كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

بدرو المودفار في «جولييتا» يتحيز للأمهات

الكويت ـ عبدالستار ناجي

مهرجان كان السينمائي الدولي

الدورة التاسعة والستون

   
 
 
 
 

حينما تذكر السينما الاسبانية فان اسم المخرج بدرو المودفار يأتي في مقدمة تلك الاسماء لأسلوبه الطبيعي واحترافيته في الذهاب الى موضوعات وقضايا مثيرة للجدل.

وعبر مشواره الثري بالأعمال والنتاجات السينمائية التي اوصلته للفوز بأوسكار افضل فيلم اجنبي عن فيلمه «السارق» نشير الى عدد متميز من الاعمال ومنه «التعليم السيء» 2004 و «من أجل امي» 1999 و «كيكا» 1993 و «الكعوب العالية» 1991 و «ماتادور» 1986 وغيرها من الأفلام التي رسخته مبدعا يمتلك بصمته حيث اعماله السينمائية دائما ثرية بالالوان المشرقة كما هي شمس اسبانيا المشرقة.

في أحدث اعماله «جولييتا» يأخذنا المودفار الى حكاية السيدة جولييتا ايما سواريز. تعيش في العاصمة مدريد مع ابنتها انيتا ادريانا يجارتي. تمر حياتهما بمساحة من الصمت اثر رحيل سوان دانييل جارو زوج جولييتا ووالد انيتا. ورغم ان الازمات تجمع الناس الا ان هذه الازمة العاصفة ادخلت كل منهما في صمت مظلم قاس فرق بينهما حيث تقرر ان تنفصل انيتا عن امها دون ابداء أي سبب مما أزم الام وضاعف احزانها فهي من فقدت الزوج وها هي اليوم تفقد الابنة التي سهرت عليها الليالي واعتنت بها وربتها افضل تربية ومنحتها كل شيء تريده.

ومن أجل تجاوز الذكريات تقرر جولييتا الانتقال الى الاقامة في مكان مختلف حتى لا تعود بذاكرتها الى زوجها أو حتى ابنتها العاقة. وتمضي الايام حيث تقوم جولييتا بكتابة جميع احداث قصتها وعلاقتها مع سوان وانجابها لانيتا وكم اخر من الحكايات. حتى تلتقي بفنان تشكيلي ترتبط به يحاول ان يخرجها من ظلمة الايام والعزلة السوداء وألم الوحدة والفراق ولكنها تصر ان تبقى بعيدة عن كل شئ.

ذات يوم تلتقي مع احدى صديقات انيتا التي تخبرها انها التقت بـ انيتا وان هذه الاخيرة غير سعيدة بحياتها وتعيش الألم والتعب خصوصا بعد ان انجبت طفلين وفقدت احدهما. هذا الحادث يجعل جولييتا تترقب من جديد عودة ابنتها التي تظل تحتفل في كل عام بعيد ميلادها رغم عدم حضورها.

وفي احدى جولاتها وهي تمشي هائمة تفكر بابنتها تتعرض لحادث مروري تنقل على اثره الى المستشفى حيث يحاول صديقها الفنان التشكيلي مساعدتها من اجل تجاوز الم الاصابة والم عقوق الابنة. في تلك الاثناء تصلها رسالة وللمرة الاولى من ابنتها تشير الى العنوان وهو ما تفهمه جولييتا وصديقها الفنان التشكيلي دعوة لعودة المياه الى مجاريها فتقرر جولييتا ان تسافر لها لينتهي الفيلم مع الاقتراب من المدينة التي تسكن بها جولييتا. متجاوزة كل المها ولوعة فراق الابنة التي لم تفارقها ابدا.

الفيلم منذ اللحظة الأول يتحيز الى الأمهات بل يظل يشتغل على هذا الموضوع الذي يمثل اليوم الموضوع الابرز في العلاقات الاجتماعية في اوروبا على وجه الخصوص حيث تحولت البيوتات الاوروبية الى العاطفة الجافة وعزلة الابوين عن ابنائهم رغم كل التضحيات التي قدماها لابنائهم عبر المراحل المختلفة.

في فيلم «جولييتا» نرى فيه اللون والقضية وايضا الاداء العالي المستوى والشخصيات التي تثري الحدث بمضامين انسانية ابعد واعمق واثري. حيث يعتمد على نص كتبه بدرو المودفار نفسه وهكذا هي عادته حيث يأتي بالحكاية كذريعة لتمرير الاشكال الفنية التي يريدها وهي دائما مقرونه بلغة لونية مشرقة بالذات في مرحلة علاقة الحب بين جولييتا واسن وايضا عن انجابها وفي مرحلة العزلة والفراق ذهبت الالوان الى الرمادية والقاتمة حتى على صعيد الازياء.

«جولييتا» فيلم ثري بالمضامين الاجتماعية والتأكيد بان اسبانيا تظل تتمتع بالاسرة المتماسكة حتى رغم عذابات البعض وهو يدعو الى تعميق قيم التلاحم الأسري حتى رغم انشغال البعض واقامة البعض الآخر في مدن مختلفة فالاسرة والعلاقات الاجتماعية والانتماء الى البيت والاسرة هي مفردات ومعان وقيم يفترض ان تظل حاضرة ونابضة.

في الفيلم مدير التصوير الرائع جان كلود لاريو الذي عمل في عدد من اعمال المودفار وهكذا الامر مع الموسقار البرتو اجليزا الذي صاغ عددا من تحف المودفار السينمائية البارزة.

ويبقى ان نقول: سينما بدرو المودفار هي سينما الانسان بلغة فنية عامرة بالألوان.

سينماتوغراف في

26.05.2016

 
 

ثنائية الآباء والأبناء في أفلام "كان"

أمير العمري

من "التيمات" الرئيسية التي ظهرت في عدد كبير من أفلام المسابقة الرسمية في الدورة الـ69 من مهرجان كان السينمائي، "تيمة" العلاقة بين جيل الآباء (أو الأمهات) والأبناء، وكيف يصبح اهتمام الأم أو الأب بمصير الأبناء، هاجسا معذبا، قد يدفع الأمور في اتجاه يقود إلى السقوط

في فيلم "بكالوريا" للمخرج الروماني كريستان مونجيو، الشخصية الرئيسية هي شخصية الأب، وهو طبيب اقترب من التقاعد، لديه ابنة وحيدة تستعدّ لدخول الامتحانات النهائية لنيل شهادة "البكالوريا" (أو الثانوية العامة).. يريدها أن تسافر بعد ذلك إلى بريطانيا للالتحاق بالدراسة الجامعية هناك. تسيطر على الرجل فكرة النجاح والتفوق، يريد أن يضمن بأي ثمن، تفوق ابنته حتى يضمن قبولها في الجامعات البريطانية، وهو يلجأ بالتالي إلى بعض الأساليب التي تعتبر غير قانونية، لكنه يراها مجرد "خدمات بسيطة" متبادلة بين أناس في مناطق النفوذ أي تعتمد أساسا على الوساطة والمحسوبية

يتخذ الفيلم من هذا المدخل وسيلة لكشف الفساد في المجتمع الروماني، ولكن دون أن يُصدر حكما على الرجل، بل على العكس فهو يُقدّمه بنوع من التعاطف والتفهُّم الكبير لدوافعه، بينما يجعل الابنة تقف عاجزة عن تقبُّل وفهم ما يقوم به والدها من أجلها، بل تريد أن تستقلّ وأن تصبح وحدها صاحبة القرار حتى لو كان معنى ذلك التوقف عن مواصلة المشوار والتراجع عن ذلك الطموح العلمي والمستقبلي

الفكرة الأخلاقية هي محرك العمل، والتساؤل عن الدوافع هنا لا مجال له، فنحن بصدد التفكير في نسبية القانون ومغزاه أمام مشاعر أب في علاقته بابنته الوحيدة التي يحبها أكثر من أي شيء في العالم، ولكن هل يمكن أن يصبح هذا الحب مبررا لممارسة بعض التجاوزات. كلها أفكار يثيرها هذا العمل الكبير الذي يتميز بالتعبير السينمائي البليغ.

أما المخرج الإسباني بيدرو المودوفار، فهو يصور في فيلمه "خوليتا" معاناة أم تركتها ابنتها قبل 12 سنة، وانقطعت أخبارها عنها تماما إلى أن تذكرتها أخيرا فأرسلت لها رسالة، دفعت الأم إلى مراجعة شريط حياتها من البداية، من قبل أن تنجب تلك الابنة، وكيف مات والد الفتاة في حادث غرق، ثم ارتباط الابنة بعالم الروحانيات وتفضيلها اعتزال الحياة العادية، ثم الاختفاء الطويل، قبل أن تتلقّى الأم ما يفيد أنها أنجبت ثلاثة أبناء. لكن اللقاء بينهما لا يتم أبدا. ويتعين على الأم أن تقضي بقية حياتها تعيش فقط على ذكريات الماضي

هنا يصبح الانفصال بين الأم والابنة، كأنه فعل قدري قادم من المجهول .. أو بموجب معتقدات معينة لا يُحدّدها الفيلم، تجعل المرء يتخلى عن أقرب الناس إليه، ويفضل حياة منفصلة ومستقلة تماما عمّن أتى به إلى الحياة.

وفي الفيلم البريطاني "أنا دانييل بليك" يضع المخرج كين لوتش في بؤرة الفيلم إلى جانب بطله النجار العجوز الذي يكافح كفاحا مريرا ضد بيروقراطية نظام الضمان الاجتماعي، امرأة شابة مسؤولة عن إعالة طفليها، لكن مع انتقالها من لندن إلى نيوكاسل، تنقطع المنحة التي كانت تحصل عليها من الضمان الاجتماعي، فتعاني من شظف العيش وتضطر لاختلاس بعض المواد الغذائية من أماكن التسوق مما يُعرّضها للوقوع في الكثير من المشاكل، وعندما يستبد بها الجوع تتوجه إلى أحد مراكز مساعدة الفقراء أو ما يطلقون عليه "بنك الطعام" للحصول على بعض المواد الغذائية، بما يعكسه ذلك من مهانة شديدة تجعلها تنهار بعد أن تتناول محتويات علبة من علب الخضراوات بصورة تكشف عن معنى وصول الجوع بالإنسان إلى حد مهين. ومع تفاقم أزمتها وعجزها عن الحصول على ما يكفي تسقط في مستنقع بيع الجسد بعد أن أصبح هذا هو الطريق الوحيد أمامها لإطعام طفليها.

أما الفيلم البرازيلي "أكواريوس" (أو برج الدلو) فبطلته صحفية متقاعدة في الخامسة والستين من عمرها، تقيم في شقة فخمة تطل على البحر مباشرة، تريد إحدى شركات المقاولات إخراجها من شقتها بعد أن أخرجت السكان جميعا، من أجل هدم المبنى القديم وبناء برج تجاري حديث، لكنها ترفض وتتشبّث بالبقاء في شقتها التي أنجبت فيها أبناءها جميعا الذين كبروا الآن واستقلّوا بأنفسهم وأصبحوا لا يستطيعون أن يفهموا تشبثها العنيد بالشقة، لكنها تواجههم بكون هذه الشقة هي مخزن ذكرياتها وحياتها وفيها أنجبتهم جميعا وتولّت تربيتهم إلى أن كبروا، وهي تصل في مواجهتها مع المسؤولين في الشركة إلى أقصى مدى، وتنتصر عليهم بحنكتها وقوة إرادتها.

وتتركز الدراما في الفيلم الفلبيني "ماما روزا" على شخصية "روزا"، وهي امرأة في منتصف العمر، متزوجة وتعول ثلاثة أبناء، تعيش حياة الفقر المدقع في أحد الأحياء الهامشية البائسة في مانيلا، تبيع بعض الأشياء الصغيرة مع زوجها، وتضطر تحت وطأة الفقر إلى توزيع المخدرات سرا. يقبض عليها رجال الشرطة مع زوجها بعد عثورهم على المخدرات لديها، لكنها تفاجأ في قسم الشرطة بأنهم يطلبون منها دفع مبلغ مالي كبير مقابل إطلاق سراحها مع زوجها، ثم يرغمونها على الوشاية بالموزِّع الذي تتعامل معه ويقبضون عليه في كمين مدبر تشترك فيه معهم مرغمة، ثم يطالبونه بدوره بتسديد مبلغ مالي مقابل إطلاق سراحه، ثم يرغمونه على الكشف عن التاجر الذي يعمل لحسابه، وهكذا في سلسلة متواصلة من عمليات الاعتقال بغرض الابتزاز.

الجانب الأكبر من الفيلم يتركز على تصوير معاناة أبناء روزا الثلاثة من أجل تدبير المبلغ المالي المطلوب بشتى الطرق، وهنا يكشف الفيلم عن مدى ما وصل إليه المجتمع من انحطاط أخلاقي، بعد أن يكشف الفيلم عنف الشرطة ضد البؤساء، واستغلالهم لنقاط ضعفهم، وضلوع كبار المسؤولين في الشرطة في شبكة فساد لا يمكن لأحد أن يخترقها

فيلم "ماما روزا" يتميز بطابعه شبه التسجيلي، بينما يتميز فيلم المودوفار "جولييتا" بأجواء مخرجه الروائية المألوفة، وهو البارع في نسج خيوط حكاية من داخل حكاية أخرى، متوقفا في حيرة وتساؤل معذب أمام معنى القدر، وحدود الاختيار الانساني.

 ويطغى البعد الواقعي الصارم على فيلم كين لوتش "دانييل بليك"، الذي يصل إلى أقصى ما يمكن في هجائه لسياسة المحافظين التي جعلت الفقراء أكثر فقرا. ونفس تلك الواقعية مع لمسة إنسانية بعيدة عن الرسائل المباشرة، هي ما يميز الفيلم الروماني "بكالوريا".

وموضوع العلاقة بين الأب والابنة هو الأساس الدرامي الذي يقوم عليه الفيلم الألماني "توني إيردمان" للمخرجة مارين أده، التي تشوبها انعدام القدرة على التواصل، فالأب تقدم به العمر وأصبح في حاجة إلى الشعور بحنان الابنة بعد أن ماتت زوجته ثم مات أيضا كلبه الأثير مؤخرا، أما الابنة الشابة فقد اتخذّت لنفسها مسارا عمليا في الحياة، فهي تعمل لحساب شركة من شركات الانشاءات الجديدة، تتصف شخصيتها بالجدية والصرامة، لا تقيم وزنا كبيرا للمشاعر، بل إنها تترك ألمانيا للعمل في فرع الشركة في بوخارست برومانيا، بحثا عن تحقيق طموحاتها.

يلحق بها والدها هناك لقضاء بعض الوقت معها، لكن سرعان ما يعاني من انشغالها عنه، فيقرر الرحيل ثم يعود متنكرا في شخصية رجل أعمال، عابث، محب للحياة، ينثر الفوضى حوله أينما حلّ، يريد أن يدخل البهجة والسرور على قلب الابنة، يرغب في أن ينقل إليها معنى أن الحياة بكل هذا التجهم والصرامة لا تساوي أن نعيشها، فما معنى أن يمضي قطار العمر لنكتشف بعد فوات الأوان أننا لم نتذوق طعم السعادة والمرح.

فيلم "توني إيردمان" عمل بديع، منسوج ببراعة، فيه الكثير من المشاهد التي تولد الضحك بسبب تصرفات الأب في تقمصّه لشخصية عبثية تصل إلى درجة الخبل والجنون، كما فيه الكثير من اللحظات الشاعرية التي تدفعنا إلى التفكير في معنى حياتنا، وعلاقتنا بالعالم.

انشغال السينما العالمية بالعلاقة بين الأبناء والآباء لاشك أنه يعكس وجود فجوة ما بين الأجيال، ربما تكون التكنولوجيا الجديدة قد ساهمت في تعميقها، وربما تكون عوامل الفقر والفاقة والمعاناة سببا إضافيا في دفع الآباء إلى التضحية بأنفسهم من أجل حياة أفضل لأبنائهم. ورغم كل شيء يبقى المعنى قائما: أننا لن نستطيع أن نعيش في عزلة عن بعضنا البعض، والأولى أن ننظر إلى أقرب الناس إلينا ونحاول أن نفهم مشعرهم واحتياجاتهم النفسية ونمنحهم بعض الأمل

الجزيرة الوثائقية في

26.05.2016

 
 

المخرج الكندي الشاب كزافييه دولان… المتمرد «الناضج»

فاز بثاني جائزة في «كان» وله 6 أفلام

باريس ـ «القدس العربي» من صهيب أيوب:

لم يكن فوز المخرج الكندي كزافييه دولان عبثاً بالجائزة الكبرى في مهرجان «كان». الشاب الآتي من عوالم كيبيك الكندية، استخدم لغة سينمائية تشبهه، مكنته مراراً من لفت الأنظار. لا سيما أنه ابتدأ مشواره بحالات شخصية عاشها، حوّلها إلى أشرطة سينمائية، تبدو على اشتباكها بالشخصي أشبه باختبار لعبة مقامرة، لكنها مثيرة للجدل وصادمة تشبهه إلى حد كبير. لكن أفلامه الخمسة قبل الأخير، راكمت نضوجه السينمائي وروضت تمرده، بما يخدم السينما، إخراجاً وتمثيلاً. 

ما فعله دولان، في فيلمه الأخير «فقط نهاية العالم»، كان عكس، ما قدمه سابقاً. سيبدو أنه خضع أخيراً إلى لغة سينمائية كلاسيكية، دفعت به إلى الواجهة، وأيضاً إلى اقتناع لجنة التحكيم بفوزه، بعد سنتين من نيله جائزة لجنة التحكيم، مناصفة مع جان لوك غودار عن فيلمه «مومي» (Mommy)، الذي كان بمثابة تكريس لسينمائيته التجريبية. 

خرج الشاب ابن السابعة والعشرين من عباءته، بالطبع لم يلغ صوته في الفيلم، ولا بصمته (برزت جلية في كتابة السيناريو)، إلا أنه هذه المرة، استكان لقواعد اللعبة. استعان بـ5 ممثلين، من نجوم السينما الفرنسية، هم: كاسيل وليا سايدو وماريون كوتيار وغاسبار أوليل وناتالي باي. أدى هؤلاء أدوارهم بإتقان شديد. تلاعبوا على النص، إذا صح التعبير، كأنهم انتشلوه من طوله وكثرة حواراته. على الرغم من أن نص الفيلم استند إلى فكرة مسرحية في الأصل (للكاتب لاغارس)، وهو ما بدا محاولة مجهدة لدولان في استخدامه سينمائياً، بما يخدم عناصر كثيرة، أولها الحوار بين الشخصيات، وتنقلها في حيّز ضئيل. 

يتحدث الفيلم عن كاتب يعود إلى أهله بعد غياب، يريد أن يخبرهم أنه مصاب بمرض مميت، ويرغب في قضاء الأيام الأخيرة معهم. الكادر المتحرك ضيق، حوارات عائلية، ستسكنها روح الذكريات وثرثرة طويلة، حول أمور يومية ومآس شاقة خاضتها العائلة في زمنها الأول. ما أوجده الحاضر، هو عائلة مفككة. أم غارقة في عالم خاص، وشقيق متزوج من امرأة يتعرف عليها الكاتب حديثاً، وأخت كبرت في غيابه. وكل هم الكاتب كيف سيعلن أمامهم هذا الخبر السيئ. وحدها زوجة الأخ، استطاعت معرفة السرّ، وكانت تزيد من اسئلتها حول الوقت المتبقي له، لكن يخرج الكاتب مودعاً، من دون أن يعلن سرّه. وفي المشهد الأخير، يضع إصبعاً على فمه وهي تنظر إليه (زوجة الأخ)، كأنه يطلب منها ألا تحكي ما عرفته، وما سيكون صعباً على العائلة تقبله. 

