كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

«الشرق الأوسط» في مهرجان برلين (5)

توزيع الجوائز المستقلة...

وفوز الفيلم السعودي «بركة يقابل بركة»

برلين: محمد رُضا

مهرجان برلين السينمائي الدولي السادس والستون

   
 
 
 
 

الموجة الأولى من حفل توزيع الجوائز بدأت ظهر أمس السبت، والمفاجأة الطيبة الكبرى هي فوز الفيلم السعودي «بركة يقابل بركة» بالجائزة الكبرى من اللجنة التي تختار الأفلام التي سترشح لجائزة «الاتحاد الأوروبي» في دورتها المقبلة في 10 ديسمبر (كانون الأول) هذا العام.
الفيلم، الذي عرض في قسم «فورام»، من إخراج محمود الصباغ، وهو كان عاد إلى جدّة، لكنه بعث برسالة يشكر فيها المهرجان ويقول: «في العام الماضي حضرت مهرجان برلين كزائر. في هذا العام عدت إليه مخرجًا لهذا الفيلم، وما أتمناه لنفسي هو أن أستمر في صنع أفلام إنسانية تهم العالم بأسره».

اللجنة ذاتها منحت الفيلم القصير «رجل يعود» للفلسطيني مهدي فليفل، جائزتها في هذا القسم، وجائزتها في قسم المسابقة الرئيسية للإيطالي جيانفرانكو روزي عن «نار في البحر» الذي لفت فيه الانتباه إلى حياة جزيرة صغيرة في الجنوب الصقلي من إيطاليا حيث تحط المراكب التي تنقل اللاجئين الآتين من سواحل أفريقيا وبعض آسيا.

الجوائز المستقلة عبارة عن جوائز المؤسسات السينمائية غير المنضمّة إلى هيكل المهرجان الرئيسي، ولذلك يُقام لها حفل خاص ومستقل مخصص لرجال الإعلام. وقد سألت رئيس المهرجان عن السبب وراء اختيار اسم «المستقلة» لهذه الجوائز، فأجاب:

«أولاً هي مؤسسات مستقلة بالفعل تعمل خارج إدارة المهرجان، وكان اسمها المعتمد سابقًا (الجوائز الهامشية)، لكني عندما أتيت لهذا المنصب استبعدت ذلك الوصف، لأنه لا يعكس القيمة الحقيقية للجائزة».

صمت قليلاً، وأضاف: «الآن يتساءل بعض أعضاء لجنة التحكيم الأخرى عما إذا كان ذلك اللقب يعني أن اللجنة الرسمية ليست مستقلة. طبعًا هذا ليس صحيحًا.. هي أيضًا مستقلة، لكنها لجنة رسمية لا تتبع أحدًا».

بلغ عدد اللجان التي وزعت جوائزها في قاعة مليئة برجال الإعلام والمصوّرين والنقاد، 8 لجان؛ وإحدى أهمها، إن لم تكن أهمها بالفعل، لجنة «الاتحاد الدولي لنقاد السينما» («فيبريسكي» للاختصار) لأنها تضم نقادًا متخصصين من كل أنحاء العالم.

وتألفت اللجنة التي شاركت في هذا المهرجان من تسعة أفراد، قادهم رئيسا الناقد محمد رُضا ممثلاً صحيفة «الشرق الأوسط»، وضمت أعضاء من ألمانيا وإيطاليا وهونغ كونغ وبيرو ورومانيا وكوبا وأستراليا، وهي منحت جوائزها في الأقسام الثلاثة: «ذا فورام» و«بانوراما» و«المسابقة الرسمية» لثلاثة أفلام، هي حسب هذا التتابع: «الثورة لا يمكن بثها تلفزيونيًا» للمخرجة الأفروأميركية راما ثيو (فورام)، و«ألويس» لتوبيا نويل (بانوراما)، و«موت في سراييفو» لدنيس تانوفيتش (المسابقة الرئيسية).

حيا المخرج البوسني الذي عاد إلى برلين لحضور هذا الحفل والحفل المسائي، مؤسسة «فيبريسكي» مازحًا بأن هذه هي المرّة الوحيدة التي يسعد المخرج فيها أن يقدر النقاد فيلمه. حين سألته، كجزء من مقابلة طويلة، عما سيكون شعوره لو فاز بالجائزة الرسمية في برلين هذا العام، قال: «لقد فزت مرّتين هنا من قبل، لذلك أعرف أنني بالطبع سأكون سعيدًا، لكني لن أستبق النتائج. سأرى ما ستأتي به لجنة التحكيم أولاً».

وبالنسبة للنتائج الرسمية التي ستعلن بدءًا من الساعة السابعة، إلا إذا تأخر الحفل قليلاً، فإن الموازين تبدو حتى هذه اللحظة متساوية؛ إذ يقف على صف واحد من الاحتمالات الفيلم الإيطالي «نار في البحر» لجيانفرانكو روزي (إيطاليا)، و«موت في سراييفو» لدنيس تانوفيتش (البوسنة)، و«ذا كوميون» لتوماس فينتربيرغ (الدنمارك/ السويد)، وربما «أن تكون في السابعة عشرة» لآندريه تاشينيه. والفرس الأسود، إذا ما كان هناك فرس أسود، قد يتمثل في الفيلم التونسي الذي استقبل جيدًا من النقاد والحضور، وهو: «بنحبك هادي» للتونسي محمد بن عطية. 

الممثل الفرنسي ديباردو يهاجم فيلم «ذا ريفينانت»

انتقد جورج كلوني لانخراطه في العمل السياسي

برلين: «الشرق الأوسط»

هاجم الممثل الفرنسي المخضرم جيرارد ديباردو صناعة السينما في هوليوود، لأنها تلعب دوما في مساحة الأمان، وانتقد الممثل جورج كلوني لانخراطه في شؤون السياسة، فيما ظهر الممثل في مهرجان برلين السينمائي للترويج لفيلمه الجديد.

وأشار ديباردو، الذي كان يتحدث في مؤتمر صحافي أعقب عرض فيلمه «سينت آمور» الذي يلعب فيه دور مزارع، إلى أن كلوني التقى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في برلين الأسبوع الماضي لمناقشة أزمة اللاجئين.

وقال: «رأيت أن كلوني أراد أن يقابل السيدة ميركل. أشعر بالقلق من أن يكون اللقاء مضى بشكل سيئ. إنه لأمر جيد الآن أن تكون ممثلا وعالما بيئيا وسياسيا. يمكنك القيام بكل شيء».

وانتقد ديباردو أيضا فيلم «ذا ريفينانت» الذي يقوم ببطولته الممثل الأميركي ليوناردو دي كابريو ويلعب فيه دور صياد ينجو من هجوم دب عليه ويقوم برحلة مذهلة وسط الغابات والثلوج لينتقم لمقتل ابنه. والفيلم من أهم المنافسين في ترشيحات جوائز الأوسكار، وقد يحمل لبطله أول جائزة «أوسكار أفضل ممثل».

وقال ديباردو في إشارة إلى المشاهد العنيفة في الفيلم والتقارير عن أن الممثلين اضطروا للعمل في ظروف شاقة: «الأمر مختلف بعض الشيء عما هو عليه في السينما بوجه عام في الوقت الراهن».

وتابع قوله: «بالنظر إلى الأوسكار، فإن فيلم (ذا ريفينانت) وطاقم الإنتاج المسؤول عنه والتدفئة في مواقع التصوير وكل هذه الضجة بشأن (تغطية أنفسهم بالقاذورات).. أنا واثق بأن القاذورات كانت معطرة وأنت مغطى بوحل معطر وتمت تدفئته».

الشرق الأوسط في

21.02.2016

 
 

مفاجأة رائعة من السعودية.. كوميديا ساخرة فى حب تقدم الوطن

بقلم: سمير فريد

«الملتقى» هو البرنامج الموازى المستقل فى مهرجان برلين، والذى تواكب مع برنامج «نصف شهر المخرجين» فى مهرجان «كان» بعد ثورة الشباب فى مايو ١٩٦٨، والتى نشبت فى باريس أثناء انعقاد المهرجان، وكان لابد أن تغير مهرجان «كان» وكل المهرجانات كما غيرت كل العالم.

تميز «الملتقى» بعرض الأفلام المجددة التى تختلف عن الأفلام السائدة بدرجات متفاوتة. ولأول مرة فى تاريخ البرنامج، تضمنت دورة ٢٠١٦ فيلماً تقليدياً تماماً، ولكنه فى نفس الوقت يعتبر من الأفلام «الثورية» بامتياز.

إنه الفيلم السعودى «بركة يقابل بركة» إخراج محمود صباغ، الذى ولد فى جدة عام ١٩٨٣، ودرس السينما فى نيويورك، وهذا فيلمه الأول. وترجع أهمية الفيلم إلى أنه أول فيلم روائى طويل يصور فى شوارع جدة، وفى بلد تعتبر فيه السينما من المحرمات، والبلد الوحيد فى العالم الذى لا توجد به دور لعرض الأفلام. وفضلاً عن ذلك فالفيلم كوميديا انتقادية ساخرة بجرأة كبيرة وحس إنسانى عالٍ، وتفيض بحب تقدم الوطن.

هذا الفيلم نتاج الثورة التكنولوجية حيث تعتبر السعودية من أكثر البلدان التى تنتشر فيها وسائل الاتصال الاجتماعى، وهو أمر منطقى بحكم الطابع المحافظ للمجتمع، وتحول تلك الوسائل إلى أسلوب للتعبير الحر من دون قيود. وقد بدأ محمود صباغ حياته فى الفن مخرجاً على «يوتيوب»، وأشهر أعماله الأغنية التى تسخر من منع النساء من قيادة السيارات فى السعودية، والتى أنتجت عام ٢٠١٣، وحققت ١٣ مليون مشاهدة.

أخرج «صباغ» الفيلم وكتب السيناريو، كما قام بإنتاجه، فهو مؤلف سينمائى يسيطر على عمله سيطرة تامة. وقام بالدور الرئيسى هشام فقيه الذى اشترك فى تمثيل الأغنية المذكورة، ويعتبر من نجوم عالم «يوتيوب» بين الشباب السعودى، واشتركت فى التمثيل فاطمة البنوى، وهى من نجوم الإعلانات فى هذا العالم أيضاً.

حتى لا يثقل على الرقباء

يضعنا الفيلم فى رؤيته الساخرة من أول لقطة قبل العناوين، حيث يكتب المخرج على الشاشة أنه شطب بنفسه اللقطات التى تحذفها الرقابة لأنه لا يحب أن يثقل على الآخرين. وبالفعل يتم الشطب على كأس الخمر مثلاً فى أحد المشاهد وغير ذلك من الممنوعات. والشخصية الرئيسية الشاب بركة (هشام فقيه) الذى يعمل فى بلدية مدينة جدة ضمن فريق مراقبة تطبيق القوانين فى الشوارع مستخدماً سيارة البلدية التى يقودها بنفسه. إنه فيلم من «أفلام الطرق»، وهى فكرة بارعة تتيح التعرف على مختلف جوانب الحياة فى المدينة من دون افتعال. وينتمى بركة إلى الطبقة الوسطى الفقيرة، ويعيش وحيداً فى حى من أحيائها مع جيرانه مثل العم دعاش (سامى حنفى) المتبرم دائماً من التقاليد الجامدة، والمولدة أو «الداية» سعدية (خيرية نظمى) المتفائلة دائماً.

وذات يوم يرى بركة تصوير إعلان فى الشارع، فيطلب الاطلاع على الترخيص، ويبهره جمال بيبى (فاطمة البنوى) بطلة الإعلان، ويقع فى حبها من أول لحظة. وهى بيضاء وذات عيون زرقاء وغير محجبة، وتبدو وكأنها من كوكب آخر. ويتعرف بركة على أسرة بيبى الثرية التى تعيش فى «فيلا» فاخرة، ويعرف سر اختلافها، فهى ابنة متبناة لهذه الأسرة، وتعمل كعارضة فى دار أزياء تملكها والدتها التى تسعى للإنجاب، ووالدها الذى يشرب الخمر.

وبين هذين العالمين (عالم بركة وعالم بيبى) هناك أيضاً عالم الفن، حيث يهوى بركة التمثيل، ويشترك فى عرض لمسرحية شكسبير «هاملت»، ويقوم بدور أوفيليا حبيبة هاملت حيث تمنع النساء من التمثيل على المسرح فى السعودية. ويصل الفيلم إلى ذروته عندما يطلب مخرج المسرحية من بركة أن يشترى «حمالة صدر» تؤكد أنه امرأة، ويبحث بركة عن حمالة الصدر التى تناسبه فى محال بيع أزياء النساء حتى يجدها. ويتضمن الفيلم تحية إلى تحفة يوسف شاهين «باب الحديد» بمشهد من المشاهد التى تعبر عن الكبت الجنسى.

