كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 
 
 

هوليوود التي تنزلق أكثر فأكثر

نحو إبداع حقيقي تصنعه الأقليات

إبراهيم العريس

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم (أوسكار)

   
 
 
 
 

ربما ستعتبر هذه الدورة من دورات توزيع جوائز الأوسكار، ذات يوم، واحدة من أقل الدورات حملاً للمفاجآت خلال السنوات الأخيرة. فكل النتائج كانت متوقعة مع فوارق بسيطة أحياناً أو حتى من دون أية فوارق في أحيان أخرى. وحدهم الذين فضلوا في «تكهناتهم» التعبير عن أمنياتهم – كما فعلنا نحن قبل أيام متعمّدين - كانت توقعاتهم بعيدة نزراً يسيراً عما حدث، في التفاصيل على الأقل.

في اختصار يمكن القول أن «المفاجأة الكبيرة في هذه الدورة الأوسكارية كانت أن ليس هناك مفاجآت». ومع هذا لا بد من الإشارة إلى أن الحدث الأكبر، والذي بات يتكرر في شكل متواصل خلال السنوات «الأوسكارية» الأخيرة، ووصل إلى ذروته هذا العام في الترشيحات قبل أسابيع حتى من الحفل الضخم الذي أُعلنت فيه النتائج، كان ذلك «الانزلاق» الذي يمارسه أهل السينما الأميركيون نحو الاهتمام أكثر وأكثر بالجيّد والمتقدم والإنساني من الأفلام، على حساب الرائج والتجاري على رغم ضخامة هذا الأخير ونجاحاته التجارية الصاخبة في أميركا الشمالية كما في العالم كله. يبدو الأمر كما لو أن الحال السينمائية الأميركية وصلت – أو أمعنت في الوصول بالأحرى – إلى سن الرشد، وها هي «تتأورب» أكثر فأكثر، في وقت يشتكي فيه النقد الأوروبي من أن السينمات الأوروبية تزداد تأمركاً!

مهما يكن من أمر، فلا يمكننا القول هنا أننا أمام ظاهرة فريدة من نوعها. فالحال أننا إذا ما نظرنا إلى الأمور في تأمل تاريخي، فسنجد أن «السينما على النمط الأوروبي» بما في ذلك سينما المؤلف والسينما المناضلة والسينما الفنية وسينما الاحتجاج وحتى السينما التجريبية وصولاً إلى السينما التجارية المتميزة التي يصنعها مخرجون أميركيون من الصف الأول، كانت دائماً موجودة وكان الفضل يعود أحياناً إلى النقد الأوروبي في اكتشافها، ودليلنا على ذلك أن تيار الموجة الجديدة الفرنسية والنقاد الذين مهدوا له وتحلقوا حوله كان يسبقون الأميركيين في اكتشاف علاقة أفلام مبدعين من طراز هتشكوك ومانكفيتش وبروكز وهوستون وعشرات غيرهم بالمجتمع ولغة الإبداع الحقيقية. بل حتى اليوم لا يزال الاهتمام الأوروبي بمبدعين مثل دافيد لينش ووودي آلن وتيم بورتون متفوقاً على الاهتمام الأميركي. ومع هذا كان محتماً أن تأتي أيام تكتشف فيها هوليوود مبدعيها السينمائيين الحقيقيين. وهذه الأيام نعيشها منذ سنوات عدة، وعلى الأقل من خلال الأوسكارات التي باتت معتادة على أن تكافئ الكبار المبدعين حتى بصرف النظر عما يفتي به شباك التذاكر. بل لعل تلك المكافآت وتراكمها عاماً بعد عام، كانت هي ما يحرك شبابيك التذاكر في اتجاه تلك الأفلام المميزة التي باتت ترشح كل عام ويختار الهوليووديون من بينها من «يؤسكروه» بكل أريحية.

هوليوود غير الهوليوودية

ينطبق هذا الكلام على الكثير من السنوات السابقة، لكنه ينطبق في شكل أفضل وأكثر على ما أسفرت عنه اختيارات البضعة آلاف سينمائي وابن المهنة من الذين توزع عليهم الأكاديمية لائحة ترشيحاتها المتضمنة عادة نحو ستين أو ثمانين فيلماً يجب أن يتم اختيار فائزي العام من بينها في نحو دزينتين من المجالات الفنية على رأسها أفضل فيلم ومخرج وممثل وممثلة وسيناريو مقتبس وسيناريو أصلي وما إلى ذلك، وصولاً إلى اختيار أفضل فيلم أجنبي الذي كثيراً ما يتطلع إليه السينمائيون العرب من دون أن يتوصلوا إلى الحصول عليه، مع أنه يحدث في بعض الأعوام أن يتم اختيار فيلم عربي بين الخمسة المرشحة للجائزة (هذا العام وقع الاختيار على «تمبوكتو» للموريتاني عبدالرحمن سيساكو، لكنه أخفق في الحصول على الجائزة ولربما وجد مخرجه تعويضاً جيداً له في اختياره في الوقت نفسه رئيساً للجنة التحكيم في الدورة المقبلة لمهرجان «كان»).

