كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

جوائز مهرجان كان الـ69 ذهبت إلى من يستحقها

العرب/ أمير العمري

مهرجان كان السينمائي الدولي

الدورة التاسعة والستون

   
 
 
 
 

كانت المفاجأة الكبرى التي لم يتوقعها معظم النقاد في مهرجان كان، حصول الفيلم البريطاني “أنا دانييل بليك” على “السعفة الذهبية”، وهي الجائزة الأكثر شهرة وأهمية من بين جوائز المهرجان، وهذه هي المرة الثانية التي ينالها المخرج كن لوتش (80 سنة) المعروف بمواقفه السياسية اليسارية التي دفعته إلى تأييد نضال الشعب الفلسطيني والدعوة إلى مقاطعة إسرائيل، بل وقد رفض بالفعل عرض أفلامه في المهرجانات الإسرائيلية، وكان فيلمه “الريح التي تهز الشعير” عن نضال الأيرلنديين من أجل الاستقلال، قد نال الجائزة نفسها عام 2006.

معظم التوقعات كانت تشير بشكل شبه مؤكد إلى فوز الفيلم الألماني “توني إيردمان” للمخرجة مارين أدي بجائزة “السعفة الذهبية” لمهرجان كان الـ69، وهو فيلم من نوع الكوميديا الإنسانية، ومدة عرضه تقارب ثلاث ساعات، ويعتبر أكثر الأفلام التي نالت إعجاب الجمهور والنقاد في الدورة الأخيرة الـمنتهية، الأحد، من المهرجان الذي شهد تنافس 21 فيلما من بينها عدد من أفلام كبار المخرجين في العالم.

وقد ظل الفيلم الألماني يتربع على قمة ترشيحات نقاد مجلة “الفيلم الفرنسي” ومجلة “سكرين إنترناشيونال” حتى اليوم الأخير، ولكن توقعات النقاد لا تتفق دائما مع نتائج لجنة التحكيم، التي رأسها هذا العام المخرج الأسترالي جورج ميللر صاحب سلسلة أفلام “ماكس المجنون”.

وكما حدث في العام الماضي عندما ذهبت السعفة الذهبية إلى فيلم “ديبان” الفرنسي على عكس التوقعات التي رشحت فيلم “شباب” للإيطالي باولو سورينتينو، ذهبت الجائزة إلى فيلم كن لوتش البديع والمؤثر الذي يصور كفاح نجار متقاعد عاجز عن العمل من أجل الحصول على الإعانة المالية من الضمان الاجتماعي، ومحاولته تجاوز العقبات البيروقراطية التي وضعها المسؤولون في طريقه بدعوى تغير اللوائح.

كان المتحيزون للفيلم الألماني يرون أنه الأقرب للجائزة كونه أولا لمخرجة (امرأة)، وهو ما يرجح فوزه لأن السعفة الذهبية لم تذهب سوى مرة واحدة من قبل إلى مخرجة منذ أن بدأ مهرجان كان منحها قبل ستين عاما (كانت تسمى قبل ذلك الجائزة الكبرى)، وهي الجائزة التي نالتها المخرجة النيوزيلندية جين كامبيون عن فيلم “البيانو” (1992).

وكان فوز “توني إيردمان” كذلك متوقعا كون السعفة الذهبية لم تمنح لفيلم ألماني منذ أن حصل عليها فيلم “باريس تكساس” لفيم فيندرز (1982)، كما أن السينما الألمانية كانت غائبة لسنوات طويلة عن مسابقة المهرجان.

ومع ذلك، فما حدث أن الفيلم الألماني -ولنا عليه ملاحظات عدة تستحق أن نخصص لها وله مقالا مستقلا-، خرج من المنافسة دون الحصول ولا حتى على جائزة أحسن ممثل التي كان قد رشح لها أيضا بطله الممثل بيتر سيمونشيك، لكن الفيلم حصل على جائزة الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية (الفيبريسي).

نهاية العالم

الجائزة التالية في أهميتها بعد السعفة الذهبية، وهي الجائزة الكبرى للجنة التحكيم ذهبت إلى فيلم “إنها فقط نهاية العالم” للمخرج الكندي زافييه دولان (27 سنة)، وهو فيلم سبب انشقاقا كبيرا بين النقاد، فهو معد عن مسرحية للكاتب الفرنسي جون لوك لاغارس، تروي كيف يصل كاتب شهير موشك على الموت من جراء إصابته بمرض الإيدز، إلى منزل عائلته، ليجمع أفرادها ويخبرهم بأنه مشرف على الموت، وعلى العشاء تتفجر كل التناقضات بين أفراد العائلة وتُخرج أسوأ ما فيهم جميعا.

وفي المقابل، فعيب هذا الفيلم الذي جعل البعض لا يتحمل إكمال مشاهدته، أنه يدور في معظمه حول مشاهد محدودة خانقة من خلال لقطات تركز على الوجوه، بينما لا يكف الجميع عن الصراخ والثرثرة والحوارات المرهقة، مع انتقالات فجائية للكاميرا التي تحصر الشخصيات داخل إطار ضيق يجعل الشاشة شبه مربعة، في تكرار لتجربته البصرية السابقة في الفيلم الذي عرض بمسابقة العام الماضي “مومي” (ونال جائزة خاصة مناصفة مع فيلم جون لو غودار “وداعا للغة”)، ولكن شتان ما بين هذا الفيلم والفيلم السابق الذي كان أكثر طموحا في الشكل السينمائي.

حصلت الممثلة الفلبينية جاكلين جوزيه على جائزة أحسن ممثلة عن دور البطولة في فيلم “ماما روزا” للمخرج الفلبيني الشهير بريلانتي ميندوزا، وفيه تقوم بدور امرأة فقيرة لديها ثلاثة أطفال، تقطن في منزل متداع للسقوط في أحد الأحياء الهامشية في مانيلا، تكسب عيشها بصعوبة مع زوجها المريض فتلجأ إلى توزيع المخدرات لحساب موزع آخر.

ومع ذلك، تسقط مع زوجها في قبضة الشرطة، ويطالبها رجال الشرطة بدفع مبلغ مالي ضخم مقابل الإفراج عنها مع زوجها، كما يطلبون منها مساعدتهم في الإيقاع بالشخص الذي كان يزودها بالمواد المخدرة، ثم يقبضون عليه ويطالبونه بدوره بدفع فدية مالية ضخمة مقابل إطلاق سراحه، وهكذا في دورة تكشف دائرة الفساد في أوساط الشرطة.

كانت الممثلة البرازيلية سونيا براغا بطلة فيلم “أكواريوس” تنافس بشدة على جائزة أحسن ممثلة، وهي التي تألقت في دور سيدة متقاعدة (65 سنة) قوية الشخصية، محبة للحياة، تمكنت من قهر مرض سرطان الثدي، تقاوم محاولات شركة مقاولات لإرغامها على ترك شقتها لهدم البناية وإقامة برج إداري جديد مكانها.

البائع الإيراني

حصل الممثل الإيراني شهاب حسيني على جائزة أحسن ممثل عن دوره في فيلم “البائع” للمخرج أصغر فرهادي، صاحب فيلم “انفصال نادر وسمين”، الحاصل على أوسكار أفضل فيلم أجنبي عام 2012، وفيلم “الماضي” الذي عرض في مسابقة كان قبل ثلاث سنوات.

يقوم حسيني في الفيلم الجديد بدور زوج يعمل مدرسا، كما يقوم بالتمثيل في فرقة مسرحية تتدرب على تقديم مسرحية “موت بائع متجول” لآرثر ميللر، وتشاركه زوجته وهي معلمة مثله وممثلة بطولة المسرحية، لكنها تتعرض أثناء غيابه عن المنزل ذات يوم، لحادث اغتصاب ويسعى هو من أجل الإيقاع بالشخص الذي اعتدى عليها والانتقام منه.

وكان “البائع” أحد الأفلام التي رشحت لنيل السعفة الذهبية أيضا، وقد فاز بجائزة ثانية هي أحسن سيناريو، وهي جائزة مستحقة بلا شك.

جائزة أحسن إخراج مُنحت مناصفة إلى اثنين من المخرجين، أولهما المخرج الروماني كريستيان كونجيو (حائز على السعفة الذهبية عن “أربعة أشهر وثلاثة أسابيع ويومان” 2005)، وقد حصل عليها عن فيلمه البديع “بكالوريا” الذي كان ينافس بقوة على السعفة الذهبية، وهو في رأي كاتب هذا المقال، أفضل فيلم عرض في المسابقة من جميع الجوانب، ويستحق دون شك مقالا خاصا.

أما المخرج الثاني الذي تقاسم جائزة الإخراج مع كريستيان كونجيو، فهو المخرج الفرنسي أوليفييه أسايس عن فيلم “المتسوقة الخاصة” الذي قامت ببطولته كريستين ستيوارت، وهو فيلم لقي الكثير من الهجوم من جانب النقاد، واعتبر من أسوأ أفلام مخرجه، وقد قوبل تقسيم الجائزة ومنحها لأسايس أيضا بصفير الاستهجان، لكن الفيلم وجد أيضا من يدافع عنه ويبرر فوزه.

ستيوارت التي سبق أن قامت بدور رئيسي في فيلم “سحب سيلس ماريا” للمخرج أسايس وقد عرض في مسابقة المهرجان العام الماضي، تقوم في هذا الفيلم بدور فتاة أميركية في باريس تتجسد لها روح شقيقها التوأم المتوفي وتسيطر عليها.

لا شك أن تقسيم الجائزة، وهو أمر غير شائع في مهرجان كان، ليس له ما يبرره خاصة وأن فيلم “بكالوريا” يتميز بمستوى فني رفيع كان يؤهله للحصول على السعفة الذهبية، كما ذكرت، وهو يناقش الموقف الأخلاقي لأب، يتمتع بمهنة مرموقة، وسمعة جيدة في مجال عمله كطبيب ناجح، يبدو على استعداد لأن يدعم تفوق ابنته بأي ثمن، حتى لو كان معنى ذلك تجاوز ما يحظره القانون من أعمال تبدو كأنها مجرد “تبادل خدمات” لكي يضمن تفوقها في امتحان البكالوريا، ومن ثم قبولها في إحدى الجامعات البريطانية.

عسل أميركي

لم يكن مفاجئا أن يفوز الفيلم الأميركي “عسل أميركي” للمخرجة البريطانية أندريا أرنولد بجائزة لجنة التحكيم الخاصة، ففيه تجرب من خلال فيلم يقترب من الثلاث ساعات، كيف تصنع فيلما دون دراما حقيقية، بل يعتمد فقط على رصد حيرة فتاة أميركية مراهقة تتخلى عن أسرتها وتهجر عملها ودراستها، وتلتحق بمجموعة من المغامرين الباحثين عن المال عن طريق بيع شيء أقرب إلى الوهم في ربوع الريف الأميركي، من الجنوب إلى الشمال.. وما تتعرض له من صدمات تساهم في نقلها من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الاكتمال.

والطريف أن هذه المرة الثالثة التي تحصل فيها المخرجة أندريا أرنولد على الجائزة نفسها في مهرحان كان، فقد حصلت عليها مرتين من قبل عن فيلمها الأول “الطريق الأحمر” (2006) والثاني “حوض الأسماك” (2009).

كان من المفاجئ بالطبع أن يحصل الفيلم الفرنسي التجاري الهزلي العنصري “إللهيات” (وهي تسمية لا معنى لها في سياق الفيلم) على جائزة الكاميرا الذهبية التي تمنح للفيلم الأول.

وقد عرض الفيلم في البرنامج الموازي “نصف شهر المخرجين” الذي تنظمه الجمعية الفرنسية للمخرجين، ومن إخراج هدى بنيامينا، وهي فرنسية من أصول مغربية، وفيه تقدم نموذجين لفتاة عربية وأخرى أفريقية من بنات المهاجرين، ولكن في صورة تجعل منهما نمطين كاريكاتوريين يضحك عليهما الجمهور الفرنسي ويسخر من تخلفهما، خاصة وأنهما تلجآن إلى العنف وترفضان الأسرة، وتتمردان على المدرسة، بحثا عن المال ولو عن طريق الجريمة، ولكن هذا هو حال المهرجانات وجوائزها، التي يتم عادة تقسيمها لإرضاء أكبر عدد ممكن من المشاركين.

الدورة الـ69 لم تكن من الدورات التي سيتم تذكرها كثيرا على أي حال، فقد خذلتنا الكثير من الأسماء الكبيرة في عالم الإخراج بأفلام لا ترقى إلى مستوى أفلامه السابقة.

العرب اللندنية في

24.05.2016

 
 

لجنة تحكيم عادلة لم تظلم أحداً

بقلم: سمير فريد

أعلنت جوائز الدورة ٦٩ من مهرجان كان، أكبر مهرجانات السينما الدولية فى العالم. فاز الفيلم البريطانى «أنا دانييل بليك»، إخراج كين لوش، بالسعفة الذهبية عن جدارة، وعرض فى حفل الختام فى قاعة لوميير الكبرى، ونقل الحفل وعرض الفيلم فى نفس الوقت فى قاعة ديبوسى للصحفيين والنقاد، فى تقليد جديد يحدث لأول مرة.

تقاسم جائزة أحسن إخراج كرستيان مونجيو عن الفيلم الرومانى «بكالوريا»، وأوليفييه آساياس عن الفيلم الفرنسى «المتسوق». وفاز بجائزة أحسن سيناريو أصغر فارهادى عن الفيلم الفرنسى الإيرانى «البائع» من إخراجه، وفاز نفس الفيلم الذى أضيف فى آخر لحظة عشية بدء المهرجان، وكان آخر فيلم عرض فى المسابقة بجائزة أحسن ممثل (شهاب الحسينى)، وكان الفيلم الوحيد الذى فاز بجائزتين. وفازت جاكلين جوسى بجائزة أحسن ممثلة عن دورها فى الفيلم الفلبينى «الأم روزا» إخراج بيرلانتى ميندوزا.

ربما يعتبر تقسيم جائزة الإخراج لمجرد فوز أحد الأفلام الفرنسية الخالصة، وقد بدا الضيق واضحاً على كرستيان مونجيو وهو يتسلم الجائزة، ومن المؤكد أن فوز فيلم فارهادى بجائزتين مبالغة فى تقدير الفيلم، وكان الممثل النمساوى بيتر سيمونشيك جديرا بالفوز بجائزة أحسن ممثل عن دوره فى الفيلم الألمانى «تونى إردمان»، إخراج مارين آدى، وكان الفيلم المفضل للنقاد، وفاز بجائزة الاتحاد الدولى للصحافة السينمائية (فيبريسى). ولكن فى مسابقة خلت من التحف يمكن القول إن لجنة التحكيم التى رأسها جورج ميللر لم تظلم أحداً، وجاءت قراراتها عادلة إلى حد كبير.

وهكذا فازت بالجوائز السبعة ٨ أفلام من الـ٢١ فيلماً التى تنافست عليها (٥ أفلام من أوروبا ٣ من فرنسا وفيلم من بريطانيا وفيلم من رومانيا، وفيلمان من أمريكا الشمالية من الولايات المتحدة، والفيلم الفلبينى من آسيا).

سعفة الأفلام القصيرة

وكما توقعنا فى رسالة أمس الأول يوم إعلان الجوائز، فاز الفيلم الإسبانى «رمز الزمن»، إخراج خوانخو جيمينيز، بالسعفة الذهبية لأحسن فيلم قصير، والذى يرقى إلى مرتبة «التحفة». وفاز الفيلم البرازيلى «الفتاة التى رقصت مع الشيطان»، إخراج جوا باولو ميراندا ماريا بشهادة تقدير من لجنة ناعومى كواسى من دون أى استحقاق.

وكان من اللافت أن جيمينيز عندما صعد على المسرح لاستلام الجائزة لم يسلم السعفة الذهبية، وإنما شهادة الجائزة فقط، فقال أين السعفة، هذه مجرد ورقة؟!.

الكاميرا الذهبية

وفاز بجائزة الكاميرا الذهبية لأحسن مخرج فى فيلمه الطويل الأول فى برنامج المهرجان والبرنامجين الموازيين (٢٣ فيلماً)، وكان لها لجنة تحكيم خاصة، برئاسة المخرجة الفرنسية كاترين كورسينى، الفيلم الفرنسى «شؤون إلهية»، إخراج هدى بنيامين، الذى عرض فى «نصف شهر المخرجين».

هدى بنيامين مخرجة مغربية سبق أن أخرجت فيلمين قصيرين عامى ٢٠٠٨ و٢٠١١. وقد تحدثت طويلاً وهى تتسلم الجائزة على المسرح إلى درجة اضطر معها مقدم الحفل إلى مقاطعتها، وأطلقت «زغرودة» على الطريقة المغربية.

حفل الختام

على السجادة الحمراء قبل بدء الحفل، ومع نهايته، يلاحظ أن جميع صناع أفلام المسابقة الذين حضروا هم الذين فازوا دون غيرهم من المشتركين فى المسابقة!

وهذا يعنى أنهم على علم بفوزهم، ويؤكد ذلك أن البعض منهم أخرج من جيبه ورقة قرأ منها التعليق على فوزه. كما يعنى أن من يعلنون أنهم فوجئوا بالفوز يقومون بتمثيل مواقف مسرحية، ولكن ربما أخبرتهم إدارة المهرجان بالفوز من دون تحديد أى جائزة فاز بها كل منهم.

ولوحظ أيضاً أن مدير المهرجان، تيرى فيرمو، عندما استقبل أعضاء لجنة التحكيم على باب القاعة صافحهم جميعاً، وعندما امتدت يده إلى المنتجة الإيرانية عضو لجنة التحكيم ضمت يدها بمنطق «أسلم ولا أصافح»، حسب تقاليد الجمهورية الإسلامية بالنسبة إلى النساء. وتحدث كل من فارهادى والحسينى عند تسلم كل منهما جائزته بالفارسية.

وقدم السعفة الذهبية إلى كين لوش الممثل، والمخرج العالمى ميل جيبسون، وهو أسترالى، وقال قبل تسليم السعفة إن جورج ميللر، رئيس اللجنة، وهو أسترالى أيضاً، كان أول من قدمه كممثل للسينما فى فيلمه «ماد ماكس» منذ ٤٠ سنة.

بيان ضد النظام العالمى

المخرج البريطانى كين لوش، الذى يتم الثمانين من عمره المديد إن شاء الله فى ١٧ من الشهر القادم، هو أكبر الذين اشتركوا فى المسابقة عمراً ومقاماً. وقد أخرج ٢٠ فيلماً روائياً طويلاً منذ عام ١٩٦٧، وكان فيلمه الفائز الـ٢١ الثالث عشر الذى يعرض فى مسابقة كان. وأصبح بعد فوزه السعفة سادس مخرج يفوز بها مرتين بعد أن فاز بها عام ٢٠٠٦ عن تحفته «الريح التى تهز الشعير»، بعد الأمريكى كوبولا، والسويدى أوجست، واليوغسلافى كوستوريتشا، والأخوين البلجيكيين داردينى.

يعبر لوش فى كل أفلامه عن رؤية يسارية إنسانية، وكذلك فى موافقه السياسية تجاه ما يحدث فى العالم. ويمكن اعتباره «نصير الفقراء» الأكبر فى السينما العالمية، وممثل الواقعية فى أعلى مستوياتها وأكثرها نضجاً. وقد أثبتت لجنة التحكيم بمنح فيلمه السعفة الذهبية موضوعيتها لأن رئيسها وأغلب أعضائها من السينمائيين لا يصنعون الأفلام الواقعية. ومن مواقف لوش التاريخية أنه يقود حملة مقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية فى أوروبا.