استخدام الثرثرة، في الفيلم، بدا توظيفاً ممكناً، أخذ بالحوار الداخلي، بين الشخصيات، إلى ما تصنعه العائلة أصلاً. فما هي أحاديث العائلات، سوى ثرثرة فضفاضة، ملء الفراغات بالكلام والحشــــو، إلا أن الكلام هنا، لتباطؤه ووفرة كلماته، صنع أصل الفيلم وحكايته. فلا شيء سيجمع هؤلاء أصلاً، سوى الكلام، بعد مرور 13 عاماً. خصوصاً أن الموت، الذي يبدو قطبة مخفية، في حواراتهم، والخط الفاصل بينها، يتم تجاوزه بالثرثرة. فهو في متن الحكاية مضمر ومسكوت عنه. ويبدو أن هذا ما لفت انتباه لجنة التحكيم، وما مكّن ضمنياً دولان من الفوز بالجائزة، التي تعدّ الثانية في المهرجان. 

حين بدأ دولان، تجربته، كان خارجاً للتو من مراهقة، تبدو اهتماماتها ثائرة، ومادتها الخام العلاقة المعقدة والمتوترة بين الأم وابنها. فكرة عادية، لكنها مرّة. الخوض في عمل شخصي، ينسغ التمرد في حكاية، تدخل بسيكولوجياً، في نمط العلاقة بين الولد المثلي وأمه. ويظهر هذا، جلياً، في فيلمه «قتلت أمي». لكن في «مومي»، الذي يتحدث أيضاً، في باطنه وظاهره عن الأم، تجلت براعة المخرج. فهو استطاع نقل أصوات الطبقة العاملة والعلاقة الأسرية المضطربة، بين أم وابنها. الأم هنا، أم عادية ومتهورة، لا تشبه أمهات الأفلام الكلاسيكية، حيث التفاني والتضحية. دولان، يكسر هذا الـ«تابو» بقوة، ولكنه أيضاً يصوّر لنا، امتزاج الحب والعنف، في علاقة الولد المصاب بمرض «إفراط الحركة»، مع أمه اللامبالية. لكن على ما يبدو، أن محاولات دولان، السينمائية، رغم خضوعها المستجد لكلاسيكية الأفلام الفرنسية، إلا أنها ستجعل منه لاحقاً، أحد أهم المخرجين الذي تمردوا على شخوصهم، وثابروا على صناعة سينما شابة ومتألقة.

القدس العربي اللندنية في

26.05.2016

 
 

محمد دياب مخرج "اشتباك":

توقعت الهجوم على فيلمي

تحول فيلم مصري يحاول معالجة قضية الاستقطاب داخل المجتمع ونبذها إلى مادة للجدل وتعرض صناعه للانتقاد حتى قبل عرضه جماهيريا ليصبح هو ذاته محل استقطاب خاصة بعد مشاركته في أكبر مهرجان سينمائي دولي.

وقال المخرج المصري محمد دياب إنه منذ شروعه في صنع فيلم (اشتباك) كان يتوقع أن يكون هناك من يعجب بالفيلم ومن لا يعجبه لكن الغريب هو أن حالة الجدل والنقاش بدأت فور عرضه في مهرجان كان السينمائي هذا الشهر.

وعرض فيلم (اشتباك) في افتتاح قسم "نظرة ما" بالدورة 69 للمهرجان التي أقيمت في الفترة من 11 إلى 22 مايو.

وأضاف "كل من شاهد الفيلم في مهرجان كان من النقاد أشادوا بأنه محايد تماما ولم ينحز إلى طرف على حساب آخر إنما انحاز للإنسان ولم يناقش سياسيا من على صواب ومن خطأ."

وتابع قائلا "لكن هل يعني هذا أننا لن نهاجم؟ سيهاجمنا من يؤيد الإخوان ومن يؤيد الثورة وغيرهم.. أنسنة الآخر وسط حالة الاستقطاب جريمة وهي جريمة نحن مدانون بها ونفخر بها."

وتتوزع البطولة بين 23 ممثلا في مقدمتهم نيللي كريم وهاني عادل وطارق عبد العزيز وأحمد مالك فيما يمثل الفيلم للبعض الآخر التجربة الأولى.

وقال دياب إن الفيلم نال إشادة كبيرة من النقاد والمشاهدين في مهرجان كان السينمائي وأن مجلة "هوليوود ريبورتر" صنفته ضمن أفضل عشرة أفلام بالمهرجان وهو ما يعتبره دافعا معنويا كبيرا في حد ذاته رغم عدم تتويج الفيلم بأي جائزة.

وقال "على المستوى الشخصي هناك سؤال دائم يدور داخل كل فنان .. هل أنا موهوب أم لا؟ ووجودي في مهرجان كان يعني بالنسبة لي أني فنان جيد وهي شهادة كنت أحتاجها كإنسان وفنان."

وأضاف "مع ردود الفعل الإيجابية في المهرجان واختيار المنظمين عرض الفيلم في افتتاح قسم نظرة ما كنت أحلم بالفوز بجائزة .. لكن في النهاية الأمر يخضع لتقييم لجنة التحكيم وأعتقد أن الجائزة الحقيقية التي نلناها هي إشادة النقاد والمقالات النقدية الإيجابية ورأي الجمهور."

وضم قسم "نظرة ما" هذا العام 18 فيلما من اليابان وإيران وروسيا وإيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة وتكونت لجنة التحكيم من خمسة أشخاص برئاسة الممثلة السويسرية مارتا كيلر.

وعن توقعاته بشأن استقبال الجمهور في دور السينما للفيلم قال دياب "الفيلم به عناصر الفيلم الجماهيري فهو ممتع وسريع وبه ضحك وشخصيات متنوعة.. لكن هل ستقبل الناس على مشاهدته في السينما هذا سؤال لا أملك إجابته الكاملة."

وأضاف "أتمنى أن تتغلب الناس على فكرة أن الفيلم يتحدث عن اشتباكات ومظاهرات لأن الفيلم أعمق من هذا لذلك نراهن على من سيشاهد الفيلم وأن يحكي من يشاهد لمن لم يشاهد وتتضح الرؤية أن الفيلم بعيد عن الكآبة والعنف بل هو فيلم إنساني."  

من المتوقع طرح "اشتباك" في دور السينما المصرية في أغسطس.

وعن عمله القادم قال دياب "خيال علمي.. أعمل في السينما لأني أحب هذه المهنة وهدفي تقديم أعمال مختلفة وجديدة."

وأضاف "فيلم اشتباك تكلف نحو مليون دولار وصور في 26 يوما.. وبعد تقديمه أصبحت هناك جهات كثيرة متحمسة للإنتاج لنا."

وعن مدى صعوبة تنفيذ هذا المشروع قال دياب "الفكرة بالنسبة لي كمبدع هي.. احلم وبعدين فكر في المنطق لتحويل هذا إلى حقيقة."

وتدور أحداث الفيلم - وهو الثاني لدياب بعد (678) في عام 2010- خلال يوم واحد داخل سيارة ترحيلات للشرطة وسط المظاهرات التي أعقبت عزل الرئيس المصري محمد مرسي في 2013 وبداخلها معتقلون من توجهات سياسية وفكرية مختلفة.

ومما لفت الانتباه للفيلم مشاركة الداعية الإسلامي المصري معز مسعود في إنتاجه - وهو أمر غير شائع في المجال السينمائي المصري- بالتعاون مع المنتج محمد حفظي وعدة جهات أخرى.

ورغم عدم عرض الفيلم في مصر بعد إلا أنه تعرض لانتقادات من وسائل إعلام رسمية اتهمت المخرج "بتقديم صورة مشوهة للمجتمع المصري" بتصوير مصر كسجن كبير ممثلا في عربة الترحيلات والدعوة من خلال الفيلم "للتصالح مع جماعة الإخوان المسلمين".

لكن نقابة المهن السينمائية والاتحاد العام للنقابات الفنية وجبهة الإبداع ساندوا المخرج الشاب في بيان وأعربوا فيه عن "دعهمم وفخرهم لفريق فيلم اشتباك وحقهم في العمل والتعبير الإبداعي الحر."

وقال دياب في مقابلة مع رويترز يوم الأربعاء "كنا أمام اختيارين عندما جاءت هذه الفكرة لأخي خالد دياب .. إما أن نصنع هذا الفيلم الآن أو نؤجله لوقت لاحق. اختيارنا كان أن هذا هو أفضل توقيت لصنعه."

عين على السينما في

26.05.2016

 
 

رفقاء داميان أونوري يعودون إلى الجزائر" مرفوعي الرأس"

"قنديل البحر": غضب وتميز.. وتحدٍّ

الجزائر: محمد علال

 صحيح لم يخرج الفيلم الجزائري القصير “قنديل البحر” للمخرج داميان أونوري بجائزة في مهرجان كان ومسابقة “لاكنزان” التي مر إليها من بين 5 آلاف اختيار، لكنه صنع الحدث خلال عرضه رفقة 9 أفلام متنافسة في هذه المسابقة، وأخذ حيزا كبير من النقاش الذي دار بين مخرجي الأفلام والصحافة، فالتجربة السينمائية الجزائرية كانت مفاجئة لكل من تابعها، وكانت مختلفة في تناولها لموضوع قريب من الواقع ولكن بنكهة خيالية، هذا التمازج الفريد من نوعه مرره الفيلم برسائل خاصة وبلوحات فنية ومؤثرات بصرية صنعت الجزء الخيالي، ليقص حكاية العنف ضد المرأة والتحرش، ويلفت الأنصار بقوة إلى الحزن في غرائز الانتقام التي قد يحملها أي ضحية في مجتمع لا يرحم.

تشد حكاياتُ التحرش والاعتداءات على النساء المخرجَ داميان أونوري في تجربته الإخراجية الروائية الطويلة الأولى، وقد جاءت فكرة الفيلم مميزة من ناحية الأداء والإخراج، تحمل معها لمسات خيالية لم تعتد عليها السينما الجزائرية، فقد رسم داميان أونوري خطا فلسفيا لأبطال الفيلم الذين جسد أدوارَهم كلٌّ من الممثلة عديلة بن ديمراد، والممثل نبيل عسلي، والممثل عزيز بوكروني، وفق سيناريو يحاور الواقع والخيال، استلزم تجسيده السفر بالفيلم إلى الصين من أجل ضبط المؤثرات البصرية.

التميز

شيء كبير يحسب للفيلم، من خلال وصوله إلى مسابقة “لاكنزان” بمهرجان “كان”، هذه الخطوات السريعة لفيلم جزائري أنتج بعزيمة الممثلين الجزائريين الأقرب في روحهم إلى السينما المستقلة عن سينما الدولة، ليس وحده الأهم في مسار إنجازات الفيلم، فبالإضافة إلى ذلك هناك نجاح الفيلم في خطف الأنظار واستقطابه لنقاشات كل من تابعوا عروض أفلام “لاكنزان” القصيرة، والتي شملت 9 أفلام من عدة دول، وهناك أيضا لحظات خاصة قدمها الفيلم تجعل من السينما الجزائرية تعلو في سماء غير الأفلام الثورية والرسمية التي تنتج في الجزائر بدعم كبير من الدولة.

الغضب

هكذا يريد المخرج داميان أن يرهن مشاعرنا طيلة مدة الفيلم (39 دقيقة) من خلال شخصية نفيسة (جسدت دورها عديلة بن ديمراد)، في قالب من القلق والخوف والحسرة والحزن والكثير من المشاعر القادمة من مصير البطلة التي راحت ضحية العنف المتفشي في المجتمع ونظرة الرجل للمرأة، قبل أن يستقر في عالم الخيال، بعد أن تحولت نفيسة إلى وحش مائي ناقم وغاضب وساخط من كل شيء. ويعتمد الفيلم على الحوار بدرجة كبيرة، حيث يجعل من الحكاية رهن النص الطويل الذي يأتي بشكل مباشر، أحيانا على لسان البطلة وأحيانا أخرى يمنحها دور الراوي، ليفسر ملامح التفكك في المجتمع والغضب والظلم.

في هذا الفيلم نكتشف الكثير من مواهب الممثلين الجزائريين الشباب، أولا في أداء الممثلة عديلة بن ديمراد التي سبحت تحت الماء وفي ظروف صعبة لزمن طويل، دون أن يبدو عليها الإرهاق، بل كانت تخرج في كل مرة من تحت الماء بقوة أكبر في الأداء، وهو ما جعل الفيلم يقدم فلسفته الحقيقية حول ثورة المرأة ضد الظلم.

كما أعطانا الفيلم فرصة لاكتشاف جوانب جديدة من موهبة الممثل نبيل عسلي الذي تقمص شخصية الزوج، وارتدى عباءة القلق والحزن على زوجته التي كانت تغرق في مشاهد الظلم والحقرة والاعتداء دون حول ولا قوة له، كان الممثل نبيل عسلي قد نزع مجددا عباءة الكوميديا ورجع إلى التراجيديا في الأداء.

التحدي

هو عدسة مدير التصوير الجزائري محمد العقون الذي لم يدخر جهدا في منح الحرية للكاميرا كي تغوص عميقا في البحر، من أجل الخروج بصور لم تعرفها السينما الجزائرية من قبل، فتقنية التصوير تحت البحر لم يعتمد عليها أي فيلم جزائري من قبل، على الأقل في السنوات الأخيرة حين كانت جميع كاميرات الأفلام الجزائرية تصل إلى الغابات بحثا عن معارك تعود إلى سنوات الاستعمار الفرنسي للجزائر أو في أحياء وشوارع المدن وداخل المنازل.

الخوص لعدة دقائق تحت الماء في تجربة سينمائية فريدة من نوعها لكاميرا السينما الجزائرية، منحت الفيلم عمرا تجاوز حدود 37 دقيقة بلا مبرر في بعض مشاهده، ولكن الفيلم كان عطوفا على المتفرج، لا يشعرك بالملل رغم ترهُّل بعض المَشاهد، إلا أن المخرج داميان أونوري يجعل الفرجة تنصهر مع المتعة والقلق على مستقبل الضحية، بينما يتلاشى أي إحساس بالملل أمام عامل الإثارة التي جاءت هي الأخيرة مخيفة ومقلقة ومحزنة، تسحب الفيلم إلى نهاية مفتوحة تقترب بخطوات إلى عالم الخيال، ولكن قدميها لا تفارقان الأرض.

يبدو الفيلم غاضبا وساخطا من واقع الإعلام، وتحديدا من ممارسات بعض القنوات الخاصة التي وُلدت لتسحب العقلية الجزائرية إلى وراء وتكرس الشعبوية، وهو ما أعلنه المخرجُ صراحة عقب عرض الفيلم في نقاش حاد، ويتصالح مع التاريخ والطبيعية الجزائرية، وخصوصا الشواطئ والسواحل التي يمنحها بريقا خاصا ومميزا، تخلب أعين المتابع نحو جولة سياحية جزائرية في شواطئ مدينة تيبازة.

الخبر الجزائرية في

26.05.2016

 
 

«أنا، دانيال بليك» مأساة وداعية من «آخر اليساريين المحترمين»

إبراهيم العريس

عندما اعتلى المخرج الــبريطــانــي الثــمانــيـني كين لوتش خشبة الحفل الختامي للدورة الأخيرة لمهرجان «كان» السينمائي ليتسلم السعفة الذهبية التي فاز بها وسط تصفيق مدهش من الحضور، لا سيما من السيدات اللواتي كنّ متزينات بأثواب ومجوهرات مذهلة، فاته في خطبته الطويلة نسبياً أن يلفت نظر الحضور إلى أن مجمل ثمن تلك الملابس والمجوهرات قد يكفي وحده لإنقاذ حياة ومصير ألوف من أمثال دانيال بليك، الشخصية المحورية في فيلمه الذي شارك في مسابقة «كان» وأناله ثاني سعفة ذهبية في مساره الفني. لو كان الفرنسي/السويسري جان – لوك غودار مكانه لفعلها وأخبرهم بكل لؤم عما يدور في رأسه في تلك اللحظة. لكن لوتش، ومهما كان من شأن غضبه الاجتماعي وحدّة نضاله السياسي يبقى رجلاً إنكليزياً مهذباً من طراز نادر. من هنا لم يكن من قبيل المصادفة أن يلقب بـ «آخر اليساريين المحترمين».

ولا شك في أن أهل «كان»، بقدر ما كافأوه في الحفل الختامي على قوة فيلمه الجديد وربما حتى، على كلاسيكيته «الوظائفية»، كافأوه أيضاً على تاريخه السينمائي الحافل والكبير، هو الذي مضى عليه حتى الآن نصف قرن بالتمام والكمال يخوض الفن السينمائي، بالمقدار نفسه الذي يخوض فيه النضال السياسي ودائماً دفاعاً عن القضايا العادلة والشعوب المظلومة في العالم، وصولاً طبعاً الى مواقفه المعروفة في تأييدها لقضية الشعب الفلسطيني ما أغضب اليمين الإسرائيلي ودفعه الى محاربته... كين لوتش لا يطيق أن يرى مظلوماً في هذا العالم. وهذا ما عاد وأكده هذه المرة من جديد في فيلمه الفائز في «كان» «أنا، دانيال بليك».

هل كان يستحقها؟

من ناحية مبدئية لا بد منذ البداية هنا من إراحة ضميرنا النقدي والإشارة الى أنه على رغم الـــسرور الذي اعترانا ونحن نرى كين لوتش يتوّج للمرة الثانية بسعفة «كان»، لا بد من التأكيد على أن «تسعيف» الفيلم فاجأنا. إذ، حتى لئن كان عدد الأفلام المستحقة هذا التتويج في هذه الدورة قليلاً، فإن ثمة أفلاماً فيها بدت لنا، من الناحية الفنية على الأقل، أكثر استحقاقاً للسعفة من فيلم لوتش. فهناك «طوني إدرمان» – الذي لو فاز لكان التجديد مزدوجاً: السعفة لفيلم كوميدي ولفيلم ألماني وهما أمران ندرا في الآونة الأخيرة -، وهناك «باترسون» الذي عاد فيه جيم جارموش الى رونق سينماه القديم، وهناك أيضاً «لافنغ» لجيف نيكولز، وربما «فقط نهاية العالم» فيلم كزافييه دولان «الثرثار» – راجع مكاناً آخر في هذه الصفحة -، كما هناك بالطبع «البائع» لأصغر فرهادي، حتى وإن كان قد أتى أدنى من توقعاتنا. مهما يكن، إذا كان اختيار لجنة التحكيم التي ترأسها جورج ميلر قد وقع على فيلم لوتش، فلا بأس. كان هو أحد اختياراتنا الثانية على الأقل. ونحب هنا أن نحتفل به، على الأقل إحتفاء بصاحبه، الذي لم يتغرب كثيراً عن تاريخه في خطبة الفوز حين تحدث عن فيلمه وعن الظلم الإجتماعي وعن العدالة والبيروقراطية ونسي أن يقول ولو عبارة واحدة عن ذلك الفن السينمائي العظيم الذي لا يزال يخوض فيه ويحمّله مواقفه ونضالاته منذ العام 1966 حين بدأ صور واحداً من أول أفلامه «كاتي تعود الى البيت».

رجل يحلم بعالم أفضل

منذ ذلك الحين وكين لوتش في الواجهة، يحقق فيلماً كل عام ونصف تقريباً ويحلم بعالم أفضل. عالم لا تدمر فيه المستشفيات نفسيات الشبان وحياتهم («حياة عائلية» -1971-)، ويخلو من تلك الحيوات التعيسة («ريف راف» -1991 -، «تمطر حجارة» -1993-، «ليدي بيرد» -1994-) ومن آلام الطبقة العاملة («إسمي جو» -1998»، «سويت سكستين» -2002»، «الملاحون» -2001»). عالم يطلع فيه العالم كله على «خفايا» الثورة والقضية الإيرلنديتين («تهبّ الريح» الذي أعطاه سعفته الذهبية الأولى في العام 2006 إضافة الى عشرات الجوائز الأخرى، ناهيك بفيلمه السابق «قاعة جيمي» 2014). ولئن اهتمت سينما كين لوتش بقضايا الثورة العالمية في أفلام مثل «أرض الحرية» -1995-، وأغنية كارلا» -1996-، و «إنه عالم حر» -2007-،و «بز وورود» -2000-، فإن «حرب الأميركيين والبريطانيين معهم على العراق» وفق توصيفه، لم تغب عن باله، إذ ها هو يدنو منها في واحد من أحدث أفلامه «آيريش رود» -2011-.