إذاً، هؤلاء الألوف الهوليووديون من تقنيين وفنانين ونقاد وكتاب وممثلين، من الذي يعتبرون حكماً أعضاء في الأكاديمية صاحبة الجوائز، قالوا الكلمة الفصل واختاروا. كالعادة كانت هناك اعتراضات على لسان من كان يفضل هذا الفيلم على ذاك. أو على لسان من رأى أن «الديموقرطية» يمكن أن تنجح في أي مكان، ولكن ليس في مجال الاختيارات الفنية... بيد أن هذا كله نسي في اليوم التالي لتظل الاعتراضات الأطرف تلك التي احتجت على أن «حظوظ الأقليات من الجوائز والترشيحات لم تكن كافية»... والحقيقة أن أقل ما يمكن أن يقال عن هذا الكلام أنه مثير للاستغراب لأن الاختيارات الفنية ليست «كوتا» توزع حصصاً كما الحال في مقاعد مجلس الأمن أو جمعيات المجتمع المدني. ثم أولم نكن نعتقد دائماً أن الفن نفسه، حتى ولو كان سينمائياً، هو عمل أقلياتي، يقوم به مبدعون هم بالتعريف المنطقي ينتمون إلى أقليات في عالمهم؟ بل إننا إذا تركنا هذه المحاججة التعميمية ونظرنا إلى هذه الدورة «الأوسكارية»، لن يفوتنا أن نلاحظ «أقلاوية» المخرج الفائز بجائزة أفضل إخراج، أليخاندرو إينياريتو تحديداً عن فيلمه «بيردمان» الذي نال أيضاً جائزة أفضل فيلم. ترى هل هناك، في المنطق الفني ما هو أكثر تعبيراً عن «صراع» الأقلية مع «الأكثرية» من هذا العمل المبدع المتمحور حول فنان قام بأدوار يعتبرها سخيفة في السينما السائدة – سينما الغالبية - (لا سيما شخصية بيردمان القريبة من باتمان) وها هو اليوم في مسارح «أوف برودواي» – مسارح الأقلية - يعيش هواجسه وصراعاته الخاصة في شكل يجعل المشاهدين يتعاطفون مع جانبه الأقلياتي على حساب ذاك الأكثرياتي؟

وفوز إيدي ريدمان بجائزة أفضل ممثل عن فيلم «نظرية كل شيء» المتحدث عن حياة العالم البريطاني المقعد ستيفن هاوكنغ، أليس تحية هائلة لعالم يكاد وحده يختصر كل ما تعنيه كلمة أقلية إنسانياً وفكرياً وجمالياً؟

الإنسان أولاً وأخيراً

طبعاً، لن نستطرد الغوص في هذه التساؤلات، بل ندعو فقط إلى قراءة النتائج والترشيحات من قبلها في شكل جيد، إنما في ضوء إدراك دقيق وواعٍ للفن وأساليب إنتاجه ودوره في المجتمع وفي حياة الإنسان بعيداً من مفاهيم أيديولوجية تنتمي إلى أوهام الستينات وقيود «الهوية» و «القبضات المرفوعة» التي يمكن أن تكون ذات معنى في السياسة حتى وإن تبين دائماً أنها غير فعالة – وللتأكد من هذا، انظروا ما الذي يحصل في عالم اليوم وتذكروا أن مجرمي «داعش» وأخواته الآتين من كل أصقاع العالم، هم الأكثر رفعاً للقبضات وزعيقاً انتصاراً للهويات التي يصفها أمين معلوف عن حق بـ «القاتلة»، ومع هذا فإن ضحاياهم المختارة بعناية هي الأقليات نفسها! في المقابل، قد يكون من الإنصاف القول أنه إذا كان ثمة اليوم فن لا يزال يقاوم ويدافع عن إنسانية الإنسان ووعيه وقدرته على مساءلة نفسه، فهذا الفن هو السينما تحديداً. والسينما كما تمثلها تلك الأفلام الإنسانية الرائعة التي باتت تحتل الصدارة في المهرجانات والمسابقات، من «كان» إلى «القاهرة» ومن «برلين» إلى البندقية وصولاً إلى لوس أنجليس حيث تُوّجت سينما متقدمة وفنانون مبدعون ملأوا الشاشات عدلاً وإنسانية بعدما ملأ السياسيون وأشباههم شاشات التلفزة ظلماً وقتلاً.

فمن اكتشاف الإنسان وروحه الحية عبر دوري ريدمان (في «نظرية كل شيء») وجوليان مور – الآنتي بطلة بامتياز في الفوز الثاني الكبير المستحق لها خلال شهور قليلة بعد جائزة التمثيل في «كان» الأخير - في «ستِل آليس»، إلى لفت النظر في شكل قوي إلى فيلم «سلما» (المتحدث عن زيارة قام بها عن مارتن لوثر كينغ، بطل الأفارقة الأميركيين إلى تلك المدينة الأميركية الصعبة في الستينات)، بمنح جائزة أفضل أغنية إلى أغنية الفيلم، مروراً بالجوائز الأربع التقنية فقط للأسف التي أُعطيت إلى «فندق بودابست الكبير»، من إخراج «صهر لبنان» الأميركي فيس آندرسن... وفوز الفيلم البولندي «ايدا» بأحسن فيلم أجنبي... وبقية الجوائز التي تحدثت عنها الأنباء بإسهاب طوال الأيام الفائتة، سلكت الأوسكارات هذا العام طريقها الصحيح وأسبغت على السينما كما على هذا الجانب الإنساني من هوليوود – التي لها جوانب أخرى طبعاً يقيناً أنها أقل مدعاة للاحترام لكن الحديث عنها يمكن أن يؤجل إلى مناسبة أخرى تكون أكثر ملاءمة - فهنا سيكون من الصائب أكثر التوقف عند السمات الأكثر إيجابية بكثير والأكثر تحقيقاً لوعود السينما، الفن الأكثر إنسانية في أيامنا هذه، وهو ما تجلى في احتفال «الأوسكاريين» بتجريبية «طفولة» لريتشارد لنكليتر، بين أمور أخرى، كما تجلى في تلك الجملة التي لم يفت جوليان مور أن تقولها وهي تشير إلى دور المصابة بمرض الزهايمر فيما كانت تعلق بخطابها على فوزها: «أنا جدّ ســعيدة لأننا تمكنا من تسليط الضوء (في الفيلم) على هذا المرض الذي يشعر كثير من المصابين به بالعزلة والتهميش». فيما لم يكن المكسيكي إينياريتو أقل صواباً وانصافاً منها، حين قال معلقاً على فوزه بجائزة أفضل مخرج، بعد عام من فوز زميله ومواطنه ألفونسو كوارون في العام الفائت بالأوسكار نفسه، أنه يصلي من أجل أن يعامَل المهاجرون المكسيكيون في الولايات المتحدة «بالكرامة والاحترام اللذين حظي بهما الذين أتوا قبلهم وشاركوا في بناء الأمة، أمة المهاجرين الرائعة هذه».

