كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 
     
 

المخرج الأكثر تأثيراً في جيله

يستشرف المستقبل في أحدث أفلامه

تارانتينو: أمريكا أنتجت «الأوباش الثمانية»

محمد هاني عطوي

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 2016)

   
 
 
 
 

عشرون سنة مرت على نيله السعفة الذهبية عن فيلم «خيال رخيص» أو «بالب فيكشن». إنه المخرج الذي يوصف ب«الذئب الوحيد» وطفل السينما الأمريكية الشقي، والرجل العصامي الغاضب، والمهووس بالسينما، والمثقف، والمضحك، والبارد الذي شيد له اسماً في عالم الفن السابع والإخراج الذي لا يشق له غبار.. إنه كاتب السيناريو والمنتج والممثل ونجم المخرجين في هوليوود. الأمريكي كوانتن جيروم تارانتينو المعروف فقط ب «تارانتينو»، تميزت أفلامه بالابتعاد عن السرد، وتناول المواضيع الساخرة، وتجسيد العنف المفرط، بالإضافة لبعض خصائص الأفلام السوداء الجديدة New-black وال«سباغيتي وسترن».

اليوم يبدو أن تارانتينو يشعر بسوداوية لأن «أوباشه الثمانية» وهو عنوان فيلمه الأخير، ينخرطون في لعبة قتل قذرة جداً. مجلة «باري ماتش» حاورته وكان معه هذا اللقاء..

·        } تقليدياً، تعكس أفلام الوسترن (الغرب الأمريكي) قيم واهتمامات زمنها، فهل الدلالات السياسية للفيلم الجديد متعمدة؟

- القصة لم تكن مصوغة على هذا النحو، ولكن بكتابة مشهد المواجهة والحماس بين كريس مانيكس (المنشق الجنوبي) والجنرال وارن (جندي شمالي سابق) أدركت أن حوارهما يذكرنا بالمطالبات المحافظة من أجل دولة حمراء (جمهورية)، والأخرى الليبرالية من أجل دولة زرقاء [ديمقراطية].. والحقيقة أنني لم أكن أشك في أن هذه الفكرة ستصبح واقعاً بعد ثمانية عشر شهراً، واكتشاف المرشحين لحملة الانتخابات الرئاسية على شاشات التلفزيون. وهكذا أصبح فيلمي تعليقاً سياسياً يستشرف المستقبل.

·        } هل يمكننا القول إن كل أفلامك تطرح تساؤلات حول الإيديولوجية العنصرية التي لا تزال ماثلة في أمريكا؟

- بكل تأكيد، وأجد دائماً أنه من المثير طرح تساؤلات حول السيادة التي يتمتع بها «البيض». فبعد 150 عاماً على الحرب الأهلية، لا تزال أمريكا منقسمة. فمقتلة تشارلستون (تسعة من السود قتلوا في ليلة 17- 18يونيو 2015) أحيت قضية العلم الكونفدرالية. ومنذ سنوات، تطالب منظمات حقوق السود إزالة هذا العلم الذي يرون فيه أنه وسيلة ملتوية، ولكن واضحة جداً للدفاع عن العنصرية. فهل يمكننا مثلاً جعل قضية تجسيد العبودية مسألة «رومانسية»؟ وهل ينبغي أن يرفرف علم المتمردين فوق أعلى المباني العامة من ولايات الجنوب؟ وهل من الطبيعي أن نجد تماثيل لجنرالات الجنوب في الحدائق العامة الممولة من قبل الضرائب المحلية؟ كل هذه الخلافات كانت تحدث بينما كنا نصور الفيلم.

·        } ما الذي دفعك إلى أن تقف علناً ضد الوحشية التي مارستها الشرطة مؤخراً؟

- كنت دائماً وبفخر رجلاً «لا سياسياً». ولكن أحداث الأشهر الثمانية عشر الماضية تدل بشكل سافر على إساءة استخدام السلطة، فالمسألة تتعلق بالوحشية والعنصرية المؤسسية، كما تدل على إدارة تغطي الأعمال الشنيعة فضلاً عن أن قوى الأمن يعتبرون أنفسهم فوق القانون. وفي كثير من الحالات، لم يكن الأمر مجرد دفاع عن المواطن، بل يتعلق بقتله! وفي كل الحالات كان رجال الشرطة يخرجون منها دون ضيم خاصة إذا لم يتم تصويرهم. الأمر فعلاً أصبح من الخطورة بمكان، والسكان أوشكوا على التمرد. أنا لن أنتظر حتى يقرر جاري التصرف. فالقتل هو القتل، ولا بد أن نسمي القتلة بالقتلة، لأن بقائي صامتاً يعني أنني أقبل هذه الحقيقة.

·        } طالبت نقابات الشرطة في عدة ولايات مقاطعة الفيلم، هل شكل ذلك مصدر قلق لك؟

- إنه إزعاج صادر عن موزعين أمريكيين. ولكنني لا أساوي بين ضباط الشرطة البسطاء، وقادة النقابات الذين بلغ بهم الأمر تهديدي شخصياً وبشكل علني. أنا لست خائفاً، إنما لا ينبغي أن يكون الموظفون هم المسؤولون عن حق إطلاق التهديدات، حتى البلاغية منها، ضد المواطن.

·        } هذا يعني أن أمريكا اليوم هي التي أنتجت «الأوباش الثمانية»؟

- أعتقد ذلك، ومن هذا المنطلق أعتبر أن «الأوباش الثمانية» هو فيلمي الأول من نوع ما بعد الكارثي، ولكن بدلاً من أن نجد أنفسنا في أجواء «ماد ماكس»، نجد أنفسنا في عالم متجمد تماماً، حيث قيم المجتمع التي عرفناها قد انهارت. وأما عن الناجين، الذين يجدون أنفسهم مهددين بسبب عاصفة ثلجية، فقد أصبحوا حبيسي كوخ يناقشون فيه وضعهم ب «لماذا وكيف؟» قبل إلقاء اللوم على بعضهم البعض.

·        } كيف تخيلت حالة «اللامخرج»، أو «النهاية المسدودة»؟

- خلقت وضعية تشبه طنجرة الضغط حيث تكون المواجهة إلزامية. وما يبقيك على حافة مقعدك، هو التهديد بالعنف. فالانفجار المعلق فوق كل رأس يصبح محرك القصة. الكل ينتظر سقوط السيف ولكن كيف ومتى وعلى من؟ لا نعرف. لذا كل الفن في التأليف الدرامي يقوم على هذه الحالة من التوتر، وإذا كنت أثناء مشاهدة الفيلم غير حساس ومدرك لارتفاع وتيرة التشويق، قد تصاب بالملل.

·        } مع التقلبات التي تعتري تحالفاتهم ألا يشبه «أوباشك الثمانية» المرشحين لحملة الانتخابات الرئاسية؟

- [يضحك] إذا كنا نتصورهم يقفون على منصة للحزب الجمهوري، فجون روث (كيرت راسل) سيكون قريباً جداً من شخصية دونالد ترامب عندما يخطب بالعامة. وأقول بهذه المناسبة إن شخصاً مثله لم يعد يضحكني، لأنه رجل خطر. وحتى لو وجد نفسه وجهاً لوجه مع هيلاري كلينتون، فأنا لا أعتقد أن لديه أي فرصة كي يصبح رئيساً.

·        } أبطالك مسلحون، ما هو موقفك بالنسبة إلى التعديل الثاني للدستور؟

- كل أنواع الأسباب المشروعة تبرر حمل السلاح، ولكن مع كل عمليات إطلاق النار الجماعية الأخيرة التي ارتكبها متطرفون، أجد نفسي محبطاً للغاية لأننا غير قادرين على إجراء مناقشة عادلة لتطبيق الرقابة الصارمة على حمل السلاح.

·        } هل يمكننا أن نتصور أن السيناريو الخاص بك يمكن تكييفه مع المسرح؟

- نعم، لأنه يذكرنا بمسرحية «عودة رجل الجليد» للكاتب يوجين أونيل. فنحن نجد نفس النوع من الشخصيات الساخرة التي لم تعد تؤمن بالمثل الأمريكية.

·        } لماذا لم تقم بإنقاذ أياً من شخصياتك؟

- المشاهد هو من يقرر أي من الشخصيات يستحق أن نتعاطف معه، والخيار صعب. أردت ألا يكون أي من الشخصيات جيداً، فما أن تميل أي شخصية إلى أي وجهة نظر أخلاقية، نجد أن النفاق يفسدها بطريقة أو بأخرى.

·        } لماذا قدمت فيلمك بطريقة «ألترا بانافيجن» (شكل عريض استخدم للمرة الأخيرة في عام 1966) مع افتتاحية موسيقية واستراحة؟

- فكرة أنه يمكن للمرء مشاهدة فيلم ما على هاتفه الخلوي، أمر يصيبني بالاكتئاب. لقد أردت أن أعود إلى الماضي لاستعادة تقليد خسرناه بفعل التكنولوجيا التي جعلتنا ننسى سحر الانفعالات والعواطف. أردت أن يجد الجمهور نفسه جالساً في الظلام وينظر إلى الشاشة ويقول: «آه نعم، نحن في السينما فعلاً!».

·        } هل تخطط دائماً للتقاعد بعد عمل عشرة أفلام؟

- يمكنني أن أعمل أحد عشر فيلماً، ولكن ليس اثني عشر. أود أن أتوقف وأنا في القمة وليس في مرحلة الهبوط، صحيح أنني لم أحصل على جائزة الأوسكار لأفضل مخرج، لكنني فخور جداً بالفوز بجائزتي أوسكار لأفضل سيناريو أصلي عن «بالب فيكشن»، و«جانغو المتحرر من القيود». وأود أن أصبح أديباً لأنني أصبحت أميل إلى الكتابة أكثر وأكثر، وكذلك نحو النقد. ولقد طلبت بالفعل من بعض الأصدقاء إبقاء أعينهم مفتوحة على دور السينما الباريسية، في حال أردت أن آتي لأستقر هنا ( يضحك).