غير أن كل هذا السجل الحافل من أفلام السينما السياسية على طريقة كين لوتش، لا ينبغي أن ينسينا أن الرجل عرف، أحياناً، في بعض أفلامه على الأقل، كيف يخوض مواضيعه بطرافة تنفي عنه صفة التجهم التي ربطها البعض به. فها نحن أمام الفيلم الذي عرضه في مهرجان كان في العام 2012 في عنوان «حصة الملائكة» – ونال عنه جائزة التكيم -، نضحك ونلهو مع أبناء حثالة مدن الأرياف البريطانية وهم يسرقون الويسكي من المصانع. وها نحن مع فيلمه «في انتظار إريك» -2009-، نلهو ونخوض رياضة كرة القدم مع العامل المحبط والمعجب في الوقت نفسه، باللاعب الفرنسي إريك كانتونا، إذ يظهر عليه اللاعب ذات يوم. بل حتى لم يخل الأمر في سينما لوتش من حكايات غرام دافئة («مجرد قبلة» -2004»، و «سويت سكستين» -2002-، مثلاً). ولكن هذا يحدث دائماً على خلفية تلك الأوضاع الإجتماعية التي ما لبث يرصدها، موصلاً هذا الرصد الى ذروته الآن في «أنا، دانيال بليك».

صراع ضد التنين

دانيال بليك الذي يعير اسمه لعنوان الفيلم هو عامل ستيني في مدينة صغيرة بريطانية حدث له أن أصيب بحادث عمل تسبب في أزمة قلبية. هو لم يعد قادراً على ممارسة مهنته، النجارة، بعد الآن، وصار من حقه أن يتقاعد تبعاً لنظام حماية إجتماعية سيتــبين له ولنا بسرعة أنه نظام نظري لا أكثر. فالإدارة ترفض طلبه وتطلب منه أن يسجل اسمه كعاطل عن العمل يبحث عن شغل. وهنا يبدأ الصراع الذي يكشف من خلاله كين لوتش، وكما فــعل أندريه زغينـــفييف الروسي قبل عامين في فيلمه «ليفياتان» الذي عرضه في دورة كان لذلك العام، كم أن الدولة وبيروقراطيتها/ تنين كبير يبـــتلع الكل، أناساً كانوا أو قوانين أو قيماً أخلاقية. في فيلمه الذي صوره وكأنه يصور فيلماً وثائقياً بحركة متواصلة لكاميرا راصدة متـــعاطفة وفاضـــحة، وبدينامية مدهشة لسيناريو وُظّف تماماً لخدمة الموضوع، في فيلمه هذا يتابع لوتش بطله في صراعه ضد لاإنسانية أجهزة الدولة، وموظفي هذه الدولة الذين قد يبدي بعضهم تعاطفاً إنسانياً ما، لكنه يبقى محدوداً وخارجاً عن السياق العام طالما ان السياق العام تنيني مبتلع، لا قبل له بإدراك أحاسيس البشر وآلامهم.

أما التعاطف الحقيقي فلن يلقاه دانيال بليك في رحلته الكافكاوية الكابوسية في دهاليز أجهزة الدولة وخشبية وجوه وظفيها، إلا لدى أمثاله: هنا لدى الأم العزباء ريتشيل ذات الطفلين واتي يلتقيها وهي تصارع بدورها أجهزة الدولة التي لن تعطيها مسكناً إجتماعياً إلا في منطقة تبعد مئات الأميال عن موطنها. سيتعرف دانيال على ريتشيل في دهاليز الصراع مع البيروقراطية. سيرتبطان كأسرة ويخوضان الصراع سوية، لكنه سيكون صراعاً مسدوداً. فذات يوم وسط لحظات السعادة الإنسانية الضئيلة التي سيوفرها له ارتباطه بريتشيل، وفي خضم صراعهما الذي بات مشتركاً الآن ضد سلطة الدفاتر الحجرية واللاإنسان، ستقضي الأزمة القلبية على دانيال ويموت، لعل السلطات تتنبه الآن الى أنه لم يكن يكذب حين قال لها انه لم يعد قادراً على العمل...

عندما كان كين لوتش يصور فيلمه السابق «قاعة جيمي» قال إنه سيكون فيلمه الأخير. لكنه حقق «أنا، دانيال بليك» بعده، ومن جديد قيل أنه ربما يكون هذه المرة فيلمه الأخير عن حق وحقيق. أما هو فلم يؤكد هذا ولم ينفه. فقط قال إن تصريحه إبان تصوير «قاعة جيمي» كان لصعوبة تحقيق الفيلم «اما اليوم فإن تصوير هذا الفيلم الجديد لم يكن صعباً...» إذاً؟ لسنا ندري. مهما يكن، عبر «السعفة الذهبية» التي نالها «أنا، دانيال بليك»، احتفل لوتش واحتفل أهل السينما معه بمرور خمسين عاماً على فيلمه الأول «كاتي تعود الى البيت» -1966-، وهو حين سئل عما يراه من قاسم مشترك بين هذين الفيلمين اللذين يفصل بينهما نصف قرن أجاب: «إن الفيلمين يرويان حكاية أشخاصن انقلب مسار حياتهم بفعل الوضع الإقتصادي. وهذا واقع ألهمنا كثيراً لكنه يبدو أشد حدة في الفيلم الجديد. أما الإخراج فيبدو لي شديد الاختلاف بين الفيلمين. في ذلك الحين كنا ندور في الشوارع مع كاميرا على كتفنا ونصور (...). مهما يكن فإن الواقع الذي نصوره اليوم في «أنا، دانيال بليك» يبدو أشد قسوة بكثير، لأن اقتصاد السوق قد تمكن أخيراً من أن يقودنا الى الكارثة».

بين زوج غيّور وربة عائلة تبيع المخدرات

كان واضحاً منذ بدء عروض أفلام الدورة الأخيرة لمهرجان «كان» السينمائي، أن التنافس الأشد سيكون هذه المرة على الجائزتين المخصصتين لأفضل تمثيل. فالأدوار المرسومة في أفلام المسابقة للنساء كانت قوية في شكل استثنائي، وكذلك كانت حال الأدوار الرجالية، وإن بدرجة أقل قليلاً. والحال أن أولئك النقاد الذين رأوا أن هذه الدورة «الكانيّة» تكاد تكون الأكثر أنثوية في تاريخه الحديث، لم يكونوا بعيدين من الصواب. ففي كل التظاهرات، بدءاً من المسابقة الرسمية، كانت الأفلام التي تخرجها نساء تنتشر واعدة فارضة حضورها. وعلى الشاشات، انتشرت نساء قويات متأملات: بعضهن يمسكن مصيرهن بأيديهن وبعضهن يعاكسن الحياة المرسومة لهن وبئس المصير.

نساء فاتنات، ونساء أقل فتنة، ونساء متمردات وأخريات ضائعات خائفات... إزاء هذا بدت «المعركة» حامية بين موظفة كبيرة تربكها مطاردة أبيها لها (في «طوني إردمان»)، ومساعدة عارضة أزياء تحاول الاتصال بروح أخيها الميت (كريستين ستيموارت في «مشتريات شخصية») وهاربة من بيتها تتجول في باص مع بائعي اشتراكات في الصحف (في «أميركان هاني»)، وسيدة برازيلية تصارع للحفاظ عى شقتها (في «أكواريوس»)... بين هاته النساء وربما نصف دزينة أخرى، بدا الصراع محتدماً. لكن المفاجأة أتت في الحفل الختامي: ذهبت الجائزة إلى الفيليبينية جاكلين خوسيه بطلة فيلم «ما روزا» الستينية.

كان مدهشاً أن تتفوق هذه السيدة المجهولة تماماً على كل ذلك الرهط من النساء. لكن «المعجزة الصغيرة» حدثت ووقفت «روزا» مذهولة على المنصة تتلقى جائزتها. في الأمس فقط كانت على الشاشة نزيلة قسم البوليس، إذ قبض عليها وعلى زوجها بتهمة الإتجار بالمخدرات. هي ربة بيت وصاحبة حانوت. امرأة مكتهلة طيبة عادية في مناطق مانيلا الشعبية. التقطها الفيلم في لحظة متأزمة من حياتها ليصورها من خلال حركة كاميرته المتواصلة، تحاول وأبناءها تدبير مبلغ من المال لرشوة الضابط كي يطلق سراحها. ابنها الأصغر يبيع جسده. وابنتها ترهن هاتفها... في النهاية تخرج من القسم لتقف بكل سعادة وحيـــادية تأكل قطع اللحم عند ناصية شارع وفي عينيها نظرة تـــساوي ألف جائزة... أما نحن المتفرجين فكنا في تلك الأثناء نتابع كاميرا المخرج بريانتي مندوزا وهي ترينا كل ذلك البؤس والفساد في عالم فقد أحلامه الكبيرة...

ليس في فيلم «البائع» للإيراني أصغر فرهادي بؤس يصل إلى الحدود التي صورها مندوزا في بلده. لكنّ فيه تصويراً لحال المجتمع في إيران اليوم إنما هذه المرة من خلال حكاية تكاد تكون هتشكوكية: جريمة وتشويق وانتقام... وتعمّق في دراسة سيكولوجية الأطراف المتعددة لدراما تحدث مصادفة.

ومن خلال ذلك رصد هادئ لأحوال مجتمع يعيش شتى انفصاماته في هذا البلد الغامض إيران. أما البائع الذي أعار اسم مهنته إلى عنوان الفيلم/ فبائع مسرحي: أستاذ مدرسة ثانوية يشارك فرقة مسرحية في أداء مسرحية آرثر ميلر «موت بائع متجول»، حيث تشاركه زوجته الصبية الحسناء التمثيل في مسرحية انهيار الحلم الأميركي المعروفة. غير أن الفيلم يبدأ بانهيار آخر. حقيقي في الفيلم هذه المرة: انهيار وشيك للبناية التي يشغل الزوجان إحدى شققها. ما يضطرهما إلى المغادرة مع الجيران مرتعبين. يتمكنان من الحصول على شقة سنعرف أن مستأجرة سيئة السمعة كانت تقيم فيها وتركت وراءها حوائجها التي لن تستعيدها أبداً. لكنها تركت أيضاً واحداً من زبائنها يزور الشقة فيما الزوج غائب والزوجة تستحم. لن نعرف أبداً ما حدث. لكن الزوج إذ يعود يكتشف أن زوجته المجروحة في رأسها نقلت إلى المستشفى. فيبدأ رحلة البحث عن الجاني حتى يعثر عليه بفضل بعض الأدلة... ويحاول الانتقام منه.

قد لا يكون لـ «البائع» قوة فيلمين سابقين لفرهادي هما «انفصال» و «بصدد إيللي»، ومع هذا بدت الجائزتان «الكانيّتان» (السيناريو وأفضل ممثل) اللتان حصل عليهما مستحقتين وبقوة. لا سيما منهما جائزة أفضل ممثل لحسين شـــهابي، الزوج الذي حمل وحده النصف الثاني من الفيلم قوياً في صمته وبحثه ورغبته في الانتقام/ مشتغلاً في تعابير وجهه اشتغال أي واحد من تلاميذ «استديو الممثل» الكبار. من هنا، كان التصفيق كبيراً لفنان كان أثبت حضوره في فيلمين سابقين لفرهادي، على الأقل... لينضم بهذا على منصة الختام إلى زميلته الفيليـــبينية محـــققين للشــرق الآسيوي انتصاراً مزدوجاً في دورة من الواضح أن الانتصار في «معركة التـــمثيل» فيها يعني الكثير بعدما خاض كل من الفنانين مجابهة استثنائية.

فتى «كان» المدلل يدخل الكلاسيكية من بوابة الموت

إبراهيم العريس

على رغم أنه يعتبر عادة الفتى المدلّل لمهرجان «كان» كما لغيره من المهرجانات السينمائية التي اكتشفته واكتشفت سينماه المميزة وهو بعد خارج لتوه من سن المراهقة، فإن قلة فقط توقعت بعد العرض الأول لفيلم الكندي كزافييه دولان الجديد «فقط نهاية العالم» في اليوم الثامن للمهرجان، أن يخرج بجائزة كبيرة. في المرة السابقة كان دولان – على عكس ما ذكرنا خطأ في رسالة سابقة عن «كان» – فاز بجائزة النقاد عن رائعته «مامي» شراكة مع جان – لوك غودار... ومرات عديدة قبل ذلك كانت سينماه قد أدهشت حين عرضت أفلامها في تظاهرات «كانية» متنوعة مثل «نظرة ما» و «أسبوع النقاد»... ومن هنا كان فيلمه الجديد منتظراً، ربما أكثر من أي فيلم آخر. وكان منتظراً فيه أن يواصل تجريبيته الشكلية ومواضيعه المتمردة التي صنعت قيمته كسينمائي مجدد، يشتغل على حكاياته الخاصة ويعطي لنفسه حرية قصوى في التعبير وبخاصة في التشكيل. يوم عرض «مامي» قبل عامين كان السؤال: إلى أية حدود يمكن دولان أن يصل في لغته السينمائية؟ وكان من المتوقع للجواب أن يأتي مع «فقط نهاية العالم».

لكن «فقط نهاية العالم» أتى شيئا آخر تماماً.. ومن هنا كانت الصدمة التي أصابت هواة سينما هذا الفتي الكيبيكي الذهبي الذي اعتاد أن يلعب بالسينما كما يلعب فتية وول ستريت الذهبيون بالبورصة. قال أحدهم: «لا يبدو هذا فيلماً لدولان!» ولم يكن القائل مخطئاً تماماً. ذلك أن صاحب «لورانس كيفما كان الأمر» و «قتلت أمي» بدا هذه المرة كلاسيكيا أكثر من أي وقت مضى... بل بدا مخضعاً لغته السينمائية إلى ضرورات لعبة التمثيل التي استعان فيها بخمسة من كبار نجوم السينما الفرنسيين ليؤدوا أدوارهم على مستوى شديد الارتفاع. مستوى كان من الواضح أن المخرج وممثليه يلجأون إليه كي يخلصوا السيناريو من بعده المسرحي كهمّ أول لديهم.

والحال أن دولان اقتبس موضوعه هذه المرة من مسرحية معروفة للكاتب لاغارس تكاد تكون «أوتوبيوغرافية» تتحدث عن كاتب يعود إلى بلدته وأهله بعد غياب، بل انقطاع دزينة من الأعوام وغايته أن يخبرهم أنه يعيش آخر أيامه وقد يحب أن يمضي هذه الأيام بينهم. وهؤلاء الأهل ليسوا كثراً على أية حال: هناك الأم الغائصة في عوالمها، والأخت التي نضجت خلال سنوات الغياب، والأخ الأكبر وزوجته التي كان تزوجها خلال غياب الأخ العائد. ومن هنا ما الفيلم في عالم العائلة المغلق، سوى لعبة حكي متواصلة تستعاد فيها الذكريات والمآسي الماضية، وسط محاولات متكررة يبذلها الكاتب المحتضر لإعلان النبأ المقابري الذي أتى به إلى هنا. من هنا، تلعب الثرثرة في الفيلم دوراً أساسياً سيبدو، ظاهرياً، وكأنه يسير على الطريقة الفرنسية في تلك الأفلام التي لا ينتهي فيها الكلام. ولكن لا... الثرثرة هنا في فيلم دولان عنصر أساسي من عناصر الفيلم. ليست هنا ثرثرة مجانية، بل فعل همّه أن يغطي عجز المحتضر عن قول الجملة الوحيدة التي جاء أصلاً ليقولها. وعجز العائلة عن تقبل الجملة نفسها... وبالفعل سوف ينتهي الفيلم من دون أن يعلن بطلنا نبأه غير السعيد فيما هو يحمل حقيبته ويخرج. وحدها زوجة الأخ الغريبة أصلاً عن العائلة فهمت الأمر منذ البداية. بل إنها تطرح السؤال عليه واضحاً حول كم من الوقت بقي لديه للعيش. لا يجيبها بل إنه في المشهد الأخير وهو يودع عائلته وينظر إليها، يضع إصبعه على شفتيه طالباً منه بتلك الحركة ألا تقول شيئاً قبل أن يبتعد وسط تلك الموسيقى الرائعة التي وضعها للفيلم غابريال يارد المؤلف اللبناني الذي جعل الموسيقى هنا جزءاً عضوياً من لغة الفيلم وسياقه.

إذاً، في لعبة الحوار هذه وفي لعبة المسكوت عنه في الحوار، كمنت قوة «فقط نهاية العالم» وانتماؤه إلى سينما كزافييه دولان المميّزة. ومن الواضح أن لجنة التحكيم أدركت تماماً ما سهى عنه بعض جمهور متفرجي الفيلم، ناهيك بأنها أدركت أن توجه دولان نحو كلاسيكية جديدة، والتركيز على لعبتي التمثيل داخل مكان مغلق، والصراع العائلي عبر الحوار، ولا سيما بين الأخ الأكبر وبقية العائلة – مشتملاً على تعنيفه غير المبرر لزوجته، اللهم إلا إذا فهمنا تصرفاته على أنها رد فعل متواصل للنبأ الذي يتوقعه من أخيه لكنه لا يريد سماعه. ومن هنا كانت لجنة التحكيم مصيبة في منح هذا الفيلم العنيف والتجديدي في مجال استخدام الحوار، الجائزة الكبرى التي تعتبر عادة ثاني أهم جائزة في المهرجان.

الحياة اللندنية المصرية في

27.05.2016

 
 

نجمات «كان» على الشاشة وخارجها.. الحياة بحلوها ومرها

رسالة «كان» ــ خالد محمود:

الدورة 69 أنهت سيطرة الرجال.. والنساء لم يخذلن المهرجان

كريستين ستيوارت وساندرا هولر وسنية براجا الأبرز.. وجاكلين خوسيه المفاجأة الكبرى

فتيات يصطففن يدعونك لقبلة مقابل دعوة لحضور أحد الأفلام تشارليز ثيرون.. أداء رائع فى فيلم باهت

شكل الوجود النسائى فى مهرجان «كان» السينمائى الدولى، الذى اختتم دورته الـ69، قبل أيام، مشهدا لافتا، سواء كان على شاشة المهرجان، حيث كانت حاضرة بأدوار قوية ملهمة، موجعة، صادمة، مبهجة، تعكس الحياة بحلوها ومرها، أو خارج الشاشة أمام قصر المهرجانات والشوارع المحيطة، حيث تحار عيناك بين فتيات جميلات ترتدين أجمل ثياب السواريه والشمس مازالت تشرق بوجهها تحتضن المكان للتاسعة مساء، وعطرهن يفوح بنسيم هو كل الحياة، يصطففن يدعونك لقبلة مقابل دعوة لحضور أحد الافلام، وهكذا الأمر يوميا.

انفجرت المرأة ابداعا وهى تتقمص شخصيات داخل صالة العرض، كما توهجت بريقا وحياة خارجها، ليبقى الرهان النسائى فى المهرجان هذا العام حالة خاصة.

منحت أفلام المسابقة الرسمية العديد من الفرص للظهور النسائى، وهو ما لم يكن يحدث كثيرا من قبل حيث كانت هناك شكوى دائمة من أن معظم الأفلام الكبيرة هى سينما خاصة أكثر بالرجل، وقد اشتكت نجمات السينما طويلا، من أن السينما فى شكل عام والسينما الأمريكية فى شكل خاص، لا تعطى المرأة الكثير من الأدوار القوية على الشاشة.

لكن «كان» قلب الآية وبعدما حظيت أدوار النساء بالاعجاب.. كسب المهرجان الرهان، ليس فقط بتقديمة أسماء حضرت بقوة من المخرجات مثل البريطانية أندريا أرنولد بفيلم American Hone والتى استحقت عن جدارة الفوز بجائزة لجنة التحكيم، والمخرجة والممثلة الفرنسية نيكول جارسيا بفيلمها «من الارض للسماء»From The Land of The Moon، والمخرجة الامانين مارين آدى صاحبة فيلم Toni Erdman، ولكن من الممثلات ايضا اللاتى أخذن فرصة كبيرة وملئوا الشاشة بريقا وتميزا.