وكما جاء فيلمه «أنا دانييل بليك» بيان سينمائى درامى ضد النظام العالمى الجديد القائم على العولمة و«الليبرالية الجديدة»، كانت كلمته بعد استلام الجائزة بيانا سياسيا مباشرا ضد ذلك النظام، واستشهد فيه بالأزمة فى اليونان، واختتمه قائلاً إن اليأس من التغيير بدأ ينتشر فى كل مكان، ولكن علينا ألا نفقد الأمل فى وجود عالم جديد. وقال بالفرنسية والإنجليزية «عالم جديد ممكن وضرورى».

الفائزون

الفائز بالجائزة الكبرى زافيير دولان أصغر من اشتركوا فى المسابقة عمراً (٢٧ سنة)، وفاز عن فيلمه السادس منذ ٢٠٠٩، وكانت المرة الثالثة التى يشترك فيها فى المسابقة. وسبق فوزه بنفس الجائزة.

الفائز بأحسن إخراج كرستيان مونجيو هو الذى وضع رومانيا على خريطة السينما العالمية عندما فاز بالسعفة الذهبية عام ٢٠٠٧ عن فيلمه «أربعة شهور وثلاثة أسابيع ويومان». وقد ولد عام ١٩٦٨، والفيلم الجديد الفائز «بكالوريا» فيلمه الخامس منذ ٢٠٠٢، وسبق فوزه بالجائزة الكبرى أيضاً.

وأوليفييه آساياس الذى تقاسم جائزة الإخراج مع مونجيو بفيلمه «المستوق»، ولد عام ١٩٥٥، وهذا فيلمه الثالث عشر منذ ١٩٨٦، وكان يشترك فى المسابقة للمرة الرابعة.

وأندريه أرنولد، التى فازت بجائزة لجنة التحكيم عن فيلمها «عسل أمريكى»، بريطانية ولدت عام ١٩٦١، وهذا فيلمها الرابع منذ ٢٠٠٦، وأول أفلامها الأمريكية المصورة فى أمريكا.

والفيلم الآسيوى الوحيد الفائز فى كان ٢٠١٦ «الأم روزا»، والذى فاز بجائزة أحسن ممثلة، خامس فيلم يعرض فى مهرجان كان للمخرج بيرلانتى ميندوزا، الذى ولد عام ١٩٦٠، وهذا فيلمه الثالث عشر منذ ٢٠٠٥. وهو من يضع الفلبين على خريطة السينما العالمية اليوم.

أما أصغر فارهادى فهو أهم من يمثل السينما الإيرانية فى مطلع القرن الجديد، كما كان كياروستاميو مخملباف فى نهاية القرن الماضى. وفيلمه من الإنتاج الفرنسى الإيرانى المشترك، ولكنه مصور بالكامل فى إيران. وقد ولد عام ١٩٧٢، وهذا فيلمه السابع منذ ٢٠٠٣، والذى فاز بجائزتى أحسن سيناريو وأحسن ممثل.

كان ٧٠

وما إن انتهت الدورة ٦٩ من مهرجان فرنسا الكبير، حتى بدأت الاستعدادات لدورة كان ٧٠، والمتوقع أن تكون «تاريخية»، وتنعقد من ١٣ إلى ٢٤ مايو ٢٠١٧.

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في

24.05.2016

 
 

"أنا، سعفة كانّ ٦٩"!

"النهار" - كانّ - هوفيك حبشيان

عشر سنوات بعد فوزه بـ"السعفة" عن "الرياح التي تهزّ الشعير"، أُسند المخرج البريطاني كَن لوتش (٨٠ عاماً) أمس الأول "سعفة ذهب" ثانية عن أحدث أفلامه: "أنا، دانيال بلايك"، في ختام الدورة الـ٦٩ لـ #مهرجان_كانّ السينمائي الذي عُقد في المدينة الساحلية الفرنسية من ١١ إلى ٢٢ الجاري. "عالمٌ آخر ممكن"، أكد المخرج الكبير صاحب المواقف الواضحة، وهو يتسلّم جائزته. وكان صديقه جيل جاكوب (الرئيس الأسبق لكانّ) بعث عبر "تويتر" قبل نحو ساعة من إعلان الفائز، برسالة تقدير وحبّ لصاحب "أرض وحرية" المكرّم سابقاً في كانّ بجوائز متفرقة عدة.

لجنة التحكيم برئاسة المخرج الأوسترالي جورج ميللر التي ضمت ٩ أعضاء، رأت فيلم لوتش الملتزم قضايا الفرد وأزماته أهلاً لأرفع الجوائز السينمائية في العالم، وفضّلته على ٢٠ فيلماً أخرى عُرضت في المسابقة. تجاهلت اللجنة أفلاماً تحمسّ لها نقاد المهرجان وروّاده، أهمها: "توني اردمان" لمارين أديه (شيء يستحيل تصنيفه، ما بين الكوميديا والميلودراما مصوّر بحنان هائل)؛ "أكواريوس" لكليبير فيلو (إدانة للرأسمالية المتوحشة في البرازيل بطلتها سيدة مصابة بالسرطان)؛ "باترسون" لجيم جارموش (جارموشيات)، وأخيراً "البقاء عمودياً" (سينما الريف الفرنسية على طريقة صاحب "مجهول البحيرة"). هذه الأفلام الأربعة لم تنل أيّ جائزة، لكن فازت بتقدير الجمهور وأهل الصحافة. أياً يكن، الأصوات الشاكية كانت سترتفع مهما تكن النتائج. في المقابل، "توني اردمان" خطف جائزة الـ"فيبريسي".

رجل ستيني هو البطل المضاد لفيلم لوتش الكافكاوي. لوتش يرى في نضاله الخاسر ضد الإدارة البريطانية والنيو ليبرالية ما يستحق تسجيله. فالرجل المتحدّر من إحدى المناطق الأكثر فقراً في بريطانيا، مصابٌ بداء في القلب يمنعه عن العمل. إلا أنّ المساعِدة الاجتماعية التي يلجأ اليها تماطل في الاعتراف بعدم كفايته للعمل، بل وتجبره على البحث عن عمل بديل وإلا تعرّض لملاحقة قانونية. الفيلم بأكلمه رحلة دانيال مع البيروقراطية البغيضة التي ستُدخله في دهاليزها القاتلة، خصوصاً أنّ صديقنا ليس ملماً بالوسائل التقنية الحديثة التي تجبره الدولة على التعامل بها. دانيال سيجد في معركته ضدّ القوة الضارية مناسبة ليثبت حقّه في عيش كريم. إنّه نضال رجل ليس لديه ما يخسره. في شخصيته، نرى ظلّ لوتش، اليساري القديم الذي لا يزال يطعّم أفلامه بهموم الطبقة الكادحة.

مع هذا الفوز، يلتحق لوتش بنادي السينمائيين القلائل الذين نالوا "سعفتين"، أمثال ميشائيل هانيكه وفرنسيس فورد كوبولا وشويه إيمّامورا والأخوين داردن. كما الحال في نهاية كلّ دورة، انتقدت الصحافة الفرنسية خيارات لجنة ميللر، وهي خيارات لم تعرف اللجنة كيف تبرّرها، بل وتلعثم ميللر خلال المؤتمر الصحافي ("فعلنا ما في مقدورنا")، عندما سألته صحافية عن سبب تجاهل فيلم "توني أردمان". بدا واضحاً من النظرات التي تبادلها الأعضاء أنّه لم يتبلور كلّ شيء بتناغم، أقله بالنسبة لجائزة التمثيل التي كنا "موعودين" بأن تذهب إلى القديرة صونيا براغا عن أدائها البديع في "أكواريوس"، رغم جودة تمثيل معظم الممثلات (عدا تشارليز ثيرون)، من ضمنهنّ الممثلة الفيليبينية جاسلين جوزيه الفائزة عن دورها في "ما روزا" لبريانتي مندوزا.

أياً يكن، فالجوائز في المهرجانات ليست أكثر من رأي شلة من المحكّمين ولا ينبغي تحميل المهرجان "أوزارها". يقال أنّه يتم تأليف لائحة الجوائز عند تأليف لجنة التحكيم، إلّا أنّ التجارب أثبتت عدم إمكان تكهن أي شيء في هذا المجال. فبعض السينمائيين وزّعوا جوائز على أفلام تخالف عوالمهم السينمائية، نذكر منهم ديفيد كروننبرغ يوم أسند "السعفة" لـ"روزيتا" الأخوين داردن. عموماً، اشتغلت اللجنة وفق المنطق الذي صرّح به دونالد ساثرلاند، عضو اللجنة - الممثل في أكثر من ١٨٠ فيلماً، خلال المؤتمر الصحافي الذي أعقب توزيع الجوائز: "غداً، عندما سأركب طائرة العودة، سأفتقد هذا كلّه، لأنني أحببتُ النقاش مع هؤلاء البشر".

إذا كان ثمة أفلام أفضل لـ"السعفة"، فالجائزة التي نالها أصغر فرهادي عن السيناريو الذي كتبه لـ"البائع المتجوّل" كانت أكثر من مستحقة. فرهادي نفسه بدا متفاجئاً، ذلك أنّ النظام الداخلي (الجائز كسره، وفق ما شرح ميللر في المؤتمر الصحافي) لا يتيح مَنح جائزتين لفيلم واحد. بعد هروبهما من مبنى متصدّع في طهران آيل للسقوط، نتابع بحث الزوجين عماد ورنا عن مسكن، فندخل حميميتهما كما ندخل وعيهما. فجأة، يحدث ما ليس في الحساب: يدخل أحدهم على الزوجة خلال استحمامها. ماذا سيحدث تحديداً وكيف ولماذا؟ عن كلّ هذه التساؤلات التي سترافقنا لن يردّ فرهادي، مفضلاً اللبس والاختزال والخيال، والأبواب النصف مفتوحة. لا شرح ولا تحليل، كلّ الانفجارات تحصل في الداخل، داخل الشخصيات، وتبقى في الباطن، ولا سبيل لبلوغها. الفيلم نال أيضاً جائزة التمثيل (شهاب حسيني) الذي اضطلع بدور الزوج المتعطش للثأر.

الكندي كزافييه دولان نال "الجائزة الكبرى" عن فيلمه المتوسط القيمة "فقط نهاية العالم"، المقتبس من مسرحية للفرنسي جان بيار لاغارس. دولان، ابن السابعة والعشرين صاحب الدمعة السخية، كُرّم مجدداً بعد سنتين فقط من نيله في كانّ جائزة لجنة التحكيم مناصفة مع جان لوك غودار عن "مومي". موهبة دولان ليست محل نقاش، لكنّ المشكلة هنا أنّه يقدّم فيلماً خارج الزمن و"متعباً". الفيلم مسرح مصوّر إلى حدّ ما، حيث الحوادث تتحرّك داخل فضاء مقفل، وإن حاول دولان الخروج منه عبر بعض لقطات التهوئة، إلا أنّ المحاولات الخجولة لم تنتشله من سمته الممسرحة الطاغية جداً.

جائزة الإخراج تقاسمها فيلمان: "بكالوريا" للروماني كريستيان مونجيو (لنا عودة إليه في مقال منفصل) و"متسوّقة شخصية" للفرنسي أوليفييه أساياس الذي كان ضحية هيصات الاستهجان خلال عرضه الصحافي. هذه القراءة التحريفية التي يقدمّها مخرج "الأقدار العاطفية" لسينما الرعب تنال إعجاب المتآلف مع مناخات أفلامه الأكثر غرابة. تجرأ أساياس أن يقدّم طرحاً مختلفاً يخرج عن الدروب المطروقة، وهو في هذا المجال يستحقّ الإشادة، كونه يخاطر من خلال إخضاع سينما المؤلف لمنطق الـ"جانر"، إلا أنه يكسب الرهان مرفوع الرأس. قدّرت اللجنة هذه اللعبة الخفية، وتجاهلت الاستقبال السلبي، وهذه هي المفاجأة الوحيدة في جوائز سيطرت عليها الخيارات المضمونة، فيما فوتت لجنة التحكيم الإشارة إلى أفلام أكثر نضجاً وجرأة كتلك التي أشرنا اليها في رسائلنا السابقة من كانّ.

البريطانية أندريا أرنولد كانت تستحقها. فهي نالت جائزة لجنة التحكيم عن عملها الباهر "أميركان هَني". الفيلم أبهرنا بديناميته وخطابه المشاكس. إنّه "رود موفي" صاخب مشبّع بأغنيات البوب والروك، بالهلوسة والمجون والجنس وأشياء أخرى تعترض الدرب التي يسلكها الأبطال. الفيلم يأخد الطريق مسرحاً له، فيه تجديد ونفحة حرية وخروج عن المألوف.

"الكاميرا الذهب" (جائزة أول فيلم) ذهبت إلى الفرنسية - المغربية هدى بنيامينا عن "آلهات" المعروض في "أسبوعا المخرجين"، أي خارج التشكيلة الرسمية. رؤية أخرى عن الواقع الحياتي في الضواحي والأحياء الشعبية ترافق المخرجة الثلاثينية منذ أحداث الضواحي العام ٢٠٠٥. قدّمت بنيامنيا خطاباً طويلاً، قالت فيه بدايةً أنّها لم تكن تكترث لكانّ قبل مشاركة الفيلم فيه. تسنى لها حتى إخبارنا بأنها كانت تعمل في تنظيف الطائرات مع أمها في حياة "سابقة". "لا يحقّ لنا أن نتعب عندما نعمل في السينما"، أكملت قبل أن تشكر عدداً كبيراً من الناس، منهم مسؤول قسم "أسبوعا المخرجين" ادوار فانتروب الذي اختار الفيلم، وقالت إنّه يملك "نظراً" (مقابل نسوي لعبارة "رجل يملك خصيتين" - أي رجل شجاع؟).

اللحظة الأجمل تجسّدت في صعود جان بيار ليو على الخشبة لاستلام "سعفة" تكريمية. الممثل الأسطورة الذي طلّ للمرة الأولى في السينما من خلال فيلم فرنسوا تروفو "الحياة الماجنة" عندما كان في الرابعة عشرة، قدّمه عضو لجنة التحكيم المخرج الفرنسي آرنو دبلشان قائلاً إنّ ليو عاد ليحدق في عيوننا، بعدما أعطانا تحديقة لم نُشفَ منها حتى الآن، في إشارة إلى تحديقته في الكاميرا في نهاية فيلم تروفو. قال ليو المتعب بسبب المرض (عمره ٧٢ عاماً): "ولدتُ في كانّ العام ١٩٥٩، يومها قدّم فرنسوا تروفو الذي كان أكثر النقاد "خطورة" في زمنه فيلمه "الحياة الماجنة". في نهاية العرض كان نصراً، صفّق الجمهور بلا توقف. اليوم، أعود إلى كانّ. لم أستطع يوماً أن أبني مساراً سينمائياً. ولكن، أخترتُ العمل مع سينمائيين أحبّهم، أمثال جان أوستاش وأنييس فاردا وجاك ريفيت وأوليفييه أساياس. أصعد سلالم كانّ منذ ٥٠ عاماً، وأطرح على نفسي دائماً سؤال أندره بازان: ما هي السينما؟ لا أملك الجواب. يخطر على بالي ما قاله جان كوكتو: السينما هي الفنّ الوحيد الذي يلتقط الموت خلال العمل".

النهار اللبنانية في

24.05.2016

 
 

يبتعد عن الأضواء.. يختار القطار وينتصر لـ"فلسطين"

الجزائر: محمد علال

ينزع ربطة العنق ويخرج من خلف الشاشة، ينسحب بثقة كبيرة، وبخطوات الكبار نحو العالم الذي يحبه، باتجاه الناس الذين يصنعون نجاحه، هكذا تبدو ملامح الخمس دقائق الأولى في اليوم الأول الذي تلا تتويج المخرج البريطاني الكبير كان لوتش، 80 سنة، بالسعفة الذهبية عن فيلمه “أنا دانيل بلايك”، مخرج كبير يحب الاحتكاك بالناس ولا تستهويه ملذات الدرجة الأولى

كانت الساعة تشير إلى حدود الحادية عشرة صباحا بتوقيت مدينة “كان” السينمائية، في أجواء وملامح سادها الرحيل، السير إلى محطة القطار هو حال العشرات من العابرين على البساط الأحمر، حقائب هنا وخطوات سريعة هناك تحاول اللحاق بوجهة القطار، يتسلل إلى المشهد منظر رجل في الثمانين من العمر يحمل حقيبة يد ويجر أخرى، بينما كانت تسير إلى جانبه سيدة في الستين من العمر، ويرافقهما رجل في الأربعين من العمر، لم يكن من المعقول أن نصدق أن هذا الرجل هو المخرج الكبير كان لوتش وزوجته وبطل فيلم “أنا دانيل بلايك” الحائز على السعفة الذهبية قبل ساعات فقط في سهرة نقلتها كبرى القنوات العالمية وصنعت الحدث بقوة.

كيف يمكن أن لا نجد كان لوتش هنا؟

في وقت كانت عدسات كبرى القنوات والإعلاميون يتزاحمون خلف مسرح “لوميار” الكبير من أجل التقاط صورة لـ”كان لوتش” أو افتكاك تصريح منه حول التتويج بالسعفة الذهبية، تسعد “الخبر” بلقاء خاص لم يكن طويلا ولكنه اختزل شخصية هذا المخرج العنيد المشاغب والمندفع بقوة نحو نصرة المواطنة والمنتفض ضد كل ملامح البذخ والرأسمالية. اتجه وهو يجر الحقيبة الصغيرة التي كانت تحمل السعفة الذهبية نحو شباك التذاكر، حيث يجلس موظف المحطة خلف المكتب وفي مقابله المخرج الكبير كان لوتش، الموظف تعامل مع صاحب السعفة الذهبية بصفته زبونا عاديا التزم الصف لدقائق كباقي الزبائن، قبل أن يصل إلى الشباك ويقتطع له ولزوجته ورفيقة دربه تذكرتين للسفر متجهين إلى باريس من أجل نصرة فلسطين. وسط هذا المشهد الذي بدا قادما من أفلام المخرج البريطاني الأكثر إيمانا بالمواطنة، كانت إحدى السيدات تهمس في أذن من حولها “كيف يمكن أن لا نجد كان لوتش هنا؟”، فبالنسبة لها فإن العثور على مخرج فيلم “أنا دانيل بلايك” على متن طائرة خاصة أو الدرجة الأولى هو الأمر الغريب. “كلما اقتربت من الناس أصبحت أشعر بالسعادة أكثر”، هكذا اختزل المخرج إجابته عن سؤالنا لماذا اختار القطار بدل الطائرة؟ فحضوره في تاريخ الجوائز الكبرى مرتبط بقضايا الضعفاء، وفي مساره 13 فيلما حائزا على سبع جوائز هامة في مهرجان “كان”، ما يجعله واحدا من أشهر السينمائيين الذين يدخلون تاريخ مهرجان “كان” من بوابة الأفلام التي تحمل انتقادات لاذعة للأنظمة، منها ثلاث جوائز للجنة التحكيم عن أفلامه “أسرار الدفاع 2008” و”رينينع ستونس 1993” و«حصة الملائكة 2012”، بالإضافة إلى جوائز لأحسن ممثل في أفلام من إخراجه وجوائز أحسن سيناريو عن فيلمه “حلوة السادسة عشر” للكاتب بول لافرتي.