صانع الأفلام

نشأ تارانتينو كمعجب كبير بالأفلام وعَمل في متجر أرشيفات الفيديو لتأجير الأفلام، بينما كان يتدرب على التمثيل. وبدأ مسيرته المهنية في أواخر الثمانينات، عندما قام بكتابة وإخراج My Best Friend's Birthday، وهو السيناريو الذي شَكل أساس فيلم True Romance. في بداية التسعينات بدأ تارانتينو كصانع أفلام مستقل مع إصدار فيلم «كلاب المستودع» (1992)، الذي يعتبر الآن من الكلاسيكيات ذي الشعبية الواسعة، والذي وصفته مجلة Empire ب «أعظم فيلم مستقل على الإطلاق». ازدادت شعبية تارانتينو بفضل فيلمه الثاني «خيال رخيص» (1994)، من نوع الدراما السوداء والجريمة، لقي نجاحاً ساحقاً على الصعيدين النقدي والتجاري، واعتبرته مجلة Entertainment Weekly أعظم فيلم بين (1983-2008). وعام 1997، قدم تارانتينو فيلم «جاكي براون» المقتبس عن رواية (Rum Punch)، وذلك في تكريمٍ له لأفلام استغلال السود التي كانت منتشرة في السبعينات.

بعد 6 سنوات، عاد تارانتينو بثنائية «اقتل بيل»، وفي العام 2007، أخرج تارانتينو «المضاد للموت» وهو فيلم ثنائي مع صديقه المخرج روبرت رودريغيز. وفيلم «أوغاد مجهولون» الذي تم تأجيله لفترةٍ طويلة واستمر العمل على نصه لأكثر من عقد، صَدر في العام 2009، ولاقى إشادة واسعة من مختلف النقاد

أحدث أفلامه «جانغو المتحرر من القيود» الذي تدور أحداثه في فترة ما قبل الحرب الأهلية في الجنوب الأمريكي «الأسفل»، يعتبر أعلى أفلام تارانتينو إيراداً حتى الآن بإجمالي بلغ 425 مليون دولار حول العالم.

وبشكل عام نجحت جميع أفلام تارانتينو على الصعيدين النقدي والتجاري. وحاز العشرات من الجوائز، منها جائزتي أوسكار، جائزتي غولدن غلوب، جائزتي بافتا وجائزة «السعفة الذهبية» من مهرجان «كان»، وترشح لجائزة غرامي وجائزة إيمي. واعتبرته مجلة Time أحد أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم عام 2005، ووصفه صانع الأفلام والمؤرخ بيتر بوغدانوفيتش ب «المخرج الأكثر تأثيراً في جيله».

الخليج الإماراتية في

29.01.2016

 
 

The Hateful Eight الفيلم الذي يبدأ في المنتصف

محمد جابر

الفيلم الثامن للمخرج الأميركي، كوينتن تارنتينو، يقف منذ عنوانه في تصادم مع عنوان آخر شهير في تاريخ السينما الأمريكية، وهو “The Magnificent Seven”، المقتبَس بدوره عن الياباني “The Seven Samurai”. وفي هذا التصادم، يتشكَّل جانبٌ من الرؤية الفكرية والاتجاه الذي يأخذه تارنتينو. إذْ لا يوجد في أفلامه أبطال أو عظماء، هم دائماً حفنة من الأوغاد، قد يكون بعضهم أفضل من بعض، وقد تتعاطف كمشاهد مع شخصيَّة "العروس" أكثر من شخصيَّة "بيل" في فيلم “Kill Bill”، أو مع "مستر وايت”، أكثر من "مستر بلوندي" في “Reservoir Dogs”، على سبيل المثال. ولكن الجميع في النهاية أوغاد. 

رجال غرباء مكروهون

ولذلك، فإن الفيلم يحمل منذ عنوانه، نفياً لصفة البطولة بأي شكل عن أبطاله. هم مكروهون يستحق كلُّ واحدٍ منهم القتل. هكذا يراهم تارنتينو، وهكذا يرى العالم. 

يبدأ الفيلم بمشاهد لعاصفة ثلجية، نعرف من الملابس أننا في عصر "الغرب الأميركي الحديث"، ثم من الحوار، أنَّ الزمن هو زمن ما بعدالحرب الأهليَّةالأميركيَّة. صائد جوائز أسود (لقب يُطْلَق على الذين كانوا يقبضون على الخارجين عن القانون في الغرب القديم، ويسلمونهم لحاكم البلد)، يدعى "وارين"، يوقِفُ عربة خيول عابرة لتقله مع 3 جثث لخارجين عن القانون، وليكتشِف أنَّ من يركبها هو "جون روث". صائد جوائز آخر قديم، يفضِّلُ الاحتفاظ بالمقبوض عليهم أحياء كي يُشْنَقوا، وهو في رحلته تلك يُقل "ديزي دومرجيو" إلى بلدة "ريد روك"، بعدها يُقابِل ثلاثتهم في الطريق، "كريس مانيكس"، الذي يدَّعى أنه "شريف ريد روك"، ويطلب الركوب معهم. وتصل رحلتهم الرباعيَّة في النهاية إلى محل يدعى، "ميني"، حيث سيضطرون للبقاء يومين لحين انتهاء العاصفة. وفي المحل الصغير لن يجدوا "ميني" بل سيجدون 4 رجال غرباء الأطوار ليكتمل عقد الـ"Hateful Eight”، وتبدأ أحداث مجنونة في الوقوع، ستشكل خطراً جسيماً على حياة الجميع.

وقت مهدور

هناك مشكلة واحدة وكبيرة، مع الأسف، في هذا الفيلم تمنعه من أن ينضمَّ لكلاسيكيات تارنتينو الأهم، وهو أنَّه يهدر وقتاً طويلاً من مدته البالغة 3 ساعات دون أن يبدأ الحدث الرئيسي، أيَّ أنَّ هنالك وقتاً كثيراً في الفيلم ضائعاً ويشعر المشاهد فيه بالملل، خصوصاً أن الفيلم أصلاً طويل. تارنتينو يستَغْرِق أوَّل ساعة ونصف تقريباً من أجل التمهيد للشخصيَّات سينمائيًا.

ويعتمد على الحوار الطويل، كالعادة في جميع أفلامه، بين "وارين" و"روث" و"ديزي ثم "مانكيس"، ليصنع خلفيَّة عن أبطاله، ولكنَّ ذكاءه في الكتابة خانه هذه المرة لأكثر من سبب. أوَّلاً، كل شيء يريده لنا أن نعرفه عن الشخصيات سنعرفه لاحقاً دون ضرورة استغراق نصف مدة الفيلم في شرح الشخصيات والتركيز عليها. ثانياً، الحوار نفسه ورغم ذكائه، ليس بنفس استرسال وخفة حواراته القديمة في أفلامه السابقة، إذ يبدو مثقلاً بالمعلومات النظرية أحياناً، ويفتقد أرضية الثقافة الشعبية، والعمق الأهلي أحياناً، وعلاقة الشخصيات بعالمنا الواقعي كمشاهدين أحياناً أخرى. وبسبب هاتين النقطتين، نستطيع القول إنه كان يمكن اختصار الحوار لمدّة النصف على الأقل.

بداية الفيلم من المنتصف

في النصف الثاني من الأحداث، والذي يبدأ فعلياً في الفصل المسمى "سر درمرجيو"، وهو الفصل الرابع ضمن 6 فصول تشكل العمل، تنفجرُ الأحداث فعليَّاً، وكأنَّ الفيلم قد بدأ لتوّه. وكلُّ إمكانيَّاته قد بدأت تستخدم الآن: صراع الشخصيَّات المتنافرة، موسيقى إنيو موريكوني، استخدام تصوير روبرت ريتشاردسون على خام 70 مللي وبأبعاد شاشة عريضة للغاية، الحبكة والحوار والسر الذي تحمله درمرجيو والشخصان اللذان يموتان بسببه، واللغز الذي يبدو وكأنه إعادة تكرار عظيمة للغز فيلمه السابق Reservoir Dogs، ألا وهو: شخصيات داخل مكان مغلق تبحث عن الخائن بينها. 

تلك المرحلة من الفيلم عظيمة فعلاً، لا يتوقف العمل ثانية واحدة، التشويق مستمر ومتصل، ولا يُسْمَح للمشاهد حتى بالتقاط الأنفاس، ورغم أنَّ بعض التفاصيل تبدو متوقَّعة، بالنسبة لمحبي سينما تارنتينو أو المعجبين بها، إلا أنَّ ذلك لا يقلل من تدفق الفيلم. تارنتينو يستفيدُ فعلاً من اختلاف شخصيَّاته الثمانية. ومن أنهم كلُّهم أشخاص كريهون وبغيضون ولديهم حيلهم، ومن الاتفاقات التي تحدث بين اثنين من الأعداء فقط، لأنه هنالك على الطاولة الأخرى عدوٌ أكبر. يتحول محل "ميني" الصغير لرقعة شطرنج كبيرة، وكلُّ خطوةٍ محسوبة لأنَّها قد تكلّف شخصاً حياته. وبسبب كلّ هذا، يتحوَّل نصف الفيلم الثاني لواحد من أكثر الأوقات السينمائيَّة تميُّزاً وتشويقاً في عام 2015.

تأثير غياب سالي منيك

الفيلم يحتاج لإعادة مونتاج فقط، وقد يصبح حينها عملاً عظيماً ومؤثراً، وربما من الضروري الإشارة هنا، إلى أنَّ تارنتينو فقد عام 2010، صديقته والمونتيرة التي عملت على جميع أفلامه السابقة، سالي مينك، بسبب وفاتها. وفي الفيلمين التاليين Django Unchained عام 2012، ثم Hateful Eight هذا العام، عمل مع المونتير فريد راسكين. وعانى الفيلمان من مشاكل في الإيقاع وتطويل في بعض الأحيان. لو كانت مينك لاتزال موجودة، على الأغلب، كانت منعت الضياع الهائل في وقت الفيلم منذ البداية، ومنعت أن يستغرق التمهيد حوالى الـ 90 دقيقة. وبالتأكيد، كان الفيلم سينال مديحاً وجوائز أكثر مما نال الآن.