الحياة اللندنية في

27.02.2015

 
 

المسابقة تتجاهل فيلمًا موريتانيًا مهمًا يتناول قضية التطرف..

وتنحاز إلى فيلم بولندى يحكى قصة «يهودية»

السياسة تلعب بالـ«أوسكار» من جديد

علا الشافعى

7 جوائز حصدها المخرج الموريتانى عبد الرحمن سيساكو من جوائز «سيزار»، الجائزة الأهم في فرنسا، والتى تعادل في أهميتها جائزة الأوسكار الأمريكية، ليكون بذلك أول إفريقي يحصد هذا العدد من الجوائز عن فيلمه «تمبكتو»، ومنها «سيزار» أفضل سيناريو، وأفضل توزيع للصوت وتصوير وموسيقي وأفضل فيلم،

 ورغم أن فيلمه الذي يرصد ظواهر التطرف الدينى وإرهاب تلك الجماعات الدينية، وكيف يؤثر على المجتمعات ويغير في تركيباتها الاجتماعية، خرج دون جائزة تذكر في مسابقة أوسكار أحسن فيلم أجنبي، وهي الجائزة التى ذهبت إلى الفيلم البولندى«ايدا» ولا يستطيع أحد أن ينكر تميز فيلم «ايدا» من الناحية الدرامية والبصرية وبمعنى أصح في كافة عناصره الفنية وهو الفيلم الذي صورت أحداثه بالأبيض والأسود

ويقع سيناريو الفيلم في بولندا خلال الستينيات عن قصة راهبة تكتشف انها ولدت يهودية، قبل ترسيمها كراهبة ويسرد الفيلم مأساة تلك العائلة اليهودية.المفارقة هى حصول الفيلم على هذا العد الكبير من الجوائز وخروجه خالي الوفاض من الأوسكار يثير الكثير من التساؤلات حول الدور الذي تلعبه السياسية في توزيع الجوائز، فهل فرنسا التى تعانى من التطرف بعد حادثة شارل إبدو انتصرت لفيلم سيساكو من هذه الناحية وأمريكا التى تنحاز إلى كل ماهو يهودي وصهيونى انتصرت للفيلم البولندى؟؟.

عبد الرحمن ولد محمد يحيى الشهير بـ»سيساكو» مولود بكيفة سنة 1961 ورحل بعد ذلك إلى (ماليقبل أن يعود من جديد إلى موريتانيا سنة 1980، وفي نواكشوط تعرف لأول مرة على أفلام الوسترن الإيطالي (كر انس هيل وبيد سبنسروأصبح من مرتادى المركز الثقافي الروسي والذي اكتشف من خلاله عمالقة الأدب الروسي كدويستوفسكي، و توركييف مترجمين إلى الفرنسية و بعد عام حصل على منحة إلى روسيا ليدرس أولا في روستوف قبل أن يدخل معهد «افكيك» السينمائي وهناك سوف يتعرف على الأفلام الكلاسيكية لمخرجين كبار ومنهم «فورد» و «فاسبندر»وبعد سنوات الدراسة سيخرج فيلمه الأول «اللعبة» (1989) كمشروع للتخرج صوره في تركمانستان.

سيساكو الأفريقي الموريتانى المهموم ببلده، والذى يحمل قضاياه فى كل إنتاجاته السينمائية، يخطو هذه المرة خطوات للإمام، ويطرح قضية التطرف الدينى، ذلك الوحش الذى أصبحت تعانى منه كل البلدان العربية، والعالم أيضاً، سواء كان ذلك ممثل فى الدواعش، أم غيرهم من أصحاب العقول المتطرفة، والأرواح المظلمة، هؤلاء الذين يقتلون ويذبحون باسم الدين، و يعتبرون أنفسهم يد الله على الأرض.

وفى مرثيته لمدينة «تمبكتو»، المعروفة بتاريخها الثقافى وانفتاحها على العالم فنيا وثقافيا، يستعرض المخرج تلك المدينة فى لقطات طويلة متمهلة، كمن يرثى لحالها ويتأمل ما آلت إليه، علي يد هذه الجماعات المتطرفة والذين صاروا يأمرون بعد أن سيطروا علي الحكم، بدءا من فرض الحجاب وصولا الي تحريم الموسيقى و حتى لعب كرة القدم، ورجم من يتهمونهم «بالزنا» وهو ما يؤدى الي أن تصبح «تمبكتو»بكل تاريخها ضحية للعنف الذى تمارسه القاعدة فى المدن والقرى الإفريقية التى قامت بغزوها وأعلنتها ولايات إسلامية تحكمها بقوة السلاح والسوط وبفتاوى بعيدة عن تقاليد وأعراف إفريقيا ويرصد ذلك الصراع بين السكان والغزاة الجدد إلى جانب صراعات أخرى تبرز فى مشاهد متعددة منه، ما بين السود الأفارقة من جهة، والعرب والطوارق من جهة أخرى.

وفى الفيلم، يواجه إمام جامع تمبكتو، الذى يمثل الإسلام المعتدل، التطرف ببدء حوار مع مجموعة تمثل القاعدة حول مفاهيم الإسلام، وفتاوى زواج القاصرات بالقوة، ومنع الموسيقى، وتحريم عمل المرأة وغيرها.