السعفة الذهبية في الدرجة الثانية

لا يزال المخرج كان لوتش وفيا للإنسان البسيط في داخله، مرت عشر سنوات على فوزه بأول سعفة ذهبية، ومرت ساعات على إلقائه كلمة الفرحة والتتويج بثاني سعفة ذهبية، ومر عمر طويل، ثمانون عاما منها نصف قرن في خدمة السينما والقضايا الاجتماعية، ولكن لم يتغير كان لوتش ولم يتبدل وهو أسعد بهذه الرحلة على متن قطار من الدرجة الثانية، رغم طول مدة الرحلة التي تصل إلى ساعات، إلا أن بطل فيلم “أنا دانيل بلاك” الممثل البريطاني “ديف جونس” الذي كان يرافق المخرج كان لوتش في هذه الرحلة، أكد لنا بأنه متجه إلى المشاركة في مهرجان “سيني فلسطين” لنصرة فلسطين والدعوة إلى مقاطعة كل ما هو “إسرائيلي”، فحسب الممثل “ديف جونس” لن يقبل كان لوتش أبدا ولن يتنازل عن الشعور بوجوه وسط الناس العاديين ووسط القضايا العادلة

ثقة الممثل “ديف جونس” بتواجده رفقة كان لوتش كانت كبيرة جدا وهو يرسم ابتسامة عريضة عندما أخبرناه بأن الفيلم كان رائعا، رغم نهايته الحزينة

كانت السعفة الذهبية في هذه الأجواء المزدحمة بالمارة في زاوية مظلمة من حقيبة المخرج كان لوتش، كانت الحقيبة ملقاة على الأرض بعيدا عن تصفيقات الجمهور وبعيدا عن أضواء كاميرات القنوات الكبرى، السعفة الذهبية أرادت أن تسافر من مدينة “كان” السينمائية إلى باريس عبر القطار، ثم إلى باريس، كأنها جزء بسيط من حقيبة مخرج مبدع عرف كيف يقتنصها من بين أعين آلاف السينمائيين في العالم، كانت جزءا بسيطا من حياة هذا المخرج القريب دائما من المواطنين والناس العاديين. سريعا، انصهر المخرج كان لوتش مع الناس في ازدحام الراحلين، إلى درجة كان من الصعب التعرف عليه. كان لوتش المتوج أمس بالسعفة الذهبية لأهم المهرجانات السينمائية يقف في هذا الطابور، طبعا لم يكن هذا الأمر سهل التصديق، ولكنه حقيقة كشفت عنها لهفة إحدى السيدات المسافرات على متن القطار نفسه، دفعتها لهفة رؤية المخرج البريطاني إلى التحرك يمينا وشمالا، والنظر في أعين من حولها وهي تقول “إنه كان لوتش لا أكاد أصدق نفسي”.

العائلة.. أكبر جائزة 

النجومبة بالنسبة لكان لوتش كما قالت زوجته: “أن يصنع أعمالا جيدة بغض النظر عن الجوائز”، لهذا قرّر أن يكون دائما إلى جانبه زوجته ورفيقة دربه ليسلي أشتون التي بدت بملامح السيدة البسيطة والمتواضعة رغم البريق الذي يحوم حول إنجازات زوجها الذي يمارس وظيفة الزوج بامتياز في ملمح عائلي بسيط. يتجه كان لوتش نحو شباك التذاكر، بينما تقف الزوجة في الخلف في انتظاره، سألنها عن إمكانية التقاط صورة معه والحديث إليه، رحبت بابتسامة وقالت: “لحظة فقط دعه ينتهي من شراء التذاكر”، نلمس من هذه الصورة سر النجاح في حياة كان لوتش هو العائلة السعيدة المتواضعة.ويقول المخرج البريطاني إنه يرفض أن يعود في طائرة خاصة حتى لو حاز على كل جوائز العالم “لا أشعر بالسعادة إلا عندما أكون مع الناس والمواطنين”، فقد اختار كان لون لوتش، مواليد 17 جانفي 1936، أن يكون الاحتفاء الكبير بالسعفة الذهبية عائليا، لهذا لم يتأخر طويلا في مدينة كان وقرّر العودة ساعات فقط بعد حصوله على السعفة الذهبية إلى حضن العائلة، حيث سيجتمع مع أبنائه ايما وهنا وستيف ونيكلوس على طاولة العشاء احتفاء بمسار والدهم السينمائي، مسار يدخل التاريخ من أوسع أبوابه بسعفة ذهبية جديدة ستضاف إلى الأولى التي حاز عليها العام 2006 في مهرجان كان السينمائي الـ59 عن فيلمه “تهب الرياح”. 

بالحديث إلى الكبار، ستشعر بأنك الأكبر في أعينهم وهم يراقبون لهفتك من أجل التقاط صورة معهم وتهمس لهم بكلمة “مبروك”، ليجيب كان لتوش بخجل كبير: “شكرا عزيزي أنت الأغلى”، بهذا الرد يفتح كان لوتش الأبواب لكل من يريد أن يسأله حتى قبل ساعة فقط من موعد انطلاق القطار، لطرح المزيد من الأسئلة حول فيلم “أنا دانيل بلايك” الذي اعتبره “اختزالا للقضايا العادلة”.

في العادة، يصعب الوصول إلى النجوم، ولكن مع كان لوتش يكفي أن تقف حيث أنت في حياتك اليومية، في السوق، في محطة الميترو، في محطة القطار وفي طابور الانتظار أو في ازدحام المرور لتجد هذا المخرج الكبير أمامك، كأنه جزء لا يتجزأ من ديكور حياتك اليومية، وهو ما يفسر التزامه الدائم بقضايا المجتمع العميقة وحكايات متاعب العيش وقهر الأنظمة الرأسمالية، فهو يعود كل يوم بعد انتهاء تصوير فيلمه أو حصده للجوائز الكبرى إلى أبطال أفلامه الحقيقيين ليكون جزءا منهم.

على فيلمه “أنا..دانيل بْلِيْكْ

المخرج البريطاني كِينْ لُوْتْشْ يفوز بالسعفة الذهبية لمهرجان “كان

الخبر أونلاين

اختتمت مساء اليوم الأحد (22 ماي  فعاليات الدورة الـ69 لمهرجان كان السينمائي.

 وفاز فيلم "آي(أنا) دانييل بلاك" بالسعفة الذهبية التي تنافس عليها 21 فيلما، في غياب للأفلام العربية في المسابقة الرئيسية.

الخبر الجزائرية في

24.05.2016

 
 

د. أمل الجمل تكتب:

عن جوائز “كان” وعلاقتي بالأفلام التي تشبه علاقتي بالبشر

اعترف أن علاقتي بالأفلام تشبه كثيراً علاقتي بالبشر، فهناك أفلام تبدو مبهرة أو أخاذة عندما ألتقيها للمرة الأولى، مع ذلك ورغم كونها جيدة لكنها لا تحتاج إلى لقاء آخر وكأنها قالت كل ما يمكن قوله بوضوح تام وكشفت عن كل خباياها، ويتملكني يقين أنها ستُصبح مع المشاهدة الثانية مفرغة ومسطحة تماماً، فأدرك أن الإعجاب الأولي كان خادعاً بسبب الزخارف الجمالية النابعة أساساً من التصوير والإضاءة وحركات الكاميرا التي تسرق العين وتُلهي العقل عن التركيز في مواطن ضعفها.

هناك نوعية ثانية من الأفلام تبدو بسيطة وإن كانت غامضة قليلاً، ويبقى عطرها طويلاً معي بعد خروجي من دار العرض وتستحث بداخلي الرغبة في المشاهدة الثانية وربما الثالثة لاستكشاف المزيد من جمالها المتواري في الأعماق وكأنها تخبئ أشياءً إنسانيا أو جمالية لم أنتبه إليها في اللقاء الأول، وهذه النوعية تشبه النبيذ المعتق كلما مضى عليه الزمن نحبها أكثر. وهناك أفلام لا تكف عن الثرثرة وإثارة الضجيج وتكون – ظاهرياً – بمثابة عبئاً ثقيلاً على المتلقي إن لم يُشحذ أسلحته ويستعد نفسياً لتلقيها، إنها تحتاج منا أن نمارس طقوساً خاصة قبل أن نلتقيها، فعلينا أن نتخلص من كل مشاغلنا ومشاكلنا ومتاعبنا، فحتى نصبح على مستوى التلقي والعمق والوجع لابد أن نكون في حالة من الاسترخاء تسمح باستقبال جمالها الضاغط والمرهق حتى نكتشف جوانبها الإنسانية.

النوعية الأولى ينتمي إليها في تقديري وبعد مشاهداتي للمسابقة الرسمية “الكانية” – التي تضمنت 21 فيلما – ثلاثة أفلام تصادف أنها جميعاً تدور حول شخصيات نسائية وهي فيلم “شيطان النيون” للمخرج نيكولاس ويندنج ريفن، وفيلم “المتسوقة الشخصية” للمخرج أوليفيه أساياس، وفيلم “هي” الذي قامت ببطولته الممثلة الفرنسية المبهرة إيزابيل أوبير من إخراج الهولندي الكبير بول فيرهوفن الذي عاد إلى “كان” بعد غياب طويل منذ فيلمه “غزيرة أساسية” عام 1992.

الشريط الأول “شيطان النيون” يدور حول فتاة مبهرة في جمالها تحلم بأن تُصبح عارضة أزياء، وبينما يبدأ الحلم في التحقق إذ تحتل مكان الأخريات وتصبح على القمة، فتدور حرب شرسة من الأخريات للتخلص منها والحفاظ على أوضاعهن. قوة الفيلم منبعها الأساسي الإبداع في التصوير والتشكيل بالضوء والألوان واتخاذ من الوحشية والرعب أوضاعا جمالية استثنائية للتعبير عن الغيرة والانتقام والعشق، لكن لا شيء آخر.

أما فيلم “متسوقة شخصية” للمخرج الفرنسي أوليفيه أساياس، والذي نال عنه أفضل إخراج مناصفة فيدور – في إطار من الرعب والتشويق – حول فتاة تعمل متسوقة شخصية لامرأة ثرية جدا، وهى تمقت مهنتها وترغب في أن تكون شخصاً آخر، لكنها مضطرة للعمل بها، وهى على تواصل روحي مع أخيها الذي توفي منذ فترة قريبة، حتى تبدأ في التمرد والإفصاح عن رغبتها وتجاوز الممنوع عليها، فرغم المتعة بالأداء التمثيلي وبالإخراج، لكن مشاهدة واحدة تكفي، وسيتم نسيانه سريعاً.

أما الفيلم الثالث (هي)، فتدور أحداثه حول امرأة شديدة الصلابة لديها رغبة في الانتصار والتوفق على الأخريات، وإثارة غيرتهن، وفي نفس الوقت قادرة على عدم الخضوع للمجتمع من حولها، مثلما لا تضعف رغم تعرضها للاغتصاب الوحشي من شخص ملثم، وتمقت والدها السجين بسبب جرائمه البشعة التي قتل خلالها عشرات من بينهم الأطفال، وإن كانت الأحداث تدور في قالب كوميدي يصعب أن يحتفظ بتأثيره ومفعوله مع المشاهدة الثانية، إذ يُصبح مثل النكتة التي تسمع مرة واحدة فقط، كما أنه بسبب الاستعانة كثيراً بلقطات تحريك– ورغم محاولة توظيفها في إطار العمل – لكنها أفقدت العمل كثيراً من سينمائيته، وجعلتني أشعر أنني أمام مسلسل تليفزيوني.

الغموض الجميل:

أما النوعية الثانية التي أشرت إليها في مقدمة مقالي، فينتمي إليها فيلم “بكالوريا” الذي نال جائزة الإخراج مناصفة، فمخرجه كريستيان مونجيو القادم من رومانيا، والذي سبق له الفوز بالسعفة الذهبية عام 2007 عن فيلمه اللافت جدا “4 أشهر و3 أسابيع ويومان.. هنا يتناول في شريطه الأحدث “بكالوريا” علاقات مرتبكة متوترة على حافة الانهيار في أسرة مكونة من الأم المريضة وابنتها المتفوقة على وشك امتحان البكالوريا، والتي تستعد للسفر إلى إنجلترا في منحة دراسية لتفوقها، والأب الطبيب المعروف بنزاهته والمشهود له بسمعته الطيبة، والذي يبدو فيه شيً من خصال الأمومة، إذ يساعد زوجته وابنته في إعداد الطعام لهما وإنهاء أشيائهما، مثلما يفعل مع والدته المريضة، لكن مع تطور الأحداث نكتشف تصدع العلاقة بين الأب وابنته أساسا بسبب معرفة الابنة بخيانة الأب، وإفصاح الابنة تدريجيا عن رفضها لأن تترك رومانيا والسفر إلى منحة إنجلترا لتعلقها بقصة حب في موطنها وارتباطها بأصدقائها.

كل هذا قد يبدو عادياً للبعض، لكن الأسلوب الذي لجأ إليه المخرج لسرد حكايته غير عادي بالمرة، وهو عمل سينمائي من الدرجة الأولى، خلاله يقدم لنا تفاصيل، بينما يسقط أخرى ويخبئ كثيراً من الحقائق، ويُبقى أموراً كثيرة غامضة – تماما كما هي الحياة – بحيث لا نعرف من قام بمهاجمة الابنة أمام المدرسة وحاول اغتصابها، ولا نعرف من قام بالوشاية بالأب وبمحاولته بفعل أشياء غير قانونية لينقذ ابنته في الامتحان حتى لا تضيع منها المنحة، ولا نعرف على وجه الدقة كيف اكتشفت الابنة خيانة أبيها، وأموراً أخرى عن نفوس معقدة لبعض رجال الشرطة وفساد بدواخلهم. إنه فيلم به كثير من الالتباس والغموض الجميل.

ثرثرة أغضبت النقاد:

النوعية الثالثة التي لا يصح أن يشاهدها المتلقي بعد مشاهدة مجموعة أفلام بالمهرجان، أو وهو مرهق لأنها تحتاج إلى جهد وطاقة كبيرة أثناء تلقيها مثل فيلم “إنها فقط نهاية العالم” للمخرج الكندي الشاب إكزافييه دولان، وهو المخرج الذي امتدحه النقاد قبل عامين ووصفوه بالعبقري عندما نال الجائزة الكبرى للجنة التحكيم مناصفة قبل عامين مع العملاق جان لوك جودار، لكن هذا العام انشق النقاد حول فيلمه، حتى إن بعضهم خرج من دون أن يكمل مشاهدة الفيلم بسبب كثرة الحوار، أو الثرثرة على حد وصف البعض.

إكزافييه الذي يعد أصغر المتسابقين في “كان”، إذ يبلغ عمره السابعة والعشرين، نال عن شريطه الجديد – الذي أغضب النقاد – “إنها فقط نهاية العالم” It’s Only the End of the World”  الجائزة الكبرى للجنة التحكيم.

تدور أحداث الفيلم التحفة – المقتبس عن عمل مسرحي – حول كاتب شاب يعود إلى دياره وأسرته بعد غياب 12 عاما ليُعلن لهم عن اقتراب موعد وفاته، لكنه طوال الفيلم لن يستطيع أن يخبرهم وأثناء ذلك سنرى شيئاً أو أشياء من جملة الأسباب التي جعلته يهرب منهم ولا يعود إلا عندما يكتشف أنه على وشك الموت، كأنه جاء لوداعهم، وهو منذ البداية ينظر للعالم وللناس من حوله بنظرة رجل يمتص كل تفاصيل الحياة ويعيشها بكثافة كبيرة لا تحتمل.

من بين كل الأفلام المعروضة والتي شاهدتها في “كان” أغواني ستة أفلام بإعادة المشاهدة، كان في مقدمتها فيلم “إنها فقط نهاية العالم”، وشريط أصغر فرهادي، لإدراكي من متابعة أعماله السابقة أن هناك كثيرا من التفاصيل التي ينهض عليها العمل، والتي يصعب تلقيها دفعة واحدة مع المشاهدة الأولى، ثم فيلم “بكالوريا” وفيلم “باتريسون” لجيم جارموش، فرغم بساطته الشديدة، لكنه يغوي بإعادة المشاهدة لتأمل شاعريته المرهفة، وهو أحد فيلمين – إلى جانب البرازيلي “أكواريوس” كانا يستحقان جائزة.

كذلك فيلم “سيرانفادا” من الأفلام المهمة والتي تستحق مشاهدة ثانية. أما أكثر الأفلام التي جاءت مخيبة لآمالي بمهرجان “كان” السينمائي التاسع والستين، كان فيلمي “شون بين” الوجه الأخير”، وفيلم الأخوين داردين “الفتاة المجهولة”، والسبب سطحيتهما الشديدة والاكتفاء بكل ما هو شكلي من دون وجود جوهر حقيقي أو مضمون قوي.

كلمة أخيرة عن الجوائز:

جاء حصول كين لوتش بفيلمه “أنا دانيال بلاك” على السعفة الذهبية مفاجئاً لي، خصوصاً في ظل وجود أفلام أقوى على المستوى السينمائي مثل “بكالوريا” و”باتريسون”، و”إنها فقط نهاية العالم”، و”أكواريوس”، لأنه رغم قوة مضمون فيلم لوتش، لكن السيناريو يُؤخذ عليه عدد من الملاحظات والهنات التي تتعلق أساسا بشخصية البطلة التي تمثل الشخصية الثانية بالفيلم، فهناك تعسف في تطوير دورها للوصول إلى نتيجة محددة، ومع ذلك يمكن التغاضي عن ذلك، لأن شريط “أنا دانيال بلاك” يتضامن مع قضايا الفرد وهموم الطبقة الكادحة من خلال مناقشة الظلم الاجتماعي والوضع السيء والبائس الذي تعاني منه هذه الطبقة.

أما جائزة أفضل سيناريو، والتي ذهبت إلى شريط “البائع” للمخرج الإيراني أصغر فرهادي فيستحقها عن جدارة، وإن كانت جائزة أفضل ممثل التي نالها بطله شهاب حسيني، كان يستحقها أكثر منه جاسبار أولييل بطل فيلم “إكزافييه دولان”، الذي لم ينطق إلا بكلمات قليلة جدا طوال الفيلم، لكن نظراته وملامح وجهه وشرود ومقلتيه، قدمت أداءا قوياً معبراً عن محنة رجل تخالجه مشاعر متباينة متناقضة، وهو على وشك الموت، بينما يتأمل أفراد عائلته المحطمين الفاشلين واستقباله هو أيضاً لنظرتهم إليه.