من بين هؤلاء النجمة كريستين ستيوارت فى فيلم «متسوق شخصى» Personal Shopper الذى تدور أحداثه فى إطار أقرب لدراما الرعب، حيث جسدت ستيوارت شحصية فتاة تواجه توترات نفسية كبيرة والتى تعمل كمتسوقة شخصية لاحد الشخصيات الشهيرة فى فرنسا، لكنها تفاجأ بظهور شبح أخيها الذى توفى فى شبابه لاصابته بمرض فى القلب وتظل فى التحدث مع شبح اخيها طوال أحداث الفيلم.

ولم يكن عدم فوزها بجائزة يقلل من حجم إجادتها وبراعتها، فدائما تذهب جائزة المهرجان لشخصية واحدة فى ظل منافسة كبيرة.. كريستين قالت إنها تعلمت الكثير من النجمة جوليت بينوش أثناء عملهما معا فى فيلم «سيلس ماريا» وقد استدعت تلك الدروس وبحثت بجدية قبل أن تصور فيلمها الجديد مع أوليفيه اسايس.

الممثلة الألمانية سندرا هولر كشفت عن توهج كبير فى فيلم «طونى ايردمان» مع المخرجة كارين ادى، ولعبت بلغة أداء متناغم المشاعر دور «ايناس» الموظفة التى تعمل كمستشارة فى شركة ألمانية ببوخارست، وتضحى بكل شىء لأجل مهنتها وطموحها، حديدية «متوترة لا شىء يثنيها عن هدفها، لا اللهو ولا العائل ولا وقت للحب أو الترويح عن النفس، ولا للصدق. كل ما هو خارج عن العمل زائد وزائف، تنتمى وتتحرك بمفردات العولمة الكبيرة والتى تريد أن تعيش حياتها ونجاحها الاجتماعى دون أن يعرقلها أبوها الذى يلاحقها فى كل مكان، ليثبت لها ان الحياة بدون لحظة سعادة لا قيمة لها، تنتهى كل ليلة مع تناول بعض الكوكايين وبعض الجنس السادى.

ونرى تلك العلاقة المعقدة والمشوقة بين والد وابنته، وقد صفقت قاعة العرض فى مشهد النهاية الكبير لسندرا والتى كانت به أكثر جرأة عندما نظمت البطلة إيناس «حفلة عارية» يوم عيد ميلادها كصورة كاشفة للشخصية من الداخل اكثر منها خارجيا.

سندرا هولر سبق لها أن نالت عام 2006 جائزة الدب الفضى فى مهرجان برلين. وقالت، فى المؤتمر الصحفى عقب عرض الفيلم، إن الأصعب فى هذا الفيلم كان كيف تولد مشاهد مضحكة رغم المواجهة مع الأب، وهو ما تطلب أن أمثل بعمق أكبر ومشاعر دفينة ووصفت مهمة الجمع بين الفكاهة والتراجيديا فى الفيلم بالـ«خطيرة لكن ناجحة».

أيضا شاهدنا الممثلة المفاجأة والمدهشة جاكلين خوسيه، التى جسدت الدور الرئيسى فى فيلم «ما روزا» MaRosa للفيليبينى بريانتى مندوزا، والتى توجها المهرجان بجائزة أفضل ممثلة لما فجرته من مشاعر إنسانية فى أدائها لشخصية أم مجتهدة لأربعة أولاد «روزا» تدير ــ بجانب زوحها المتكاسل ــ متجرا صغيرا فى منطقة فقيرة بمانيلا وتلجأ لبيع المخدرات بشكل سرى فى منطقة أخرى للوفاء باحتياجات أسرتها من حلوى وحليب وأرز من أجل البقاء، ويتم القبض عليها لتظهر ــ عبر مجموعة مواقف ــ قدرتها على مواجهة الظلم من قبل رجال الشرطة الفاسدين، وقد تعاطفنا كثيرا مع البطلة طوال الوقت، وسط هذا الحجم من الفساد والظلم داخل الشرطة وقد تستسلم أنت بأن روزا لم يكن لديها سوى هذا الطريق فى هذه الدراما العائلية السياسية بواقعيتها المفرطة وقد توغلت فى أعماق الشخصية فى عدة مشاهد بالاضافة إلى المشهد الأخير الذى صفق له الجمهور طويلا، وتستحق به الجائزة الكبرى.

فى منحه الصورة الكاملة للمرأة كشفت شاشة المهرجان عن موهبة أخرى كبيرة هى الممثلة ساشا لان، التى قامت ببطولة فيلم «العسل الأمريكى» للمخرجة اندريا آرنولد، وجسدت شخصية «ستار» الفتاة الهاربة مع مجموعة من باعة اشتراكات المجلات، ساشا ظهرت بشكل جديد، وقد تألقت فى تقمصها للشخصية وعبرت بحق عن فكر المخرجة فى كشف دراما الحياة الجديدة فى أمريكا.

ممثلة أخرى توجتها شاشة المهرجان بطلة قديرة بل وأطلق عليها «امرأة الفيلم البرازيلى» «أكواريوس» Aquarius للمخرج كليبر ميندونسا فيليو، سنية براجا التى قدمت دور السيدة «كلارا» التى تجاوزت الستين من العمر والتى ترفض بشدة الاستسلام لبيع منزلها من اجل قيام شركة استثمار عقارى تشييد مشروع، مبنى كبير، وبالفعل لم تتمكن من هدم المنزل الذى بدا وكأنه يشكل مجتمعا خاصا من خلال حياة كلارا، التى بواقعيتها تكشف كيف تحول المجتمع البرازيلى بشدة متأرجا بين نمو وتراجع اقتصادى.

تلك التحولات، التى قال عنها مينوزا، إنها قضت على أجمل ما فى المدن البرازيلية من عمران لتحل محله ما وصفه بالغابات العملاقة ومعها أسلوب الحياة المختلف الذى يتماشى وطبيعتها فى اطار موجة الاسثمارات العقارية الطاغية، فكلارا كانت الصامدة فى وجه شركة التطوير العقارى للحفاظ على الشقة التى قضت فيها عمرها، حيث باع الجيران منازلهم إلا كلارا التى تواجه بمفردها بطش مستثمر عقارى يسعى للاستحواذ على بناية أكواريوس التى شيدت عام 1940.

وعكست بأدائها البارع تلك النظرة التى بلا رحمة على أزمات البرازيل وعن سنوات من الفساد تتراكم وتتوارى عن الأنظار فى مخازن الأرشيف، نجحت كلارا أن تهمس بوجداننا ان المنازل تشبه سكانها، وإذا هدمتها هدمت أشياء كثيرة عبرت عنها، فهى تتماسك بمنزلها وكأنه تاريخها وذكرياتها هى وأبناؤها والتى حاصرتها العمارات الشاهقة وتقول انها لن تتركه الا مع الرحيل من الحياة.

وقد توقع لها العديد بجائزة التمثيل فى هذه الدورة.

وهناك الممثلة أديل هاينل، التى عشنا معها كيف نشعر عندما تتأزم الحياة فى فيلم الاخوين داردين «فتاة مجهولة»، حيث جسدت شخصية الطبيبة «جينى» التى تعانى ندما وحزنا، بعدما شعرت انها تخاذلت عن مد يد العون إلى فتاة مجهولة ستجدها ميتة صباح اليوم التالى، والفيلم ــ عبر بطلته ــ قصة إنسانية تحاول فيها الطبيبة الكشف عن هوية وحكاية المريضة التى توفيت بعد أن رفضت خضوعها للعلاج.

ايضا كان هناك ظهور خاص للنجمة تشارليز ثيرون على شاشة المهرجان الاهم عالميا، وذلك من خلال فيلم «الوجه الآخر» اخراج شون بين، والتى كانت محور احداثه، بتجسيدها شخصية ورين، مديرة من وكالة المساعدات الدولية فى أفريقيا تلتقى بطبيب مساعدات الإغاثة جون فاربر (خافيير بارديم) وسط ثورة سياسية واجتماعية، وجنبا إلى جنب يواجهان خيارات صعبة لحياة انسانية فى ظل وجود الاضطرابات فى المدينة.

قدمت تشارليز دورا مليئا بالانفعالات التى تضعها فى مكانة مختلفة إلى حد ما عن التيمة التجارية المعهودة، حتى وان كان العمل يبدو كفيلم باهت ككل لا يرتقى لمكانة افلام اخرى داخل مسابقة المهرجان.

وكذلك ظهرت الممثلة هايلى سكويرس فى فيلم كين لوتش «انا دانيال بلايك».

الشروق المصرية في

27.05.2016

 
 

جبهة الإبداع ونقابة السينمائيين تقاضي التلفزيون المصري

بعد الهجوم على مخرج «اشتباك»...

كَتَبَ الخبر جمال عبد القادر

حالة من السعادة والفخر سادت الأوساط الفنية والثقافية وكل متابعي السينما المصرية، بسبب مشاركة الفيلم المصري {اشتباك} في {كان} والإشادة بمستواه واختياره ضمن أفضل 10 أفلام في المهرجان. ولكن يبدو أن التلفزيون الرسمي للدولة المصرية كان له رأي آخر. عن هذه القضية كانت لنا هذه المتابعة...

عرض برنامج {أنا مصر} مع المذيعة أماني خياط تقريراً حول فيلم {اشتباك} ومخرجه، احتوى على كثير من المغالطات والتشهير والاتهامات، ما أغضب كثيرين ودفع نقابة السينمائيين وجبهة الإبداع واتحاد النقابات الفنية في مصر إلى إصدار بيان رفض، كذلك رفعوا دعوى قضائية ضد المذيعة ومُعد التقرير والقائمين على البرنامج بتهمه السب والقذف بحق أحد أعضاء النقابة من دون سند أو دليل.

في هذا السياق، أكّد المنتج محمد العدل أن جبهة الإبداع ونقابة السينمائيين رفعتا دعوى قضائية ضد القائمين على البرنامج بسبب ما تضمنه التقرير من سب وقذف واتهامات بحق محمد دياب مخرج {اشتباك}، وأضاف أن الهجوم لا مبرر له إلا محاولة العودة إلى الأضواء من خلال استعراض إعلامي بعدما فقدت المحطة شعبيتها. وأشار إلى أن ذلك يندرج في إطار تقييد الحريات ومحاربة أي فكر مختلف، وهو ما لا يمكن السكوت عنه، وقال: {لن نسمح بأي منع أو تقييد لحرية أي مبدع، وعلى كل من له رأي مخالف مشاهدة العمل أولاً ثم الاختلاف معه من دون اتهامات أو تخوين}. وعن تأثير الهجوم على فرص عرض الفيلم في مصر ونجاحه، أكّد العدل أن المتهجمين قدموا من دون عمد دعاية مجانية لصالح العمل، الذي يجب أن نسعد به وبما صنعه في مهرجان {كان}.

رئيس اتحاد النقابات الفنية المخرج عمر عبد العزيز أكّد أن الاتحاد متضامن مع محمد دياب ضد أي هجوم أو تطاول، وأنه مع الاحتكام للقضاء بعد ما وصلنا إليه من اتهامات وتشوية لأي فكر مختلف، وقال: {جاء في التقرير أن دياب تعمّد في أفلامه كافة الإساءة إلى مصر والمجتمع المصري، في حين أن في مسيرته كلها فيلمين فقط. كذلك استنكر التقرير عمل دياب بالإخراج وهو خريج تجارة وغير دارس للسينما، فيما ثمة مخرجون كبار (كمال الشيخ وسعيد مرزوق وغيرهما) ليسوا من خريجي معهد السينما}.

وأضاف عمر: {هاجموا الفيلم قبل مشاهدته. وحتى إن شاهدوه واختلفوا معه عليهم أن ينتقدوه من دون تخوين أو تجريح. و{اشتباك} تم تصويره في مصر بعد موافقة الرقابة واستعان المخرج بعربة الترحيلات من وزارة الداخلية، وحصل على التصاريح اللازمة كافة للتصوير}، مندداً باستخدام سمعة مصر كـ{فزاعة} ضد كل من يُقدم فناً حقيقياً وفكراً مختلفاً، أو ينتقد الأوضاع الراهنة في مصر، وهو أمر محزن ولا يمكن السكوت عنه.

الإبداع الحقيقي

ترى الفنانة حنان مطاوع أنه وفق منطق القائمين على برنامج {أنا مصر} يُصبح كل المبدعين متآمرين على الوطن، مثل صلاح أبو سيف وخان ويوسف شاهين. وأضافت أنه يشرفها وجود مُبدع مثل محمد دياب قدم فيلم {678} الذي تعرض لظاهرة التحرش، ثم {اشتباك} الذي أشاد به العالم وأكبر مهرجان سينمائي. وأكدت أن الإبداع الحقيقي هو ما يبقى في تاريخ الأمة، وبعد سنوات سنشاهد {اشتباك} و{678} والأعمال الفنية الراقية وننسى كل اعتراض عليها.

أما المخرج أحمد ماهر فيري أن هذا البرنامج والقائمين عليه لا يستحقون الاهتمام لأن التلفزيون المصري بلا جمهور ولا متابعين، وأضاف أن الهجوم سببه حالة انفلات إعلامي قائمة منذ فترة وتقاعس الجميع في مواجهتها، وما فعلته أماني الخياط لم يكن الحالة الأولى ولن تكون الأخيرة وستمرّ كما مرّت حالات سابقة، للأسف.

بدورها ترى الناقدة ماجدة خير الله أن التقرير ضد الفيلم أمر سيئ ولا يمكن أن يمر من دون حساب، مضيفة أن {اشتباك} مرّ على الرقابة وحصل على التصاريح اللازمة له من الداخلية وغيرها بعد عرض السيناريو عليها، من ثم لا مبرر للهجوم والتشويه الفاجر.

وأشارت إلى أن أحداً لم يُشاهد الفيلم لنتأكد مما أشيع عنه، وأن الجمهور أصبح أكثر وعياً ويعلم جيداً أن دور الفنان النقد وعرض السلبيات أملاً في الحل والوصول إلى مجتمع أفضل، كذلك يدرك ما يحويه الإعلام من سلبيات وقلب للحقائق، مؤكدة أن الهجوم لن يُؤثر في فرص نجاح الفيلم واستقبال الجمهور له.

في السياق نفسه، أكدت الناقدة علا الشافعي أن لجوء الجبهة والنقابة إلى القضاء خطوة جيدة كي لا يتكرر مثل هذا الهجوم، موضحة أن {التقرير في هجومه افتقد إلى المهنية وأقل ما يوصف به أنه تحريضي إرهابي يتضمن مغالطات كثيرة، من بينها إنكار أن في مصر ظاهرة تحرش جنسي والتي تناولها دياب في فيلم {678}، كذلك الهجوم على فيلم {الجزيرة} على أنه ضد الداخلية، وكأن قضية عز حنفي وهم ولا وجود لها. كذلك هاجم التقرير يوسف شاهين ويسري نصر الله بحجة أن لهما علاقات دولية وحصلا على تمويل أجنبي لأعمالهما وكأن الإنتاج المشترك دليل خيانة وعِمالة، أو أن حضور المهرجانات الكبرى دليل تآمر، ذلك فيما يحتفي العالم بالفيلم ويُشيد به كبار السينمائيين في العالم ويُقال عنه: ثمة أفلام تصنع تاريخاً ومنها اشتباك}. وأشارت إلى أن الفيلم حالة إنسانية تتحدث عن التعايش السلمي وقبول الآخر من دون عرض وجهات نظر أحادية.

الجريدة الكويتية في

27.05.2016

 
 

المخرج محمد دياب: توقعت مهاجمة فيلمي «اشتباك» حول الثورة وفيلمي الجديد خيال علمي

القاهرة – من سامح الخطيب:

تحول فيلم مصري يحاول معالجة قضية الاستقطاب داخل المجتمع ونبذها إلى مادة للجدل وتعرض صناعه للانتقاد حتى قبل عرضه جماهيريا ليصبح هو ذاته محل استقطاب خاصة بعد مشاركته في أكبر مهرجان سينمائي دولي.

وقال المخرج المصري محمد دياب إنه منذ شروعه في صنع فيلم «اشتباك» كان يتوقع أن يكون هناك من يعجب بالفيلم ومن لا يعجبه، لكن الغريب هو أن حالة الجدل والنقاش بدأت فور عرضه في «مهرجان كان السينمائي» هذا الشهر.

وعرض الفيلم (في افتتاح قسم «نظرة ما» في الدورة 69 للمهرجان التي أقيمت في الفترة من 11 إلى 22 الشهر الجاري.

وتدور أحداث الفيلم – وهو الثاني لدياب بعد (678) في عام 2010- خلال يوم واحد داخل سيارة ترحيلات للشرطة وسط المظاهرات، التي أعقبت عزل الرئيس المصري محمد مرسي في 2013 وبداخلها معتقلون من توجهات سياسية وفكرية مختلفة.

ومما لفت الانتباه للفيلم مشاركة الداعية الإسلامي المصري معز مسعود في إنتاجه – وهو أمر غير شائع في المجال السينمائي المصري – بالتعاون مع المنتج محمد حفظي وجهات عدة أخرى.

ورغم عدم عرض الفيلم في مصر بعد، إلا أنه تعرض لانتقادات من وسائل إعلام رسمية اتهمت المخرج «بتقديم صورة مشوهة للمجتمع المصري» بتصوير مصر سجن كبير ممثلا في عربة الترحيلات والدعوة من خلال الفيلم «للتصالح مع جماعة الإخوان المسلمين».

لكن نقابة المهن السينمائية والاتحاد العام للنقابات الفنية وجبهة الإبداع ساندوا المخرج الشاب في بيان وأعربوا فيه عن «دعهمم وفخرهم لفريق فيلم اشتباك وحقهم في العمل والتعبير الإبداعي الحر».

وقال دياب «كنا أمام اختيارين عندما جاءت هذه الفكرة لأخي خالد دياب.. إما أن نصنع هذا الفيلم الآن أو نؤجله لوقت لاحق. اختيارنا كان أن هذا هو أفضل توقيت لصنعه».

وأضاف «كل من شاهد الفيلم في مهرجان كان من النقاد أشادوا بأنه محايد تماما ولم ينحز إلى طرف على حساب آخر إنما انحاز للإنسان ولم يناقش سياسيا من على صواب ومن خطأ».

وتابع قائلا «لكن هل يعني هذا أننا لن نهاجم؟ سيهاجمنا من يؤيد الإخوان ومن يؤيد الثورة وغيرهم.. أنسنة الآخر وسط حالة الاستقطاب جريمة وهي جريمة نحن مدانون بها ونفخر بها».

وتتوزع البطولة بين 23 ممثلا في مقدمتهم نيللي كريم وهاني عادل وطارق عبد العزيز وأحمد مالك فيما يمثل الفيلم للبعض الآخر التجربة الأولى.

وقال دياب إن الفيلم نال إشادة كبيرة من النقاد والمشاهدين في مهرجان كان السينمائي وأن مجلة «هوليوود ريبورتر» صنفته ضمن أفضل عشرة أفلام في المهرجان وهو ما يعتبره دافعا معنويا كبيرا في حد ذاته رغم عدم تتويج الفيلم بأي جائزة.

وقال «على المستوى الشخصي هناك سؤال دائم يدور داخل كل فنان.. هل أنا موهوب أم لا؟ ووجودي في مهرجان كان يعني بالنسبة لي أني فنان جيد وهي شهادة كنت أحتاجها كإنسان وفنان».

وأضاف «مع ردود الفعل الإيجابية في المهرجان واختيار المنظمين عرض الفيلم في افتتاح قسم «نظرة ما» كنت أحلم بالفوز بجائزة.. لكن في النهاية الأمر يخضع لتقييم لجنة التحكيم وأعتقد أن الجائزة الحقيقية التي نلناها هي إشادة النقاد والمقالات النقدية الإيجابية ورأي الجمهور».

وضم قسم «نظرة ما» هذا العام 18 فيلما من اليابان وإيران وروسيا وإيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة وتكونت لجنة التحكيم من خمسة أشخاص برئاسة الممثلة السويسرية مارت كيلر.