ويسألهم إمام الجامعمن أرسلكم لتطبيق هذه القوانين البعيدة عن الإسلام؟ ولماذا تحرمون كل شىء حتى لعبة كرة القدم لشباب المدينة؟ وهنا يترك أعضاء القاعدة الجامع، ويطالبون الإمام بالطاعة وتطبيق الشريعة الإسلامية دون تقديم إجابات عن تساؤلاته.

وبالطبع يملك سيساكو إيقاعه الخاص والمتأمل، والذى يسيطر على أغلب مشاهد الفيلم، وكأنه يضعنا أمام أنفسنا ليرى كل من يعتقد أنه بعيدا عن التطرف، أنه قادم لا محالة فى ظل العنف المسيطر، ومن أجمل مشاهد الفيلم التى صاغها المخرج بذكاء درامى وبصرى-(مشهد التحقيق بين الرجل الذى قتل جاره بالخطأ، بعد قيام جاره الصياد بقتل بقرته، مشهد الأصدقاء الذين كانوا يعزفون الموسيقى، وتغنى واحدة منهن ببهجة، وسرعان ما يتحول ذلك إلى مشهد درامى مؤثر، بعد جلدهم والفتاة تغنى من الوجع بدلا من أن تصرخ من الألم، ثم تترك فى العراء، ومشهد شباب القرية، وهم يجرون وراء كرة افتراضية، وتتعالى صيحاتهم دون أن نرى كرة فى الملعب، ويضع الموقف الغريب عناصر القاعدة فى حيرة، فيتركون الشباب يلهون بالكرة الافتراضية، ومشهد تطبيق حد الرجم على فتاة كل ما ارتكبته أنها كانت تتحدث لحبيبها فى الهاتفوهناك الكثير من المشاهد الذكية، والتى تحمل كوميديا سوداء فى بعض اللقطات، ومنها تلك المرأة التى يرون أنها عرافة -مخبولة وتسير طوال الوقت حاملة ديكها وبكامل زينتها، وكأنها المرآة التى تؤكد على «خبلان»عقولهم، ومشهد الحمار المحمل بالحطب والذى رفض أن يمر من الحارة إلا بعد ابتعاد المسلحين، فى دلالة على أن حتى الحمار لا يقبلهم ويعرف طريقه جيدا، دون حاجة لأحد يرشده والفيلم إجمالا تجربة تستحق التوقف عندها خصوصا لمن يقفون على خط المواجهة مع التطرف.

الأهرام اليومي في

27.02.2015

 
 

الأوسكار هل ظلم السينما العربية؟!

بقلم : طارق الشناوي

مثل أغلب العرب كنت أتمنى أن يحصل فيلم «تيمبتكو» الموريتانى على جائزة أفضل فيلم أجنبى لتصبح هذه هى المرة الأولى التى تنال السينما العربية تلك المكانة، صحيح أننا وصلنا أكثر من مرة للترشح  فى القائمة القصيرة «خمسة أفلام» تقترب من الفوز مثل المخرج الفلسطينى هانى أبو أسعد مرتين «الجنة الآن» و«عُمر»، كما أن جيهان نجيم المصرية صعدت بنا فى العام الماضى بفيلم «الميدان» للقائمة القصيرة لأفضل فيلم تسجيلى طويل، ولكننا لم نحصل كسينما عربية على الأوسكار.

كان الفيلم الموريتانى الفرنسى المشترك قد اقترب من تحقيق تلك الأمنية بعد أن حصل على جائزة سيزار الفرنسية قبل إعلان الأوسكار الأمريكى  بـ 48 ساعة فقط، لكن عند إعلان النتائج لأفضل فيلم أجنبى كانت الجائزة من نصيب فيلم «أيدا» البولندى.

يعزف الفيلم الموريتانى على  «تيمة» درامية كلنا نعايشها وهى أن التطرف والإرهاب الدينى لا يمكن أن يعيش مع الحياة، إنه يتنفس فقط مع كل ضربة تتوجه لاغتيال الحياة.

لمحة شاعرية أجدها فى أفلام عبدالرحمن سيساكو على ندرتها مثل «فى انتظار السعادة» و«باماكو» وأخيرا «تيمبكتو» لقد أدرك المخرج أن العنف والدموية تستطيع أن تقضى عليهما بالموسيقى والغناء أو حتى بممارسة لعبة كرة القدم، هم  يرفعون شعار التحريم لكل شىء وفى لمحة إبداعية خاصة قدم المخرج هذا المشهد الذى تمنيت أن أصفق له عندما منعت الشرطة الإسلامية فى «تيمبكتو» وهى أحد القطاعات فى تلك الدولة من ممارسة كرة القدم بحجة أن الكرة حرام شرعا فقرر الشباب فى تلك القرية الفقيرة أن يواجهوا هذا العنف بالخيال وكأنهم يلعبون الكرة ووضعوا قانونا جديدا وهو لعب الكرة بدون كرة، وهكذا انتصر الفن على أعداء الحياة الذين اعتقدوا أنهم قادرون على  اغتيالها

دائما يأتى الخيال كسلاح باتر ليحافظ الإنسان من خلاله على هويته، وهنا يأتى لعب الكرة وهو يحمل هذا البعد الرمزى وهو ما عبر عنه سيساكو بكل أستاذية وحرفية وخيال جامح، حيث إن المشاهد صار طرفا إيجابيا فى تلك الحالة وهو يشاهد مباراة كرم القدم بدون أن يرى فى  حقيقة الأمر كرة قدم، وانتهى المشهد بأن الشرطة الإسلامية تأتى للتفتيش فتجدهم وهم يمارسون تدريبات لياقة بدنية ولا تستطيع أن تمارس عليهم العقاب الدينى الذى فرضوه الذى يعنى طبقا لشريعتهم 20 جلدة إذا تم الضبط متلبسا بممارسة تلك هذه اللعبة.

