كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

غداً اختتام الدورة 59 لمهرجان كان والأنفاس محبوسة (5)

"البلديون" محاولة جريئة لإعادة الاعتبار الى المحاربين المغاربة في الجيش الفرنسي.. عودة كاوريزماكي بجزء أخير أكثر سوداوية عن العطالة والعزلة وإشعاع السينما الإيطالية

كان ـ ريما المسمار

مهرجان كان السينمائي الدولي التاسع والخمسون

   
 
 
 
 

يوم واحد فقط يفصلنا عن اختتام الدورة التاسعة والخمسين لمهرجان كان. مساء غد تعلن الجوائز في فئة المسابقة الرسمية التي تنافس فيها عشرون فيلماً. بخلاف الاعتقاد السائد من ان الافلام الفضلى يُترك عرضها الى نهاية المهرجان، لم تحمل الايام الاخيرة مفاجآت كبرى (عند كتابة هذه السطور كان هناك فيلمان متبقيان للعرض) يمكنها ان تحدث تبدلاً كبيراً في مجرى الامور. فالمفاجأة الكبرى أحدثها "بابل" لاليخاندرو غونزاليس ايناريتو في اليوم السابع من المهرجان ومازال محتفظاً بوقعه. بالطبع كانت هناك مفاجآت أخرى سبقته ولكنها من النوع المتوقع الذي يرافق اسماء سينمائية مكرسة مثل المودوفار وموريتي (بفيلميهما "عودة" و"التمساح" تباعاً) والتركي نوري بيلج جيلان (مناخات) والفرنسي برونو دومون بفيلمه الخاص والشعري الاقل ابهاراً بالنسبة حتى الى جمهور كان "فلاندرز". ولكن الايام الاخيرة كشفت عن أسوأ افلام المسابقة من جهة وتخللتها من جهة ثانية تجربة طموحة، كسرت تاريخاً طويلاً من بقايا النظرة الاستعمارية الفرنسية تجاه المغرب العربي وحققت للمهرجان "ضربة معلم". اما الاول فهو البلجيكي "حق الاضعف" The Right of the Weakest للوكاس بيلفو واما الثاني فهو "البلديون" Indigenes للمخرج الجزائري رشيد بوشارب المشارك في المسابقة تحت اسم فرنسا.

يستعير الشريط البلجيكي من عنوانه صفته. انه الحلقة الاضعف في المسابقة ومشاركته فيها ستبقى سراً عصياً على التفكيك مع الاشارة الى انه نُقل قبل ايام من انطلاق المهرجان من فئة "نظرة ما" الى المسابقة. فهذا الفيلم الذي يمزج بين واقعية كين لوتش الاجتماعية محاولاً محاكاة خطابه السياسي المتعلق بحقوق المهمشين والعمال وبين فيلم السرقة (caper) يسقط في فراغ درامي كبير وسرد ممل واداء اقل من عادي لمخرجه في الدور الرئيسي. وقد شكل ذلك خيبة بالنسبة الى كثيرين ممن تابعوا شغله السابق لاسيما ثلاثيته الفرنسية التي حازت اعجاباً نقدياً: Cavale , Un Couple Epatant وLa Vie Apres. والنتيجة انه يفشل في ان يكون فيلماُ فنياً لافتقاره الى العناصر اللازمة كافة من الطرح الفكري الى التنفيذ الفني كما لا تنفع محاولاته محاكاة نوع سينمائي جماهيري. تدور الاحداث في "لييج" البلجيكية (موطن الاخوين داردين السينمائي) حيث ثلة من العاطلين عن العمل في مقدمهم "باتريك" حامل شهادات عالية الذي يهتم بابنه وبالحديقة بينما زوجته تعمل في شركة لتنظيف الثياب. وهناك ايضاً "روبرت" السكير و"بيير" الكسيح. في البار، حيث يقضي الثلاثة اوقاتهم يلعبون القمار، يلتقون "مارك" (بيلفو) الصموت الذي يعمل في معمل البيرة المجاور تحت مراقبة البوليس لخروجه من السجن حيث قضيعقوبة سرقة مسلحة. في تلك اليوميات المملة حيث لا حدث يذكر، تنقلب حياة "باتريك" راساً على عقب عندما تتعطل دراجة زوجته الهوائية ولا يجد وسيلة لتدبير المال لأخرى. يرفض مساعدة اهلها لها ويلجا الى اصحابه فبعقدون الامل على ورقة يانصيب. عندما يخسرون الرهان، يتحولون الى خطة سرقة مصنع الحديد الذي عملوا فيه في السابق بمساعدة "مارك" الذي يشترط عدم معرفة "باتريك" بالامر لانه رجل عائلة. يبدا التخطيط للعملية ولكن اكتشاف باتريك لها واصراره على المشاركة، يخرجان مارك ليبقى الثلاثي "باتريك" و"بيير" و"روبرت" وحيدين فيها. كما يتوقع المشاهد، تفشل العملية بسبب عدم تحلي احدهم بالخبرة في امور السطو. وفي تحول درامي، يصاب "باتريك" ويتهم "مارك" الموضوع تحت المراقبة بالتخطيط للعملية لتتحول ربع الساعة الاخير مطاردة بينه وبين الشرطة داخل مبنى سكني. بيلفو هو احد اضعف نقاط الفيلم بأدائه الرتيب. تماماً كما تفشل المجموعة بوضع خطة محكم لتنفيذ العملية، كذلك يبدو تصميم بيلفو لأحداث الفيلم ضعيفاً يفتقد الى الصدقية والجاذبية في السرد وكتابة الشخصيات.

البلديون

بخلاف الصمت الذي ساد الصالة (وبعض ردود الفعل المعبر عن خيبة أمل) بعيد انتهاء عرض "حق الاضعف"، علا التصفيق والتهليل عندما أَعتمت الشاشة على آخر مشهد من "البلديون". فشريط بوشارب يكسر صمتاُ طال أمده حول مشاركة الجنود المغاربة والجزائريين (بلغ عددهم نيف ومئة الف جندي من بينهم نحو 20 الفاً من سود افريقيا) في الحرب العالمية الثانية في صفوف الجبش الفرنسي ضد النازيين. وربما يكون استقباله على ذلك النحو من قبل عدد غير فليل يضعه في خانة "الفيلم الوطني" أكثر منه الفيلم الفني. يذكر الفيلم بشريط فيليب فوكون الاخير La Trahison الذي تناول مجموعة جزائريين خدموا في الجيش الفرنسي، مركزاً على عناوين تتقاطع مع عناوين بوشارب كالعنصرية التي تعرضوا لها ومفهوم الوطنية بين المستعمِر والمستعْمَر. ولكن "البلديون" يتفرد برصده واقعة تاريخية هي المعارك التي خاضها الحلفاء ضد المانيا بين 1944 و1945 لتحرير ايطاليا ووادي الرون والالب والمعركة الاخيرة لتلك الكتيبة الشمال افريقية في "ألزاس". ويتفرد ايضاً بريطه بين ذلك التاريخ وبين اليوم وتلك هي جرأة الفيلم ونقطة انحرافه عن افلام أخرى قد تكون تناولت الموضوع من زوايا مختلفة. إلا انه من الاجحاف القول ان الاحتفاء بالفيلم جاء من قبل جهة واحدة (المغاربة المهاجرين والمقيمين) فشريط بوشارب من النوع الكلاسيكي الذي ينتمي الى افلام الحروب ويأخذ من الافلام التاريخية بسرد محكم وشخصيات تُبنى على مهل. يبدأ الفيلم في الجزائر حيث يستنهض أحدهم الشباب لمؤازرة فرنسا "الارض الام "في حربها. فتتشكل كتيبة تضم جزائريين ومغاربة: "عبد القادر" (سامي يوعجيلة) قائد الكتيبة، "مسعود" (رشدي زم)، "ياسر" (سامي ناصري) و"سعيد" (جميل ديبوز). انها تجربتهم الاولى في الحرب ولعلها المرة الاولى التي يغادرون فيها أرضهم. في المعسكر، تتصاعد حدة الصراع بين الملازم الفرنسي وبين "عبد القادر" حيث يقف الاخير في وجه التفرقة العنصرية ويطالب بمعاملتهم بالمثل "لأن الرصاصة الالمانية لا تفرق عندما تقتل". يتوقف الفيلم عند تفاصيل كفكرة التفاني في خدمة الجيش الفرنسي والولاء لها من دون ان نفهم بالفعل من اين ينبع ذلك. ولكن مع مرور الوقت تتحول الحرب معركة خاصة لكل من الاربعة. بالنسبة الى "عبر القادر"، الحرب هي طريقه ليصبح ملازماً وفي وقت لاحق ـ عندما يدرك في قرارة نفسه ان الترقية للفرنسيين فقط ـ تتحول الحرب الوسيلة الوحيدة للاعتراف به. يحارب "مسعود" من أجل حبيبته الفرنسية ويسنبسل "ياسر" يعيد استشهاد شقيقه كي يعطي لموته معنىً. اما "سعيد" فيحركه احساس فطري بالولاء لفرنسا على الرغم من معرفته بأن هناك سقفاً لأي طموح. يدخل الفيلم في حكايات تلك الشخصيات راصداً تحولاتها وعلاقاتها ولكنه الجزء الاخير هو الذي يشكل الذروة الدرامية عندما تكمل الكتيبة بأربعة فقط بعد موت الاخرين للدفاع عن ألزاس تلك القرية الغريبة وعن اهلها. هنا يكتسب الفيلم الحرفة الداخلية لافلام الحروب وفكرة القتال والاستشهاد في سبيل غرباء. يستشهد الكل ماعدا "عبد القادر" بما هو بقاؤه على قيد الحياة رمزياً كشهيد وشاهد حي. واذ تصل الجيوش الفرنسية بعد انتهاء المعركة بين الكتيبة والنازيين، تمر بعبد القادر المذهول كما لو انه نكرة ويطلب اليه القائد اللحاق به لتعيين كتيبة جديدة له. الحرب تلتهم وليس من جزاء. في قفزة الى العام 2005 بدت للوهلة الاولى خارج السياق ومجرد محاولة لنهاية ميلودرامية، يزور رجل مسن نفهم انه "عبد القادر" قبور زملائه في ألزاس. ولكن تلك ليست سوى مقدمة للمشهد الاخير حيث يدخل "عبد القادر" بيته الفرنسي المكون من غرفة حقيرة ويقفل الباب على وحدته. هكذا اذاً انتهى الامر به وحيداً يصارع من اجل معاش التقاعد. تناقض قاس بين مشهد البداية الذي وعد المتطوعين في الجيش الفرنسي بمبادىء الحرية والاخوة والمساواة وبين مشهد النهاية الموحش لعبد القادر في عزلة كأنما هي ثمن تلك الحرب التي خاضها.

مما لا شك فيه ان شريط بوشارب هو من الافلام التي يصعب فصلها عن سياقها السياسي والتي تحتفظ بأهمية انها صنعت متخطية حواجز كثيرة. والمهرجان بعرضه الفيلم انما حقق ضربة جيدة غير بعيدة من الحسابات السياسية ايضاً لاسيما مع خلفية الاحداث الاخيرة التي اشعلت الضواحي الفرنسية.

صديق العائلة ومخرج العرس

شعت السينما الايطالية هذا العام في مهرجان كان من خلال ثلاثة افلام اساسية تناولنا منها في مقالة سابقة The Caiman لناني موريتي. في المسابقة ايضاً، عُرض "صديق العائلة" لباولو سورينتينو عن انجذاب غريب بين شابة عشرينية فائقة الجمال ورجل قبيح ومرابي لا يرحم. يقدم سورينتينو شخصيته في اطار لا يخلو من فانتازبا كأنه خارج من احدى الخرافات، محتملاً بعض الشبه بأحدب نوتردام. ويتفنن في رسم شخصية البخيل الذي يحاول التعويض عن ثقته بنفسه بالتحكم بالناس عن طريقة ادانتهم المال. تلك هي الطريقة الوحبدة ليشدهم الى عالمه او ليدخل عوالمهم في غياب اي تواصل انساني سببه الاساسي فقدانه الثقة بنفسه. تنسحب تلك العلاقة المرضية على علاقته بأمه وبأبيه وبالنساء وبالحياة نفسها. ولكن ما يشتغل الفيلم عليه هو اظهار ذلك القبح في كل انسان وليس فقط في "جيريميا". فتلك الشخصية الاستغلالية والمقززة ليست سوى ضحية النفور منها والانعزال الذي اختارته حماية لهشاشتها. فقط عندما يواجه "جيريميا" بشخص استغلالي مثله (هي الشابة التي يقع في غرامها) ووصولي، عندها تتبدل ملامحه ويكتسب مسحة انسانية وحتى جمالية تشع من الشاشة. لم يعد جيريميا نموذج الانسان المريض بل يصبح فرداً قي مجتمع مريض. يقدم سورينتينو شخصياته في عالم يتهادى على حافة العالم الواقعي. فعالمه مبني ومصمم ليلاءم شخصياته وأحداثه. أحياناً يشبه الواقع ولكنه في معظم الاحيان عالم فوق ـ واقعي، يقترب من فيلليني في لحطات ثم لا يلبث ان يعود الى الارض بحس فانتازي. وذلك الانجذاب للمرأة الشابة الى "جيريميا" يبدو مقبولاً تماماً، تمهد له مناخات الفيلم الخاصة وشخصية الفتاة المتقلبة بين المزاجية والخبث والغموض. الممثل جياكامو ريزو في الدور الاساسي أكثر من قدير ـ متشاركاً مع مواطنه سيلفيو اورلاندو في The Caiman أبرز اداءين منفردين في افلام المسابقة ـ وسيبقي بصمته لوقت طويل في اداء هذه الشخصية كلاسيكية الملامح لجهة تشكيلها نموذج البخل والاداء المرضي.

شريط ماركو بيلليكيو الجديد "مخرج العرس" الذي عُرض في فئة "نظرة ما" هو في بعض الاحيان الكوميديا وفي احيان اخرى تعبير خالص عن شغف مخرجه بالسينما. انه رحلة ممتعة داخل نفوس بشرية تبقى عصية على الدمج في اطار سردي او حتى في دراما متكاملة. يتشارك هذا الشريط مع سابقه اتقانه اللغة البصرية فيما هو معروف عن بيلليكيو حتى ان فيلمه يحقق الكثير على هذا الصعيد من خلال اللقطات والحوارات والمونتاج اكثر مما يفعل على مستوى الدراما. تدور الاحداث حول مخرج سينمائي شهير بدعى "ايليكا" يقوم بالتحضير لمشروع سينمائي عن الرواية الايطالية الكلاسيكية The Betrothed. خلال تواجده على شاطىء في صقلية. يتقدم منه مصور اعراس يطمح الى ان يكون سينمائياً ويعبر له عن اعجابه بعمله وينتهي الى استشارته في كيفية تصوير العروسين. بعد تردد، يقوم "ايليكا" بتصميم فيلم قصير ينتهي بين يدي ارستقراطي سابق مهووس بالفن فيطلب من "ايليكا" اخراج فيلم عن عرس ابنته "بونا". واذ ينتهي المخرج بالوقوع في غرام الفتاة، تتخذ الاحداث مجرىً غير متوقع. ولكن هذا الخط السردي ليس سوى حجة للعب على مفردات السينما وذاكرتها حيث يتقلب الفيلم بين استعارات من بصرية وحوارية من فيسكونتي وفيلليني وانتونيوني ويقول كلمته في السينما المعاصرة من خلال قصة جانبية عن مخرج يتظاهر بالموت لينال الجائزة التي حلم بها طويلاً. على صعيد السرد وتلرابط الاحداث، يبقى الفيلم ناقصاً ولا نفهم في نهاية المطاف اذا كانت رحلة "ايليكا" حقيقية ام مجرد حلم او رؤية متخيلة لمشروعه الجديد حيث ثمة تقاطع بين شخصية الرواية و"بونا" ملهمته.