موهبتان

يقترح بركة على والدة بيبى أن تستعين بوسائل سعدية التقليدية لتتمكن من الحمل، وبالفعل تنجح هذه الوسائل، وتكون المكافأة الموافقة على أن يتزوج بيبى. وفى اللقطة الأخيرة نرى الحبيبين يتأرجحان على شاطئ البحر، وتعترف بيبى لأول مرة أنها كانت تسخر من اسم بركة، ولا تعرف هل هو مذكر أم مؤنث، والحقيقة أن اسمها أيضاً بركة، ولكن يقال لها بيبى.

إنه فيلم جميل ومحكم الصنع فى ٨٨ دقيقة، صوره ببراعة مدير التصوير اللبنانى المخضرم، فيكتور جريدى، ويعلن مولد مخرج سعودى موهوب، وممثل سعودى موهوب هو هشام فقيه الذى لا يذكر بأقل من الممثل والمخرج الإيطالى الكبير، روبرتو بينينى. إنه فيلم رائد حقاً يفتح آفاقاً جديدة للسينما فى السعودية وفى كل دول الخليج.

المصري اليوم في

21.02.2016

 
 

بركة يقابل بركة جيل محبط ينتصر لأحلامه

خالد ربيع - جدة

فاز فيلم بركة يقابل بركة من إخراج السعودي محمود الصباغ بجائزة اكومينكيل بمهرجان برلين أمس الأول بجانب الفيلم الأفريقي «الذين يقفزون» من إخراج أبوبكر واستيفان وموتيزقراءة للفيلم ثمة تأس عميق يبثه المخرج محمود صباغ في ثنايا فيلمه الروائي الطويل «بركة يقابل بركة»، والذي عرضه الأسبوع الماضي كأول فيلم سعودي روائي طويل (84 دقيقة) يعرض بمهرجان برلين السينمائي الدولي. تأس على الراهن الذي يعيشه جيل مشوش بين حياة مفقودة وأخرى راهنة مضطربة، أحلام تتوالد وخيبات تتكابد، شباب محبط أمام محظورات المجتمع ونظام إدارة الشؤون البلدية ونظرة التيار الديني المتشدد، يقول بطل الفيلم وهو يحدث نفسه في ديالوج داخلي حميم، أو يحدث والده المسن المقعد والصامت على الدوام «نحن عايشين في دولاب، جيلنا كله عايش في دولاب ما نقدر ننفك من عجلته». عبر مشاهدة خاصة، يسرد الفيلم في لغة سينمائية متزنة، وفي غير سوداوية، أو مباشرة فجة تغزل حبكته، لتقدم نسيجا دراميا رصينا، مبتعدا عن التشكي التراجيدي، أو الكآبة المفتعلة.. لكنها لغة مليئة بالسؤال والرفض، تلتقط صورة بانورامية لحياة شاب وفتاة، يمثلان شريحة واسعة لشباب الطبقتين السائدتين في مجتمع مدينة جدة: الوسطى الكادحة والثرية المنعمة، أو بلغة أخرى: المشاهير والمتابعون، ليتنقل الفيلم بين مكوناتهم الثقافية المتباينةشخصيات ومصائر بركة عرابي (الممثل هشام فقيه): شاب في بداية حياته العملية، يقطن في حي شعبي، ويعمل في البلدية موظفا ميدانيا، يتلقى التعليمات من إدارتها لملاحقة المخالفين للأنظمة، ولأنه ابن حارة يظهر مدى تسامحه أو تردده في أن يطبق النظام بصرامته، أو أن يراعي مبادئه الإنسانية التي تشربها في حارته، ولأنه أيضا عضو وممثل في جمعية المسرحيين، فهو مليء بالحس الجمالي الممتزج بمشاعر حميمة وبتكوين نفسي عفوي تعززه نزعته الدينية المعتدلة، التي نستشفها من وضعه للمصحف على «تابلوه» سيارة البلدية التي يستعملها في تنقلاته. تجمع بركة علاقة صداقة مع أحد أبناء الحارة الأصيلين «دعاش» (الممثل سامي حنفي) الدائم على نصحه وتوجيهه بحس فطري، وانتقاده لشخصيته المحجمة عن اتخاذ قراراتها المصيرية، ولا يخلو نصحه من طرافة ابن البلد البسيط البعيد عن قلق العصر.. ولكن من هو بركة الذي قابله بركة؟ بيبي حارث (الممثلة فاطمة البنوي): عارضة أزياء، نجمة انستقرام، لديها مليون معجب، ممن يتابعونها ويكيلون لها كلمات الإعجاب و»اللايك»، وهي مشغولة طوال الوقت بتصوير نفسها «سيلفي» لتنقل إليهم تعليقاتها ونصائحها، وبالتالي ينتقل المشاهد المتأمل إلى ذلك العالم الافتراضي وحقيقة أنه أصبح واقعا معاشا بحيوية تضاهي حيوية العالم الحقيقي، عالم يركن للتثوير الحلمي للشباب ويجلب من لهاثهم الملايين من الريالات، أبطال في تقاطع دائرتي الواقع والحلم، يمنحهم الحضور الوهمي في فضاء المهمشين الفاقدين للقيمة شيئا من القيمة، أو من اللا قيمة بالأصح، إلا من وهم متابعة فتاة ليس لها من مواصفات النجومية سوى الحظ والإمعان في ممارسة اللعبة الإعلامية الالكترونية، ومن ثم الظهور لأولئك الذين أوجدوا لأنفسهم حياة بديلة. عالم تشكل في ضبابية وصنع نجوما بعيدين عن آلة الإعلام التقليدي محاولة منهم للإفلات من قائمة المنع والإحباط التي تحيط بأعناقهمحبكة متزنة تتنقل مشاهد الفيلم بين عمق المدينة، بيوتها وفضائها وبحرها الواسع.. يقول البطل في لحظة مواجهة «البحر بحر ربنا، حقنا كلنا»، وفي مشهد آخر ينساب مقطع من أغنية «ما أحلى أن نعيش في بيت واحد ما أحلى أن نكون في وطن واحد»، ويقف البطل في مشهد ثالث أمام لوحة تبين جملة من الممنوعات لمن يرتاد البحر، يقف مشدوها لثوان، نتأمله ونشعر بما يشعر، وفي نقاش حاد مع أحد أصحاب المقاهي التي يريد بركة أن يخضعها لشروط إدارة البلدية بإزالة الكراسي من على الرصيف، يقول صاحب المقهى «أنتم تخنقون الفضاء العام، تتركون تيارا أحاديا ينفرد في الشارع ثم تبكون على نمو الإرهاب والتطرف». إشارات يبثها الفيلم بخفة ويمررها في غير مباشرة، لتفضي لأحقية المطالبة بأن يعيش الجميع في حمى التسامح دون مضايقات قوانين مفروضة، ورغم ذلك تأتي لحظة تنوير ساطعة، بعدما طبق بركة بصفته موظف البلدية تنفيذ إغلاق المقهى، يبث حديثه لصديقه دعاش «اليوم أقفلت مقهى، مو واجب ولا وظيفة، لا، كأني مبرمج..نحن بنتسامح مع أشياء كثيرة ماهي منطقية في حياتنا، والمنع الزايد دا تراه غلط». خطوط الفيلم هكذا يمضي السرد الفيلمي في خطوط أفقية عدة متوازية ومتقاطعة، بما يجعل لسرده جاذبية تتجنب تسرب الملل للمشاهد، وتأخذه في تماه سينمائي كرسه المونتاج المنضبط الإيقاع دون رتابة أو إطالة وفق زمنية محسوبة، سواء للقطات العابرة الموحية، أو للمشاهد المكتملة الأساسية. كاميرا تتنقل برشاقة في زوايا تصوير متناغمة، وأماكن مختارة بعين حساسة عبر ميزانسين متكامل ومشغول بعناية لكل مفردات اللقطة، وضمن كوادر وإطارات مريحة للفرجة، مليئة بلغة السينما البصيرة التي اشتغل عليها مدير التصوير «فيكتور كريدي» بوعي وفنية ضافية، خاصة في تصوير الأماكن الخارجية: الشوارع والبحر والحارة، لتسهم بشكل بالغ في إيصال المعاني والدلالات البصرية المكملة لحكاية الفيلم. إلى جانب ذلك تخلص المخرج وكاتب القصة محمود صباغ من ضوضاء الموسيقى التصويرية غير اللازمة، ولم يستخدم المؤثرات الموسيقية إلا في لحظات معينة، باختيارات «زيد حمدان» و»مي وليد»، لتضيف إلى المشاهد بعدا صوتيا ممتعا، ولتمعن في تخيل المشاهد وتمنحه دفقة شعورية تحيله إلى التماهي مع أجواء الفيلم المدعوم بأداء طبيعي من جميع الممثلين، رغم أنهم لم يمثلوا من قبل في أي عملحدوتة برسم المفاجأة من هذه الخطوط المتقاطعة يبدأ المشاهد في لم خيوط قصة بركة والفتاة بيبي التي يراها صدفة وهي خارجة من عملها في بوتيك «كراكوزة» للأزياء، والذي تمتلكه وتديره مدام ميادة، سيدة الأعمال المتسلطة والمعتدة بذاتها والعصبية دائما، وتلفت بيبي انتباه بركة. تستمر الأحداث في حبكة متزنة، وفي حوارات دالة بلهجة جداوية أصيلة، حتى يدخل بركة في عالم بيبي. يأتي بلاغ من البلدية عن شغر مكان عام، ويكلف بركة بتقصي قيام مجموعة من الشباب بالتصوير في ذلك المكان، وعندما يذهب إلى الموقع يفاجأ بأن التصوير لإعلان دعائي وأن بطلته هي نفس الفتاة التي شاهدها تخرج من البوتيك. يلتقي بركة ببيبي في معرض فن تشكيلي، وتبدأ علاقتهما في التطور لتصل إلى مرحلة الحب. ونتعرف على تفاصيل أكثر عنهما، نفاجأ بأن بيبي حارث ليست ابنة مدام ميادة، إنما ابنتها بالتبني، وواقعة تحت سيطرتها بشخصيتها المأزومة، فميادة لم تنجب، وعملت على استغلال بركة ليأتي لها بالداية سعدية (الممثلة خيرية نظمي)، وهكذا عالجت الداية سعدية مدام ميادة بوصفة للحمل. وفي المقابل فإن بركة المتردد وغير القادر على اتخاذ قراراته، يلجأ إلى الداية سعدية أيضا، فتمنحه وصفة سحرية تجعله أكثر جرأة وإقبالا على ما يريد، بما في ذلك من إشارة إلى لجوء المجتمع للسحر والشعوذةمكاشفة تنتصر للذات تتصاعد الأحداث وتصل مرحلة عدم التحمل عند بيبي، فميادة تغار من شهرتها، وتسعى لتجيير تلك الشهرة لمصلحتها الخاصة عبر مشغلها. يتفاقم الاحتقان بينهما إلى أن تأتي القشة التي قصمت ظهر العلاقة: ترتدي بيبي صدرية، فترى ميادة أنها تشوه تصميم فستانها. يحتد الخلاف، وتقرر بيبي أن تخرج من عالم ميادة، ولا تجد سوى بركة لتنفجر أمامه رافضة واقعها وحياتها المرهونة في قبضة امرأة متسلطة. تتأزم العلاقة بين الحبيبين، وفي مشهد فانتزي رائع يتخيل بركة أثناء أدائه بروفات المسرحية أنه «هاملت» ويراقص حبيبته «أوفيليا»، يتخيل ذلك ويلاقي حبيبته وقد قررت الانعتاق من سجنها، وفي ذات الوقت ينتصر بركة على نفسه ويقرر أن يواجه مخاوفه، لقد أصبح أكثر جرأة. يلتقي الحبيبان بروح جديدة، روح تود أن تنتصر لأحلامهما، وتكشف بيبي لبركة أن اسمها الحقيقي هو أيضا «بركة»، وأن بيبي اسم الشهرة، وأن ميادة ليست أمها، وأنها أعلنت ذلك على متابعيها في الانستقرام، وهكذا يفهم معنى عنوان الفيلم (بركة يقابل بركة).