أما فيما يخص جائزة أفضل ممثلة، فلم يفاجئني حصول الممثلة الفليبينية جاكلين جوزيه عليها عن دورها بفيلم “ما روزا” أو “ماما روزا”، كما يتضح من مشاهدة الفيلم. صحيح كان هناك ممثلات أخريات تنافسن بقوة مثل إيزابيل أوبير، أو بطلة “متسوقة شخصية” أو بطلة فيلم أصغر فرهادي، لكن الممثلة الفليبنية قدمت مشهدين، أو بالأحرى بمشهد واحد فقط كانت تستحق الجائزة، وذلك رغم أن أداءها طوال الفيلم متقن وصادق جداً، لكني أعتقد أن المشهد الختامي بالفيلم حسم الجائزة لصالحها من دون منافس، فبعد أن قضت يوما كاملا في مركز الشرطة وتحت الضغط النفسي الذي نرى من خلاله الطبقات المطحونة واضطرارهم إلى الاتجار في المخدرات والاقتراض بالفائدة والربا ليواصلوا الحياة ويتمكنوا من تربية أطفالهم، كل هذا وسط فساد قطاع الشرطة ومواطنين يقومون ببيع بعضهم البعض ليفتدوا أنفسهم وأسرهم. يتم حبس روزا وزوجها، بينما يحاول أولادهما تجميع مبلغ 50 ألف للإفراج، عنهما فينجح الولدين والابنة في تجميع 46 ألف فقط عبر الاقتراض وبيع التلفاز وممارسة الابن الأصغر للواط، لكن رجال الشرطة – الذين يبدون أقرب لرجال العصابات – يصرون على المبلغ كاملا، فتعرض عليهم هاتف ابنتها، فيزعموا أنه لا يساوي شيئاً، ويقررا أن يفرجا عنها وحدها حتى تتصرف في بقية المبلغ المطلوب لينال زوجها حريته، فتأخذ الهاتف وتسير طويلا لتصل لمكان ما، وبعد مفاوضات تنجح في أن تبيعه بأربعة آلاف، ثم تطلب من المشتري مبلغاً لتستطيع أن تركب به مواصلات لتعود إلى مركز الشرطة، وعندما ترى عربة تبيع الطعام تقف وتشتري بعضا منه وتبدأ تأكل بعد يوم طويل من الجوع والخوف والتهديد، بينما عينياها تتأمل أفراد أسرة تغلق كشكاً صغيراً على الناصية المواجهة، وهم في حالة سعادة وربما أمن واطمئنان، فتدمع عينا روزا ويضرب مقلتيها الدم وهى تقاوم دموع الحزن الأسود في لقطة مؤلمة تغرس ملامح وجهها في قلب وروح المتلقي، فيُصبح من الصعب نسيانها.

موقع زائد 18 في

24.05.2016

 
 

قراءة في نتائج مهرجان كان السينمائي 2016

لماذا فاز «أنا دانييل بليك» بالسعفة الذهبية؟

عبدالستار ناجي

سؤال محوري حول الاسباب التي أهلت فيلم أنا دانييل بليك للفوز بالسعفة الذهبية وللاجابة على هذا السؤال لابد من التعرف على لائحة الجوائز التي أعلنتها لجنة التحكيم برئاسة المخرج الاسترالي جورج ميلر والتي جاءت قريبة جدا من التوقعات مؤكدة على النهج الذي يسير عليه مهرجان كان حيث سينما المؤلف هي الحاضر والفاعل الاساسي

في المحطة الاولى نتعرف على قائمة الجوائز التي جاءت حسب التالي: السعفة الذهبية: فيلم أنا دانييل بليك للبريطاني كين لوش والجائزة الكبرى: فيلم حتى نهاية العالم للمخرج الكندي اكزافيية ديلون وجائزة افضل اخراج: منحت مناصفة الى الفرنسي اولفييه اسياس عن فيلم المشترية الخصوصية والروماني كرستيان مونجيو عن فيلم التخرج وجائزة افضل سيناريو: أصغر فرهادي عن فيلمه البائع وجائزة لجنة التحكيم الخاصة: فيلم المحبوبة الاميركية للبريطانية اندريا ارنولد وجائزة أفضل ممثل: للايراني شهاب حسيني عن فيلم البائع لاصغر فرهادي وجائزة أفضل ممثلة: الفلبينية جاكلين خوسية عن فيلم ما روزا اخراج برلينتي ماندوزا وجائزة افضل فيلم قصير: تايم كود للمخرج الاسباني فرانهو جيمنيز وجائزة الكاميرا الذهبية: فيلم هبات للمغربية هدى بنيامينا .

وفي المحطة الثانية نذهب الى التحليل حيث فيلم السعفة انا دانييل بليك للبريطاني كين لوش الذي يحقق سعفته الثانية عن فيلمه الريح التي تهز حقل الشعير وفي فيلمه الجديد يذهب الى معاناة الكبار في السن في البحث عن عمل امام التعقيدات والتشريعات المجحفة التي تعصف بالكبار والصغار على حد سواء لتشكل عاصفة هوجاء من الضغوط الاقتصادية المدمرة للأسرة والمجتمع .

في المشهد الاخير يكتب دانييل بليك على حائط المؤسسة المشرفة عن البحث عن العمل للكبار أنا دانييل بليك ولست كلبا فقط أريد ان اكون انا وهي جملة تعني الكثير في الكثير من الدول الاوروبية حيث تحظى الكلاب بعناية ورعاية تفوق ما يتمتع به الانسان أمام الأزمات الاقتصادية .

فيلم الجائزة الكبرى حتى نهاية العالم للكندي اكزافيية ديلون مقتبس من مسرحية بنفس الاسم عن حياة كاتب مسرحي قرر العودة الى أسرته بعد غياب لعدة سنوات ليخبرهم بانه في طريقة للموت نظرا لاصابته بفيروس نقص المناعة ولكنه يكتشف ان كل شخص من أفراد أسرته يحمل له حكايات ومواقف بالذات شقيقه الاكبر وشقيقته ووالدته في حوارات قاسية تجعله يعدل عن أخبارهم بالامر لانهم يحملون له مشاعر متضاربة قاسية

جوائز الاخراج التي جاءت مناصفة جاءت موضوعية وذهبت لاثنين من كبار الصناع المخرج الرومانى كرستيان مونجيو عن فيلمه التخرج وايضا الفرنسي اولفييه اسياس وكل منهما اشتغل على موضوعه بحرفية سينما المؤلف حيث المخرج يكون مؤلفا مبدعا .

في مجال التمثيل الرجالي كانت المناصفة حاضرة والجائزة ذهبت للمثل الايراني شهاب حسيني وهو النجم المفضل عند المخرج أصغر فرهادي وهو هنا يتقمص شخصية مدرس يعمل ممثلا يقوم شخص مجهول بالاعتداء عليهم في منزلهم لتبدأ مهمة الزوج في البحث عن الفاعل في خط متواز مع احداثيات عمله كمدرس وايضا كمخرج يقدم مسرحية موت بائع متجول لارثر ميلر .

المفاجأة المستحقة كانت في اطار أفضل ممثلة حيث ذهبت للممثلة الفلبينية جاكلين خوسيه عن فيلم ما روزا للمخرج برلينتي ماندوزا . حيث جسدت دور امرأة مع أسرتها تمتلك بقالة صغيرة تضطرها الظروف من اجل جمع مال اضافي لبيع المخدرات ليتم القبض عليها ومن خلالها نتعرف على الخلل الصريح في سلك الشرطة في بلادها

ونتوقف للحديث عن جائزة الكاميرا الذهبية التي ذهبت لفيلم الهيبات للمخرجة المغربية هدى بنيامينا

والذي تجري أحداثه في الضواحي الفقيرة المعدومة حيث حكاية دنيا وفتاتين دنيا فتاة عربية مسلمة يتم فصلها من المدرسة بعد تورطها بكم من الممارسات الخاطئة التي أقلها السرقة لتجد نفسها في الشارع العام ولتكمل الطريق الى الهاوية والضياع .

وفي خط متواز نتابع حكاية صديقتها ميمونة التي تساعدها وتقف الى جوارها وايضا حكاية صديقتهن الثالثة ربيكا وكلهن يعانين من الفقر والاوضاع الاجتماعية القاسية في تلك الاحياء الفقيرة المعدمة .

مسيرة حياة دنيا تقودها الى ممارسة كافة مفردات الجريمة الصغيرة منها او الكبيرة من السرقة الى بيع المخدرات وصولا الى ممارسة الدعارة بحثا عن بعض الفتات من المال الذي لا يغني عن جوع بل يجعل كل واحدة منهن تذهب بعيدا في انزلاقها الى الضياع .

قراءة ذكية للشخصية ودلالاتها واختيار الموقع الذي تدور به الاحداث حيث الضواحي الفرنسية الفقيرة بلا شعارات او عناوين بل شخصيات مسحوقة تحصد ظروف أسرها والمناطق التي تنتمي اليها .

وتمضي الرحلة وصولا الى الابواب المغلقة حيث مشهد الحريق الذي تذهب ضحيته الصديقات بينما يتم انقاذ دنيا ولكنه انقاذ أقرب منه الى الموت لان لا وجود للحياة الكريمة .

ويبقى ان نقول ان نتائج مهرجان كانت أكثر من منصفة لانها جاءت قريبة وبنسبة كبيرة من آراء النقاد والجمهور على حد سواء كيف لا ونحن أمام لجنة تحكيم رهانها الابداع والتجديد والاكتشاف وهذا ما تم فعلا .

بطولة إيما سواريز وأدريانا يجارتي

بدرو المودفار في «جولييتا» يتحيز للأمهات !

عبدالستار ناجي

حينما تذكر السينما الاسبانية فان اسم المخرج بدرو المودفار يأتي في مقدمة تلك الاسماء لاسلوبه الطبيعي واحترافيته في الذهاب الى موضوعات وقضايا مثيرة للجدل. وعبر مشواره الثري بالاعمال والنتاجات السينمائية التي اوصلته للفوز بأوسكار افضل فيلم اجنبي عن فيلمه السارق نشير الى عدد متميز من الاعمال ومنه التعليم السيء 2004 و من أجل امي 1999 وكيكا 1993 والكعوب العالية 1991 وماتادور 1986 وغيرها من الافلام التي رسخته مبدعا يمتلك بصمته حيث اعماله السينمائية دائما ثرية بالالوان المشرقة كما هي شمس اسبانيا المشرقة.

في احدث اعماله جولييتا يأخذنا المودفار الى حكاية السيدة جولييتا ايما سواريز. تعيش في العاصمة مدريد مع ابنتها انيتا ادريانا يجارتي. تمر حياتهما بمساحة من الصمت اثر رحيل سوان دانييل جارو زوج جولييتا ووالد انيتا. ورغم ان الازمات تجمع الناس الا ان هذه الازمة العاصفة ادخلت كل منهما في صمت مظلم قاس فرق بينهما حيث تقرر ان تنفصل انيتا عن امها دون ابداء أي سبب مما ازم الام وضاعف احزانها فهي من فقدت الزوج وها هي اليوم تفقد الابنة التي سهرت عليها الليالي واعتنت بها وربتها افضل تربية ومنحتها كل شيء تريده.

ومن اجل تجاوز الذكريات تقرر جولييتا الانتقال الى الاقامة في مكان مختلف حتى لا تعود بذاكرتها الى زوجها او حتى ابنتها العاقة. وتمضي الايام حيث تقوم جولييتا بكتابة جميع احداث قصتها وعلاقتها مع سوان وانجابها لانيتا وكم اخر من الحكايات. حتى تلتقي بفنان تشكيلي ترتبط به يحاول ان يخرجها من ظلمة الايام والعزلة السوداء والم الوحدة والفراق ولكنها تصر ان تبقى بعيدة عن كل شئ.

ذات يوم تلتقي مع احدى صديقات انيتا التي تخبرها انها التقت بـ انيتا وان هذه الاخيرة غير سعيدة بحياتها وتعيش الالم والتعب خصوصا بعد ان انجبت طفلين وفقدت احدهما. هذا الحادث يجعل جولييتا تترقب من جديد عودة ابنتها التي تظل تحتفل في كل عام بعيد ميلادها رغم عدم حضورها.

وفي احدى جولاتها وهي تمشي هائمة تفكر بابنتها تتعرض لحادث مروري تنقل على اثره الى المستشفى حيث يحاول صديقها الفنان التشكيلي مساعدتها من اجل تجاوز الم الاصابة والم عقوق الابنة. في تلك الاثناء تصلها رسالة وللمرة الاولى من ابنتها تشير الى العنوان وهو ما تفهمه جولييتا وصديقها الفنان التشكيلي دعوة لعودة المياه الى مجاريها فتقرر جولييتا ان تسافر لها لينتهي الفيلم مع الاقتراب من المدينة التي تسكن بها جولييتا. متجاوزة كل المها ولوعة فراق الابنة التي لم تفارقها ابدا.

الفيلم منذ اللحظة الاول يتحيز الى الامهات بل يظل يشتغل على هذا الموضوع الذي يمثل اليوم الموضوع الابرز في العلاقات الاجتماعية في اوروبا على وجه الخصوص حيث تحولت البيوتات الاوروبية الى العاطفة الجافة وعزلة الابوين عن ابنائهم رغم كل التضحيات التي قدماها لابنائهم عبر المراحل.في فيلم جولييتا بها اللون وبها القضية وايضا الاداء العالي المستوى والشخصيات التي تثري الحدث بمضامين انسانية ابعد واعمق واثري. الفيلم يعتمد على نص كتبه بدرو المودفار نفسه وهكذا هي عادته حيث يأتي بالحكاية كذريعة لتمرير الاشكال الفنية التي يريدها وهي دائما مقرونه بلغة لونية مشرقة بالذات في مرحلة علاقة الحب بين جولييتا واسن وايضا عن انجابها وفي مرحلة العزلة والفراق ذهبت الالوان الى الرمادية والقاتمة حتى على صعيد الازياء.

جولييتا فيلم ثري بالمضامين الاجتماعية والتأكيد بان اسبانيا تظل تتمتع بالاسرة المتماسكة حتى رغم عذابات البعض وهو يدعو الى تعميق قيم التلاحم الاسري حتى رغم انشغال البعض واقامة البعض الآخر في مدن مختلفة فالاسرة والعلاقات الاجتماعية والانتماء الى البيت والاسرة هي مفردات ومعان وقيم يفترض ان تظل حاضرة ونابضة.

في الفيلم مدير التصوير الرائع جان كلود لاريو الذي عمل في عدد من اعمال المودفار وهكذا الامر مع الموسقار البرتو اجليزا الذي صاغ عددا من تحف المودفار السينمائية البارزة.

ويبقى ان نقول: سينما بدرو المودفار هي سينما الانسان بلغة فنية عامرة بالالوان.

«هي».. السينما على طريقة بول فيرهوفن!

عبدالستار ناجي

سيدة فرنسية تدير شركة كبرى لالعاب الفيديو تواجه ازمة كبرى حينما يداهم منزلها احدهم اعتدى عليها جنسيا فكيف ستكون ردة فعلها ؟هكذا هو المحور الذي اشتغل عليه المخرج الهولندي بول فيرهوفن الذي عرف عالميا من خلال افلام المغامرات الشهيرة التي قدمها وفي مقدمتها فيلم «روب كوب».

ونترك فيرهوفن وتاريخه لنعود اليه لاحقا. متوقفين امام فيلمه الجديد «هي» او «ايل» كتب له السيناريو فيرهوفن نفسه وجسدت شخصيته المحورية النجمة الفرنسية القديرة ايزابيل هوبير

وتعالوا نذهب الى الفيلم الذي يرتكز على لحظة نادرة. ففي الوقت الذي تكتشف السيدة «ميشيل» ايزابيل هوبير ان قطتها قد خرجت الى البلكونة وان عليها استعادتها يداهمها احدهم يرتدي قناعا ليسقطها ارضا ويقوم ايضا بالاعتداء عليها جنسيا ويفر هاربا.

ميشيل لا تخبر البوليس بل تبدا عملية بحثها على ذلك الشخص المجهول. في الحين ذاته تبدا بتطوير قدراتها القتالية يوما بعد اخر حتى تتحول الى قوة ضاربة لمواجهة أي احتمال كذلك الاحتمال الذي واجهته وايضا التحضير للانتقام. وعلى طريقة برامج العاب الفيديو التي تصممها شركتها تبدا لعبتها الحقيقية لتلك المواجهة الضاربة ومحاولة اصطياد ذلك المجهول الذي دمر حياتها وحولها الى انسانة اخرى مشغولة بالانتقام والتحدي والمواجهة القاتلة.

لعبة المواجهة التي تذهب الى منطقة خارج السيطرة بل خارج التصوير عندما تتحول تلك السيدة الهادئة الوديعة الى كتلة من الاحاسيس المتفجرة بالانتقام والتحدي والعنف الارعن. العنف هل يواجه بالعنف.. او العقل والحكمة؟ اسئلة تظل حاضرة ونحن نلهث وراء احداثيات هذا الفيلم الذي يظل رغم قيمته الفكرية مشغولا بالمغامرة وهي طريقة ونهج مخرج يعرف ادواته ويجيد صناعة افلامه التي تظل تحمل بصمته.

تمضي الاحداث سريعة التي تجعل السيدة مشغولة بنفسها على حساب شركتها وتقضي الساعات الطويلة التي تتدرب خلالها على حمل السلاح والرماية وغيرها من الفنون القتالية وكانه لاهم لديها الا تلك اللحظة من المواجهة التي كادت ان تدمر حياتها ومستقبلها بل ومستقبل شركتها.

في خط متواز يتابع ابنها تلك اللحظات من التغيير ليسير معها في اللعبة بحثا عن حيثيات ذلك التغيير الذي عصف بوالدته التي عرفها انسانة هادئة نذرت حياتها له ولتلك الشركة.

فيلم يجعل المشاهد يلتصق بكرسيه وهو يتابع ايزابيل هوبير تخطط للانتقام ومواجهة العنف بالعنف. حيث تأتي رسالة الفيلم وبكل وضوح وقسوة وهي لا للعنف الا بالعنف.

تريدون الحل..انه بالانتقام حيث يقوم ابنها باغتياله قبل لحظات من هجمته الثانية. في الفيلم النجمة الفرنسية ايزابيل هوبير التي تذهب الى منطقة جديدة في الاداء وايضا المضامين فبعد ان كانت بعيدة كل البعد عن افلام المغامرات التي تتوقف معها بفيلم من توقيع فيرهوفن

في الفيلم ايضا عدد من الاسماء ومنهم لوران لافيتي واني كونسجينى وشارلز بيرلينج وكم اخر من النجوم. خلف الكاميرا مدير التصوير ستيفان فونينين الذي لطالما كان الى جوار فيرهوفن الذي بدا مشواره في الستينيات من القرن الماضي بالفيلم الوثائقي بورت فان ادريان 1968 لتمضي المسيرة وصولا الى فيلم «روب كوب» 1987 وفيلم «غريزة اساسية» 1990 و«توتال ريغال» 1992.

افلام فيرهوفن هي سينما المغامرات وهو هنا يذهب الى تلك المنطقة التي تجمع بين القضية والمغامرة بل العمق في الطرح والمغامرة. والتي ظلت حاضرة بلا تكلف او مبالغة.

ويبقى ان نقول ان فيلم «هي» حتى في ظل الحضور الطاغى لايزابيل هوبير فانه يظل فيلما على طريقة الهولندي بول فيرهوفن.

العلاقة مع الأبناء محور أساسي في عروض المهرجان

عبدالستار ناجي

شكل محور العلاقات مع الابناء محورا اساسيا في عروض الدورة التاسعة والستين لمهرجان كان السينمائي الدولي الذي تواصلت اعماله في الفترة من 11 22 مايو 2016 وامام هذا المحور الذي يأتي انعكاسا للحالة الاجتماعية التي يعيشها الانسان والاسرة سواء في اوروبا او الولايات المتحدة او غيرها من دول العالم حيث ادار الكثير من الابناء ظهورهم لاهلهم وذويهم وبات الابناء والآباء على حد سواء يعيشون حالة من الخواء الاجتماعي. عدد بارز من اهم صناع السينما العالمية اشتغلوا على هذا الموضوع الذي بات يشكل قلقا كبيرا للمجتمع وللاسرة وايضا للسينما العالمية كمرآة للمجتمع وقضاياه

اول تلك الافلام التي ذهبت الى ذات الموضوع يأتي فيلم «توني اردمان» للمخرجة الالمانية مارين ادي التي قدمت لنا حكاية اب حينما زار ابنته بعد غياب طويل لمشاغلها العملية ورغبتها في تحقيق نجاحات في مجال عملها يكتشف بان ابنته تحولت الى مجرد حيوان يعمل بلا احاسيس وبلا قيم عندها يتفرغ كليا من اجل اعادتها الى الطريق الصحيح عبر كم من المواجهات التي تعيدها الى ان تكون كما كانت الانسانة والابنة ثم الموظفة الطموحة.

