كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

النصف الأول من كان

عواطف آلمودوفار تفيض علي المهرجان.. وتحفة من تركيا تؤهلها لفوز كبير
إعجاب كبير بالفيلم المصري "البنات دول" وأول نقد في الصحافة

رسالة مهرجان كان من : سمير فريد

مهرجان كان السينمائي الدولي التاسع والخمسون

   
 
 
 
 

بعد عرض 8 أفلام من ال 20 في مسابقة الأفلام الطويلة في مهرجان كان 2006 أوشك المهرجان علي بلوغ المنتصف من دون وجود فيلم الاجماع علي السعفة الذهبية. ولايزال الوقت مبكرا علي حديث الجوائز علي أية حال.

المفضل حتي الآن الفيلم الأسباني "عودة" اخراج بيدرو آلمودوفار وتمثيل بينلوب كروز. والأرجح أن يذكر في حفل الجوائز. ولكن المؤكد في تقديرنا الفيلم التركي "أجواء" إخراج نوري بلجي سيلان. وهو تحفة حقيقية. والفيلم الصيني "قصر الصيف" إخراج لويو يي الذي يعتبر فتحا بالنسبة إلي السينما في الصين.. وقد أصدرت وزارة الثقافة في الصين أوامر واضحة يوم الجمعة الماضي بعد عرض الفيلم يوم الخميس بمنع الاشارة إليه في جميع وسائل الاعلام في الصين. والسبب "الرسمي" انه عرض في المهرجان من دون أن تشاهده الرقابة في بكين. وتوافق أو لا توافق علي عرضه. ولكن السبب الحقيقي جرأة الفيلم في تناول "محرمات" مثل ثورة طلبة الميدان السماوي عام 1989. والعري والجنس في سينما تحرم حتي القبلات.

الثمانية الأولي

من الأفلام الثمانية الأولي التي برزت في النصف الأول أيضاً الفيلم البريطاني "الريح التي تهز الشعير" إخراج كين لوش. وبدرجة أقل الفيلم البريطاني أيضا "طريق أحمر" إخراج أندريه أرنولد. وهو الفيلم الطويل الأول لمخرجته. والطويل الأول الوحيد في المسابقة. وبالتالي يتنافس علي جائزة الكاميرا الذهبية لأول فيلم طويل إلي جانب جوائز المهرجان الرسمية.

ترتيب الأفلام الثمانية في جدول نقاد فرنسا ال 15 في جريدة "فيلم فرانسيه" اليومية "عودة" ثم "الريح التي تهز الشعير" ثم "أجواء". وفي جدول نقاد جريدة "سكرين" وهم 9 من فرنسا وإيطاليا والدانمارك وأمريكا وألمانيا وبريطانيا واستراليا وبلجيكا والمكسيك "عودة" ثم "أجواء" ثم "طريق أحمر".

البنات دول

جاء الفيلم المصري التسجيلي الطويل "البنات دول" إخراج تهاني راشد. وهو الفيلم الوحيد الذي يمثل السينما المصري والسينما العربية والسينما الافريقية في المهرجان. من روائع السينما التسجيلية المصرية بمعالجته الإنسانية الراقية وأسلوبه الفني الرفيع في التعبير عن مشكلة أطفال الشوارع في القاهرة. وهي من المشاكل الكبري التي تعمل الحكومة والجمعيات الأهلية علي حلها منذ سنوات.. ويساهم الفيلم مساهمة واضحة في الكشف عنها للرأي العام في مصر. ومن الواجب عرضه في دور السينما أو في التليفزيون علي الأقل حتي يدرك المصريون وخاصة في العاصمة أحوال "البنات دول" في عالمهم الرهيب المعزول عن المجتمع بشكل كامل.

"البنات دول" يعبر عن نهضة حقيقية في السينما التسجيلية المصرية التي شهدت في العامين الماضيين روائع أخري مثل "غير خدوني" إخراج تامر السعيد. و"عن الشعور بالبرودة" إخراج هالة لطفي. و"مكان اسمه الوطن" إخراج تامر عزت. و"ثق في الحياة" إخراج رشا الكردي. وكلها تسجيلية طويلة. إلي جانب "المهنة امرأة" إخراج هبة يسري من أفلام معهد السينما. وكل هذه الأفلام من ناحية أخري تعكس قدر الحرية المتاح في مصر. ولمصر أن تفخر بالحرية وما ينتج عن الحرية.