يبدأ المخرج أحداث الفيلم بلقطة لغزال جميل يجرى بكل رشاقة فى الصحراء، وينتهى أيضا إليها كأنه أمل قادم بالتخلص من  هؤلاء الدمويين الذين يتدثرون عنوة بالدين، الشرطة تعتقد أن  الإنسان تتم السيطرة عليه عندما يصبح بلا روح، ولهذا يحرمون الغناء والموسيقى ويطاردون من يمارس هذه الفنون حتى يصل بهم الأمر إلى القتل رجما بالحجارة، وتطالب النساء ليس فقط بتغطية الرأس، ولكن قفازات ينبغى أن تضعها المرأة على يديها، وفى مشهد تحدٍ تُقدم المرأة يديها إلى الشرطى تقول له اقطعها لأننى استخدمها فى بيع السمك، لا ينسى المخرج أن يضع أيضا فى المعادلة هؤلاء الذين  يسخرون من تلك الممارسات ويضعون يافطة مكتوبا عليها «أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله». العائلة الرئيسية فى الفيلم تتكون من زوجة وزوج وطفلة والزوج لديه ثمانى بقرات يتكسب منها، الحدث المباشر الذى نتابعه هو عندما يقتل أحد الصيادين بقرة لأنها دخلت بدون أن تقصد إلى شباكه التى زرعها على النهر، وينتهى الأمر بالقبض على صاحب البقرة والذى يمهد الفيلم بقتله لأنه لا يستطيع سداد الدية 40 بقرة على شرط أن يقبل أهل القتيل ذلك، يحرص المخرج على أن يقدم بين الحين والآخر الوجه الآخر للإسلام من خلال رجل الدين يحاول تصحيح الصورة، لجأ المخرج بين الحين والآخر إلى استخدام لغة فصحى مبسطة، حيث إن فى موريتانيا العديد من اللغات وبينها العربية، ولكنه لجأ للفصحى المبسطة وإن كان أداء الممثلين بالعربية كان يبدو به قدر لا ينكر من الافتعال.

الموسيقى الأفريقية تدخل فى لحظات مليئة بالشجن لتشع إحساسا روحيا بل صوفيا بديعا، المخرج قدم صرخة ضد هؤلاء المتطرفين الذين يمارسون القمع باسم الدين بينما قلوبهم مملوءة بكل مساحات القسوة!

مجلة روز اليوسف في

28.02.2015

 
 

يتواصل عرضه في دور السينما... ويحقق إيرادات عالية

فيلم «القناص الأميركي» مثير للجدل ولنزعات دموية وخطابات كراهية

الوسط - منصورة عبدالأمير

تمكنت أخيراً، وبعد طول مكابرة، من مشاهدة فيلم «القناص الأميركي» American Sniper، الذي يثير كثيراً من الجدل منذ بدء عروضه قبل أكثر من شهر في دور السينما في جميع أرجاء العالم. ردود الفعل تجاه الفيلم تفاوتت وتناقضت، ففي الوقت الذي خرج فيه بعض مشاهدي الفيلم «الأميركان» من دور العرض الأميركية ليعبروا عن تعطشهم للدم ورغبتهم العارمة في قتل «الوحوش»، «الأوغاد»، «حثالة القمل»، في إشارة إلى العرب، وذلك عبر تغريدات ملأت موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، في الوقت ذاته انطلقت حملة انتقادات واسعة للفيلم من مفكرين ومثقفين أميركان.

الصحافية رانيا خالق التي تكتب في موقع Electronic Intifada أجرت عملية بحث سريعة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، وضمنتها في مقالها لتبين مدى تفاعل الجمهور الأميركي مع الفيلم، ولتكشف حجم الكارثة الأخلاقية التي تسبب فيها الفيلم. وتقول إحدى التغريدات، التي نقلتها رانيا «الفيلم عظيم وأنا الآن أريد فعلاً أن أقتل بعض الأوغاد ال...»، فيما تقول تغريدة أخرى «القناص الأميركي يجعلني أريد أن أقتل بعض العرب ال...». وتقول تغريدة ثالثة «من الجميل أن نرى فيلماً يصور فيه العرب على حقيقتهم، إنهم حثالة من القمل تريد تدميرنا».

الفنان جيمس وودز قال في إحدى تغريداته «في كل مرة يسحب جندي أميركي الزناد، فإنه سيقضي على تهديد آخر لجندي أميركي». أما الممثل سيث روغين فغرد قائلاً بأن الفيلم ذكره بفيلم شكّل حملة دعائية للقناصين النازيين وهو فيلم Inglourious Basterds.

الفيلم مقتبس من رواية تحمل نفس الاسم نفسه «القناص الأميركي» كتبها القناص الأميركي كريس كايل، أشهر قناص في تاريخ العسكرية الأميركية إذ حقق أعلى رقم في عدد الأشخاص الذين «قنصهم».

حقيقة، ولأن الفيلم من إخراج كلينت ايستوود، تصورت أنني سأكون على موعد مع فيلم غاية في القوة والرصانة السينمائية. أليس هو مخرج روائع كثيرة، لعل أقربها بالنسبة لي Mystic» River 2003» وفيلم «Million Dollar Baby 2004». نتذكر كم كانا فيلمين رائعين نالا إعجاب النقاد والمشاهدين. وما دام ايستوود يعود بعد انقطاع عامين بهذا الفيلم كمخرج ومنتج، فنحن إذن على موعد مع التميز. وما دام فيلمه أثار هذا الجدل، فهو بكل تأكيد فيلم مؤثر، رصين وذو قيمة فنية عالية. الفيلم فاز بجائزة الأوسكار لأفضل مونتاج صوتي على أية حال، عدا عن أن أرباحه على شباك التذاكر بلغت، حتى كتابة هذا المقال، 320 مليون دولار أميركي، والفيلم على رأس قائمة الأفلام التي حققت أعلى الإيرادات في الولايات المتحدة في عام 2015. وعدا عن الأرقام القياسية التي حققها الفيلم، فقد أثار انتباه الجميع من مشاهدين عاديين إلى نقاد وصولاً إلى سياسيين ومفكرين.