في ذات الاطار يدهشنا المخرج الاسبانى القدير بدرو المودفار في فيلمه الكبير «جولييتا» الذي يتحدث عن حكاية الام جولييتا التي فارقتها ابنتها سنوات طويلة دون ان تترك أي اثر لها او عنوانا عبر رحلة استمرت 12 عاما تحولت خلالها تلك الام الى هيكل عظمي مشبع بالالم والبحث عن أي شيء عن تلك الابنة التي ارادت ان تكون فكانت ولكن على حساب اهلها وبعد سنوات تأتي منها رسالة لا تحمل أي شيء الا عنوانها وكانها تفتح باب العودة الذي تستقبله جولييتا بكثير من الفرح.

سينما العلاقة بين الابناء والاباء تظل هاجسا وموضوعا محوريا اساسيا ضمن الاختيارات الرسمية لمهرجان كان السينمائي 2016 نفس المحور يظل حاضرا في فيلم «التخرج» للروماني كريستيان مونجيو الذي يتناول علاقة ابن مع ابنته يريد لها ان تكون في احسن الجامعات ولكن الاحداث تعصف بكل احلامه واحلامها حينما يعتدي عليها احد فتفتقد التركيز. في وقت تصرح هي رغم كل دعم الاب على ان تظل ملتصقة بشاب تحوم حوله الشبهات في انه من اعتدى عليها . فيلم يذهب الى مناطق بعيدة مؤكدا بان اختيارات بعض الابناء تقود الى الهاوية ولربما الكارثة.

وفي القائمة عدد اخر من الاعمال السينمائية التي تنوعت وتعددت لتناقش ذات المحور وذات المسار الذي يعتمد العلاقة مع الابناء واثار ذلك الجفاء والابتعاد على الاباء في سينما تقول الكثير وتنبض بالالم الاجتماعي المشبع بالاحاسيس في زمن نعتقد بان الاحاسيس قد تجمدت.

«أياد من حجر» تعيد روبرت دونيرو متالقاً!

عبدالستار ناجي

يجسد النجم الاميركي القدير روبرت دونيرو في فيلمه الجديد « اياد من حجر» شخصية مدرب الملاكمة راي اكريل الذي كان خلف البطولات والانجازات التي حققها بطل العالم في الملاكمة روبرتو دوران

الفيلم الجديد لا يذهب الى عوالم الملاكمة وحلبات النزال بقدر ما يشتغل على الجوانب الانسانية التي تحيط بذلك النجم وعلاقته بمدربه بل وبمساحة التغيير التي احدثتها تلك العلاقة عند المدرب وايضا البطل

علاقة تعتمد البعد الانساني. حيث يظل المدرب «راي» يتعامل مع البطل «روبرتو» على انه انسان قبل أي شيء اخرى وليس مجرد وحش ضارب. هو يعلم بان البطل الذي امامه يمتلك يدين من حجر ولكن قبل ذلك حسا انسانيا نابضا بالحس والمشاعر الجياشة التي تجعل كل منهما يقترب من الآخر

حكاية اسطورة في عالم الملاكمة وايضا اسطورة اخر في عالم التدريب كل منهما يكمل الآخر وكل منهما يثري الآخر هذا بتاريخة وتجربته وهذا بقوته الضاربة

رحلة في عالم البطولات التي خاضها هذا البطل الذي استطاع ان ينتصر في 103 نزالات من اصل 110 قابل خلالها اهم النجوم ومنهم راي شغر ليونارد وتوماس هيرنس وايضا مارفن هجلر وقد استطاع ان يحقق النصر ليس بفضل قوته الضاربة بل بمنهجية التدريب التي تجمع بين جميع المفردات الاحترافية في هذا الجانب وايضا التحول الى اسرة واحدة تفهم ظروف الآخر بالذات في المراحل الصعبة التي عاش بها كل منهما من غرور تارة ومن ادمان تارات اخرى

سينما من نوع مختلف تلك التي يقدمها النجم الاميركي روبرت دونيرو ليؤكد علو كعبه وترسيخه كواحد من اهم نجوم حرفة التمثيل في العالم.

الفيلم يعتمد على سيناريو كتبه مخرج العمل جوناثان جاكوبوسز. الذي كان قد قدم عام 2006 فيلمه الاول «الاسرار السريعة».

مع دونيرو في الفيلم كل من ادغار راميرز ويوشر ريموند وانا دي اموس..وحينما نقرب الصورة من النجم روبرت دونيرو نكتشف باننا امام فنان لا يكرر شخوصه ولا يجتر نتاجاته او مسيرته بل يذهب بنا دائما الى مناطق متجددة من الاداء والابداع وهكذا هو شأن الكبار دائما.

جوائز نقاد السينما تركز على المؤلف

عبدالستار ناجي

أعلنت لجنة تحكيم اتحاد نقاد السينما العالمية «الفبريسي» نتائجها والتي ذهبت لتعميد وترسيخ سينما المؤلف حيث الاشتغال على المضامين والاحترافية السينمائية العالية المستوى مع الاهتمام بالمضامين الاجتماعية . وقد توزعت الجوائز حسب التالي: افلام المسابقة الرسمية: الفيلم الالماني توني اردمان للمخرجة مارين ادي اما افلام نظرة ما: فيلم الكلاب للمخرج بوغدا ماريسا والفيلم من انتاج قطري فرنسي بلجيكي روماني مشترك . وبعدها الافلام الموازية: فيلم راو من اخراج الفرنسية جوليا جوجرونو الفيلم من انتاج فرنسي بلجيكي مشترك وقد ترأست لجنة التحكيم الناقدة التركية الين توسكلين رئيسة اتحاد نقاد السينما العالمية .

إيزابيل.. تجدد العهد

عبدالستار ناجي

ضمن النجمات العالميات اللاتي شاركن في الحضور والتواجد كانت هناك مشاركة للنجمة الفرنسية إيزابيل أوبير التي حازت مرتين على جوائز «كان» كأفضل ممثلة، كما تم اختيارها في عام 2009 رئيسة لمهرجان كان السينمائي.

تكريم مخرجة تونسية بمنحة تمويل

عبدالستار ناجي

كرّم مهرجان كان السينمائي أعرق مهرجانات الفن السابع في العالم المخرجة التونسية الشابة ليلى بوزيد باختيارها ضمن ثلاث مخرجات ساهمن في إبراز دور السينما في ترسيخ وعي المرأة بحقوقها ومشاركتها الفعالة في مواجهة العراقيل الاجتماعية.

ومنحت الدورة 69 للمهرجان جائزة للمخرجة ليلى بوزيد من تونس إلى جانب المخرجة وإيدا بناهندا من إيران والمخرجة غاية جيجي من سورية، تتمثل في تمويل عمل سينمائي من مشاريعهن القادمة. وجاء ذلك التكريم في حفل حضره منظمو المهرجان وعدد من نجوم السينما.

وتعيش المخرجة التونسية الشابة على وقع نجاح فيلمها الروائي الطويل الأول على حلة عيني الذي حصد جوائز مهرجانات عربية ودولية ونال إشادة النقاد وإقبالاً كبيراً من جمهور السينما. ونال الفيلم جوائز التانيت البرونزي لأيام قرطاج السينمائية والمهر الذهبي لمهرجان دبي السينمائي وجائزة الجمهور بمهرجان البندقية في إيطاليا وجائزة العمل الأول بمهرجان نامور في بلجيكا. ويشارك الفيلم التونسي القصير علوش للمخرج لطفي عاشور في المسابقة الرسمية للدورة 69 لمهرجان كان السينمائي الدولي.

ترانة عليدوستي... تسرق الأضواء

شريف صالح

بإسلوب توافق مع إطلالاتها استطاعت النجمة الإيرانية ترانة عليدوستي ان تسرق الأضواء خلال مشاركتها بالحضور في مهرجان «كان» وحضور عرض فيلمها «البائع» للمخرج أصغر فراهادي ووصفت في المواقع بانها اطلالة مثالية للحجاب.

النهار الكويتية في

24.05.2016

 
 

في «كان».. «اشتباك» يحرك المياه الراكدة.. و«شاهين» ما زال الأيقونة

انتصار صالح

شاركت مصر في مهرجان كان السينمائي الدولي منذ إطلاق أولى دوراته عام 1946، وهو ثاني أقدم مهرجان سينمائي والأهم عالميًّا، وتواصلت المشاركات طوال دوراته دون انتظام، وكان النصيب الأكبر من هذه المشاركات للراحل يوسف شاهين الذي نال جائزة المهرجان التكريمية في الاحتفال بدورته الخمسين، وشهدت دورته الـ 69، التي اختتمت أمس الأول الأحد، مشاركة فيلمين “اشتباك” للمخرج محمد دياب، بطولة نيللي كريم، هاني عادل، طارق عبد العزيز، وأحمد مالك، الذي افتتح مسابقة “نظرة ما”، وخرج خالي الوفاض من جوائزها، وإن تم اختياره كأحد أفضل أفلامها من عدد كبير من النقاد، وفي قسم “كلاسيكيات مهرجان كان” عرض فيلم “وداعًا بونابرت” ليوسف شاهين.

مشاركة مصر هذا العام جاءت بعد غياب أربع سنوات منذ مشاركة فيلم “بعد الموقعة” للمخرج يسري نصر الله 2012، وتشهد أيضًا مواصلة المهرجان اختيار الأفلامالتي تتناول أحداثًا ترتبط بالثورة المصرية، كما هو الحال منذ انطلاق ثورة يناير، بعد مشاركة فيلم “18 يوم” عام 2011، معبرًا عن رؤى مختلفة لأحداث الثورة خلال الـ 18 يومًا الأولى للاعتصام في ميدان التحرير وميادين مصر المختلفة حتى إسقاط مبارك بالتنحي، وتلاه “بعد الموقعة” الذي تدور أحداثه عن ذات الفترة.

أما “اشتباك” فتدور أحداثه عام 2013، خلال مرحلة مفصلية في تاريخ مصر في المظاهرات التي أسقطت حكم الإخوان وما تلاها، وتدور الأحداث فى سيارة ترحيلات تضم ممثلين عن التيارات السياسية المختلفة “الليبرالى والعلمانى والتيار المتدين من إخوان وسلفيين ومواطنين عاديين”، ينشب بينهم الكثير من المشادات؛ بسبب تمسك كل فصيل برأيه، إلى أن يقع حادث للسيارة، وتنحرف عن طريقها، فيتحد الجميع؛ فى محاولة للنجاة من الموت المحقق.

الغريب أن الفيلم الذي ينبه من مخاطر التصنيف والتطاحن دون وعي بأن الجميع في عربة واحدة يجمعهم مصير واحد، ورغم الحفاوة البالغة به محليًّا وعالميًّا، إلا أن صناعه تعرضوا في وطنهم للهجوم في مفارقة ساخرة وداعمة لصدقما يحذر منه الفيلم في تقرير بثه برنامج “أنا مصر” للمذيعة أماني الخياط، حيث اتهمت فريق عمل الفيلم ومخرجه بشكل خاص بكم من الاتهامات الجزافية والتخوين، على خلفية مواقفه السياسية المنحازة لثورة يناير؛ لتعكس بشكل فج مدى التدهور الإعلامي عند فريق من الإعلاميين أعادوا استنساخ فساد إعلام مبارك. تطاول التقرير الذي أعده البرنامج المحسوب للأسف على تليفزيون الدولة أثار غضب المثقفين والسينمائيين بشكل خاص، فأصدرت نقابة السينمائيين والاتحاد العام للنقابات الفنية وجبهة الإبداع بيانًا ضده، مطالبين بالاعتذار، كما دعا آخرون لمقاضاة البرنامج.

وبعيدًا عن الجدل الذي يشير إلى تدهور أوضاع الإعلام حاليًّا، فإن الفيلم يعكس محاولة ناضجة للتفاعل مع الأحداث الواقعية لحالة الثورة في مصر، واختار الفيلم أن يلتقط لحظة فارقة تحمل كمًّا من الرؤى المضطربة. ورغم ذلك يلح مخرجه في تصريحاته الصحفية على أن تركيزه الأكبر على الجوانب الإنسانية وما يجمع تلك الفصائل المتناحرة، لكن الفيلم يظل إحدى الرؤى المقدمة عن الثورة، لا تلتزم سوى برؤية صناعها، وتقدم قضية جدلية في دعوتها للتصالح بين كل الفصائل، وهو ليس من الأفلام التي تنتظر موقف الجمهور منها بقدر ما تقدم رؤية صناعها، وليس بالضرورة نموذجًا لفيلم جماهيري، لكنه يستحق الدفاع عنه ضد أي محاولات تضييق على عرضه أو تشويهه أو فرض رقابة مسبقة على عرضه.

الفيلم حظي بإشادة نقدية أثناء عرضه في “كان”، وشهد اتفاقات للتوزيع في عدد من الدول الأوربية والآسيوية. وراء الفيلم تجربة إنتاج مشترك لعدد من شباب المنتجين المصريين والعرب والأوربيين، على رأسهم محمد حفظي، كما شهد مشاركة إنتاجية من الداعية معز مسعود، في تجربة جديدة على الوسط السينمائي، وهي أيضًا تجربته الأولى في المساهمة في إنتاج سينمائي، بعدما عرفه الجمهور من خلال برنامجه “خطوات الشيطان”، الذي اعتمد علي الدراما كجانب رئيسي فيه.

“اشتباك” ينتظر عرضه تجاريًّا في مصر في يوليو القادم، وفق تصريحات منتجه محمد حفظي، ما لم يتعرض لمشاكل رقابية، في ظل حالة التحسس الحالية من كل صوت مختلف عما يطرحه النظام.

الفيلم المصري الثاني في هذه الدورة “وداعًا بونابرت”، والذي عرض في قسم كلاسيكيات المهرجان، يمثل تحية للراحل يوسف شاهين (1926 – 2008)، وهو إنتاج مصري – فرنسي عام 1984، والعرض جاء لنسخة تم ترميمها بالتعاون بين شركة أفلام مصر العالمية والسينماتيك الفرنسي وأرشيف موناكو والعديد من الهيئات الأخرى.

والعرض مقدمة لفعالية كبرى تقام عام 2018 في ذكري مرور 10 أعوام على رحيله، ستتضمن معرضًا عالميًّا لوثائق بخط يوسف شاهين ومجموعة أفلامه المرممة؛ لتبدأ الوثائق رحلتها من فرنسا، وتستقر في النهاية بمكتبة الإسكندرية؛ لتصبح المقر الدائم للوثائق التي سيتم ترميمها، بالإضافة إلى إطلاق المكتبة موقعًا لشاهين عبر شبكة الإنترنت، يحوي هذه الوثائق المرممة.

لسنوات طوال ظل شاهين حلقة الوصل الأهم بين السينما المصرية والفرنسية ومهرجان “كان” بوجه خاص، والذي ظل مهرجانه المفضل. وككل مخرجي العالم يرادوه حلم سعفته الذهبية. بدأت أولى خطوات شاهين في “كان” عام 1951 مع مشاركة فيلمه “ابن النيل”، وتلاه “صراع في الوادي” عام 1954.

وفي عام 1970 شارك بفيلمه “الأرض”، فيما غابت مصر عن المهرجان طوال السبعينيات؛ لتعود له عام 1983 باختيار يوسف شاهين للمشاركة في لجنة تحكيم المسابقة الرسمية للمهرجان؛ ليكون المصري الثاني الذي يشارك في لجنة تحكيم المهرجان بعد يوسف وهبي، الذي شارك في الدورة الأولى للمهرجان.

وفي عام 1985 شارك في المسابقة بفيلمه “وداعًا بونابرت”، وفي عام 1993 عرض فيلمه الوثائقي “القاهرة منورة بأهلها” في قسم نصف شهر المخرجين.

وتوجت مشاركاته في “كان” بتكريمه وحصوله على جائزة اليوبيل الذهبي للمهرجان عام 1997، وعرض فيلمه “المصير” خارج المسابقة في ذات الدورة.

وعرض فيلمه “الآخر” عام 1999 في قسم “نظرة خاصة”، وحصل على جائزة “فرانسوا شالي”، التي تحمل اسم صحفي ومؤرخ فرنسي، واختتم شاهين مشاركاته في المهرجان قبل رحيله بفيلم “إسكندرية نيويورك” عام 2004، وفيلم قصير عن علاقته بمهرجان “كان”.

كما شهد المهرجان في دوراته المختلفة مشاركات لعدد من أهم المخرجين في تاريخ السينما المصرية، بدأها فيلم “دنيا” للمخرج محمد كريم، بطولة فاتن حمامة عام 1946، وثلاثة أفلام لصلاح أبو سيف “مغامرات عنتر وعبلة” 1949، “الوحش” 1954، و”شباب امرأة” 1956، وللمخرج أحمد بدرخان فيلم “ليلة غرام” عام 1952، والمخرج كمال الشيخ من خلال فيلم “حياة أو موت” 1955، كما عرض فيلمه “الليلة الأخيرة” في المسابقة الرسمية 1964، ثم هنري بركات وفيلمه “الحرام” 1965، وللمخرج محمد خان فيلمان “عودة مواطن” 1987 و”حليم” 2006، وعرضا خارج المسابقة،  وللمخرج يسري نصر الله “باب الشمس” 2004، و”18 يوم” 2011، و”بعد الموقعة” 2012.

كما عرض فيلم شادي عبد السلام الرائع “المومياء” بعد ترميمه عام 2009، وعرض المهرجان عددًا من كلاسيكيات السينما المصرية في إطار برامج عروض الكلاسيكيات، منها “البوسطجي” للمخرج حسين كمال عام 2011.

البديل المصرية في

24.05.2016

 
 

«تونى إردمان» و«بكالوريا» و«البائع».. درر التاج فى مهرجان كان

كان – أحمد شوقي

أكتب هذا المقال قبل ساعات من ختام الدورة التاسعة والستين من مهرجان كان السينمائى الدولي، ليتم نشره بعد يومين من الختام وإعلان الجوائز. لذا فأى محاولة للتوقع أو التمنى ستكون بلا طعم، خاصة فى ظل ازدحام مسابقة هذا العام بأفلام كبيرة، سواء طبقا لمستواها أو لأسماء صناعها وتأثيرهم فى الصناعة. التوقعات إذن لا داع لها، فالجوائز سيعرفها المهتم قبل قراءة المقال. أما ما يبقى فهو الأفلام، ولذلك سنلقى الضوء فى هذا المقال على أفضل ثلاثة أفلام تنافست على السعفة الذهبية هذا العام (طبقا لرأى الكاتب بالطبع)، والتى من الأرجح?أن أحدها أو كلها سيكون قد نال جوائز عندما تقرأ هذا المقال.

تونى إردمان

إذا كان من النادر عموما وجود فيلم كوميدى فى مسابقة أحد المهرجانات الكبرى، فإن الأندر هو أن يكون هذا الفيلم هو صاحب النصيبة الأوفر من الإعجاب وترشيح الجميع للسعفة. المخرجة الألمانية مارين أدى فاجأت الجميع بهذا العمل الذى ارتفعت معه الضحكات لدرجة الصراخ خلال العرض الصحفي. المدهش هو أن تلك الكوميديا الألمانية الصارخة (وهو بحد ذاته أمر نادر) جاءت محملة بأفكار أثقل بكثير مما يمكن أن يتخيله من يعرف الحكاية: أب وحيد يطارد ابنته التى تعمل فى شركة عابرة للقارات سعيا لاهتمامها.