الانتظار والانتقام والعزلة

في "نظرة ما"، برز فيلم Hamaca Paraguaya لباز انسينا في تجربتها الروائية الاولى المميزة التي تبرز من بين الافلام المرشحة بقوة لجائزة الكاميرا الذهب التي تمنح العمل الاول. انه فيلم عن ماهية الانتظار، تحققه المخرجة في ست عشرة لقطة فقط تكون الوقت الاصلي للفيلم الذي يبلغ ساعة وثلث الساعة. في قرية نائية في الباراغواي، ينتظر الزوجان "رامون" و"كانديدا" عودة ابنهما من الحرب. ولكن ذلك الانتظار الذي لا ينتهي، يمتد ليشمل انتظارات اخرى: انتظار الشتاء وانحسار القيظ وانتظار توقف الكلب عن النباح والريح التي لا تأتي... انه انتظار للحياة بشكل أفضل. تحقق المخرجة ذلك المناخ الثقيل للانتظار من خلال لقطاتها الطويلة والطبيعة الجامدة الا من اصواتها ولكنها تفعل ذلك اولاً واخيراً من خلال مفهوم خاص للوقت، فتذهب وتجىء بين ماض وحاضر لا يختلفان ولا يغير اي منهما في معنى الانتظار. لكأن الفيلم يبرز مفهومين للزمن: زمن الفيلم والزمن داخل زمن الفيلم. والانتظار في شريط انسينا يولد العزلة فلا نعرف تماماً ما اذا كانت حوارات الزوجين حقيقية ام انها تدور في رأس كل منهما. تتداخل الازمنة في الفيلم عندما تحتل حوارات الماضي بين الزوجين وولدهما وحدتهما الحاضرة. وكأي ذكرى اليمة، يعالج الفيلم فكرة الفقد بتجريد وغموض. انه الانتظار كواقع لا مفر منه هو الذي يمنح تلك الذكرى واقعية ما.

يتنافس مع الفيلم المذكور في "نظرة ما" الفرنسي La Tourneuse de Pages لدينيس ديركورت ويقدم نفسه كثريللر سيكولوجي على غرار شغل كلود شابرول لجهة نظرته الاجتماعية الناقدة ومايكل هانيكي يمحوره الاساسي الاحساس بالذنب. ولكن فيلم ديركورت يأتي خالياً من البعدين سابحاً في حكاية مسطحة محورها الانتقام. انه انتقام "ميلاني" التي خسرت مباراة العزف للتأهل الى المعهد الموسيقي بسبب انشغال احد اعضاء لجنة التحكيم، عازفة البيانو الشهيرة "آريان" (كاثرين فروت)، بتوقيع اوتوغراف لمعجبة. يتشتت تركيز الفتاة فتسقط في الامتحان. بعدها تقرر التخلي عن حلمها الموسيقي وتتابع حياتها الى ان نتعرف عليها شابة (ديبورا فرونسوا) تتمرن في شركة قانونية كبرى. واذ تسمع ان مديرها يحتاج الى جليسة لابنه لفترة قصيرة، تتطوع لنكتشف ان زوجته هي "آريان" نفسها. هكذا تجد طريقها الى العائلة عازمة على تدمير العازفة التي تسببت بضياع مستقبلها. من هناك، يتحول الفيلم تمثيلية تلفزيونية باهتة، تفتقد قوة الدراما وعمق الشخصيات ويخلف الكثير من الثغرات الدرامية. هل كانت ميلاني تعرف مسبقاُ ان الشركة التي تتمرن فيها لزوج ميلاني؟ اين دور والديها لاسيما الاب الذي بدا في مقدمة الفيلم حنوناً وقريباً من ابنته في اعادتها الى الموسيقى؟ وكيف يفسر الفيلم التعاطي السطحي مع شخصية ميلاني التي لا نفهم اذا كانت مريضة او مزاجية او مجرد حاقدة؟

آكي كاوريزماكي هو من السينمائيين المنتظرين في كان. جاءها هذا العام بشريطه Lights in the Dusk (في المسابقة) الذي يختتم ثلاثية بدأها العام 1996 بفيلم After Drifting Clouds وألحقه عام 2002 بـMan Without a Past الذي عرض في كان وحاز غير جائزة. ختام هذه الثلاثية عن "العطالة" يبدو اقلها قبولاً بين جمهور السينمائي الفنلندي بمزاجه السوداوي الذي يفوق الفيلمين الاول والثاني محاكاته انواع سينمائية كالفيلم نوار والسينما الصامتة وسواهما (الفتاة تحاكي غرايس كيلي في Vertigo والمشهد الاخير تحية لبريسون) لاسيما في اداء شخصيته الرئيسية "كويستنن" ربما غربت المشاهد عن الفيلم. خلا ذلك هو فيلم ينتمي بامتياز الى مخرجه موضوعاً ـ العودة الى فكرة استغلال النظام للفقير وعزله ـ وشكلاً ـ تقشف الاسلوب البصري. لقد انتقل كاوريزماكي في هذه الثلاثية من التعاطي مع ثنائي في الفيلم الاول الى مجموعة في الثاني وصولاُ الى الفرد في عزلته الرهيبة. الشاب "كويستنن" هو محور الاحداث هنا كمهمش من قبل زملائه في العمل في شركة مسؤولة عن الامن ومن المجتمع على حد سواء. يلتقي "ميرجا" التي تيدو للوهلة الاولى خلاصه ولكن يتضح انها تعمل لحساب رجل عصابة يخطط لسرقة محل المجوهرات في المجمع التجاري الذي يقوم "كويستنن" بحراسته ليلاً. هكذا يدخل الاخير السجن بذنب لم يقترفه من دون ان نلمس اثار المرارة او الغضب عليه. انه شخصية لا تقوم بالفعل وتجمع التناقضات بين سلبيتها من جهة وعدم تنازلها عن حلمها المتواضع من جهة ثانية. يلعب المخرج على حس فكاهي ساخر وجاف كأن يطلب "كويستنن" الزواج من "ميرجا" بعد دقائق على لقائهما. في اللقطة الاخيرة، يحاول الفيلم التخفيف من حدة سوداويته ولكن السؤال يبقى معلقاً حول جدية كاوريزماكي فاتحاً المجال امام تأويل قد ينطبق على الفيلم بمجمله هو ان يكون مخلرجه ساخراً من موضوعه ومن افكاره وربما من مشاهديه.

المستقبل اللبنانية في

27.05.2006

 
 

"تحفة" بصرية تعيد إلينا ثقتنا بالعالم

فيلم "بابل": أسطورة للعصر الحديث

كان ـ القبس ـ صلاح هاشم  

مضى الآن أكثر من أسبوع ونحن نركض في 'كان' من صالة الى صالة، وندور في حلقة اللهاث اليومي الذي يذهب بالعقل. زحام وطوابير في كل مكان، والشمس الأفريقية الذهبية تشرق فوق مياه البحر الممتد في كان مثل بحيرة زيت، ومنظر القوارب واليخوت البعيدة يغري بالرحيل الى الىوتوبيا المفقودة، وعلىك أن تتسلل الى داخل المياه، وتسبح الآن الى البعيد من دون وجل، وأنت تحمل في جعبتك بضعة أفلام من أفلام المسابقة، التي أعجبت بها كثيرا، وصارت الآن، بفعل سحر الفن الضرورة، صارت قطعة من روحك ونفسك وكيانك. مثل ذلك الفيلم الاثير 'بابل' للمخرج المكسيكي الىخاندرو جونزالىس ايناريتو، الذي هزنا حتى النخاع، ونرشحه لمنافسة فيلم 'عودة' للاسباني بدرو المودوفار في الفوز بجائزة 'السعفة الذهبية'، او الفوز على أقل تقدير بالجائزة الكبرى، وبانتظار فيلم 'بلديون' الجزائري لرشيد بو شارب، الذي يمثل السينما العربية في المهرجان.

فقد بهرنا فيلم بابل 'بحرفيته الفنية السامقة، وموضوعه الإنساني العميق،وجعلنا نحبس انفاسنا ونحن نشاهده، كما لوكنا نشاهد فيلما من أفلام التشويق والإثارة عند هيتشكوك، او كأننا نستمع الى حكواتي وشيخ حكيم، مثل هوميروس الىوناني، وقد راح يقص علىنا ما وقع لاوديسيوس أو عوليس عند عودته الى بلدته ايثاكا في ملحمة' 'الاوديسة'، والمغامرات والأهوال التي خاضها.

تنطلق رصاصة من بندقية في يد صبي في المغرب،فإذا بنا نرحل من خلال رحلة مع العذاب والالم ومحنة الإنسان المعاصر في عدم قدرته على التواصل مع نفسه والآخر والعالم، ونطوف مع الفيلم في أربع قارات، ومن خلال تلك الرحلة التي نقطعها عبر الفيلم من المغرب الى أميركا، ومن أميركا الى المكسيك، ومن المكسيك الى اليابان، تتكشف لنا عذاباتنا وغربتنا، ضياعنا ووحدتنا في هذا العالم المملوء أخطاء كما يقول شاعر، اذ يشير ويحيل المخرج بعنوان الفيلم الى أسطورة 'بابل' التي تحكي عن برج شيده البشر لكي يصعدوا الى الجنة، وأرادت الآلهة ان تنزل بهم العقاب، فجعلتهم شعوبا وقبائل، تتكلم بعدة لغات ولهجات، وفرقتهم حتى يسود سوء التفاهم، ويصبح التواصل بين الثقافات عسيرا، ويتغرب البشر عن حياتهم وذواتهم.

اعتداء إرهابي

تنطلق تلك الرصاصة في المغرب، فتصيب كتف سائحة أميركية في رحلة مع زوجها الى المغرب، وتتوقف بهما الحافلة السياحية في قرية صغيرة في أعماق الريف البعيد عن العمران، ويكتشف زوجها أنه لايوجد بالقرية أطباء او مستشفيات، وان اقرب مستشفى على بعد آلاف الكيلومترات، وان زوجته ستظل تنزف حتى تموت، ويحضر طبيب شعبي من القرية، ويخيط لها الجرح بإبرة لإيقاف النزيف ومن دون مخدر، وتسعفها عجوز مغربية بنفس حشيش، حتى تهدأ المسكينة وتنام، بانتظار وصول سيارة الإسعاف التي تتأخر كثيرا، وتتعقد الامور أكثر، عندما تبلغ السفارة الاميركية بالامر، فتعلن عن هجوم من إرهابيين عرب مغاربة على أوتوبيس سياحي، وإصابة سائحة أميركية، وبسرعة تتحول تلك الحادثة الى اعتداء إرهابي على مواطنين أميركيين، وكأن العالم كله يقف للأميركيين في كل مكان ويترصدهم ويريد أن يصرعهم برصاصاته.

وتسارع وكالات الأنباء الى المغرب لتغطية الحادث والاطمئنان على السائحة الاميركية وسلامتها، وتهبط دورية من رجال الشرطة المغاربة الأشداء الى تلك القرية للبحث عن الارهابيين المختبئين في الجبل، وتطوق المنطقة، وتسعى إلى القبض على الجناة والتحقيق معهم.

في الىوم نفسه تبحث المربية المكسيكية التي تعمل في بيت السائحة الأميركية وزوجها، تبحث عمن يستطيع ان يسهر على الطفلين أثناء غيابها، لحضور حفل زواج ابنها في المكسيك، وحين تفشل في العثور على أحد، تصطحبهما معها الى هناك، وتعبر بهما الحدود الأميركية، وبعد انتهاء العرس وعند عودتها تقع حادثة، وتترك وحدها مع الطفلين في الصحراء والبراري الشاسعة التي تفصل بين البلدين، وحين تترك الصغيرين وحدهما لتبحث عن فرقة إنقاذ، يقبض علىها، وإذا بها حين تعود مع رجال شرطة الحدود للبحث عن الصغيرين وقد كادت تموت من العطش والرعب والغم، تكتشف ان الطفلين اختفيا، وكأن الارض ابتلعتهما.

تجربة صوفية

فيلم 'بابل' الذي لايمكن تلخيص حكايته وعقدته، ينساب بأحداثه مثل نهر عذب، كي يحكي عن عدة مصائر وأقدار، وينجح في شد أعصابنا، ويصيبنا بالتوتر والتأثر، فيجعلنا نتأسى لحال السائحة الأميركية، كما لو كانت اختنا، ونتألم مع تلك المربية المكسيكية التي ضاعت في الصحراء، وإذا بها بعد أن عاشت في الخفاء في أميركا أكثر من 15 عاما، يطلب منها الرحيل فورا، وتطرد وتهان، فتعود الى المكسيك، وهي تسكب دموع الحسرة والمرارة. ويكشف هنا الفيلم عن أوضاع المهاجرين المكسيكيين الذين يعملون ويعيشون في الخفاء من دون أوراق..

كما يجعلنا نتعاطف مع كل شخصيات العمل الأخرى، ونستشعر مآسيهم، وغربتهم حتى داخل جلودهم، مثل تلك الفتاة الىابانية المراهقة البكماء، التي انتحرت أمها، وتركتها في رعاية الأب، ونطلب لهم جميعا الرحمة والخلاص، بل إننا من فرط استحواذ العمل على مشاعرنا وأحاسيسنا، نريد أن نخترق الشاشة، كما في فيلم لوودي الآن،ونتدخل مثل أحد المشاهدين، ونفض الخناقة، ونشرح للشرطة المغربية حين طوقت الجبل، أنها بذلك العنف الذي تمارسه على البشر، تدلق الزيت على النار، وتريد أن تشعلها حريقا، ولا يجب ان تتهور، وترتكب حماقة كما فعلت في الفيلم.

وينجح فيلم 'بابل' على عدة مستويات، فهو أولا يعتمد على عنصر التشويق كما ذكرنا، وينجح ثانيا على الرغم من طول الفيلم الذي يمتد إلى أكثر من ساعتين في أن يجذبنا إلى داخله، ويبتلعنا بإيقاعه السريع، فنستغرق في متابعة أحداثه من دون ملل، ويصبح عندئذ الفيلم هو الذي يرانا ويتفرس فينا متعجبا، وهي سمة من سمات الأفلام الجميلة التي تجعلك تنحاز الى الفيلم بعد مشاهدته، وينطبق علىه قول المخرج الفرنسي جان لوك جودار، اذ يقول إنه عندما نعجب بفيلم ما، كما حدث معي أثناء مشاهدة 'بابل' فإنه يصبح في التو أكبر منا، وقد شعرت بعد مشاهدة الفيلم، بأنه سيخطف سعفة كان الذهبية من فيلم 'عودة' للمودوفار، وهو يتجاوزه في رأيي فنيا.