5 مشاهد خالدة في سينما تارينتينو

محمد جابر

اشتهر المخرج، كوينتن تارنتينو، بالعديد من السمات والتفاصيل المميّزة في أسلوبه السينمائي. واحدة من أهم هذه السمّات على الإطلاق، هي: المشهدية، أي أن يكون المشهد عملاً قصيراً في حد ذاته، ولا يوضَع في القصّة لمجرّد وظيفةٍ معلوماتيّة إخباريّة. وبالتالي، امتازت مشاهد الرجل بالتحولات الحادّة والحوارات الطويلة والتفاصيل المتناثرة، بل وحتى بجرعة عاطفيّة تنفجر أحياناً من نقاط غير متوقعة. وفي سينما مشهدية بهذا القدر، من الصعب جداً اختيار 5 مشاهد فقط، ولكننا نحاول اختيار أكثرها أيقونية. 

افتتاحية فيلم Reservoir Dogs  

تأتي أهميَّة هذا المشهد، كونه أوَّل تعارف على الإطلاق بين المشاهد وتارنتينو في فيلمه الأول. الشخصيات مميزة جداً، وواضحة المعالم منذ اللحظة الأولى. ويمتاز المشهد بالانسيابية المدهشة، وإدخال الثقافة الشعبية الأميركيَّة، كجزء من أحاديث الشخصيات في الفيلم. 

اقتباس جولز من الكتاب المقدس في فيلم Pulp Fiction 

هذا الفيلم غيّر فعلاً في تاريخ السينما. ومنذ حصوله على السعفة الذهبية قبل 22 عاماً، وحتى الآن، ما زال عملاً محورياً في صناعة الأفلام. هذا المشهد الشهير يحمل جانباً كبيراً من عمق وأصالة شخصيات تارنتينو. “جولز"، رجل العصابات، الذي يقتل الناس بدمٍ بارد يفكر منذ الصباح، في الحكمة الإلهية من عدم موتهم رغم إطلاق النار عليهم من مسافة قريبة. “فينسينت"، صديقه، يرى الأمر مجرد صدفة. بينما "جولز" يربط به حياته كلها، وفي تلك اللحظة التي يتعرض المطعم الذي يجلسون فيه لهجوم مسلح من لصّين صغيرين، يصنع "جولز" لحظة سينمائيَّة للذكرى في حديثه الطويل عن طريق الرجل الطيّب المُحاصَر من جميع الجهات. 

اقتلي أوران أوشي في فيلم Kill Bill V.1 

يخلق تارنتينو ملحمة من 4 ساعات، عن واحدة من أبسط حبكات الحكايات: "امرأة تريد الانتقام”. وفي نهاية الجزء الأول، يُمْنَح المُشاهد نصف ساعة للذكرى، فبعد أن تتلقّى العروس تدريباً طويلاً وتحصل على سيف "هاتوري هانزو”، تبدأ رحلتها. في الفيلم، ليكون قتل "أوران أوشي" هو الأصعب على الأغلب. 

اقتلي بيل في فيلم Kill Bill V.2 

لا يحدث قتل بيل إلا في الربع الأخير من الفيلم، ويأتي تماماً على قدر التوقّع، وعلى عكس الصخب والحركة في مشهد قتل "أوران أوشي”، فإنَّ قتل بيل يحدث قبله حوار طويلٌ جد، كلُّ جزءٍ منه قابل للتذكّر، على رأسه ربما نظرية بيل عن الأبطال الخارقين. وأن "سوبرمان" هو بطله المفضل، لأنه وُلِدَ كبطل خارق ويحاول التخفي بين الناس بشخصية عادية. ثم الربط العبقري بينه وبين "بياتريس كيدو"، وفي الأخير هناك لحظة القتل المميز.

الفصل الأول في فيلم Inglourious Basterds 

مشهد الافتتاحية لفيلم تارنتينو السادس، مشهد طوله 20 دقيقة حواريَّة كاملة، يقود فيه بطله “لانز لاندا” روح الحدث بالكامل، من بداية هادئة، وضغط يتزايد مع دقائق المشهد وصولاً إلى نهاية دموية تماماً. في هذا المشهد، هناك الكثير من تارنتينو ومن السينما التي يحبّها، عن تأسيسه للشخصيات، وتسييره للحدث، ومشهديته الشديدة التي تجعل 20 دقيقة كتلك ستبقى دائماً في الذكرى. 

العربي الجديد اللندنية في

29.01.2016

 
 

«ويل سميث» يعلن مقاطعة حفل توزيع جوائز «أوسكار»

كتب: أ.ش.أ |

قال النجم العالمي ويل سميث ، إنه يرغب في أن يكون جزءا من الحل وسط تصاعد الجدال حول قائمة المرشحين لجائزة الأوسكار، والتي لا تضم أي نجم من أصحاب البشرة السمراء.

وأضاف الممثل الأمريكي أنه سينضم إلى قرار زوجته جادا بنكيت سميث، والمخرج سبايك لي، في عدم حضور حفل توزيع جوائز «أوسكار »، الشهر المقبل.

وقال سميث لشبكة «آي تي في»، البريطانية، إن قرار المقاطعة لا يتعلق بعدم ترشيحه للجائزة، لكن الأمر هو مجرد إرسال رسالة للقائمين على الجائزة.

دي كابريو وبري لارسون الأوفر حظًا للفوز بجوائز نقابة ممثلي السينما الأمريكية

كتب: الألمانية د.ب.أ |

يكرم كبار ممثلي هوليوود زملاءهم، السبت، في حفل توزيع جوائز نقابة ممثلي السينما الـ22، ويعد الممثل ليوناردو دي كابريو والممثلة بري لارسون الأوفر حظًا للفوز بأهم جوائز التمثيل لهذا العام.

ومن المتوقع أن يحضر حفل توزيع الجوائز الذي سيقام في مسرح «شراين أودوتوريوم» في لوس أنجلوس عدد من أكبر النجوم في صناعة السينما، ومن بينهم أبرز المرشحين دي كابريو ولارسون ومقدمو الحفل مايكل كيتون وسوزان ساراندون وإدريس إلبا وجوليان مور وإيدي ريدماين وتينا فاي وآيمي بولر.

ويتنافس ضد دي كابريو كل من ريدماين وبريان كرانستون وجوني ديب ومايكل فاسبندر للفوز بجائزة أفضل ممثل في دور رئيسي.

وتتنافس على جائزة أفضل ممثلة في دور رئيسي، لارسون وكيت بلانشيت وهيلين ميرين وساويرس رونان وسارة سيلفرمان، وقد فاز دي كابريو ولارسون بجائزتي أفضل ممثل وأفضل ممثلة في جوائز جولدن جلوب في 10 يناير الجاري، ويرشحهما الخبراء للفوز بالجائزين مجددا اليوم.

وفاز دي كابريو بالجائزة عن دوره في فيلم «ريفينانت»، الذي يجسد فيه شخصية مواطن أمريكي في القرن الـ19 في صراع من أجل البقاء، بينما فازت لارسون بالجائزة لتجسيدها شخصية أم مخطوفة تتمكن من الهرب من الأسر مع ابنها الصغير في فيلم «رووم».

المصري اليوم في

30.01.2016

 
 

توم هانكس يحصد لقب فنان أميركا المُفضل للمرة الخامسة

الوكالات ـ «سينماتوغراف»

اُختير الفنان العالمى توم هانكس للقب فنان أميركا المُفضل للمرة الخامسة بعد مسيرة مهنية حافلة على مدار 36 عامًا، حيث تصدر النجم المُخضرم توم هانكس نتائج الاستطلاع السنوى الذى أجراه مركز هاريس التفاعلي، ويليه مباشرةً الفنان العالمى جوني ديب، بحسب ما نقلت صحيفة الديلى ميل البريطانية.

حاز “هانكس”، البالغ من العمر 59 عاماً، الذى يُعرض له حالياً فيلم “Bridge of Spies” من إخراج ستيفن سبيلبرج، على اللقب ذاته لأول مرة فى عام 2002  ثم حاز عليه بعد ذلك فى الأعوام 2004 و2005 و2013.

عُرف “هانكس”، الفائز بجائزتين أوسكار، بمجموعة من الأدوار المهمة، والتى تعتبر علامات فارقة فى هوليوود مثل “Apollo 13” و “Saving Private Ryan”.

وذكرت الصحيفة البريطانية أن جونى ديب تقدم مركزين عن استطلاع العام الماضى، ليأتى الفنان ديزل واشنطن فى المرتبة الثالثة ويليه جون وين – الذى رحل عن عالمنا منذ عقود – فى المرتبة الرابعة، يينما جاء الفنان هاريسون فورد فى المرتبة الخامسة.

وكانت الفنانة العالمية ساندرا بولوك أول امرأة فى القائمة السنوية لمركز هاريس التفاعلي حيث احتلت المرتبة السادسة وتلتها الفنانة جينيفر لورانس.

سينماتوغراف في

30.01.2016

 
 

أوباما: غياب التنوع في هوليوود يعبر عن قضية أوسع

القاهرة- بوابة الوفد

عبّر الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن رأيه إزاء الجدل الذي ثار حول نقص التنوع في هوليوود بعد الإعلان عن المرشحين لجوائز الأوسكار وهم جميعهم من الممثلين البيض للعام الثاني على التوالي.

وقال أوباما - خلال مقابلة مع شبكة إيه بي سي الأمريكية - إن غياب التنوع في هوليوود "يعبر عن قضية أوسع" وضرورة توفير فرص متساوية للجميع.

وأكد أن مشاركة كل الأطياف في صناعة السينما سيكون له مردود أفضل على هذه الصناعة وسيجعل الجميع يشعرون بأنهم جزء من المجتمع الأمريكي.