مكة المكرمة السعودية في

21.02.2016

 
 

الفيلم السعودى "بركة يقابل بركة" يحصد جائزة PRIZE WINNER FORUM ببرلين

كتبت رانيا علوى

حصد الفيلم السعودى "بركة يقابل بركة" للمخرج محمود الصباغ جائزة " PRIZE WINNER FORUM 2016 " بمهرجان برلين السينمائى الدولى فى دورته الـ66، وذلك مناصفة مع فيلم "Les Sauteurs" والفيلم شارك فى إخراجه 3 مخرجين وهم موريتز سيبار وستيفان واكنر وأبو بكر سيديبى. يذكر أن فيلم "Fire at Sea"، فاز بجائزة "الدب الذهبى، من تأليف وإخراج الإيطالى جيانفرانكو روسى، وهو تدور أحداثه عن قضية اللاجئين التى تشغل العالم بأكمله، والعمل بطولة ماريا كوستا وماتياش كوتسينا، وغيرهم

فوز الفيلم المصرى "آخر أيام المدينة" بجائزة "CALIGARI FILM PRIZE" فى برلين

كتبت رانيا علوى

فاز الفيلم المصرى "آخر أيام المدينة" للمخرج تامر السعيد بجائزة "CALIGARI FILM PRIZE" بمهرجان برلين السينمائى الدولى فى دورته الـ66، وهو الفيلم الذى عرض 4 مرات خلال فعاليات المهرجان. الفيلم تدور أحداثه داخل مدينة القاهرة العريقة حول حياة خالد الذى يحاول أن يصنع فيلمًا عن تلك المدينة ليظهر روحها فى الوقت الذى يعانى فيه من احتمالية أن يطرد من شقته، ويواجه مشكلات مع المرأة التى يحبها والتى تريد أن تهجره، متذكرًا طفولته حينما كانت القاهرة مكانًا أكثر إشراقًا. ويشارك فى بطولة الفيلم حنان يوسف ومريم صالح وخالد عبد الله وعلى صبحى، ومن إنتاج تامر السعيد وخالد عبد الله وهناء البياتى ومن تأليف رشا السلطى

اليوم السابع المصرية في

21.02.2016

 
 

«نار فى البحر» يقتنص الدب الذهبي لـ «برلين السينمائي 2016»

برلين : الوكالات ـ«سينماتوغراف»

فاز الفيلم الوثائقي«Fire At Sea ـ  نار فى البحر» الذي يدور حول اللاجئين الأوروبيين بجائزة الدب الذهبي في الحفل الختامي لمهرجان برلين السينمائي.

وضمت قوائم الفائزين فيلم «Death in Sarajevo» والذي فاز بالدب الفضي لجائزة لجنة التحكيم الكبري، كما فاز الفيلم الفلبيني السنغافوري « A Lullaby To The Sorrowful Mystery» بالدب الفضي لجائزة ألفريج بوير كأفضل فيلم يفتح أفاق جديدة.

أما المخرجة ميا هانسن لاف ففازت بالدب الفضي عن فيلمها الفرنسي الألماني الإنتاج «Things To Come»، وحصلت ترين ديليهولم على جائزة الدب الفضي كأفضل ممثلة عن دورها في « The Commun».

فيلم إسرائيلي بمهرجان برلين يكشف التمييز ضد «عرب 48»

برلين : الوكالات ـ«سينماتوغراف»

عُرِضَ فيلم «مفرق 48» للمخرج الأمريكي الإسرائيلي أودي ألوني في مهرجان برلين السينمائي «البرليناله» لهذا العام (2016).

ويحكي الفيلم قصة الشاب الفلسطيني كريم من مدينة اللد، ويمثل دورَه مغني الراب الفلسطيني تامر النفار. يطمح كريم إلى أن يصبح مغني راب وأن يكون باستطاعته إقامة الحفلات في الملاهي الإسرائيلية، لكنه يصطدم بالتمييز العنصري، الذي يتعرض له لكونه فلسطينيا داخل إسرائيل. ومن خلال شخصية كريم وعائلته وأصدقائه، يسرد الفيلم واقع حياة «فلسطينيي 1948» وما يتعرضون له من تهميش وقمع وظلم. ولكنه في نفس الوقت يتناول المشاكل، التي يعانون منها داخل مجتمعهم، كالمخدرات والبطالة والعنف وترسخ السلطة الذكورية.

وفى تصريحات أدلى بها مخرج الفيلم تعليقا عن انتقاده للحكومة الإسرائيلية قال في حوار له، «أنا أعلم أن هناك معاداة للسامية في أوروبا، ولا أريد أن أكون ضد شعبي. ولكنني أشعر أنني عندما أناضل من أجل فلسطين، فإنني أناضل في نفس الوقت من أجل مصلحة اليهود. الطرفان موجودان على نفس الجهة، وليسا متضادين. أنا انتقد إسرائيل لأنني أحب فلسطين/ إسرائيل/، أحب هذا المكان، وأحب الشعبين. وانتقد إسرائيل لأني أحب ديني اليهودي، ولا أرضى أن يسكتني اليمينيون، كما أني لا أنخدع بادعاءاتهم».

سينماتوغراف في

21.02.2016

 
 

مهرجان برلين السينمائي: "نار في البحر" يفوز بجائزة الدب الذهبي

فاز فيلم وثائقي عن أزمة اللاجئين في أوروبا "نار في البحر" بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي.

ويصور مخرج الفيلم الإيطالي جيانفرانكو روسي حوداث مريعة شهدتها جزيرة لامبيدوسا الإيطالية.

وقال روسي عند استلامه الجائزة من الممثلة الأمريكية ميريل ستريت "آمل أن ينشر هذا الفيلم التوعية، لأنه من غير المقبول أن يموت الناس وهم يعبرون البحر هرباً من المآسي".

ويعكس فيلم "نار في البحر" محنة المهاجرين وهم يجتازون البحر باتجاه أوروبا، والحياة اليومية التي يعيشها سكان جزيرة لامبيدوسا الإيطالية.

وقالت ستريب: "طريقة عرض الفيلم والقصص المنتقاة في الفيلم، تؤكد لنا أهمية الأفلام الوثائقية".

وفازت بجائزة أفضل مخرجة ميا هانسون -لاف عن فيلمها Things to come ، ولعبت الممثلة ايزابيل هوبيرت فيه دور معلمة تحاول التعامل مع موت والدتها وزواجها المفكك.

ونال التونسي مجد ماستورة جائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم Inhebbek Hedi الذي يجسد قصة حب بعد ثورات الربيع العربي في حين فازت ترين ديرهولم بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم Kollektivet.

وحصد فيلم "الموت في سراييفو" جائزة لجنة التحكيم الكبرى ( الدب الفضي).

الـ BBC العربية في

21.02.2016

 
 

"انحبّك هادي" يحصد جائزتي العمل الأول والتمثيل

الأفلام الأربعة المدعومة من آفاق تنال الجوائز في برلين

اختتم مهرجان برلين دورته السادسة والستين يوم 21 شباط/يناير بتوزيع الجوائز على أفلام المسابقة الرسمية حيث نال الفيلم التونسي "انحبّك هادي" جائزة الفيلم الأول وحصل ممثله الشاب مجد مستورة على جائزة الدب الفضّة لأفضل ممثّل. الفيلم الذي يعد اول تجربة روائية طويلة لمخرجه محمد بن عطيّة كان قد اختير لمسابقة مهرجان برلين ليكون بذلك الفيلم العربي الأول الذي تستقبله المسابقة منذ العام 2005 والفيلم العربي الخامس الذي يعرض في المسابقة طوال تاريخ المهرجان. فقد سبق لهذه الفئة ان عرضت أفلام يوسف شاهين (اسكندرية...ليه؟-1979) وبرهان علوية (بيروت اللقاء-1982) وفريد بوغدير (صيف حلق الوادي-1996) وهاني أبو أسعد (الجنة الآن-2005).

في مسابقة الأفلام القصيرة، حصد مهدي فليفل الدب الفضة جائزة لجنة التحكيم كما منح جائزة الترشيح لجوائز الفيلم الأوروبي. وفي قسم الفوروم الذي استقبل عددا من الأفلام العربية نال شريط ماهر أبي سمرا "مخدومون" جائزة السّلام لأفضل فيلم وحاز "آخر أيام المدينة" لتامر السّعيد جائزة "كاليغاري".

الصندوق العربي للثقافة والفنون في

21.02.2016

 
 

حسب توقعات «المصرى اليوم»

فاز «نار فى البحر» بالدب الذهبى وفازت ترينى درهولم بجائزة أحسن ممثلة

بقلم: سمير فريد

أعلنت جوائز مهرجان برلين ٢٠١٦، وكما توقعنا فى رسالة السبت، فاز الفيلم الإيطالى التسجيلى «نار فى البحر» إخراج جيان فرانكو روزى بالدب الذهبى (انظر رسالة «المصرى اليوم» من المهرجان عدد ١٦ فبراير)، وأصبح أول فيلم تسجيلى يفوز بهذه الجائزة فى تاريخ المهرجان. وكان نفس المخرج قد فاز بالأسد الذهبى فى مهرجان فينسيا عن فيلمه «الطريق الدائراى» عام ٢٠١٣، وكانت أيضاً المرة الأولى التى يفوز فيها فيلم تسجيلى بكبرى جوائز أعرق مهرجان. وكما توقعنا أيضاً فازت الممثلة الدنماركية ترينى درهولم بجائزة أحسن ممثلة عن دورها فى فيلم «الحياة الجماعية» إخراج توماس فيتربيرج. وفاز الفيلم الفرنسى «أشياء قادمة» إخراج ميا هانسن- لوف بجائزة أحسن إخراج. وقد ذكرنا أنه أحسن الأفلام الفرنسية، ولكنه ليس أحسن إخراج بين الـ١٨ فيلماً التى عرضت فى مسابقة الأفلام الطويلة.

انتصار تاريخى

لأول مرة منذ عام ١٩٧٩ عندما فاز «إسكندرية.. ليه»، إخراج يوسف شاهين، بالدب الفضى، يفوز فيلم عربى فى مهرجان برلين، وهو الفيلم التونسى «نحبك هادى» إخراج محمد بن عطية (انظر رسالة «المصرى اليوم» من المهرجان عدد ١٤ فبراير)، فقد فاز بجائزة أحسن ممثل (ماجد مستورة)، كما فاز بجائزة أحسن مخرج فى فيلمه الروائى الطويل الأول، وهى الجائزة الوحيدة من جوائز المهرجان التى لها قيمة مالية قدرها ٥٠ ألف يورو، ويحصل عليها مناصفة المخرج والمنتجة درة بوشوشة. وقد تنافس على هذه الجائزة ١٨ فيلماً فى كل أقسام المهرجان داخل وخارج المسابقات، وكان لها لجنة تحكيم خاصة.

إنه حقاً انتصار تاريخى للسينما التونسية والسينما العربية، فهذه هى المرة الأولى التى يفوز فيها فيلم عربى بجائزة الفيلم الأول فى تاريخ المهرجانات الدولية الكبرى الثلاث (كان وبرلين وفينسيا)، والمرة الأولى التى يفوز فيها ممثل أو ممثلة من العالم العربى بجائزة للتمثيل فى تاريخ هذه المهرجانات أيضاً، أى منذ عام ١٩٣٢.

٦ جوائز لأفلام المخرجين العرب

وإلى جانب جائزتى الفيلم التونسى، فاز الفيلم البريطانى «عودة إنسان» إخراج الفلسطينى مهدى فليفل بجائزة لجنة التحكيم (الدب الفضى) فى مسابقة الأفلام القصيرة، كما فاز بجائزة الترشح لمسابقة أكاديمية السينما الأوروبية.

وفاز الفيلم المصرى «آخر أيام المدينة» إخراج تامر السعيد بجائزة كاليجارى لأحسن أفلام المهرجان، وهى الجائزة التى تحمل عنوان الفيلم الألمانى الكلاسيكى الشهير. وفاز الفيلم اللبنانى التسجيلى الطويل «مخدومين» إخراج ماهر أبى سمرة بجائزة السلام. ولكل من هاتين الجائزتين لجنة تحكيم خاصة.

