفها التظاهرة الاخيرة التي تعلن دائما عن اختياراتها مما يؤمن فرصة ايجابية للسينما العربية على وجه الخصوص للحصول على فرص تقديم اعمالها بالذات تلك القادمة من شمال افريقيا

وحرى الذكر ان مسابقة «اسبوعا المخرجين» هي التظاهرة الوحيدة التي تقدم عروضها في صالة فندق ماريوت « القصر القديم سابقا وليس القصر الجديد كما هو الامر مع بقية التظاهرات والمسابقات. ورغم ذلك تمتد الطوابير طويلا لنوعية الاختيارات التي تمثل في الغالب اكتشافات فنية عالية الجودة.

النقاد يمنحون جائزة أفضل فيلم «لأخضر يابس»

عبدالستار ناجي

فاز فيلم اخضر يابس بجائزة نقاد، السينما العربية في مهرجان كان السينمائي. فيما فاز المخرج محمد ذياب بجائزة افضل مخرج عن فيلمه اشتباك بينما فاز التونسي مجد مستوره بجائزة افضل ممثل عن فيلم نحبك هادي وذهبت جائزة افضل ممثلة الى هبة علي عن فيلم اخضر يابس وفاز بجائزة افضل سيناريو فيلم اشتباك لمحمد ذياب

هذا وقد شارك في عضوية لجنة التحكيم 25 من ابرز نقاد السينما العربية من بينهم الزميل الناقد عبدالستار ناجي.

أوما ثورمان تترأس «نظرة ما»

عبدالستار ناجي

تترأس النجمة أوما ثورمان لجنة تحكيم مسابقة نظرة ما في الدورة الـ70 وهي إحدى المسابقات الرسمية لمهرجان كان السينمائي وتعرض الأعمال التي تقدم وجهة نظر فريدة من نوعها فضلا عن الأفلام ذات الطابع الأصيل والمختلف من كل أنحاء العالم، وفاز بمسابقة العام الماضي فيلم The Happiest Day in the Life of Olli Maki للمخرج جيهو كوسمنان، فيما حصد مات روس جائزة أفضل مخرج عن Captain Fantastic. ويشهد هذا العام مشاركة عربية بفيلمين في مسابقة نظرة ما وهما على كف عفريت للتونسية كوثر بن هنية وطبيعة الوقت للجزائري كريم موساوي.

النهار الكويتية في

22.05.2017

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)