كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

مهرجان برلين السينمائي في دورته التاسعة والخمسين بواقع مضطرب وأفلام جيدة

برلين ـــ من هوفيك حبشيان

مهرجان برلين السينمائي الدولي

الدورة التاسعة والخمسون

   
 
 
 
 

الجرح الإيراني ينزف على شاطئ قزوين والإسلاموفوبيا في فيلم قوي لبوشارب

طبعة تقول كيفما تكن الحياة تكن السينما وتُري العالم مكاناً لا يحلو فيه العيش

تحفل الدورة الحالية من مهرجان برلين السينمائي (5 - 15 شباط) بما يسمّى في السينما الحديثة بـ"الأنتي هيرو" (بطل مضاد) وجبابرة من ورق تتأكلهم خشونة الزمن والإحباط المستديم والعيش على تخوم الموت. كيفما يكن العالم يكن الفن. وها إن السينما تقرر أن تستجيب الواقع، في طبعة هذه السنة، بمجموعة أفلام أمست لسان حال المآسي الخاصة والعامة والحروب والإخفاقات الإجتماعية والزوجية وجرائم الحرب من العراق الى البوسنة والهرسك، بالإضافة الى المصائب الصغرى في دائرة الفرد، والتي لا تقل أهمية عن القضايا المصيرية الكبرى، كمثل الموت البطيء على نار خفيفة في البلدان النائية والبعيدة، الى ما هنالك من الأشياء التي تجعل من كوكب الأرض مكاناً لا يحلو فيه العيش.

أمام هذا الواقع المضطرب، الذي يضرب البيرو وايران وبريطانيا العظمى وسردينيا ومانيلا وباريس، تضيق مساحة الأمل في الأفلام ويتحول الأبطال الى زومبيين او الى ظلال أو حتى أشباح. برتران تافيرنييه يكسر مع "في الضباب الكهربائي" صورة طومي لي جونز، الرجل الغاضب والدائم الحركة، جاعلاً منه شرطياً صغيراً لا يقوى حتى على قوّاد صغير في منطقته. هانز كريستيان شميت يجرجر محامية فيلمه "عاصفة" في متاهات الفساد القضائي حيث لا نصر الاّ نصر الفساد. في "المُرسل" يجعل أورن موفرمان الجنود الأميركيين العائدين من العراق يخفضون رؤوسهم حين يمشون في الشارع، وهي حالة مشابهة لحالة غاييل غارثيا بيرنال في "ماموث" للوكاس موديسون. أما جارا "جيغانتي" لأدريان بينييز، الموظف المتواضع في سوبرماركت، فلا يجد ما يفرغ فيه كبته الاّ المعلبات الغذائية، في المشهد الجميل حيث ينهال على الرفوف الممتلئة بالمنتوجات لحظة خروجه على طوره.

الدورة التاسعة والخمسون هي أيضاً دورة البحث المستمر: مجموعة ايرانيين يبحثون عن ايلي التي أخذتها أمواج بحر قزوين الغدار ولم تعد. محامية دفاع تبحث عن حقيقة ما جرى في جريمة حرب قذرة. أم وأب يبحثان عن ولديهما. تحرٍّ يبحث عن قاتل بالتسلسل. ثنائي يبحث عن معنى لوجوده. انها أيضاً طبعة العائلة والعلاقات المكلومة وأشياء كثيرة لا تزال رهن الإكتشاف. هنا قراءة في تسعة من أصل ثمانية عشر فيلماً (الترتيب بحسب الأفضلية) تتسابق لنيل جائزة "الدب الذهبي"، على أن نعود الى النصف الآخر، في مقالة نقدية مقبلة، فور الإنتهاء من مشاهدة ما تبقّى من البرنامج.

1 - "في خصوص ايلي"، لأصغر فرهادي.

من الأعمال التي نالت أعلى النقاط في تصنيفات نقّاد مجلة "سكرين انترناشيونال" في أعدادها الخاصة بالمهرجان. انه رابع الأفلام الروائية الطويلة للإيراني أصغر فرهادي والذي عُرض يوم السبت الفائت. وكان الشريط قد تعرض لحصار الحكومة الإيرانية، قبل ان يتدخل الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بنفسه لفك الحجز عنه، الأمر الذي يُعتبر سابقة في ايران. أما سبب امتعاض السلطة من الفيلم فهو أن غولشيفته فرهاني تمثل فيه. ومن تكون غولشيفته فرهاني هذه؟ هي بكل بساطة ممثلة ايرانية رائعة الجمال، وموهوبة كذلك، تجرأت على الاضطلاع بدور الممرضة التي يغرم بها العميل ليوناردو دي كابريو في آخر أفلام ريدلي سكوت، "أكاذيب سلطة" أو "كتلة أكاذيب"، من دون إذن، ومن دون أن تستشير أصحاب القرار في بلادها وتحظى بموافقتهم. نتيجة "تمردها" اللعين هذا كان من البديهيّ، في نظام مثل النظام الإيراني، أن تُتخذ في حقها أشد الإجراءات.

أياً يكن، يأتي الفيلم الى الـ"برليناليه" مسبوقاً بصيت كبير يساهم في ان يشق طريقه الى قلوب الغربيين. لكن عرض الساعة التاسعة صباحاً نسف كل الأفكار الجاهزة التي أحيطت بالفيلم. بضع دقائق كانت كافية ليصحو الصحافيون من نعاسهم الصباحي، أمام صورة لإيران التقطها فرهادي من زاوية عريضة، وهي تبدو "حديثة" جداً مقارنة بمجمل ما شاهدناه من أفلام ايرانية في السنوات الأخيرة. هذه الحداثة تشمل النصّ والمعالجة ونمط التصوير على حدّ سواء، والفيلم هو، في المحصلة النهائية، اقرب الى جعفر بناهي منه الى كيارستمي.

ماذا يحصل تحديداً في فيلم هذا المخرج المولود في اصفهان؟ مجموعة شخصيات تقدَّم الينا في البداية. تدخل الى الكادر وتخرج منه، من دون أن تتوضح العلاقة بينها الاّ رويداً رويداً وضمن كتابة سينمائية تتشكل جزئياتها الصغيرة أمام أعيننا. لنحو من ساعة تقريباً، نتعرف الى نساء وأولاد يشكلون نماذج مما هو عليه اليوم المجتمع الإيراني المنفتح على الكثير من المسائل الحياتية، مع المحافظة الغريزية على القيم "الكبيرة" لشعب عريق ذي ارث ثقافي ثقيل. وسنكون، نحن المشاهدين، شهود عيان في طبيعة الحال، على لحظات من الإنجذاب والتماهي مع هذه المجموعة التي تذهب لتمضية عطلة الويك اند، في منزل مهجور على احد شواطئ بحر قزوين. المناقشات ستأخذ مداها بوتيرة عالية، والضحك والرقص والأغاني ستتعالى، لنكتشف الرابط بين الشخصيات المختلفة...

من بين هؤلاء هناك أحمد، العائد الى إيران من ألمانيا، والى عزوبيته المريرة بعد ارتباط فاشل بألمانية. سيبيديه (فرهاني)، التي تولت تنظيم الإقامة، طلبت من مدرّسة ابنتها الصغيرة، المدعوة ايلي، أن تنضم الى الرحلة، من دون ان تخبر أحداً، في رغبة منها لتقريبها من أحمد، الذي يريد الإقتران من ايرانية هذه المرة. لكن هذا الفردوس الإيراني سينزل الى الجحيم، ما إن تتيه ايلي في امواج البحر الغدار، وهي تحاول اسعاف طفل من الغرق. الحادثة هذه ستأخذ الفيلم الى مكان لا عودة منه، ليتبين أن كل ما سبق الحادثة من مظاهر بهجة وودّ بين الشخصيات، ليس الاّ "مسرحية" تخفي الكثير من المرارة الدكناء. وهذا، في طبيعة الحال، سيشرع الباب على نزاعات بين الأزواج، وبين أطراف آخرين، وتُلقى مسؤولية غرق أو اختفاء ايلي على سيبيديه، وينهال زوجها عليها بالإهانات والضرب، وستنهار هالتها أمام الجميع.

وسيكتشف هؤلاء علاقة ايلي المتأزمة بعائلتها واخفاءها عنهم واقع انها مخطوبة من شاب آخر، الخ، وأكاذيب أخرى لا تعدّ ولا تحصى. هذا الخطيب يطل فجأة على المشهد، ويستدعى الى مسرح الحوادث المأسوية، لتضاف الى حلقة المصائب مصيبة جديدة. بنصّ بليغ في رصانته وكاميرا نشيطة في لملمة حركة الممثلين، يأتينا فرهادي بفيلم محكوم البناء منذ اللقطة الأولى. طوال أكثر من 45 دقيقة، يهيئنا لخطاب سينمائي غير مباشر عن المجتمع الإيراني الحديث، قبل أن يقلب الطاولة على رؤوسنا في الجزء الثاني الذي يعتمل إشارات واستعارات لا تُقرأ الاّ ما بين السطور.

2 - "نهر لندن"، لرشيد بوشارب.

من بين الأعمال التي تتسابق لجائزة "الدب الذهبي"، والتي عرضت على الصحافة حتى تاريخ كتابة هذه السطور، لا شك أن "في خصوص ايلي" هو الأقوى والأكثر تكاملاً، مع شريط آخر، "نهر لندن"، أنجزه المخرج الفرنسي من أصل جزائري رشيد بوشارب. بعد شريطه ذي الإنتاج الكبير وبالسينماسكوب، لا يُحرج بوشارب أن يجد موطئ قدم في عمل مصور بالـ16 ملم. اذاً، بعد "بلديون" الذي أضاء على دور الجنود الأفارقة المنسيين في تحرير فرنسا، ضمن إعادة احياء مشهدية للحرب مع ما يتضمن ذلك من معارك وإمكانات تجسيدية ضخمة، ها انه يأتينا بشيء حميمي الى درجة كبيرة: مأساة أمّ مسيحية وأب مسلم تفقد الأولى ابنتها والثاني ابنه في حادثة تفجير الباص الإرهابية التي استهدفت مدنيين في السابع من تموز 2005، في العاصمة البريطانية.

هنا، لا إعادة إحياء للعمل الإرهابي الذي قام به أربعة باكستانيين ـــ بحيث يكتفي النصّ باطلاعنا على المعلومات من خلال الشاشة الصغيرة وصور الأرشيف ـــ انما ثمة محاولة لتقريب الوجهات النظر بين عالمين، الأول إسلامي، متدين وغير متحضر في نظر الغرب، ومتهم بالعنف والإرهاب منذ الحادي عشر من أيلول، والثاني عنصري حيناً، وتافه أحياناً، ومتملق في كثير من الأحيان، لا عن سابق تصور وتصميم، إنما عن قلة معرفة بما هو بعيد عن ثقافته.

