فيلم مغربي للمخرج حسن بنجلون يصور حياة موسيقيّ أعمى أشبه بأبطال
التراجيديات الكلاسيكية.
الرباط - لم يبدأ الحديث عن تمثيلية الأفلام المغربية في جائزة أوسكار أحسن
الأفلام الأجنبية، إلاّ في السنوات الأخيرة، وهو أمر طبيعي بسبب عدم اهتمام
الإدارات السابقة للمركز السينمائي المغربي بالموضوع، وضعف الإنتاج، ثم عدم
استقرار وتيرته.
يعود ضعف انشغال السينمائيين المغاربة بالموضوع نتيجة خوف داخلي ما، أو عدم
الثقة بالنفس، أو ربما تحقيرهم الذاتي لما ينتجون بدعوى أن الفيلم المغربي
لا يستطيع المنافسة من حيث الجودة، أو ما كان يروّج في أوساط المهنيين من
كون أن هذا النوع من المسابقات يحسم أمره بعض التفـاصيل السياسية، أو
التعاقدات المتعلقة بصراع القوى السينمـــائية الكبرى في العالم.
ولكن يظهر أن هذه الأمور قد تبددت الآن، وصارت الإدارة والمنتجون والمخرجون
يحيطون ذلك بعناية خاصة تزداد سنة بعد أخرى.
سياسة الإقصاء
يدرك كثير من صناع السينما المغاربة أن حظوظهم قليلة في التأهل إلى المراحل
النهائية لمثل هذه المسابقات بالنظر إلى هشاشة المقاولات السينمائية، وأظن
أن من يثق بإمكانية الفوز إما حالم كبير، وتلك شيمة الفنانين الكبار، أو
أحمق فوق العادة، وتلك خصلة غير المصنفين في سلالم المنطق!
فالمغرب قوة سينمائية نامية تندفع نحو الأمام، وكل من يكتسب إرادة التقدم
يصطدم بما قد يعيق ذلك، ولكن المواجهة تتطلب الوقوف عند كل حالة وتشخيصها
قبل تجاوزها.
هكذا يمكن القول بأن إعلان ترشيح بعض الأفلام المغربية للمشاركة في جائزة
أوسكار أحسن الأفلام الأجنبية خطوة إيجابية في حدّ ذاتها، لأنها تخدم
السينما المغربية من حيث التنبيه إلى وجودها، والتعريف بمنجزاتها، وعقد
المقارنات المعقولة بينها وبين القوى السينمائية المشابهة لها.
يخضع ترشيح الفيلم المغربي للمشاركة في تلك المسابقة للاختيار الأولي من
قبل لجنة يشرف على تعيينها المركز السينمائي المغربي، كما يتعين على الفيلم
المرشح الخروج إلى قاعات العرض، مما يساهم في بعض الأحيان في إقصاء أفلام
مغربية جيدة، لحساب أخرى كانت تنتظر فرصة التوزيع، لأن السوق تضيق يوما بعد
آخر، ولا يمكن للموزعين المغامرة بإخراج الأفلام المغربية في نفس الوقت.
الجميع كان ينتظر أن يرقى فيلم"القمر الأحمر" إلى مستوى الرجل، لكن النقاد
ارتأوا أن الإنجاز كان محبطا لانتظاراتهم
إذا رجعنا قليلا إلى الوراء نجد أن بعض الأفلام المغربية التي شاركت في هذه
المسابقة كفيلم “علي زاوا” لنبيل عيوش، و”السمفونية المغربية” لكمال كمال،
و”وداعا أمهات” لمحمد إسماعيل، و”كازانيگرا” لنورالدين لخماري، و”عمر
قتلني” للمخرج رشدي زم، و”خيل الله” لنبيل عيوش، وأخيرا “القمر الأحمر”
لحسن بنجلون الذي أثار الكثير من الجدل هذه السنة بين المخرجين والنقاد
والصحافيين، متباينة المستويات من حيث ميزانيات الإنتاج والتصورات
الإخراجية والحمولات الفكرية والتوجهات الأيديولوجية.
وهي عاكسة لرؤى أجيال مختلفة من السينمائيين المغاربة: جيل الرواد أو ما
بعد الرواد والجيل الجديد، أو ما دأب النقاد على تسميته بالموجة الجديدة،
وبعض المخرجين من ذوي الأصول المغربية والحاملين لجنسيات أخرى. إذ تتباين
الطرائق الفيلمية والإنتاجية من حيث العمق والبراغماتية.
القمر الأحمر
يحكي شريط “القمر الأحمر” للمخرج حسن بنجلون الذي يمثل السينما المغربية في
مسابقة أوسكار أحسن فيلم أجنبي لهذه السنة، قصة حياة الفنان المغربي الضرير
عبدالسلام عامر (1939 – 1979).