الفيلم يروي القصة الحقيقية لكريس كما جاءت في كتابه، ويسرد يومياته في قنص العراقيين أثناء الغزو الأميركي للعراق. يفترض، بحسب ما يبدو، بأن الشخصية التي يطرحها الفيلم هي شخصية وطنية وبطولية. لا يبدو سبب ذلك واضحاً لي كمشاهدة غير أميركية، لكن ربما يرجع الفيلم بطولة كريس لمهاراته العالية في قنص المدنيين الأبرياء و»غير الأبرياء»، العزل والمسلحين، الرجال والنساء، الكبار والصغار. كريس على أية حال حقق رقماً قياسياً في عدد الأشخاص الذين قتلهم برصاصاته الغادرة. يرسل إلى العراق بمهمة واحدة فقط وهي حماية الجنود الأميركان وإنقاذ أرواحهم من المدنيين حاملي السلاح!، الإرهابيين!، القتلة!، وغير ذلك من أوصاف جاءت إما على لسان شخصيات الفيلم وعلى رأسهم كريس (الذي يقوم بدوره برادلي كوبر) أو على لسان جمهور صالات العرض الأميركي.

واقعاً، لم أجد في الفيلم أي تميز يجعله يستحق ما قرأت عن ترشيحه لعدد من جوائز الأوسكار ومنها جائزة أفضل فيلم. ولأنني أقف من هذا الفيلم موقفاً معيناً، لم أشأ الاعتماد على وجهة نظري، لجأت لمواقع نقدية عديدة، فجدت أن النقاد الأميركان أنفسهم لم يعطوا الفيلم أكثر من 6 نقاط من عشر. صحيح أن نسب المشاهدة عالية والجمهور أعطى الفيلم نقاطاً أعلى، لكن الجمهور في الأغلب تحركه دوافع أخرى لا علاقة للمهنية بها.

الفيلم، حقيقة، مثير للاشمئزاز في تمجيده لشخص يمتهن القتل، يقتل الأطفال والنساء بدم بارد، فقط لأنه يشتبه بهم. يهدد الأهالي ويهاجمهم في البيوت. ويكون سلوكه ذاك رمزاً للشجاعة الأميركية. وليس ذلك فحسب بل على المشاهدين أن يتعاطفوا معه، هذا المواطن البسيط الودود، رجل العائلة الطيب، الزوج المحب... الذي اضطره «الأوغاد» أن يسفك دماءهم ويقنص أطفالهم ونساءهم. أحاول ألا أصاب بالقرف وأن أقف من الفيلم موقفاً محايداً، لكنني أعجز عن التجرد من إنسانيتي. وعلى الرغم من أن الفيلم أثار إعجاب قطاع كبير من الجمهور الأميركي، الذي تحمس بعضهم لإرتكاب جرائم قتل بشكل ... مقرف .. غاية في القرف، إلا أننا سنقول أن هؤلاء هم الجهلة المغيبون ... الذين يمكن اللعب بعواطفهم وتوجيه وعيهم بفيلم سينمائي. على أية حال ذكرني ذلك بقصة ساخرة انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي قبل فترة تحكي قصة الذئب الشهير في قصة «ليلى والذئب» وهو يشتكي من ليلى التي تسببت له بمشاكل عديدة حين أكلها وجدتها!!!

تشومسكي: كلنا قناصون!

لكن، وكما انطلقت تعبيرات مقززة مؤيدة للفيلم متعاطفة مع القتل والقتلة، فقد انطلقت أيضاً انتقادات حادة من مفكرين أميركان. على رأسهم المفكر والبروفيسور الشهير نعوم تشومسكي الذي لم ينتقد الفيلم وحسب بل انتقد وسائل الإعلام التي مجدته وأثنت عليه. تشومسكي تساءل في محاضرة ألقاها في نهايات شهر يناير/ كانون الثاني 2015 عما يمكن أن يقوله فيلم يتحدث عن قاتل ذي دم بارد، عن الشعب الأميركي.

انتقد التقارير الصحافية التي مجدت الفيلم وقال بأن هذه التقارير أهانت النخبة المثقفة في أميركا، التي تشغل نفسها بنقاشات حول أعمال درامية لا يشاهدها أحد فيما يتوجه الأميركان لمشاهدة أفلام عائلية وطنية تحقق أرقاماً قياسية في يوم افتتاحها.

وعرف تشومسكي «الأفلام العائلية الوطنية التي «تدوخ» الأميركيين!» بأنها «فيلم يتحدث عن القناص الأكثر فتكاً في التاريخ الأميركي، شخص يدعى كريس كايل، استخدم مهاراته لقتل بضع مئات من الأشخاص في العراق».

وواصل «أول عملية قتل لكايل كانت لامرأة كانت على ما يبدو تسير في الشارع وتحمل في يدها قنبلة يدوية، وذلك أثناء مهاجمة قوات المارينز الأميركية لقريتها. وحين يقتلها بطلقة واحدة يقول كايل «أكره المتوحشين اللعناء الذين أقاتلهم»، ثم يواصل «متوحشين، حقراء، أشرار... هؤلاء من نقاتلهم في العراق. ولهذا يطلق كثير من الناس، وأنا منهم، لقب المتوحشين على العدو. لا يوجد طريقة أخرى لوصف ما نواجهه هناك». تشومسكي أشار إلى أن صحيفة النيويورك تايمز وصفت الفيلم بأنه «عظيم، ملتزم بالقيم السينمائية، ومعمول بشكل جيد» في المقابل، فإن جيف ستين من النيوزويك وهو ضابط مخابرات أميركي سابق، قال إنه فيلم مروع».