وعن توقعاته بشأن استقبال الجمهور في دور السينما للفيلم قال دياب «الفيلم به عناصر الفيلم الجماهيري فهو ممتع وسريع وبه ضحك وشخصيات متنوعة.. لكن هل ستقبل الناس على مشاهدته في السينما هذا سؤال لا أملك إجابته الكاملة».

وأضاف «أتمنى أن تتغلب الناس على فكرة أن الفيلم يتحدث عن اشتباكات ومظاهرات لأن الفيلم أعمق من هذا لذلك نراهن على من سيشاهد الفيلم وأن يحكي من يشاهد لمن لم يشاهد وتتضح الرؤية أن الفيلم بعيد عن الكآبة والعنف بل هو فيلم إنساني».

ومن المتوقع طرح «اشتباك» في دور السينما المصرية في أغسطس/ آب.

وعن عمله الجديد قال «خيال علمي.. أعمل في السينما لأني أحب هذه المهنة وهدفي تقديم أعمال مختلفة وجديدة».

وأضاف «فيلم اشتباك تكلف نحو مليون دولار وصور في 26 يوما.. وبعد تقديمه أصبحت هناك جهات كثيرة متحمسة للإنتاج لنا».

وعن مدى صعوبة تنفيذ هذا المشروع قال «الفكرة بالنسبة لي كمبدع هي.. أحلم وبعدين فكر في المنطق لتحويل هذا إلى حقيقة». 

(رويترز)

القدس العربي اللندنية في

27.05.2016

 
 

المرأة في عروض «مهرجان كان» السينمائي: نضال من أجل المستقبل!

عبدالستار ناجي

احتلت قضايا المرأة وحضورها مساحة بارزة ضمن عروض مهرجان كان السينمائي في دورته التاسعة والستين التي تواصلت في الفترة من 11- 22 مايو الحالي حيث ابداعات أهم صناع الفن السابع الذين استطاعوا وهم يشتغلون حول جملة من القضايا ان يلتفتوا الى محور أساسي الا وهو المرأة التي راحت تناضل وتحقق حضورها وذاتها متجاوزة الكثير من المصاعب التي تنوعت وتعددت لتشكل تحديات كبرى

عن قضايا المرأة في عروض مهرجان كان السينمائي وفي المسابقة الرسمية على وجه الخصوص نتوقف في هذا المحور الذي يغطي جملة من العروض

عند الفيلم الفرنسي مالوت للمخرج برونو دومون يتم التعرض الى حكايات من واقع المرأة التي تنتمي الى الأسرةالبرجوازية بكل تفاصيل حياتها والتي تقرر احدى بناتها لان ترتبط بابن احد الصيادين الفقراء وتداعيات تلك الحكاية وأبعادها وحالة الرفض التي تواجهها .

وفي الفيلم البريطاني انا دانييل بلاك للمخرج كين لوش تحضر المرأة الى جوار الرجل وكل منهما يرزح تحت سطوة الازمات الاقتصادية الضاربة التي تحول الانسان الى خلية مسحوقة تضطر الى ممارسة كل شيء من أجل تأمين لقمة العيش لها ولأبنائها وهذا ما يدعو كاتي في الفيلم الى ان تمتهن الدعارة في نهاية الامر ومن قبلها السرقة وهنا حالة من الانهزامية والرضا بانصاف الحلول ولكنها تظل صرخة لتقديم جوانب من عذابات المرأة في بريطانيا والعالم تحت سطوة الازمات الاقتصادية .

اما في فيلم توني اردمان للمخرجة مارين ادي فنحن امام حكاية امرأة انشغلت بنجاحاتها وعلمها وارتباطاتها وطموحاتها عن أسرتها ووالدها على وجه الخصوص الذي حينما يقوم بزيارتها يكتشف بانها مجرد حيوان يعمل دون احاسيس حيث يحاول تغييرها عبر كم من المواجهات التي تجعلها تعود الى حقيقتها كمرأة وكانسانة تقرن عملها بالاحاسيس والانتماء الى الأسرة.

فيما يخص فيلم من أرض القمر لنيكول غارسيا اختارت المرأة ان تعيش على حب منحها الحياة بعد ان أجبرت على الزواج من شخص لا تعرفه او تحبه حيث ظل ذلك الحب يمنحها الحياة وتربية طفلها والبقاء الى جوار زوجها حتى وان كانت لا تحبه لانها تحمل بداخلها عاطفة كبيرة حمتها من كل شيء حتى بعد رحيل من تحب .

في فيلم امريكان هاني او المحبوبة الاميركية لاندريا ارنولد المرأة تبدو مسحوقة تعصف بها الازمة الاقتصادية مما يضطرها لمفارقة أطفالها والذهاب وراء حلم يجمع العاطفة والثراء ولتكتشف في نهاية الامر ان الامر مجرد كذب ولكنها عليها ان تبقى لتمضي الحياة. المرأة الاهم تأتي هنا في فيلم لوفينج لجيف نيكولاس الذي قدم لنا النضال ضد العنصرية من خلال حكاية الزوجين لوفينج الزوج الابيض والزوجة السمراء الذين واجهوا العنصرية التي منعت زواجهما وارتباطهما حتى حصولهما بعد عدة عقود على الموافقة من المحكمة الاتحادية العليا في امريكا . التحيز للمرأة يأتي من خلال فيلم خولييتا للمخرج الاسباني بدرو المودفار الذي يظل يشتغل على محور ثري الا وهو العلاقة بين الأم وابنتها التي فارقتها لتعيش حياتها ونضال المرأة الأم من أجل استعادة ابنتها حتى لو كان ذلك بعد سنوات طويلة . اما المرأة الاكثر مقدرة على المواجهة فجاءت عبر الفيلم البرازيلي ايكواريوس الذي تناول حكاية امرأة رفضت بيع شقتها لاحدى كبريات الشركات الاستثمارية في مجال العقارات بوصفها الساكنة الوحيدة المتبقة في عمارة تم شراءها لتحويلها الى مجمع ضخم سيعمل على تغيير هوية احد الشواطئ الرئيسية في البرازيل وقد جسدت الشخصية النجمة البرازيلية سونيا براغا باقتدار عال يضاف الى رصيدها الفني الكبير .

وفي فيلم الفتاة المجهولة للأخوين جان بيير ولوك داردان نتابع حكاية طبيبة شابة تحاول البحث عن حقيقة اغتيال فتاة سمراء قرعت بابها ولم تقم بالفتح لها بحجة ان الدوام المسائي انتهى لتكون تلك الحكاية مدخلا لتعرية المجتمع الاوروبي بالذات فيما يخص قضايا احتواء اللاجئين . امرأة اخرى مسحوقة تأتي ماما روزا في الفيلم الذي يحمل ذات الاسم والتي تضطر ان تعمل ببيع كل ما في بقالتها الصغيرة ومن بينها المخدرات ليتم القبض عليها وعبرها يتم تعرية ممارسات الشرطة في بلادها والتي تتفاوض مقابل اي شيء من اجل الافراج عنها وعن الكثير من المجرمين الفيلم من واقع الفلبيني ماندوزا .

ومن النساء المتورطات الى النساء اللواتي نذرن حياتهن من أجل العمل الخيري التطوعي عبر شخصبة ويلي التي قدمتها النجمة الجنوب افريقية في فيلم الوجه الاخير لشون بن حيث تقضي كل حياتها في مساعدة اللاجئين في عدد من الدول الافريقية التي مزقتها الحروب الاهلية الطاحنة في رحلة سينمائية تتحرك بين الحب وحماية الابرياء من أتون الحروب والجوع وضياع الحلم . في فيلم ايل هي لبول فيرهوفن نتابع حكاية ميشيل ايزابيل هوبير التي تعرضت للاغتصاب في منزلها من قبل أحد اللصوص لتقوم برد الصاع صاعين له في مغامرة سينما على طريقة أفلام فيرهوفن المقرونة بأفلام المغامرات كما في فيلم روب كوب. بعد هذه الرحلة نكتشف باننا أمام حالة حضور عالية لقضايا المرأة واشكاليتها وهي رغم وجعها ومشاكلها تظل تمتلك المقدرة على المواجهة من أجل الغد والمستقبل والأمل .

بطولة شهاب حسيني وتارانا علدوستي

«البائع».. سينما إيرانية عميقة من توقيع أصغر فرهادي

عبدالستار ناجي

على مدى مشواره السينمائي الذي انطلق عام 2008 استطاع المخرج الايواني أصغر فرهادي ان يحقق حضورا لافتا بل يتجاوز نسبة كبيرة من ابناء جيلة ومن الذين سبقوه ليحلق بعيدا عبر انتاجات سينمائية رسخته كأحد أهم صناع السينما في ايران والعالم كيف لا وفرهادي كان قد فاز بأوسكار أفضل فيلم أجنبي عن فيلمه انفصال عام 2009 ليقدم بعدها كما من الانتاجات التي عمدته من الصناع الكبار وهو يمتاز بمقدرته على صناعة الحكاية ويترك للمشاهد والناقد والباحث مهمة التحليل والذهاب الى عمق التفاصيل التي يقدمها في أعماله التي تأتي دائما في الاطار الاجتماعي ولكنها تتجاوز ذلك بالكثير ولربما أبعد وأعمق وأثرى . في فيلمه البائع او سيلزمان يعتمد على سيناريو قام بكتابته مستحضرا مسرحية موت بائع متجول لاثر ميلر ولكن في قراءة سينمائية متجددة تجمع بين السينما والمسرح .

ونذهب الى الفيلم الذي يتحدث عن حكاية عماد شهاب حسيني الذي يعمل مدرسا في الفترة الصباحية وممثلا في الفترة المسائية والذي تضطره الظروف بعد حدوث زلزال صدع العمارة التي يسكنون بها لان يغادرها الشقة مع زوجته بحثا عن سكن جديد حيث يدله أحد الزملاء في الفرقة على شقة فرغت للتو لاحدى السيدات التي غادرت الفرقة ولا تزال بعض حاجياتها في المنزل .

ويوافق على الانتقال الى الشقة الجديدة وان ظلت بعض الأغراض للساكنة السابقة ذات يوم تسمع زوجته رانا تارانا علدوستي جرس الباب ولانها كانت تستعد لدخول الحمام فانها تقوم بفتح الباب الخارجي وايضا باب الشقة معتقدة بان من قرع الباب هو زوجها ولكنها وفور دخولها الحمام تكتشف بان من دخل المنزل هو شخص آخر تضطر امامه للصراخ ليرد بضربها وتسقط مغشيا عليها .

بعدها تبدأ مهمة الزوج بالبحث عن الفاعل دون ان يخبر الشرطة بالامر. وتمضي الأحداث بخطين متوازيين بين عمله مع زوجته في تقديم مسرحية موت بائع متجول لاثر ميلر وبين تدريسه وايضا بحثه عن الذي اعتدى على زوجته بالضرب وتسبب لها بجروح كبيرة .

خلال عملية بحثه يعتقد بان الفاعل حتما يرتبط بالمستأجرة السابقة والتي لا تزال أغراضها في البيت ويبدأ بالبحث والتقصي حتى يصل الى شاب يعمل في مخبز يعود للسيدة وزوجها بعد ان كان قد شاهد الشاحنة التي يعمل عليها أمام المنزل ويقترب منه ويطلب منه ان يتعاون معه في تحميل بعض الحاجيات من شقته القديمة الى شقته الجديدة . في الموعد المحدد يصل رجل كهل يعرف بنفسه بان من أرسله هو خطيب ابنته وهو يقصد ذات الشاب الذي تعرف عليه عماد ويخبره عماد بالحكاية الا ان العجوز يؤكد له بانه لا علاقة بالشاب بالامر وبعد حوار يكتشف عماد بان المجرم هو هذا الكهل الذي يعترف له بانه هو من دخل الشقة لانه جاء بطلب من الشاب خطيب ابنته وبطلب من السيدة لأخذ الأغراض ولكنه حينما دخل وجد الباب مفتوحا كم انه وجد باب الحمام هو الآخر مفتوحا وحينما شاهدته زوجة عماد صرخت ليقوم بضربها واسكاتها خوفا من الفضيحة.

وهنا يقوم عماد بحبس الرجل في احدى الغرف ويطلب من الشاب وخطيبته ابنة العجوز وزوجته بالحضور لانه يريد ان يفضحه لانه قام بعمل خبيث في هذه المرحلة من حياته التي يفترض ان تقترن بالالتزام والهدوء ويترجاه العجوز بان يستر عليه ويسقط مغشيا عليه حيث انه مريض بالقلب . وحينما يصل الجميع بمن فيهم زوجة عماد يطلب عماد من العجوز بان يحضر معه الى داخل الغرفة ليعطيه مبلغا من المال كان العجوز قد تركه في الشقة حينما ضرب زوجته وليقوم بعدها بصفعه بقوه وكان عماد يريد ان يفجر كل غضبه وعند خروج العجوز من الغرفة يبدأ بالبكاء الصامت وايضا الانهيار بعد ان داهمته أزمة قلبية قضت عليه قبل وصول الاسعاف .

هنا تنتهي الحكاية ولكن دلالاتها كثيرة اعتبارا من الزلزال الذي دمر كل شيء والذي اضطر سكان العمارة لمغادرتها بحثا عن سكن جديد في رحلة تقول بان كل شيء تغير حتى الكبار في السن الذين كانوا نموذجا للسلام باتوا يفعلون الجريمة .

سينما أصغر فرهادي هي سينما الحكاية المحبوبة والثرية والتي كلما تأملت مضامينها اكتشفت كثير من القضايا عبر التفاصيل التي تأتي حبلى بالطروحات .

وسينما فرهادي تذهب الى السياسة بلا تصريح وبلا شعارات فهو يذهب الى السياسة من خلال المنظور والطرح الاجتماعي .

في الفيلم احترافية عالية في الكتابة وايضا التصوير الذي قام به المصور الايراني حسين جعفريان بالاضافة الى الموسيقى التي أضافت بعدا جديدا وقد صاغها ستار اوركاي .

ويبقى ان نقول بان المخرج الايراني أصغر فرهادي في فيلمه البائع يشتغل على الحكاية البسيطة ليقول الكثير بلا شعارات هاجسة حرفته وايضا الاشكاليات التي تتمحور حول الحكاية وشخوصها وهي اشكاليات تشكل قيمة هذا المبدع الكبير .

النهار الكويتية في

27.05.2016

 
 

فيلم «هي» للمخرج بول فيرهوفن: الإغتصاب كلغة مبطّنة

من بطولة الفرنسية إيزابيل أوبّير

باريس ـ «القدس العربي» من سليم البيك:

يفتتح الفيلمَ مشهدُ اغتصاب. يغادر المعتدي وتقوم المُعتدى عليها عن الأرض في بيتها وتكنس ما تكسّر من الفناجين والصّحون. لاحقاً، في عشاء مع أصدقاء تخبرهم بأنّه تمّ الاعتداء عليها، تقولها بحياديّة كأنّها تحكي عن غيرها. غير مبالية بالنّادل الواقف بجوار الطّاولة. رد فعلها هذا على الحادثة سيستمر على طول الفيلم وسينعكس على حياتها مع من حولها وحتى مع مغتصبها حين تتعرف على هويّته.

يجمع «هي» (Elle) بين الكوميديا والجريمة والدراما والتشويق وفيها كلّها السيكولوجيا، في حياة ميشيل (إيزابيل أوبّير) التي تتعرّض للاعتداء أكثر من مرّة ولا تجد حاجة لإخبار الشرطة بذلك، بل تجد في اغتصابها استجابة لرغبة جنسيّة لديها، وهي صاحبة التّجارب الجنسيّة المتنوّعة، من علاقة جنسيّة جرّبتها مرّة مع زميلتها في العمل إلى أخرى مستمرة مع زوج زميلتها ذاتها. وهو كذلك زميلهما، إلى تواصل مع زوجها السّابق، وغيرة من صديقته الجديدة، إلى تحرّشها بجارها الكاثوليكي، المتديّن هو وزوجته، وقد جمعتهم كلّهم في سهرة عيد الميلاد في بيتها.

ليس فيلم المخرج الهولندي بول فيرهوفن كوميدياً، لكن الغرابة في المواقف وردود فعل ميشيل، سلوكاً وكلاماً، تنشأ عنه كوميديا سوداء. التناقض في شخصيتها، قوة هذه الشخصية في معظم المواقف ومع الجميع، كمديرة في عملها ومتحرّرة ومستقلة في حياتها، ومعيلة لأمّها وابنها، وضعفها أمام مغتصبها (لوران لافيت) ثم استجابتها له، فالتناقض في شخصيتها يثير غرابة يمكن إرجاعها لأسباب مختلفة.

لكن ربط الكوميديا السّوداء هذه بالاغتصاب، كأحد أبشع أنواع الاعتداء، وموقف المعتدى عليها من المعتدي، قد يقطع الابتسامات من منتصفها، وإن كان التّناقض في شخصية ميشيل يبرّر استجابَتها لما يحصل معها وحولها.

من المشهد الأوّل لا نراها مكسورة بسبب اغتصابها، ولا حتى حين يتكرّر الاغتصاب، بل تحاول، بنفسها، التعرف على هويّة مغتصبها، وباكراً ستعرف أنّه جارها الذي تحرّشت به، وهنا، كما في العديد من مواقفها في الفيلم، سيبتعد سلوكُها عن المتوقَّع، لتتغلب رغبتُها به على خوفها منه، أو لتجمع الشّعوريْن فيصير الاغتصاب بعدها، باتّفاق الطّرفيْن، مغامرة جنسيّة جديدة لميشيل.

في المرحلة الثانية من الفيلم، بعدما تتعرف على المعتدي، ينتقل سلوكها إلى مرحلة أكثر تعقيداً، إذ تكون متصالحة معه، بل تتصل به بعد حادث كي يأتي ويخرجها من سيّارتها وقد علقت فيها، ويعالج ركبتها. لا بد أن يسبب سلوك ميشيل وكلامها اضطراباً ما للمُشاهد، في أين يضحك وأين يسوؤه الضّحك، والحديث هنا عن امرأة تتعرّض للاغتصاب ثم تتصالح مع مغتصبها. والفضل بذلك يعود أساساً للفرنسيّة إيزابيل أوبّير، إحدى أبرز الوجوه النّسائية في السينما الفرنسية، وهي حاضرة منذ السبعينيات حتى اليوم، ومن الأكثر نشاطاً، فلها عدّة أفلام في السّنة.

الاضطراب، وربّما الشعور بالانزعاج والحيرة، الذي يسبّبه الفيلم يُحسب له، أي أنّه المطلوب للفيلم من مُشاهده، وهو بذلك استحقَّ أن يُنافس على السعفة الذهبية لمهرجان كان قبل أيّام، لإمكانيّة نقل حالات اغتصاب إلى سياق هزلي يعتمد على سيكولوجيا الشخصية المُعتدى عليها أولاً، وتناقض هذا السّلوك مع آخر للشخصية ذاتها ثانياً.

العلاقة التي تنشأ مع مغتصبها، ومعرفتها المسبقة لاحقاً بأنّه سيستخدم العنف معها، وقد كانت تحرّشت به من دون أن يستجيب لها (والاغتصاب سابق للتحرّش، فلا علاقة سببية بينهما)، إضافة إلى حقيقة أنّها مديرة شركة تصميم ألعاب بلايستيشن حيث العنف الدّموي حاضر دائماً فيها، قد يُفهماننا أنّ الرّغبة الجنسية المغايرة لدى ميشيل هي واحدة من مسبّبات هذه العلاقة، أما المسبب الآخر فهي الرّغبة بالعنف، لدى الاثنيْن، أي تمنّعه عن إقامة علاقة جنسية معها بعيداً عن الاغتصاب بما فيه من عنف، وعدم ممانعتها الصّريحة لذلك وانجذابها، رغم ذلك، له.