الصدمة الكبرى

جاء عدم فوز الفيلم البريطانى «عبقرية» إخراج ميشيل جرانداجى بأى من جوائز المهرجان صدمة كبرى لا يمكن تفسيرها، فالفيلم كان جديراً بالفوز على الأقل بجائزة لجنة التحكيم الكبرى (الدب الفضى)، وهو أفضل من الفيلم الفرنسى «الموت فى سراييفو» إخراج دانيس تانوفيك الذى فاز بها، والذى فاز أيضاً بجائزة «فيبريسى» (الاتحاد الدولى للصحافة السينمائية). ورغم أن الممثل التونسى ماجد مستورة يستحق التقدير إلا أن أداءه لا يقارن مع أداء كولين فيرث أو جود لاو فى فيلم «عبقرية»، وكانا من دون منافس ثالث.

ويمكن قبول الجوائز الأخرى بدرجات متفاوتة، وهى جائزة ألفريد باور التى تحمل اسم مؤسس المهرجان (الدب الفضى)، وفاز بها الفيلم الفلبينى «تعويذة الحزن الغامض» إخراج لاف دياز، وهو أطول فيلم فى تاريخ السينما (٨ ساعات و٥ دقائق)، ومدة عرضه تعكس التأثير الكبير للمسلسلات التليفزيونية، والتى بدأ المهرجان عرضها فى السوق منذ دورة العام الماضى، ورغم أن هناك مهرجانات ومسابقات خاصة للأعمال التليفزيونية. وفاز الفيلم البولندى «الولايات المتحدة للحب إخراج توماز وسيليفسكى بجائزة أحسن سيناريو، وفاز الفيلم الصينى «عكس التيار» إخراج يانج شاو بجائزة أحسن إسهام فنى.

وهكذا فازت ثمانية أفلام بجوائز المهرجان الثمانية: خمسة أفلام من أوروبا (٢ من فرنسا وفيلم من كل من إيطاليا والسويد وبولندا)، وفيلمان من آسيا من الصين والفلبين، وفيلم من أفريقيا من تونس. واللافت هنا عدم فوز الأفلام الألمانية بأى جائزة رغم اشتراكها بثلاثة أفلام فى المسابقة، وهو أكبر عدد من دولة واحدة، ويتساوى مع الأفلام الفرنسية فقط. وعدم فوز أى فيلم ناطق باللغة الإنجليزية.

وفى مسابقة الأفلام القصيرة فاز بالدب الذهبى الفيلم البرتغالى «أنشودة باترشيا» إخراج ليونور تيليس، وبجائزة «أودى» وقدرها ٢٠ ألف يورو الفيلم التايوانى «مرساة محظورة» إخراج شيانج وى ليانج.

وفاز بجائزة «فيبريسى» لأحسن أفلام «البانوراما» الفيلم السويسرى «ألويس»، إخراج توبياس نولى، ولأحسن أفلام «الملتقى» الفيلم السنغالى «الثورة لن تبث عبر التليفزيون» إخراج راما ثياو.

أرقام برلين

هذه هى الدورة ١٥ لمدير المهرجان ديتر كوسليك الذى تولى إدارته عام ٢٠٠١، وينتهى عقدة ٢٠١٩. وهى أطول مدة بين مديرى المهرجان فى ٦٦ سنة، بعد ٢٦ سنة لمؤسسة ألفريد باور، و٢٢ سنة لمديره موريتز دى هادلين. والدورة ٣٥ لمدير «البانوراما» ويلاند سبيك. والدورة العاشرة لمسابقة الأفلام القصيرة، والعاشرة لقسم «سينما الطعام».

عرض المهرجان ٣٩٥ فيلماً منها ٩٨ لمخرجات، وبلغ عدد التذاكر المباعة حتى أمس ٣١٠ آلاف تذكرة. وفى السوق كان عدد المشتركين ٨٦٠٠، وشركات الإنتاج ٤٩٠، وشركات التوزيع ١٦٠٠، وعدد الأفلام التى عرضت فى السوق ٧٥٠ فيلماً فى ألف عرض.

وهذه الأرقام غير مسبوقة، وتعكس المفهوم الجديد الذى عبر عنه ديتر كوسليك لمهرجان برلين، وهو أن يجمع بين الكم والكيف، وبين صناع ونقاد السينما وجمهورها. فعدد الأفلام، والمقصود هنا الطويلة والقصيرة، لا يتجاوز مائة وخمسين فيلماً بحد أقصى فى كان وفينسيا، داخل وخارج كل المسابقات.

المصري اليوم في

22.02.2016

 
 

جيانفرنكو روزي الفائز بـ"دبّ" برلين:

أحياناً كنت أقول إنّ هذا آخر فيلم لي!

برلين - هوفيك حبشيان

نادر جداً فوز سينمائي بجائزتين مهمتين لفيلمين متتاليين. لكن الايطالي جيانفرنكو روزي فعلها. فبعد نيله "أسد" البندقية عن فيلمه السابق "ساكرو غرا"، اسندت لجنة تحكيم مهرجان برلين برئاسة ميريل ستريب، مساء السبت الفائت، "الدبّ الذهب" الى رائعته الجديدة "فوكاماريه" ("حريق في عرض البحر"). بالنسبة لمتابعي الـ"برليناله" ومشاهديه، لم يشكّل إعلان اسم روزي مفاجأة كبيرة، فالوثائقي الذي يرصد أزمة الهجرة التي تعصف بجزيرة لمبيدوزا وحياة ناسها الرتيبة ويومياتهم المتشابهة، كان المفضّل لدى العديد من النقّاد والصحافيين. من خلال ردّ الاعتبار الى روزي وجهوده، أكّد مهرجان برلين إلتزامه قضية المهاجرين التي رفعها الى الآخر. على الرغم من خطورة موضوع يترجّح بين السياسي والانساني، لم يصطدم روزي بمطبّات ولم يقع في أي من الفخاخ. ظل سينمائياً حتى اللقطة الأخيرة من الفيلم. اعتناؤه بكلّ عناصر تشكيل اللوحة التي لم تخبُ ولم تبهت، يشير الى مكانته في السينما الوثائقية المعاصرة، هو الذي في الـ52 من العمر، وصاحب ستة أفلام تطرح رؤية نقدية للعالم.

يمكن القول ان روزي صنع تاريخ مهرجانين: فهذا أول وثائقي في تاريخ برلين يتوّج بـ"دبّ"، مثلما كان "ساكرو غرا" أول وثائقي ينال "أسداً" يوم فاز في البندقية. يقوم فيلم روزي على محاور عدة، أهمها فرق الانقاذ التي تهرع الى عرض البحر لانتشال الجثث وإسعاف الناجين. من الناحية الأخرى، يصوّر روزي سكان الجزيرة ومعظمهم من صيادي السمك، وفي مقدمة هؤلاء الصبي سامويله الذي يغدو خيطاً أساسياً من خيوط الفيلم. لا يستعين روزي بالتعليق الصوتي وينبذ المقابلات المباشرة ويتمسك بمناقبية عالية في كيفية التعامل مع صور الضحايا. الفيلم يُعدّ درساً في كيفية توظيف الصورة لرسم بورتريه عن الألم الحديث واللامبالاة التي تتأكل المجتمعات الأوروبية. هذا كله، من دون أن يتحوّل آلة دعائية أو أداة للضغط على النقاط الحساسة لاستدرار العواطف. من التضارب بين قسوة مَشاهد "الانزال" على شاطئ "الحلم الأوروبي" والطراوة التي يقارب بها روزي مجمل القضية، يولد فيلم كبير يمسك بك ولا يتركك. هناك ما نرى وما نشعر به، وهما متكاملان في معظم الأحيان.

·        متى بدأتَ تهتم بجزيرة لمبيدوزا؟

- سمعت عنها بداية في وسائل الاعلام. لمبيدوزا أصبحت في الواجهة منذ أكثر من ٢٠ عاماً مع قضية اللاجئين المتوافدين اليها. المفارقة التي تجعلني أبتسم اليوم هي ان أوروبا بدأت تكتشف الهجرة منذ ٣ أو ٤ أشهر. ايطاليا تتعامل مع هذه المسألة منذ عقدين. ملايين مروا بها ولم تكن يوماً قضية كبيرة، في حين أوروبا كانت دائماً تقول: "هذه مشكلتكم!". والآن، أوروبا تكتشف ان هناك عالما يتحرك، هناك بشر يهربون من المآسي، وتراهم يتعاطون مع القضية بأبشع الطرق، عبر اقامة جدران، سواء الحقيقية منها أو المعنوية. ولكن، دعك من السياسة، لا أريد السقوط في فخّها الآن (ضحك). لنتكلم عن الفيلم. اذاً، اهتممتُ بلمبيدوزا بعدما شهدت كارثة لقي فيها أكثر من ٣٥٠ شخصاً مصرعهم. حصل هذا على مقربة من الجزيرة. الطبيب في لمبيدوزا يقول ان عددهم ٣٥٨، بيد ان العدد الذي تم تناقله هو ٣٥٧. هذه الحادثة المأسوية أثارت ضجة كبيرة، فطلب اليّ أحدهم التوجه الى هناك، بعد ستة أشهر من وقوع التراجيديا، لمسح الأحوال في الجزيرة. عندما وصلتُ الى هناك، كانت لمبيدوزا فارغة من الناس، لم يكن هناك مهاجرون، لأن وسط المدينة كان قد أقفل، فبدأ المهاجرون يقصدون صقلية. يجب القول ان النحو الذي يصل به المهاجرون الى لمبيدوزا تغير في السنوات الثلاث الأخيرة. شهدت الهجرة ثلاث عمليات كبيرة: "ماريه نوستروم" و"ترايتون" و"فرونتيكس". تم نقل حدود الجزيرة الى عرض البحر. قبل أن يبلغ المركب الآتي من ليبيا أو تونس شواطئ لمبيدوزا، يتم ايقافه في عرض البحر. سابقاً، كانوا يصلون الى الجزيرة ويصبحون جزءاً منها. الآن، أخذت المسألة طابعاً مؤسساتياً؛ فيتم اقتيادهم الى المرفأ ثم تُلتقط لهم الصور ويجرى فحصهم، ثم تأخدهم الشرطة الى مركز للعناية. لهذا السبب، لا يوجد أي تواصل بين سكان الجزيرة والمهاجرين، وهذا ما أردتُ اظهاره في هذا الفيلم: انعدام التواصل بين عالمين، على الرغم من المساحة الضيقة للمكان. فالفصل يبدأ منذ اللحظة الأولى لوصول المهاجرين.

·        لماذا قررتَ التركيز على سكان لمبيدوزا؟

- عندما وصلتُ الى الجزيرة، لم يكن هناك أي شيء. وددتُ أن أصوّر الفراغ ما بعد التراجيديا. ثم، بدأت الأشياء تتغير، مع فتح المركز من جديد. في البداية، كان هدفي تصوير الجزيرة والحدود التي انتقلت الى البحر. ولكن، بعد تغير المعطيات، وجدتُ نفسي أمام حقائق ثلاث: المركز والجزيرة وفرق الانقاذ. عندما تباشر إنجاز وثائقي، لا تعرف بالضبط أي الأشياء التي تصوّرها ستضعها في الفيلم. صوّرتُ طوال سنة، وعندما حان وقت تصوير الصبي سامويله، كنت أشعر انه استعارة لشيء ما كلما صوّرته. عندما يمارس الصيد، يصبح الفعل مثقلاً بالمعاني. شعرتُ خلال التصوير ان كلّ هذه العناصر تعكس أحد العالمين الذي أريد نقله الى الشاشة. الصبي سامويله شاهد على شيء لا يعرف ما هو، ما يولد عنده القلق. لذا، عندما بدأتُ بمنتجة الفيلم، وجدتُ ان الآتي هو أكثر الأفكار تماسكاً: أن أبني هوية للجزيرة من خلال صبي. كان هذا أطهر شيء ممكن أن أفعله. كان يمكن اللجوء الى الطبيب في الجزيرة، لكن كونه يتابع شؤون المهاجرين هو يجهل كلّ شيء عدا ذلك. كان في ودي كشف هوية الجزيرة الحقيقية من خلال معاينة الحياة اليومية للبشر.