الفيلم دعوة الى ان يجلس الطرفان أحدهما مع الآخر، ذلك أن ما يجمعهما هو أكثر مما يفرقهما. على رغم ذلك، تبدو بدايات الإقتناع بهذا الواقع من سابع المستحيلات بالنسبة الى السيدة سامرز (أداء بارع لبريندا بليثين) التي ما إن تقع الحادثة حتى يلهمها قلبها بأن ابنتها جاين قد تكون من الضحايا. فتبدأ بحثها حتى تلتقي في طريقها ذات يوم السيد عثمان، وهو أفريقي جاء بدوره للبحث عن ابنه الشاب الذي لم يره منذ كان في السادسة. عنيف سيكون رد فعلها عندما تعلم أن جاين كانت تعيش مع ابن عثمان وتتعلم العربية وترتاد الجامع. "لماذا تحتاج الى العربية؟ من يتكلم هذه اللغة؟"، تصرخ السيدة سامرز في وجه المدرّسة التي تعلّم ابنتها اللغة العربية. وتقول في مكان آخر من الفيلم وهي تتحدث مع شقيقها عبر الهاتف: "لا يمكنك أن تتصور هذا المكان الذي أنا فيه الآن، وسط كل هؤلاء المسلمين". كلامها هذا لا ينم ربما عن تعصب أو خشية أو اسلاموفوبيا، إنما عن عدم احتكاك بهذا الطرف.

يميل الفيلم الى الأحاسيس والأفكار أكثر من الإتهامات والشعارات، ويجد ترابطاً بسيكولوجياً بين الدافع والنتيجة. برباطة جأش يحسد عليها، يخاطب بوشارب الغرب على قدم المساواة رافعاً الكلفة. يقتصد في استخدام الموارد السينمائية، ويخلص الى نتيجة سوية لكل من القاضي والمتهم، مانحاً عقدة الإسلاموفوبيا في المدن الأوروبية الكبيرة المزدحمة بالعرب فيلماً يحسم هذه المسألة، من دون تنازل او اذلال. وفي تقديري الخاص، فإن الفيلم هو الأقرب الى "الدب الذهبي" حتى الآن، وان تكن الأسباب التي قد تدفع ربما تيلدا سوينتون وأعضاء اللجنة التي تترأسها الى تتويج الفيلم تختلف عن أسبابنا نحن.

3 - "جيغانتي" لأدريان بينييز.

ضمن قائمة أفلامنا المفضلة في المسابقة الرسمية، يحتل "جيغانتي" للبيروفي ادريان بينييز المرتبة الثالثة، وهو أولى تجاربه السينمائية الطويلة. شريط مفعم بالحنان والرقة تجاه شخصيته الرئيسية: رجل أمن يحرس أحد متاجر المأكولات ليلاً ويراقب عمال التنظيفات على الشاشة التي امامه وهو يحلّ كلمات متقاطعة. حياة في منتهى البساطة والرتابة والملل لولا انجذاب رجلنا الى خادمة شابة فيتحول الإحساس الغريب الى هوس. هذه الشاشات التي تجسد لعنة وجوده، وهو مجبر على عدم صرف النظر عنها ما دام في الخدمة، هي التي ستهبه ربما الحب الذي كان في انتظاره دائماً. سيقتفي جارا خطى الفتاة عند خروجها من العمل، ويلاحقها بصمت اينما ذهبت، من دون التجرؤ يوماً على التقرب منها والكشف عن حقيقة شعوره ازاءها. الفيلم في جزئه الكبير هو عن هذين الملاحقة والهوس. عن التضاد بين رجل صاحب جثة ثقيلة وضخمة وقلب رقيق يريد أن يفلت مما هو فيه، أي من السيستيم الإستهلاكي المتوحش الذي حوّله منتوجاً بارداً، وينبغي له أن ينفذ الأوامر ولا يعترض. الجميل أنه لا يعرف أنه يريد الخروج على هذا السيستيم. لكن كل شيء يفعله، بدءاً من الشعور، هو ضد هذا السيستيم. كان يمكن جارا أن يقترب من جوليا (هكذا تدعى الخادمة)، وتحل العقدة، لكن المخرج يفضل أن ينهي حيث يبدأ معظم الأفلام.

4 -  "ماموث" للوكاس موديسون.

ببضع هيصات استهجان، استقبل الفيلم الجديد للمخرج الأسوجي لوكاس موديسون ("فاكينغ أمال"، 1998 - "ثغرة في قلبي"، 2004) في عرضه الصحافي يوم الأحد الفائت. فما من شيء أكثر ازعاجاً للشعوب المرتاحة والميسورة من أن يكونوا شهوداً لما يحصل في الجانب الآخر من العالم "المتحضر".  مشكلة "ماموث" الوحيدة انه يأتي من بعد "بابل" لايناريتو، اذ عقد كثيرون مقارنات بين الفيلمين. صحيح ان الفيلم يتشارك مع "بابل" في أشياء كثيرة، منها الطابع المعولم والوجع الذي يقع البعض في مخالبه، لكن "ماموث" فيلم قائم بذاته. وموديسون مخرج يعرف كيف يمسك بالوجع الإنساني، من نيويورك أولاً حيث طفل في الغيبوبة ومربية تركت أطفالها في بلادها في الشرق الاقصى لتؤمّن لهم ما يحول دون أن يبحثوا في النفايات عما يأكلون، الى الفيليبين ثانياً حيث فتيات صغيرات تجبرهن الظروف على بيع أجسادهن للسياح. شريط قوي، مليء باللحظات الوجدانية الكبيرة، يرينا في أي حال ينتهي قلم الماموث (المصنوع من انياب الفيلة) والذي يباع في الغرب بثلاثة آلاف دولار، في يد تاجر يشتريه من عاهرة فيليبينية بـ30 دولاراً! هذا فيلم ذو تركيبة معقدة جداً، يحيّر المشاهد في نصفه الأول، اذ لا نعلم في أي اتجاه يريد المخرج أخذنا، وعندما نصل لا نعرف كيف نعود.

5 - "المرسل" لأورن موفرمان.

ثمة شيء واحد أسوأ من الذهاب الى الحرب، هو أن تكون عسكرياً ومهماتك أن تأتي بأخبار الموت والوفاة من الجبهة لترسلها الى أهالي الضحايا، طارقاً بابهم وساحقاً قلوبهم بالجزمة العسكرية! هذه هي مهمة كلٍّ من الجنديين ويل وطوني اللذين يعودان الى الوطن بعدما حاربا في معارك طاحنة في الشرق الأوسط، ليبلغا، ببرودة وبروتوكول، خبر موت رفاق السلاح. واذا لم يجابها يوماً عدوهما وجهاً لوجه، لبقائهما في الخنادق، فها هما مضطران اليوم الى أن يطلا بلحمهما ودمهما أمام "أعدائهما" الجدد: الشعب الأميركي. هذا فيلم لمخرج اسرائيلي في الأربعين يحكي عن تداعيات حرب العراق على الداخل الأميركي من منظار آخر، يستحق أن يشاهد لصراحته في قول ما كان يخفى في عهد بوش على الشعب الأميركي. سينمائياً، يتفكك الفيلم تحت وطأة ثرثرة بعض المقاطع، لكنه يحمل في داخله وجعاً وتهكماً لا مثيل لهما.

6 - "شيري" لستيفن فريرز.

ما الذي يدفع بمخرج من طراز ستيفن فريرز، وبعد فيلم مثل "الملكة"، الى ان يعود الى حقبات قديمة ويقتبس كوليت؟ اذا كانت الأزمنة الحديثة لا تلهمه، فالحق أن بدايات القرن الفائت لا تحمل ايضاً اليه حظاً سعيداً، علماً أن "السيدة هاندرسون تقدم" (2005) و"علاقات خطرة" (1988) كانا جوهرتين صغيرتين، من توقيع سينمائي في أقصى درجات الإستلهام. تجري حوادث "شيري" في باريس زمن الـbelle époque: أزياء فاخرة، ديكورات مدهشة، حركات عظيمة للكاميرا، وممثلون، في مقدمهم ميشيل بفايفر، اختيار فريرز لهم موفق جداً، ولكن الكيمياء لا تمر بين كل العناصر، ولا بين الفيلم والمشاهد. الفيلم تجربة شفهية، والإخراج الذي يأتي به فريرز، على رغم عظمته، يبدو مقحماً، فلا يخدم رؤية سينمائية بقدر ما يوظف في سبيل المناظر الخلابة لفرنسا سابحة رومنطيقية كثيرة الحضور. على رغم ان فريرز لا يحتاج الى شهادة في هذا المجال، فأفلمة حقبة كالتي صوّرها، تجعلنا نرفع له القبعة، كمخرج يعرف أسرار الإخراج عن ظهر قلب.

7 - "عاصفة" لهانز كريستيان شميت.

خلافاً لعنوانه، لم يحدث فيلم كريستيان شميت الجديد عاصفة أو زوبعة في برلين، ولا نبالغ اذا قلنا انه مرّ من دون أن ينتبه اليه كثر. من موضوع مهم هو محاكمة مجرمي الحرب، حوّل شميت بورتريهاً لمحامية تسعى الى إدانة غوران دوريك، قائد سابق في الجيش اليوغوسلافي الوطني اعطى اوامر بقتل مدنيين. الفيلم برمته تجميع معلومات وقرائن وشهود لتركيب قطع البازل الناقصة. بعض المشاهد تفعل فعلتها في المتلقي، لكن المجمل يغرق في تعقيدات سيناريستية ومحاكمات طويلة، مما يثقل كاهل المضمون. طيف المؤامرة يخيم على الفيلم منذ اللحظة الأولى. اذا كان الثوب لا يصنع الراهب، فالقصة الجيدة لا تصنع فيلماً كبيراً.

8 - "في الضباب الكهربائي" لبرتران تافيرنييه.

هذه أيضاً حال فيلم "في الضباب الكهربائي" الذي يؤفلم بست سيللر جيمس لي بركس اعتماداً على سيناريو لجرزي وماري - أولسن كرومولوفسكي. وهل تخفى على أحد حقيقة ان الروايات الكبيرة لا تصنع في الضرورة افلاماً كبيرة. بيد أنه لا ينبغي الإعتقاد أن تافيرنييه أتم شريطاً سيئاً. المشكلة كلها أنه أنجز فيلماً بليداً وناقصاً عن تحرٍّ (طومي لي جونز) يطارد قاتلاً بالتسلسل، ويتعرض خلال التحقيق الى إهانات على أيدي رجال نفوذ (مشهد وقوعه على العشب ومكوثه عليه جراء ضربة يتلقاها على رأسه)، وتطوف ذكريات أليمة على سطح ذاكرته. في الرواية، تجري الحوادث في منطقة نيو أيبيريا (لويزيانا)، بداية التسعينات من القرن الفائت، لكن الفيلم يموضع الحوادث بعد كارثة كاترينا الحديثة العهد. بواقعية كبيرة يتعاطى تافيرنييه مع البيئة، ولا سيما لجهة التزامه لكنة المنطقة، لكنه لا يستغل الاّ جزئياً فكرة الضباب والمياه التي توقع الفيلم في فخ الفانتازيات العقيمة. يبقى طومي لي جونز، كهارب من فيلم أكشن، بملامحه القاسية ودور الـ"أنتي هيرو" الذي يلبسه مثل القفازات الجلدية.