فمساره كان مليئا بالعجز والمرض والخصاصة المادية والمغامرات التي تجاوزت
المغرب، لتصل إلى بلدان عربية أخرى كالجزائر ومصر، حيث كان طموح الرجل
يتجاوز قدراته المادية والبيولوجية، وهو ما قاده إلى تأليف “ريبرتوار”
غنائي متنوع نذكر منه رائعة “القمر الأحمر” التي استوحى منها الفيلم
عنوانه، فضلا عن ألحان أخرى من قبيل “راحلة” و”ميعاد” و”قصة الأشواق”.
وقد كانت حياته القصيرة مليئة بالمنعطفات، حيث شاءت الصدف أن يكون موجودا
بالقاهرة إبان اندلاع حرب 1967، وباستوديوهات الإذاعة الوطنية يوم انقلاب
قصر الصخيرات في المغرب على الملك الحسن الثاني في صيف 1971، حيث أرغمه
الانقلابيون على تلاوة بيان الانقلاب بعد أن كان المطرب عبدالحليم حافظ قد
تمكن من إقناعهم بإعفائه من ذلك، وهو ما عرض المرحوم عبدالسلام عامر للسجن.
يخضع ترشيح الفيلم المغربي للمشاركة في تلك المسابقة للاختيار الأولي من
قبل لجنة يشرف على تعيينها المركز السينمائي المغربي، كما يتعين على الفيلم
المرشح الخروج إلى قاعات العرض
دراما حقيقية
يظهر أن حياة عبدالسلام عامر درامية أكثر من الدراما نفسها، فقد كان الجميع
ينتظر أن يرقى فيلم “القمر الأحمر” إلى مستوى الرجل، لكن النقاد ارتأوا أن
الإنجاز كان محبطا لانتظاراتهم، ولم يلاق الفيلم نجاحا كبيرا لدى ما تبقى
من جمهور قاعات العرض، فتوالت الانتقادات على أعمدة الصحافة المغربية
ووسائل التواصل الاجتماعي.
يعلق أحد النقاد السينمائيين المغاربة على صفحته الفيسبوكية قائلا: «خبر
سينمائي طريف هذا الصباح، بلاغ من المركز السينمائي المغربي يخبرنا أن
الفيلم “المعجزة” لصاحبه حسن بنجلون “القمر الأحمر” يمثل المغرب في جوائز
الأوسكار. وقد تم اختياره من طرف لجنة مستقلة “جدا”».
كان رد فعل المخرج ناضجا أمام هذه الفورة من الانتقادات، بدعوى أن الأمر
موكول للجنة خاصة، وهو لا يمكن إلاّ أن يكون سعيدا بتمثيل السينما
المغربية.
تبرِز التجارب السابقة رغم حداثة عهدها أن الأفلام التي سبق وأن ترشحت باسم
المغرب لتمثّل السينما الداخلية أو سينما مغاربة العالم، أي الذين يعيشون
في الخارج لم تخلق ضجيجا أو جدلا إلاّ في الداخل.
وهذا ما يدل على أن في الاستفادة من الماضي عبرة، كي تكون الاختيارات
المستقبلية محكومة بما هو فني وجمالي، وأن تراهن على المنتوج القوي الذي
تدعمه مؤسسة لها قدرات على التواصل والدفع بالفيلم إلى مدى أبعد، فالصراع
على الأوسكار قوي للغاية، وتتحكم فيه حسابات عقلانية وأخرى يجب الإلمام بها
مسبقا.
وأعتقد أن فيلم “القمر الأحمر” ليس بقادر على المنافسة فنيا وإنتاجيا
وتواصليا، فهو منجز متواضع للغاية، لا يعكس ما وصلت إليه السينما المغربية
من تطور، ولا تصل فيه قوة الكتابة والإخراج إلى ما يؤهله لينافس دوليا، إذا
ما قارناه بالأفلام الأجنبية التي سبق لها وأن فازت بجائزة أحسن أوسكار
أجنبي على المستوى الأفريقي، كفيلم “اسمي تسوتسي” (2006) للمخرج الجنوب
أفريقي غافن هود أو على مستوى الدول المشابهة كالفيلم الإيراني “الانفصال”
(2011) للمخرج أصغر فرهادي. جميل أن تصل السينما المغربية إلى مستوى انتظام
الإنتاج الذي يمنحها -سنويا- انتقاء فيلم يمثلها في مسابقات دولية لها صيت
كبير، ولكن البحث عن الكيف ونزاهة اللجان وقبول النقد البناء.
أمور ضرورية لتطوير الفعل السينمائي في بلد يسعى إلى أن تكون السينما،
حاملة لبصمة تمثل عراقة حضارة وثقافة ضاربتين في التعدد والاختلاف. |