ففي حين يبدو فيلم 'عودة' كما لو كان مسرحية من مسرحيات الفودفيل الميلودرامية، او لوحة من لوحات فن'الكيتش' kitch بألوانها الفاقعة الصارخة وأشباحها وعوالمها الغامضة، كما في بعض أعمال الفنان الاسباني سلفادور دالي السريالية، يظهر فيلم 'بابل' في المقابل كملحمة بصرية بانورامية كشفية بالسينما السكوب، تحلق في العالم مثل طائر خرافي، وكأنها تريد ان ترسمه لنا على بساط سحري، حتى نعرف في اللحظة نفسها، كل شيء عنه، وما يجري فيه.

وطموح مخرج 'بابل' هنا أكبر بكثير من طموح المودوفار. طموح من يريد ان يضع العالم كله في متناول اليد والعين، ولاشك في ان هذا الطموح الذي تحقق في الفيلم، جعله أقرب ما يكون الى معايشة تجربة دينية صوفية عميقة، من حيث عدم الانغلاق على الذات النرجسية الأنانية العقيمة أي الخروج من أسرة 'الأنا' والانفتاح على العالم بأكمله، والانتقال من الفردي إلي الجماعي، وصعودا الى الكوني، والارتباط بحركة الأفلاك، وعناق كل الكائنات والموجودات، وهي تجربة تجعلنا من خلال مشاركة ومشاطرة الآخرين في محنتهم وألمهم، نتطهر من كل أدراننا كما في التراجيديات اليونانية.

هذا الطموح الفني الفلسفي في فيلم 'بابل' وبمعماره الفني الأقرب الى فن الموزاييك، من حيث تجميع عدة قصص وحكايات ووصلها ببعضها في 'كل' فني شامل ومبهر، هو الذي يجعل الفيلم يبحث في عدة قضايا مثل الإرهاب والإعلام المعاصر، ومشكلات التواصل، وعدم القدرة على الافصاح والبوح، للتعبير عن استلاب وغربة الإنسان المعاصر، بعدما صار الزوج غريبا عن زوجته، وصارت البنت غريبة عن أمها، وأصبحنا جميعا في إطار حضارة الاستهلاك المادية غرباء حتى داخل جلودنا، وصار عالمنا نسخة أو صورة ل'بابل' القديمة في الأسطورة، ويمكن أن تنهار في لحظة دمار كما وقع لهيروشيما.

وأجمل ما في ل'بابل'، الذي يمكن اعتباره مثل 'صلاة تأمل حزينة صامتة في انقسام العالم' بسبب التعصب وسوء الفهم، وانتشار الأفكار المسبقة والخوف من الآخر، أنه يؤسس من خلال قيم التراحم والتعاطف الإنساني، لمد جسور من العلاقات التي تربطنا من جديد بحياة الحاضر والمستقبل، فنتواصل بالشرق والغرب، من دون حدود أو تمييز عنصري.

ويصالح 'بابل' بفنيته العالية ما بين الفن والتجارة، من حيث اعتماده على أسلوب السرد الهوليوودي المتقن، للوصول إلى اكبر جمهور ممكن في العالم، ومن دون التضحية بالفن، واعتماده على ممثلين غير محترفين، وتصوير الأحداث في مواقعها الحقيقية، والالتزام بتصوير معين وموسيقى محددة لكل قصة في الفيلم، بما يتوافق مع الحالة النفسية لأبطالها، ويروح يصور المدن والقرى في العالم كله كأنها 'موزاييك' سعادة ومتعة للعين.

كما يصالح بين الروائي والتسجيلي، ويبهرنا بروعة تصوير 'المنظر الطبيعي' حتى أن الأماكن في الفيلم تفرض حضورها بقوة، وتصبح في 'بابل' شخصيات وكيانات مؤثرة، ان في المغرب او في اليابان واميركا والمكسيك، ويكاد 'بابل' لسحر مناظره، يصبح عملا من الأعمال التسجيلية العظيمة التي تخرق عيوننا، ولذلك نرشحه للمشاهدة عن جدارة، ونعتبره درسا في السينما العظيمة، ونرشحه للحصول على جائزة من جوائز المهرجان.

القبس الكويتية في

27.05.2006

 
 

الدورة 59 لمهرجان كان السينمائي:

عودة الإسباني المودفار الي جماعية العائلة وبابل المكسيكي يناقش الخطأ البشري وصديق العائلة الإيطالي شايلوك الألفية الثالثة

زياد الخزاعي

ما كان علي قيصر كان جيل جاكوب وفريقه النافذ ان يدرجا جديد المخرج الاسباني المميز بيدرو المودفار العودة في المسابقة الرسمية، فهو اصبح قامة سينمائية ذائعة الصيت عالميا، وتنافسه مع اقرانه لن يقدم او يؤخر بسمعته ومنجزه الابداعي، فصاحب نساء علي حافة الانهيار العصبي (1987) و كل شيء عن امي (اوسكار عام 1999) و تكلم معها (2001) يصبح عالة كبيرة علي التقييم العام الذي تتورط به لجان تحكيم دولية، علي شاكلة كان، فان اعطته شيئا غير السعفة الذهبية فالعار سينصب عليها، وان تجاهلته، قامت قيامة النقاد والصحافيين الذين لا يتوانون عن توجيه سهام معاركهم الدائمة مع تلك اللجان، وقد عمد جاكوب فيما يتعلق بالشريط الثاني المذكور أعلاه، الي اختياره شريط افتتاح تلك الدورة، مما كتم افواه المستفزين للنيل من ادارته.

العودة او ان تعود Volver هي حكايات نسوية تتداخل وتمتزح صيروراتها، بما يشكل لوحة عائلية شديدة الميلودراما، وهي صبغة توافرت في اغلب نصوص المودفار الاخيرة، وهو بتركيزه علي ثيمة الاقرباء (ام، اخت، جدة وغيرهن) يضع بصيرته علي مفهوم الاعتبار الشخصي واعادة تقييمه. ففي نساء يحاكم بعلاقة سينمائية نادرة الغل العاطفي الذي يسلب البطلة قدرتها علي التأقلم مع وحدة مفروضة لذا تسعي الي الاقربين كي تعوض استلابها، وفي كل شيء.. تتحول حياة البطلة الام الي جحيم مع مقتل وليدها في حادث سيارة، لتسعي بدورها الي الجيران والاقرباء لمحو قدر، ولو قليل، من وجع الفاجعة، اما في تكلم فهنا يصل المودفار الي سمو ابداعه، عبر حكاية امرأتين ترقدان في مستشفي وهما في غيبوبة، تقربان بين رجلين لا يعرف احدهما الاخر، ليجتهدا في اعادة افتراضية لعائلة هجينة. هذه المرة رصد المودفار ثلاثة اجيال من النساء كل واحدة منهن تواجه محناً متراكبة، وان لم يربط بينهن، سوي عبر قرابتهن وتجاورهن في مدينة واحدة (او لنقل انهن من مسقط رأس واحد) ريموندا (اداء متألق من بنيلوب كروز) تعيش حياة مزرية مع زوج مدمن، عاطل عن العمل، لا يكف عن النق والتأفف والمشاكسة، يقضي جل وقته امام شاشة التلفزيون متابعا مباريات كرة القدم، غير آبه بلوعة الزوجة الشابة التي تتهالك في عملها من اجل توفير لقمة شريفة لها ولابنتها المراهقة، هذا الزوج الجديد (والد الطفلة لن نعرف سره حتي اخر مشهد صاعق في اعترافه) يضمر امرا قذرا، فكلما صدت ريموندا رغباته الجنسية، تظهر عليه نزعة عدوانية، سيفرغها ذات ليلة بالابنة حيث يحاول الاعتداء عليها داخل المطبخ، الا ان الصبية ترديه قتيلا، مما يحتم علي الام الملتاعة بالإثمين ان تسارع الي اخفاء جثة الزوج السافل.

بعد الدفن يأخذنا المودفار بعيدا عن ريموندا الي شقيقتها الحلاقة صول التي هرب زوجها مع احدي زبوناتها لتعيش وحيدة الي النهاية. هذه المرأة المرعوبة من ماض غامض لا نعرف كنهه إلا في وقت تأخر، حين نفهم انها تخشي ارواحا تتبعها وتطاردها، ومع وفاة العمة باولا ستفاجأ صول بشبح والدتها (الممثلة كارمن ماورا) يخاطبها وهي تقف في دارتهما القديمة في قرية المانشا، بيد ان الام العائدة ليست روحا هائمة، بل هي كائن حقيقي من لحم ودم، فما حدث من امر احتراقها هو تلفيق من هذه الاخيرة لتدمر اثما موجعا للعائلة، فالتي احترقت هي عشيقة الاب الذي قضي بدوره في الحريق. هل هي عقوبة الحب الدنس كما يبدو؟ تجيب الام لاحقا في اعتراف مفاجيء لريموندا، انها احرقتهما عمدا لأن اب ريموندا اعتدي عليها جنسيا وكانت ثمرته طفلتها الصبية!!

هذه الحقيقة المرة التي تجلت عند عودة العائلة الي البيت القديم، تبعث مجددا حيوية من نوع اخر، اجتماعهن الابدي كإرادات انسانية في عالم متوحش، وكثير السفالة!

لا يتركنا المودفار من دون ان يمررنا بتطهير درامي والمتمثل بالجارة المستوحدة التي سيعبث المرض الخبيث بجسدها وشبابها، ومع مشاهد لم شمل العائلة الرئيسية سنشهد الموت البطيء لهذا الكائن الرقيق الذي ظل طوال الفليم يحاول اعادة الاعتبار لافرادها.

ليس من السهل تلخيص هذا الفيلم، فهو متشابك الاحداث، كثير الشخصيات والمواقع وفيه سيل هائل من الحوارات، غلب عليها القفشات والروح المرحة التي يصر المودفار علي سبغها علي مشاهد عديدة رئيسية في افلامه، لكن ما هو مؤكد هنا الاستعارات البليغة والبينة من اشتغالات البريطاني الفريد هشكوك، خصوصا ما يعني بأمور ثلاثة:

أ ـ الاختزال الدرامي في مشاهد الجريمة والدفن واحالتها الي الكوميديا اكثر منه الي الاثارة السمجة، فالاستاذ الكبير يصر دوما علي وضع شخصيات خفيفة الظل داخل المشهدية الحرجة تقول كلاما في الضد من حالة الشد العالية، والمودفار لم يشذ عن هذا، فبعد اكتشاف ريموندا للجثة، ستفاجأ بالزيارة غير المنتظرة لصاحب البار المجاور والذي كانت تعمل فيه عندما كانت شابة، ولدهشتها سيعرض عليها الاحتفاظ بمفاتيح المطعم (سنراها تعمل فيه لاحقا لتأمين وجبات طعام فريق سينمائي يقع احد افراده في حب البطلة الشهية!!) وحين تطلب من جارتها البدينة مساعدتها في دفن الثلاجة التي تحوي الجثة، سنسمع الكثير من نكات هذه الاخيرة وتحاملها علي الرجال جميعهم!!

ب ـ الاناقة داخل المشهد، فكما كان يفعل هيتشكوك متعمدا جعل محيط مشهدياته اخاذا في توظيفه، يتأني المودفار في تلوين مشهدياته من دون افتعال، ويرتب ديكوراته والوانها بما يضفي بهاء وعطفا علي اناقة بطلاته وصفو دواخلهنّ.

ج ـ اللامفاجأة التي تتولد من تراتب الحكاية المعروفة، فهيتشكوك كان شهيرا في عرضه للجريمة من دون ترقب ويدخلنا لاحقا في اجواء التخمين، والمودفار لم يبتعد عن هذا، فحينما اراد اخبارنا بالحدث الجلل سنري الصبية ترتعد وهي تنتظر امها، وحينما تصرخ فيها ستعترف بالجريمة، ويصبح الامر لدينا كمشاهدين في حكم الامر المنتهي. سنري جثة، وهذا ما يحدث لاحقا من دون دهشة، فما يسعي اليه المودفار هو الوصول الي اللب الثاني من الاعتداء الثاني (الاب الذي اغتصب ريموندا وخلف منها الصبية التي ستقتل زوج الأم!!).

هذه التداخلات جعلت من العودة اكثر نصوص المخرج الاسباني تعقيدا، فهو يداور علي مدي الساعتين في حكايات بطلاته اللواتي سيعدن الي المرتع العائلي بعد سلسلة من الاوجاع التي احالتهن الي اضحيات مقدسة!

السردية المتراكبة، ولكن بدهاء سينمائي اكبر، كانت متوافرة باقصي درجاتها الباهرة، في جديد المخرج المكسيكي اليخاندرو غونزاليس اناريتو بابل (142 دقيقة) وهو يستكمل الاسلوب ذاته الذي درج عليه في فيلميه السابقين الحياة عاهرة (2000) و 21 غراما (2003) فالاحداث والشخصيات التي تقع وتعيش في بقع مختلفة ومتباعدة، ستتجمع وتتلاقي في اقدار لولبية الحركة، انها طلق في الحياة علي الشاشة، لا يمكن اقتطاعها او قصها، او حتي التجرؤ علي تغيير تراتبها.

آناريتو (ومعه كاتب السيناريو الدائم غيليمرمو آرياغا الذي كتب الفيلمين السابقين) احال هذا الاسلوب الي علامة مميزة لاشتغاله الذي اكتسح المهرجانات وخلب لب النقاد والمتابعين، ومنهم استوديوهات هوليوود التي هرعت الي موهبته لتوقع معه عقودا، من فضائلها انها ستؤمن لنا كمشاهدين فرصا لمتابعة نصوص هذا المخرج الرهيف وشديد الذكاء والحرفية.

في بابل يطرح اناريتو اسئلة ازلية: من يرتكب الخطأ، ومتي نرتكبه؟ وما الذي يدفعنا الي ارتكابه؟ هل هي نزعاتنا، ام فساد نفوسنا ام الاخرون الذين لا يسعون الي الاقتراب منا؟ وفوق هذا: هل الخطأ عقاب مبطن للارادة الضعيفة والخطلة الدوافع؟ هذا ليس تفلسفاً زائدا من المخرج الشاب (ولد في مكسيكو عام 1963)، وانما قناعات عميقة تولد في دواخله باعتباره ابن شعب متراكب الاعراق، معقد السياسات، متباين الطبقات، متأصل في ابداعاته الادبية والفنية والايديولوجية التي ولدتها حركات مسلحة وثورات وعصيانات اصبحت علامات في تاريخ امريكا اللاتينية.

في الحياة عاهرة يداخل اناريتو حياة بطله الشاب الهامشي الذي يعتاش علي السرقة ومصارعة الكلاب، مع حياة ممثلة تلفزيونية شهيرة ستقع ضحية حادث اصطدام يحيلها الي جثة متحركة، مع حياة هامشي يعيش علي ارصفة المدينة الكبيرة والذي سنكتشف انه قاتل مأجور مكلف بتصفية قطب سياسي.

اما 21 غراما فالحكاية ستمس اربع شخصيات: الغني الذي يعاني من عطب في القلب، وزوجته الساعية الي الحمل منه قبل موته، والشقي الذي وجد في المسيح وكنيسته ملاذا ايمانيا لآثامه وجرائمه السابقة ليتحول الي قديس متوحد مع نفسه، بيد ان سعيه الي نظافة ذمته سيدفن ثانية حينما يقتل بالخطأ دهسا أباً مع ابنتيه، ليقع الامر مهولا علي كيان الام الشابة التي ستقرر التبرع بقلب الزوج الشاب الي مريض محتاج، ليتبين انه الغني، الذي يجتهد في الوصول الي معرفة العائلة التي انقذته من موته المبكر، واصلا الي الارملة حيث يقعان في الحب، ويتعاهدان علي القصاص من المجرم الذي يعلن ان المسيح تخلي عنه!