وأضاف الرئيس الأمريكي أنه ينبغي على صناعة السينما ككل أن تفعل ما فعلته باقي الصناعات الأخرى وهو البحث عن المواهب وتوفير الفرص للجميع.

وكان عدد من الممثلين الأمريكيين قد انتقدوا سيطرة المرشحين من ذوي البشرة البيضاء على ترشيحات الأوسكار هذا العام، حيث وصفها الممثل مات ديمون بأنها عار وتثير الإحراج، كما قال الممثل جورج كلوني إن صناعة السينما تسير في الاتجاه الخطأ والمعاكس.

كما دعا عدد من نجوم هوليوود من أصل أفريقي من بينهم المخرج سبايك لي إلى مقاطعة حفل توزيع جوائز الأوسكار في 28 فبراير المقبل بعد استبعاد أفلام الملونين من الترشيحات لهذا العام.

الوفد المصرية في

30.01.2016

 
 

شاهد.."دب" فيلم "The Revenant" يفوز بجائزة الأوسكار.. ودى كابريو "لا"

كتبت رانيا علوى

مازال النجم العالمى ليوناردو دى كابريو محط سخرية من قبل عدد كبير من المواقع الفنية، وذلك بسبب حلم النجم الشهير لنيل جائزة الأوسكار أفضل ممثل، وهى التى رشح لها 5 مرات خلال السنوات السابقة إلا أنه لم يفز بإحداها. وهذا العام يترشح من جديد لجائزة أوسكار أفضل ممثل عن دوره فى " The Revenant " وهو من أكثر الأدوار الصعبة والمركبة التى قدمها لذلك أعد أحد محترفى استخدام برنامج تعديل الصور "فوتوشوب" صورة ظهر فيها دى كابريو وهو يصارع إحدى الدببة، إلا أن جائزة "الأوسكار" نالها "الدب"، والصورة تدل أن الأوسكار حلم صعب أن يحققه دى كابريو. والفيلم تدور أحداثه حول شخصية صائد دببة، يتعرض للمهاجمة والسرقة، ويُترك فى الغابة حتى الموت، إلا أنه يتعافى ويسعى للانتقام ممن خانه، وهو مأخوذ عن رواية The Revenant: A Novel of Revenge فى القرن الـ19 ومن إخراج المخرج المكسيكى أليخاندرو جونزاليز إناريتو، ويشارك فى بطولة الفيلم توم هاردى وويل بولتر ولوكاس هاس وبريندان فليتشر وبراد كارتير، وكريستوفر جونيور، وتم تصوير العمل فى الولايات المتحدة الأمريكية وكولومبيا. والفيلم ينافس على 12 جائزة من الجوائز الأوسكار وهى أفضل فيلم، أفضل ممثل مساعد ورشح لها النجم توم هاردى وأفضل تصوير سينمائى وأفضل تصميم أزياء وأفضل مخرج للمخرج المكسيكى أليخاندرو جونزاليز إيناريتو، وأفضل مونتاج وأفضل مكياج وأفضل إنتاج فنى وأفضل مؤثرات صوتية وأفضل مكساج وأفضل مؤثرات بصرية

اليوم السابع المصرية في

30.01.2016

 
 

«دي كابريو» يفوز بجائزة أفضل ممثل عن فيلم «ذا ريفينانت»

الوكالات ـ «سينماتوغراف»

حصل الممثل ليوناردو دي كابريو على جائزة أحسن ممثل عن دوره في فيلم “ذا ريفينانت” من نقابة ممثلي السينما في لوس أنجليس خلال الحفل السنوي الذي اقامته في ساعة متأخرة من يوم أمس السبت.

وذهبت جائزة أفضل مجموعة ممثلين الى فيلم “سبوتلايت”. وفازت بجائزة أفضل ممثلة بري لارسون عن دورها في فيلم “روم”.

وذهبت جائزة افضل ممثل مساعد الى الممثل البريطاني الأسود ادريس إلبا عن دوره في فيلم “بيستس أوف نو نيشن”.

وفازت الممثلة السويدية اليشا فيكاندر بجائزة أفضل ممثلة مساعدة عن دورها في فيلم “ذا دانيش جيرل” فيما حصلت الممثلة كارول بيرنت على جائزة انجاز العمر.

سينماتوغراف في

31.01.2016

 
 

"ترومبو" .. دفاع عن الحرية

أمير العمري

أنتجت هوليوود في تاريخها القريب عددا من الأفلام البارزة التي سعت من خلالها إلى "تطهير" سمعتها وما شابها خلال فترة قاسية من التاريخ الأمريكي الحديث، عندما تحول عدد كبير من كبار نجومها إلى الوشاية بزملائهم خلال ما عُرف بـ "الحقبة المكارثية".

كانت تلك حقبة "الحرب الباردة" بين المعسكرين الأمريكي والسوفيتي التي اندلعت بعد الحرب العالمية الثانية، وقد انعكس الصراع الأيديولوجي على الداخل الأمريكي ثم امتدّ ليشمل كل من يُشكّ في علاقته بالأفكار اليسارية الراديكالية، سواء أعضاء الحزب الشيوعي الأمريكي، أو المنظمات والنقابات والأفراد الذين ينتقدون النهج الاقتصادي والسياسي لـ "المؤسسة" الأمريكية.

كانت هناك خشية حقيقية من تغلغل النفوذ السوفيتي داخل الولايات المتحدة، وسرعان ما تشكّلت داخل الكونجرس لجنة "النشاط غير الأمريكي"، وامتدّ نشاط هذه اللجنة إلى هوليوود، حيث اعتُبر وجود عدد من كتاب السيناريو والمخرجين اليساريين، أمرا غير مرغوب فيه بسبب تأثير الأفلام على الرأي العام. وفي نهاية الأربعينات خضع عدد كبير من السينمائيين للاستجواب أمام هذه اللجنة برئاسة السيناتور جوزيف ماكارثي، من بينهم وأشهرهم، كاتب السيناريو دالتون ترومبو.

ترومبو هو الشخصية الرئيسية التي تدور حولها الأحداث في فيلم "ترومبو" Trumbo للمخرج جاي روش عن سيناريو جون ماكنمارا. ويعتمد السيناريو على التفاصيل التي وردت عن تلك الشخصية المثيرة للجدل، في كتاب "دالتون ترومبو" للكاتب بروس كوك.

وقد يبدو أن صنع فيلم يدور حول شخصية رجل مهنته الأساسية الكتابة، عمل يصعب كثيرا تحويله إلى دراما سينمائية يمكن أن تشدّ الجمهور، خاصة جمهور الشباب المولع بأفلام الفضاء والمغامرات والكائنات المثيرة. لكن ربما كان نجاح تجربة سابقة في هذا المجال، بل وعلى مستوى أكثر صرامة كما  في فيلم "طاب مساؤك.. وحظا سعيدا" (2005) Good Night and Good Luck الذي أخرجه جورج كلوني، وكان مصورَّا بالأبيض والأسود ويعتمد على "أحاديث الراديو"، هو الذي شجّع منتجي فيلم "ترومبو" على الإقدام على هذه المغامرة الفنية والإنتاجية.

الرجل والتاريخ

وليس من الممكن اعتبار فيلم "ترومبو" سردا موثقّا لتاريخ الحقبة المكارثية، حقبة التفتيش في الأفكار، واضطهاد المثقفين والكُتّاب وأصحاب الرأي، والتي امتدّت لتشمل آلاف الأشخاص في عموم الولايات المتحدة، الذين ضغطت اللجنة على الجهات التي يعملون بها، لكي تعفيهم من  أعمالهم وبالتالي دفعهم للعيش تحت خط الفقر بعد أن فقدوا بيوتهم وتمزقت عائلاتهم وأصيب كثيرون منهم بالأمراض القاتلة.

إن هذه الأجواء موجودة في الفيلم، نلمحها من خلال ما نشاهده من انعكاسات ذلك الحظر على عدد من أبرز وأشهر كتاب السيناريو في هوليوود، منهم من يلقى مصيره بسبب العجز عن تغطية نفقات العلاج،  ومنهم بالطبع بطلنا ترومبو، الكاتب الموهوب الذي يتمتع بالقدرة على إنقاذ الكثير من المشاريع السينمائية الكبرى من السقوط، فقد كانت تلجأ إليه كبرى شركات الإنتاج السينمائي في هوليوود  لكي يقوم بإعادة كتابة السيناريوهات بحرفيته العالية ومهارته ككاتب يتمتع بالخيال.

وقد ظلّ ترومبو يمارس كتابة الأفلام منذ أوائل الأربعينات محققا نجاحا كبيرا، إلى أن اضطُر للظهور أمام لجنة النشاط المعادي أو غير الأمريكي في الكونجرس والخضوع للاستجواب، لكنه رفض الإجابة على الأسئلة التي وُجهت له، فقد رأى أنها تتعارض مع حقه الدستوري الأصيل كمواطن في اعتناق الفكر الذي يراه طالما أنه لا يُهدِّد سلامة المجتمع بأي حال.

الفيلم لا يسعى إلى تقديم تاريخ للفترة، بل يُركِّز أكثر على الدراما الهائلة التي تنشأ عندما يجد رجل مرموق في مجاله، نفسه مع أسرته، ممنوعا من العمل وبالتالي يواجه مع أفراد أسرته: زوجته وابنه وابنتيه، حرب تجويع بمعنى الكلمة، ناهيك عن تشويه السمعة الذي لحق به بعد أن انصرف عنه الجميع فقد أصبح في أنظار الرأي العام (خائنا)!

يختار سيناريو جون مكنمارا بدلا من تناول قضية "العشرة الكبار" أو ما عُرف بـ "قائمة هوليوود السوداء" التي سبق تناولها في عدد من الأفلام، تناول الموضوع - ليس من الزاوية السياسية - بل من زاوية إنسانية، تتعلّق بحرية الفكر بشكل عام وليس فقط بالنشاط اليساري الراديكالي، من أجل تقريب الفيلم إلى جمهور الطبقة الوسطى الأمريكية ومن الشباب الذي لا يعرف الكثير عن تفاصيل تلك الفترة.