9 - "كل الآخرين"، لمارن أديه.

ها نحن نصل أمام جسد غريب. ماذا يمكن القول عن هذه الدعابة الزوجية السمجة؟ بين رومير وبرغمان، لم تحسم مارن أديه أياً منهما تريد أن تقلّد. لهذا السبب قررت ربما أن تقلّد الاثنين معاً. النتيجة ساعتان ابديتان من "أي كلام" كما يقول المصريون، وذلك على خلفية صراع بين ثنائي يبحث عن ذاته ورغباته. توقعوا طوال مدة الفيلم صبيانيات حيناً على العشب وحيناً على الأريكة وحيناً حول مائدة. لا فرق عند أديه بين السينما والمسرح. ومن ساردينيا حيث تجري فصول من هذه "المسرحية"، تقرر الاّ ترينا الاّ شجيرات غارقة في الظلام او طريقا ترابيا. الأنكى أن يكون مثل هذا الفيلم في المسابقة.

 (hauvick.habechian@annahar.com.lb) 

لمحة

بادر ماينهوف، دوبارديو وميللر خارج المسابقة

بعد نصف قرن، بالتمام والكمال، على "الدبّ الذهبي" الذي ناله في برلين عن فيلمه "أولاد العمّ"، يعود المخرج الفرنسي كلود شابرول الى العاصمة الألمانية بفيلم "بيلامي" (برليناليه سبيسيال) حيث يلقي تحيتين مباشرتين، أو بالأحرى غمزتين، على اثنين يدعيان جورج: جورج سيمنون وجورج براسينس. يرتكز الفيلم على شخصية شرطي (جيرار دوبارديو)، ينتظر منه الجميع أن يفكّ ألغاز جريمة قتل، فيها الكثير من الخيوط المعقدة او الضائعة. في الواقع، يتعلق الأمر بجريمة متنكرة على شكل حادث سير، والهدف منها هو غش احدى شركات التأمين والحصول على تعويض مالي يتيح للمستفيد منه الهرب مع صاحبته حيث الشمس والقمر في سماء واحدة. لكن الخيانات في انتظار الجميع.

يحمل دوبارديو الفيلم على كتفيه، بتمثيل يعتمد في معظم الأحيان، على كاريزماتيته. سواء داعب زوجته وهمس في اذنها كلمات ناعمة، أم تعارك مع شقيقه مدمن الكحول، وشتمه، فنحن أمام كتلة جسدية مهيبة، تستمد شرعيتها وطرافتها من نصّ مكتوب على قياس ممثل جبار يردّ الصاع صاعين ولا يكتفي بما يملكه. أما "أستذة" شابرول فتتجلى في كتابة سينمائية سلسة وأنيقة لا تزال شابة ونشيطة في تعاطيها مع مختلف المسائل، ولو كان صاحبها قارب الثمانين.

دائماً من فرنسا، لكن في قسم "بانوراما"، هناك كاترين بريا التي قدّمت فيلماً ساحراً عن احدى الاساطير الشعبية. "الذقن الزرقاء" هو اسم الفيلم وأيضاً اسم احدى الشخصيات لحكاية خرافية درجت في فرنسا في منتصف الخمسينات من القرن الفائت. بريا يعريها من طابعها الطفولي، ويقدمها كقاتل بالتسلسل (وما المانع ما دام يقتل الفتيات دائماً)، مشيرة الى أقاصيص شارل بيرو، ومتسائلة عن الدوافع خلف الخوف!! أمّا من ألمانيا، فعُرض ضمن النظرة الملقاة على أهم الأفلام التي أنتجت طوال العام الماضي في السينما الألمانية، "عقدة بادر ماينهوف" لأولي أيدل، المرشح لأوسكار أفضل فيلم أجنبي. حظي الفيلم بالكثير من السجال لدى عرضه، اذ انه يخلط الأوراق في رأس المشاهد الغربي، ويعيد تركيب مفهوم الإرهاب. الفيلم، كما يشير اليه العنوان، هو عن ألوية الجيش الأحمر اليساري المتطرف الذي أرعب ألمانيا في سبعينات القرن الفائت. حقبة دامية من تاريخ هذا البلد ينقلها أيدل بأمانة عالية غير مسبوقة، اذ يقال إن عدد الرصاصات التي انهالت على احدى الضحايا في الفيلم يوازي عدد الرصاصات التي أطلقت عليه آنذاك. حوارات الممثلين التي صيغت اعتماداً على أبحاث رئيس التحرير السابق لـ"دير شبيغل"، شتيفان أوست، تتخلى عن أي تصورات وتهيؤات. تختصر "ملحمة" ايدل عشر سنين من التاريخ في ساعتين من الحركة المستديمة، معتمداً في كل حركة من الحركات، على مواد موثقة. بعد هذا الفيلم، لا يبقى شيء من أسطورة الوية الجيش الأحمر.

وأخيراً، من الولايات المتحدة، تجيئنا الممثلة والمخرجة ريبيكا ميللر، ابنة ارثور وزوجة دانيال داي لويس، بفيلم رومنطيقي طريف، "الحيوات الشخصية لبيبا لي"، عن إمرأة اربعينية (روبن رايت بنّ) متزوجة من رجل يكبرها سناً، فتأخذها ظروف حياتها الجديدة (الإنتقال الى بيت جديد والمرض والعلاقة مع الأولاد) الى التمرد على واقعها. الفيلم مقطع بين فترات زمنية مختلفة ترينا بيبا لي، مذ كانت طفلة حتى وقوعها في غرام الشاب الثلاثيني الغريب (كيانو ريفز)، مروراً بمراهقتها الصعبة...  

خارج الكادر

نبوءات تاتي بالـ 70 ملم

مساء الإثنين الفائت، انتقم مهرجان برلين السينمائي لجاك تاتي. كان ذلك في إحدى الصالات حيث تستعاد أفلام كبيرة صوِّرت بقياس 65 أو 70 ملم. كنا، وزمرة مشاهدين، من المحظوظين. لأن الأعمال المصورة بهذا القياس والتي تُري العالم بطريقة اخرى، قليلة جداً، ومشاهدتها بقياسها الأصلي في داخل صالة، غير متاحة، الاّ في مناسبات نادرة كهذه. لكن، لماذا نقول إن مهرجان برلين، بعرضه "بلايتايم" لتاتي (1907 ــ 1982) انتقم له؟ لسبب بسيط أن هذا الفيلم قضى آنذاك، أثر عرضه في الصالات قبل أشهر قليلة من حوادث أيار 68، على مسار واحد من أكثر السينمائيين الإنقلابيين في تاريخ السينما، لعدم قدرته على إقناع جمهور كان منهمكاً بقضايا الأمة ومناهضة الإمبريالية، من بين أشياء أخرى. فكان الإفلاس الذي أجهض أحلام أكبر مبدع فرنسي في حقبة ما بعد الحرب الثانية. وها إن التدافع الذي جرى على باب صالة "سينستار" البرلينية التي تحوي أكثر من ألف كرسي، يؤكد أن النجاح أو الفشل الجماهيريين، لا يعنيان شيئاً في حينهما.

كل فيلم لتاتي كان مغامرة لا حدّ لها ولا زمن، و"بلايتايم" هذا اعتبره كثيرون انتحاراً فنياً عندما باشر تاتي التصوير الذي استغرق ثلاث سنوات. ولعدم قدرته على التقاط المشاهد في الأماكن التي كان يريدها (وطبعاً كان ذلك من المستحيلات!)، منها مطار أورلي مثلاً ومبنى الـ"أيسّو" في الديفانس، بنى مدينة من مجسمات في جنوب شرق باريس على مساحة 15 ألف متر مربع. تخيّل تاتي كل تفاصيل المدينة، وأوجين رومان نفذ. خمسة أشهر وأكثر من 100 عامل جسدوا الرؤية المستقبلية لتاتي. بالنسبة اليه، كان على الهندسة المعمارية أن تسحق الإنسان. ان تظهره فأراً يهرب من مخبأ الى مخبأ. لذا نراه، هو تاتي، في دور موسيو هولو الذي يجسده على الدوام، لا يجد موطئ قدم في مدينة مضيئة وذات بريق، شفافة وكل شيء فيها يبعث على التلصص. وعلى رغم ذلك، تطرده منها في كل لحظة. نبوءات كثيرة جاءت في الفيلم: العولمة، فوبيا التدخين، التكنولوجيا والاحتيال، طغيان اللغة الإنكليزية... جراء هذا كله أراد تاتي القول إننا لم نعد نرى الشيء بل صورته المعكوسة إما على واجهة متجر وإما في مرآة. واعتبر تاتي ان منطقة ديفانس وطراز العمار فيها من وحي فيلمه. لكن، لسوء الحظ، لم يبق شيء من هذا الديكور الذي دمِّر ما إن انتهى التصوير.

هذا كله، للقول إن تأتي كان سابقاً لزمنه، فلم يُفهم، وكان ينظر البعض الى استخدامه الـ70 ملم، المخصص لأفلام الوسترن او ذات الضخامة التجسيدية ("كليوباترا" مانكيفيتس او "بن هر" وايلر)، ترفاً، لكن الواقع أنه كان يريد أن يرى، من خلاله، أوسع مما تراه العين. لا لقطة بريئة في "بلايتايم". لا لون هو ثمرة مصادفة، سواء أكان رمادياً، أسود، ازرق، أم مولتيكولوراً كما في الصباح الفوضوي. كأن تاتي كان يشعر أن المجتمع الإستهلاكي آتٍ ليحتل البيت ويسكن المعدة ويتقتحم العقل، ويخلق انساناً جديداً يهرب لكن لا يعرف الى أين. أمام هذه النبوءات كلها، لا نملك الاّ أن نركع ونصلّي!

هـ. ح.  