ميشيل بذلك ليست ضحيّة تماماً، هي أقرب لأن تكون جزءاً من عمليّة الاعتداء كلّما تكرّرت، جزءاً لا بد منه لضمان تكرار الاعتداء ذاته، من دون أن يبدو ذلك لوماً للضحيّة، فميشيل خارج مفهوم الضحيّة هنا، الاعتداءات لم تمنعها من الاستمرار في ممارسة الجنس مع زميلها وهو زوج زميلتها، ولم تمنعها، وهو الأهم، من التخلّي عن الانجذاب إلى الرّجل الذي عرفت لاحقاً أنّه مغتصبها الذي ترك أثراً لعنفه على وجهها وجسدها.

القدس العربي اللندنية في

28.05.2016

 
 

استقبال اعلامي وجماهير لفرهادي وطاقم فيلمه «البائع» في طهران

طهران ـ «سينماتوغراف»

عاد الى طهران، فجر اليوم الجمعة 27 مايو، اصغر فرهادي وشهاب حسيني وترانة عليدوستي مخرج وبطلا الفيلم السينمائي الايراني «البائع» الفائز بجائزتين في مهرجان «كان» السينمائي الدولي في فرنسا بدورته الـ 69 التي انتهت قبل ايام.

وقد استقبل جمهور السينما والمعجبون واهل الفن، العائدين، في مطار الامام الخميني الدولي، استقبالاً حاراً، وكان من بين المستقبلين علي رضا تابش المدير التنفيذي لمؤسسة فارابي السينمائية، حبيب ايل بيكي مسؤول قسم التقييم والرقابة لمؤسسة السينما، رخشان بني اعتماد، آناهيد آباد، هوشنك قوانلو، كامران ملكي، جليل اكبري صحت، حبيب رضائي، امين تارخ، كيوان كثيريان، كاوة سجادي حسيني، نيما رئيسي، علي علائي.

وحضر الاستقبال ايضاً جمع من الاعلاميين لمختلف وسائل الاعلام وتولت آناهيد آباد ورخشان بني اعتماد تنسيق الاستقبال الجماهيري للفائزين.

و كان فيلم «البائع» قد شارك في الدورة الـ 69 لمهرجان كان السينمائي الدولي ونافس 20 فيلما آخر على جائزة السعفة الذهبية و فاز بجائزة افضل ممثل كانت من نصيب بطل الفيلم شهاب حسيني وجائزة افضل سيناريو.

الفيلم يروي قصة زوجين يمثلان في مسرحية «موت البائع» للمؤلف ارثر ميلر،حيث تتاثر حياتهما وعلاقتهما الزوجية بالظروف الاجتماعية.

وتتولی شرکة «ممنتو» توزيع الفيلم في الخارج تحت عنوان «The Salesman»، ومن المقرر ان يعرض الفيلم عرضا عاما في فرنسا خلال نوفمبر المقبل.

سينماتوغراف في

28.05.2016

 
 

يوسف شاهين الحاضر الغائب فى فعالياته بحسب «هوليوود ريبورتر»..

«اشتباك» ضمن أفضل 10 أفلام فى «كان 69»

كتبت - نيفين الزهيرى

ومع مرور أيام مهرجان كان السينمائي الدولي، تمكن الفيلم المصري "اشتباك" للمخرج محمد دياب من تحقيق إنجازات جديدة فى المهرجان الدولى حيث أعلنت شركة بيراميد الموزعه للفيلم تعاقدها مع أكثر من 10 شركات توزيع كبري لتسويق الفيلم في معظم دول أوروبا وآسيا، بالإضافة إلي عرضه جماهيرياً في دور العرض في إسبانيا، سويسرا، فرنسا، ألمانيا، البرتغال، اسكندنافيا، البرازيل، كولومبيا، اليونان، تايوان والصين، ويعد "اشتباك" أول فيلم عربي يحصل علي هذه الفرصة منذ 15 عاماً، خاصة بعد الإشادات النقدية الواسعة التي حاز عليها.

كما تم اختيار فيلم «اشتباك» للمخرج محمد دياب من قبل عدد من النقاد بموقع "هوليوود ريبورتر"، ليكون ضمن قائمة أفضل 10 أفلام عُرضت فى فعاليات الدورة الـ69 من المهرجان حتى هذه اللحظة، وقد وصف الموقع في تقريره عن أفضل 10 أفلام في مهرجان كان السينمائي فيلم المخرج محمد دياب بأنه "رؤية قوية ومرعبة للفوضى التي انجرت لها مصر"، وقد سبق للموقع نفسه، وصفه بأنه سيكون فيلما من أحد أهم المواد البصرية التي توثق الوضع في مصر الحديثة، فيما حظى بإشادة نقدية عالمية وعربية بعد عرضه العالمي الأول في افتتاح قسم "نظرة ما" فى الدورة الحالية للمهرجان هذا العام والذي تبعته موجة حادة من التصفيق.

وداعا شاهين

شهد مهرجان كان أيضا هذا العام احتفالية خاصة بالمخرج العالمي الراحل يوسف شاهين وذلك بعرض نسخة مرممة من فيلم "وداعا بونابرت" وكان العرض مقدمة لفعالية كبرى تقام عام 2018 بمناسبة مرور 10 أعوام على رحيله ستتضمن أيضا معرضا عالميا لوثائق بخط يوسف شاهين وعدد من أفلامه المرممة لتبدأ هذه المواد رحلتها من فرنسا وتستقر في النهاية في مكتبة الاسكندرية لتصبح المقر الدائم لهذه الوثائق بالإضافة إلي تدشين موقع عبر شبكة الانترنت يحمل كل هذه الوثائق المرممة والتي تم تحويلها لرقمية، وقد أقيم غداء رسمي على شرف شاهين تحت شعار "déjeuner du patrimoine cinématographique" وهو الغداء الذي حمل صورة الممثل الفرنسي ميشيل بيكولي من فيلم "وداعا بونابرت".

مؤذن الرسول

عرض فيلم الرسوم المتحركة ثلاثي الأبعاد "بلال" في صالة الأولمبياد بمهرجان "كان" السينمائي الدولي، ويعد أول فيلم رسوم متحركة سعودى عن شخصية أول مؤذن في الإسلام سيدنا بلال بن رباح، وتم تصوير الفيلم بأحدث تقنيات السينما العالمية، ويسرد قصة حياة "بلال" منذ طفولته الأولى فى بلاد الحبشة، مرورا ببيعه كعبد في جزيرة العرب، وصولاً إلى تحوله إلى أحد أبرز صحابة النبى "محمد"، ويقوم بالأداء الصوتي لشخصية "بلال" فى الكبر النجم البريطاني من أصل نيجيرى أدويل أكينوى أجباجى، فيما يقوم بالأداء الصوتي لـ "بلال" في مرحلة المراهقة الممثل جاكوب لاتيمور، وفى مرحلة الطفولة أندرى روبنسون، والفيلم إخراج الباكستاني خوارم ألافى وأيمن جمال.

رسالة حب

ألهب مغني الروك الأمريكي إيجي بوب وصديقه المخرج جيم جرموش، الصالة التي عرض فيها فيلمهما الوثائقي _Gimme Danger_، الفيلم مخصص لشد المعجبين بمغني الروك، وهو أقرب إلى رسالة حب من المخرج إلى المغني، وقد عرض خارج المنافسة أثناء عرضه الخميس الماضى فى المهرجان.

ومن رسالة الحب التي قدمها الفيلم إلي رسالة أخري قدمها كل من النجم العالمي شون بين والنجمة تشارليز ثيرون اللذين تقابلا لأول مرة أمام كل وسائل الإعلام بعد أكثر من عام على إعلان انفصالهما وفسخ خطبتهما، حيث اضطرا إلى التواجد معا على السجادة الحمراء فى قصر المهرجانات مع فريق عمل فيلم Last Face أو الوجه الأخير، حيث أصر كل منهما على أن يكون بعيدا عن الآخر طوال التواجد أمام الميديا، حتي عندما تقابلا وجها لوجه كان لقاء باردا كما أكدت المواقع العالمية.

أما الرسالة الثالثة فكانت سياسية حيث نظم فريق الفيلم البرازيلي "أكواريوس"، المشارك في المسابقة الرئيسية بمهرجان كان السينمائي الدولي، وقفة احتجاجية على السجادة الحمراء دعما للرئيسة ديلما روسيف التي قام البرلمان بعزلها، وقام المخرج كليبر ميندوزا وفريق الفيلم، برفع لافتات احتجاج، تندد بإقالة ديلما روسيف، وبتدهور الديمقراطية فى البلاد، فيما توجهت روسيف بالشكر لفريق عمل الفيلم، على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" و قالت لهم "شكرًا لمساندتكم".

السكة الذهبية

فاز الفيلم اللبناني "ربيع" بجائزة السكة الذهبية التي تعطى من جمعية موظفي سكك الحديد المحبين للسينما ينظمون هذه الجائزة منذ 22 سنة بموازاة مهرجان كان، حيث يختار الموظفون مخرجاً لفيلم قصير وآخر لفيلم طويل مشاركين عن فئة أسبوع النقاد. فكانت الجائزة الكبرى وهي جائزة السكة الذهبية من نصيب فيلم ربيع باعتباره يتناول واقع ذاكرة وهوية تأثرت ببلد عاش صراعات وتسلم المخرج بلجرجيان الجائزة في جناح فيلم فرنسا.

إسرائيل

كعادة إسرائيل في استغلال الأحداث الفنية لتبحث لنفسها عن مزيد من التأييد فقد شاركت للمرة الأولي في سوق الفيلم وتنتهزها فرصة لتقدم برنامجا باسم (القدس) عن تلك المدينة في السينما وذلك احتفالاً بمرور 60 عاماً علي إقامتها، ولم يتوقف الأمر عن ذلك حيث أنه للمرة الثانية خلال أربع سنوات فقط.

يصر مهرجان كان علي تغيير كل لوائحه من أجل عيون الفيلسوف الصهيوني برنار أونري ليفي، والذي تم إضافة فيلمه «بشمرجة» إلي قائمة الاختيار الرسمي في قسم عروض خاصة بعد خمسة أيام كاملة من افتتاح المهرجان، حيث قال المهرجان- في بيان- إن مسئوليه اكتشفوا فيلم «ليفي» والذي بذل فيه مجهودا كبيرا وقام برحلة شاقة وخطيرة علي الجبهة العراقية طولها ألف كيلومتر ليصنع فيلما عن المقاتلين البشمرجة الأكراد بمناطق وعرة ووسط أجواء حربية. وأوضح البيان أن الفيلم مدته92 دقيقة من إنتاج فرنسا.

مخرج « اشتباك » ينضم لمهرجان القاهرة

الكواكب

انضم المخرج محمد دياب إلي فريق مهرجان القاهرة بعد أن قررت ماجدة واصف رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ضم المخرج محمد دياب إلي عضوية اللجنة الاستشارية للمهرجان حيث تضم اللجنة رئيس المهرجان والنجمة يسرا وكاتب السيناريو والمنتج محمد حفظى والمؤلفة مريم نعوم والمخرج محمد القليوبي والناقد طارق الشناوي والمحامية مني ذوالفقار.

كان المخرج محمد دياب قد سافر إلي مهرجان كان ليشارك بفيلمه الأخير «اشتباك» حيث افتحت به مسابقة «نظرة ما» للأفلام الطويلة بناء علي اختيار المهرجان، ويعد هذا الفيلم المشاركة الثالثة لمصر فى مهرجان «كان» بعد فيلم «الآخر» عام 1999 و«إسكندرية نيورك» 2004 ليوسف شاهين.

الكواكب المصرية في

30.05.2016

 
 

قراءة في مهرجان «كان» السينمائي الدولي الـ69

»ربيع« اللبناني والبحث عن وطن في »كان«

رسالة كان : نعمــــــة الـلـــــه حســـيـن

بحبك يا لبنان يا وطني بحبك..

بشمالك بجنوبك.. بسهلك بحبك..

إذ أنت بتتركني يا أغلي الأحباب..

الدنيا بترجع كذبة وتاج الأرض تراب..

بفقرك بحبك.. وبعزك بحبك..

بحبك يا لبنان.. يا وطني بحبك..

لبنان الكرامة.. والشعب العنيد الذي عاش محنة الحرب الأهلية سنوات طوالاً عاني أبناؤه من الشتات.. بسبب حرب أهلية غبية فرقت بين الأصدقاء والجيران والأحباب.. واقتسمت الشوارع بمتاريس.. وأضحي الجميع يحملون البنادق.. الأخ تجاه أخيه.. وقُصفت البنايات وكأنها جروح في جسد.. وليس قذائف في عمارة.

جيل كامل حمل السلاح صغيراً.. عرف معني اليتم.. وكبر قبل الأوان.. تركوا جنة الله علي الأرض وخرج العديد من الأهالي والأسر تاركين وراءهم ذكرياتهم.. ليعيشوا في الغربة حاملين أوطانهم داخل ضلوعهم وفي قلوبهم وعقولهم.. الحرب دمرت نفسيات عديدة وأضاعت «أوراقاً» هامة في حياة الأشخاص بسببها فقد البعض هويتهم الحقيقية مع عائلاتهم.. والبعض الآخر فقد عائلته ومازال يبحث عن جذوره وهويته الحقيقية بعد سنوات طويلة من انتهاء هذه الحرب.. استطاعت الدولة تعمير الكثير من المناطق.. لكن للأسف إن تعمير النفوس من جديد يحتاج لوقت أطول بكثير.

بقدر السعادة التي غمرت كل عربي بمشاركة الفيلم المصري «اشتباك» في برنامج «نظرة ما».. كانت السعادة بمشاركة الفيلم اللبناني «نجمة القطب» أو «ربيع» في «أسبوع النقاد» وهو يعد العمل الأول لمخرجه «فاتشيه بولجورجيان» اللبناني ذي الجذور الأرمينية.

الفيلم بطولة شاب موسيقي ضرير اسمه «بركات جبور» استطاع أن يفرض اسمه كممثل علي مهرجان «كان» وينافس كبار فناني العالم.. ولولا أن مسابقة أسبوع النقاد لا تشتمل جوائزها علي جائزة أفضل ممثل لكان قد حصل عليها بدون منازع لتمكنه الشديد من الأداء والتعبير بصدق عال.. وحركة مدروسة أمام الكاميرا، بالتأكيد يعود الفضل فيها للمخرج الواعد «فاتشيه».

«ربيع» بطل الفيلم موسيقي كفيف ومطرب يدرس الموسيقي في معهد للمكفوفين ويغني ضمن فرقة صغيرة وقع عليها الاختيار لتقدم حفلاتها في أوروبا.. يذهب «ربيع» بصحبة صديقه الصغير ابن الجيران إلي القسم لاستخراج جواز سفر.. إلا أنه يفاجأ بأن الهوية التي يحملها لا وجود لها أو بمعني أدق مزورة.. وعندما يعود للمنزل ويخبر والدته تطلب منه ألا يقلق وأن «خاله» سوف يحضر له الأوراق كلها.. لكن في غياب الخال يحاول ربيع أن يستكمل أوراقه.. يذهب للمستشفي ربما يجد شهادة ميلاده.. لكنه لا يجدها ويخبرونه بأنه لا وجود لاسمه، ليبدأ رحلة بحث عن جذوره ومن هي عائلته الحقيقية.. يجوب خلال تلك الرحلة البحثية لبنان شمالاً وجنوباً في محاولة للتوصل للحقيقة التي لا يدله عليها أحد.. فهناك من أصدقاء خاله من يكذب.. وآخر يختلق حكاية لينتقل هو الكفيف من مكان إلي مكان دون جدوي.. حتي يصل إلي أحد أصدقاء خاله محجوزا داخل مصحة نفسية ربما هو الوحيد الذي يعطيه طرف الخيط إلي عائلته الحقيقية.

وعنما يصل إليهم يجد الجد والجدة اللذين تشعر في إجابتهما أنهما عائلته الحقيقية لكن الموضوع انفض وأنهما قاما بدفن حفيدهما الصغير.

وذلك في مشهد من أجمل وأروع المشاهد التي تسمو فيها روح التضحية علي الأنانية فقد أرادا أن تظل حياة هذا الحفيد مع الأم التي رعته والخال الذي رباه سنوات عديدة مستقرة بدلاً من أن يحدثا له هزة نفسية ثابتة ليعود ربيع إلي أمه ينام بجوارها هانئا محتميا بها كعادته.. ليأتي خاله بالهوية الخاصة به ويستخرج له جواز سفر يستطيع من خلاله السفر مع الفرقة.. التي يحتفل معها بنجاحه منشداً أغنية «ابعت لي جواب... ابعت لي جواب.. وطمني.. ولو إنه عتاب.. لا تحرمني.. أبعت لي جواب.. صبرت عليك.. وذقت مرار.. وبعت ليك أخبار.. أتاريك ناسيني مع الأيام.. ورضيت تفوتني علي الآلام، أنا ليا الله يعرفني.. مش قادر أقول أنت الجاني.. هصبر علي طول علي أحزاني.. ابعت لي جواب وطمني.

والإجابة «دمعة» حارقة تسيل علي خد الخال الذي جاء ليستمع إلي من اعتبره ابنه.. إن رحلة ربيع هي ليست رحلة بحث عن الذات بقدر ما هي رحلة بحث عن وطن مثقل بالجراح عاش سنوات طويلة ممزقاً حمل فيها الأخ السلاح ضد أخيه والجيران الذين هم في الأصل أهل.. وخلّان.. بعدما ضاع الأمان.. فحمداً لله علي سلامة لبنان.. وأبعد عنها كل شيء لتبقي دائماً سيدة الأوطان.

وفي لقاء خاص مع المخرج الواعد «فاتشيه بولجورجيان» اختص به «مجلة آخر ساعة» قال إن فكرة الفيلم جاءته بعد قراءته قصة للكاتب (جولد هولد) وضع تجربته عن فقدان بصره بالتدريج حتي صار «كفيفاً» وكيف كان هناك ارتباط وثيق بين «البصر» و»الذاكرة» فمثلاً ظل يتذكر صورة زوجته وهي في الثامنة والعشرين في الوقت الذي تخطت فيه السبعين.

إن العلاقة بين البصر والذاكرة في حالة فقدان الرؤية تدريجياً تكون عادة عاملاً مساعداً للمكفوف علي التكيف لسنوات طويلة مع الأشياء التي يتعامل معها في الحياة.

وعن لقائه بـ«ربيع» أو «بركات» فقد جاء من قبيل الصدفة حيث استمع إليه داخل إحدي الكنائس يغني بصوت رخيم قوي فتقرب إليه وتعرف علي عائلته وطرح عليه فكرة الفيلم وكم كانت سعادته أن وافق ووافقت أسرته.. وبعدما تعرف علي «خاله» في الحقيقة طلب منه أن يمثل في الفيلم دور الخال فوافق رغم انشغاله في أعماله الكثيرة.

أقول «لفاتشيه» أشعر وكأنك كنت تقدم نفسك في الفيلم فقد تركت لبنان وأنت لم تتجاوز الخامسة عشرة لتعود بعد ذلك تحاول أن تكتشف بلدك وما حدث أثناء الحرب شعرت وأنا أشاهد الفيلم أنني أتتبعك في رحلة البحث عن ذاتك أنت.. بتأثر شديد أجابني بنعم.. لقد كنت أفتش في الذاكرة والهوية.. لقد كنت أشعر بأنني أكسر حواجز كثيرة في رحلة البحث هذه.. ولعل أكثر من الجغرافيا التي اهتديت إليها من خلال الأماكن والمدن والضيعات كانت الهوية الثقافية التراثية من خلال الأغاني والطقاطيق.. إن الفن والموسيقي تأصيل للتوازن النفسي القادر علي قهر أي إعاقة سواء كانت جسدية أم نفسية.

تاريخ الأمة.. هو نبض الشعب الذي لا يموت فهو أقوي من كل ظالم وكل ظلم.. فدولة الظلم لا تدوم مهما طال بها الأمد.. في واحد من أجمل الأفلام التي عرضت في المهرجان للمخرج التشادي «محمد صالح هارون» عن الديكتاتور (حسين حبري) الذي أودع مئات من أبناء تشاد في السجن وقام بتعذيبهم عذاباً شديداً.