يصور الفيلم كيف يتحايل "ترومبو" ويُجنِّد جميع أفراد أسرته الصغيرة، من أجل مقاومة تلك العزلة الإجبارية التي فُرضت عليه ككاتب، واختراق "القائمة السوداء" ومواصلة العمل والكتابة سرّا، تحت إسم مستعار، لحساب شركات هوليوود التي رحبّت بقبول ما يكتبه، أولا لأنها لم تكن تدفع المقابل المادي الذي كانت تدفعه له في السابق عن سيناريوهاته بل أقل كثيرا، وثانيا لكي تضمن مستوى عاليا من السيناريوهات من ترومبو وغيره من كتاب السيناريو الكثيرين الذين شملهم المنع.

موقف المثقف الرافض

"ترومبو" هنا يرمز للمثقف صاحب الموقف والرأي، الذي يُفضِّل السجن على الخضوع لما تطلبه منه "اللجنة"، أي الوشاية بزملائه واستنكار أفكاره والتخلِّي عن مبادئه، على عكس ما فعله كثير من زملائه ومنهم الممثل الشهير إدوارد ج.روبنسون، الذي وشى به وبغيره مختلقا الكثير مما كانت اللجنة ترغب في سماعه، لكي ينقذ نفسه، ثم لم يجد غضاضة فيما بعد، أي بعد أن غادر ترومبو السجن الذي قضى فيه عاما بتهمة ازدراء الكونجرس، من أن يطلب من ترومبو أن يقوم سرا، بإصلاح السيناريوهات التي تُعرض عليه لإنقاذه من هوة الفشل التي سقط فيها بعد أن كان نجما مرموقا.

وقد واصل ترومبو الكتابة، إما تحت أسماء مستعارة أو أسماء حقيقية لغيره من الكتاب الذين كانوا يتقاسمون معه العائد المادي، فأنتج 17 سيناريو خلال الفترة من 1950 إلى 1960، من بينها سيناريو فيلم "الرجل الشجاع" The Brave One (1957) الذي حصل على أوسكار أحسن سيناريو دون أن يتمكن ترومبو من استلام الجائزة التي ذهبت لصاحب الإسم الذي وُضع على السيناريو وكان لكاتب مغمور في هوليوود لكنه كان يتمتع بالشرف والنزاهة مما جعله يتقاعس عن الظهور لاستلام الجائزة بل حاول تسليمها لترومبو الذي رفض كما نرى في الفيلم، قائلا إنه يجب أن يقبلها هو لأن اسمه عليها.

هذا الموقف سيدفع ابنته التي نرى في الفيلم أنها كانت متأثرة كثيرا بشخصيته، إلى أن تطالبه فيما بعد بضرورة استعادة الجائزة لنفسه!

يظهر في الفيلم ممثلون يقومون بأدوار بعض شخصيات هوليوود الشهيرة مثل: جون واين الذي تزعّم مع الكاتبة الصحفية هيدا هوبر (تقوم بدورها في الفيلم هيلين ميرين) ما عُرف بـ "تحالف صناع الأفلام" لمقاومة النشاط الشيوعي في هوليوود تحت شعارات وطنية، كما يقوم الممثل دين أوجورمان بدور النجم الشهير كيرك دوجلاس. ويظهر أيضا من يقوم بدور المخرج الأمريكي من أصل نمساوي، أوتو بريمنجر، الذي كان أول من صرّح علانية عام 1960 بأنه أسند كتابة سيناريو فيلمه "الخروج" إلى دالتون ترومبو باسمه الحقيقي، وتبعه على الفور كيرك دوجلاس في تحدِّ سافر للقائمة السوداء، عندما أصرّ على إسناد كتابة سيناريو فيلم "سبارتاكوس" إلى ترومبو دون التخفِّي تحت أي اسم مستعار.

لقطات الأرشيف التسجيلية

في الفيلم تقوم الصحفية هيدا هوبر بمحاصرة ترومبو، وتشنّ حملة ضد كيرك دوجلاس بالتعاون مع جون واين (الذي يطلقون عليه الدوق) لدفعه إلى الاستغناء عن ترومبو والتهديد بمقاطعة الفيلم. ويستخدم المخرج الكثير من اللقطات التسجيلية للأحداث الحقيقية في الفيلم من بينها استجوابات لجنة ماكارثي أمام الكونجرس، والمظاهرات التي نُظمّت أمام دار العرض التي شهدت العرض الأول لفيلم "سبارتاكوس"، وهي لقطات من الأرشيف (بالأبيض والأسود) كان المخرج يُركِّز عليها ثم  ينتقل من داخلها إلى اللقطات المصورّة للفيلم باستخدام الممثلين، كما ينتقل من الأبيض والأسود إلى اللقطات الملونة.

ويستمر هذا الأسلوب حتى النهاية، لا يقطعه إلا عند نزول العناوين الختامية للفيلم، عندما نرى شخصية ترومبو الحقيقية أثناء تكريمه من قبل "نقابة كُتّاب السيناريو الأمريكيين"، ثم نشاهده في مقابلة تليفزيونية أمام الكاميرا معلقا على انتصاره على قائمة هوليوود السوداء، كما يقوم بإهداء جائزة الأوسكار التي عادت إليه، إلى ابنته التي يعتبرها الأكثر استحقاقا منه بالجائزة، بعد أن قامت بدور أساسي في مساعدته على الصمود والمقاومة.

وكما يهتم الفيلم بالعلاقة الخاصة بين ترومبو وابنته، يهتم أيضا بإبراز علاقته بزوجته "كليو" (تقوم بالدور ببراعة الممثلة جيان لين) التي صبرت وصابرت وصمدت معه، وتولت رعايته وتحملت فظاظته التي بلغت أحيانا، حدّ المغالاة، عندما كان لا يتوقف عن التدخين والكتابة، وكان أحيانا - كما نرى في الفيلم - يجلس داخل البانيو وسط الماء، لكي يستطيع الاسترخاء والاستمرار في الكتابة حتى يمكنه أن يلحق بالموعد المحدّد لتسليم السيناريوهات، رافضا حتى المشاركة في الاحتفال بعيد ميلاد ابنته.

في أحد المشاهد البديعة في الفيلم نشاهد ترومبو يلتقي بجون واين الذي يرفض مصافحته باعتباره (خائنا)، ويلقي على مسامعه محاضرة مقتضبة عن  ضرورة الإخلاص للوطن وكيف أن أمريكا انتصرت لتوها في الحرب بفضل القيم الديمقراطية، فيسأله ترومبو ببساطة: "وأين كنت أنت أثناء الحرب؟ لقد كنت وسط الديكورات، تضع الماكياج وتطلق الرصاص على الهنود الحمر"!
يختلق السيناريو شخصية كاتب يدعى أرلين هيند، كان مريضا بسرطان الرئة، سُجن مع ترومبو بسبب معتقداته السياسية، وكان ترومبو متعاطفا معه كثيرا، لكن أرلين كان يتهمه بأنه "يتحدث كراديكالي لكنه يحيا حياة رجل ثري"، فيقول له ترومبو: "ليس المهم ما تقوله، بل ما تتخذه من مواقف وتكون مستعدا لدفع الثمن"!

من الممثلين الخمسة المرشحِّين للحصول على جائزة الأوسكار، الممثل بريان كرانستون الذي يبرع كثيرا في أداء دور ترومبو، فيقدم الشخصية في أطوارها المختلفة، كأب وكاتب ورجل مهتم بمستقبل بلاده ومقاوم شرس ضد الفاشية، يرفض قمع الآراء المخالفة تحت شعار حماية الوطن، منتقلا من الوداعة والرقة، إلى التوحُّش والعدوانية بعد أن يجد نفسه معزولا، يريد أن يثبت وجوده ككاتب مازال يملك القدرة على الإبداع، وفي الوقت نفسه، يضمن دخلا لأسرته، ولكنه يدرك أيضا في الوقت المناسب مدى الضرر الذي أصاب أسرته بعد أن أصبح يتعامل مع أبنائه كفريق من التابعين، يتلقّون منه التعليمات، ثم يقومون بتوصيل مخطوطات سيناريوهاته سرا إلى شركات الإنتاج في هوليوود.

إن أداء كرانستون يرشحه بلاشك للحصول على الجائزة التي أرى أنه يستحقها، غير أن المنافسة ليست سهلة هذا العام. فغيره أيضا يستحقها. وما علينا سوى أن ننتظر ونرى!

الأوسكار وجدال العنصرية

محمد موسى

لم تنخفض حدّة النقاش المُتواصل عن الحضور الهامشي للغاية للأمريكيين من أعراق غير بيضاء في ترشيحات جوائز الأوسكار السينمائية القادمة، والذي تفجّر بعد ساعات قليلة من إعلان قوائم المتنافسين قبل أسابيع. بل أن جدال الإثنيات أو الأعراق وحضورهم على الشاشات السينمائية في الولايات المتحدة لم يبلغ أبداً هذا المستوى من عدم الرضى والغضب الذي يصل إليه هذه الأيام.

والذي ترافقه دعوات ساخطة من داخل عوالم صناعة السينما ومن خارجها لهزّ الذهنيات والكيانات الإنتاجية التي تهيمن على صناعة الفن السابع، حتى تعكس هذه الأخيرة التنوّع الموجود في المجتمع الأمريكي وتعبر عن فسيفسائه الواسع، وأن تتوقف عن إقصاء أمريكيين بسبب عرقهم أو لون جلدهم. بيد أن كثير من تغطيات الإعلام تُركِّز بالتحديد على "الأوسكار"، وتغفل أن هذه الجوائز هي مُحصِّلة ومرآة لواقع الإنتاج السينمائي، وأن التغييرات الفعليّة الناجحة يجب أن تبدأ من الصناعة ذاتها، عندها ستكون الجوائز صدى للحال السينمائي، لا مُحدِّدة لقواعده أو طبيعته.