النهار اللبنانية في 12 يناير 2009

 
 

تكريم آخر الأحياء في عصر السينما الصامتة

محطات في مهرجان برلين السينمائي الدولي لهذا العام

برلين: عدنان حسين أحمد

تزامن انطلاق مهرجان برلين السينمائي الدولي في دورته التاسعة والخمسين مع الذكرى العشرين لسقوط جدار برلين حيث اشترك في هذه المناسبة الوطنية 98 فيلما من إنتاج ألماني أو بمشاركة ألمانية في التمثيل في عدد غير قليل من هذه الأفلام. المعروف عن المهرجانات الكبيرة مثل «كان» و«مونتريال» و«روتردام الدولي» و«برلين» أنها تستحدث أقساما ومحاور جديدة في كل عام بعضها ناجم عن التجديد، وبعضها الآخر يأتي استجابة للأوضاع الراهنة التي يمر بها العالم. يتألف المهرجان هذا العام من سبعة أقسام وهي «المسابقة الرسمية، بانوراما، فوروم، جيل، منظور، أفلام قصيرة، أفلام مستعادة»، ويعرض على مدى الأيام العشرة الممتدة من 5 إلى 15 فبراير (شباط) 2009 نحو 400 فيلم روائي ووثائقي طويل وقصير. تتنافس في المسابقة الرئيسة لهذا العام 18 فيلما روائيا طويلا، وهي على التوالي «كل الآخرين» للمخرجة الألمانية مارين أيده، «عزيزي» للإنجليزي ستيفن فريرز، «كل شيء عن أيلي» للإيراني أصغر فرهادي، «العملاق» للأوروغوايي أدريان بينيز، «دموع سعيدة» للأميركي ميتشيل ليغتنستاين، «في الضباب الكهربائي» للأميركي بيرتراند تافيرنير، «كاتالن فارغا» للروماني ستركلاند، «الجندي الصغير» للدنماركية أنيتا كي اوليسون، «مفتون إلى الأبد» للصيني جين كيج جينا، «الرسول» للأميركي أورن موفرمان، «نهر لندن» للجزائري رشيد بوشارب، «ماموث» للسويدي لوكاس موديسون، «حبيبي الوحيد» للأميركي ريتشارد لونكرين، «غيظ» للبريطانية سالي بوتر، «ريكي» للفرنسي فرانسوا أوزون، «العاصفة» للألماني هانس كريستيان شميد، «الانطلاقة الجميلة» للبولندي أندريه فايدا، «حليب الحزن» للإسبانية كلاوديا ليوسا. وهناك أفلام خارج المسابقة نذكر منها «عدن غربا» للفرنسي كوستا كافراس، «غبار الزمن» لليوناني ثيو أنجلوبولس، «العالمي» للأميركي توم تايكوير، «الحيوات الخاصة لبيبا لي»، «القارئ» للبريطاني ستيفان دالدري، «سيء السمعة» للأميركي جورج تيلمان، «النمر الوردي» للأميركي هارالد زوارت، «عقول خطرة» لجورج كلوني، و«زهور الشر» لكلود شابرول.

وتتألف لجنة التحكيم لهذا العام من الممثلة البريطانية تيلدا سوينتون رئيسا، وعضوية كل من الإسبانية إيزابيل كواكسيت، والبوركيني غاستون كابوريه، والسويدي هنين مانكيل، والألماني كريستوف شلينغنسيف، والأميركي واين وانغ، والأميركية أليس ووترز. أما جوائز المهرجان فهي كالعادة خمس عشرة جائزة حيث تمنح جائزة الدب الذهبي لأفضل صورة متحركة، وجائزة الدب الذهبي الفخرية لمجمل الأعمال. أما جائزة الدب الفضي التي تمنح في المهرجان فهي ثماني جوائز تتوزع بالشكل التالي، جائزة النقاد الكبرى، أفضل مخرج، أفضل ممثل، أفضل ممثلة، أفضل سيناريو، أفضل موسيقى سينمائية، أفضل إنجاز استثنائي من قبل فنان واحد، جائزة النقاد الكبرى للفيلم القصير. أما الجوائز الخمس الأخرى فهي جائزة الجمهور، جائزة بيرنينالي، والدب البلوري لأفضل فيلم في قسم «14 plus» لمسابقة الجيل، والدب البلوري لأفضل فيلم في قسم الأطفال لمسابقة الجيل، وجائزة تيدي لأفضل فيلم لموضوع «LGBT».

* فيلم الافتتاح

* افتتح المهرجان بفيلم الإثارة والحركة «The International» «العالمي» للمخرج الألماني توم تايكوير وبطولة كليف أوِن «لويس سالينجر» ونايومي واتس «إليانور وايتمن». وهو يتمحور حول قصة إفلاس بنك الاعتماد والتجارة الدولي الذي أثار فضيحة كبرى في أوساط الأعمال اللندنية عام 1991. ويسعى هذا الفيلم إلى كشف طبيعة العلاقات بين عالم المال والجريمة، وينتقد بشدة الجرائم التي ارتكبتها المؤسسة المصرفية القوية في برلين وميلانو واسطنبول ونيويورك. وجدير بالذكر أن هذا الفيلم الذي سوف يطلق في الثالث عشر من هذا الشهر في أميركا قد عرض في قصر المهرجان بحضور النجم البريطاني كليف أون بينما لم تفلح الفنانة نايومي واتس في الحضور. وقد وصل إلى المهرجان عدد كبير من نجوم السينما ومشاهيرها من بينهم ميشيل فايفر، كيت وينسلت، ديمي مور، رينيه زيلويجر، ستيف مارتن وكيانو ريفز، وجايل جارسيا برنال. ومن المتوقع أن يصل لاحقا النجم ليوناردو دي كابريو إلى برلين للمشاركة في احتفالية «السينما من أجل السلام» التي تقام بموازاة فعاليات المهرجان الأخرى.

* آخر الأحياء في عصر السينما الصامتة

* دأب مهرجان برلين السينمائي الدولي منذ 1986 على تكريم بعض الشخصيات السينمائية بجائزة «كاميرا بيرلينالي». وهذا التكريم هو نوع من الاعتراف بموهبة الفنانين الأصلاء الذين قدموا أعمالا إبداعية مهمة أسست لذائقة فنية عالية المستوى. وفي هذا العام تم تكريم ثلاثة سينمائيين معروفين بعطائهم الفني الكبير وهم المخرج الفرنسي كلود شابرول والمنتج السينمائي والتلفزيوني الألماني غونتر رورباخ والمخرج البرتغالي مانويل دي أوليفيرا. أنجز المخرج كلود شابرول نحو 55 فيلما طوال رحلته الفنية. وهو واحد من أركان الموجة الفرنسية الجديدة. وقد عمل مثل بقية أقرانه جان لوك غودار، فرانسوا تروفو، إيرك رومير وجاك ريفيه في المجلة ذائعة الصيت «كراسات السينما» ومن أبرز أفلامه «الخطايا السبع القاتلة»، «أوفيليا»، «السحرة»، «أقنعة»، «مدام بوفاري»، «الاحتفال»، «زهرة الشر»، و«فتاة مقطوعة نصفين». أما المنتج السينمائي والتلفزيوني الألماني فقد قدم منجزا كبيرا في هذا المضمار منذ أوائل الستينات من القرن الماضي وحتى الآن. وقد ترسخت مكانته طوال العقود المذكورة، في حين احتفل المخرج البرتغالي الكبير الذي قال عن نفسه ذات مرة بأنه «آخر الأحياء من عصر السينما الصامتة» بمئويته العام الماضي حينما منح جائزة السعفة الذهبية في مهرجان «كان» السينمائي. وقد أنجز مانويل خلال مشواره الفني 51 فيلما وثائقيا وروائيا نذكر منها «التماثيل في لشبونة»، «الفنان والمدينة»، «القلب»، «الخبز»، «اللعبة»، «الماضي والحاضر»، «آكلو لحوم البشر»، «الكوميديا الإلهية»، «يوم اليأس»، «وادي إبراهام»، «المرآة السحرية»، «من المرئي إلى اللامرئي» و«المحتمل ليس مستحيلا». لقد أثنى النقاد في مختلف أرجاء العالم على تجربته السينمائية في مجالي الفيلم الوثائقي والروائي وربما تكون أفلام من قبيل «الماضي والحاضر» و«الدير» و«يوم اليأس»، هي الأوفر حظا نظرا لما حظيت به من دراسة وتحليل نقديين. كما توقفوا عند فيلمه الصامت «العمل في نهر دورو» الذي أنجزه عام 1931.

وأخرج مانويل عددا من أفلام المؤلف منذ عام 1972 مع عدد من النجوم المشهورين مثل مارسيلو ماستريوني، وكاترين دونوف، ومايكل بيجولي. جدير ذكره أن أفلام أوليفيرا قد عرضت في العديد من المهرجانات العالمية كما حصل على عدد لا يحصى من الجوائز من مهرجانات عديدة من بينها «كان»، «فينيسيا» و«مونتريال». وخلال السنوات الأخيرة حلَّ ضيفا على برنامج «فوروم بيرلينالي» لخمس مرات كان آخرها عام 1995 حينما عرض له فيلم «يوم اليأس» و«خدعة الرجل الأعمى». دعي مانويل أوليفيرا هذا العام لحضور برنامج «بيرلينالي خاص». حيث تم تكريمه بهذه الجائزة القيّمة عن مجمل إنجازاته الفنية.

* الحضور العربي

* اقتصر الحضور العربي على فيلمين فقط، أحدهما روائي وهو «نيلوفر» للمخرجة اللبنانية سابين الجميل، والثاني تسجيلي وهو «سمعان بالضيعة» للمخرج اللبناني أيضا سيمون الهبر، كما تلعب الفنانة هيام عباس دورا مهما في فيلم «حديقة حيوانات البشر» للمخرجة الدنماركية ريا يارامسون، إضافة إلى ندوة عن السينما الفلسطينية وثلاثة من رموزها الإخراجية هاني أبو أسعد وإيليا سليمان ومي المصري. وجدير ذكره أن السينما العربية لم تحصل على جائزة الدب الذهبي طوال سنوات المهرجان التسع والخمسين، علما أن إسبانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة قد فازت بها ست مرات، والصين ثلاث مرات، كما فازت بها الولايات المتحدة غير مرة، والهند، وكندا، والمجر، واليابان، والبرازيل، وتشيكوسلوفاكيا، وأيرلندا وغيرها من دول العالم. تتناول أفلام هذه الدورة موضوعات كثيرة من بينها الأزمة المالية العالمية التي عصفت بجهات الكرة الأرضية الأربع، إضافة إلى موضوعات العولمة والهجرة الجماعية وجرائم الحرب والنزاعات العرقية وقضايا الفساد والإرهاب.

الشرق الأوسط في 13 فبراير 2009

 
 

المهرجان يحتفل بالفالنتاين

من يحصد جائزة الدب الذهبي في برلين؟

برلين ـ من هدى إبراهيم

المخرجة البيروفية الشابة للوزا تنافس بقوة على انتزاع إحدى الجوائز الكبرى بفيلمها 'حليب الأسى'.