·        هل غيّر إنجاز هذا الفيلم نظرتك الى البحر الأبيض المتوسط؟

- البحر قبر. قبرٌ عميق. طبعاً، كلّ ما يحصل يجعلني في حال من الغضب الشديد. يجب ألا نسمح بحدوث أشياء مماثلة. قلتها وأكرّر: هذه واحدة من أكبر المآسي التي تواجهها أوروبا منذ المحرقة. لا أريد أن أقارن بين الحدثين، كلاهما تراجيدي. يموت خمسون ألف شخص هكذا، ولا نفعل أي شيء من أجلهم. المأساة التي ألتقطها تحدث على بعد ٢٠ كم من ليبيا حيث يعاني الناس من اضطهاد الارهابيين لهم. هم يجدون أنفسهم أمام خيارين: إما أن يموتوا هناك وإما أن يعبروا البحر مع أن احتمال الموت في البحر أقوى من احتمال النجاة. لذا، سألتُ نفسي: كيف نقبل حدوث هذا؟ الشيء الوحيد الذي كان يستطيعه فيلمي هو خلق الوعي. لهذا السبب، عندما صوّرتُ الميت - وهذا موضوع سجالي جداً -، كنت أسأل نفسي: هل أصوّره أم أتظاهر انه ليس موجوداً؟ مَن يصوّر ليس هو المسؤول. المسؤول هو الذي يسمح بحدوث هذا. لديّ صور لموتى أستطيع أن أنجز منها فيلماً كاملاً. لديّ أكثر من ساعة منها، لكن أخترتُ أن أستعمل صورة واحدة فقط. عندما جلس الطبيب أمام المونيتور، استطعتُ أن التقط صوراً قاسية جداً لما يريه لي: جثة طفل متحرق أو لقطات تحت المياه خلال انتشال الجثث. رفضتُ أن أدرج هذا كله في الفيلم، ولكن استعملتُ لحظة فقط...!

·        لماذا تلك اللحظة تحديداً؟

- كان في حوزتي ٨٠ ساعة من الـ"راشز". بدت لي اللقطة التي استعملتها كأنها صُوّرت في احدى غرف الغاز النازية. كنت أصوّر إحدى عمليات الانقاذ الروتينية التي صوّرتُ مثلها ربما خمسين أو ستين. كلّ شيء كان يجري بشكل طبيعي. ولكن، فجأة في ذلك اليوم، شعرتُ بحجم التراجيديا، رأيتُ الناس يموتون أمامي. وعندما تمسّكتُ بالشجاعة وذهبتُ لتصوير عملية استخراج الجثث، جاء القبطان وقال لي: "جيانفرنكو، هلّ صورتَ أسفل القارب؟ أرأيت ماذا يحصل هناك؟". فقلت له انني لا أريد أن أذهب الى هناك، ولا أريد أن أصوّر الجثث عن كثب. لكنه أصرّ ان من واجبي أن أصوّر هذا لنقله الى العالم. قال لي: "لا يمكنك أن تتغاضى عن هذا، عليك الذهاب الى هناك والتصوير". وهذا ما فعلتُه. ولكن هذا خلق عندي أزمة، لأنني لم أكن أعرف أين أضعه في المونتاج. وضعتُ نفسي محلّ المتفرج ورحتُ أسأل نفسي ماذا سيقول المُشاهد. هل سيبقى يتفرّج ويتواطأ، أم سيقول لي: "تباً لك، لا أريد أن أكون جزءاً من هذا". كان خياراً صعباً. أخذتُ في الإعتبار كلّ التعليقات التي قد تطالني، وقلتُ في سري: على العالم أن يشاهد هذا، والا سنبقى في منأى من الحقيقة. هذه المرة، نحن ازاء تراجيديا لا يمكن لأحد أن يقول فيها انه لم يكن يعلم.

·        ماذا عن التصوير؟ قلتَ لنا قبل العرض إنك كنت لا تزال في مرحلة إلتقاط المَشاهد قبل نحو شهر من الآن...

- نعم، كنت أصوّر وأشتغل على المونتاج في وقت واحد، وأنا على الجزيرة. آخر مشهد صوّرته كان مع الطبيب وهو يجلس أمام المونيتور. وأيضاً مشهد الجدّة والصبي الذي كان ساحراً لأنه أتاح لي أن أستمد منه العنوان. اختار "برلين" الفيلم وكنت في حاجة الى عنوان. وفجأة، خلال تصوير الجدّة، أسمعها تقول للصبي: "الأمر أشبه بحريق في عرض البحر". وهكذا عنونتُ الفيلم "حريق في عرض البحر".

·        هل كان عندك سيناريو تتبعه بالتفصيل؟

- هناك مشهد واحد كان ممسرحاً. حدث ذلك بمحض المصادفة. كنت أراقب الأولاد يلعبون، ثم جاء صيّاد السمك، وصار يتكلم معهم. رأيتُ فرصة لتعريف الصياد من خلال الأولاد، فطلبتُ اليه اعادة ما فعله في المرة الأولى عندما ظهر. هذا المشهد هو الوحيد الذي يتضمن اخراجاً - اذا صحّ التعبير.

·        ولكن، كيف تقارب الشخصيات، كيف تجعلها تبوح بما في داخلها؟ هل تطرح الكثير من الأسئلة؟

- استاذي كان يقول: "لا تطرح أي سؤال". اذا طرحتَ سؤالاً، فستحصل على جواب. واذا طرحتَ ٢٠ سؤالاً فستحصل على ٢٠ جوابا. لا يهمني هذا. يجب أن تكون قادراً على استخراج شيء باطني من الشخصية تتخطى السؤال - الجواب. هذا ما حاولتُ دوماً أن أفعله في أفلامي. مهمتي كمخرج أفلام وثائقية هي أن أبحث عن حقيقة الشخص الذي يقف قبالة كاميراتي، كي أكون أقرب مسافة ممكنة من الطبيب أو الصبي أو ماريا التي ترتّب السرير بدقة لامتناهية. هناك ثلاث كلمات مفاتيح في "فوكاماريه": شغف ورأفة وحبّ. الصبي يرمز الى الشغف والطبيب الى الرأفة. أما الحبّ فيحلّ على مائدة ماريا وزوجها. هذا المشهد حرّك فيّ الكثير من الأحاسيس. تدمع عيون المشاهدين عادة عندما يرون الموتى، أنا أبكي عندما أراه يشرب قهوته ثم ينظر اليها. بعد ٦٠ سنة من الحياة المشتركة، لا يزال هناك الكثير من الحبّ بينهما.

·        ما الاثر الذي يتركه فيك تصوير فيلم كهذا؟ كيف تتعايش مع ما اختبرته؟

- أحياناً كنت أقول ان هذا آخر فيلم لي. هناك مشهد صوّرته لامس في داخلي شيئاً عميقاً جداً. لا أعرف اذا كنت قادراً أن أتعايش بسلام مع ما عشته. بعد تصويري ذلك المشهد، لم يعد في امكاني أن أصوّر أي شيء آخر. الفيلم بالنسبة لي اختُتم هناك ثم بدأتُ بالمونتاج. صوّرتُ المشهد في الخامس عشر من آب، ثم عدتُ الى الجزيرة بباخرة حربية في مطلع أيلول. أمضيتُ ثلاثة أسابيع مع ابنتي التي التحقت بي في لمبيدوزا. ثم، شعرتُ انه ليس في مقدوري أن أمسك الكاميرا مجدداً، كان عليّ أن أختم الفيلم بالنحو الذي ختمته فيه. كنت أريد أن أذهب وأصوّر في ليبيا. تراجعتُ عن القرار. الختام حسم كلّ شيء.

·        كيف كان ردّ فعل سامويله عندما شاهد الفيلم أمس؟

- "كرهني" بشدة لأنني صوّرته وهو يتقيأ (ضحك). يخجل كثيراً من ذلك! أمس، عندما كان جالساً بالقرب مني في افتتاح الفيلم، بدأ يلحّ عليّ ليعرف اذا كنت صوّرته وهو يتقيأ أم لا. يزعجه أيضاً مشهد أكل المعكرونة. كان يستحي منه مصرّاً انه لم يعد يأكلها بتلك الطريقة. فطمأنته قائلاً له انه كان يأكلها كذلك قبل عام ونصف العام، والآن تغير. في المقابل، كان يحب أن أبرزه وهو يقوم بأشياء تنم عن رجولية معينة، كإطعام الكلب أو الذهاب الى الصيد. أخبرني أيضاً انه أحب جداً المشهد الذي نراه يخاطب فيه الطيور.

·        هناك هذا الـ"كونتراست" بين سحر الجزيرة وبشاعة الظرف... هل كنت متيقناً من هذا الجانب؟

- لم أقارب المسألة من هذه الزاوية. ولكن، بالنسبة لي، من الضروري جداً تصوير الأشياء بطريقة سينمائية قوية. التأطير أساسي عندي. يعتقد الناس ان على الوثائقي أن يكون نقيض الروائي، وانك اذا حرّكت الكاميرا سيعطي اهتزازها احساساً أقوى بالواقع. أنا أعمل بنقيض ذلك. أحتاج الى كادر رصين. عندما أمسك الكاميرا، أصوّر وكأنني أنجز أغلى فيلم وفي حوزتي أكبر موازنة في العالم. كل شيء يجب أن يكون نموذجياً، وعلى الواقع أن يأتي أمام عدستي. أهتم كثيراً بالضوء. صوّرتُ هذا الفيلم بمفردي، انه فيلم الرجل الواحد. كانت هذه الطريقة الوحيدة لخلق حميمية بيني وبين الشخصيات. لولا هذه الطريقة، لما استطعتُ أن ابقى لأكثر من عام في الجزيرة، ومن دون أن يتوجب عليّ اعطاء حسابات لأحد. كان سيكلف كثيراً أن يشاركني التصوير شخصان طوال الوقت، وكان سيجعلني أعاني من ضغط العمل اليومي. أنا أعمل قليلاً. مع سامويله، ربما عملتُ ٢٠ يوماً من أصل سنة تصوير.

(يُخرج من جيبه هاتفه المحمول ويريني صوراً التقطها بنفسه لقارب من قوارب الموت). انظر الى هذا: ما تراه يفترض انه "ثقب" القارب. ١٥٠ شخصاً زجّ بهم في الطبقة السفلى للقارب وتم ادخالهم الى هناك من خلال هذا الثقب الصغير. لا يوجد أي نوع من الاوكسيجين. المكان أشبه بقبر. يوجد على القارب ٣٠٠ شخص وفي أسفله ١٥٠. لهذا السبب شبّهته بغرف الغاز. الناس الذين يعبرون البحر بقوارب مثل هذه، لا يعرفون مسبقاً ماذا ينتظرهم. يدفعون المال لعصابات تجني الملايين على ظهر يائسين يشترون موتهم. يدفعون ٨٠٠ دولار ليموتوا. بعضهم عندما يكتشف أين سيضعونه، يعترض، فيتم ضربه وإدخاله بالقوة من خلال الثقب. معظم الذين تمّ وضعهم "تحت"، تعرضوا للضرب المبرح. التقيتُ أحد الذين نجوا وكانت عينه مهشمة، وللأسف، خسر نظره. فهل أكشف أشياء هكذا أم لا؟ طبعاً سأكشفها!

·        ولكن، كيف يتعامل سكّان لمبيدوزا مع هذه الأزمة؟

- الناس في لمبيدوزا لا يحبون الكلام ويكرهون الصحافيين. الصحافة تربط دائماً جزيرتهم بالهجرة. في الصيف، ليس غريباً أن تقرأ عنواناً في صحيفة يحذر القراء من أكل الأسماك لأنها على حدّ قولها تتغذى من جثث المهاجرين. أو أن تتناقل وسائل الاعلام ان هناك إرهابيين في لمبيدوزا تسللوا مع المهاجرين. حصل هذا مرة واحدة فقط، وتم توقيف الإرهابي المذكور في ميلانو اثناء هجمات باريس في تشرين الثاني الماضي. من بين ٤٠٠ ألف شخص عبروا الى لمبيدوزا، كان هناك إرهابي واحد فقط، لكن الصحف اقحمت لمبيدوزا في المسألة. وسكانها يكرهون هذا، لأنه يعطي صورة سيئة جداً عنهم. أحدهم قال لي انه يجب أن تُسند جائزة نوبل الى سكان لمبيدوزا لمساعدة المهاجرين وإطعامهم وقبولهم. وعندما سألته لماذا تفعلون ذلك، كان ردّه: "لأننا صيادون، نرحّب بكل ما يأتينا من البحر".

https://www.youtube.com/watch?v=lvy2rOXWlZE

النهار اللبنانية في

22.02.2016

 
 

فيلم عرض في «قسم المنتدى ببرلين السينمائي».. وحظي بإشادات

«آخر أيام المدينة».. وأي مــــــدينة

المصدر: علا الشيخ – برلين

أي مدينة هذه التي أخذ الجمهور إليها المخرج تامر السعيد، في الفيلم التسجيلي الروائي الطويل الأول له «آخر أيام المدينة» (من إنتاج مصر، وبريطانيا، والإمارات من خلال صندوق سند)، والذي عرض للمرة الأولى في قسم المنتدى بالدورة الـ66 من مهرجان برلين السينمائي الدولي، التي أعلنت نتائجها أول من أمس، هي كل المدن على ما يبدو، ليست فقط القاهرة، إذ تختصر وضع الوجع العربي في مكان محدد الملامح والتفاصيل، لدرجة أنك (المشاهد) من الممكن أن تصرخ وتقول: «هذه المدينة لي».