كما يبدو أن هذا الاهتمام المسبوق بعلاقة جوائز السينما والإثنيات لن يتوقف قريباً، بل سيتواصل إلى الحفل ذاته، فمن المؤكد أن يقوم "كريس روك"، الكوميدي الأمريكي الأسود المشاكس، بالسخرية من "الأوسكار" ويوظِّف قضية الأعراق في مقدمته الكوميدية للحفل في الثامن والعشرين من شهر شباط (فبراير). في الوقت الذي سيلقى غياب بعض النجوم الكبار عن الأوسكار اعتراضاً على ترشيحات هذا العام، هالة قاتمة على الاحتفال الأهم للسينما في العالم، وربما يدفع جمهور واسع لعدم متابعته على شاشات تلفزيوناتهم وحتى مقاطعته، ليزيد هذا من مشاكل التغطيات التلفزيونية للحفل في الأعوام الأخيرة، ذلك أن شعبية مشاهدة "الأوسكار" على التلفزيون في تراجع، وكما تُبين الإحصاءات المُتوافرة من الأعوام الخمس الأخيرة.

والحال أن قضية الأعراق والفنون في الدول الغربية، هي واحدة من القضايا الشائكة التي يتم بحثها في دوائر مختصّة في الولايات المتحدة وبريطانيا والعديد من الدول الأوروبية منذ أكثر من عقد. إذ شهدت هذه المناطق في الخمسين عاماً الأخيرة نمو سكاني مضطرِّد لمواطنيها من الإثنيات والعرقيات غير البيضاء، في حين لم تكن استجابة الصناعة السينمائية والتلفزيونية توازي سرعة التغيرّات السكانية والاجتماعية. فهناك كثير من المبادرات في بريطانيا على وجه التحديد والتي تشهد هجرة مقلقة لمواهبها السينمائية والتلفزيونية من أعراق غير بيضاء إلى الولايات المتحدة، لأن هذه الأخيرة ورغم كل الانتقادات لها، توفِّر فرصاً أكثر للممثلِّين السود مثلاً في التلفزيون الأمريكي. النقاش حول هذه القضايا والتي كانت تدور بين متخصصين، بعضهم عينتهم حكومات غربية، تحول بسبب أزمة الأوسكار الأخيرة إلى قضية عامة، يجري تداولها يومياً على الصحف والمواقع الإلكترونية الغربية، ويُطلق الحديث فيها نقاشات حاميّة على مواقع التواصل الاجتماعي.

شارك الإعلام الغربي بشكل فعّال في الأسابيع الأخيرة في إبقاء جذوة النقاش الدائر، كما انتقلت تغطيات الإعلام لهذه القضية من صفحات السينما التي انطلقت منها إلى صفحات المجتمع وأحياناً السياسة. وتحولت السينما إلى كناية عن قضايا أكبر تخصّ وضع الإثنيات في الدول الغربية والتحدّيات والمشاق التي يتعثّرون بها في حياتهم اليومية، وخاصة أن هذه القضية تأتي بعد سلسلة من الحوادث الدامية التي وقعت بين الشرطة وشباب سود في الولايات المتحدة خلال العام الماضي، والتي تبعتها احتجاجات عنيفة وصدامات مع الشرطة. لذلك ليس غريباً أن يشارك الرئيس الأمريكي باراك أوباما في نقاش جوائز الأوسكار، وأن تُشجِّع هذه الأخيرة شخصيات عامة، ومفكرين من خارج عالم السينما، للبحث مجدداً في العلاقة بين الفنون وفئات المجتمع الأمريكي المتنوعة، كمدخل لمراجعة مفاهيم التعايش والمساواة والوطنية في أمريكا اليوم.

لم تكن جميع التغطيات الإعلامية على القدر ذاته من المسؤولية والحصافة، فجنح بعضها للإثارة، و تم التركيز أحياناً على تصريحات مُخالفة للسائد وغير متزنّة لنجوم ومشتغلين في السينما، وإبرازها في عناوين الصحف وحوارات الإعلام معهم، لتحصل بالتالي على اهتمام يُشتِّت الانتباه عن القضية الأساسية. كما تحوّلت قضية الإثنيات إلى ساحة معارك بين ممثلين وممثلات وجدوا في اللحظة الإعلامية الكبيرة الفرصة لجذب الاهتمام والتذكير بمواهبهم المنطفئة. وتعثّر نجوم كبار في ما يريدون قوله، ليشوب بعض تصريحاتهم العدائية، وليعودوا ويعتذروا على هذه التصريحات، أو يتهموا وسائل الإعلام بأنها أساءت استخدامها.

مسؤولية الأكاديمية

لم يكن مُتوقعّاً رد "الأوسكار" السريع على الضجة الواسعة التي أعقبت إعلان الترشيحات الأخيرة والوعود التي أعلنت عنها الأكاديمية بتصحيح النظام الداخلي للجوائز، لأن هذه الأكاديمية كانت دائماً بعيدة عن الجدالات الإعلامية التي تخصّ الجوائز، ولم تكشف الكثير من قبل حول تركيبتها الداخلية التي يحيطها الكثير من الغموض. فليس من المعلوم على وجه التحديد العدد الإجمالي لأعضاء "أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة" والتي تختصر بالأوسكار، أو الضوابط التي تتعلق بانضمام الأعضاء الجدد، عدا أن الفائزون بالأوسكار ينضمّون تلقائياً إلى الأكاديمية، كما يُمكن أن تساعد توصيات أعضاء في الأكاديمية في قبول سينمائيين لم يفوزوا بالأوسكار من قبل. في الوقت الذي تتكتّم فيه الأكاديمية على حيثيات اختياراتها من الأفلام سنوياً، وتبتعد تماماً عن كشف أرقام الترشيحات للأفلام المتنافسة أو لتلك التي تفوز بالجوائز النهائية.

يمكن قراءة بيان الأكاديمية الأمريكية بما يتضمنّه من تفاصيل ووعود واعتراف ضمني بالتقصير، بأنه نقد ذاتي للأداء العام، صادر من داخل المؤسسة، ويمثل اتجاهاً ممتعضاً من ترشيحات هذا العام، وبالتحديد من غياب أمريكيين من أصول عرقية غير بيضاء عنها. فكان يُمكن للأكاديمية أن تكتفي بالصمت - وكما تفعل في الغالب - أو تدافع عن مهنية أعضائها التي نالت منها اتهامات عديدة أقذعها العنصرية. وهو الأمر الذي نبّهت إليه الممثلة الإنكليزية القديرة شارلوت رامبلينج (مرشحة هذا العام لجائزة أفضل دور في فئة الأدوار النسائية الرئيسية عن فيلم "45 عاما")، عندما صرحت في حديث صحفي أخيراً، بأن الشكوى من غياب أسماء سينمائية أمريكية من أعراق أخرى، هو اتهام واضح وغير مقبول للبيض الموجودين في الأكاديمية بالعنصرية. وهو التصريح الذي حظي بقدر كبير من الاهتمام والنقد على حد سواء، وعادت الممثلة وتراجعت عن محتواه، معللة بأنه تم تحريف كلامها عن معناه الأصلي.

بشكل عام، لا تختلف مهام أعضاء الأكاديمية الأمريكية عن ما تقوم به كل يوم لجان تحكيم الأفلام في المهرجانات السينمائية حول العالم. لكن إذا كان النقد الذي يوجه أحياناً إلى أداء لجان تحكيم المهرجانات يبقى في حدود محدودة، وفي أوساط المشتغلين في السينما بالتحديد، يتسّع الجدال حول الأوسكار ليتعدّى دوائر السينما، وليكتسب معاني جديدة، وينوء تحت ثقل التاريخ المعاصر وأحداث الحاضر الآنية. بالطبع يمكن انتقاد الأكاديمية وخياراتها لهذا العام، والحديث بالتحديد عن أفلام بعينها لسينمائيين أمريكيين سود لم تصل إلى الترشيحات النهائية للأوسكار رغم استحقاقها.

لكن هذا سيندرج تحت وجهات النظر والذائقة الصرفة، ولا يمكن إملاءها على أعضاء الأكاديمية الأمريكية، أو حتى على لجنة تحكيم أصغر مهرجان سينمائي. فالجائزة السينمائية مهما كان نوعها وشهرتها تبقى في نهاية المطاف، إجماع مجموعة محدودة من السينمائيين وغيرهم على ما يشاهدوه من أفلام منتخبة، يجب أن تتم في فترة زمنية تؤثر بها الأهواء العابرة والمزاجية والحالة النفسية لهم، وتتفاعل قراراتهم أحياناً مع ما يجري في العالم من أحداث.

ولعل الأمر الحميد الذي يُمكن ينتج من الجدالات الدائرة، هو دفعها للشركات المنتجة للتفكير مليا بالسوق السينمائي ومسؤوليتها عن تمثيل المجتمع بكل تنوعه، ومنح المزيد من الفرص لسينمائيين من خلفيات عرقية مختلفة. والذي يشترط من هذه الشركات الشجاعة، وأن تغامر وتزجّ أسماءً غير متوقعة في أفلامها السينمائية، وتخالف البديهيات الخاصة باختيارات الممثلين والممثلات، وكما يحدث أحياناً وبنجاح كبير. فالجزء الأخير من سلسلة حرب النجوم والذي يُعرض حالياً حول العالم، يقدم شخصية مُهمّة يلعبها ممثل أسود من أصول بريطانية. نال أداءه في الفيلم على ثناء النقاد والجمهور على حدِّ سواء. ويرجح أن يكون أحد أبطال السلسلة في السنوات القادمة. وهي مغامرة تحسب للمخرج والشركة المنتجة، وجاءت نتائجها مبهرة، فالفيلم جنى الإيرادات الأكثر في العام الماضي (2015)، وينافس ليكون الأعلى في الأموال التي جمعها على مدار تاريخ السينما

الجزيرة الوثائقية في

31.01.2016

 
 

مديرو التصوير في سباق الجوائز.. مَن مِنهم أحق بأوسكار 2016؟

ثلاثة من الأفلام التي فازت بالترشيح تقع أحداثها في بيئات مكانية موحشة أو صعب الوصول إليها

لوس أنجليس: محمد رُضا

ضمن قائمة الأفلام التي رشحت أخيرا لجائزة الأوسكار برزت المجموعة المرشحة في فئة أفضل تصوير لأوسكار 2016 بشكل أكبر من غيرها. فهناك «كارول» وهو من تصوير إدوارد لاتشمان، وفيلم «الكارهون الثمانية» تصوير روبرت رتشردسون، و«ماد ماكس: طريق الغضب» تصوير جون سيل، و«المنبعث» تصوير إيمانويل لوبيزكي، و«سيكاريو» تصوير روجر ديكنز. خرج من حسابات اللجنة يانوش كامينسكي مدير تصوير فيلم «جسر الجواسيس» وباري أكرويد عن «ذ بيغ شورت» وإيف بيلانجير عن «بروكلين» وداريوش ڤولسكي عن «المريخي» وماسانوبو تاكايناغي عن «سبوتلايت» وداني كوهن عن «غرفة».