وأضاف تشومسكي «كريس اعتبر أول شخص قتله إرهابياً، وهي المرأة التي كانت تسير في الشارع، وفي الواقع لا يمكننا أن نصف كريس بأنه قاتل سيكوباتي، لأننا جميعاً كذلك لتسامحنا أو صمتنا عن السياسة الرسمية».

عقلية القناص كريس كايل، بحسب تشومسكي توضح ما يجعل الأميركان قادرين بكل سهولة على تجاهل «الحملة الإرهابية الأكثر تطرفاً في التاريخ الحديث، والواضحة بشكل كبير، وهي حملة أوباما العالمية للاغتيالات بإطلاق طائرات بدون طيار، وهي تهدف بشكل رسمي لقتل الناس الذين يشتبه في كونهم يخططون لإيذائنا».

تشومسكي أوصى بقراءة بعض تقارير مشغلي هذه الطيارات، والتي وصفها بأنها «مروعة» وبأن هؤلاء الطيارين يحملون نظرة «لاإنسانية للأشخاص الذين يستهدفونهم».

انهى تشومسكي حديثه خلال الأمسية بسؤال للجمهور «هل نحن جميعاً، على الأقل ضمنياً، قناصون أميركيون».

من جانب آخر، أشارت صحيفة الغارديان في تقرير نشرته في 24 يناير/ كانون الثاني 2015 إلى أن لجنة الأميركان العرب لمحاربة التمييز العنصري American-Arab Anti-Discrimination Committee بعثت برسائل إلى مخرج الفيلم كلينت ايستوود وبطله برادلي كوبر طالبتهما بإدانة التهديدات التي أطلقها بعض مشاهدي فيلمهما ضد العرب والمسلمين الأميركان. وقال متحدث باسم اللجنة «نريد من ايستوود وكوبر أن يقولا لا تستخدموا فيلمنا لنشر الكراهية أو التعصب». وأضاف «إذا أرادا أن يمضيا قدماً في هذا الأمر، يمكنهما على الأقل القول إن العرب في أميركا أميركيون فقط كغيرهم». لكن كوبر وايستوود لم يستجيبا لهذه المناشدات ولم يعلقا عليها. أحد مسئولي اللجنة أخبر صحيفة الغارديان بأن «خطابات الكراهية في وسائل التواصل الاجتماعي ارتفعت بشكل عنيف بعد عرض الفيلم».

هورنبيرغر: نحن الأخيار وهم الأشرار

من الانتقادات الحادة التي وجهت للفيلم أيضاً، ما جاء في مقال كتبه جاكوب هورنبيرغر من مؤسسة مستقبل الحريات The Future of Freedom Foundation في 20 يناير 2015 كتب فيه «كما أشار المسئول النازي هيرمان غورينغ، من السهل على أي نظام أن يجعل شعبه يدعم حرباً. كل ما يجب عليه فعله هو أن يخبر الناس بأنه تم مهاجمته ثم يتهم المعارضين له بأنهم يفتقدون الوطنية وبأنهم يعرضون البلاد للخطر».

هورنبيرغر أشار إلى أن الفيلم لم يقدم أسباب حرب العراق، إذ كتب «ليس من المستغرب، أن الفيلم، والكتاب الذي بني عليه، صورا حرب العراق بحسب العقلية التقليدية التي تقول بأن «فريقنا» الذي يتكون من الأخيار يقف في مقابل «فريقهم» الذي يتكون من الأشرار».

ويضيف «في الفيلم يشاهد كايل تقرير تلفزيوني عن تفجير سفارتي الولايات المتحدة الأميركية في كينيا وتنزانيا والمدمرة الأميركية يو إس إس كول USS Cole. ولأنه اعتبر الهجمات عدوان على الولايات المتحدة، فقد قرر الانضمام إلى الجيش. لكن ما لم يتم الإشارة إليه هو أن تلك الهجمات، تماماً مثل الهجوم عام 1993 على مركز التجارة العالمي، كان رداً على ما كانت الإمبراطورية الأميركية تفعله في الشرق الأوسط، بما في ذلك العقوبات التي قتلت الأطفال العراقيين والمساعدات الخارجية غير المشروطة للحكومة الإسرائيلية، وتمركز القوات الأميركية في الأراضي الإسلامية المقدسة، ومناطق الحظر الجوي فوق العراق التي قتلت المزيد من الناس، بمن فيهم الأطفال، ودعم الولايات المتحدة الطويل وشراكاته مع الأنظمة الديكتاتورية الوحشية والقمعية» .

ويواصل هورنبيرغر «لم يكن مستغرباً ما جاء في الفيلم بأنه بعد كل جولة قتل لكايل، كان يعود باضطراب في عقله. والرجل الذي بدا لطيفاً ودوداً يحمل روح دعابة في بداية الفيلم، تحول إلى شخص يعاني من داء العظمة، عابس، وغاضب على الدوام. وغني عن القول، فإن زواجه من امرأة رائعة أحبته كثيراً، تفكك، كما حدث لكثير من الجنود الأميركان الذين خدموا في العراق والذين عادوا مضطربي العقول. وبطبيعة الحال، يعزى كل ذلك إلى اضطراب ما بعد الصدمة. الواقع هو أن السبب الحقيقي لذلك هو الشعور بالذنب، ذنب كبير، لقتل الناس ظلماً وتدمير بلادهم، الذين لم يكونوا يفعلون سوى أنهم يمارسون حق الدفاع عن أنفسهم بحسب ما تنص عليه بنود القوانين الدولية».