«آخر أيام المدينة» فيلم أشبه بطقس دعاء لمكان فاض به وانتفض، حيث الحكاية كلها في عام 2009، حكاية من الممكن أنها مرت بذاكرة، قبيل أول هتاف صرخت به حركة كفاية المصرية، وقبيل أن يقرر الشارع أن يقف ويهتف «ارحل»، هي مدينة عاد معها كثيرون من العرب الذين شاهدوا الفيلم في برلين وامتلأت القاعة بهم، عادوا إلى رؤية تفاصيل كانت على ما يبدو تمر مرور الكرام، لكنها دقت ناقوس الغضب حينها.

الفيلم نقطة تحول في تاريخ السينما المصرية، حسب الناقد السينمائي سمير فريد الذي استغرب ألا يعرض هذا الفيلم ضمن المسابقة الرسمية في المهرجان، مؤكداً أنه كان سينال الجائزة الكبرى لأفضل فيلم طويل. وقال: «من الغريب، وكم في المهرجانات من غرائب، ألا يعرض الفيلم في مسابقة الأفلام الطويلة وفيها العديد من الأفلام التي لا تثبت لمجرد المقارنة مع فيلم تامر السعيد، وهو أول أفلامه الروائية الطويلة، وسيكون من الغريب أيضاً ألا يفوز بجائزة أحسن فيلم طويل أول لمخرجه»، مضيفاً: «على أية حال، فالخاسر مسابقة المهرجان، والخاسر سيكون لجنة تحكيم جائزة الفيلم الأول، وسيظل عرض أي فيلم في مسابقة أي مهرجان معياراً من المعايير، وليس المعيار الوحيد، وكذلك الأمر بالنسبة للجوائز».

حكاية

أنت كمشاهد أمام حكاية شاب اسمه خالد، يريد أن يصنع فيلماً، مشكلة خالد أنه لا يعرف من أين يبدأ ومن أين ينتهي، ويقرر إقحام المشاهد بكل ذلك الارتباك، إذ يقرر البعض أنه يجب إنهاء الفيلم «في اللقطة التي جمعت خالد بحبيبته ليلى قبل وداعها» ليرد آخر: «أعتقد أن لقطة هدم المنزل هي نهاية الفيلم». أراد المخرج - على ما يبدو - أن يكون للمشاهد رأي في كل مرحلة يمر بها الفيلم، مع وجوه مألوفة للبعض، اختلط معها تحديد التسجيلي والروائي، فبين التمثيل والجدية، اكتملت ملامح المدينة، خصوصاً أنها تخللت حكاياتها كلاً من بغداد وبيروت، ولهاتين المدينتين خاصية، لها علاقة برغبة العيش فيهما أو الهرب منهما، وقد استطاع مدير التصوير اللبناني باسم فياض أن يوصل معنى مدينة بيروت، عندما قال «بيروت مدينة كذابة». في المقابل؛ يظهر العراقيان حسن (حيدر الحلو) من بغداد، وطارق (باسم حجر)، أحدهما يعيش في برلين بعد أن قرر الهجرة، لأنه شاهد يوماً خط دم يسيل من ميت ملقى على ظهر سيارة: «توقعت أن سيأتي يوم وأكون أنا صاحب هذا الخط» فقرر الرحيل، ويحاول إقناع صديقه الباقي في بغداد بالهجرة أيضاً؛ ليرد عليه أنه لا يستطيع التنفس بلا بغداد، ويكون له ذلك فيموت فيها. تفاصيل هذه الشخصيات الثلاث من الممكن أن يعتبرها البعض مقحمة على حكاية مدينة القاهرة، لكن الذكاء في النص وإدارة المشاهد للمخرج السعيد حيث استطاع أن يوصل شكل المدن كلها بكل عشوائياتها وتخبطاتها، فالمدن تشبه بعضها إذا كانت مقهورة، لذلك قرر خالد - الذي يؤدي دور المخرج - أن يطلب من أصدقائه تصوير مدنهم كي يكتمل الفيلم.

ألم

عندما قرر خالد أن يحكي عن المدن: «القاهرة، بغداد، وبيروت»، كان لابد من ظهور سابق لشخصيات متنوعة في الفيلم، اختصرت بتنهيدات وكلمات متناثرة، ودموع أحياناً. مدينة الإسكندرية كانت حاضرة مع شخصية حنان (التي مثلتها حنان يوسف)، والتي تتهرب دائماً من الحديث عنها، كأنها تقول: إنها لم تعد مرئية. في المقابل المدينة بالنسبة للسعيد ليست فقط شوارع وسماء وأرضاً، بل هي وجوه وحالات، مثل الحالة التي حدثت مع خالد، عندما قرر أن يزور «أبلة فضيلة» في مبنى الإذاعة والتلفزيون المصري، لتقول له ذكرياتها مع والده الشاعر الراحل، الذي قدم العديد من كلمات لأشهر الأغاني في برنامج «أبلة فضيلة»، وتكون المفاجأة أنها لا تتذكر والده.. فهنا المدينة من لحم ودم وذاكرة، وثمة شيء له علاقة بالروح، تجسد في علاقة الحب التي ربطت خالد بليلى، التي لن تعرف تفاصيلها، كيف بدأت وكيف انتهت، لكنك ستدرك أن ثمة شيئاً له علاقة بالمدينة وما آلت إليه تسبب بكل هذا البعد، إذ تقرر ليلى الهجرة، ويقرر خالد هو الآخر تغيير المنزل، المطل على حي فيه الكثير من الصراخ، إذ إنه لم يجرؤ يوماً على فتح النافذة، التي كانت شاهدة على ضرب رجل لزوجته بكل قسوة، وثمة شكل آخر للمدينة مع شخصية المطربة مريم صالح التي توفي والدها في حريق مسرح بني سويف؛ وهي تؤكد أن حياتها لم يعد لها طعم، كأنها تقول: إن المدينة خذلتها لأنها لم تعاقب الجناة.

رصد

قالت الناقدة السينمائية د. أمل الجمل «يعيب الفيلم أن (تامر) السعيد اكتفى بمجرد الرصد، كان يشاهد ويتأمل المدينة في لحظات ما من حياتها، والرصد لا يعتبر سلبياً في بعض الأحيان، لكنه يصبح كذلك حينما يقدم كثيراً من الصور من دون أن يضرب بقوة ليعمقها أكثر، ليخلق دلالات وأبعاداً أخرى».

انتفاضة المدينة

«كيف لك أن تستمع إلى الصمت في ضجيج القاهرة»، عبارة مرت في أحداث الفيلم المتخم بالتفاصيل التي لا يملها المشاهد، في مدة زمنية تجاوزت الساعتين، فلن «تسمع الصمت» من خلال سمسار العقارات الذي يأخذ خالد كل يوم ليريه الوهم من منازل، أو من خلال ضرب رجل لزوجته على أسطح إحدى العمارات، ولن «تسمعه» أيضاً ووالدة خالد تحارب الموت، ولا من قبلة تركتها ليلى مع حبيبها خالد قبل أن تهاجر، بل «ستسمع الصمت» عندما يقرر خالد فتح النافذه، ومع أول تظاهرة لـ«كفاية» ضد التوريث، ومع أول شهيد رأي، ستسمع الصمت مع كلمة واحدة اسمها الحرية مع آخر أيام المدينة قبيل ثورة 25 يناير.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

الإمارات اليوم في

22.02.2016

 
 

"بركة يقابل بركة".. مفاجأة سعودية سارة

أحمد شوقي

شاب يفكر في شراء هدية تسعد فتاة يحبها، يقرر أن يشتري لها قطعة ملابس داخلية مثيرة، يعطيها لها فتغضب الفتاة وترفضها؛ فقط لأن إهداء الملابس الداخلية صار موضة قديمة لم يعد أحد يفعلها منذ الثمانينيات. الموقف السابق لو حدث في أي فيلم سيعني هذا تلقائياً أننا نتحدث عن فيلم كوميدي خفيف، لكن أن يقع نفس الموقف في فيلم سعودي تم تصويره داخل المملكة بممثلين وممثلات من المواطنين، فالتقييم لابد وأن يختلف.

"بركة يقابل بركة" هو اسم الفيلم، للمخرج محمود صبّاغ، والذي شهد عرضه ضمن قسم الفورم في برليناله ٦٦ تجاوباً إيجابياً من حضور لم يتوقع أغلبيته مشاهدة فيلم كهذا يأتي من السعودية، الدولة الإسلامية المحافظة التي لا تضم أي قاعة سينما، ولا يسمح فيها للنساء بكشف وجوههن أو قيادة السيارات.

سخرية لاذعة

القواعد الخانقة لأي شاب يريد ممارسة حياته بطريقة طبيعية هي أساس المفارقة في فيلم صبّاغ: شاب يجد فتاة أحلامه لكنه لا يستطيع أن يقابلها في أي مكان. الأغرب هو أن يكون الشاب هو الأكثر محافظة مقارنة بالفتاة ذات العقلية المتحررة، والتي يشكل نمط حياة أسرتها سخرية إضافية ذات طابع اجتماعي سياسي من القوانين التي تُطبّق بتزمت على البسطاء، بينما يخالفها أبناء الأسر الكبرى بمنتهى السهولة لأنهم فوق المسائلة.

سخرية "بركة يقابل بركة" تطول موضوعات أخرى كثيرة، منها الهوس بمواقع التواصل الاجتماعي، المسرح الذي يقتصر ممارسته على الرجال فيضطر بعضهم للعب شخصيات نسائية، الثقافة السطحية وتسليع الفن لدى الأثرياء، ليشكل الفيلم في مجمله جرعة مكثفة من الكوميديا الجريئة ذات الخلفية الاجتماعية.

بين الحداثة والتقليدية

عيب الفيلم الرئيسي هو التفاوت الواضح بين عناصره، فبينما يمكن اعتبار بناء الشخصيات وشكل العلاقات بينها والسخرية التي تحملها عناصر حداثية، فإن نقاط الحبكة الرئيسية في السيناريو تأتي على النقيض، باعتمادها على انقلابات ميلودرامية تقليدية، يتخللها حوارات وعظية تقوم بتلقين المشاهد رسالة الفيلم التي وصلت بالفعل ولا تحتاج لهذه المباشرة كي يفهمها المشاهد.

تناقض آخر بين كون الأزمة الرئيسية في الفيلم نابعة من مجتمع محافظ لدرجة التزمت، وبين التفرع فجأة لقضية تسليع جسد المرأة، وهي ليست فقط قضية لا تبدو بنفس الأهمية في المجتمع السعودي، لكنها أيضاً تتنافر مع قواعد العالم التي انطلق منها الفيلم، فكيف تكون مشكلة بركة أنه ممنوع من مقابلة حبيبته بيبي ولو لدقائق، بينما تكون مشكلة بيبي نفسها هي تسليع جسدها؟

النقاش السابق لم يكن ليثار لو كان الفيلم تقليدياً أو بدائي الصنعة، ولكن لأن "بركة يقابل بركة" فيلم مفاجئ في جودته قبل جرأته، فإنه يحتمل أن يكون موضوعاً للجدل حول الأسلوب السينمائي، أمر إذا أضفناه لقيمة السخرية المجتمعية في الفيلم، سيكون بمقدورنا أن نقدر الخطوة الواسعة التي أخذتها السينما السعودية بفيلم محمود صبّاغ.

حقوق النشر: معهد جوته القاهرة - فبراير ٢٠١٦ 

هل لديكم أية أسئلة حول هذا المقال؟ أرسلوا إلينا استفساراتكم

internet-redaktion@goethe.de

معهد غوته بالقاهرة في

22.02.2016

 
 

مهرجان برلين أعطى جوائزه للاجئين.. وجاسوس الثورات برنار هنري ليفي!