هذه اللمحة واجبة للتعرف علي البناء الدرامي المتشابك والايقاع الداخلي لـ بابل الذي عرض ضمن المسابقة الرسمية والمديات الفلسفية التي يتشارك بها مع سابقيه في ثيمة الخطأ وتبعاته. في جبال الاطلس الصحراوية المغربية يشتري راعٍ بندقية من جارٍ له لقتل الذئاب التي تفتك بقطعانه وهذا الاخير حصل عليها من سائح ياباني جاء لتمضية عطلة جيدة في ربوع المغرب. يعهد الاب بالسلاح الي ولديه اليافعين اللذين يشكان (بعد عدة محاولات لقتل الحيوانات المفترسة) ان البندقية لا تصيب علي مبعدة اكثر من مترين وليس 3 كيلومترات كما ادعي الجار البائع.

يجرب يوسف حظه علي باص سياحي، ويطلق رصاصة واحدة في اتجاهه، يقطع آناريتو هذا المشهد القدري الضاغط، الي الامريكي ريتشارد (النجم براد بيت) وزوجته سوزان (الممثلة كيت بلانشيت) وهما يتشاحنان علي صواب سياحتهما في حين نري ولديهما في رعاية مدبرة منزلهما المكسيكية (قطع آخر) لتنتقل الي طوكيو متعرفين علي الفتية شيكو (اداء اخاذ من الممثلة اليابانية رينكو كيكونش) الصماء البكماء التي تعاني من فشلها الدائم في العثور علي حبيب انها تعيش في عالم مختزل، قليل الصداقات، كثير سوء الفهم، ورغم ثراء والدها فان شيكو التي فقدت امها مؤخرا اثر انتحارها المفاجيء لا ترتبط بعاطفة حقيقية معه، فهي تتهمه بـ اقصائها عن عمد وعدم الالتفات اليها ومشاعرها، عليه سنجدها دائما في مركز اللهو او المطاعم، وبحثا عن طعم جماعي ضد وحدتها وحياة الصمم.

حينما نعود الي المغرب سنعرف ان الرصاصة اخترقت كتف الامريكية سوزان، وتتحول البلاد الي حقل من الاشاعات بخصوص عودة المتشددين المسلمين واعوان الارهاب، فيما سنري مدبرة المنزل وهي ترافق الصغيرين لحضور حفل زواج ابنها الاصغر قبل ان تواجه محنة كادت ان تودي بحياتها حينما يتركها ابنها البكر سنتياغو (الممثل المكسيكي غايل غارسيا بيرنال بطل مذكرات دراجة نارية في صحراء الحدود الامريكية ـ المكسيكية بعد مطاردة مع الشرطة. في الختام سيتم انقاذ الأم الامريكية وتنجح الشرطة المغربية في الوصول الي المعتدين السذج ويتم اعتقالهم، فيما تحقق نظيرتها اليابانية مع والد شيكو الذي سلم البندقية ذاتها التي كادت تودي بحياة السائحة غالية الثمن ليكتشف ان ابنته قد كذبت علي المحقق الشاب في محاولة لاغرائه في وصال جنسي فاشل.

هذه الشخصيات ارتكبت جميعها اخطاء لا تغتفر (او علي الاقل لا تفهم دوافعها بسهولة ويمكن احالتها الي ضغط الظروف والمصادفات) فلولا وجود البندقية اللعينة (وهو سلاح وافد الي منطقة مغربية نائية!) لما تحققت العقوبات الرباعية، الام الامريكية لانها استمرت السياحة علي حساب ولديها، مدبرة المنزل التي رضخت لالحاح العرس لتنتهي مطرودة من الولايات المتحدة بعد مقايضة بين السجن بتهمة اختطاف طفلين امريكيين او الإبعاد، وشيكو اليابانية التي ارادت الانتقام من والدها فخلعت ملابسها لمحقق الشرطة!! لتحصل علي اهانة داخلية بمثابة العقاب!

بابل انموذج عالي الجودة في استخدام المونتاج الذي انجزه ببراعة الثنائي ستيفن ميريوني ودوغلاس كرايس، فلولاهما ما كان توظيف المشاهد يملك سحره، انه اشبه بلهاث سينمائي تتداخل فيه صور (من توقيع مدير التصوير رودريغو برتنو) والوان ومشهديات اخاذة تتقابل فيها جبال المغرب مع صحراء المكسيك وزحام طوكيو، انه فيلم يحتاج الي صبر طويل وعين حاذقة لتجمع جمالاً سينمائياً لا يضاهي.

بعد باكورته الناجحة عواقب الحب (مسابقة كان عام 2004) يعود المخرج الايطالي الشاب باولو سورينتينو (ولد في نابولي عام 1970) بجديده صديق العائلة (داخل المسابقة) ليؤكد علي موهبته وطلقه الابداعي، وكما قدم في الاول عزلة بطله العجوز الذي يعيش حياة منعزلة في فندق، محافظا علي سر غامض عماده احتفاظه باموال عملية سرقة كان عليه تسليمها الي اعوان عصابة مافيا قبل ان يقع في حب شابة صموتة تعمل في ادارة الفندق، تداريه وتعطف عليه من دون ان تعي عواطفه لتكتشف بعد تصفيته، انه حول الثروة الي حسابها الشخصي. يقدم سورينتينو بطلا من نوع اخر، يعاني بدوره من عزلة ذات صبغة اخري. فجرميا البالغ من العمر سبعين عاما، يداري وحدته وشكله المقرف بمداورة الديون التي يراكمها علي الاخرين، مهددا اياهم تارة، ومقايضا تارة اخري، انه شايلوك معاصر يتحصن بماكينة خياطته ودكانه الذي تحول الي مركز للتعاملات والحسابات، قبيح، قذر الطلة والنفس والسريرة، لكنه يمتاز بقوة الشخصية واللسان الذرب.

يستغل جرميا صداقته لعائلة تعاني من صعوبات مادية، فيقايضها بمقتنياتها قبل ان تأتيه فرصته الذهبية مع الزيجة المرتقبة لابنتها الحسناء روزالبا (لورا كياتي)، فاموال الزفاف ستأتي من جيبه وثروته علي شرط النسبة العالية، فهذا المرابي عديم العاطفة لا يفكر سوي بربحه وما سيأتيه من صفقاته.

وهنا سيضع عينيه ورغبته في جسد الحسناء الفتي. ويخطف فرصته حينما يقترب من يوم زفافها ويحاصره بشبقه، تقول له: انت تمسني . يقول انا امس الجنة فترد عليه بل انت تمس الصبا! . جرميا الذي يعيش مع والدته المتماوتة، ويستغل الجسد المترهل لجارته، سيقضي وطره من الفتاة التي ستمسك بزمام المبادرة لتنهي ارتهان عائلتها الي الدين المالي: العفة كثمن للشهوة.

لكن روزالبا تضمر امرا آخر، انها تسعي الي تدميره والغائه، اولا عبر صفقة مالية تستنزف ثروته كلها تحت تهديد حملها بوليده، فالسبعيني الذي ينافح بفحولة متأخرة سيرضخ للاغراء (بديلا للابتزاز الذي ظل يمارسه علي ضحاياه) ومن ثم الموت علي يد احد ضحاياه. اذا اردنا النظر بانصاف الي شخصية جرميا، فهو كائن معطوب، محظوظ في الوقت ذاته، فقصر قامته وبشاعة طلته، حصنته الي حد ما، من المغامرة، فهو شخص شديد الحذر، مخاتل، من دون عواطف (ما عدا انينه الدائم علي مرض والدته) ومع دخول شخصية روزالبا في حياته، يحقق البطل العجوز خبطته الشخصية التي طال انتطارها، ويعزز حظوظه في ان يكون انسانا من جديد.. ولو لمرة واحدة فحسب. المقاربة واضحة بين بطلي فيلم سورينتينو، ليس عمرهما او عزلتهما، بل بما يمثلانه من خسة اجتماعية، وانحطاط شخصي، فبطل عواقب الحب مجرم ومتورط في الدم، يعزل نفسه في اروقة الفندق ويلوذ بصمته وحيادية شخصيته، لان العالم الخارجي يقف له بالمرصاد وليعاقبه، وهذا ما سيتحقق لاحقا، حينما نراه مواجها مصيره علي يد المنتقمين من صحبته السابقين. اما بطل صديق العائلة فهو علي قدر اكبر من التعقيد الدرامي، يلغو بالكلام طوال الفيلم، ولغته ذات ايقاع غريب قريب الي الشعر، وهو فيها دائم الاستعارة لنصوص قرأها ذات يوم (اغلبها من مجلة ريديرز دايجيتس الامريكية ذات الارتباطات بوكالة المخابرات المركزية!) مضفيا لمحات من تفلسف محبب حول الناس والاشياء (لفتة ذكية علي موضوعة اصابع الشوكولاته!) والاحداث، جرميا انسان فاعل في وسطه، بيد ان عزلته عاطفية فقط، وعندما يقع في المحظور وفخه عليه ان يدفع ثمنا غاليا: حياته مثلما بطل عواقب الحب !

يستكمل المخرج الجزائري الاصل الفرنسي الهوية رشيد بوشارب ما بدأ في غبار الحياة (1994) الذي قارب فيه الورطة الامريكية في فيتنام والجرائم التي ارتكبتها جيوش واشنطن في حق المدنيين، وكان الفيلم بمثابة اقرار بان الحروب دائما تلغي الحقوق حتي وان ادعت جيوش الاحتلال والتحرير انها جاءت لتؤكدها، وهذا ما توافر عليه جديده بلديون (اسمه الاخر ايام المجد ) ـ عرض داخل المسابقة ـ الذي يتصدي لبطولات الفرق الافريقية (شمالها وغربها) التي تطوع افرادها في الجيش الفرنسي خلال الحرب العالمية الثانية ضد الاجتياحات النازية واعوان حكومة فيشي.

بوشارب لا يوثق وحسب، بل يربط ماضياً هبَّ فيه اهل شمال افريقيا للدفاع عن فرنسا، رغم احتلالها وعسفها، منهم من باب صادق واخرون أرادوا استغلال الحرب للانتفاع ماديا او تحقيق مغامرة ما، ليشكلوا نواة لما يسمون بـ البلديون اي السكان الاصلين الذين جندوا لتحرير اوروبا، لكن من دون ان تضمن لهم الحقوق نفسها التي يتمتع بها الاوروبي (فرنسا في حالة بوشارب).

تاريخيا ُشكل الجيش الافريقي في العام 1830 علي يد الجنرال دوبورفونت الذي رست سفنه علي شواطيء سيدي فرج قرب الجزائر العاصمة، لينظم لاحقا اكبر جيش من المرتزقة الافارقة، الذين شاركوا في حروب فرنسا في الصين والمكسيك والقرم، كانت منهم فرقة شديدة البأس تدعي بالبربرية زوافيرز (او زواواز) تشكلت في عام 1830 يشير اليها بورشاب علي لسان جنرال فرنسي يخطب في مجموعة من البلديين.

هناك 290 الف جندي شمال افريقي حاربوا ضمن الجيش الافريقي، قتل منهم 29 الفا واختفي 8 الاف اخرين.

دراميا حاك بوشارب حكاية فيلمه الملحمي (128 دقيقة) حول اربعة رفاق سعيد (المغربي جمال دبوز) الذي يقاتل بيد واحدة، وياسر (سامي نصري) الذي يجاهد في المحافظة علي حياة شقيقه الاصغر الذي تورط في تطوعه، ومسعود (الممثل رشدي زيم).

المقاتل الوحيد الذي التقي بفرنسية وقعت في غرامه عند نزوله في مارسيليا، وحقق اللقاء الجسدي الاخير في حياته قبل ان تواجهه رصاصات النازيين في احدي المعارك واخيرا عبد القادر (الممثل سامي بوعجلة) الشخصية المركزية والاكثر ثقلا في الشريط والذي سيقود فرقته الشمال افريقية ليكونوا اول مجموعة غير فرنسية تحرر مقاطعة الالزاس الشهيرة. هذه الشخصية ذات ديناميكية وحضور قويين، اولا لان حسها السياسي اكثر من الاخرين، علي اعتبار انهم مجموعة من الرعاة وابناء ريف، فيما هو القاريء الوحيد، ثانيا لانه قيادي النزعة، ينتقد القادة الفرنسيين في اصرارهم علي التفرقة العنصرية رغم ان الجميع يحارب من اجل هدف واحد تحرير فرنسا وله مواجهات متعددة الوجوه في الشريط، او سيرفض قرار الطباخ في عدم اعطاء وجبات متشابهة للجميع، ويتجادل مع احد القادة الذي سيرضخ للمحاججة قائلا ببلاغة ان الرصاصة لا تختار ولا تنتقي! .

كأي شريط عن الحرب سنري لعناتها واوجاعها وبطولاتها وجيشها، تخوض هذه الثلة من الاصدقاء معارك دامية،يفلتون في كل مرة، فالمهمة يجب ان تنجز. توكيد احقيتهم بان يذكروا وان تتكرس حقوقهم المدنية والقانونية وهذه قضية حساسة لا تريد بيروقراطية وعنصرية القيادات العسكرية اظهارها علي السطح (سيرفض الرقيب العسكري السماح بتمرير رسائل مسعود الي حبيبته الفرنسية، ويموت من دون ان يتسامعا، متهكما ان هذا الجندي البلدي يكتب رسائله كشاعر عاشق!) فعندما تحقق الفرقة انتصارها التاريخي وبتضحيات تحصد الاخرين ما عدا عبد الكريم، سيرفض المرافقون المحاطون بالقائد السماح له بالاقتراب منه، لتذكيره بانه وعد بترقيته ليصبح من ضمن النافذين علي الجبهة، وسيسمع هذا المتطوع مسؤول الاعلام التابع للجيش وهو يصور الفلاحين ابتسموا فقد حرركم الجيش الفرنسي .

في المقطع الختامي ستراه وقد اصبح هرما وهو يسير بين شواهد قبور رفاقه في منطقة الالزاس ذارفا دموعا سخية علي خساراته وعزلته التي سنتبعها وهو يدلف باب عمارته السكنية المتواضعة، ونراه داخل شقة اكثر تواضعا، ليكتب بوشارب علي الشاشة الحقائق الصاعقة للعنصرية وعدم الانصاف، اذ سترفض الحكومة الفرنسية الاقرار ببطولات البلديين وذودهم عن فرنسا الام، ومثلما سترفض لاحقا السماح لمن تبقي منهم بالاستفادة من التقاعد والنظام الاجتماعي (حتي فترة قريبة)، فدماؤهم التي سفحت علي ارض اوروبا لا يثمنها موظفو الاليزيه ومتنفذو الجيش، فاولئك المتطوعون ليسوا سوي وقود حرب واستشهادات يجب ان تغمط عن دفاتر التاريخ.