حاولت المخرجة الشابة كلوديا للوزا من البيرو في شريطها "لا تيتا اسوستادا" (حليب الاسى) المشارك في الدورة الـ59 من مهرجان برلين التطرق الى موضوع الحوار وامكانيته في بلد منقسم وقبول الذات كمقدمة ضرورية لقبول الآخر.

وحظي الفيلم باعجاب النقاد الخميس ما يجعل من طموحه لانتزاع احدى الجوائز الكبرى التي يقدمها المهرجان امراً مشروعاً بل شديد الاحتمال.

ويصور هذا الفيلم الذي استغرق وضع السيناريو له مدة طويلة كما استند على الكثير من الوقائع، الانقسام الاهلي في البيرو والعنصرية التي تمارس على اتنيات معينة والتي التقطها الشريط في فضاء مدينة ليما وضواحيها الفقيرة.

وركزت للوزا في عملها الذي يصور عادات وتقاليد اثنية الـ"كيتشوا" على اهمية التقاليد والطقوس في حياة هذه المجموعة.

ويصور الشريط علاقة هؤلاء السكان بالحياة والموت وايضاً الزواج الذي يدخل في الحبكة عن طريق العم المهاجر من القرية الى المدينة والذي يخفي اصوله ولا يتكلم لغة الـ"كيتشوا" ويعمل في تنظيم حفلات الزواج الفردي والجماعي للفقراء.

وفي هذا الجو تعيش الشابة "فاوستا" (مغالي سولير) التي تموت والدتها فجأة بعد ان كانت الام اغتصبت من قبل احدى العصابات المجرمة في قريتها فيما ابنتها الطفلة حاضرة فتهجران القرية وتلجآن في ضاحية ليما الى ذلك العم.

وتجهد الشابة لجمع المال بهدف اعادة امها لتدفن في القرية ويقودها بحثها الى قلب مجتمع ليما وطبقاته وعنصريته حيث تتحول رحلة الشابة في البحث عن حل الى رحلة نحو التحرر من عقد الخوف التي لزمتها منذ الفجيعة التي شهدتها.

وفي "حليب الاسى" قصدت المخرجة باستمرار الى اخفاء وجه القاتل دلالة على شمولية فعل القتل.

وقالت المخرجة خلال مؤتمر صحافي "الحرب انتهت في البيرو لكن لا احد يريد ان يتكلم عن ذلك الماضي. يجب مواجهة الجراح والكلام.الجميع ارتكب جرائم في هذا البلد الى درجة ان الطريقة الوحيدة للاستمرار في العيش باتت تتمثل باغماض العينين".

واضافة الى العناصر الاخرى المكونة للفيلم تحضر الموسيقى كعنصر اساسي.

فـ"حليب الاسى" يبدأ بصورة سوداء وصوت الام وهي تغني اغنية حزينة فيما الاغاني الحزينة تفتح للصبية دربا الى الحصول على المال لدفن امها.

ولاجل الحصول على المال تقوم الشابة بالعمل لدى سيدة بورجوازية تقطن الحي الشعبي وتقفل فيلتها بوابة كبيرة تنتصب كحاجز بين عالمين شديدي التناقض والاختلاف.

ومن خلال اللقاء بين فاوستا الفقيرة وعايدة البورجوازية والحوار بينهما، تحاول المخرجة نقل صورة مدينة ليما اليوم وكيف يتعايش فيها وعلى هوامشها الماضي والحاضر الحداثة والتراث ولكن ايضا كيف يتضاربان.

ومن ضمن النقاط التي يثيرها الفيلم الحاحه على ان قبول الآخر يفترض اولا قبول الذات واشارته الى ان الانتصار على الواقع المرير مقدمة لقبول الآخر المختلف.

فحين تسيطر فاوستا على خوفها تقبل عطف الرجل عليها متمثلاً بذلك البستاني الذي يرعاها ويداريها كغرسة من غرساته.

ويحتوي الشريط الاسباني الانتاج على الكثير من الجماليات ويتمتع بغنى فني وبصري.

و"حليب الاسى" هو العمل الثاني لهذه المخرجة الشابة التي حصل عملها الاول على اكثر من 20 جائزة في مهرجانات دولية.

ودخل المسابقة الرسمية ايضاً الخميس فيلم "غبار الوقت" للمخرج الاميركي من اصل يوناني تيو انغلوبولوس والفيلم قدم بمشاركة وييم دافو وايرين جاكوب وميشال بيكولي وبرينو غانز وهو يروي قصة مخرج يعود لاستئناف العمل على موضوع فيلم عن امه كان تركه لاسباب مجهولة.

وتدور احداث القصة راهنا في برلين لكنها تصور ايضاً وعبر استعادات متفرقة الخمسين سنة الاخيرة من القرن العشرين في اماكن متفرقة مثل الولايات المتحدة وروسيا وايطاليا والمانيا وذلك منذ موت ستالين ولغاية سقوط الجدار ناقلة حب رجلين لأمراة وحبها لكليهما حتى النهاية.

ويصور انغلوبولوس شخصيات غامضة تبحث عن ذاتها وهي تظهر وتختفي وتروي الخيبة ونهاية الحلم بعالم افضل ممكن وفي مثال على ذلك يعود احد الحبيبين من اسرائيل التي كان هاجر اليها تاركا حبه وسعياً وراء حلم لا يجده هناك.

وتلتقي الشخصيات في برلين التي يتواصل فيها هبوط الثلج بسكون كانما على عالم يهرب وتدخل صوره كلها في الضباب في "غبار الوقت" الذي يذكر بسينما السبعينات ويظل كلاسيكياً في مقاربته الذاتية والمهمة.

اما الفيلم الثالث في المسابقة الخميس فهو شريط "ماي وان آند اونلي" للمخرج ريتشارد لونكرين وهو كوميدي من بطولة ريني زيللفيغر الحائزة على جوائز بافتا والغولدن غلوب والمرشحة للاوسكار.

وكانت على السجادة الحمراء في برلين بجانب المخرج الذي قدم كوميديا حسنة الصنع لاميركا الخمسينات لكن في شكل تقليدي صور قصة سيدة تترك زوجها لخيانته لها وتجوب في سيارة فارهة وبرفقة ولديها المراهقين الولايات المتحدة بحثاً عن بديل.

وبقي فيلم واحد في المسابقة الرسمية للمخرج البولندي اندري فايدا بينما يختتم شريط "الى الغرب من عدن" لكوستا غافراس الدورة الحالية من مهرجان برلين الذي تمنح جوائزه السبت.

ميدل إيست أنلاين في 13 فبراير 2009

 
 

بعد عرض فيلمه ” غرب عدن”،كوستا غافراس ينتقد تعامل أوروبا مع المهاجرين

محمد نبيل *

وجه المخرج  الفرنسي اليوناني الأصل، كوستا غافراس انتقاداته إلى السياسة الأوروبية في مجال الهجرة، في آخر ندوة صحفية تعقد ضمن فعاليات مهرجان برلين السينمائي، في دورته ال 59. وتأتي هذه الانتقادات بعد عرض فيلم المخرج الجديد “غرب عدن” ، و الذي يتناول فيه معاناة المهاجرين السريين، وأحلامهم بأسلوب سينمائي يمزج التراجيديا بالكوميديا و الخيال. وكان غافراس ترأس لجنة تحكيم دورة المهرجان العام الماضي، لكن هذا العام ارتأت إدارة “البرليناله” أن يعرض “غرب عدن” خارج المسابقة الرسمية.

كوستا غافراس، مخرج من عيار خاص

ولد قسطنطين كوستا غافراس عام 1933 في اليونان، من أب روسي وأم يونانية، وهو مستقر في فرنسا، و يحمل جنسيتها منذ نحو خمسين سنة. وأخرج غافراس أفلاما مثل “آمين” الذي فاز بجائزة الدب الذهبي في برلين العام 2002 ، كما فاز قبلها بالجائزة نفسها عن شريطه “علبة الموسيقى” في برلين أيضا العام 1990. غادر وطنه اليونان إلى باريس، لدراسة الأدب في جامعة السوربون، وبعد أن أنهى دراسته في الجامعة الفرنسية، تحول إلى دراسة السينما. واحتفل كوستا غافراس بعيد ميلاده السادس والسبعين، خلال مهرجان برلين لهذا العام.

ويعد كوستا غافراس من أشهر المخرجين في العالم، و هو معروف بثلاثية أفلامه السياسية: “Z” الذي أخرجه عام 1969 ، و”الاعتراف” عام 1970 ، و”حالة حصار” عام 1973. وتحتوي سينما غافراس على قدرة هائلة على المزاوجة بين ما هو سياسي، بما هو أسلوب سينمائي بسيط يقوم على أسلوب تقريري واضح. أفلام هذا المخرج الأولى، تعرّضت لردود فعل متباينة. فالبعض أعجب بطبيعتها، والبعض الآخر يهاجمها بسبب لونها السياسي، في حين يوجد فريق ينفي أنها سياسية.

ويعد غافراس واحدا من أهم المجددين في الفن السابع، ومن رواد الموجة الحديثة، إذ بدأ حياته الفنية كمساعد مخرج مع رائد السينما الفرنسية، المخرج كودار. ولعبت أحداث سياسية هامة، طبعت مرحلة نهاية الستينات دورا في أفلام غافراس، ومن بينها، تصاعد المد الثوري، واشتداد المقاومة الفيتنامية ضد الغزو الأمريكي، وتحرك شي جيفارا لنشر الثورة في أمريكا اللاتينية ، وتعاظم حركات التحرر في أفريقيا وآسيا . كل هذه الأحداث، أثرت آنذاك في الأدب والفن والموسيقى والفلسفة، كما شهدت فترة نهاية الستينات، تغييرات جذريه في المسارات الفنية والثقافية.

ويتفق العديد من النقاد، على أن كوستا غارفاس أسس مدرسته في السينما، وسلك دروبا إبداعية جديدة، وكسر طوق جدار السينما في هوليود، كما سلط الضوء على القضايا الإنسانية العادلة، من فلسطين وحتى الأوروكواي، و ترك بصمات واضحة في تاريخ السينما العالمية . غارفاس فنان مبدع ، وإنسان له رؤية مثيرة للجدل، ومخرج جدير بالتقدير .