* بين الفيلم والديجيتال

ما يلفت النظر أن ثلاثة من الأفلام التي فازت بالترشيح تقع أحداثها في بيئات مكانية موحشة أو صعبة الوصول. المكان يلعب فيها دورًا أساسيًا مما يتطلّب دراية تصوير واتفاق في الرؤية بين مدير التصوير والمخرج.

على هذا الوضع، فإن «الكارهون الثمانية» للمخرج كوينتين تارنتينو يقع في الغرب الأميركي ومكان التصوير الخارجي هو أرض برية مكسوّة بالثلوج، و«المنبعث» لأليخاندرو غونزاليس إيناريتو، خارجي التصوير (أي خارج أي مكان مغلق، معظمه) والطبيعة التي تم تصوير الفيلم فيها شاقّة وثلجية مع مرتفعات ووديان طبيعية. أما «ماد ماكس: طريق الغضب» لجورج ميلر فهو صور في صحراء شاسعة غير قابلة للعيش إلا من قِبل سكانها الخارجين عن أي قانون طبيعي في الأساس. أما «كارول» لتد هاينس، فالزمان هو الذي يتكفل بتمييزه، إذ تقع أحداثه في الخمسينات وموقعه المدينة. «سيكاريو» للمخرج الكندي دنيس فيلنيوف مختلف عن كل ما سبق. هو فيلم يتعامل ومواقع كثيرة منها ما هو داخلي (منازل، وغرف عمليات، وأنفاق) وخارجي (غالبًا طرق دولية).

وجدير بالملاحظة أن فيلما واحدًا بين هذا المجموع صور باستخدام الكاميرا التقليدية وهو «الكارهون الثمانية»، أما الأفلام الأخرى فصورت بكاميرا ديجيتال، واحد منها فقط بكاميرا من نوع Arriflex 416 والباقي استخدم كاميرات Arri Alexa بأنواعها المختلفة. لذلك أهمية بالغة لدى مديري التصوير ومناهجهم في العمل كما للمخرجين وما يحاولون تحقيقه. وسنلاحظ في هذا المجال أن مدير التصوير الوحيد الذي صوّر بكاميرا فيلم (بانافيجين 65 مم) روبرت رتشردسون، لم يصل إلى ترشيحات مهمّة أخرى هو ترشيحات جوائز «جمعية مصوّري السينما الأميركية».

فالخمسة المرشحون لجائزة نقابتهم، التي سيتم توزيعها في الرابع عشر من فبراير (شباط) هم لوبيزكي عن «المنبعث» وسيل عن «ماد ماكس: طريق الغضب» وديكنز عن «سيكاريو» ولاتشمان عن «كارول» ويانوش كامينسكي (الذي لم يرشح للأوسكار) عن «جسر الجواسيس» وهو مصوّر بالفيلم الخام أيضًا.

روبرت رتشردسون، لم يفز مطلقًا بجائزة نقابته الكبيرة رغم ترشيحه عشر مرّات من قبل. لكنه فاز بثلاثة أوسكارات سابقة أولها كان عن «JFK» («جون ف. كندي» للمخرج أوليفر ستون) سنة 1991، ثانيها عن «الملاح» لمارتن سكورسيزي (2004) وثالثها «أوغو» لسكورسيزي أيضًا، سنة 2011.

لكن هذا التجاهل لمدير التصوير رتشردسون لا يعني أنه قد لا يفوز بالأوسكار عن «الكارهون الثمانية» وذلك لسببين، الأول أن أعضاء جمعية المصوّرين يشكلون قلّة بين أعضاء الأكاديمية، والثاني إنه في خلال العقدين الماضيين تلاءمت جوائز الجمعية مع جوائز الأوسكار في فئة التصوير مرتين فقط. باقي المرّات من فاز بالأولى لم يفز بالثانية تلقائيًا.

* ساعتان فقط

على ذلك، ونحن نغوص الآن في مضارب فنية، لا يبدو أن تصوير رتشردسون في «الكارهون الثمانية» سيفوز هذا العام. هو جيد بلا ريب. واضح ومؤسس جيّدًا تحت وضح النهار وفي الأماكن الداخلية المعتمة على حد سواء، لكن أعضاء الأكاديمية لديهم أفلام أخرى ذات حسنات من هذا النوع هذا العام، تحديدًا «المنبعث» و«ماد ماكس: طريق الغضب». وبين هذين الاثنين، فإن «المنبعث» يتصدر التوقعات حاليًا. ويتطلع أعضاء الأكاديمية الذين سيدلون بأصواتهم قبل رفع الستارة عن حفلة الأوسكار في نهاية هذا الشهر، إلى الإنجاز البصري أولاً. وهذا ما يعزز وضع مدير تصوير هذا الفيلم إيمانويل لوبيزكي الذي فرض عليه الفيلم حالات قصوى من العمل المضني. ليس فقط لصعوبة الأماكن التي تم التصوير فيها، ولو أن هذه ناحية مهمّة تفصل ما بين تأقلم مدير التصوير وموهبته مع المكان في مقابل سقوطه في التجربة، بل أيضًا للجهد المبذول في تنفيذ رؤى المخرج إيناريتو.

بعد أكثر من شهر من التدريب والتجارب، بوشر التصوير ليستمر نحو المدّة ذاتها من العمل. المكان المختار لتصوير هذا الفصل من المشاهد في ولاية ألبرتا، في تلك الفترة الزمنية المطلوبة (فصل الشتاء) كان يعني أن شمس النهار لا تشرق إلا بضع ساعات. من بينها ساعتان فقط هي التي يريد المخرج إيناريتو التصوير فيهما. على الجميع، خلال التصوير، الانخراط في هذه الفترة الزمنية كما سبق تدريبهم. الخيول قبل البشر عليها أن تجيد التمثيل ولا تخرج عن نص الصورة المتفق عليها. لا مجال للخطأ لأن الكاميرا بعيدة، معظم الوقت، وتشمل تصوير حركات أخرى تقع على مساحة جغرافية شاسعة، مما يعني أنه إذا ارتكب الممثل أو الحصان خطأ ما في توقيت الحركة، أو إذا ما أخطأ الحركة أصلاً، كان على جميع المشتركين في اللقطة ذاتها إعادة التصوير.

* مرشحون وفائزون

من هذه الناحية، بين نواح أخرى، يبدو أنه من التلقائي أن تذهب الجائزة إلى مدير التصوير الذي كان نال الأوسكار مرّتين متتاليتين: عام 2014 عن «جاذبية» وعام 2015 عن «بيردمان». منحه الأوسكار للمرّة الثالثة على التوالي، لو فاز بها هذا العام، سيكون خروجًا عن المألوف على أكثر من صعيد من أصعدة وفئات الجوائز. وهذا هو الشأن الوحيد الذي قد يضر بفرصة لوبيزكي الثالثة رغم أنه ليس أمرًا مستحيلاً. لوبيزكي هو مدير التصوير الذي يواصل دفع تقنياته إلى أبعد حدود ممكنة وفي سبيل ذلك يسجل سباقات ملحوظة.

أما إذا لم ينالها هو فإن المرشّح الثاني لها هو جون سيل عن فليمه «ماد ماكس: طريق الغضب» وهو كان ربح الأوسكار مرّة واحدة عن تصويره المبدع لفيلم «المريض الإنجليزي» وذلك في عام 1996.

تصوير «ماد ماكس..» يختلف في المنهج قليلاً. هو أيضًا فيلم أكشن وعلى منوال «وسترن» حديث ومثل «المنبعث» يقوم على أساس من مشاهد تشويق بدنية وحركية صعبة طوال فترة الفيلم. مثل الفيلم الآخر فإن مكان التصوير يحمل تضاريس صعبة استخدم فيها مدير التصوير أكثر من حيلة تقنية لكي تجعله مواكبًا لبطلي الفيلم (توم هاردي وتشارليز ثيرون) في سعيهما الدؤوب للنجاة من المطاردين أو للهجوم عليهم.

المشاهد العلوية للصحراء وللمركبات المنطلقة فيها عادية وسهلة. تلك التي على الأرض هي مكمن الصعوبة. كذلك لا ننسى أنه صوّر بكاميرا ثنائية الأبعاد ومنها تم صنع نسخة ثلاثية الأبعاد، مما يفرض على مدير التصوير استخدام حنكته لإجادة عملية دقيقة كهذه.

لكن بعض المشاهد البعيدة تطلّبت جهدًا استثنائيًا كذلك. خذ المشهد الذي تتقدّم فيه سرية من العربات المنطلقة فوق الصحراء على نحو أفقي. المشهد الوحيد الذي يمكن مقارنة تأليفه البصري بما أنجزه فريدي يونغ في «لورنس العرب» (1962): «صحراء صفراوية شاسعة. نقاط سوداء آتية من بعيد كلما اقتربت زاد وضوحها فإذا بها قافلة من الجمال الساعية صوب الكاميرا».