البلديون (او ايام المجد) اشتغال محترف من مخرج عرّف بشجاعة ان الوقت ازف لمقاربة موضوع المتطوعين الافارقة، وهو ما تزامن ـ للغربة ـ مع معارك الشوارع التي شهدتها المدن الفرنسية، ضمن انتفاضة ابناء واحفاد المهاجرين قبل اسابيع مضت ودعواتهم للاندماج والانصاف الاجتماعي وتأمين فرص العمل، فهل ما ضحي به الاجداد يجب ان يأخذ مداه بعد ستين عاما او هل شعار المساواة المرفوع علي هامة فرنسا يطبق علي الجميع من دون استثناء؟ شريط بوشارب يكشف عورة سياسية، ضاغطة وضاربة في عمق الوجدان الفرنسي، ولعل اشعال جذوتها سيتطلب اكثر من فيلم سينمائي واحد واكثر من مخرج علي شاكلة بوشارب وحكمته وإقدامه الابداعي.

القدس العربي في

27.05.2006

 
 

«بابل» في «كان»: كيف نخرج من مصيدة العرقية والتفرقة العنصرية؟

3 قصص في 4 دول منفصلة ظاهرياً مترابطة في عمقها حدثياً

كان ـ مسعود أمرالله: 

يعود المخرج أليخاندرو غونزاليز إناريتو بفيلم «بابل»، في المسابقة الرسمية، وربما يكون من أجمل عُروض المهرجان للآن، فيلم يترك في داخلك أثراً عميقاً، وجرحاً لن يندمل بسهولة نظراً للحساسية العالية التي يحاصرك بها منذ أوّل لقطة ، ويظلّ يأسرك حتى النهاية. كعادة إناريتو، فإن السرد القصصي يتّخذ بناءً مركّباً وتصاعدياً، حيث تتداخل الأحداث، والشخصيات، والزمان والمكان.

طلقة رصاصة في جبال المغرب، تقود إلى سلسلة من الأحداث رابطة زوجين أميركيين سائحين في كفاحٍ مسعور للنجاة، وطفلين مغربيين متورّطين في جريمة عرضية. ومربية تعبر الحدود الأميركية بطريقة غير مشروعة إلى المكسيك بصحبة طفلين أميركيين، ومراهقة يابانية ثائرة مطلوب والدها من قِبل الشرطة في طوكيو. على خلفية الفصل العرقي واللغوي، وتصادم الحضارات، وبعد المسافات، تندفع هذه المجموعات الأربع إلى مصير مشترك من العزلة والألم والحزن.

على مدى بضعة أيام تالية، سوف تواجه كل مجموعة منها إحساساً هائلاً وموجعاً بالضياع: ضياع في الصحراء، ضياع في العالم، والأهم ضياع ذواتهم المكسورة، عندما تُدفع قسراً إلى حدود الارتباك القصوى، والذعر، وأيضاً إلى حدود التواصل والحب.

ثلاث قصص متفرّقة في ظاهرها، ومترابطة تماًما في عمقها، تقع في أربع دول: المغرب، المكسيك، اليابان، والولايات المتحدة. تبدأ الحكاية في المغرب وسط جبالٍ نائية، حيث يقوم شخص ببيع بندقية لربّ أسرة، لديه طفلان وقطيع ماشية. هذه البندقية التي ستغيّر مجرى أحداث الفيلم كله، هي لاستخدامه الشخصي في حراسة الغنم من هجمات الذئاب. يسلّمها للابن الأكبر حتى يستخدمها في غيابه.

في الوقت نفسه، يستقل زوجان (براد بت، وكيت بلانشيت) حافلة نقل في رحلة سياحية في هذه الجبال السوداء من الجنوب المغربي، نسمع طلقة رصاص هادرة تتردّد صداها في المكان.

هذه الطلقة لم تكن سوى من ذات البندقية، التي يستخدمها الابن الأصغر الآن في تجربة طفولية لمعرفة المدى التي يُمكن أن تصل إليه الرصاصة، لكنها غادرة وتُصيب الزوجة في الحافلة.

في أميركا، تتلقى المربية المكسيكية لطفلين أميركيين اتصالاً هاتفياً من والدهما، طالباً إياها ألا تفارقهما، وعليها اصطحاب الأطفال حيثما تذهب، هذا الاتصال يأتي من المغرب، ومن براد بت تحديداً، والد الطفلين. في اليابان، نلتقي بفتاة صمّاء بكماء ثائرة على وضعها، والدها مطلوب للشرطة في قضية مقتل والدتها.

يجمع إيناريتو ـ منطلقاً من أفلامه السابقة ـ بين الواقعية الصرفة في مشاهدٍ معينة، وبين المفاصل الحلمية في مشاهد أخرى، مقدّماً سينما خالصة تلعب فيها الموسيقا والصوت دوراً عاطفياً وسردياً مهماً، حافراً بعمق في حياة الشخصيات، مستعرضاً ثقافات مختلفة، مصوّراً في ثلاث قارات، قائداً لممثلين محترفين.

وآخرين غير ممثلين بأربع لغات حيّة، هادفاً كسر حواجز طبقية الهويات المتعدّدة، وعدم التفاهم وإهدار الفرص للتواصل، والتي تشكّل في مجملها صلب الحياة المعاصرة. يعلّق إيناريتو: «المشكلة اننا نتحدّث عن الحدود كمكان فقط، بدلاً من الفكرة. أعتقد أن خطوط الحدود الحقيقية هي تلك التي في دواخلنا».

إيناريتو الذي يصف نفسه ب«مخرج المنفى» غادر موطنه المكسيك منذ الصغر، وفي «بابل»، هو لا يجيب عن سؤال «أنا من أين؟»، لكن بالأحرى «إلى أين أتجه؟».

عندما تُصيب هذه الطلقة اللعينة كيت بلانشيت، توّجه أصابع الاتهام مباشرة إلى الإرهابيين، وتقوم قائمة الأميركيين، وأجهزة المخابرات والأمن.

ويتم إهانة سكّان الجبال وتحقيرهم، وتدخل الفوضى من باب الأحكام المسبقة على أناس لا حول لهم ولا قوة سوى أنهم عرب، ما يؤدي بعد ذلك إلى كارثة إنسانية. في الجهة الأخرى من القارة الأميركية، عندما تشدّ المربية رحالها عائدة إلى أميركا بصحبة الطفلين الأميركيين، يستوقفها حرس الحدود الأميركية، ومرّة أخرى، بسبب عدم التواصل ورعونة التعليمات، يطلب الحرس إثباتاً من المربية بوصايتها على الطفلين، وإلا فإنها ستُتهم بتهريب أطفال، ما يؤدي بعد ذلك إلى كارثة إنسانية أيضاً.

بينما في اليابان، يُحاول الأب التواصل مع ابنته الصماء/البكماء وسط مدينة تُصنّع وتصدّر أحدث تكنولوجيا الاتصال، لكن الفتاة تذهب إلى الخيار الجسدي المتطرّف كطريقة للتعويض عن الحب، وللحاجة إلى تطوير لغة تواصل: «عندما لا تكون لمسة الخطاب الشفهي خياراً، حينها يُصبح الجسد أداة وسلاحاً للتواصل» كما يصف المخرج.

في «بابل»، أراد المخرج أن يستكشف التناقض بين الفهم السائد بأن هذا العالم صغير ـ على الرغم من تعدّد وسائل الاتصال الجديدة ـ وبين الشعور القوي بأن البشر لا يستطيعون التعبير والاتصال مع بعضهم بعضاً لحد الآن.

يتفادى إيناريتو في طريقة سرده لقصص الشخصيات استخدام وجهة نظر خارجية، ولتحقيق ذلك يلجأ إلى آلية يسميها «المتابعة والامتصاص»، حيث يرصد بعناية ثقافة وعادات كل شخصية دون أن يضفي عليها من فكره شيئاً، ويمنح الفرصة لغير الممثلين ليطوّروا ردّات فعلهم في مواقف قد تحتمل معانٍ مغايرة حسب تفسيرها من دولة لأخرى.

من الناحية التقنية، يتشكّل الفيلم ويتلوّن بصرياً باختلاف المدن، وطبيعتها الجغرافية، فاللون في صحراء الجنوب المغربي الداكن، يختلف عن صحراء الحدود المكسيكية/الأميركية المائل إلى الصفرة الباهتة، كما يختلف عن حداثة طوكيو التي تقترب إلى الزرقة، لون الحزن والوحدة. يقول رودريغو بريتو، مدير التصوير:

«بصرياً، أردنا تقديم الرحلات العاطفية للشخصيات من خلال الاستخدام المتباين في المادة الخام. شعرنا بأن الاختلافات الطفيفة في جودة الصورة لكل قصة سوف تساعد في تعميق تجربة الإحساس بالتواجد في مناطق مختلفة جغرافياً، وعاطفياً. ومن ثم، جمعنا رقمياً الفورمات المختلفة على شريط نيغاتيف واحد، بنفس الطريقة التي توحّدت فيها الثقافات واللغات في الفيلم».

كل منطقة جغرافية لعبت دوراً في حياة المخرج إيناريتو: عندما كان في السابعة عشرة، سافر في رحلة إلى المغرب، ومنذ اللحظة التي تعرّف فيها على ومضة الصحراء، وروحانية الجبال، قرّر بأنه سيصوّر فيلماً هناك يوماً ما، وحدث ذلك في اليابان أيضاً عندما أسرته في زيارته الأولى، بينما عاد إلى موطنه ومكان ولادته (وُلد في 1963) المكسيك ليصوّر عبوره الرمزي إلى الولايات المتحدة، مكان استقراره الجديد في لوس أنجليس.

بدأ إيناريتو حياته المهنية في عام 1986 مذيعاً لبرنامج موسيقي في محطة إذاعة مكسيكية، ثم درس السينما والمسرح، ثم مؤلفاً موسيقياً لأفلام مكسيكية. أخرج فيلمه الأوّل «أموريس بيروس» أو «حياة بائسة» في العام 2000.

وحصد أكثر من 53 جائزة دولية، ورشّح لأوسكار أفضل فيلم أجنبي. في عام 2001، أخرج الفيلم القصير «برميل بارود»، ليتبعه بفيلم قصير آخر في العالم التالي بعنوان «ظلام» ضمن سلسلة الفيلم الطويل «110901». كما أخرج مؤخّراً فيلم «21 غرام».

 

«كيف الحال» في سوق «كان»

كان ـ «البيان»: في عرضٍ أوّل، حضر الفيلم السعودي «كيف الحال» في سوق كان، على هامش المهرجان. الفيلم من إخراج الفلسطيني ايزيدور مسلّم عن قصة كتبها الناقد السينمائي اللبناني محمد رضا، وسيناريو المصري بلال فضل.

يأتي هذا الفيلم الأوّل ضمن سلسلة أفلام خليجية قرّرت الشركة المنتجة «روتانا» إنتاجها تباعاً حسب تصريح المنتج أيمن حلواني، الذي قدّم الفيلم وسط حضور عربي وأجنبي مكثّف.

الفيلم من بطولة هشام الهويش، تركي اليوسف، ميس حمدان، فاطمة الحوسني، ومحمد العامري حول عائلة سعودية يتصارع فيها الابن المتدّين مع أفكار العائلة المتحرّرة بالنسبة إليه. وفي عروض السوق أيضاً، تم عرض الفيلم السعودي الآخر «ظلال الصمت»، من إخراج عبدالله المحيسن.

البيان الإماراتية في

27.05.2006

 
 

خذلني الفراغ الفكري وأفلام الكبار

بــــولاك لا يـــلـقـــي الدروس ونـــافــــارا  يـســـحــق القـــــلـوب

من هوفيك حبشيان:  

لم ينتظر المخرج الاميركي سيدني بولاك، الآتي الى المهرجان ليقدّم فيلمه "سكيتشات فرانك غيري" وليعطي درساً سينمائياً، الا الكلمة التي القاها تييري فريمون لتقديمه الى الجمهور، قبل ان يعتذر من الحاضرين متسلحاً بتواضع الاميركي الموجود وسط حشد من الفرنسيين الخبراء بالسينما: "لا اجد نفسي في وضع من يلقي محاضرة او درساً"، قبل ان يترك لصديقه الناقد السينمائي الكبير ميشال سيمان الذي تولى ادارة الجلسة (سبق أن حاورته "النهار")، مهمة ان يدخل في تفاصيل مشوار انطلق في ستينات القرن الماضي وانتج 20 فيلماً. روى بولاك في هذا اللقاء المثير بدايات انطلاقته السينمائية، ودخوله الاخراج صدفة بعدما تابع دروساً في التمثيل المسرحي، لكنه، حسبما قال، فشل في هذا المجال وتحول لاحقاً الى مدرّس فن دراماتيكي. في المقابل لم يكن انجاز الافلام حلمه منذ صباه، إنما رحلة يقوم بها الى احضانها بعد ظهر السبت في صفته مشاهداً ليس أكثر.

اختار بولاك الاخراج بعدما شجعه كل من برت لانكستر وجون فرانكنهايمر. في اولى تجاربه خلف الكاميرا، يعترف بولاك بأنه لم يعرف ماذا يفعل، كانت لديه اسئلة ممثل يطرحها على ذاته لا اسئلة مخرج. وكان دوماً يولي الاهمية للتمارين التي اعتادها في العمل المسرحي، ولاحقاً بات يكره التمارين.

سأله سيمان عن سبب انجذابه الى الحقبة القديمة والفيلم التاريخي في بداياته، فقال ان السينما، مثل الادب والخيال والرسم، تتيح المجال للعودة الى الخلف، ولا احد يستطيع مجادلتك على واقعية ما تقدمه. وعزا سبب ذلك الى رغبته بتقديم شيء غير حقيقي. وعن تعاونه مع الممثل روبرت ردفورد، قال: "عندما يعطى لكَ أن تتمتع بترف العمل مع ممثل مثله ، فلِمَ لا؟ كان ردفورد شريكاً و"أنا آخر" بالنسبة إليَّ. احياناً يسألونني: ماذا تشعر وانت مجبر على العمل مع النجوم؟ يقولون لي ذلك كأن احدهم وضع مسدساً على صدغي ليجبرني على ذلك. كما روى فصولاً من تصوير "جيريميا جونسون" الصعب جداً، وكيف ضحّى براتبه لينجز الفيلم، والارهاق النفسي والجسدي الذي تعرض له.

من هنا وهناك

في لقاء مع الممثلة - المخرجة نيكول غارثيا التي عرضت فيلمها "بحسب تشارلي"، سألتها: "لماذا لا تحسن المخرجات تصوير الرجال مثلما يصور المخرجون النساء. فكان ردها: لست مسؤولة عما انجزته المخرجات الاخريات. لا اعترف بما هو قبلي".

في دورة شحيحة بالمفاجآت، وخصوصاً في المسابقة الرسمية، كان ينبغي البحث في الاقسام الموازية عن اي جديد جمالي وفني وسينمائي، لعله يعوّض عن الفراغ الفكري وانعدام الرؤى السينمائية اللذين هيمنا على الافلام التي تتسابق لنيل الجائزة الكبرى. هكذا، وبعدما خذلتني مجموعة افلام لكبار السينمائيين (المودوفار، موريتي، كوريسماكي)، اخذني الفضول الى صالة "ميرامار" حيت تقام تظاهرة "اسبوع النقاد" الذي ننتظر نسختها البيروتية في منتصف الشهر السابع، وهناك كان الاكتشاف الاكبر لفيلم مكسيكي "دراما/ ميكس" هو الاول لمخرجه خيراردو نافارا، الذي انجز عملاً يعتبر غاية في الخلق والجمال السينمائيين، من دون موازنة وبمشاركة ممثلين غير محترفين. بيد ان النتيجة تتخطى التوقعات كلها، فنبرة الشريط صحيحة وغير مفتعلة والشخصيات المهمشة التي يروي مأساتها الوجودية صادقة، والاسلوب التصويري الذي اختاره يمنح الفيلم واقعية تسحق القلوب.