 “غرب عدن ” أو الحلم في زمن الهجرة السرية

من يشاهد فيلم “غرب عدن” يقترب من معاناة اسمها المهاجر السري. وكما يقول غافراس في مختصر فيلمه بلغة بلاغية متميزة ، لكل واحد منا قصته . من ينام في محطة المترو، و الشرطي وغيره، كلهم يحتفظون بحكاياتهم الخاصة. في الملحمة الشعرية الأوديسة والتي وضعها هوميروس في القرن 8 قبل الميلاد، نجد المغامرة هي بطلتنا، تحت نفس الشمس والسماء التي كانت منذ فجر الحضارة الإنسانية. وعندما يتم الوصول بعد رحلة شاقة إلى باريس، يبدو لكل مهاجر تائه، وكأنه قد حقق أحلامه.

فيلم غافراس يعكس كل هذه الأحلام، و يحكي قصة عن الذي يشبهنا أو عن آبائنا و أمهاتنا، الذين جابوا العالم، وواجهوا المحيطات، بحثا عن سقف يؤويهم . حكاية الشاب إلياس بدون عنوان، و لا تحمل جنسية. فالمخرج أرادها أن تكون قصة إنسانية عامة، كما عبر عن ذلك أمام الصحافيين. غافراس يقول، “إنه وجد نفسه في الغريب إلياس الذي لا يعد غريبا”. المخرج يجد نفسه كذلك، في كل النظرات التي تسلط على البطل في الفيلم من طرف الآخرين. إلياس قرر الهجرة على متن مركب كبير، حالما بوطن بديل . الحلم قاده إلى المجهول، فرأى ما لا يراه الغرباء من أمثاله. استغله الآخرون في كل شيء، حتى في مشاعره، بعد ما قادته أقدار الهجرة إلى حضن السيدة الألمانية، فنام معها تحت إكراه الزمن الغادر. أفصح عن حبه لهذه المرأة التي تعيش وتعمل في هامبورغ، لكنها رفضت حب الغريب، و اكتفت بتركه يختلس بعض الأوراق النقدية، وكأنه توصل بمقابل نومه في العسل، فإعلان الحب مرفوض في زمن الهجرة غير الشرعية. يدخل إلياس إلى “غرب عدن” ، فيجد الزوار يستحمون عراة في البحر الذي لفظه ، ويعيشون حياة الترف و البذخ، واللامبالاة التي وصفها غافراس بلغته الجميلة، بكونها أفظع من القسوة.

البطل إلياس الذي تابع طريقه الشائك، سيصطدم بعالم المفارقات، و بالرفض الذي اتضحت ملامحه، و هو يعثر على الساحر الذي التقى به في “غرب عدن”، وطلب منه زيارته في باريس. لكن أثناء لحظة الوصول إلى العاصمة الفرنسية، وملاقاة الساحر، تمزقت الكثير من الأمور، وتبخرت أحلام عدة، كانت لابدة في ذاكرة إلياس، الذي يكتفي بعصا سحرية، سلمها له من سخره للعب أدوار بهلوانية مهينة، كذلك المشهد الذي رمى فيه الساحر بإلياس أمام الجمهور في صحن المرحاض.

لغة السخرية المهينة لكل مهاجر بلا أوراق، أرادها المخرج أن تكون مرادفا لوجوده في عالم أوروبا العجيب. فالمهاجر السري يظل حسب غافراس، ضعيفا و خاضعا لكل أنواع الاستغلال المحرمة. وقد عبر عن ذلك صاحب فيلم ” حالة حصار” في صرخته ضد الغرب الأوروبي، الذي يقوم حاليا بطرد المهاجرين، و تفقير بلدان الجنوب، من أجل إغناءه. غافراس وظف خلال الندوة الصحافية ضمير المتكلم في الكثير من عباراته، حين وصف مأساة اسمها “المهاجر بلا أوراق” في أوروبا، التي صوت برلمانها لصالح اعتقال كل مهاجر سري، لمدة تصل إلى 18 شهرا، قبل طرده إلى بلده الأصلي. بلد الأصول لم يعلن عنه المخرج في فيلمه، إذ شاهدنا كيف رما المهاجرون السريون بأوراق هويتهم، قبل امتطاء المركب الذي سيقلهم في رحلتهم المجهولة. “غرب عدن” فضاء حي، يحاول رسم صورة عن الغرب الأوروبي وإلى أي مدى، يحترم المهاجر، في عالم مليء بمشاكل لا تنتهي، على حد قول المخرج .

* محمد نبيل صحافي و كاتب مقيم بألمانيا

موقع "دروب" في 15 فبراير 2009

 
 

كلاوديا ليوسا، حليب من ذهب

الدب الذهبي يسقي مهرجان برلين من 'حليب الأسى'

انتاج اسباني بيروفي مشترك يعرض جمال ثقافة الهنود الاميركيين يثير اعجاب المهرجان الدولي التاسع والخمسين للافلام في برلين.

برلين - فاز فيلم "حليب الاسى" (لا تيتا اسوستادا) للمخرجة البيروفية الشابة كلاوديا ليوسا، الذي يتحدث عن جرائم الاغتصاب خلال المواجهات السياسية التي شهدتها البيرو في الثمانينات، بجائزة الدب الذهبي لمهرجان برلين.

وقالت المخرجة والمنتجة الايطالية البيروفية التي تبلغ من العمر 32 عاما بعد الاعلان عن فوز فيلمها بالجائزة "انه امر رائع! شكرا جزيلا شكرا جزيلا للجنة التحكيم".

وصرحت ليوسا للصحافيين بعد ذلك انه "اول فيلم بيروفي يشارك في مسابقة الدب الذهبي في برلين ويفوز فيها. نحتاج الى جوائز من هذا النوع ومن المهم ان يتمكن الناس من مشاهدة فيلمنا".

اما بطلة الفيلم التي تتحدر من الانديس ماغالي سولييه، فقد تحدثت باقتضاب وغنت بلغتها الام "الكيشوا". وقالت باللغة الاسبانية "اريد ان اعبر عن شكري غير المحدود لامي وكل النساء وكل الحضور واهدي هذه الجائزة الى امي والى البيرو باكملها".

وقد الفت ماغالي سولييه التي عثرت عليها ليوسا لفيلمها الاول "مادينوسا" بينما كانت تبيع التوت امام كنيسة في منطقة اياكوشو في البيرو، عدة اغان بلغتها الاصلية للفيلم الجديد.

واثار هذا الانتاج الاسباني البيروفي المشترك الذي يعرض جمال ثقافة الهنود الاميركيين، اعجاب المهرجان الدولي التاسع والخمسين للافلام في برلين.

وقد اعتمدت ليوسا في تصويره على خلفية واقعية وثائقية درستها طويلا قبل وضع السيناريو، وصورت مدينة ليما وضواحيها الفقيرة حيث ترفض شابة تسكن مع عمها الاقتراب من الرجال بعد ان شهدت شخصيا اغتصاب امها وهي طفلة.

كما ركزت على اهمية التقاليد والطقوس في حياة احدى الاثنيات والغناء والموسيقى.

اما جائزة الدب الفضي التي منحتها لجنة التحكيم، فقد ذهبت مناصفة الى "جيغانتي" للارجنتيني ادريان بينييز (34 عاما) و"آلي انديرين" (كل الآخرين) للالمانية مارين ادي.

ويرصد "كل الآخرين" لحظة بلحظة ويوما بيوم حياة زوجين بعيدا عن زحمة العمل والمدن لبضعة ايام في التقارب والتباعد والشك واليقين والحب والكره بينهما.

اما "جيغانتي"، فيسلط الضوء على الوحدة والانسان المطحون في مدن اليوم وازمات عدم القدرة الاقتصادية عبر قصة حارس ليلي لسوبرماركت يقع في حب عاملة تنظيف.

ومنذ ملاحظته لها، يروح يراقبها من خلال كاميرات التصوير المنصوبة في كل مكان ويحاول بشتى الطرق التعرف عليها في حبكة شاعرية جميلة ومؤثرة من ارجنتين اليوم.

وقد حصل هذا الفيلم على جائزتين اخريين هما افضل فيلم اول وجائزة الفريد بوير.

ومنحت جائزة الدب الفضي لافضل مخرج للايراني اصغر فرهادي (36 عاما) لفيلمه "دارباريي ايلي" (بخصوص ايلي) الذي يعرض حياة الطبقة البرجوازية الفتية في طهران وتكيفها مع القيود الاجتماعية التي يفرضها الاسلام.

ويروي الفيلم قصة رجل يعيش فترة طويلة في المانيا ويقرر العودة الى ايران حيث يجدد لقاءه بالاصدقاء ويتعرف على ايلي.

اما جائزة الدب الفضي لافضل ممثل، فقد منحت للمالي سوتيغي كوياتي (72 عاما) على دوره في فيلم "لندن ريفر" (نهر لندن) للمخرج الجزائري رشيد بوشارب.

وقال كوياتي ان "تنوع الاشجار هو الذي يصنع جمال الغابة وتنوع الالوان يصنع جمال باقة الورود"، مشيدا بمهرجان برلين الذي "يسمح للشعوب بالالتقاء".

واختيرت النمساوية بيرغيت مينيشماير (31 عاما) لجائزة الدب الفضي لافضل ممثلة على دورها في فيلم "كل الآخرين".

ولعبت مينيشماير دور المرأة المحبة لرجلها التي لا تريد له ان يقلد الآخرين وتتعلق به رغم فشله المهني.

واخيرا، حصل كاتب السيناريو الاميركي الاسرائيلي اوفن موفرمان (42 عاما) على جائزة افضل سيناريو لفيلمه الطويل الاول "ذي ميسينجر" (المبلغ).

ويتناول الشريط بشكل غير مباشر حرب العراق وانعكاساتها على المجتمع الاميركي عبر قصة جندي يعود الى بلاده بعد اصابته فتكلفه قيادته نقل خبر مقتل جنود اميركيين في العراق الى ذويهم.

لكن هذا السيناريو لم يعجب النقاد الذين رأوا انه دخل سريعا في وتيرة مملة متكررة ولم يأت بجديد لا على مستوى الطرح ولا على المستوى الفني.

وكان المهرجان بدأ في الخامس من شباط/فبراير وتنافس في مسابقته الرسمية 18 فيلما. وقد قدم 383 فيلما.

وكانت لجنة التحكيم هذا العام برئاسة الممثلة الاسكتلندية تيلدا سوينتون.

وشهدت الدورة التاسعة والخمسون للمهرجان ارتفاعا في عدد البطاقات المباعة الذي بلغ 270 الف بطاقة.

ميدل إيست أنلاين في 15 فبراير 2009

 
 

يروي شريط «حليب الأسى» قصة الوجع الخاص بالمرأة في البيرو

«حليب الأسى» ينتزع الدب الذهبي لمهرجان برلين

برلين ـ العرب أونلاين ـ وكالات: تمكن فيلمان لسيدتين مخرجتين من البيرو وألمانيا من انتزاع ارفع جائزيتن في حفل ختام الدورة التاسعة والخمسين من مهرجان برلين السينمائي الدولي الذي اقيم مساء السبت في قاعة "البرلينال بالاست" وحضرته 1500 شخصية مثلت زبدة الوجوه الفنية والادبية من برلين والعالم.