القاهرة - بوابة الوفد - حنان أبوالضياء

يبدو أن مهرجان برلين سيظل مهرجانًا يلعب دورًا رئيسيًا فى عالم السياسة؛ وفى كل عام نتوقع جوائزه تبعًا للرسائل السياسية التى تريد ألمانيا توجيهها للعالم؛ ففى السنوات الماضية حظى كل المعارضين الإيرانيين باقتناص الدب الذهبى؛ وقتما كانت ألمانيا من أشد المعارضين للمشروع النووى الايرانى؛ وفى هذا العام سلط مهرجان برلين الضوء على قضية اللاجئين وأعطى لها شاشات العرض والجوائز ؛ فمن المعروف أن ألمانيا وعلى رأسها ميركل ممن فتحوا الأبواب أمام هجرة السوريين!

موضوع اللاجئين فرض نفسه على الطبعة الحالية من هذا المهرجان العريق، فضمت برمجته أفلاماً ونقاشات تبين أسباب اللجوء وقد صرح  مديره ديتر كوسليك قائلاً: «نحن هنا في برلين والنقاش يدور حول الاجئين وهو نقاش مثير للجدل . لدينا الكثير من الأفلام المتعلقة بمصير اللاجئين. هذا العام حمل المهرجان شعار «السعي وراء السعادة» أو«قانون السعادة»، وفيه إشارة أيضا للاجئين». حتى أن النجم جورج كلوني، بطل فيلم الافتتاح «هايل قيصر»، من لقاء المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل لمناقشة موضوع اللاجئين. يقول الممثل جورج كلوني: «أعتقد أننا لا نتحدث عن هذا الموضوع بما فيه الكفاية في وسائل الإعلام، وخاصة في بلادي، لأن الفترة السياسية تجعلنا لا نتحدث عن الكثير من الأمور التي تجري من حولنا في العالم، في الحقيقة، سيجمعني غدا لقاء بالمستشارة الألمانية، للحديث حول الأشياء التي يمكننا فعلها لتقديم يد المساعدة.هاجم الممثل الفرنسي المخضرم جيرارد ديباردو صناعة السينما في هوليوود لأنها تلعب دوماً في مساحة الأمان، وانتقد الممثل جورج كلوني لانخراطه في شئون السياسة ولقائه المستشارة الألمانية حول أزمة اللاجئين، عندما ظهر ديباردو في مهرجان برلين السينمائي للترويج لفيلمه الجديد.، وأشار إلى أن كلوني التقى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في برلين الأسبوع الماضي لمناقشة أزمة اللاجئين. وقال «رأيت أن كلوني أراد أن يقابل ميركل. أشعر بالقلق من أن يكون اللقاء مضى بشكل سيئ. إنه لأمر جيد الآن أن تكون ممثلاً وعالماً بيئيًّا وسياسيًّا. يمكنك القيام بكل شيء.

وكالمعتاد جاءت جوائز مهرجان برلين فى نسخته السادسة والستين  كما توقعها  الجميع والتى حظت باهتمام خاص من النقاد... كانت الأفلام المختارة في المنافسة الرئيسية لمهرجان برلين، 18 فيلما عالميا تم عرضها للمرة الأولى من دول مختلفة بينها الولايات المتحدة وفرنسا والبوسنة والهرسك وبريطانيا والصين وفيتنام. وعرض من مصر أربعة أفلام هي «منتهي الصلاحية» لإسلام كمال، و«كما تحلق الطيور» لهبة أمين، و«ذاكرة عباد الشمس» لمي زايد، و«فتحي لم يعد يعيش هنا» لماجد نادر.. لذلك لم تكن مفاجأة تمكن فيلم «Fuocoammare أو النار فى البحر «Fire At Sea» والذي عرض أزمة  اللاجئين فى أوروبا من خطف أنظار وقلوب الحكام خلال مهرجان برلين السينمائى ليحصل على جائزة الدب الذهبي.

ووفقاً لصحيفة «ديلي ميل» البريطانية، وصفت ميريل ستريب، التي ترأست لجنة الحكام في المهرجان، الفيلم بالجرىء الذي يعيد تعريف كيفية صناعة الأفلام الوثائقية. ولقد ضع المخرج الإيطالي جيانفرنكوروزي كاميرته لأشهر طويلة على جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، ليرصد توافد مئات الآلاف من طالبي اللجوء من إفريقيا والشرق الأوسط إلى أوروبا. الرعب الذي عاشه اللاجئون، خلال رحلاتهم المصيرية، انتقل إلى نفوس الحاضرين في مهرجان برلين السينمائي الدولي، حيث عرض فيلم «نار في البحر».

وسرد المخرج، في فيلمه قصص اللاجئين الوافدين إلى الجزيرة والمتمركزين فيها من خلال الحياة اليومية لصامويل، طفل في الثانية عشرة من  عمره.وتعتبر لامبيدوزا الصغيرة، الواقعة بين تونس وصقلية، أول ميناء يصل إليه مئات الآلاف من طالبي اللجوء، وفي كثير من الأحيان بعد تحمل رحلات بحرية محفوفة بالمخاطر في قوارب متهالكة في سعيهم لحياة جديدة.

 وتعتبر الجزيرة من أكثر المواقع التي التفتت إليها كاميرات السينما والإعلام في السنتين الأخيرتين، ومنها «عودة إلى لامبيدوزا».

فاز الفيلم البرتغالي «Batrachian’s Ballad» «رسائل من الحرب»، بجائزة الدب الذهبي كأفضل فيلم قصير... الفيلم من اخراج ايفو فيريرا واستوحاه من رسائل كتبها طبيب برتغالي شاب إلى زوجته الحامل في العام 1971، عندما وجد نفسه في رحى الحرب الأنجولية البرتغالية التي انتهت باستقلال انجولا في العام 1974.يقول المخرج إيفو فيريرا: «أشعر بتأثر كبير عند الحديث عن الأشياء التي لم أعشها، اطلعت على هذه الرسائل وكنت حساساً للغاية تجاه قصة الحب الجميلة. أعتقد ان تلك الحرب كانت حرباً غبية، آمل أن يدرك الناس ذلك. على كل، هذا هوتفسيري للأشياء». الممثلة مارجاريدا فيلا نوفا، هي من تقمصت دور زوجة الطبيب وتأمل أن يساعد هذا الفيلم الشباب البرتغالي على معرفة المزيد من المعلومات حول تلك الفترة من تاريخ بلادهم. تقول: «حسنا، الحرب انتهت في العام، 1974 لكن ابناء جيلي لا يعرفون إلا القليل عنها، الجيل القديم بقي صامتا حول هذه الحرب، بالنسبة لي كان من المهم معرفة الكثير من المعلومات حول ما حدث من خلال الأشخاص الذين عايشوا تلك الفترة. أعتقد ان هذا الفيلم سيكون أيضا درساً للشباب الذين يجهلون تماما هذه الحرب». الفيلم صور بالأسود والأبيض ويقدم صورة شاعرية حول حب طبيب لزوجته في ظروف الحرب البشعة واللإنسانية.

وكالمعتاد مازالت ألمانيا تدافع عن نفسها أمام اليهود لذلك فازت الأفلام بجوائز الجمهور في مهرجان برلين السينمائي، وتم تسليم جائزة الجمهور للمخرج الإسرائيلي عودي ألوني عن فيلمه «Junction 48» وهو قصة حب بين شاب وفتاة فلسطينيين يعشقان موسيقى الهيب هوب، التي يستخدمانها سلاحاً ضد قمع السلطات الإسرائيلية وأيضا لمحاربة الجريمة في أوساط فلسطينيى 48، في مدينة اللد. وتصدر المخرج الإسرائلي عودي ألوني الأنباء عقب مهاجمته لدولته إسرائيل. وفقا لصحيفة «هارتس» الإسرائيلية، وصف المخرج الفائز  إسرائيل بالدولة الفاشية خلال مؤتمر صحفي عقب فوز فيلمه  «Junction 48» السينمائي.

ورد المخرج على الهجوم الذي تعرض له بعد تصريحه، بأنه يوجه نقده للحكومة الإسرائيلية لا الدولة، موضحا أن فيلمه ينشر الحب والتآلف على عكس ما يقوم به رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يعمل على نشر الحقد.

وحصل كل من الإسرائيليين تومر وباراك هيمان على جائزة عن فيلمهما الوثائقي «?Who's Gonna Love Me Now». اقتنص الفيلم الصيني «تيار معاكس»،  «Crosscurrent» جائزة الدب الفضي لأفضل مساهمة فنية، وهو من إخراج يانج تشو «Crosscurrent» وهو دراما شعرية حول مرور الزمن في مجتمع الاضطرابات كما يمثلها تدفق نهر اليانجتسى وبذلك حققت السينما الآسيوية المفاجأة، من خلال فيلم المخرج الصيني يانج شاو الذي استغرق انجازه أربع سنوات وهو ثاني فيلم آسيوي يتنافس على جائزة الدب الذهبي.

أحداث الفيلم تدورعلى ضفاف نهراليانجتسي الشهير والسبب نعرفه على لسان المخرج الذي يقول: «أولا هناك تقليد كلاسيكي للشعر الصيني والشعراء الصينيين المتعاقبين، من عهد أسرة تانج والسلالات الأخرى وصولا إلى يومنا هذا، لقد استخدموا مقاربات متنوعة لوصف نهراليانجتسي والحديث عنه: «أنا قمت بالتعبير عن هذا الشعر من خلال السينما» الفيلم يدور عن قصة قبطان شاب يبحر بسفيته في نهراليانجتسي بحثا عن حب حياته.

وشهدت قائمة  الجوائز تمثيلاً عربياً خاصاً، حيث فاز الفيلم التنوسي «نحبك  هادي» بجائزة أفضل فيلم، كما حاز بطله مجد مستوة على جائزة أفضل ممثل، في حين حاز الفيلم الفلسطيني «A Man Returned» على جائزة الدب الفضي للجنة الحكام..والفيلم الكوميدي الرومانسي التونسي «نحبك هادي» الذي تدور أحداثه حول قصة أم متسلطة تجبر ابنها على الزواج المرتب له مسبقا.وتدور أحداث الفيلم في أعقاب الثورة التونسية في عام 2011 حول الشاب هادي الذي يبدو أن حياته تدار من جانب أشخاص آخرين، ومن بينهم رئيسه في العمل ووالدته التي رتبت له الزواج من عروس. لكن هادي يتمكن فجأة من فرصة للسيطرة على عالمه عندما يلتقي بامرأة أخرى أثناء رحلة عمل. وفيلم «نحبك هادي» لمخرج محمد بن عطية المولود في تونس.

وحصلت النجمة الدانماركية الشهيرة «ترين ديرهولم» على جائزة أفضل ممثلة وذلك عن فيلم «Kollektivet» «مجتمع محلى» والفيلم من إخراج توماس فينتربيرج، ويشترك في بطولة الفيلم كل من  النجوم أولريش تومسن، وفارس فارس، وترين ديرهولم، وجولي أجنيت، فانج ولارس، رانذ وهيلين، رينجارد نيومان، وليز كوفود.

تدور قصة الفيلم في السبعينيات حول لقاء بين الرغبات الشخصية مقابل التضامن والتسامح في بلدة بالدانمارك.

وحصلت الفرنسية ميا هانسن لاف على جائزة أفضل مخرج عن فيلمها (لافنير) أو «أشياء قادمة». المخرجة، كاتبة سيناريو، وممثلة فرنسية ولدت 5 فبراير 1981 في باريس التحقت في المعهد الموسيقي للفنون المسرحية في باريس عُرض أول أفلامها الروائية «الكل مغفور» 2007 في «نصف شهر المخرجين» في «مهرجان كان السينمائي»، وفاز بجائزة «لويس دولوك». كما عُرض فيلمها الثاني «والد أبنائي» 2009 في مسابقة «نظرة ما» في «كان». اختارتها مجلة «فاريتي» عام2011 ضمن قائمة أفضل 10 مخرجين عالميين.