جريئة كانت صوفيا كوبولا في المعالجة السينمائية التي قدمتها لقصة الزوجة النمسوية للملك لويس السادس عشر، "ماري - انطوانيت"، التي حمل الفيلم اسمها. فالعمل الطموح لا يسعنا تصنيفه الا في خانة الهجانة و"البندقة" السينمائية لإفلاته من قبضة متطلبات الفيلم التاريخي الحافل بالازياء والديكورات الضخمة. أزالت كوبولا الغبار عن الفيلم التاريخي لاستعانتها بأشكال سينمائية جديدة وموسيقى روك تصطدم بمعطيات تلك المرحلة. مع "ماري - انطوانيت"، تؤكد صوفيا أنها بنت ابيها، صاحب الكلاسيكيات، وبخاصة تتشارك جينات صاحب "واحدة من القلب" الذي شكل مغامرة سينمائية دفع كوبولا ثمنها باهظاً.    

المخرج لوكا بيلفو الذي اشتهر بالثلاثية التي اخرجها، قدّم في اطار المسابقة الرسمية فيلماً جميلاً يدعى "السبب الاضعف" استوحاه من حدث عرضي عكس همومه وهواجسه كمواطن وكسينمائي. يتمحور الشريط حول مجموعة من الاصدقاء يقررون القيام بعملية سطو منظمة. يترجح الشريط بين اسلوبي الـ"ثريللر" والدراما الاجتماعية التي يعبّر من خلالها هذا المخرج عن رأي مفاده ان أفراد المجتمعات الحديثة اقل تضامناً بعضهم مع البعض الآخر. قال بيلفو في مؤتمره الصحافي: "فيلمي يطرح أسئلة على نحو مباشر، لكن لا اعتقده عملاً ملتزماً. انوي ايصال اصوات الضعفاء". وفي سياق الحديث، ذكر بيلفو اسم روبير غيديغيان الذي انتج فيلمه السابق، والذي يكن له المخرج اعجاباً كبيراً رغم ان افلامهما لا تتشابه البتة.

كرّم المهرجان الممثلة الفرنسية القديرة دانيال داريو في احتفال حاشد، هي التي تضمن مسارها السينمائي افلاماً لكبار المخرجين (شابرول، اوفولس، مانكيفيتس)، وذلك لمناسبة اطلالتها الجديدة في فيلم "فرصة جديدة" للمخرجة آن فونتين حيث لعبت دور ممثلة طاعنة في السن يجري استقبالها في مركز اجتماعي.

لم يكن جون واين غائباً عن الدورة الحالية، وإن لم يتسلق السلالم. فثمة عملان يخلّدان مرة اخرى عملاق الوسترن، ويقدّمان في قسم "كلاسيكيات كان"، أولهما "سجينة الصحراء" لجون فورد الذي عرض في نسخة جديدة لمناسبة مرور 50 عاماً على انجازه، والثاني وثائقي لجون بولارد "جون واين/ جون فورد - صانع الافلام والاسطورة". يؤرخ الشريط لخمسين عاماً من التعاون بين شخصيتين اساسيتين في تاريخ السينما الاميركية.

مما لا شك فيه ان "بابل" لاليخاندرو غونزاليث ايناريتو هو احد المرشحين لنيل "السعفة الذهب" لهذه السنة. في اي حال، هذا ما سمعناه على الـ"كروازيت" واستنتجناه من بعض الترجيحات لنقّاد يعرفون جيداً ذوق رئيس لجنة التحكيم وانغ كار - واي. وعليه، يجب الاعتراف ان هذا الشريط المتشعب الذي يدور على ثلاث قصص متداخلة، يتطور على نحو متواز، كما في تحفته "حب كلاب"، ويستحق التفاتة من القيّمين على المهرجان، ليس لعدم وجود من ينافسه، بل لأنه اعتراف بسينمائي سلك درب الكبار منذ أول  تجربة له. والآتي، على ما أظن، اعظم.

أفضل دواء لتقنع نفسك بعجزك عن محاورة مخرج من طراز فرنسيس فورد كوبولا، (لضيق وقته)، ان تقول إنك وسط زحمة الافلام هذه، لا بد ان تكتشف مخرجاً، وتحاوره، وهو في طريقه الى ان يحل مكان كوبولا بعد 20 عاماً.

رغم عدم تجاوب بعضهم مع "صديق العائلة"، وجدت ان هذا الفيلم للمخرج الايطالي باولو سورينتينو مميز فعلاً في كيفية إلقاء الضوء على موضوعات مثل الوجع والحب والتصالح مع الذات والحكمة في مواجهة الجنون. يطرح مخرج "تداعيات الحب" اشكاليات عدة من صميم التجربة الانسانية، ويحبكها في اطار جمالي متين. يعبق السيناريو بروائح سينما ايطالية نستطيع ان نقول إنها تولد من محاولة جادة في اثبات قدرتها الدائم على التمرد على الاشكال كافة. قد لا يرى رئيس لجنة التحكيم في هذا الفيلم مادة تستحق جائزة ما، لكن اكبر جائزة ان يساعد هذا الفيلم في بناء الهوية الجديدة للسينما الايطالية، وهي احوج ما تكون الى ذلك.

ثمة موجة جديدة في السينما العربية تحاول هدم المحظورات الدينية والسياسية، آخرها فيلمان سعوديان وصلا الى "مهرجان كان" وفي نيتهما كسر الحواجز التي تحول دون وجود سينما سعودية. الا ان النيات الحسنة ليست دوماً مصدر ايحاء قيّم. يذكر ان بطاقة الدعوة لحضور الفيلم وصلتنا بعد انتهاء العرض بيومين.

النهار اللبنانية في

27.05.2006

 
 

يوميات مهرجان"كان" السينمائي... (9)

“البنات دول” فيلم تسجيلي بقوة الدراما

"كان" محمد رُضا:

شهد فيلم تهاني راشد “البنات دول” اهتماماً نقدياً جيّداً من قبل الذين شاهدوه في إطار دورة مهرجان “كان” الحالية. إنه فيلم تسجيلي اختير رسمياً للعرض خارج المسابقة حول موضوع العدد المتزايد من الفتيات الصغيرات اللواتي يعشن بلا مأوى في شوارع القاهرة. عن العنف، الاضطهاد والحرمان. يترك أثراً في الذات يكاد لا يمحى. الفيلم أثار حزن هذا الناقد وإعجاب المخرج يسري نصر الله والتالي مقالتان، واحدة من كل منهما، عنه.

مجموعة كبيرة من أفلام هذه الدورة تتعامل مع حال الفرد والعالم. هناك صرخة يقوم سينمائيون عديدون بتسجيلها وهي تدوي من كل مكان. من الشرق والغرب والشمال والجنوب ومن أوروبا وآسيا وأمريكا. الأصوات تمزّق السكون. تهدر في الآذان. تدمع العيون. لكن للأسف ليس كل سكون ولا كل آذان ولا كل أعين. الجار السابع بعيد عنا، والسادس ومن هو دون ذلك. أحياناً نحن وحيدون سلباً. نقرر ألا علاقة لنا بما يحدث من حولنا. لكن لا أحد منا جزيرة.

في عالم يكبر في حجم ساكنيه وفي حجم مشاكله، ويصغر في المساحة هناك الكثير مما تقوم السينما بتسجيله. ليس فقط أن فيلم المخرجة المصرية تهاني راشد التسجيلي “البنات دول” يقدّم شهادة حيّة عن عالم نلحظه ولا نتوقف عنده. ربما لأن الحل ليس بأيدينا، او هكذا نقول مستسلمين. الأرجح أن مشاغلنا ومشاكلنا الحياتية تجعلنا نحتفظ برادع تنزلق على سطحه المشاكل الأخرى ولو كانت أكبر حجماً من مشاكلنا.

لكن “البنات دول” الذي يوفر هذه الأفكار وسواها بسبب حسن استخلاصه للحالة المطروحة، وبسبب قوّة عين السيدة راشد حين تريد أن تلتقط الظواهر والملاحظات لتثري بها الحالة المعروضة، ليس الوحيد في هذا المجال. بعض أفلام الدورة تشترك في أنها تريد أن تلفت نظرنا جميعاً الى هذه المشاكل وأن تحسسنا الأوجاع الناتجة.

ما الذي يتطلّبه الوضع لكي يتم إنقاذ ما يجب إنقاذه؟ يتلقف المشاهد هذا السؤال خلال مشاهدته “البنات دول” وقد استحوذت عليه أمنية التقدّم بجواب. يريد أن يتبرّع به. أن يكتب للمسؤولين او يتبرّع لجهة لديها الحل، او قد يشعر بأن الأوان حان لثورة من تلك الثورات البركانية التي تؤدي الى أوضاع جديدة.

في كل الأحوال، هناك غصّة عميقة يسببها “البنات دول”. ربما لأن الفتيات اللواتي تقوم المخرجة تهاني راشد بمقابلتهن وتصويرهن لهذا الفيلم بريئات من كل ذنب. وفي ذات الوقت ضحايا لكل فرد في المجتمع الذي حولهن. ربما لأن الموضوع يفتح ذلك الجرح الذي نعرف أنه موجود. او ربما لأن الفيلم ذاته واقعي، خال من الغش. نعم هناك بعض المشاهد التي لابد أن المخرجة رتّبت حركة الفتاة التي تصوّرها لكن تلقائية تلك الحركة ما زالت موجودة وهي تنتمي الى الشخصية وليس الى المخرجة.

ما يسجّله الفيلم في رأس خانته هو القوّة التي اكتسبتها فتيات الشوارع الماثلات على الشاشة لأكثر من ساعة. لا تعتقد انهن فتيات ضعيفات لمجرد أنهن إناث او صغيرات. الضعف هو حالة نسبية. نعم كل واحدة هشّة في جانب لكنها قوية في جانب مضاد. كل منهن قد تسقط (بعيداً عن الكاميرا) تحت ثقل المحيط والواقع والظروف، لكنها لم تكن لتسقط لولا أنها أيضاً ارتفعت. الظاهرة سجّلتها أفلام مصرية من قبل، لكن “البنات دول” يلفت النظر الى العالم نفسه الذي نراه من حولنا والذي اعتدنا صرفه من يومياتنا من دون أن ننجح. وكيف ننجح إذا ما كنا طرفاً مسؤولاً عنه؟

المخرج يسري نصر الله يكتب عن فيلم تهاني راشد.

من الذي قال إن الأفلام العظيمة تصنع عندما يختبر المخرج موضوعه ويستحوذ على شخصياته؟ فيلم تهاني راشد “البنات دول” يبرهن على عكس ذلك. فيلم يؤكد أنه لكي تصنع فيلماً جيّداً عليك أن تسبر غور موضوع صعب وغير اعتيادي.

ماذا كانت تهاني راشد تعلم عن أطفال شوارع القاهرة؟ ليس الكثير. الجميع يلاحظهم في كل مكان. أحيانا نتصدّق عليهم ببعض المال القليل، لكننا نجهد في سبيل ألا نتطلع الى أعينهم بل ألا نراهم مطلقاً.

والمرء لابد أن يتساءل ما هو الأمر الذي دفع تهاني راشد للاهتمام بهم، ثم تحقيق هذا الفيلم لكي تخبرنا ماذا رأت.

الفيلم يعكس جيّدا دافعها. البنات جميلات، جميلات جداً ويحملن أسماء: تاتا، مريم، عبير، دنيا، رضا... وتم تصويرهن كما لو كن “سوبر نجوم” فيما لو رغب مخرج ما تحقيق أمانيهن بالتحوّل الى ممثلات معروفات. أتاح لكل واحدة إنجاز حلم حياتها. الفتيات يضحكن، يرقصن، يبكين، يغنين ويركبن الخيول. يتشابكن فيما بينهن وضد الأولاد. يدخّن ويشممن الصمغ، يتحدّثن في السياسة ويتعاركن مع آبائهن الذين يظهرون من حين لآخر.

نعم يضعن ويهتممن بأطفالهن. ببساطة: يعشن.

تهاني لا تسأل اسئلة من نوع “لماذا تركت البيت؟” فمن الواضح أنهن وجدن حرية أكبر في الشوارع التي هي أقل قسوة من البيوت التي ولدن فيها. هنا يستطعن التنفس. ونستطيع أن نرى.

“البنات دول” فيلم جميل والفيلم الجميل هو الذي يدور في الزمن الحاضر. و”البنات دول” لا يدور الا في الحاضر الذي يقول كل شيء. بالتأكيد هناك أيضاً مستقبل.

فيلم المسابقة " ...أضواء في الغسق"

إخراج: آكي كورسماكي.

تمثيل: يان هيتيانن، إلكا كوفولا، ماريايارنحلمي.

فنلندا- دراما اجتماعية/ عاطفية (المسابقة)

تقييم الناقد: ***

“أضواء في الغسق” أضعف من أن تنير الطريق لهذا الفيلم في عروضه العالمية. فيلم للفنلندي آكي كورسماكي الذي عالج موضوع الوحدة في المدينة الباردة مرّتين، على الأقل من قبل، مرة في “غيوم نازحة” و”رجل بلا ماضي”، يعود الى هذا الموضوع في فيلمه الجديد لكنه يخفق في صنع عمل يتجاوز وضعية الفيلم الصغير. بعض تلك الأفلام تستطيع أن تطرح ما هو أكبر من ميزانيتها او حجمها فترتفع بذلك. هذا الفيلم لديه إمكانيات لا يستغلها وعين تلاحظ بكثرة لكنها تكرر ملاحظاتها جاعلة الفيلم يبدو حالة محدودة من النقد الاجتماعي كما من السعي الفني.

هذا هو عالم كورسماكي: المدينة في الليل، عند طرفي النهار وفي أزقتها وأماكنها غير المتعصرنة. بطله هنا اسمه لونر، ولونر بالإنجليزية يعني الوحيد. يقوم به ممثل شبيه بالأمريكي ميكي رورك اسمه يان هيتيانين. لا يصرف الفيلم أي وقت للإبحار طويلاً في هذه الشخصية. هي بدورها لا تملك بحراً وسماتها معروفة: رجل وحيد ليس لديه صديقة ولا عائلة. يعيش وحيداً. يتحمّل عزلته من قبل رفاق العمل. يأوي كل ليلة الى فتاة تدير محل سندويشات متحرك على عجلات تديره إمرأة متواضعة الجمال تقابله ببرودة وأحياناً ما تقرر إغلاق محلّها بعده مباشرة. في يوم تلتقي به إمرأة بلا قلب تصادقه وتوهمه بحبّها وبما أن لونر، فوق كل شيء، ليس بالرجل الواعي او الذكي فإنه يصدّق ما تبوح به صوبه ويعتقد انه وجد في النهاية المرأة التي تتمناه. لكن هذه المرأة، واسمها ماريا (ماريا يرفنهلمي) على علاقة بعصابة تريد دس حصان طروادة، ممثّلاً بماريا، لكي يتسنى لها سرقة مفاتيح مؤسسة أمنية لكي تسرق بعض المجوهرات منها. هذه الخطة تتم لكن لونر لا يريد أن يصدّق أن ماريا يمكن أن تخونه. حتى من بعد أن أدرك أنها دسّت جزءاً من المسروقات في منزله لكي يتم إلقاء القبض عليه متلبّساً، لا يعترف ولا يقر او يبوح بدورها ويتحمّل سنوات سجنه ليخرج بعد ذلك الى العالم باحثاً عن عمل ما (يجده كغاسل صحون في مطعم).