وعبر فيلمها "لا تيتا اسوستادا" او "حليب الأسى" تمكنت المخرجة البيروفية كلوديا للوزا من انتزاع جائزة الدب الذهبي لهذه الدورة من المهرجان التي انطلقت في 5 شابط -فبراير وتضمنت مسابقتها الرسمية 18 فيلما.

ويروي الشريط الجديد الذي هو الثاني لمخرجته بعد شريط اول قدم في مهرجان "ساندنس" السينمائي وجال العالم عقب ذلك حاصدا 20 جائزة دولية، قصة الوجع الخاص بالمرأة في البيرو وجراح الحرب التي خنقت البلاد ولا زالت آثارها حاضرة في النفوس وفي الفئات الاجتماعية التي تفرق بينها العنصرية.

ويستند الشريط على خلفية واقعية وثائقية درستها المخرجة طويلا قبل انجاز السناريو وهي التقطت في شريطها فضاء مدينة ليما وضواحيها الفقيرة حيث ترفض شابة تسكن مع عمها الاقتراب من الرجال بعد ان شهدت شخصيا اغتصاب أمها وهي طفلة.

وركزت للوزا في عملها على أهمية التقاليد والطقوس في حياة احدى الاثنيات وكذلك الغناء والموسيقى التي يستمدون منها طاقتهم ويتداولونها مثل عملية تقشير حبة البطاطا من قبل العروس في يوم عرسها واذا ما ظلت القشرة كاملة فذلك يعني ان الحياة الزوجية ستدوم طويلا وتكون مليئة بالأمل.

ويحمل الفيلم الى واقعيته الكثير من الأبعاد والدلالات الرمزية والفنية التي تحل محل الواقع الغني لهذه الفئات من الشعب في البيرو.

ويقود بحث الشابة عن المال في رحلة نحو التحرر من عقد الخوف التي لزمتها منذ الفجيعة التي شهدتها وحيث تعمدت المخرجة تكرارا الى اخفاء وجه القاتل دلالة على شمولية فعل القتل في البيرو في سنوات الحرب.

وكانت المخرجة صرحت خلال المؤتمر الصحافي الذي أعقب عرض فيلمها "الحرب انتهت في البيرو لكن لا أحد يريد ان يتكلم عن ذلك الماضي. الجميع ارتكب جرائم في هذا البلد الى درجة ان الطريقة الوحيدة للاستمرار في العيش باتت تتمثل باغماض العينين".

ومن الدوافع التي حفزت لجنة التحكيم لاعطاء جوائزها وفي مقدمتها فيلم للوزا كما ورد في بيان صادر عن اللجنة، عزمها مكافأة "الاعمال التي تتكلم عن الاوضاع السياسية القائمة بتوازن مع الصيغ الشاعرية" بعد ان لاحظت اللجنة ان عددا من الافلام "بحث عن طرق لمقاربة وفهم التحولات الهامة في زمننا الراهن".

اما جائزة لجنة التحكيم الكبرى التي هي عبارة عن دب فضي فمنحت مناصفة لفيلمين اولهما الماني والآخر ارجنتيني وكلاهما اجتماعيان.

ويدخل الفيلم الاول "كل الآخرين" للمخرجة مارين آد الى قلب خلية ثنائي حب ويرصد لحظة بلحظة ويوما بيوم بعيدا عن زحمة العمل والمدن خلال بضعة ايام اجازة التقارب والتباعد والشك واليقين ومشاعر الحب والكره القائمة بينهما والتي تختلف حين يدخل على خط العلاقة الآخرون.

وفازت الممثلة الالمانية بيرغيت ميشينماير التي ابدعت في اداء دور المرأة المختلفة المحبة لرجلها والتي لا تريد له ان يتقلد بالآخرين وتتعلق به رغم فشله المهني، بجائزة افضل دور نسائي في برلين عن دورها في هذا الفيلم.

اما الفيلم الارجنتيني "جيغانتي" الفائز مناصفة بجائزة لجنة التحكيم الكبرى فهو للمخرج الارجنتيني ادريان بينييز الذي اتجه نحو موضوع اجتماعي سلط من خلاله الضوء على الوحدة والانسان المطحون في مدن اليوم وازمات عدم القدرة الاقتصادية عبر قصة حارس ليلي لسوبرماركت يقع في حب عاملة تنظيف.

ومنذ ملاحظته لها، يروح يراقبها من خلال كاميرات التصوير المنصوبة في كل مكان ويحاول بشتى الطرق التعرف عليها في حبكة رومنطيقية جميلة ومؤثرة وشاعرية من ارجنتين اليوم.

وعموما فان كل هذه الافلام تتمتع بشاعرية عالية وحس فني متبلور في تفاصيل البناء المشهدي السينمائي وهي شديدة الارتباط بالواقع وشديدة الانسانية تشارك في جعل الحياة افضل في الشاشة او تعطي فكرة عن كيف يجب ان تكون الحياة.

واذا كانت جائزة افضل دور نسائي المانية هذا العام فقد حاز الممثل السنغالي سوتيغي كوياتي على جائزة افضل دور رجالي في فيلم "لندن ريفر" للمخرج رشيد بوشارب الذي استبعد عن الجوائز الكبرى للمهرجان رغم لغته الانسانية وبنائه الفني الصادق والاداء الرائع للفنانين الذين امتثلوا لطلب الاداء بتلقائية وعفوية واحيانا ارتجالية.

وارتأت لجنة التحكيم منح الفيلم الاميركي "ذي ميسينجر" "المبلغ" للاميركي - الاسرائيلي اورين موفيرمان جائزة الدب الفضي لافضل سيناريو وقد وضع المخرج السيناريو لشريطه بالتشارك مع اليساندرو كامون.

ويتناول الشريط بشكل غير مباشر حرب العراق وانعكاساتها على المجتمع الاميركي من خلال قصة جندي يعود الى بلاده بعد اصابته فتكلفه قيادته بنقل خبر مقتل الجنود الاميركيين في العراق الى ذويهم.

لكن هذا السيناريو لم يعجب النقاد الذين راوا انه دخل سريعا في وتيرة مملة متكررة ولم يأت بجديد لا على مستوى الطرح ولا على المستوى الفني.

ولم تخرج السينما الايرانية التي شاركت هذا العام في المسابقة خالية الوفاض من السباق في برلين حيث منح المخرج اصغر فرهادي جائزة افضل اخراج عن فيلمه "فيما يخص ايللي" الذي يتناول قصة رجل يعيش من فترة طويلة في المانيا ويقرر العودة الى ايران حيث يجدد لقاءه بالاصدقاء ويتعرف على اللي.

الدب الفضي لابرز مساهمة فنية كان من نصيب كل من غابور اردلي وتوماس زيكيلي عن مساهمتهما في الشريط الصوتي لفيلم "كاتالان فارغا" والعنوان هو اسم المراة التي طردها زوجها حين يكتشف ان ابنهما ليس منه فعليا. وهو للمخرج البريطاني بيتر ستريكلاند.

وقررت لجنة تحكيم برلين هذا العام منح جائزة الفريد بوير لفيلمين ومخرجين هما ادريان بينييز مخرج "جيغانتي" واندري فايدا عن فيلمه الذي كان الاخير المشارك في المسابقة الرسمية "تاتاراك" "سويت راش".

وترأست لجنة التحكيم هذا العام الممثلة الاسكوتلندية تيلدا سوينتون ذات الانتشار العالمي وشارك في عضويتها كاتبة السيناريو الاسبانية ايزابيل كواكسي وغاستون كابوري احد اهم رجال السينما في بلاده بوركينا فاسو اضافة الى آخرين.

وحضر حفل الختام بين الشخصيات الالمانية المخرجان الالمانيان فيلم فيندرز وكريستيان هانز شميت الذي اخرج فيلم "ستورم" "عاصفة" حول جرائم الحرب في البوسنة فيما يخص اغتصاب النساء ولم يحظ هذا الفيلم باي تقدير في برلين.

وقدم فيلم "الى الغرب من عدن" في ختام الحفل وبعد اعلان النتائج للمخرج الفرنسي اليوناني كوستا غافراس.

وسجلت هذه الدورة ارتفاعا في عدد البطاقات المباعة من قبل جمهور برلين حيث باع المهرجان في سابقة لم يشهدها 270 الف بطاقة.

وفي العموم، قدم مهرجان برلين هذا العام 383 فيلما في مختلف التظاهرات ومنح المهرجان عشرين الف بطاقة مشاركة لوافدين من 136 بلدا.

العرب أنلاين في 15 فبراير 2009

 
 

حليب الأسى يفوز بالجائزة الكبرى في برلين

محمد موسى من برلين

في اول مشاركة لفيلم بيروفي في مسابقة مهرجان برلين السينمائي ، حقق فيلم "حليب الاسى" للمخرجة كلوديا لوسا مفاجاة بفوزة بالدب الذهبي للدورة التاسعة والخمسين من المهرجان والتي اعلنت نتائجها مساء الامس في حفل في قصر المهرجان.ويعود  فيلم "حليب الاسى" ، الى واحدة من فترات الاضطراب السياسي خلال الثمانينات والتسعينات  في بيرو ، ليقدم قصة فاوستا ، والتي ولدت نتيجة عملية اغتصاب تعرضت لها والدتها في تلك الايام . الفيلم يبدا مع وفاة الوالدة ورغبة البنت في العودة الى القر ية التي  ولدت فيها والدتها ، لتواجه كل كوابيس والدتها والماضي.

واقتسم فيلما جيجانتي (العملاق) الذي يمثل أوروجواي والالماني (كل الاخريين) جائزة الدب الفضي.ويقدم فيلم "العملاق" للمخرج ادريان بينيز قصة رجل الحراسة في احد محلات السوبر ماركت ، وهوسه باحد العاملات  هناك. اما الفيلم الألماني "كل الأخريين" للمخرجة مارين اده  ، فيدور عن مجموعة من الشخصيات الغريبة ، تقضي عطلة معا.

ومرة اخرى تحصل السينما الايرانية على الجوائز فبعد حصولهم على الجائزة الاولى لافضل فيلم في مهرجان روتردام السينمائي الشهر الفائت ، يحصل المخرج الايراني أصغر فرهدي على جائزة افضل مخرج عن فيلمه "بشان ليلى" ، والذي يقدم قصة شاب يعود الى ايران بعد فترة دراسة في المانيا ، ليقابل" ليلى" في حفلة اعدها له اصدقائه.