هذا فيلم عن الحياة الحديثة وكيف يمكن أن تشوه نفوس البشر. ليس فقط فى قطع العلاقات الطيبة بين الأهل، وإنما الأهم هو الإخلال بمفهوم السعادة نفسه لدى الإنسان. أن يعتبر أحدهم نفسه ناجحا متحققا سعيدا، بينما تمر عليه أعوام دون أن يعيش لحظة واحدة من البهجة غير المشروطة. الأب الذى ينتحل شخصية عجيبة الأطوار ويظهر فى كل مكان تذهب له ابنته يجعلنا نخوض تلك الرحلة التطهيرية مع الابنة، التى تبدأ باستهجان ما يقوم به والخجل من أفعاله ثم محاولة التعايش وصولا لإدراك القيمة وراء كل ما يحدث، لتنهى فيلمها بمشهد بالغ الذكاء هو أ?ضل نهاية فى المسابقة على الإطلاق، يمتزج فيه التصالح بالسخرية المريرة لعالم سنشاهد فيه الفيلم فنضحك ونتأثر، ثم نعود لنمارس نفس الحياة التى يهجوها.

بكالوريا

أستاذ السينما الرومانية الجديد كرستيان مونجيو يعود إلى مهرجانه المفضل بفيلم منتم قلبا وقالبا إلى سينماه التى صارت موجة يشار إليها بالبنان. السينما القائمة على صورة واقعية بسيطة، خالية من البهرجة والألاعيب البصرية، فقط كاميرا تتابع أحداث سيناريو يتحرك بعجلة سريعة، وينطلق من الخاص إلى العام، من شخصيات يمكن أن تقابلهم فى الحياة اليومية إلى آراء واضحة فى المجتمع الرومانى المعاصر بعد ربع قرن من الثورة ضد نظام تشاوشيسكو. مونجيو أحد أساتذة الحكى فى العالم، الحكاية هى شغله الشاغل وهى ما تعطى «بكالوريا» قيمته.

طبيب ناجح وشريف لكنه غير سعيد يخون زوجته، يضع أمله فى ابنته المتفوقة والتى تستعد لتنهى امتحان البكالوريا كى تنال منحة دراسية فى بريطانيا، حتى تتعرض الفتاة لمحاولة اغتصاب وهى ذاهبة للامتحان، فتكاد الفرصة تضيع ما لم يتدخل الأب من ناحيته، فيفسد لأول مرة كى يتلاعب بنتيجة الابنة. كما يمكن أن نتوقع الخطأ البسيط يتفاقم، وتترتب عليه نتائج أكبر وأكبر، فتشرخ العلاقة بين الأب وابنته، والزوج وزوجته، والعلاقة بين المواطن والمجتمع الذى يدفعه دفعا نحو الفساد. أما الأخطر من كل هذا فهو تشويه العلاقة بالمستقبل، الذى يقول ال?يلم بوضوح انه بالنظر للمعطيات القائمة فمن المستحيل أن يكون مشرقا، حتى على المستوى الفردى ومهما بلغ اجتهاد الإنسان، لأن الصواب لا يترتب أبدا على خطأ، والفساد لا يأتى إلا بمثله.

البائع

آخر أفلام المهرجان الكبيرة عُرض للصحافة قبل الختام بيومين ثم عرض عام فى اليوم السابق للختام ليكون آخر أفلام المسابقة فى ترتيب العرض، وهو ما سيظلمه بالتأكيد فى حجم التغطية الإعلامية بعد رحيل كثير من الصحافة الدولية، اللهم إلا لو رأت لجنة التحكيم أن تمنحه جائزة تعيد له حقه. الفيلم لأستاذ آخر من أرباب الحكى هو الإيرانى أصغر فرهدي، مخرج «انفصال» و«الماضي» الذى خلص السينما الإيرانية من تراث الشكلانية الشعرية أحيانا والمملة كثيرا، وهاهو يعود فى كان للمرة الثالثة بفيلم ينتمى لعالمه المعروف قلبا وقالبا.

الأزمات فى أفلام فرهدى تبدأ دائما من داخل البيوت، بمعنى الكلمة المجازى المعبر عن العلاقات الأسرية، وبمعناها الحرفى فى الفيلم الجديد الذى يبدأ بتصدع منزل البطلين واضطرارهما لتركه والانتقال لمنزل جديد، تتعرض فيه الزوجة لحادث يفسد حياتها وزوجها، ويدفعه دفعا نحو البحث عن انتقام شخصى يتصاعد بعجلة جنونية تعودنا عليها فى أفلام سيد الحكى الإيراني. الجديد فى «البائع» هو خط مواز متعلق بوظيفة الزوجين، فهما ممثلا مسرح يستعدان لعرض مسرحية «موت بائع متجول» لآرثر ميللر. وجود الخط بما فيه من مشاهد مسرحية تحال باستمرار لأح?اث الخط الرئيسي، هو شكل حداثى جديد على سينما فرهدي، الذى يجمع هنا بين الحسنيين: يقدم ما يبرع فيه ويدعمه بالجديد.

الأفلام الثلاثة هى الأكثر اكتمالا بين أفلام المسابقة الرسمية، ربما يصدق حدسنا ويكون أحدها هو حامل السعفة، لكن فى الأرجح سيتواجد بعضها فى القائمة الكاملة لجوائز المهرجان.

جريدة القاهرة في

24.05.2016

 
 

«كان 69».. كزافييه دولون.. المطهر العائلي وحروب العواطف

زياد الخزاعي

يُمكن اعتبار فوز الكندي كزافييه دولون (27 عاماً)، بالجائزة الكبرى في الدورة الـ 69 لمهرجان «كانّ» السينمائي، لعنة أخرى من لعنات الاستقطابات النقدية وتضارباتها في ما يخصّ موهبته وصناعته وذائقته التي قادته منذ باكورته «أنا قتلت أمي» (2009) نحو «سعير» المطهر العائلي. يراه البعض عبقرية مستولدة من نطفة سينمائية مجيدة، لا بدّ له من نيل ثناءات تمايزه. في ما رأى كثيرون أن الوقت مبكر لاكتشاف ما إذا كان «شقيّ السينما» يستحق كلّ هذه الجَلَبَة. أصرّ هؤلاء على أن لا مكان لاعتبارات عمره في حججهم، وهو الذي كتب باكورته أعلاه في سن الـ17، وأخرجها بعد ثلاثة أعوام لاحقة، بل إن ما قدّمه في أشرطته الخمسة لا تبتعد عن كونها «استيلادات» متبصّرة لاشتغالات الإميركي المستقل جون كاسافيتس وسينماه المعنية بـ «المألوف والبراغماتي». عندهم، إن دولون حافظ على ثيمة «العروة الشخصية»، وهي إحدى ركائز سينما مخرج «ظلال»(1959) و «وجوه» (1968) و»امرأة تحت سطوة» (1974).

في عمله الأول، جعل من بطله اليافع والمثلّي «أوبير» غولاً أنانياً وصلفاً. يواجه والدته باحتقار وعدائية، انعكاساً للوعة شذوذه. لكنه لن يتردد من إعلان يمين مفاجئ تجاهها، عندما يقترب من بلوغه، ويعترف: «أنا أحبك. أقولها لك كي لا تنسي»، من دون أن يعني الأمر نهاية حربهما المتبادلة. يتحوّل استحقاق المحبة هذا في نصّ «أماه» (2014) إلى تساؤل على لسان شاب غليظ الطباع: «أماه، هل لا نزل نحبّ بعضنا؟»، فتجيبه بحُرقة بالغة: «هذا ما نُحسِن صنعه يا بني!»، ويتفقان على «رضوخه» لخططها الرامية الى «تطّبيعه» مع حياتها برغم فوضويتها، ومع الآخرين برغم جفواتهم، ومع الحب برغم عصيانه. بيد أن سادية النظام تفرض على الشاب ترويضاً قسرياً بديلاً، يقوده الى استعداء الجميع، والخضوع لاحقاً الى قصاص صارم.

التباغض

يظهر هذا التباغض بقوّة في جديده «إنها فقط نهاية العالم» المقتبس عن مسرحية الفرنسي جان ـ لوك لاغارس (1957 ـ 1995)، حيث يصبح التعهّد الأسري أكثر مرارة وغلاظَة. فعودة الإبن الكاتب المسرحي «لوي» (غاسبار يوليل) الى حضن أهله ودارتهم الريفية عازماً على إخبارهم حقيقة إصابته بمرض نقص المناعة «الإيدز»، واقتراب رحيله عن عالمهم، هي إيذان درامي لمذبحة عواطف وحروب فردية وكشف عورات أخلاقية وتبادل إهانات. تتحوّل الكينونات الخمس الى وحوش أوروبية ضمن كوميديا سوداء، تميّزت بوفرة اللقطات المقربة (كلوز أب) لوجه الممثلين، تسعى الى تصفية ضغائنها كلّ حسب أجندته الشخصية. يتجسّد الشقيق الأكبر أنتوان (فنسان كاسيل) كـ «لوسيفر» (إبليس) منحوس وعاصٍ وغيور. يعارض كل خطوة، ويكسر كل همّة، ويستخفّ بكل كرامة. يكون نفوره وهياجه ولعناته وسبّابه، طعنات موَسْومة على فؤاد الأواصر العائلية وتضافرها. فجلسة مائدة الغداء اليتيمة، هي مداولة ثرثارة وتجريحية لـ «لوي» وأسباب غيابه، وتشنيع بالأم «مارتن» (ناتالي باي) وخفّة شخصيتها، وسعيها الناقص إلى لمّ الشمل والحفاظ عليه، وكسر لشوكة تمرّد الشقيقة الصغرى سوزان (ليا سيدو)، وموقعة مشرعة لوضع شخصية «كاترين» (ماريون كوتيار)، زوجة الشقيق البكر، ضمن دائرة ازدراء مُخجل.

«أفلم» دولون المسرحية الأصلية من باب نادر يمكن نعته بمشهديات المواربات التي بدأها في مفتتح شريطه، حيث طلّت كاميرا أندريه توربان على محيط البيت، وصوّرت لقاءات عائلته ومناكفاتهم عبر فرجات ستائر نوافذ وثلمات أبواب وخلل أعراش حديقة وغيرها، لعل أكثرها عنفواناً ما تألّق في مشهد الأم وهي تُغوي ابنها الزائر الى شمّ عطرها، لينتهيا بعناق ملائكي. نراه فيه، وهو ينظر من فوق كتف والدته، نحو نور قدسيّ عبر ستارة يحرّكها نسيم خفيف، إشارة الى نداء موته المقبل. جعلت هذه اللازمات الحسّية من مشاهديها أشبه بمتلصصين على تفاصيل فاجعة يتراكم سُخامها على جدران وضمائر وأقدار (يردد لوي «أنه سيّد نفسه»)، فيما يكون رمادها أشبه بفراش موت مجازي لبطل عائد، فشل في تحقيق ميثاقه مع آخرين.

في لحظة اتخاذه قرار رحيله/ غيابه المتجدّد، يشهد «لوي» فعلاً سحرياً لعصفور دوري ينطلق طائراً من قلب ساعة حائط قديمة لحظة رنين ناقوسها، قبل أن يسقط صريعاً إثر ارتطامه بحائط غرفة معتمة. لن يكون أمام دولون سوى تثبيت آخر مشهد في فيلمه على جثة الطائر وهو يحتضر. فيوم قيامة، يستغرق 97 دقيقة سينمائية، لا يرتهن بحسابات تطويبات، وإنما بنقاوة قلب تقود المرء نحو ذهن خالص وهادئ، يعي فناءه ولا يخشاه. هذا تماماً ما توصل اليه «لوي» بتصبّر وقلّة كلام ودراية. فلن تردع دموع سوزان وانكسار روحها، ولا مرارات كاترين وبؤسها، ولا جبروت إنتوان وكابوسيته، ولا لباقات الأم مارتن وهمتها بجماعية أسرتها، من وقوع ساعة دينونة يكون فيها المؤلف المسرحي بطلاً بلا منازع، يطلق إشارة إنذار عنوانها إن العقاب آتٍ.

السفير اللبنانية في

25.05.2016

 
 

"زغرودة" مغربية في ختام مهرجان "كان"

سعفة كين لوتش.. انتصار جديد للواقعية

حسام حافظ

جاءت جوائز مهرجان "كان" السينمائي لتعيد الاعتبار للمدرسة الواقعية في السينما. عندما حصل المخرج البريطاني الكبير كين لوتش علي السعفة الذهبية عن فيلم "أنا دانييل بليك" الذي يكشف عيوب نظام الرعاية الاجتماعية في بريطانيا. كذلك منح "كان" جائزة الكاميرا الذهبية للمخرجة الفرنسية من أصل مغربي هدي بن يمينة عن فيلم "شئون إلهية" الواقعي الاجتماعي الذي يتحدث عن مشاكل سكان المناطق الفقيرة في ضواحي باريس وهو من أصول مغربية وجزائرية. 

وانحازت لجنة تحكيم "كان" برئاسة المخرج الاسترالي جورج ميللر للواقعية أيضاً في الفيلم الفلبيني "ماما روزا" والتي حصلت بطلته جاكلين جوزيه علي جائزة أحسن ممثلة. وقامت بدور أم لأربعة أطفال تكافح وتقاوم الفقر من أجل تربيتهم. بالإضافة الي جائزتين حصلت عليهما السينما الايرانية. أحسن سيناريو للمخرج أصغر فرهادي. وأحسن ممثل لشهاب حسيني بطل فيلم "البائع". 

وكانت صفحة السينما بالجمهورية قد انفردت الأسبوع الماضي بنشر مقال للناقدة د.أمل الجمل من مهرجان "كان" عن فيلم "أنا دانييل بليك" الذي فاز بالسعفة الذهبية. ويعرض خلاله المخرج كين لوتش مأساة عامل فقير ومريض بالقلب نصحه الأطباء بضرورة التوقف عن العمل بسبب مرضه والحصول علي معاش الضمان الاجتماعي. ولكن المسئولين يطبقون سياسة الحكومة البريطانية لحزب المحافظين ويماطلون من أجل عدم منحه الإعانة اللازمة ويجبرونه علي البحث عن عمل آخر. لأن السياسة الجديدة ترفض إعانة البطالة وتسميها اعانة الباحثين عن عمل. 

ويقف المخرج كين لوتش أمام السعفة الذهبية في حفل الختام ويقول بإن فيلمه يوجه رسالة أمل بأنه من الضروري ايجاد عالم جديد يعمل لصالح الإنسان الكادح. ويخوض معركة عادلة ضد الليبرالية الجديدة والتي يعتبرها المخرج "كارثية" ويؤكد لوتش أن من تقاليد السينما الاهتمام بالشعوب والناس البسطاء واختيار الإنسانية لحماية الفقراء وليس لاذلالهم. 

وهذه هي المرة الثانية التي يحصل فيها كين لوتش علي السعفة الذهبية وأول مرة كانت منذ 10 سنوات عام 2006 قام ببطولة فيلمه الممثل ديف جونز في دور العامل. كما قامت هيلي سكوليرز بدور "كاتي" التي مات زوجها وتسعي للمعاش الاجتماعي من أجل تربية أطفالها وتضطر للعمل بالدعارة. 

أما هدي بن يمينة الفرنسية من أصل مغربي فقد صاحت وهي تتسلم جائزة الكاميرا الذهبية وخاطبت والدتها المغربية قائلة: "زغردي يا أمي.. لقد احتلينا مهرجان كان" وكانت الصحافة الفرنسية قد وصفت فيلم هدي بأنه "لطمة" علي وجه المجتمع الفرنسي بسبب حياة البؤس لسكان الضواحي الفقيرة لباريس وأشادوا بفيلمها وقالوا إن به مسحة كوميدية بوليسية. الي جانب التصوير الواقعي لحياة الشوارع لهؤلاء البؤساء حيث تعمل النساء في مجالات كانت حكراً علي الرجال فقط. 

وقد فاز المخرج الكندي الشاب زفيار دولان "27 سنة" بالجائزة الكبري للمهرجان عن فيلم "إنها فقط نهاية العالم" وفازت البريطانية أندريا أرنولد بجائزة لجنة التحكيم عن فيلم "عسل أمريكي" وفاز الفيلم الفنلندي "أسعد يوم في حياة أوللي" للمخرج جويو كوسمانن بجائزة أحسن فيلم في برنامج "نظرة خاصة" الذي افتتح بالفيلم المصري "اشتباك" للمخرج محمد دياب. 

الجمهورية المصرية في

25.05.2016

 
 

"البائع" .. الانتقام بالإذلال وأشياء أخرى

د. أمل الجمل

"الناس يجب أن تُعاقب بالإذلال العلني".

جملة كانت بمثابة الضغط على الزناد. جملة فجرّت طاقة الانتقام، واستبدلت الروح المرحة المتسامحة بأخرى متوترة لا يشغلها سوى الثأر وفضح الضعيف المخطئ حتى لو اعترف بجريمته طالبا العفو والمغفرة. جملة أعمت البصيرة وقادتها نحو طريق اللاعودة وفقدان القدرة على التصالح مع النفس

تلك الجملة تقولها إحدى النساء جارة البطل عماد في أعقاب تعرُّض زوجته رنا للاعتداء الذي ترك أثرا نفسيا سيئا عليها وذلك ضمن أحداث فيلم "فروشنده" - Forushande - أي "البائع" للمخرج الإيراني النابغة "أصغر فرهادي" الذي حصد عنه مؤخراً جائزتي السيناريو وأفضل تمثيل رجالي لبطله "شهاب حسيني" الذي جسد دور عماد، من مهرجان كان السينمائي التاسع والستين

عماد ورنا شابين يمثلان – كما في واقع الفيلم -  دور زوجين في مسرحية "موت بائع متجول" للكاتب الشهير آرثر ميلر، وعماد في نفس الوقت يعمل مدرساً ويبدو لطيفاً مع طلّاب،ه له روح مرحة يعرف كيف يمتص محاولات الاستفزاز من الطلاب المراهقين المتعاليين. فجأة يقع التحول في شخصية عماد بعد حادث الاعتداء الذي تعرّضت له الزوجة، فقد دخل إلى الشقة رجلاً قاومته فأصيبت بجروح في النفس والروح قبل الرأس والجبهة التي تعامل معها الأطباء بالحياكة

لا شيء واضح تماماً

الحادث الذي قلب الأحداث رأسا على عقب في شريط "البائع" - المنتج بالشراكة بين إيران وفرنسا - لم يكن اقتحاماً، بل خطأ من رنا لأنها فتحت الباب من دون أن تتأكد أن زوجها هو الطارق. يطلب عماد من رنا إبلاغ البوليس لكنها ترفض، وكذلك تطلب منه ألا يخبر الناس بأنها تعرّضت للهجوم مما يُوحي بخجلها وإحساسها بالخزي مما حدث، رغم أنها هي المعتدَى عليها لكن طلبها يشي بالنظرة إلى الجسد التي يغرسها المجتمع في عقل أفراده. يسألها عماد: "هل حدث شيء؟" سؤال يحمل فحواه وقوع اعتداء جنسي عليها من مهاجمها، لكن رنا تنفي، والمتلقي بالطبع لا يعرف على وجه الدقة هل كان هناك اعتداء جنسي أم لا؟ لأنه لم يشاهد الاعتداء أصلا وإنما تم الإيحاء به – فالرقابة الإيرانية تمنع مثل تلك المشاهد – من خلال لقطات الدم في الحمام والممر وبصمات أقدام المجرم على السلالم، ومشهد رأس رنا الغارق في الدم وهي بين أيدي الأطباء، وإن كان في الوقت ذاته لا شيء ينفي تماما أنه كانت هناك محاولة اعتداء خصوصا مع توالي شهادة الجيران عن الضجة في شقة رنا أثناء مقاومة مهاجمها، وتفاصيل أخرى تتضّح تباعا تثير الشكوك لكنها لا تفضّ تماماً الغموض الذي يلف بعض المشاهد وحوار الشخصيات الملتبس أحياناً.