كان من المفيد للفيلم لو أن بطله استخدم بعض القدرة على التفكير حتى ولو لم يستطع استغلاله على النحو الصحيح. لكن ما لدينا هو حال شخص لا يفكّر وحين يفكر لا ينجح في الإقدام. والحال هذه، يتساءل المرء كيف اعتقد المخرج أن شخصيته هذه يمكن أن تكون مثيرة؟

لقطات المدينة المسكونة ببرودتها وحواجزها موجودة يستخدمها المخرج كلما حاول الربط بين القصة الفردية والحالة الاجتماعية السائدة. لكنها تبدو الآن، على عكس ما بدت في “رجل بلا ماضي” “كليشيهات”. الفيلم يرزح تحت ثقل الفراغ الذي ابتدعه المخرج تماشياً مع أسلوبه الخاص. إنه الفراغ الذي يريد تجسيده والذي جسّده الى درجة أنه أصبح الفيلم نفسه.

المفكرة ... ولادة السينما السعودية

هذا هو اليوم التاسع من أيام المهرجان. الأفلام تزداد حرارة وتنوّعاً والزحام لا يزال على أشدّه. رغم ذلك هناك شيء لافت وخاص هذا اليوم.

صفحة الغلاف من مجلة “فاراياتي” الأمريكية تحمل صورة من فيلم عنوانه “كيف الحال”. هذا هو الفيلم الروائي السعودي الذي أنتجه أيمن حلواني لحساب روتانا وأخرجه ايزدور مسلّم. وكتب قصّته الناقد التي عنها قام السيناريست بلال فضل بوضع الصياغة السينمائية.

لكن، هناك فيلم سعودي روائي أول أيضاً عنوانه “ظلال الصمت” عرض (بما يشبه الصمت) في اليوم ذاته. الفيلم من إنتاج وإخراج السعودي أيضا عبد الله المحيسن والمعالجة الأولى له من كتابة الناقد أيضاً.

بصرف النظر عن مشاعري تجاه حدث يجمعني في فيلم معاً في دورة واحدة (بعد 32 دوره حضرتها كناقد فقط) هناك ما هو أهم وأكبر من الحالة الفردية: في يوم واحد وُلدت السينما الروائية السعودية مرّتين.

هكذا بعد نحو 110 سنوات على اختراع السينما تتم ولادة توأمين للسينما السعودية كل واحد منهما حالة منفصلة من الطرح والأسلوب والموضوع.

لم أستطع حضور “ظلال الصمت” نظراً لأن توقيته تعارض مع توقيت “كيف الحال” لكنه يُعاد عرضه ولن أدعه يفوتني ولو ضحّيت بفيلم من أفلام المسابقة. لكن المسألة المهمّة هي كيف نصون هذه الولادة ونجعلها تترعرع.

للمستقبل هناك فيلم سعودي آخر مقبل تحضّر له المخرجة هيفاء المنصور ومشروع آخر لصالح فوزان يبحث عن تمويل ولا بد أن هناك ما لا علم لنا به يحضّر او يجهّز او -في أضعف الأحوال- يتمنّى.

إذاً، المتغيّرات بدأت في المنطقة بأسرها لدخول عصر جديد. لكنها متغيّرات قد تنتهي وتتوقف في أي لحظة إذا ما تدخلت الظروف الدولية واختلفت النتائج السياسية والاقتصادية عما هي عليه وأدّت الى إشكالات إضافية للمنطقة. لكن التوجّه الحاصل حالياً، في كل دول منطقة الخليج، هو استثمار السينما كصناعة وكتجارة وكإعلام وكثقافة وكسبيل فني للتعبير عن حال الذات او حال المجتمع.

حفلة العرض التي قُدّم فيها فيلم “كيف الحال” كانت بمثابة تجربة بحد ذاتها. الصالة امتلأت وأكثر من في الداخل كانوا لا يزالون خارجها حينما بدأ عرض الفيلم. في كل أفلام “كان” لا بد أن يخرج من الصالة عدد من المشاهدين، يتراوح بين حفنة هي التي تخرج وحفنة هي التي تبقى، لكن مع “كيف الحال” غادر أقل من عشرة أشخاص العرض ودخله في مراحل متفاوتة نحو ستة آخرين. حين أضيئت الأنوار كان هناك ثلاثة مقاعد شاغرة فقط في الصالة.

السبب هو أن الجميع، أعجبهم الفيلم أم لم يعجبهم، كانوا يزاولون فضولاً لمعرفة ما هو هذا الفيلم والى أين يتّجه. كانوا يريدون معرفة كيف تعيش العائلة السعودية وما مدى التحامها؟ لماذا هناك تيار محافظ وآخر متحرر؟ وهل يمكن التوفيق بينهما؟ وجزء كبير من هذا الفضول يعود الى ما أثمرت عنه الأوضاع السياسية العالمية منذ مطلع القرن الحالي.

لكن هذا ليس وحده الدافع لمشاهدة العمل. هناك بالطبع الفيلم نفسه. هل جاء كما ينبغي؟ أين مكامن قوّته وأين مكامن ضعفه؟ وماذا يطرح تحديداً وكيف يطرحه؟

حين انتهى العرض تحلّق الموجودون حول المنتج لا للتهنئة فقط، بل كان هناك العديد من الذين أرادوا طلب الفيلم الى مهرجاناتهم، وآخرون أرادوا شراءه للتوزيع، ومجموعة كبيرة رغبت في إجراء مقابلات.

م.ر

merci4404@earthlin

الخليج الإماراتية في

27.05.2006

 
 

يعرض في كان.. 'يونايتد 93' فيلم مثير حول هجمات 11 ايلول

كان (فرنسا) - من بوريس باشورز  

فيلم 'يونايتد 93' يروي تمرد ركاب طائرة بنسلفانيا على خاطفيهم وافشال مخططهم باسقاط الطائرة في واشنطن.

ابتعدت كان الجمعة عن بريق النجوم لتغرق مجددا في التاريخ المعاصر المضطرب مع فيلم حول "تمرد" ركاب الرحلة الجوية "يونايتد 93" التي كان فيها ثلاثة قراصنة جو هم الوحيدون الذي فشلوا في مهمتهم في هجمات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر.

وعرض فيلم "يونايتد 93" للمخرج البريطاني بول غرينغراس خارج نطاق مسابقة المهرجان بعد شهر على عرضه للمرة الاولى في الولايات المتحدة حيث حل مديح النقاد مكان المخاوف الاولى من احتمال ان يثير الفيلم جدلا.

وفي كان الجمعة اشاد ثلاثة ممثلين عن عائلات الضحايا بالفيلم الذي شاركت في وضعه اكثر من مئة من عائلات الضحايا او اصدقاء لهم.

وقال جوردي فيلت احد اقارب الضحايا في مؤتمر صحافي "كنا نشكك كثيرا حيال هذا المشروع الذي كنا نعتبر انه سيستغل ذكرى الذين كانوا عزيزين على قلوبنا".

واضاف "لكن بول غرينغراس واعضاء فريقه اظهروا الاهمية التي يولونها لاحترام الحقيقة ونجحوا في كسب احترام عائلات الضحايا".

وفيلم بول غرينغراس الذي انتجته استديوهات "يونيفرسال" و"ستوديو كانال" هو اول عمل رئيسي في السينما يتناول مأساة الرحلة "93" بين نيووارك وسان فرانسيسكو.

ويروي كيف ان قسما كبيرا من الركاب البالغ عددهم 44 تمردوا على الارهابيين الاربعة وافشلوا مخططهم باسقاط الطائرة في واشنطن. وقد تحطمت الطائرة في نهاية المطاف في احد حقول بنسلفانيا من دون ان ينجو اي من ركابها.

واوضح تيم بيفان احد منتجي الفيلم "لا يتضمن الفيلم مشاهد كتلك التي تتخلل افلام جون واين او البريق الذي يرافق افلام هوليوود" موضحا "كان من الضروري بالنسبة لنا ان نترك جانبا الافكار المقولبة عن البطولة والوحشية".

وهذا ما اقنع الممثل المسلم خالد عبدالله بتجاوز تحفظه الاولي وتجسيد دور قائد المجموعة الارهابية زياد الجراح.

ويأمل في ان تساهم مشاركته في الفيلم في القاء الضوء على "الاهانة المخيفة التي ارتكبها هؤلاء الشباب التسعة عشر (خاطفو الطائرات الاربع) بادعائهم انهم يمثلون المسلمين في العالم".

ويروي الفيلم الرحلة التي استمرت 90 دقيقة فضلا عن الاحداث التي شهدها يوم الحادي عشر من ايلول/سبتمبر 2001 الذي طبع التاريخ المعاصر.

وتشكل المشاهد الكثيرة في برج المراقبة في مطار نيووارك وبوسطن وفي المقر العام لسلاح الجو الاميركي وهيئة الطيران الفدرالية فيلما وثائقيا يخطف الانفاس مع استيعاب الاطراف المختلفة تدريجيا حجم الحدث الذي يشهدونه.

وتجدر الاشادة خصوصا بمسؤول ادارة الطيران الفدرالية بن سليني الذي جسد شخصيا في الفيلم دوره وكان قد تسلم مهامه رسميا صباح الحادي عشر من ايلول/سبتمبر. وبعد ساعات على توليه مهامه اتخذ قرارا لا سابق له بارغام كل الطائرات الـ4200 التي كانت تحلق فوق الاراضي الاميركية، على الهبوط.

وسبق بول غرينغراس الى كان المخرج الاميركي اوليفر ستون الاحد الماضي الذي عرض عشرين دقيقة من فيلمه المقبل "وورد تريد سنتر" حول شرطيين علقا في احدى برجي مركز التجارة العالمي في 11 ايلول/سبتمبر. ويعرض الفيلم للمرة الاولى في الولايات المتحدة في التاسع من آب/اغسطس.

ميدل إيست أنلاين في

27.05.2006

 
 

<بلديون> بوشارب و<فلاندرز> دومونت في مهرجان <كان>

الشهداء رغماً عنهم مع آدم الدموي وحواء المازوشية

زياد الخزاعي  

حربا المخرجين المميزين الجزائري الاصل الفرنسي الهوية رشيد بوشارب وشريكه الفرنسي القحّ برونو دومونت تستكملان صورة فواجعهما من زاويتين مترابطتين: إنسانها (وقودها) الذي يسبّق وحشيته قبل احقية الانتصار أو استحقاق الهزيمة، وتأريخها الذي يُكتب دوماً حسب ارادة القوي والمنتصر. لدى بوشارب فإن حربه التي عرضها في جديده الملحمي <بلديون> (او كما سُمّي تحت عنوان ثانٍ <أيام المجد> وعرض داخل المسابقة الرسمية) ليست قنابل وساحات وعن وجثث متناثرة ومنتصرين وخاسرين، انها اتعس من الدم الذي يُساج في المواجهات بين جيغيين عدويين، هي تكمن في سرقة الذاكرة والذكرى واغماط بطولات واستشهاد لمئات آلاف من المتطوعين الافارقة الذين انخرطوا بوعي وارادة او من دونهما في الدفاع عن المحتل النازي وحكومة فيشي العميلة. اولئك الافارقة الذين شدوا عزائمهم للوقوف، رغم احتلال فرنسا وغيّها وجرائمها الاستعمارية جنباً الى جنب ابن البلد الاصلي للذود عن إرضها وإنسانها وشرفها. هؤلاء هم <البلديّون> او المواطنون الاصليون، الاهالي القادمون من المستعمرات الفقيرة.

في حالة دومونت فقد ركز نباهته السينمائية على صناعة القاتل والوحش كما فعل الاميركي ستانلي كوبريك في <طرق المجد> و<مخزن رصاص كامل> ذلك المدني الذي سيستدعى الى الخدمة العسكرية، لتعاد صياغة كينونته البشرية، ويحوّل من انسان عادي الى كتلة هائلة من الشر والغيّ، في شريطه الرابع <فلاندرز> (بعد <حياة المسيح> (1997) عن جريمة عنصرية في ريف فرنسا المعاصرة، و<الانسانية> (1999) عن جريمة جنسية في قرية وادعة، و<29 نخلة> (2003) حول عشيقين يمارسان طلقهما الجسدي في فيافي الولايات المتحدة، يستلّ شباباً ريفياً من كمونهم الرتيب واضعاً اياهم امام واجب القتل والقتال وتبعات القوة واستحقاقات الموت. ولئن كانت حرب بوشارب واضحة التاريخ (الحرب العالمية الثانية) فإن دومونت خلق حرباً ليس لها وجه ثابت او محدّد، انها الحرب وحسب، جنودها مكلفون بأوامر تأتي من قيادة غامضة، وفي مواجهة عدو يعرف ارضه وجغرافيتها، فيما يتحصّنون (الجنود) بعدّتهم الماحقة و<الذكية>. بوشارب ذهب الى عمق اوروبا وتحريرها، دومونت نقل ابطاله الى الصحراء، (ويمكن ان تكون عراقية او افغانية لا فرق)، الا ان كلتيهما اجتمعتا على ذوات المقاتلين، يومياتهم، سعيهم المتماوت للبقاء أحياء، جزعهم على عائلاتهم وأحبائهم، تفانيهم على بعضهم الآخر، إجماعهم على <قدسية> الامر العسكري مهما كان ضاغطاً أو بلا إنصاف. هؤلاء كائنات مرتهنة إلى البندقية ورصاصها وخطة القتال، في وقت تبدو عواطفها مؤجلة إن لم تكن ملغاة.

استقبال نقدي

لا ريب في أن <بلديون> يكشف جزءاً من الخيانة السياسية الفرنسية لأفراد الجيش الافريقي الذي شُكّل عام ,1930 وتفردت فرقة شديدة البأس منه تشكلت من متطوّعي شمال افريقيا وسمّيت باسم بربري هو <زوافيرز> (أو زواواز) تعدادهم 290 ألف جندي (قُتل منهم 29 الفاً واختفى 8 آلاف آخرون!)، فما إن تمّ النصر استعدوا لمحاصصته، قلة منهم حصلت على فضيلة التجنس، فيما أُعيد القسم الأكبر منهم الى بلادهم ترغيباً او قسراً. ما هو أساسي هنا المسعى الفرنسي الرسمي إلى شطبهم من لائحة المنتصرين. ومن هنا سنفهم الاستقبال النقدي وردّ الفعل الإيجابي على توقيت إنجاز بوشارب لشريطه (128 دقيقة) الذي تزامن مع الفورة السياسية التي فرضتها معارك الشوارع في المدة الفرنسية، ضمن انتفاضة أبناء وأحفاد مهاجري القارة السوداء، فما أنجزه الأجداد لم يمت مع الوعي المتنامي للجيل الجديد الذين قرروا المسك بزمام المبادرة هذه المرّة.. ولكن بعنف معاصر!