وفاز الفيلم البوسى الموت فى سراييفو «Death in Sarajeve» بجائزة الدب الفضى فى مهرجان برلين السينمائى الدولى فى دورته الـ66.. والفيلم من إخراج دانيش تاتوفيتش، ويشترك فى بطولة كل من النجوم: «سنيزانا ماركوفيتش، وإيزودين باجروفيك، ومحمد هادزوفيك، وفيدرانا سيكسان، وفاكيتا ساليهبيجوفيك» والفيلم من إخراج البوسني دانيس تانوفيتش ومأخوذ عن مسرحية لجاسوس الثورات لكاتب الفرنسي برنار ـ هنري ليفي عن مسرحية «Hotel Europe» وتدور مسرحية ليفي حول كاتب يعد لمحاضرة عن مستقبل أوروبا.صور الفيلم في فندق في سراييفو يحمل الاسم ذاته للرواية. وتجسد سيكسان دور صحفية تعمل على صنع فيلم وثائقي عن جافريلوبرينسيب -اليوغوسلافي القومي الذي كان اغتياله للأمير النمساوي فرانز فرديناند في سراييفو عام 1914 أحد الأحداث الرئيسية التي عجلت باندلاع الحرب العالمية الأولى. وقال المخرج تانوفيتش إنه قصد من التصوير في سراييفوالتأكيد على رسالة المسرحية. وقال تانوفيتش «سنرى إذا كانت أوروبا ستتحرك في الاتجاه الصحيح خاصة بشأن قضية اللاجئين»... وسبق أن قدم برنار هنري ليفي المسرحية «فندق أوروبا» في باريس. والمسرحية خلاصة تجربته الفلسفية والسياسية والشخصية في أحداث تمتد من حرب البوسنة (1994) إلى اليوم. وتعبّر عن مدى انخراطه في هذه الأحداث ..وقال برنار إن مسرحيته دعوة إلى ثورة سياسية في أوروبا.. سبق أن قدم برنار هنري ليفي فيلم «قسم طبرق» الذي أخرجه بالاشتراك مع المخرج الفرنسي مارك روسيل مفهومه الخاص للحرية التى يدعواليها . وقال ليفي مرارا لعديد الوسائل الإعلامية إن الفيلم جاء ليصور كيف يمكن تجسيد النظريات الفكرية على أرض الواقع لأول مرة في التاريخ عبر التدخل العسكري، وأكد أنه يريد لسوريا تدخلا دوليا مماثلاً لما حصل في ليبيا.وصور ليفي في الفيلم تحركاته بجانب المسئولين الفرنسيين وفي العالم لإقناعهم بضرورة التدخل العسكري في ليبيا وذلك بالتشاور مع الليبيين حيث زار البلاد مرات عديدة. ولعب ليفي دورا لدى الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الذ استشاره قبل التحرك في ليبيا. وتتبعته الكاميرا وهو يلتقي قادة لمقاتلي المعارضة ويقنع الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي بأن يتولى القيادة في تعامل الغرب مع الأزمة الليبية وهوما ساهم في الإطاحة بالرئيس الراحل معمر القذافي  ودعى ليفي للتدخل العسكري في سوريا. وقال في مهرجان كان ردا على سؤال عما إذا كان يرمي من خلال ذلك إلى إضعاف إيران «حتى ولوكنت سأصدمكم فأنا لست ضد التدخل في سوريا إن كان سيضعف إيران. سوريا هي الذراع المسلحة لإيران في المنطقة وأتمنى أن نكون فاعلين في سوريا كما كنا فاعلين في ليبيا».

كما فاز الفيلم الفلبيني السنغافوري «A Lullaby To The Sorrowful Mystery» بالدب الفضي لجائزة ألفريج بوير كأفضل فيلم يفتح أفاق جديدة.

وضمت قائمة الفائزين الفيلم البولندي «United States Of Love»، الذي يدور حول النساء المحتجزات نفسياً في بولندا ما بعد الشيوعية، والذي فاز بالدب الفضي لأفضل سيناريو من إخراج  توماس إسيلفسكي، ويشترك في بطولة الفيلم كل من  النجوم جوليا كيجواسكا وماجدالينا سياليكا ودوروتا كلك ومارتا نيرا وأنريا تشيارا. وصنف القائمون على مهرجان برلين الفيلم  بأنه العمل الوحيد الذى يمكن اعتباره بولندياً مائة بالمائة، وقد استطاع الفيلم أن ينتزع إعجاب وتقدير الجمهور، الذين أشادوا به سواء من حيث الإخراج أوالسيناريو.

الوفد المصرية في

22.02.2016

 
 

«نار في البحر» يحصد جائزة الدب الذهبي في برلين

التونسي ماجد مستورة يفوز بأفضل ممثل.. و«عودة رجل» الفلسطيني أفضل فيلم قصير

برلين: محمد رُضا

منذ البداية سطع فيلمان اختلفا وتميّزا عن باقي ما شوهد من أفلام مسابقة مهرجان برلين في دورته الـ66 التي أعلنت نتائجها ليل أول من أمس (الأحد). والفيلمان خرجا على قمة الأعمال الفائزة.

الفيلم الأول هو «نار في البحر» للإيطالي جيانفرانكو روزي (إيطاليا) والثاني «موت في سراييفو» للبوسني دانيس تانوفيتش (إنتاج بوسني، ألماني، فرنسي). «نار في البحر» اقتنص الدب الذهبي كأفضل فيلم ونال «موت في ساراييفو» الدب الفضي المسمّـى بـ«جائزة لجنة التحكيم الكبرى» (الجائزة الثانية في سلم الجوائز).

لكن المفاجأة المهمّـة ليست فقط منح هذين الفيلمين ما يستحقانه بل خروج فيلمين عربيين بجائزتين رسميّـتين أيضًا. فيلم التونسي «نحبك هادي» نال جائزة الفيلم الأول، بفضل إخراج متزن من محمد بن عطية، في حين منح الفيلم بطله ماجد مستورة فرصة الفوز بجائزة أفضل ممثل (عنوة عن ممثلين مخضرمين أوروبيين كثر في هذه الدورة كما منافسين من الشباب)، هذا في الوقت الذي حصد فيه فيلم «عودة رجل» للمخرج الفلسطيني مهدي فليفل جائزة مستحقة كأفضل فيلم قصير. هذا كله أمر يحدث للمرّة الأولى بتاريخ هذا المهرجان أو سواه على صعيد المهرجانات الدولية الكبرى الأخرى.

سياسة أوروبية

الفيلمان الفائزان بالجائزتين الكبيرتين (الذهبية والفضية) يتعاطيان والسياسة. فيلم جيانفرانكو روزي «نار في البحر» يقع في الشق غير المريح بين الدراما والتسجيلي. من ناحية يصوّر شخصيات تعيش في جزيرة صغيرة اسمها لمبيدوسا أصبحت محطة وصول لأفواج المهاجرين الآتين عبر البحر المتوسط. هذه الشخصيات (ولد وصديقه أساسًا) ليس لديها ما تفعله سوى الخروج إلى بعض البرية لتحاول اصطياد الطيور. ولاحقًا يبدآن بتخيل ممارستهما إطلاق النار كما يفعل كل الصغار في مرحلة أو أخرى. من ناحية ثانية هناك المشاهد التي يلتقطها المخرج للمهاجرين وهم في البحر أو للقوات البحرية الإيطالية المكلفة بالبحث عن التائهين منهم وإنقاذهم أو حين وصول المهاجرين وكيف تعتني بهم السلطات الطبية فوق الجزيرة.

الناحيتان لا تلتقيان. لن يتخيل الصبي أنه يقتل مهاجرًا والعلاقة الوحيدة هو طبيب من تلك القرية يعالجه من لهاث أصابه وهو الطبيب ذاته الذي يشرف على استقبال اللاجئين. الفيلم ليس تسجيليًا إلا في الجزء الذي يتعاطى والمهاجرين في البحر وحين الوصول، أما الجزء الخاص بمتابعة الصبي فهو يعتمد على وجوه غير محترفة لكن إذ يديرها لكي تقوم بأداء المشهد أمام الكاميرا يكون قد تخلّى عن التسجيل ودلف نوعًا من الروائي الممارس تسجيليًا.

أما فيلم «موت في سراييفو» فهو متحد أكثر في سياقه وهو وإن لا يتعامل مع حكاية لاجئين، إلا أنه لا يقل بحثًا في السياسة.

يقوم الفيلم على ثلاث شرائح في الزمان وثلاث أخرى في المكان. فعلى سطح فندق «يوروبا» في العاصمة سراييفو الذي سيصل إليه دبلوماسيون لمناقشة الوضع الأوروبي، هناك مقابلة تلفزيونية بين صحافية اسمها ڤدرانا (ڤدرانا سكسان) وبين شاب صربي محافظ (محمد هدزوڤيتش) يتناولان فيه تاريخ الحرب العالمية الأولى التي انطلقت بعض أسبابها بحادثة اغتيال الدوق فرانز فرديناند وزوجته سنة 1914، وفي أحد طوابق الفندق ذاته يتدرب مندوب الاتحاد (الفرنسي جاك ويبر) على إلقاء كلمته التي تتناول الحاضر الأوروبي. أما في الطابق الأرضي فتشتعل أزمة بين الموظفين وأصحاب فندق يوروبا (الاسم يرمز إلى القارة بمجملها)، فالموظفون لم يقبضوا رواتبهم منذ ستة أشهر وبعض قادتهم يدعون إلى الإضراب. في المواجهة مالكو الفندق الذين يعمدون إلى الضرب والتهديد للتنصل من مسؤولياتهم.

مهارة تانوفيتش كامنة في الانتقال السلس بين الطبقات الثلاث وجعل الأحداث في الطابق الأرضي هي الإيقاع الحدثي والحركي للفيلم. بينما يتم التركيز على استعادة الماضي وبحث الحاضر المستجد في الدورين العلويين. في مجمله، هو فيلم رسالة تؤكد أن أزمات الهوية الأوروبية المتوالية ما زالت مطروحة وأن عليها أن تواجهها من جديد.

فائزون وفائزات

الجوائز الأخرى كانت مثيرة للاهتمام علمًا بأن معظمها شكا من جانب أو آخر ما جعل الحضور غير قادر على توقع النتائج مسبقًا كما حدث في أكثر من دورة سابقة.

جائزة مؤسسة ألفرد باور التي تمنح لفيلم من تلك المتسابقة رسميًا توجهت إلى «تهويدة للغز مؤسف» للفيليبيني لاف داياز. إذا كانت الجائزة أخذت في الاعتبار أن الفيلم الذي بلغت مدة عرضه ثماني ساعات، هو تميّز شديد يستحق التقدير، فلربما أصابت، لكن إذا ما كانت رأت فيه حسنات فنية فإن ذلك لا يعدو وجهة نظر غير صائبة. الفيلم الذي تدور كل أحداثه من خلال رحلتين متوازيتين في غابة خلال الحقبة الاستعمارية الإسبانية للفيليبين، ركيك في شتى جوانبه الفنية وتفاصيله منفّـذة، حرفيًا، على نحو خطأ، ناهيك إنه ليس الملحمة التي تتطلب ثماني ساعات لعرض ما فيها. ساعتان كانتا أكثر من كافيتين لو شاء المخرج ذلك.

أفضل منه الفيلم الذي أخرجته ميا هانسن «المستقبل»: سلس ومنضبط في إدارة أحداث وسرد جيدين ليدور حول كفاح امرأة خسرت زوجها لصالح امرأة أصغر منها ثم بالتدرّج خسرت كل مستقبل آخر كانت بنته لتلك اللحظة.

الكثيرون توقعوا فوز إيزابيل أوبير بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في هذا الفيلم، لكن هذه الجائزة ذهبت للدنماركية تريني ديرهولم عن دورها في «المجموعة» The Commune. والمثير للملاحظة أن الفيلمين: «المستقبل» و«المجموعة» يتشابهان من حيث إن بطلة الفيلم الثاني هي أيضًا امرأة متزوجة وزوجها يكتشف حبًا جديدًا في شخص امرأة شابّة ما يؤثر سلبًا لا على العلاقة بين الزوجين فحسب، بل، أساسًا، على الزوجة التي انهارت عاطفيًا ونفسيًا فخسرت عملها ثم كل علاقتها بمحيطها القريب.

تمثيل ماجد مستورة في «نحبك هادي» (أو «هادي» كما سيحمل أسمه غربا) تم تمريره تحت خط الدراما بنجاح. وجهه الهادئ. قدرته على التعبير صمتًا قبل أن يعكس ما في داخله عبر كلمات وانفعالات، وتجسيده الصادق لوضعه صفات جعلته محط اهتمام المشاهدين هنا منذ البداية. كما الحال مع الفيلم نفسه الذي يروي قصّـة حب لا تختلف كثيرًا عن قصص الحب الأخرى المتداولة إلا من خلال حسن شحنها بمواقف تحتية تصف الحياة الاجتماعية في هذا العصر المضطرب في تونس.

الشرق الأوسط في

22.02.2016

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)