في صفحة مطوية من التاريخ الأسود لهذا الحاكم الظالم الذي تسترت دولة السنغال علي تقديمه للمحاكمة التي خضع لها فعلا في يونيو 2003.. نجح «محمد صالح هارون» في أول فيلم تسجيلي طويل يقوم بإخراجه بعد العديد من الأفلام الروائية أن يقدم وثيقة تاريخية عن هؤلاء الضحايا الذين قامت بالمطالبة بحقوقهم المحامية القديرة (جاكلين مودينا) إن المئات الذين تعرضوا لأقسي أنواع العذاب الكثير منهم قضي نحبه هل من الممكن أن تخفف محاكمته من معاناتهم؟ 

وهل يكون للصلح والتصالح معني؟

إن معظم اللقاءات التي أجراها «هارون» مع «كليمان أياي فوتا» رئيس منظمة ضحايا نظام (حسين حبري) والذي اعتبره «هارون» الشخصية المحورية في الفيلم وعن لسانه تناول الحديث عن الضحايا.. لأن إصرار هذا الرجل علي الحصول علي حق هؤلاء الذين تم تعذيبهم كان وراء الاستعجال بمحاكمة (حسين حبري) والتي حاولت السنغال إيقافها بكل الطرق.

إن هذه القضية التاريخية التي سوف يصدر الحكم فيها هي إدانة لكل نظام ظالم وفاسد في العالم.. ودرس لكل شعوب الدنيا في أن الحق لابد أن يسطع نوره يوماً.. وكم كان رائعاً أن يترك (هارون) السينما الروائية ليقدم فيلماً تسجيلياً أعتبره سلاحاً في الفن ضد الظلم والظالمين.

آخر ساعة المصرية في

31.05.2016

 
 

لماذا أخطأت لجنة جورج ميللر بمنح كين لوتش سعفته الذهبية؟

كان – أحمد شوقي

بتكريم الممثل الفرنسى القدير جان بيير ليو وإعلان جوائز المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة والطويلة، أُسدل الستار مساء الأحد 22 مايو عن دورة ممتعة من مهرجان كان السينمائى الدولي. دورة شهدت مشاركة عدد كبير من الأسماء البارزة فى السينما العالمية بأفلامهم الجديدة فى برامج المهرجان المختلفة. أفلام جاء بعضها أقل من التوقعات وكسب بعضها الإعجاب، لتنتهى المنافسة بمنح السعفة الذهبية إلى أحد هؤلاء الكبار، البريطانى كين لوتش عن فيلمه الجديد “أنا دانيال بليك”.

قبل الجوائز لم يكن فيلم لوتش يتصدر ترشيحات النقاد المتابعين للدورة، بل لم يكن حتى فى المراتب الأولى للترشيحات التى تصدرها أفلام “طونى إردمان”اللألمانية مارين أدي، “أكواريوس” للبرازيلى كليبر ميندوسا فيلهو، “باترسون” للأمريكى جيم جارموش، “البائع” للإيرانى أصغر فرهدي، و”بكالوريا” للرومانى كرستيان مونجيو. لجنة التحكيم التى رأسها المخرج الاسترالى جورج ميللر تجاهلت أول ثلاثة أفلام فى القائمة، منحت جائزتى السيناريو والتمثيل الرجالى لفرهدي، وقسّمت جائزة الإخراج بين مونجيو والفرنسى أوليفيه أساياس عن “متسوقة شخصية”. بينما ذهبت الجائزة الأغلى إلى فيلم لوتش المُلتزم عن نجار عجوز يناضل للحصول على معاش بعد إصابته بمرض يمنعه من العمل.

عنوان المقال يكشف بالطبع أن رأى كاتب هذه السطور أن فيلم كين لوتش لا يستحق أن يكون هو حامل الجائزة السنوية الأهم فى عالم السينما، لعدة أسباب تخص الفيلم أولا والمنافسة ثانيا ودور المهرجان ثالثا.

عن الفيلم

أنا دانيال بليك” فيلم جيد الصنع بالطبع، كما يليق بمخرج فى الثمانين يصنع أفلاما من نصف قرن بالتمام والكمال، بالإضافة لكونه رجلا شريفا صاحب موقف اجتماعى وسياسى واضح لا يتورع عن إعلانه بشجاعة ودون حسابات. لكن المعطيات ذاتها التى جعلت الفيلم متماسكا مؤثرا، يطرح قضيته بشجاعة بعد أن يجعلها خلفية لقصة لقاء إنسانى بين النجار العجوز والأم العزباء التى تعانى نفس أزمته (يلعب الدورين ديف جونز وهايلى سكويرز برهافة استحقت التتويج أكثر من الفيلم نفسه)، هى أيضا الأسباب التى جعلته عملا عتيق الطراز فى شكله ومضمونه.

هذا فيلم يقسم العالم إلى مجموعتين من البشر: أخيار وهم الفقراء الساعون لحياة كريمة يعملون فيها بشرف فى بلد يحترم جهدهم عند التقاعد بمعاش آدمي، وأشرار هم ممثلو الحكومة التى تتعامل مع مواطنيها باعتبارهم أرقاما فى قوائم، وتفترض فيهم التلاعب والتنطع إلى أن يثبتوا العكس. تقسيمة بخلاف كونها بعيدة عن الواقع الذى لا يوجد فيه ما هو أبيض وأسود بهذه الصورة، وعدم بذلها أى جهد فى محاولة تفهم دوافع الطرف الآخر متمثلا فى الموظفين الذى لا يفعلون فى الفيلم سوى إحالة حياة الأخيار جحيما، فهى خيار لم يعد ملائما لتعقد العالم المعاصر وتقدم فنونه.

قطبية طرفى الصراع خيار يسارى بامتياز، تشبعت سينما كين لوتش به طيلة مشواره الممتد. خيار لا يرتبط بجودة أو رداءة بل ينتج أحيانا أعمالا جيدة مثل “أنا دانيال بليك”، لكنه خيار آت من ستينات القرن الماضي، من زمن السينما الملتزمة التى تتكامل مع المظاهرة والمقال لخدمة غرض يراه المبدع غالبا أهم من الفيلم ذاته. وهو فهم مختلف كثيرا عن السينما المعاصرة التى حتى وإن طرحت هما سياسيا أو حملت رأيا قاطعا، فهى فى النهاية عمل إبداعى بصرى قبل أن تكون موقفا اجتماعيا.

عن المنافسين

الأزمة هنا فى تواجد البديل الأكثر حداثة وجودة حسب رأيى. أى أنه حتى لو افترضنا أن لجنة جورج ميللر انحازت لسينما الهم الاجتماعى أكثر من أعمال عن النفس البشرية مثل “طونى إردمان” و”البائع”، فإن فيلما مثل “أكورايوس” الذى خرج من المسابقة خال الوفاض سيظل خيارا أكثر فنية فى طرح قضيته. حكاية فيلم فيلهو الرئيسية عن كاتبة متقاعدة ترفض ترك المنزل الذى قضت فيه أغلب عمرها لشركة إنشاءات ضخمة تريد أن تهدم المنطقة لتقيم أبراجا، ولا يتورع أصحابها عن فعل أى شيء للتخلص من الساكنة الأخيرة التى تُعطِل مشروعهم.

نظريا هو أيضا فيلم هم اجتماعي، لكنه على النقيض من فيلم لوتش لا يتعامل بالأسود والأبيض ولا يحاضر فى مشاهديه، بل يجعل المخرج الأمر فصلا من حياة زاخرة بكل صفات البشر، بالحب والكراهية والسعادة والغضب والرغبة والغرور وكل ما يجعل بطلة الحكاية امرأة من لحم ودم، بل يجعلها شخصية روائية تبدو أكثر إنسانية من الواقع نفسه، وليست مجرد رمز لطبقة أو مسيح مظلوم كما هم أبطال البريطانى المخضرم.

عن دور المهرجان

ما سبق ليس تدخلا فى خيارات المحكمين أو فرضا لنظرية، وإنما هو محاولة لفهم دوافع منح السعفة لفيلم يبدو مثاليا لحمل السعفة الذهبية لعام 1976 لا العام الحالي. فإذا كان دور اللجنة فى مهرجان بحجم كان اختيار الفيلم الأفضل فنيا دون أى حسابات فسيكون الخيار مختلفا، وإذا كانوا يسعون للجمع بين جماليات الفيلم وقيمته الاجتماعية والسياسية فقد تضمنت المسابقة ما هو أفضل، وإن كان دورهم تسليط الضوء على الأفلام التى تستحق الشهرة والمخرجين الذين يحتاجون الانتشار، فبالتأكيد لن يكون كين لوتش هو الخيار المناسب.

مجددا “أنا دانيال بليك” ليس فيلما سيئا، بل هو عمل مؤثر سيشعر مشاهده بالتعاطف مع أبطاله فى أزمتهم، يستمتع بالحكاية ويتوحد معها. لكنه فيلم عادي، عتيق الطراز، خال من المغامرات فى الشكل والمضمون، يقول ما قد سبق وان قاله مخرج عديد المرات من نفس المنصة. ورغم كل الفرص التى سينالها للانتشار بحكم تتويجه بالسعفة الذهبية، أزعم أن دورة كان 69 ستُذكر فى المستقبل مقترنة بأفلام أخرى غير حامل سعفتها، تماما كما صارت كان العام الماضى دورة “ابن شاؤول” رغم تتويج “ديبان” في نهايتها.

جريدة القاهرة في

31.05.2016

 
 

عرب في "كان" عندما تحضر السينما يفوز الفيلم أحياناً

نديم جرجوره

قبل ثلاثة أعوام، يفوز المخرج الفرنسي، التونسي الأصل، عبد اللطيف كشيش بـ "السعفة الذهبية"، في الدورة الـ 66 (15 ـ 26 مايو/أيار 2013) لمهرجان كان السينمائي الدولي. عربي جديد يشارك في أحد أبرز المهرجانات الدولية وأهمها، ويحصل على جائزته الأولى. لكن السينمائي العربي الجديد نفسه لم يقدم عملاً عربياً، ولم يحصل على إنتاج عربي لتحقيق عمله هذا، ولم يقارب فيه أي مسألة عربية، ولم يتعاون مع ممثلين - أو تقنيين - عرب لإنجازه. فيلمه الفائز، "حياة أديل"، فرنسي الإنتاج، بمشاركة إنتاجية من بلجيكا وإسبانيا، يُقتبس من رواية مصورة بعنوان "الأزرق لون ساخن" للفرنسية جولي مارو، عن علاقة حب خطرة وعاصفة بين امرأتين. 

تكريمات 
لن يقف هذا كله حائلاً دون استعادة تاريخية، حينها، للحضور السينمائي العربي في المهرجان المصنف "فئة أولى" في العالم، وهو حضور يبدأ منذ منتصف القرن الـ 20 تقريباً. استعادة تميل إلى الاحتفاء والتكريم، وإلى تأكيد فعالية النتاج السينمائي وقدرته على بلوغ مراتب دولية مهمة، وإلى الإشادة ببراعة السينمائي العربي في "احتلال" مكانٍ ما في "كان"، وغيره من المهرجانات الدولية. والاستعادة هذه ـ إذ تكتفي بتأريخ الحضور، وتقديم لائحة بأبرز السينمائيين المشاركين، وبالأفلام المشاركة، وبالجوائز التي يحصدها هذا الفيلم أو ذاك ـ تنطلق من حس انفعالي "إيجابي" إزاء ما يعتبره صاحب الحس هذا "اعترافاً" دولياً بما تنجزه السينما العربية من عناوين، تتمكن من فرض نفسها في المشهد الدولي. 

الاستعادة تلك لن تتضمّن قراءة نقدية لأفلامٍ تنال جوائز أساسية في المسابقة الرسمية، أو في إحدى المسابقات الأخرى، كـ "نظرة ما"، و"نصف شهر المخرجين". الاحتفاء بحضور وفوز عربيين يبقى تكريمياً، بينما المشاركة السينمائية العربية في الدورة الـ 69 (11 ـ 22 مايو/ أيار 2016) للمهرجان نفسه، تحرض على تحويل استعادة الحضور السينمائي العربي السابق في "كان"، إلى مقاربة نقدية لأفلام مشاركة وفائزة، في محاولة للبحث عن مدى ارتكازها على مفردات الاشتغال السينمائي البحت، وإن تكن المواضيع المختارة متنوّعة إلى درجة التناقض في ما بينها، أحياناً. 

يمكن، بالتالي، التنبه إلى مسألة أخرى: إلى أي مدى تلتزم إدارة المهرجان بالسينما في اختياراتها؟ لن يكون السؤال اتهامياً، إذ تكشف غالبية الأفلام العربية (على الأقل)، المشاركة سابقاً، وجود نواة جوهرية للبناء السينمائي الجمالي، ومعاينة بصرية لمسائل متوغلة في البنيان الاجتماعي الثقافي العربي، واستعادة لمحطات تاريخية يرتبط العرب بها، مباشرة أو غير مباشرة. 
تؤكد غالبية الخيارات العربية السابقة لـ "كان" وجود "مصداقية" في التعاطي مع النتاج البصري، انطلاقاً من مدى استجابته للشرط السينمائي أولاً، ومن جدية موضوعه ومعالجته ثانياً. ومع أن المهرجان يحاول، عبر خياراته، تسليط الضوء، أحياناً، على "مناطق جغرافية" محدّدة، عبر سينماها، لتبيان وقائع السياسة والاجتماع والسلوك والعيش اليومي فيها؛ إلا أن المحاولة تستند، غالباً، على حيوية السينما بحد ذاتها في استيفاء مقوماتها الجمالية والدرامية والفنية. ومع أن المهرجان نفسه "يخرق" نظامه الداخلي، كما هو حاصل في دورة عام 2016، بإشراك فيلم "البشمركة" للفرنسي الصهيوني برنار ـ هنري ليفي بعد أيام على بدء دورته الأخيرة؛ إلا أنه لم يرضخ ـ في المقابل ـ لضغوط يهودية متطرفة في مدينة "كان"، تطالبه بمنع عرض 13 دقيقة فقط من فيلم غير مكتمل للفلسطيني نصري حجّاج، بعنوان "ميونخ، قصّة فلسطينية". 

نظرة

إلقاء نظرة نقدية على بعض أبرز الأفلام العربية، الفائزة بجوائز من "كان"، كفيل، إلى حد كبير، بتوضيح المسألة برمتها. فبعيداً من "حياة أديل" لكشيش، يمكن العودة إلى عام 1991، مع فوز "خارج الحياة" للّبناني الفرنسي الراحل مارون بغدادي (1950 ـ 1993) بجائزة لجنة تحكيم الدورة الـ 44، مناصفة مع "أوروبا" للدنماركي لارس فون ترير. بعد ذلك بـ 11 عاماً، يحصل الفلسطيني إيليا سليمان على الجائزة نفسها، وحده هذه المرة، عن "يد إلهية" (دورة عام 2002). قبله، يكرم المصري الراحل يوسف شاهين (1926 ـ 2008)، بمنحه جائزة العيد الخمسين للمهرجان (1997)، عن مجمل أعماله، هو المعتاد دائماً أن يشارك فيه بأفلام يصنعها بشغف حرفي كبير، وإن يحتاج بعضها ـ خصوصاً تلك المنجزة في الأعوام الأخيرة من حياته ـ إلى نقاش نقدي آخر. 

المصري يسري نصر الله لن يبقى خارج كان أيضاً. ففي عام 2012، يتمّ اختيار "بعد الموقعة" للمسابقة الرسمية، علماً أن تعليقات جمة تتناول، حينها، "الجانب السياسي" البحت في عملية الاختيار، إذ ينجز الفيلم بعد أشهر قليلة على اعتداء "بلطجية" الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، في 2 فبراير/ شباط 2011، على المتظاهرين ضده، فيما يُعرف بـ "موقعة الجمل" (هذه نواة الحبكة الدرامية للفيلم). الاختيار سياسي؟ ربما. لكن الفيلم ـ بصرف النظر عن أهميته في محاولة تأريخ اللحظة تلك سينمائياً ـ يبدو متسرعاً في قراءتها (اللحظة)، عبر فيلم روائي لن يكون، جمالياً وفنياً ودرامياً، بالمستوى الإبداعي الرائع لأفلام أخرى له، كـ "سرقات صيفية" (1988) و"مرسيدس" (1993) و"صبيان وبنات" (1995) و"المدينة" (1999)، وغيرها. وهذا على نقيض الفيلم القصير "داخلي/ خارجي"، المشارك به في المهرجان أيضاً، من خلال فيلم جماعي لـ 10 مخرجين مصريين بعنوان "18 يوم"، تناولوا عبر 10 أفلام قصيرة لهم بعض ملامح "ثورة 25 يناير" (2011). الفيلم الجماعي هذا، إذ يعرض للمرة الأولى في دورة عام 2011 لـ كان (ما يعني "احتمال" وجود سبب "سياسي" أيضاً وراء الاختيار)، لن يلغي متانة الحبكة الدرامية في مقطع نصر الله في سرد الحكاية (زوجة ترغب في النزول إلى الشارع، وزوجها يرفض ذلك، قبل اقتناعه بحقّها في التعبير عن نفسها ورأيها، وبحق المصريين في الانخراط في حراك سلمي ضد الطاغية)، وفي الاشتغال الدرامي والجمالي، وفي قراءة حالة مصرية واقعية في ظل الحراك الشعبي، بلغة سينمائية متماسكة، تتلاعب ـ بصرياً وفنياً وجمالياً ـ على ثنائية الداخل والخارج، في النفس والروح والمكان والتساؤلات والعلاقات. 

جحيم الواقع 

استناداً إلى قصة واقعية تجري فصولها في عام 1987، بطلها صحافي فرنسي يدعى روجيه أوك (1956 ـ 2014)، يقدم مارون بغدادي "خارج الحياة"، مستفيداً في بنائه الحكائي من تجارب غربيين آخرين يخطفون، هم أيضاً، في بيروت، في ثمانينيات الحرب الأهلية (1975 ـ 1990) تحديداً. لن يكون الفيلم حكماً مسبقاً، لا إيجابياً ولا سلبياً، ولا "مع" الضحية ولا "ضد" الجلاد. الحبكة في مكان آخر تماماً، تنطلق من تساؤلات عامة: أيمكن للضحية أن تتصالح مع الجلاد، بعد خروجها من الاعتقال، أو أثناءه؟ كيف يمكن تحديد الحد الفاصل، في عملية الخطف بحد ذاتها، بين السياسي ـ الثقافي ـ الإيديولوجي، والإنساني؟ هل الخطف، أساساً، يعي معنى الضحية البريئة، أو أن الوعي، هنا، "مطلوب" و"ضروري"، ويتم إدخاله في لعبة مصالح بحتة؟ تميل الإجابة إلى هذا كله، لأن الفيلم مبني على سرد شفاف لعلاقة تنشأ بين الصحافي المخطوف باتريك بيرو (إيبوليت جيراردو) وخاطفيه. علماً أن السرد مغلف بحساسية سينمائية، مرتكزة على توليف يتكامل والإيقاع المتوازن بين خصوصية العلاقة تلك، والمناخ العام خارج أسوار الاعتقال، وإنْ لم يظهر الخارج كثيراً، من دون تناسي سلاسة السرد الدرامي، التي لن تخفي عمق المعالجة الإنسانية للعلاقة الملتبسة تلك. 

"يد إلهية" مختلف تماماً. لغته السينمائية أمتن وأجمل في متابعتها وقائع العيش الفردي في ظل الاحتلال، بعيداً عن خطابية المواجهة والنضال. اللغة نفسها تُستخدم، بحرفية واضحة، في تفكيك البُنى الاجتماعية والإنسانية والسلوكية في الاجتماع الفلسطيني، المقيم في ظل الاحتلال الإسرائيلي الساعي إلى تفكيك الجغرافيا ونسيج العلاقات المختلفة بين الفلسطينيين. اللغة نفسها أيضاً، المرتكزة على متتاليات سينمائية أشبه بلوحات فنية ملونة بحكايات فردية مفتوحة على وقائع الحال في فلسطين المحتلة، تتوغل في أعماق البيئة الفلسطينية، كاشفة مواجعها وأحلامها ومواجهاتها الصامتة والسلمية والحادة ـ في آن واحد ـ في سخريتها ونزقها ضد المحتل، كما ضد الفرد الفلسطيني المستكين، غالباً، إلى تقاليد عيشه. 