من الانتقادات التي وجهت للفيلم من بعض الدوائر، هو كونه مؤيداً للحرب، أو موالياً للحزب الجمهوري، إلى انتقاد المخرج مايكل مور الذي قال فيه «تعلمت منذ صغري أن القناصين جبناء» وذلك في تغريدة على صفحته على موقع التويتر.

كلينت ايستوود: فيلمي معاد للحرب

أخيراً استجاب مخرج الفيلم ومنتجه الممثل الشهير كلينت ايستوود للانتقادات الكثيرة والحادة التي وجهت لفيلمه. استجابته وتصريحه شكلا مفاجأة... ربما غير سارة وخصوصاً لمنتقدي فيلمه، الذين رأوا أن ايستوود كان من المفترض أن يقدم فيلماً مناهضاً للحرب، وأن يقدم تصريحاً عبر الفيلم يقول فيه بأن أميركا كان يجب ألا تخوض حرباً في العراق.

قال ايستوود «إن أكبر تصريح معاد للحروب يمكن لفيلم أن يقدمه هو أن يظهر حقيقة ما تفعله الحرب لأسر أولئك الذين يتوجب عليهم أن يذهبوا إلى الحروب مثل كريس كايل». أشار إلى أنه قبل بدء إخراج الفيلم، ذهب مع بطل الفيلم برادلي كوبر إلى ولاية تكساس للقاء أرملة كايل وبقية عائلته، وكما أكد فقد كانت الزيارة ذات قيمة كبيرة لبرادلي، لأنه تعرف على تاريخ الأسرة ومشاعرهم حول الوضع برمته.

صحيفة «لوبس» الفرنسية نشرت في 12 فبراير/ شباط 2015، مقالاً كتبه كلينت ايستوود، نشرت صحيفة الحياة ترجمة له في 18 فبراير 2015. المقال بعنوان «قناص أميركي»... حياة متنازعة، كتب ايستوود فيه

«بدأت قراءة كتاب «سنايبر» (قناص) لصاحبه كريس كايل قبل ضلوعي في مشروع إخراجه. حينها تخيلت شخصية كريس كايل على وجه مختلف من صورته حين بدأت إخراجه. وصورتي عنه تغيرت بعدما قابلت كاتب السيناريو، جايسون هال الذي بدأ العمل على النص قبل وفاة كايل وأمضى معه وقتاً طويلاً. والتقيتُ أرملته وأولاده ووالديه. وأدركت أن الموازنة بين مشاهد الحرب في العراق ومشاهد حياة كريس الشخصية والعائلية، حيوية، وقد تكون وراء نجاح الفيلم. فالمشاهدون يفهمون الشريط فهماً غريزياً، ويرون أمامهم رجلاً متنازعاً بين ما يحسب أنه «واجبه» وبين اضطراره إلى فراق ناسه.

وفي فقرة أخرى كتب «تعديلاتي على سيناريو جايسون هال كانت قليلة، أبرزها تغيير مشهد قنــــص امرأة. ففي كتاب كريس كايل، يدور الكلام على قتل امرأة فحـــسب. ولكن في دردشتي مع هال، اكتشفت أن كايل حذف من القصة أن طفــــلاً كان برفقة السيدة. فهو خشي رد القراء إزاء قتل امرأة وطفل. كــــان السيناريو أميناً لصيغة الكتاب، لكنني عدَّلتُه وصوَّرت مشهد قنــــص السيدة والطفل. وأعتقد بأن ضغط كايل على زناد سلاحه لقتل الطــــفل كان أصعب قرار أخذه، وهو أبلغ طبيب الأعصاب والصحة العقلية أنه قتل 160 شخصاً. وأعتقد بأن العدد أكبر ويناهز الثلاثمئة. لذا، في الفيلم، يتوقف برادلي كوبر عن الكلام حين يُسأل عن عددهم. والصمت قــبل استئناف الكلام إشارة إلى أن الرقم الذي ذكره غير دقيق... والأغلب أن كايل نفسه لم يعرف عدد ضحاياه، فهو كان يطلق عليهم النار من بعيد، ويجهل مصيرهم بعد إصابتهم. وأعتقد بأنه لم ينسَ للحظة أنه يطلق النار على بشر مثله. وهو سعى إلى عقلنة أفعاله من طريق وصف أهدافه بالمتوحشين والبرابرة».

وفي فقرة أخرى «رؤيتي تختلف عن رؤية كريس كايل. والحال أن عملية كتابة سيناريو وإخراجه، تقلب الشخص الحقيقي - كريس كايل - إلى شخصية خيالية. ولقب البطل أطلقه رفاق كريس عليه، مزاحاً. وهو كرهه ورفض أن يُنعت به. وحين يقترب جندي معوق من كايل وابنه، ويقول للابن أن والده بطل، يبدو الانزعاج على كريس».

وعن الحروب التي خاضتها بلاده، كتب ايستوود «كنت في الحادية عشرة حين وقع هجوم بيرل هاربور عام 1941. مذ ذاك تناسلت الحروب: حرب كوريا، وحرب فيتنام، وحرب أفغانستان، وحرب الخليج. وعارضت الحرب على العراق. فصدام حسين من غير شك شخص طالح، ولكن إذا بادرنا إلى إطاحة كل الطالحين لن تتوقف عجلة الحروب. وفكرة فرض الديموقراطية في كل أصقاع العالم نبيلة، ولكن من قال إن الديموقراطية هي النظام الأمثل في كل الدول؟ وأميل منذ بضعة أعوام إلى الأفكار الليبرتارية التي تعارض تدخل القوى الأجنبية. وأمضى الروس عقداً من الزمن في أفغانستان، ثم طُرِدوا... الردود على الفيلم متباينة، وبعضها صاخب، أُرحب بها على أنواعها. فالناس لن تشاهد فيلماً لا يؤثر فيها».

الوسط البحرينية في

28.02.2015

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)