وفي جوائز التمثيل ،  ذهبت جائزة أفضل ممثلة الى النمساوية بيرجيت مينيشماير بطلة فيلم "كل الاخرين" الالماني  وأفضل ممثل الى ماليان سوتيجوي كوياتي عن فيلم لندن ريفر (نهر لندن). والذي يلعب فيه دور اب افريقي يبحث عن ابنه الطالب في لندن بعد الاعمال الارهابية عام 2005.

ومما يذكر ان لجنة تحكيم المسابقة الرسمية الكبرى للمهرجان تالفت من : المخرجة الاسبانية إيزابيل كوكيست ، الكاتب السويدي هينينغ مانكيل ، المخرج الألماني كريستوف سخليغينسيف ، المخرج الامريكي واين وينغ ، والناشطة والكاتبة الامريكية أليس ويتيرس. واللجنة كانت برئاسة  الممثلة البريطانية تيلدا سوينتن.

موقع "إيلاف" في 15 فبراير 2009

 

رقم قياسي لعدد المتفرجين رغم موجة البرد

محمد موسى من برلين: 

نفذت بسرعة  تذاكر العديد من افلام اليوميين الأخريين من الدورة التاسعة والخمسين من مهرجان برلين السينمائي ، بسبب عطلة نهاية الاسبوع ، ورغبة الكثير من الألمان ، مشاهدة افلام ، تحدثت عنها وسائل الأعلام الألمانية باهتمام في السبعة ايام الاخيرة ، اي منذ بداية المهرجان. والذي ينظم احيانا اكثر من ثلاث عروض لمعظم الافلام المشاركة ، ويعيد عرض الكثير من العروض في عطلة نهاية الاسبوع الاخيرة هذه ، كما قرر المهرجان تنظيم عروض اضافية غير مبرمجة في البرنامج الاصلي لبعض الافلام ، مثل فيلم الالماني توماس هايسير "مواد".

وكان مهرجان برلين السينمائي ، قد أعلن البارحة ، ان اعداد التذاكر المباعة ، وحتى نصف فترة المهرجان وصلت الى 270,00 ، وهو رقم قياسي للمهرجان ، ويتجاوز ارقام مبيعات السنة الماضية ، حيث وصلت الارقام الى 240,00 الف تذكرة مع نهاية نصف وقت المهرجان. بالطبع هذا يسعد ادارة المهرجان ، والذي وصف مديرها الارقام ، بانها دليل آخر على نجاح المهرجان ، حتى مع اكثر الأفلام تجريبية وصعوبة.

وحظيت الافلام التي تتعرض الى قضايا سياسية او اجتماعية محرمة ، الى اهتمام الجمهور الالماني ، فالافلام الاسرائيلية تجذب الكثير من الجمهور هنا في برلين رغم الضعف الشديد لبعضها ، مثل فيلم "Fucking Different Tel Aviv " ، والذي يقدم قصص متفرقة لشابات وشباب في مدينة تل ابيب الاسرئيلية ، وحضور السياسية والعلاقات العاطفية والجنس في هذه الحيوات. الفيلم الذي ساهمت المانيا بانتاجه ، قدم افكار مكرره كثيرا ، وبدائية فاقعة في تقديم القصص ، في المدينة المنقسمة بين التيارات المتشددة واخرى ليبرالية ، تحاول ان تقدم بديلها السياسي والانساني لمشاكل المنطقة المعقدة.وكذلك حصل الفيلم التسجيلي "City Of Borders" ، على اهتمام الجمهور ، فالفيلم يقدم قصة احد الحانات في القدس ، والذي يحظى بشعبية بين الاسرائليين والعرب ، بسبب اجواء السلام التي تحيط البار واصحابه.

واختار مهرجان برلين لدورته هذه ، مجموعة من افلام السير التاريخية ، لشخصيات من التاريخ الحديث ، يعتبرها البعض المسؤلة عن حركات اجتماعية. فالمهرجان عرض مثلا سيرة "هافري ميلك" ، اول سياسي امريكي يجاهر بجنسيته المثلية ويحصل على منصب رسمي في امريكا في نهاية السبعينات. كذلك عرض المهرجان فيلم تسجيلي عن الفرقة الغنائية الاميركية الشهيرة "Doors".

وبسبب اختلاف مواعيد واحجام القاعات السينمائية العديده التي تعرض الافلام في مهرجان برلين ، لا يمكن الحكم على نجاح اتجهات فنية معية على اخرى ، او نجاح افلام من دول معينة على افلام دول اخرى ، فعروض بعض الافلام الاميركية في مسرح "فريدستارته" الواسع جدا ، لم تكن ممتتلئة تماما في افلام مثل "الرسول" و "my one and only" في الوقت الذي تباع فيه بالكامل تذاكر افلام مجهولة تعرض في صالات سينمائية صغيرة.

cinema@elaph.com

موقع "إيلاف" في 14 فبراير 2009

 
 

سينما

الإرهاب والتشاؤم.. يطاردان مهرجان برلين التاسع والخمسين

برلين - هوفيك حبشيان

تحتل إشكالية الإرهاب مرة أخرى الصدارة في مهرجان سينمائي. أينما حل، يترك «مرض العصر» خلفه خراباً وموتاً وضحايا بالآلاف. هذا ما تقوله بعض من الأفلام المعروضة في الدورة التاسعة والخمسين لمهرجان برلين السينمائي الدولي الذي يختتم غداً في العاصمة الألمانية، وهو ثالث أهم مهرجان في العالم من حيث الضخامة والقيمة، بعد مهرجاني كانّ (فرنسا) والبندقية(إيطاليا).

ويتجسد الإرهاب أولاً في فيلم «العالمي»، للمخرج الألماني توم تيكفر، الذي سبق أن أكد معرفة قوية بالوسيط السينمائي في فيلمه «العطر» المقتبس من رواية الألماني باتريك زوسكيند. هذا الشريط الذي عُرض في ليلة افتتاح المهرجان، لكن خارج المسابقة، هو من وحي التجاذبات السياسية، التي اغرقت العالم في حمامات دم متنقلة، لا سيما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، وتولي الرئيس الأميركي جورج بوش الذي انتهت ولايته الشهر الماضي مسؤولية القضاء على الإرهاب.

لكن في حقبة صار فيها القضاء على الشر بالعضلات المفتولة خلفنا، أسندت مسؤولية تصفية الإرهابيين، إلى عميل في الانتربول (يلعب دوره كلايف أون)، وتساعده في مهامه مدعية عامة أميركية تلعب دورها ناومي واتس.

اذاً، كان من البديهي أن يتضمن هذا الثريللر قدراً غير قليلاً من المطاردات، التي تحبس الأنفاس. بيد أنه، لم نكن نتوقع قط أن يتحول هذا الكر والفر بين طرفين متخاصمين، الشغل الشاغل للمخرج على مدار ساعتين من الزمن، يداهم خلاله تيكفر، خلية إرهابية أفرادها يعملون في مصرف كبير يمول عمليات ارهابية في جميع انحاء الكرة الأرضية.

ونتيجة اصرار كل من العميل والمدعية، على كشف الغطاء عن حقيقة نشاطات هذا المصرف والقضاء عليه، يصبحان تالياً هدفاً للمطاردة والقتل. أما المُشاهد، فيتنقل بصحبتهما من برلين الى ميلانو ونيويورك واسطنبول وغيرها من المتروبولات ،التي لا تنسى كاميرا تيكفر في التوقف عند جمالياتها.

تيكفر الذي سبق أن أنجز فيلماً يحفل بالمطاردات، وعنوانه لولا أركضي، أراد من خلال ''العالميّ'' أن يعيد الى المقدمة الأفلام السياسية التي سادت في السبعينات من القرن الفائت، مستنداً على فيلمين مرجعاً له، هما ذا بارالاكس يو وماراثون مان. ويطارد تيكفر الإرهاب، من مكان الى آخر، مستنبطاً تداعياته الكونية، في فيلم يتأرجح أسلوبه السينمائي بين النمط الأميركي المهيمن في الأفلام الجماهيرية الكبيرة، وشيء من اللغة الأوروبية القائمة على التضادات، ومحاولة جدية في فهم الآخر.

«نهر لندن»

شيطان الإرهاب يلبس أيضاً ثوباً ثانياً، لكن هذه المرة في فيلم لمخرج فرنسي من أصل جزائري، هو رشيد بوشارب الذي كرمته الدورة الخامسة من مهرجان دبي السينمائي التي أقيمت في ديسمبر 2008. اختار بوشارب مدينة لندن مسرحاً لحوادث فيلمه نهر لندن، المشارك في المسابقة الرسمية، منطلقاً من الهجمات الإرهابية التي هزت العاصمة البريطانية في السابع من يوليو 2005.

كان عدد الإرهابيين الذين وضعوا التفجيرات في مترو المدينة أربعة أشخاص، قبل أن يعلنوا حرباً مفتوحة على المجتمع البريطاني برمته، وكرهم العقائدي له. هذه الضغينة انتجت 56 قتيلاً ونحواً من 700 جريح. ما يهتم به بوشارب هو مرحلة ما بعد حدوث الجريمة، من خلال تعاطفه مع رجل وامرأة، الأول مسلم والثانية مسيحية، لكن كلاهما خسرا ابناً في ذلك اليوم.

التشاؤم هو قدر برلين هذا العام. علماً أن الزمن هو أيضاً زمن الاحتفاء بالذكرى العشرين لإنهيار جدار كان قد شطر المتروبول الألماني الى اثنين. فبعد طبعة السنة الماضية التي ألقت تحية الى أشياء الحياة الجميلة، كالموسيقى مثلاً، من خلال عرض أفلام من بطولة المغنية باتي سميث وفرقة الرولينغ ستونز، ها نحن الآن في الجانب المقابل للدورة الماضية، أي اننا ازاء سينمائيين يطرحون اسئلة كبرى، سواء كانوا في البيرو، كما هي الحال مع جيغانته الذي يحكي عن العزلة في مدينة مونتيفيديو، أو في ايران كما جسده أصغر فرحادي في فيلمه البديع في خصوص إيلي.

كثير من السينمائيين وجدوا ضالتهم في رؤية تشاؤمية شاملة للعالم وفي مواضيع سقيمة: حروب وإبادات ومآس انسانية كبرى في عزلة المدن الكبرى، هي السائدة في الدورة التاسعة والخمسين، التي لم تبقَ على منأى من الأزمة الاقتصادية العالمية. فهل توافق رئيس لجنة التحكيم الممثلة البريطانية القديرة تيلدا سوينتون، وهي امرأة لها أحاسيس مختلفة، على هذه النظرة للعالم وتمنح جائزة الدب الذهبي الى واحد من هذه الأفلام السوداوية؟ الجواب مساء الغد.

البيان الإماراتية في 14 فبراير 2009

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)