بالمقابل جمع دومونت شلته الشبابية في ريف الفاندرز الشمالية، بعد مقطع تقديمي غلب عليه التعريف بهم وارتباطاتهم العاطفية ومهابة حياتهم، ديمستر (الممثل صموئيل بودين) الصموت والانعزالي لا يكفّ عن رعاية أرضه وحيواناته، ناذراً نفسه وقوته كما أجداده في المحافظة على خصبها وخيراتها، يفرغ شحناته الجنسية مع الصبية باربر (الداليد ليرو) التي نكتشف لاحقاً أنها صاحبة زلات جسدية متعددة مع أغلب شباب القرية، إضافة الى معاناتها من انكسار عصبي ورثته عن أمها الراحلة. هذه الشخصية هي بمثابة رحم جماعي (كما الأرض التي نرى المحراث الحديدي لماكينة ديمستر وهي تحرث فيها بقوة)، لكن من دون إنتاج (وهي تفصيلة فلسفية لعطبها العائلي والاجتماعي)، وفيما نرى الشباب وقد وصلتهم رسائل الاستدعاء للانخراط بالحرب، تكون باربر نذيرا للمقتلة الكبيرة، التي ستحصدهم ما عدا البطل الذي سيعود ليدفع ثمن اعترافه الصاعق ففي أرض الوغى وأثناء معركة تصفية منظمة (بعدما يغتصبون امرأة مقاتلة جماعياً) سيترك ديمستر رفيقه بلوندل مثخنا بجراحه كي يواجه رصاص الإعدام، ومع هروبه الجبان تكون هذه الشخصية قد كشفت عن خستها التي كانت مخفية بصمته وجفاف عواطفه. السبب ان القتيل عرف عبر رسالة باربر أنها حامل بطفل أحدهما، بيد أن حالات عصابيتها ستفرض على النظام الاجتماعي إلغاء قدومه الى الحياة وترغمها على إجهاضه. فنجاستها لا يمكن أن تنتج كائناً مثالياً، أسوة بالشخصية الرئيسية الذي سيعود من حربه، ويعترف بدناءته وهو يسكب دموع خيبته المتأخرة.

وحشية ديمستر التي صاغتها الحرب والمعارك والدم وجه آخر الى خطل نفسية باربر، وكلاهما لا يتماشيان مع روعة الطبيعة وبكارتها من حولهما، الرجل (آدم في وجهه الأكثر دموية) ينحرف حقداً وتآمراً والمرأة (حواء المازوشية الدوافع) تضع جسدها أمام رغبات الذكور من دون أن تحقق ولو لمرة واحدة إشباعاً. والإشارة واضحة من دومونت (ولد عام 1958) ان وحشيتنا كامنة في أعماقنا ولا تحتاج سوى الى عوامل مساعدة لقضمها، ان كانت الحرب أم الخراب الذاتي.

يقدم بوشارب نصه دفعة واحدة، الشخصيات الأربعة وسط القتال، متنقلين من أرض الى أخرى ومن مقر الى ثانٍ، فيما يقسم دومونت عمله الى مقطعين مدني وعسكري، ريف ساحر بهدوئه وجماله مقابل صحراء متجهمة، جرداء، مقاتلو بوشارب يعرفون عدوهم، بينما جنود الآخر يطارودن ويهربون من عدو لا يظهر الا مرات معدودة، وفي غالبية مشاهدها، إما ضحايا (كم في المرأة المغتصبة) أو مصفو حساب، أما اللعنة المشتركة بين الفيلمين فهي تنهال على سياسة الحرب ومحازبيها وقادتها.

(كان)

السفير اللبنانية في

27.05.2006

 
 

مساء اليوم توزع الدورة الـ59 لمهرجان «كان» جوائزها وسط تنافس يزداد حدة... أضعف الدورات شهدت أفلاماً قوية وانقسامات حادة

كان (الجنوب الفرنسي) - إبراهيم العريس 

مساء اليوم يختتم مهرجان «كان» السينمائي دورته التاسعة والخمسين، الدورة التي اعتبرها كثر من النقاد، واحدة من أضعف دورات الأعوام الأخيرة، من دون أن يعني ذلك خلوها من الأفلام الكبيرة أو المفاجآت.

هي دورة ضعيفة خاصة بالمقارنة مع ما بدأ يعد به المهرجان المنافس، مهرجان البندقية، ثم بسبب ضعف التبادلات التجارية في سوق الفيلم، الى درجة اضطرت معها مجلة «سكرين» التي اعتادت اصدار عدد يومي خلال أيام المهرجان، الى الاحتجاب في اليومين الأخيرين، فيما قلصت منافستها الرئيسية «فارايتي» عدد صفحاتها وصدرت من دون غلاف - إعلان في الأيام الثلاثة الأخيرة. الصفقات الأميركية الكبيرة لم تكن حاضرة. وكاد المهرجان يبدو فرنسياً - فرنسياً.

طبعاً هذه الأمور لا علاقة لها بالأفلام المتسابقة نفسها، حتى وإن كان من الصعب الحديث عن أفلام ضخمة، لأسماء كبيرة كما كانت الحال في العام السابق. يبدو واضحاً أن البندقية سبق «كان» فحصل على معظم ما هو كبير في عالم السينما هذه السنة. مع هذا كانت هناك أفلام مميزة، والتنافس اليوم يبدو على أشده. وقد تحمل الحفلة الختامية مفاجآت ليست في الحسبان، والرهانات بين النقاد، كل النقاد صاخبة: كل يؤكد أن فيلمه المفضل سيفوز لا محالة. ومجلة «الفيلم الفرنسي» المهنية، حددت منذ الآن «لائحة فائزيها» المفضلين. في اللائحة اسماء كثيرة تعكس تقارباً في المستوى والتقبل بين أفلام وآراء عدة.

في خضم هذا تبرز أمور عدة، معظمها يطاول العقلية الفرنسية مباشرة: ففي حين يقف الأوروبيون الآخرون والأميركيون بقوة مع فيلم «الفرنسيون الافارقة» يتعامل معه الفرنسيون بشيء من اللامبالاة. منذ الآن لا يريحهم فيلم يذكرهم بمن حررهم في الحرب العالمية الثانية. قد يكتفون بتسمية أحد ممثلي الفيلم (الرائع سامي بوعجيلة) لجائزة أفضل ممثل. في المقابل، لم يحب الأميركيون كثيراً فيلم «ماري انطوانيت». لم يرشحها اياً منهم لأية جائزة. الفرنسيون أحبوه ويقولون إنه يستحق السعفة.

أليس هناك اجماع إذاً؟ منذ الآن ثمة اجماع حول «بولير» بدرو المودوفار، كما حول «بابل» لالكسندر اينيراتو، الفيلم المكسيكي - العالمي الرائع الناطق جزئياً بالعربية، والمصور جزئياً في المغرب. وفي المقابل ثمة انقسام، صحي، حاد من حول «فلاندر» للفرنسي برونو دومون. وفي اليوم الأخير للمهرجان، أمس السبت، برز فيلم مكسيكي مفاجئ آخر هو «متاهة بان» الذي يدين الفاشية بعنف من خلال حكاية خرافية للبالغين. فيلم رائع عرض في اليوم الأخير، ويقول البعض إنه قد يقلب الحسابات، كما يقول البعض الآخر إن من سيقلب الحسابات قد يكون الفنلندي كوريسماكي في «أضواء الحي».

أما الأكثرية فقالت بعدما رأت «طائرة يونايتد» عن الطائرة التي سقطت من دون هدفها خلال عمليات ايلول (سبتمبر) 2001 الإرهابية، انه لو كان في المسابقة لكان فاز من دون مواربة. الفيلم عمل تقني كبير حاول ألا يغوص في الرمال المتحركة للسياسة، فقدم، على خلفية سياسية، لحظات انسانية حقيقية قوية.

الحياة اللبنانية في

28.05.2006

 
 

اليوم جوائز "كان"

مولد ممثل مصري في أول فيلم عن 11 سبتمبر

"يونيتد 93" النزاهة الكاملة والبراعة المطلقة

رسالة مهرجان كان: سمير فريد

اليوم تعلن جوائز مهرجان كان السينمائي الدولي ال .59 لا يمكن توقع ما الذي ستقرره لجنة التحكيم التي يرأسها لأول مرة مخرج من الصين وهو دونج كار واي المعروف بمزاجه الخاص جداً. والأقرب إلي التجريب في مسابقة تجمع بين كل اتجاهات السينما التجارية والفنية كالعادة. ولكن يمكن أن يقول كل متابع رأيه في الجوائز كما لو كان من حقه أن يقررها. ويري بعد ذلك إلي أي مدي اتفق رأيه مع رأي اللجنة.

رأي كاتب هذه السطور ان الأحق بالسعفة الذهبية الفيلم الأمريكي "بابل" اخراج اليخاندرو جونزاليس إيناريتيو. والأحق بالجائزة الكبري الفيلم الفرنسي "فلاندر" اخراج برونو دي مونت. وبجائزة الاخراج نوري بلجي سيلان في الفيلم التركي "أجواء". وبجائزة لجنة التحكيم الفيلم الصيني "قصر الصين" اخراج لويو يي. أما جائزة أحسن ممثلة فالأحق بها لي هاو عن دورها في الفيلم الصيني. وسيكون من الجميل أن يفوز الممثل الجزائري سامي بوجيلا بجائزة أحسن ممثل عن دوره في الفيلم الفرنسي "أيام المجد" اخراج رشيد بوشارب.

النقاد والنجوم

يعطي 9 نقاد من 9 دول رأيهم في استفتاء تنظمه مجلة "سكرين انترناشيونال" في عددها اليومي أثناء المهرجان. الأفلام ال 5 الأولي في آخر عدد "قبل عرض 6 أفلام من المسابقة" هي الفيلم الاسباني "عودة" اخراج بيدرو آلمو دوف. يليه "بابل" ثم "أجواء". والفيلم الفنلندي "أضواء الغسق" اخراج آكي كوريسماكي والفيلم البريطاني "طريق أحمر" أول أفلام مخرجته أندريه أرنولد.

وتنظم مجلة "فيلم فرانسيه" استفتاء آخر بين 14 ناقداً فرنسياً نتيجته حتي يوم كتابة هذه الرسالة الفيلم الأمريكي "ماري انطوانيت" اخراج صوفيا كوبولا. ثم "بابل". و"عودة" و"أجواء" والفيلم الايطالي "التمساح" اخراج ناني موريتي. والفيلم البريطاني.. الريح التي تهز الشعير.. اخراج كين لوش.

"طريق أحمر" جدير بجائزة الكاميرا الذهبية لأحسن أول فيلم طويل في حدود أفلام المسابقة. وهو الطويل الأول الوحيد فيها. وذلك رغم ضعف نهايته من الناحية الدرامية.

أفلام الأساتذة الأربعة التي لم تذكرها "آلمودوف. وموريتي ووش وكوريسماكي" من الأفلام الممتازة في المسابقة. بل وقد سبق أن فاز موريتي بالسعفة الذهبية. ولكن أي منها ليس من تحف أي منهم. وإذا فاز آلمودوف. أو يوش أو كوريسماكي بالسعفة الذهبية هذا العام فستكون الجائزة أقرب إلي تكريم لمجموع أعماله. أما "ماري انطوانيت" فليس من المتوقع أن يفوز بأي جائزة من جوائز المهرجان رغم حصوله علي أعلي التقديرات في استفتاء نقاد فرنسا.

جريدة "مترو" اليومية مع "بابل". و"هوليود ريبورتر" اليومية في تقريرها الختامي بين "عوده" و"بابل". وكذلك "هيراليد تريبيون" التي لا تصدر في إطار المهرجان. لكنها تتابعه في طبعتها الأوروبية التي تصدر من باريس. ولست مع تود مكارثي كبير نقاد "فارايتي" في تقريره الختامي حيث قال انه "لا توجد أفلام عظيمة في مهرجان كان هذا العام". بل هناك ثلاثة أفلام سواء فازت أو لم تفز هي "بابل" و"فلاندر" و"أجواء".

وهناك من يرشح بينلوب كروز أو كارمن ماورا عن دوريهما في "عودة". ومرة أخري لن يكون من المزعج فوز أي منهما. وخاصة الأول حيث قدمت دوراً رائعاً كما انها نجمة أوروبية عالمية. ويمكن القول بالنسبة للتمثيل انه لا توجد أدوار عظيمة بالفعل. أي الأدوار التي تلفت النظر وتكون موضع الاجماع أو شبه الاجماع. وعلي أية حال وكما هي العادة فإن 5 علي الأقل من أحسن عشرة أفلام في العالم كل سنة تأتي من مهرجان كان سواء داخل أم خارج المسابقة.

المغرب

ما يجمع بين "بابل" و"فلاندر". وكذلك "أيام المجد". أن الأفلام الثلاثة صورت في المغرب. بل وشاركت إحدي الشركات المغربية في انتاج "بابل". كما شاركت الحكومة المغربية في انتاج "أيام المجد". الجدير بالذكر ان سوق الفيلم الدولي الذي ينعقد أثناء المهرجان شهد عرض 45 دقيقة من فيلم أرفين وينكلر الجديد "وطن الشجعان" عن الحرب في العراق وتم تصويره في المغرب التي أصبحت أكثر الدول العربية جذباً للشركات الدولية للتصوير علي أراضيها.

خالد عبدالله

كان حدث المهرجان يوم الجمعة. وختامه الحقيقي. الفيلم البريطاني "يونيتد 93" اخراج بول جرينجراس. والتي توزعه يونيفرسال من شركات هوليود الكبري. انه أول فيلم يجسد أحداث 11 سبتمبر 2001 مع التركيز علي الطائرة الرابعة "يونيتد 93" والوحيدة التي لم تصل إلي هدفها "البيت الأبيض". وفضلاً عن البراعة المطلقة في السيناريو والاخراج والمونتاج والموسيقي وجميع العناصر الفنية. يتمتع الفيلم أيضاً بالنزاهة الكاملة في التعبير عما جري حيث يقدم مجموعة الشباب الذين اختطفوا الطائرة من العرب المسلمين الذين يؤمنون بانهم بما يفعلون يعكسون إيمانهم بدينهم.

ويعلن الفيلم عن مولد ممثل مصري رائع من الممكن أن يكون عمر الشريف الجديد. وهو خالد عبدالله في دور قائد المجموعة الذي قاد الطائرة بعد قتل قائدها الأمريكي. وأغلب دوره صامت ولكنه يعبر بقوة عما يعتمل في داخله بحركته المتقنة ونظرات عينيه التي عكست الإصرار والقلق في نفس الوقت. وبدقة تنم عن الدراسة العميقة. وقد حضر خالد عبدالله المؤتمر الصحفي مع المخرج ومع بني سليني الذي قام بدوره الحقيقي في الحياة "مدير مركز تحكم في الطائرات". ومعهم ثلاثة يمثلون أهالي الضحايا "جوردي فيلت وجاك جراند كولاس وإليسا سترونج".

عشر جرائد يومية في المهرجان

كما هي العادة صدرت عشر جرائد يومية في مهرجان كان وهو رقم قياسي ولا مثيل له في أي مهرجان آخر من المهرجانات الكبري حيث تصدر في برلين جريدة واحدة وفي فينيسيا جريدة واحدة.

الجرائد العشر هي المهرجان الرسمية والسوق الرسمية ومترو الفرنسية. و7 من إصدار "فيلم فرانسيه" و"ايكران توتال" و"بيزنس أوف فيلم" والمجلات الدولية "فارايتي" و"هوليود ريبورتي" و"سكرين انترناشيونال" التي أصدرت يومية خاصة للسوق إلي جانب يومية المهرجان.

الجمهورية المصرية في

28.05.2006

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)