كان يمكن أن ينتهي الأمر ويُغلق الباب، لكن الفاعل أثناء هروبه خشية افتضاح أمره نسي وراءه سلسلة مفاتيح سيارته وهاتفه على المقعد، ومبلغاً من المال وضعه في أحد الأدراج، تفاصيل لاحقا تُسهم في إكمال الصورة، لكن منذ البداية تشي بأنها لم تكن محاولة سرقة وأنه كان أشبه بالدخول الآمن المتكرر، مما يُؤكد أحاديث الجيران عن السمعة السيئة للمرأة صاحبة الشقة. ومن تلك اللحظة يبدأ عماد رحلة البحث عن السيارة وصاحبها المجهول.  

النفس الخراب

الإذلال بالإهانة العلنية والاحتقار صار قرارا اتخذه عماد في سريرته وأصبح يُطبقِّه من دون رحمة أو شفقة كلما أٌتيحت له الفرصة ليُشعر أي مخطئ أو كاذب بالخزي والعار. هذه الرغبة الانتقامية من أين تفجرت وأين كانت كامنة؟ وهل يُصلح الانتقام الأمور والنفوس فيأتي بنتيجة إيجابية في كل المواقف من دون عواقب سلبية على الطرفين؟! أليس "لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه"؟! وهل سيخرج عماد نفسه بعد تلك المحاولات سالماً معافى الروح والسريرة؟ 

بعد جملة السيدة جارة عماد في الجراج بضرورة تعريض المخطئ للإذلال على الملأ، ستتفجر طاقة الشر والثأر في قلب البطل، فيبدأ في تطبيق ذلك على أحد طلابه، ثم مع زميله وهما يقفان على خشبة المسرح انتقاماً منه لأنه عندما رشّح لهما هذه الشقة الجديدة لم يخبرهما بالسمعة السيئة لصاحبتها، فيصفه أمام الجمهور – وبشكل خارج عن النص - بأنه جرذ، وبعد انتهاء المشهد يعاتبه الزميل ويطلب منه ألا يكررها لأنها إهانة ويهدده بأنه إذا كررها سيرد عليه على الملأ. ثم يأتي مشهد عماد مع الثأر والإذلال الأكبر بصحبة البائع الذي يُصر على أن يفضحه أمام عائلته فتقول له رنا في دهشة ورعب: "أنت ترغب في الانتقام!"، ثم تهدده إن أخبر أسرة البائع سيكون ذلك نهاية علاقتهما، فكيف يتصرف عماد؟   

عن الكذب يحكي "أصغر فرهادي" في أحدث أفلامه، عن الكذب الذي لا يخلو عملا يحمل توقيعه فيتخذ منه تكأة فنية بالغة المهارة والحنكة لتطوير فكرته وتصاعد أحداثه إلى الذروة غير المتوقعة والنفس الخراب

هنا أيضاً عبر سيناريو جديد مختلف يحكي عن الكذب الذي يمارسه الجميع في المجتمع الإيراني وربما العالم أجمع، فرنا كذبت عندما نفت أنها رأت وجه المعتدي، وعماد نفسه مارس الكذب مرات عدة مع زوجته ومع الآخرين، وحتى الطفل الصغير يكذب رغم سنوات عمره القليلة، إنه عمل سينمائي عن هذا المجتمع المتدين، بل المتطرّف في تدينه، والمتشدد إلى أقصى حد ومع ذلك يُمارس أفراده الكذب ليلاً ونهاراً، بقصد أو من دون قصد، أحياناً لحماية أنفسهم، وأحياناً بسبب الكسل، أو لتسيير أمورهم وتفادي تعنُّت الآخرين، أو لعدم الرغبة في فتح أبواب الجحيم عليهم، وأحياناً أخرى يُمارسونه لمساعدة الآخر من دون أي قصد سيء، فهل يتحول الكذب أو لنقل "الإخفاء والتخبئة" إلى رذيلة في جميع الأحوال؟!. وماذا عن شخصية زوربا اليوناني وأكاذيبه الصغيرة التي كان يُسعد بها الآخرين؟!   

بلاغة الميتافور 

الفيلم البالغ زمنه السينمائي ساعتين وخمس دقائق يبدأ من لقطات جميلة بإضاءة بعض من تفاصيل المسرح استعداداً لبروفة "موت بائع متجول"، ثم يعقبها الضجة المفاجئة لإخلاء العقار الذي يسكنه البطلين بسبب الشروخ التي أصابته، وأثناء ذلك نرى عماد وهو يساعد جيرانه في الإخلاء إذ يعود مسرعاً تلبية لنداء امرأة مُسنّة ليحمل ابنها الشاب العاجز عن الحركة، ثم تنتقل الكاميرا إلى جرافة تحفر عميقاً بجوار المبنى ثم نرى الشروخ وهى تضرب زجاج النوافذ أمامنا

من هنا يبدأ الميتافور عند فرهادي في أحدث أعماله السينمائية، فعملية نبش الزوج وحفره المتوالي أثناء استجواب المعتدي التي تخلّى فيها عن الرحمة والمغفرة وأغلق أبواب التصالح المشرعة أمامه كانت تماماً بكل نتائجها مثل ذلك المشهد الافتتاحي بالمنزل القديم المتصدِّع بنائه، والذي يعود إليه المخرج لاحقاً لتدور وقائع المشهد الانتقامي الأكبر للتأكيد على الرمزية التي يقصدها، فحياتهما كما ذلك البناء لم يهدم تماماً، لكنه أيضاً لم يعد صالحا للإقامة، لم تنهدم علاقتهما لكنها لم تعد – وربما لن تعود أبداً - كما كانت

الميتافور أيضاً يتجسد في اختياره لمسرحية "موت بائع متجول" لآرثر ميلر التي جاء عنوانها غير معرّفاً ليشمل كل بائع متجول، بينما جاء عنوان فرهادي مُعرفاً بأل التعريف لأنه كان يتحدث عن بائع محدد يتقاطع مع بائع ميلر في كونه إنسان من دون قيمة في نظر الناس، تماماً كما في المسرحية.

باستثناء اللقطات الأولى الخاصة بإخلاء المنزل يبدو الإيقاع متمهِّلاً وتسير الأحداث بوتيرة عادية هادئة وتقريباً لا يحدث أي شيء لافت على مدار نحو 25 ق من بداية الفيلم إذ تتوالى اللقطات التي تُقدِّم الشخصيات وتُعرِّف بها وتغرس تفاصيل تُمهِّد لما سيحدث لاحقاً، بعد ذلك يقع الحادث الذي يُغيِّر مجرى الأمور ويُطور الشخصيات فيكشف جوهرها، فيسير بقية العمل مرواحا بين الصعود والهبوط، بين التوتر والهدوء إلى أن يصل إلى الذروة غير المتوقعة، والتي تخللها قليل من لحظات البهجة والسعادة التي خففت من وطأة الحدث مثل وجود مشهد الطفل ومرحه الذي يدخل البهجة على قلب الزوجة فيبدل من مزاجها وبالتالي ينعكس الأمر على الزوج، فيضع الموسيقى ويظهر جانب آخر رومانسي لشخصيته أثناء مرحه مع الطفل، وغنائه، وذلك قبل أن يتعكر الصفو ثانية فيتوقفون عن الأكل ويلقون بالطعام في سلة المخلفات بسبب شبهة أنه "حرام" ونظرة الطفل الممزوجة بالفزع والخوف وعدم الفهم على وجهه وهو يتأملهما سوياً وردود فعلهما.  

يُميز بوضوح سيناريوهات أصغر فرهادي قدرته الفنية العالية الصدق على رسم شخصيات إنسانية تحمل بداخلها جوانب للخير لا تنفي وجود الشر الكامن في الأعماق، يُميزه أيضاً قدرته على استخراج لحظات الضعف الإنسانية والطيبة من دواخل الشخصيات الفاسدة. ولذلك لم يكن مثيراً للدهشة حصول فيلمه "البائع" على جائزة أفضل سيناريو من مهرجان كان التاسع والستين، لترتفع حصيلة الجوائز التي حصدها فرهادي حتى الآن إلى 74 جائزة و48 ترشيحاً - وهو لم يتجاوز الرابعة والأربعين من العمر - عن أعماله التي قدّمها للفن السابع ولازالت قابعة مترسخة في العقول والقلوب من قوة جمالها رغم الألم الذي تنثره على الشاشة الكبيرة ومنها "حول إيلي"، "مدينة جميلة" و"الماضي" و"انفصال" الذي نال وحده 77 جائزة منها أوسكار أفضل فيلم أجنبي 2012، وأربعة جوائز من مهرجان برلين السينمائي عام 2011 منها الدب الذهب، وجوائز عدة لبطليه، إضافة إلى 42 ترشيحا لجوائز أخرى.   

الجزيرة الوثائقية في

25.05.2016

 
 

محمد دياب لـ"المدن": مجرّد إنجاز "اشتباك" يُعدّ انتحاراً!

هوفيك حبشيان

افتتح "اشتباك" للمصري محمد دياب تظاهرة "نظرة ما" التابعة للاختيار الرسمي لمهرجان "كانّ" الذي عُقد من 11 إلى 22 أيار/مايو. ثاني أفلام دياب، ترك الكثير من الحبر يسيل في الصحافة، منذ الإعلان عن مشاركته في الحدث السينمائي الأشهر، وصولاً إلى تقرير مضلل بثّه التلفزيون المصري عن دياب قبل أيام يُعتبر تحريضاً ضدّه

"اشتباك" يصوّر الاشتباكات بين المتظاهرين والشرطة خلال الأيام الثلاثة التي تلت إطاحة محمد مرسي، صيف 2013 في مصر. خلال الاحتجاجات، تجري اعتقالات عشوائية، ويُزجّ المتهمون في عربة ترحيل. الفيلم بأكلمه يرينا الواقع المصري المعقد من هذه العربة، ليتحوّل تدريجاً إلى "ميكروكوزم" للمجتمع المنقسم على نفسه. إنّه نوع من مختبر لأفكار تناقَش نصف نقاش ويقاتل بعضها بعضاً نصف قتال، لينتهي كلّ شيء على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب". نجد في العربة "الأخوان" والسلفيين والمؤيدين للعسكر وآخرين. واللافت أنّه سواء كانوا ضدّ أو مع هذا الطرف أو ذاك، فإنهم جميعاً ماضون بالشاحنة إلى جهة مجهولة. بعضهم سيتعلّم رغماً عنه كيف يتعرّف إلى الآخر، وهذا لا يعني الانتصار بالضرورة لأفكاره. تبقى الكاميرا طوال 96 دقيقة داخل شاحنة "الداخلية": خيار إخراجي متماسك ومبرّر يلتزم به الفيلم، ويفضي إلى نصّ يحمل ثقلاً إيقاعياً معيناً

أنجز دياب فيلماً مساوماً (لا يروق للمخرج هذا الرأي ويقول إنّنا لا نعرف الواقع المصري)، ينتمي إلى السينما المجرّدة التي تتفادى الموسيقى والمؤثرات والميلودراما والأكشن المبالغ فيه، إنما تُمعن في التقاط فوضى الشارع وتتخبط في عذاب الضمير.

في "كانّ"، أصداء الفيلم كانت إيجابية إلى حدّ كبير، وفاز باهتمام الصحافة الغربية ليس لموضوعه فحسب، بل لرؤيته الاخراجية. عن تجربة "كانّ"، يقول دياب: "الناس سعداء بالفيلم، والعرب الذين أقابلهم يشعرون بالفخر حياله. الصحافة الأجنبية كتبت عنه بإيجابية والصحافة المصرية كانت أهدأ مما توقعتُ. كنتُ خائفاً، أما اليوم فأشعر بالسعادة. إنّها زيارتي الأولى إلى "كانّ"، وفيلمي يشارك في افتتاح "نظرة ما" والأصداء جيّدة. كلّ شيء يسير أفضل مما أتوقّع". 

.. وفي الآتي، مقابلة "المدن" مع سينمائي يرفض التعامل مع الواقع بمنطق الأسود والأبيض.

·        لماذا اخترتَ أن تصوّر في فيلمك حوادث الأيام الثلاثة بعد سقوط مرسي؟ 

- أمضيتُ نحواً من خمس سنوات وأنا أفكّر بالفيلم الذي أودّ إنجازه عن ثورة أعتبر نفسي جزءاً منها. كلّما خطرتْ لي فكرة وهممتُ بكتابتها، وجدتها قد أصبحت قديمة. شعرتُ باشتباك قوي في الأحداث، حدّ أنني لم أدرِ كيف أعبّر بوضوح عن نفسي. أخي خالد، طرح عليَّ الفكرة فأعجبتني كثيراً. قلتُ له: تعالَ ننفّذها معاً! شعرتُ أنّها عوض أن تعبّر عن وجهة نظري الشخصية، ستعبّر عن وجهة نظر كلّ المصريين. تدرك شعوب الشرق الأوسط جيداً أنّ هذه المنطقة مقسّمة فكرياً. البعض يقول إنّ ما جرى ثورة، والبعض يرفض هذه التسمية، والآراء تختلف. أخيراً لاحت فكرة تتحدّث عن الانقسام المجتمعي وحاجة الناس إلى رؤية بعضهم البعض في شكل أوضح. رغم أنّ الفيلم مكتوبٌ منذ نحو ثلاث سنوات، فهو يعبّر جيداً عن الأوضاع اليوم في مصر.

·        قلتَ أنّه من الصعب على المصريين تقبّل الفيلم، فهل كان من الصعب أيضاً تصويره، خصوصاً أنّ الشارع كان حاضراً ولا بدّ من أخذ تصريحات؟

- الفيلم في مصر خلال الكتابة شيء، وأثناء تصويره شيء آخر. المشكلة أولاً في الرقابة؛ ثانياً في احتمال أن توقفه الحكومة في حال تسبّب بمشكلة، وثالثاً في الرعب الذي يكمن داخل الفنان المصري، إذ في إمكان أيّ كان رفع دعوى عليه والتسبّب بسجنه. لا أنسى سجن المؤلف أحمد ناجي اليوم، ولا حتى رفع ستّ دعاوى ضدّي في السابق. أن تنجز فيلماً كهذا، فيما مصر تغرق في مآزقها الداخلية، هو في ذاته إنجاز. لن تكون هنا أمام احتمالين: الأبيض والأسود. أتى الفيلم يحاول طرح تيمة الأنسنة، فيما تهمة الخيانة تأتيكَ من الجميع، لا من مجرّد طرف، ويظهر الآخر أمامك شرّاً مطلقاً. سيكون الفيلم عادلاً وحقيقياً إن مَسَّ الجميع بالنسبة ذاتها. أتمنّى ألا يمسّ كثيرين، لكني بدأتُ أسمع بأنه يفعل. سيشعر المصريون بالفيلم أكثر من سواهم. الذين في الخارج سيرونه محايداً.

·        الفيلم إنسانيٌّ بخلفية سياسية لا يمكن إنكارها، كيف استطعتَ خلق هذا التوازن؟ وهل نسيتَ كونكَ جزءاً من الثورة أثناء التصوير وحافظتَ فقط على دوركَ كمخرج؟

- تطلّب تحقيق التوازن جهداً كبيراً خلال الكتابة. صوتي موجود في الفيلم، فحاولتُ قدر الإمكان ألا أجعله طاغياً. من المؤكد أنني أميل إلى الناس. الثورة عندي ليست أفراداً، بل هي قيم حقوق الإنسان والديموقراطية والمكان المتاح للبشر غير المنادين بالعنف. هذه وجهة نظري في الثورة، وهذا الكلام الذي ينتصر له الفيلم فكرياً بطريقة بسيطة من دون زعيق. الفيلم عن الإنسان في الثورة، وليس عن الثورة نفسها، لا تهمّه الايديولوجيات أو مَن يؤيّد "الأخوان" ومَن يؤيد الجيش. هذا ما يجعله قابلاً للإسقاط على الخلافات في فنزويلا أو أوكرانيا مثلاً.

·        وجدتُكَ أكثر حضوراً في شخصية الصحافيَيْن…

- هذا مؤكّد! هذان الصحافيان مستوحيان من شخصيتين حقيقيتين: الأول محمد فهمي، الصحافي الذي اتُهم بخلية الـ"ماريوت" واضطر للتنازل عن جنسيته المصرية للإفراج عنه، والثاني المصوّر شوكان المسجون منذ ثلاث سنوات من دون محاكمة لأنّه صوَّر الأحداث بلا انحياز.

·        فكرة التصوير من داخل العربة طوال الوقت، بدت بمثابة تحدٍّ. برأيي، لقد كسبتَ الرهان لوجود مبرّر درامي قوي للتصوير الداخلي، واستطعتَ المحافظة عليه حتى النهاية من دون أن تنتقل الكاميرا إلى الخارج. هل هذه كانت فكرة الفيلم منذ البداية؟

- رافقتني هذه الفكرة منذ التصوّر الأول للفيلم. أردتُ تجربة الاختناق أن تنتقل إلى الناس. سأخبرك شيئاً: أخاف جداً من الأماكن المغلقة. لو كنتُ في داخل العربة لمتُّ. تخيّل هذا الشعور. خوفي من الاختناق يفوق خوفي من الموت. في الفيلم أردتُ التخلّص من خوفي. أشعر بتحدٍ إخراجي يلحّ عليّ بالذهاب إلى أماكن لم أجرّبها.

·        لكنّ الفيلم لم يُصوَّر في شاحنة، بل في ستوديو، أليس كذلك؟

- لا، صُوَّر في شاحنة تمّ بناؤها بأبعاد حقيقية، لا في ستوديو. لاحقاً، تمّت الاستعانة بالشاشة الخضراء لإنجاز بعض المراحل. وكنا أيضاً نقسّم اللقطة إلى جزءين، إن وجدنا صعوبة في التقاطها دفعة واحدة. الكاميرا لم تعرّج إلى الخارج ولم تفتح معه أيّ جدار. ثمة التزام كامل بالأبعاد.

·        أعجبتني كثيراً مَشاهد الاشتباك بين المتظاهرين والشرطة، فيها رؤية سينمائية وواقعية لافتة. أخبرني عن هذه المشهدية، هل كان من الصعب إنجازها بظلّ الظروف في مصر؟

- نصَّت الخطة الرقم واحد أن يكون التصوير مغلقاً ويتمّ كاملاً في مدينة الإنتاج. ثم كبر الحلم ورحنا نفكّر باستراتيجية مختلفة. بحثتُ مدّة عام تقريباً عن أماكن تبدو في منتصف المدينة. بقي المكان المركزي حيث أنا منعزلاً، وكيفما استدرتَ يميناً أو يساراً تشعر بأنك في الوسط. تطلّب الأمر وقتاً للعثور على المكان المناسب، فقمنا بما يُسمّى "فلاش موب"، أيّ التصوير فجأة وبسرعة. التخوّف الأكبر كان الظنّ بأننا في تظاهرة حقيقة فينهال أحد علينا بالضرب أو إطلاق النار. أحد الأشخاص في فريقي طُعن، فيما ضُرب مدير الإنتاج وتحطّمت سيّارته. لم يفهمنا بعض الناس وأرادوا الاشتباك معنا. الذين مثّلوا دور المتظاهرين كانوا مقتنعين بأنّ ما يفعلونه ليس مجرّد فيلم. ما جعل المشهد حقيقياً هو عدم الاحترافية. يصبح الضرب حقيقياً فور النطق بكلمة "أكشن"، ويتطلّب الأمر نحو 15 دقيقة ليقفّ بعد سماع كلمة "كات". حملتُ مكبّر الصوت ووقفتُ بينهم لمحاولة تفريقهم. إلى هذه الدرجة كان المشهد حقيقياً.