فيلمان يغوصان في جحيم الواقع الإنساني الفردي، المفتوح على جرح الجماعة في مواجهة تحديات العيش اليومي على تخوم الموت والخراب، كما على تماسٍ حيويّ مع أمل الانتصار، للذات الفردية على الأقل، في أحلامها، وإنْ تكن الأحلام مُعلّقةً. 

التباسات 
في عام 2009، يشارك الروائي الثالث لسليمان نفسه، "الزمن الباقي"، في "كان" ضمن "الاختيار الرسمي". لن يفوز الفيلم بأي جائزة، لكنه يؤكد، مجدداً، حرفية سينمائي يستمر في التنقيب في البيئة الفلسطينية، انطلاقاً من ثنائية الاحتلال الإسرائيلي والاجتماع الفلسطيني. العودة إلى نكبة عام 1948 مردها رغبة في سرد تاريخ العائلة، وإنْ بتوار سينمائي بديع خلف الصورة ولغتها أولاً، وخلف التاريخ والحاضر الجماعيين، ودهاليزهما ومتاهاتهما وأسئلتهما المعلقة ثانياً. المحطات التاريخية عديدة، وقسوة الاحتلال حاضرة، والتخبط الفلسطيني ـ اجتماعياً وسياسياً وثقافياً وإنسانياً ـ موجع، وإن يتمّ تغليفه بنسق ساخر. 

بعد ذلك بعام واحد فقط، يتمّ اختيار "خارجون على القانون" للفرنسي الجزائري الأصل رشيد بوشارب للمسابقة الرسمية في دورة عام 2010، علماً أن فيلمه السابق "بلديون" ينال جائزة التمثيل في دورة عام 2006، التي يحصل عليها الممثلون الأربعة سامي بوعجيلة وجمال دوبوز وسامي ناسيري ورشدي زيم. سينمائياً، لن يكون الفيلمان عاديين، لكنهما لن يبلغا مرتبة باهرة من الإبداع البصري. متانة الحرفية واضحة، لكن النواة الدرامية أقرب إلى تأريخ لحظات "منسية" في التاريخ المغاربي، في ظل الاستعمار الفرنسي، خصوصاً أثناء الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945). أهميتهما الأساسية كامنة في تبيان حقائق غير متداولة رسمياً، لكن السينما لم تخرج من تقليديتها في التصوير والمعالجة والتوليف، من دون تناسي الأداء الاحترافي العادي للممثلين، علماً أن بوعجيلة ودوبوز وزيم يمثّلون أيضاً في "خارجون على القانون". 

يمكن القول إن اختيار الفيلمين هذين في مهرجان كان سياسي، أكثر مما هو سينمائي، خصوصاً أن "خارجون على القانون" يفشل تجارياً في عرضه الفرنسي، ويثير سجالات تاريخية وثقافية وسياسية. مع هذا، فإن الارتكاز إلى أهميته ضرورية، لأنه يعيد إحياء تفاصيل مجزرة "سطيف" الجزائرية، التي يرتكبها المستعمر الفرنسي في 8 مايو/ أيار 1945، التي تفتح أبواب "الجحيم" على الفرنسيين، بعد خروج جزائريين كثيرين إلى شوارع باريس، للمطالبة باستقلال بلدهم. في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1961، تقع مجزرة بحق هؤلاء في عاصمة الثقافة والنور. 

أما "بلديون"، فيُسلّط الضوء على مغاربة "يحاربون" إلى جانب المستعمِر الفرنسي في الحرب العالمية الثانية نفسها، ما يدفع لاحقاً إلى إعادة النظر، رسمياً، بوضعهم في فرنسا، هم الذين يُغيَّبون طويلاً في المشهد الفرنسي العام. 

النماذج السابقة مرتبطة بمرحلة حديثة، تاريخياً، في "كانّ". نماذج تبقى مجرّد أمثلة تعكس أمرين اثنين: أولاً، أن السينما العربية قادرةٌ على أن تمتلك شروطها الإبداعية، وبراعتها في الاشتغال بلغة سينمائية متماسكة، غالباً. وثانياً، أن السينما العربية هذه، عندما تُحقِّق أفلامها بالطريقة الإبداعية تلك، تتمكّن من أن تحضر في المشهد الدولي، وتفرض أسئلتها وأشكالها وأنماط معالجاتها الدرامية.

العربي الجديد اللندنية في

31.05.2016

 
 

حدث في مهرجان كان

العرب/ أمير العمري*

كناقد محايد تابع أفلام المسابقة أسعدني كثيرا فوز الفيلم بالجائزة، ليس فقط بسبب إعجابي الكبير بمستواه الفني المتميز، بل وباعتبار فوزه بالجائزة، صفعة على وجه إسرائيل.

لا شك أن النقاد السينمائيين الذين يتابعون يوميا عروض أفلام مهرجان كان السينمائي، يعتقدون عادة، أن تلقى آراؤهم صدى لدى أعضاء لجنة التحكيم الدولية التي يكون مطلوبا منها منح الجوائز للأفلام التي تراها الأفضل، وهو اعتقاد خاطئ تماما في تصوري.

صحيح أن نتائج لجان التحكيم كثيرا ما اتفقت مع توقعات النقاد، خاصة في ما يتعلق بجائزة “السعفة الذهبية” لأحسن فيلم، ولكنها تعارضت كثيرا أيضا مع ما أعجب به النقاد، والأمثلة على ذلك كثيرة.

يصدر يوميا خلال المهرجان عدد من مجلات السينما أهمها مجلة “الفيلم الفرنسي” الفرنسية، و”سكرين إنترناشيونال” البريطانية، و”فاريتي” الأميركية. وتستطلع كل من هذه المجلات -باستثناء فاريتي- يوميا، آراء عدد من النقاد حول أفضل الأفلام يمنحونها نجوما (وسعفات ذهبية!).

وقد ظلت ترشيحات نقاد المجلتين تضع الفيلم الألماني “توني إيردمان” على قائمة الترشيحات لنيل “السعفة الذهبية”، وكانت المفاجأة أن خرج الفيلم دون الحصول على أي جائزة، ولا حتى جائزة أحسن ممثل التي رشح كثيرون لها الممثل النمساوي بيتر سيمونشينك الذي أبدع بلا شك في دور البطولة.

وجاء رد فعل النقاد والصحافيين المتجمعين لمشاهدة حفل الختام عبر شاشة عملاقة في قاعة العروض الخاصة، غضبا ورفضا وصفيرا، بعد إعلان أن الفيلم الفائز بالسعفة الذهبية ليس الفيلم الألماني الكوميدي الذي يصل في لحظات كثيرة إلى ما يعرف بـ”الفارص” أو المواقف الهزلية المبالغ فيها، وإنما الفيلم البريطاني الواقعي الرصين “أنا دانييل بليك” للمخرج المخضرم كن لوتش، الذي يوجه صفعة للبيروقراطية الحكومية في مجتمع رأسمالي يزداد توحشا يوما بعد يوم، في تعامله مع الفقراء والمهمشين.

قد يكون مفهوما أن يأتي انحياز النقاد لعمل سينمائي متميز يجدد في لغة السينما وينقل السينما إلى الأمام، أو يمكن اعتباره فتحا جديدا في التعبير بمفردات السينما: المونتاج والصوت والحركة والإيقاع والزمن، ولكن ليس من المفهوم أن يكون كل هذا الانحياز الذي بلغ مستوى التعصب، للفيلم الألماني الذي ليس من الممكن القول إنه يسعى إلى تجديد لغة السينما، كما كان الأمر على سبيل المثال مع أفلام أخرى شهيرة اتفق فيها النقاد مع لجان التحكيم في دورات سابقة مثل “تحت الأرض” لأمير كوستوريتشا، أو “شجرة الحياة” لتيرنس ماليك، أو “البيانو” لجيم كامبيون، أو “حب” لمايكل هانيكه.

وقد قيل إن منح السعفة الذهبية إلى فيلم كن لوتش جاء لاعتبارات تتعلق ببلوغ المخرج الثمانين من عمره، واحتمال أن يعتزل الإخراج السينمائي كما كان قد أعلن العام الماضي ولم يفعل، ولا أظنه سيفعل، فغيره مثل وودي ألين (80 سنة) وأليخاندرو خودوروفسكي (87 سنة) وماركو بيللوكيو (76 سنة) مازالوا يواصلون العطاء، وكانت لهم جميعا أفلام في هذه الدورة من مهرجان كان.

وكان من الطريف، بل والمدهش أيضا، أن الجائزة جاءت من لجنة تحكيم يرأسها المخرج الأسترالي جورج ميللر (71 سنة) صاحب سلسلة الأفلام الشعبية الشهيرة “ماكس المجنون” التي تعتبر من أفلام التسلية التي تدور في أجواء خيالية، وتحفل بالمغامرات والأكشن ومشاهد العنف والغرائبيات، أي ليس من المخرجين المعروفين باهتمامهم بأفلام القضايا الاجتماعية على غرار الأفلام التي يخرجها كن لوتش منذ أن بدأ العمل في السينما حتى اليوم.

لذلك ليس من الممكن الادعاء بأن ميللر منح فيلما يشبه أفلامه، بل على العكس، وهو ما قد يعبر أيضا عن مزاج عام داخل اللجنة كان له تأثيره على ميللر وتوجهاته، خاصة وقد أثنى الممثل الكندي الكبير دونالد سوذرلاند كثيرا على فيلم كن لوتش، وامتدحه علانية أمام الجمهور بعد إعلان فوزه بالجائزة.

وكناقد محايد تابع أفلام المسابقة، بل ويتابع المهرجان منذ ربع قرن، أسعدني كثيرا فوز الفيلم بالجائزة، ليس فقط بسبب إعجابي الكبير بمستواه الفني المتميز، بل وباعتبار فوزه بالجائزة، صفعة على وجه إسرائيل التي يطالب لوتش بمقاطعتها كدولة خارجة عن القانون!

*ناقد سينمائي مصري مقيم في لندن

العرب اللندنية في

01.06.2016

 
 

المخرج الاسباني ألمودوفار:

«جوليتا» تراجيديا تصب في الميلودراما

الوكالات ـ «سينماتوغراف»

في مقابلة أجرتها معه مجلة «دفاتر السينما» الفرنسية تحدث المخرج الاسباني بيدرو ألمودوفار عن فيلمه الجديد «جوليتا» وعن تفاصيل عديدة في مسيرته الفنية الحافلة، وكذلك عن ابطال جوليتا الممثلة الشابة ادريانا اوغارت التي لفتت انظار النقاد في «مهرجان كان» الأخير (الذي انتهى مؤخرا) وإيما سواريز وغيرهما.. ونقتطف من حديثه الطويل ما يلي:

في افلامك تعتمد دائماً الحوارات الطويلة خاصة بين بطلاتك في لغة نسائية غنية ومتفرعة وكأنك تتلذذ بهذه الحوارات النسائية، لكن هذا غير موجود في فيلمك الجديد «جوليتا».

ـ بطلاتي في جوليتا لسن ثرثارات كما في بقية افلامي. كنت قد قرأت مقالة وحديثاً مع اليس مونرو تقول فيه ان المرأة لها حاجات طبيعية في الاكثار من الكلام، وما ان تلتقي النسوة حتى يبدأن بالتحاور. هن بحاجة ماسة الى قول كل ما يشعرن به. أما الرجال فوضعهم مختلف، وهم يواجهون مباشرة وبالتصرف ما عليهم ان يواجهوه.

في «جوليتا»، وكان يجب ان يكون اسم الفيلم «صمت» وهو عنوان واحدة من القصص التي يسردها وكن اعتمدناه لفترة ثم قررنا تغييره، وذلك لأن الصمت جزء مهم منه وصفة من صفات العلاقة التي تسود بين جوليتا وزوجها او بينها وبين ابنتها آنيتا. فالشخصيات في «جوليتا» لا تشرح مشاعرها وهذه الأخيرة تبقى طوال الفيلم غامضة. فالبطلة تكتشف خيانة زوجها وتتصرف على أساس وجود هذه الخيانة لكنها لا تتصارح معه في الموضوع. كذلك عند موت الزوج لا مصارحات بينهما وبين ابنتهما. والصمت هو لغة اساسية في «جوليتا» على عكس افلامي الأخرى.

أمكنة جديدة

ما يدخل في اللغة ليس المواجهة التي تشرحها بين اسلوبك الباروك (كما تسميه) ولغة اليس مونرو الرقيقة للغاية. ولكن انها قد ارسلت بك الى امكنة جديدة لم تكن قد زرتها في افلامك سابقاً حيث كانت البطلة لديك مثلا حيوية وناشطة لمواجهة مشاكلها، انما هي هنا محبطة ونتابع انهيارها، وارى ان ذلك غاية في العنف.

ـ هذا صحيح. فغالباً ما وصفت في افلامي امهات يمتلكن قوة خارقة في المواجهة. لكن جوليتا مختلفة عن تلك الأمهات. ولقد كنت دائماً اعطي صورة الام جانباً مسلياً وطريفا اذ كنت استقي ذلك من شخصية امي وعدد من الأمهات اللواتي عرفتهم في طفولتي. ولكن حين صورت شخصية جوليتا لم يكن فيها اي شيء من هذا القبيل، وعندما جعلتها تنعزل في شقتها لتكتب قصة حياتها، لم أصف أمي مطلقاً بل وصفت نفسي حين اكون مع وحدتي. وهي لا علاقة لها بصورة «الأم التي بحجم الكون أو الحياة» كما كان الوضع في افلامي السابقة.

تفاصيل الحياة

في «جوليتا» تصور تفاصيل الحياة الصغيرة التي تترك اثرها لدى المشاهد وأنت تحب تصويرها مثل الوصول في الباص أو التاكسي او السفر في لحظات حصوله: ثمة احساس هائل باندماج المتلقي بكل مناخات الفيلم..

ـ يفرح السينمائي حينما يسمع كلاماً كهذا. انها اعجوبة السينما الهائلة: انت تعمل ها هنا وتسجل احاسيسك ولحظاتك وثمة مشاهد في اقاصي الارض يتفاعل معك بهذا القدر من الاحاسيس. والتفصيل المتعلق بوسائل النقل، انت محق فيه وهل تعلم لماذا اركز اهتمامي عليها، لأنني ربما لا اتقن قيادة السيارة، وأنا افكر ملياً في وسائل التنقل كلما قررت الخروج من منزلي، وفي «جوليتا» الشخصيات تعيش بعيدة عن بعضها البعض، والمسافات التي تفرقها لها اهميتها. فجوليتا مثلاً بحاجة لأن ترى والدها باستمرار لكن هذا مستحيل لأنه يسكن بعيداً عنها.

ألوان الثياب

هناك تفعيل آخر ويتعلق بالالوان: ألوان الثياب والأمكنة، وقعها في لحظات الفيلم وأنت تتقن هذا الأمر بدقة بمبالغة الى حد ما ولكن من دون ان يقع المشهد في الابتذال، انما هو على حافة المبالغة..

ـ الأزياء والالوان امر مهم في السينما. في فيلم «كازابلانكا» وفي مشهده الأول حين تسأل إنغريد برغمان هامفري بوغارت: «هل تتذكر لقاءنا الأخير في باريس؟ يجيبها: «بالتأكيد، في تلك المرحلة، كان الألمان يحتلون باريس وكان الجنود يرتدون جميعهم اللون الرمادي وأنت كنت ترتدين ثياباً زرقاء اللون». هذا نموذج رائع لنشير الى علاقة الألوان بأحاسيسنا القوية. وحين ارسم شخصية في فيلم فأنا اهتم بها تماما كما تهتم الأم بولدها فتشتري له الثياب الجميلة وتختار له الألوان الجميلة… في كل افلامي، للالوان وقعها فهي تشير الى دلالات دراماتورجية محددة، ان كان لون الثياب او لون جدار أو غيره..

شعور هائل

هناك جملة قصيرة وأخيرة لماريان في الفيلم تنهي كل الجدل. وفي اكثر من مقالة نقدية حول الفيلم اعتبرت ان «جوليتا» ليس ميلودراما بل تحديداً هو تراجيديا وذلك لأن القدر يلعب فيه دوراً مهماً.

فماريان في اللقطة الأخيرة تشبه يد القدر: وهي تنهي في كلمة ختامية حول عقوبة الموت لأحدهم. كذلك هناك ادوات اخرى تبدو وكأنها صور للقدر مثل الرجل في القطار. ثم كل هذه التفاصيل التي تعود الى مفاهيم يونانية اغريقية: البحر والدرس الذي تسرده جوليتا.. هل تسلم بالأمر بأن هذا الفيلم هو تراجيديا وليس ميلودراما كما كان الحال في كل افلامك؟

ـ تماماً حتى وإن كانت بعض عناصر هذه التراجيديا تصب في الميلودراما. انها قصة قدرية وهناك ايضا ذاك الشعور الهائل بالذنب الذي يصبح تماما مثل مرض نفسي. وحتى وان كانت البطلة ليست مذنبة في حدود اي غلطة ارتكبتها غير انها تشعر بأنها مذنبة ولا تستطيع ان تتحاشى قدرها. إذا الفيلم تراجيديا وهذا صحيح. في كل الأحوال هناك اشارات صغيرة ايضا في فيلم لم نذكرها الآن تؤكد هذا الموضوع وتؤكد ان البطلة متأثرة بالشخصيات الاغريقية التراجيدية، فهي مثلاً تذكر امام كزوان الذي سيصبح زوجها في ما بعد، بأنها متخصصة في الآداب الكلاسيكية القديمة وبأنها تدرس هذه المادة، وأنا اعتبرت بأن هذا كان انذاراً اولياً لما سيحدث معها من مصادفات وأحداث تراجيدية في ما بعد.

ماذا تعرف عن فيلم اصغر فرهادي الجديد في اسبانيا؟

طهران ـ «سينماتوغراف»

فيما تناقلت وسائل اعلام عالمية ومحلية خبرا مفاده أن المخرج الايراني اصغر فرهادي ينوي تصوير فيلم سينمائي جديد له في اسبانيا، لكن فرهادي قال مؤخرا أنه لم يحسم امره بعد!.

وأشار فرهادي في حديث صحفي أنه ينوي بالفعل العمل على فيلم سينمائي تدور احداثه في اسبانيا الا انه لم يقرر بعد ما اذا كان ذلك هو فيلمه التالي.

واضاف المخرج الحائز على السعفة الذهبية من كان الـ69 ان المشروع الجديد سيصور في اسبانيا اذا تقرر اطلاقه لكنه لم يقرر بعد اخراج الفيلم وقد يعمل على مشروع آخر قبل اطلاقه.

وكانت مجلة «فارايتي» نقلت خبرا عن مفاوضات جادة ورسمية مع الزوج الفني الإسباني «خافيير باردم» و«بينيلوبي كروز» للتمثيل في فيلم المخرج الإيراني أصغر فرهادي الجديد.

ويستعد المخرج الإيراني أصغر فرهادي الذي فاز فيلمه الأخير «البائع» بجائزتي أفضل سيناريو وأفضل تمثيل من مهرجان كان السينمائي بدورته التاسعة والستين، لإخراج فيلمه الجديد اسباني اللغة، وفي هذا السياق بدأ مفاوضاته من أجل التعاقد مع النجمين الإسبانيين الحاصلين على جائزة الأوسكار من أجل المشاركة في فيلمه.

وحسب تقرير «فارايتي»، فإن إنتاج فيلم فرهادي الجديد الذي لم يتحدد عنوانه بعد سيكون مشترکا بين «بيدرو ألمودوفار» لشركة «El Deseo» الإسبانية، و«الکساندر ماله غاي» لشركة «ممنتو» الفرنسية.

وقصة هذا الفيلم تتحدث عن أسرة تعيش في أحدى المناطق الريفية في اسبانيا.

سينماتوغراف في

01.06.2016

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)