أما روبرت رتشردسون فرشّح ثماني مرّات سابقة ونال أوسكارين، كما ذكرنا. عمله في «الكارهون الثمانية» سيبقى تقنيًا أكثر منه استعراضيًا. هذا الفيلم يمنحه النطاق ذاته الذي مارسه على فيلم «دجانغو طليقًا» من حيث إن كلا الفيلمين وسترن، مع اختلاف البيئة الطبيعية على نحو شاسع، لا يمنح «الكارهون الثمانية» مدير تصويره مناخات وأماكن متعددة، كما الفيلم السابق، و - عمليًا - كما أي من الأفلام التي رشّح عنها سابقًا ومنها «بلاتون» و«الثلوج تغمر الأرز» و«أوغو»، بل يحدّه في مكانين متشابهين: طريق بري مغطّى بالثلوج والمسكن الكبير وما يدور فيه من أحداث.

في الترتيب الرابع لأبرز الحظوظ في الوصول إلى أوسكار التصوير هذه السنة، يتناوب روجر ديكنز، وهو مجرّب وخبير وموهوب شأن الثلاثة أعلاه، عن فيلمه التشويقي «سيكاريو» وإدوارد لاتشمان عن «كارول». كلاهما يقدم نتائج بارعة ومختلفة عن كل ما سبق. لكن بين الاثنين لا بد من منح التقدير الأعلى لديكنز لأسباب موضوعية: حين ترك ديكنز التصوير بالفيلم الخام، واظب منح السينما بعض أفضل النتائج البصرية في تاريخها الحديث، على سبيل المثال، استخدام ديجيتال للتصوير الليلي ومن وجهة نظر ممثله خلال إحدى غاراتهم على الكارتل. المشهد نفسه فيه قدر من الشعور بالرهبة بسبب المكان وتوقيت وجود المشهد في الفيلم أيضًا. أمران يتمنّى الناقد أن يذهب الأوسكار إلى ديكنز لمتانة صنعته. ديكنز، للمناسبة، عاد إلى كاميرا الفيلم الخام في «مرحى، قيصر»، الفيلم الجديد للأخوين كووَن الذي سيفتتح مهرجان برلين هذه السنة.

دي كابريو ولارسن يفوزان بجوائز نقابة الممثلين الأميركيين

القاهرة: «الشرق الأوسط أونلاين»

فازت الممثلة الأميركية بري لارسن، والنجم الأميركي ليوناردو دي كابريو، مساء أمس (السبت)، بجائزة نقابة الممثلين الأميركيين (ساغ)، ليتقدما خطوة جديدة نحو نيل جائزة الأوسكار، في حفل تميز بفوز الكثير من الممثلين أصحاب البشرة السمراء في خضم جدل حول غياب التنوع في هوليوود.

وحصل ممثلو «سبوت لايت»، ومن بينهم مارك رافالو ورايتشل ماكادمز ومايكل كيتون، على جائزة أفضل طاقم تمثيلي في فيلم سينمائي. ويروي الفيلم قصة تحقيق أجرته صحيفة «بوسطن غلوب» كشف فضيحة التحرش الجنسي بأطفال داخل كنيسة كاثوليكية.

وتشكل جوائز «ساغ» التي تكافئ الأداء التمثيلي في السينما والتلفزيون مؤشرا جيدا لجوائز الأوسكار، إذ يمنحها ممثلون هم أيضا أعضاء في أكاديمية فنون السينما وعلومها، والذين يصوتون لمنح جوائز الأوسكار.

وفاز ليونادرو دي كابريو وبري لارسن بجائزة أفضل ممثل وممثلة بعد نيلهما جائزة «غولدن غلوب».

والعام الماضي، نال أربعة فائزين بجوائز «ساغ»، هم باتريسيا اركيت وايدي ريدماين وجوليان مور وج.ك. سيمنز، جائزة أوسكار بعد ذلك.

ونال ليوناردو دي كابريو، وهو يمثل منذ طفولته وأصبح الآن من أكبر نجوم هوليوود، الجائزة عن دور صياد الحيوانات الشهير هيو غلاس في فيلم «ذي ريفننت» الملحمي، حول الصمود والرغبة في الانتقام. وقد صور الفيلم في ظروف صعبة في شمال كندا القطبي، وفي باتاغونيا في الأرجنتين.

وأشاد دي كابريو بمخرج الفيلم أليخاندرو إيناريتو، وعدوه في الفيلم الممثل توم هاردي، ووالديه لأنهما كانا «يصطحبانني إلى جلسات الأداء بعد المدرسة» عندما كان في الخامسة عشرة من عمره.

أما الممثلة بري لارسن (26 عاما) فقد كوفئت على أدائها المؤثر لأم شابة محتجزة في غرفة صغيرة في فيلم «روم». وأشادت كثيرا بابنها في الفيلم جايكوب ترامبلي البالغ من العمر تسع سنوات.

وتميز الحفل الذي أقيمت في قاعة «شراين أوديتوريوم» في لوس أنجليس بفوز الكثير من الممثلين أصحاب البشرة السمراء، من بينهم إدريس ألبا وكوين لطيفة، وطاقم مسلسل «أورانج إز ذي نيو بلاك»، وهو ما يتناقض مع ترشيح ممثلين بيض فقط في إطار جوائز أوسكار للسنة الثانية على التوالي، مما أثار جدلا كبيرا طال كل أوساط السينما الأميركية.

الشرق الأوسط في

31.01.2016

 
 

The Big Short.. فيلم جنى عليه الذكاء

مجيد الخطيب

لعلّ The Big Short يواجه بعض العثرات في أن يكون جماهيريّاً ومثيراً لانتباه فئات متنوّعة من عشّاق الشاشة الكبيرة، على الرغم من الموضوع الحسّاس الذي يتصدّى له آدم ماكاي كمخرج وسيناريست، مع «نجوم صفّ أول»، أمثال كريستيان بايل وبراد بيت وراين غوزلينغ وستيف كارل، الذي خرج على النّمط الكوميدي بفيلم كان من أهمّ ما شاهدناه العام المنصرم، وهو بعنوان Foxcatcher لبينيت ميلر، عائداً هنا إلى أداء خياليّ أثبت عبره قدرة فذّة على التنوّع. لكنّ ذكاء الفيلم واضحٌ منذ الدقائق الأولى، على الرغم من بعض النقاط التي تشكّل «مكابحاً» مع انطلاقه.

تجري أحداث الفيلم من منظور «أذكياء» في عالم الأموال والبورصة، استطاعوا رؤية غيوم تعكّر صفو آفاق الاقتصاد الأميركي قبل بضعة أعوام على أزمة العام 2008، التي زلزلت السوق العالمية. بناء على ما رآه هؤلاء ومَن تبعهم، فإن الـ «أذكياء» راهنوا رهانات أربحتهم أموالاً طائلة. بعضهم حاول لفت النظر والتحذير مع استشعار الأزمة، وبعضهم الآخر عمل بصمت قدر الإمكان، فجنى أرباحاً أكبر، مُدركاً أن جشع المصارف الأميركية والعمى الذي أصاب منظومات التمويل والإسكان الأميركيين قدر محتوم لا يمكن تغييره. لكن، إذا بدا الأمر كذلك، فما الذي يمنع خطوات استباقيّة جشعة ومنسجمة مع طبيعة النظام الذي يعيشون فيه ومنه؟ خطوات تمثّل رهاناً ضد الاقتصاد الوطنيّ. كارثة على مستوى الشخصيات الرئيسية إذا فشل، وكارثة أكبر على مستوى محيطهم إذا نجح.

مثقلٌ الفيلم (130 د.) بحوارات تشكّل عبئاً قليلاً بسبب كثرة المصطلحات الاقتصادية التي يستخدمها أهل الـ «كار» حصراً، ما جعل مواكبة كثافة الأفكار المطروحة عسيراً بعض الشيء. هذه مشكلة لم أواجهها في فيلم «الشبكة الاجتماعية» (2010) لديفيد فينشر مثلاً. فعلى الرغم من كلّ المطلحات التقنية التي وردت حينها لضرورات السرد ومصداقيته، إلاّ أني لم أواجه عثرات بهذا الحجم. شروحات مطوّلة عن طبيعة عمل السوق الأميركية ودوران رأس المال فيه، نستنتج خلالها أن الأزمة الماليّة نتيجة جشع الشركات المقرضة، المتورّمة بمغريات وفرص يُقدّمها العوام وغباؤهم في أميركا. حالة استمرّت، مسبّبةً غلياناً بطيئاً أدّى إلى انفجار أذهل كثيرين وأطاح بهم، عندما شارفت شركات الإقراض والإسكان على الإفلاس، وأفراد الشعب لا يملكون ما يلزم لتسديد الديون.

تلخيص سريع لهذه الحلقة: طبقة متوسطة أغرقت نفسها في ديون لم تستطع تسديدها، من أجل ملكيّة أو رفاهيّة لا تحتاج إليهما.

تجربة سينمائية ناضجة ومبتكرة في التنفيذ، بمستويات عديدة: أسلوب التصوير الذي يُعَدّ نصف درامي ـ نصف وثائقي. شخصيات حقيقية تُفْهَم القصّة من خلالها، وعن طريق مصداقيّة تجاربها. فواصل فكاهيّة ـ لاقت قبولاً لدى الجمهور ـ تظهر مع مصطلح اقتصادي مركّب، تُسمَع على لسان إحدى الشخصيات الرئيسية، التي تواجه الكاميرا لتخاطب الجمهور مباشرة: ممثلة في حوض استحمام مع كأس شامبانيا، أو طبّاخ أثناء عمله، أو مجموعة لاعبي «بلاك جاك» حول طاولة. هؤلاء جميعهم يشرحون المصطلحات المستعصية.

The Big Short مجازفة فنية لافتة للانتباه، تفنِّد مجازفة مالية مدمّرة، يتنبّأ البعض بتوأمها عمّا قريب.

السفير اللبنانية في

31.01.2016

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2015)