·        بعد نحو نصف ساعة من الفيلم، يتحوّل موضوع الشاحنة إلى ما يتراءى صورة مصغّرة عن مصر، حيث على الناس التعايش بعضهم مع بعضهم الآخر، وإلا لا وصول. كيف عملتَ على هذه الاستعارة، وهل كانت في بالك منذ البداية؟

- للأسف، فرضتُ على نفسي هذه المعادلة. في اختياري العربة، علمتُ أنّها ستُقرأ على أنّها مصر، وهذا جعلني أفكر ملياً. الوضع مشتعل والحوادث تُقرأ بمبالغة، فيلاحقكَ هذا السؤال: "ماذا تقصد؟". أعجبتني قراءتك للفيلم وقولك أنّه ينبغي على الأفلام العربية التحلّي بالمزيد من الشجاعة. أنتَ لا تعيش في مصر: مجرّد إنجاز هذا الفيلم يُعدّ انتحاراً! امتنعتُ طوال سنتين عن كتابة رأيي السياسي ومقابلة أحد. لا لأنّني هُدّدت، بل لأنّه في ظلّ الاشتعال لا يمكن إنجاز فيلم قائم على منطق الأبيض والأسود. أنسنة الآخر تُعتبر جريمة، والمصالحة تعني الخيانة. بلى، إلى هذه الدرجة. باعتباري جزءاً من الثورة، أردتُ إنجاز الفيلم الأخير المرتبط بها رغم خطر أن تُرفع عليَّ دعوى وأُسجن. أردتُ الراحة لضميري. لم أشعر بالأمان أثناء إنجاز الفيلم وظلّ همّي أن يوصف بأنّه محايد أكثر من أن يلاقي إعجاباً. آلمني أنّ تقريراً كاملاً عُرض عبر التلفزيون المصري اتهمني بالخيانة. آلمني جداً.

·        لكنّك فنان، وليس بالضرورة على الفنان التزام الحياد، ألم تجد نفسك مضطراً للتنازل وتقديم ما يُرضي الجميع؟

- لو أنجزتُ فيلماً يتحدّث عن الثورة، لقلتُ رأيي بوضوح من دون خوف. للأمانة، فيلمي هذا ليس عن الثورة فحسب. فيه ما هو أعمق. لو قلتُ رأيي بوضوح، سيبدو أنني أعبّر عن طرف ضدّ آخر. جزء من سكوتي في العامين الماضيين هدفه ألا يُقال "لا تشاهد فيلم محمد دياب المعروف أنّه مع الثورة". أريد للآخر أن يرى نفسه أولاً ليتمكّن من رؤية سواه. لو كان للفيلم اتجاه مغاير يتطلّب شجاعة أخرى، لاختلف الوضع. هو عن الانقسام واللحظة الجميلة في داخل الثورة حين شكّل الجميع كياناً موحّداً، ولم أجده يستدعي مقاربة أخرى.

·        بمجرّد أنك تُظهر بطش السلطة، سيُقال أنّك ضدّ العسكر.

- أرسلتُ يوماً فيلماً إلى الرقابة اعتبره كثيرون مع النظام. رجال الشرطة يطلبون قراءة الصفحات المتعلّقة بهم، ولا يبدون اكتراثاً لسياق الفيلم. أحاول قدر المستطاع النظر في دوافع كلّ شخص. إن رأيتَ ضابط شرطة يضرب أحدهم في مشهد منفصل، ستجزم بأنه عنيف وقاسٍ. لكن تابع المشهد في سياقه، وسترى ما الدافع خلف ذلك، من غير أن أعني بأنه لم يمارس العنف. في نهاية الفيلم، عندما يعلن رجل انضمامه إلى "داعش"، نبلغ ذروة السوداوية، ولكن ما هي دوافعه وماذا يريد؟ فهم ذلك يشكّل خطوة نحو الحلّ ومعرفة على أيّ الأسباب تقوم المجتمعات المنقسمة.

·        فلنعد إلى التوازن: أجدكَ اخترتَ نموذجاً "طيّباً" من كلّ شريحة: الشرطي الذي يساعد فتاة في دخول الحمام، المسيحي، حتى الأخواني الطريف…

- تعمّدتُ خلال الكاستينغ اختيار أشخاص وجوههم ليست حادة. محاولة أنسنة الآخر في ظلّ توتّر الوضع ليست مهمّة سهلة. ثمة شكل يؤطّر الأخواني ورجل الأمن، واسمح لي أن أدّعي بأنّ فيلمي من الأفلام القليلة التي أنسنت هذا الإطار. الشخص الطريف الذي تحدّثتَ عنه مستوحى من شخصية حقيقية، وهو الآن لا يمانع العنف والقتل والفرار إلى الخارج. أظهرتُ تطوّر الشخصية، حتى راح يردّد في النهاية أنّ القصاص يكون بالرصاص. من هنا أعود إلى التوازن. بقدر ما أنسنته، حاولتُ إعطاءك الدفعة الأخيرة لشكله. الأنسنة ممكنة، ولكن لا توجد إجابات سهلة. عليّ فهم مبررات الرجل الذي يقرّر الالتحاق بـ"داعش"، ليس بغرض مجاراته على الإطلاق. لم أتمنَّ يوماً إنجاز أيّ فيلم على قاعدة أبيض أو أسود. حتى باشكالية التحرّش المرفوضة كلياً، والتي يستحقّ مرتكبوها عقاباً، علينا أن نفهم الدوافع وهذا ما قدمته في فيلمي السابق "٦٧٨".

·        بالنسبة للإضاءة، في أحيان تساءلتُ عن تسلّل الضوء إلى الشاحنة. الضوء قوي بعض الشيء…

- حاولنا البقاء حقيقيين، فكان للنور مصدران عبارة عن لمبتين في أول العربة وآخرها. النور والظلمة حاضران بشكل قاسٍ. تعمّدت التنوّع والاختلاف، وكون الفيلم صُوِّر في مكان واحد، حاولنا قدر المستطاع تقديمه بشكل مختلف. حتى اختلاف شكل الليل كان مقصوداً. تطلّب العمل على الإطار البصري للفيلم وقتاً طويلاً. كانت الفكرة أولاً أن يُصوّر نهاراً، ثم خطر في بالي التصوير ليلاً ليتميّز الفيلم باختلاف بصري. شكّلت فكرة اللايزر مرحلة، والضوء المنقسم مرحلة أخرى، كما شكّلت الظلمة مرحلة والنور الجامد مرحلة، كلّ منها مختلفة بصرياً عن بعضها الآخر لئلا يسود الملل وتشعر بأنّ عينيك تؤلمانك من فرط النور أو الظلمة.

·        يُحكى أنّ أحد منتجي الفيلم أخواني أو داعية إسلامي..

- أولاً، الفيلم يتكلّم عن نفسه؛ وثانياً، فيه تقسيم للإسلاميين على عكس ما يدّعي بعض المثقفين العرب بأنّهم جميعاً تصنيف واحد. في العربة ثمة الإسلامي والأخواني والسلفي والمؤيد والمحبّ والجهادي والذي التحق بـ"داعش". أما بالنسبة إلى المموّل معزّ مسعود، فدعني أخبرك عنه. بيننا صداقة عمرها 12 سنة، منذ أن كنتُ موظفاً في مصرف حيث كان يسكن في الطبقة العليا. وتجمعنا صداقة فنية أيضاً كوني أكتبُ الأغنيات وهو يلحّنها. معزّ فنان، أنجزنا منذ نحو السنتين مسلسلاً تشبه قصّته قصّة الفيلم ولكن من دون عربة. يؤمن كثيراً بالسينما ولا يروقه وصف "داعية إسلامي". يحمل رسالة حبّ للجميع ويتقبّل الآخر، وهذا الأهم. علاقتي فيه ليست جديدة، ونحن منذ مدّة نخطّط لإنجاز فيلم معاً، حتى أنني شاركتُ سابقاً في إعلان كان هو مخرجه.

·        ما الحلّ الذي تراه ممكناً في مصر؟

- لو كنت أملكُ الإجابة لأصبحتُ منذ الغد رئيساً للجمهورية! أنا من المؤمنين بقيم الإنسانية في كونها الأكثر قدرة على حكم اختلافات البشر، أقلّه حتى اختراع وسيلة جديدة. ما أريده لمصر هي الديموقراطية وحقوق الإنسان والحرية والمكان المتاح للجميع طالما أنّهم يتقبّلون الديموقراطية ولا ينادون بالعنف.

·        أنتَ ضدّ العنف؟

- أنا ضدّ العنف بالمطلق، كذلك الفيلم وآرائي. لا أعتقد أنّ ثمة فناناً يؤيّد العنف. قد تجدني أبالغ، لكنني أعتبر نفسي غاندي.

·        بعض التغيير قد يستلزم العنف..

- أنا لا أنكر ذلك على الآخرين، لكن لديّ طريقتي وأنا أرفض العنف. مَن يتابع أفلامي يدرك مدى رفضي تقييم الناس وفق منطق الأبيض والأسود. أنا رجل حسّاس لا أكره أحداً، وأحمل تعاطفاً حيال الإنسانية بقدر لا يتخيّله أحد.

المدن الإلكترونية في

25.05.2016

 
 

محمد دياب:

توقعت مهاجمة «اشتباك» وفيلمي المقبل خيال علمي

الوكالات ـ «سينماتوغراف»

تحول الفيلم المصري «اشتباك» الذي يحاول معالجة قضية الاستقطاب داخل المجتمع ونبذها إلى مادة للجدل وتعرض صناعه للانتقاد حتى قبل عرضه جماهيريا ليصبح هو ذاته محل استقطاب خاصة بعد مشاركته في أكبر مهرجان سينمائي دولي.

وقال المخرج المصري محمد دياب إنه منذ شروعه في صنع فيلم «اشتباك» كان يتوقع أن يكون هناك من يعجب بالفيلم ومن لا يعجبه لكن الغريب هو أن حالة الجدل والنقاش بدأت فور عرضه في مهرجان كان السينمائي هذا الشهر.

وعرض فيلم «اشتباك» في افتتاح قسم «نظرة ما» بالدورة 69 للمهرجان التي أقيمت في الفترة من 11 إلى 22 مايو أيار.

وتدور أحداث الفيلم -وهو الثاني لدياب بعد (678) في عام 2010- خلال يوم واحد داخل سيارة ترحيلات للشرطة وسط المظاهرات التي أعقبت عزل الرئيس المصري محمد مرسي في 2013 وبداخلها معتقلون من توجهات سياسية وفكرية مختلفة.

ومما لفت الانتباه للفيلم مشاركة الداعية الإسلامي المصري معز مسعود في إنتاجه -وهو أمر غير شائع في المجال السينمائي المصري- بالتعاون مع المنتج محمد حفظي وعدة جهات أخرى.

ورغم عدم عرض الفيلم في مصر بعد إلا أنه تعرض لانتقادات من وسائل إعلام رسمية اتهمت المخرج «بتقديم صورة مشوهة للمجتمع المصري» بتصوير مصر كسجن كبير ممثلا في عربة الترحيلات والدعوة من خلال الفيلم «للتصالح مع جماعة الإخوان المسلمين».

لكن نقابة المهن السينمائية والاتحاد العام للنقابات الفنية وجبهة الإبداع ساندوا المخرج الشاب في بيان وأعربوا فيه عن «دعهمم وفخرهم لفريق فيلم اشتباك وحقهم في العمل والتعبير الإبداعي الحر».

وقال دياب «كنا أمام اختيارين عندما جاءت هذه الفكرة لأخي خالد دياب .. إما أن نصنع هذا الفيلم الآن أو نؤجله لوقت لاحق. اختيارنا كان أن هذا هو أفضل توقيت لصنعه».

وأضاف «كل من شاهد الفيلم في مهرجان كان من النقاد أشادوا بأنه محايد تماما ولم ينحز إلى طرف على حساب آخر إنما انحاز للإنسان ولم يناقش سياسيا من على صواب ومن خطأ».

وتابع قائلا «لكن هل يعني هذا أننا لن نهاجم؟ سيهاجمنا من يؤيد الإخوان ومن يؤيد الثورة وغيرهم.. أنسنة الآخر وسط حالة الاستقطاب جريمة وهي جريمة نحن مدانون بها ونفخر بها».

وتتوزع البطولة بين 23 ممثلا في مقدمتهم نيللي كريم وهاني عادل وطارق عبد العزيز وأحمد مالك فيما يمثل الفيلم للبعض الآخر التجربة الأولى.

وأشار دياب إن الفيلم نال إشادة كبيرة من النقاد والمشاهدين في مهرجان كان السينمائي وأن مجلة (هوليوود ريبورتر) صنفته ضمن أفضل عشرة أفلام بالمهرجان وهو ما يعتبره دافعا معنويا كبيرا في حد ذاته رغم عدم تتويج الفيلم بأي جائزة.

وقال «على المستوى الشخصي هناك سؤال دائم يدور داخل كل فنان .. هل أنا موهوب أم لا؟ ووجودي في مهرجان كان يعني بالنسبة لي أني فنان جيد وهي شهادة كنت أحتاجها كإنسان وفنان».

وأضاف «مع ردود الفعل الإيجابية في المهرجان واختيار المنظمين عرض الفيلم في افتتاح قسم نظرة ما كنت أحلم بالفوز بجائزة .. لكن في النهاية الأمر يخضع لتقييم لجنة التحكيم وأعتقد أن الجائزة الحقيقية التي نلناها هي إشادة النقاد والمقالات النقدية الإيجابية ورأي الجمهور».

وضم قسم (نظرة ما) هذا العام 18 فيلما من اليابان وإيران وروسيا وإيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة وتكونت لجنة التحكيم من خمسة أشخاص برئاسة الممثلة السويسرية مارت كيلر.

وعن توقعاته بشأن استقبال الجمهور في دور السينما للفيلم قال دياب «الفيلم به عناصر الفيلم الجماهيري فهو ممتع وسريع وبه ضحك وشخصيات متنوعة .. لكن هل ستقبل الناس على مشاهدته في السينما هذا سؤال لا أملك إجابته الكاملة».

وأضاف «أتمنى أن تتغلب الناس على فكرة أن الفيلم يتحدث عن اشتباكات ومظاهرات لأن الفيلم أعمق من هذا لذلك نراهن على من سيشاهد الفيلم وأن يحكي من يشاهد لمن لم يشاهد وتتضح الرؤية أن الفيلم بعيد عن الكآبة والعنف بل هو فيلم إنساني».

ومن المتوقع طرح «اشتباك» في دور السينما المصرية في أغسطس آب.

وعن عمله القادم قال دياب «خيال علمي.. أعمل في السينما لأني أحب هذه المهنة وهدفي تقديم أعمال مختلفة وجديدة».

وأضاف «فيلم اشتباك تكلف نحو مليون دولار وصور في 26 يوما .. وبعد تقديمه أصبحت هناك جهات كثيرة متحمسة للإنتاج لنا».

وعن مدى صعوبة تنفيذ هذا المشروع قال دياب «الفكرة بالنسبة لي كمبدع هي.. احلم وبعدين فكر في المنطق لتحويل هذا إلى حقيقة».

سينماتوغراف في

25.05.2016

 
 

مهرجــان كـان يعبــر بســـــلام.. ونجمـات العالــم تألقـن

محمود موسى

مرت أيام مهرجان كان السينمائى الدولى بسلام وحضر المهرجان نجوم ومخرجو العالم ورواد باعداد كبيرة رغم حالة التأهب الأمنى التى واكبت فعاليات الدورة 69 للمهرجان التى اختتمت الاحد الماضى تخوفا من هجمات ارهابية جديدة بعد التى شهدتها باريس فى نوفمبر الماضى.

وكعادة كل عام كانت لنجمات العالم اللاتى حرصن على الحضور إطلالاتهن المميزة فخطفن الأنظار، ومنهن جوليا روبرتس وجوليان موروكريستن دانست والهندية سونام كابور>

كانت المغرب حاضرة يوم تتويج الجوائز فحلصت المخرجة هدى بن يمينه على الكاميرا الذهبية عن فيلمها "الهيات" وعرض الفيلم فى إطار تظاهرة "أسبوع المخرجين". يروى الفيلم قصة "دنيا" التى تعيش فى حى من أحياء الضواحى التى يسيطر عليها المتشددون االإسلاميون وومليء بكل أنواع التجارة غير الشرعية وقالت هدى بنيامينا إن فيلمها "يتجاوز قمقم الضاحية المعتاد ليسائل الإنسانى والمقدس والسياسى فى مجتمعنا" وهذه هى المرة الاولى التى يفوز بها مخرج عربى أو من اصول عربية بجائزة الـ«كاميرا الذهبية». ومن شده فرحتها بالجائزة اطلقت «زغرودة» وتمنت ان يكون للنساء دور اكبر فى صناعة الافلام.

وفاز فيلم "أنا دانيال بلايك" للبريطانى كان لوتش بالسعفة الذهبية الثانية ،وسبق وفاز بها عام 2006 عن "تهب الرياح. أما الجائزة الكبرى فكانت من نصيب الشاب الكندى كزافييه دولان عن فيلم "قط نهاية العالم"، وفازت الفيلبينة جاكلين خوسيه بجائزة أفضل ممثلة عن فيلم "ما روزا" وحصلت ايران على جائزتين فنال المخرج أصغر فرهادى على جائزة أحسن سيناريو عن فيلم "البائع" ونال شهاب حسينى جائزة أحسن ممثل عن دور البطولة. اما جائزة الاخراج تقاسمت بين فيلم "المتسوقة الشخصية" للفرنسى أوليفييه آساياس و"باكالوريا" للرومانى كريستيان مونجيو..وفازت البريطانية أندريا أرنولد بجائزة لجنة التحكيم للمرة الثالثة وكانت الأخريين عام 2006 و2009. ويجمع فيلمها الفائز "العسل الأمريكى وترأس لجنة التحكيم هذا العام المخرج الأسترالى جورج ميلر.

قطر تسيطر على مهرجان كان... أيضا!!!

حصلت العديد من الافلام التى تدعمها مؤسسة الدوحة للافلام على جوائز فى الدورة 69 لمهرجان كان السينمائى الدولى الذى انتهت فعالياته الاحد الماضي.

وكانت مؤسسة الدوحة للأفلام دعمت عددا من الافلام وفاز اربعة منها بجوائز ، منها جائزة أفضل سيناريو و أفضل ممثل للفيلم الايرانى "البائع" الذى شاركت المؤسسة فى تمويله ، كما فاز فيلم "الرائعات"، للمخرجة المغربية الاصل هدى بن يمينة بجائزة الكاميرا الذهبية ، كما فاز فيلم "ميموزا" بجائزة نسبرسو الكبرى من لجنة التحكيم فى أسبوع النقاد، و فاز فيلم "جزيرة الألماس" بالجائزة المقدمة من نقابة كتاب سيناريو الأفلام الفرنسية.

فاطمة الرميحى الرئيس التنفيذى للمؤسسة، اعربت عن سعادتها بحصول الأفلام التى دعمتها المؤسسة على هذا التقدير فى حدث سينمائى رائد مثل مهرجان كان. وقالت فى تصريحات نقلتها وسائل اعلامية ان حصول الافلام على جوائز دليل على جودة الأفلام التى ندعمها".

الجمهورية المصرية في

25.05.2016

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)