أول نقد ل "حليم"

شهد سوق الفيلم الدولي الذي ينعقد أثناء مهرجان كان. والمفتوح لكل أفلام العالم دون شروط غير دفع إيجار دور العرض أول عرض في العالم لفيلم "حليم" إخراج شريف عرفة وتمثيل أحمد زكي في آخر أدواره. وثالث عرض خارج مصر لفيلم "عمارة يعقوبيان" إخراج مروان حامد. بعد عرضه في مهرجان برلين في قسم "البانوراما". وعرضه في مهرجان تريبكا في نيويورك حيث فاز بجائزة أحسن مخرج في فيلمه الطويل الأول وشهادة تقدير لممثل الدور الأول فيه الفنان الكبير عادل إمام. وكلا الفيلمين من إنتاج "جود نيوز" التي أقامت جناحاً في السوق عوض غياب جناح وزارة الثقافة لأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات.

نشرت "فارايتي" في عدد الاثنين أول نقد في الصحافة الدولية عن "حليم" بقلم ديبورا يونج التي أصبحت مختصة في السينما المصرية والعربية وسينما الشرق الأوسط في الجريدة اليومية الشهيرة.. قالت يونج في مقالها ان "حليم" يستهدف الجمهور العربي بوضوح. بينما يستهدف "عمارة يعقوبيان" تجاوز الحدود المحلية. وان الجمهور العربي سوف يقبل علي "حليم" لشهرة عبدالحليم حافظ وكذلك لأنه كان آخر أدوار أحمد زكي الذي مثل دور المغني وتوفي بعد أيام من نهاية التصوير "وهي معلومة غير صحيحة بالطبع وكما يعرف الجميع في مصر ان أحمد زكي توفي قبل أن يتم تصوير دوره".

السيناريو العادي

وقالت الناقدة الأمريكية "السيناريو العادي الذي كتبه محفوظ عبدالرحمن وأخرجه المخرج التجاري شريف عرفة يستند علي حديث للراديو بين أحمد زكي في دور عبدالحليم حافظ ومذيع يقوم بدوره جمال سليمان يستمر طوال الفيلم كحجر الأساس. وقد كان أحمد زكي يمثل الدور وهو يعالج في المستشفي. وعبر عن معاناته وعمق أدائه الاحترافي في تمثيل الدور والدخول تحت جلد الشخصية".
واختتمت مقالها بأن الاكتشاف الحقيقي للفيلم هيثم أحمد زكي ابن الفنان الراحل في أول أدواره الذي مثل دور عبدالحليم حافظ في شبابه..

أخبار من كان

* نائب الرئيس الأمريكي السابق آل جور حضر مهرجان كان بمناسبة عرض الفيلم التسجيلي الأمريكي الطويل "حقيقة غير ملائمة" إخراج دافيز جوجينهايم الذي يتحدث فيه عن مشكلة الاحتباس الحراري في العالم. ويعرض خارج المسابقة.

قال آل جور: "لم أكن أتخيل ولا بعد مليون سنة انني سوف أسير علي البساط الأحمر لسلالم قصر المهرجانات في كان أثناء مهرجان السينما".. ومن الجدير بالذكر ان الفيلم يحذر من أن الوصول إلي نقطة اللاعودة بالنسبة للمناخ في العالم قد تكون بعد عشر سنوات فقط.

* رغم الأصفار العشرة التي منحها نقاد "فيلم فرانسيه" ال 15 وكلهم من فرنسا لفيلم "شفرة دافنشي". وعدم اعجاب النقاد بصفة عامة بالفيلم حقق في الأيام الخمسة الأولي من عرضه 224 مليون دولار علي 12 ألف و213 شاشة في 91 دولة "لم يعرض في الهند ولا في الشرق الأوسط" تكاليف الفيلم 100 مليون دولار و25 مليوناً ترويج ودعاية.

* أعلن عن فوز آلمودوفار بجائزة أمير مقاطعة استورياس في اسبانيا وهي جائزة دولية للفنون والآداب ولها قيمة مالية 64 ألف دولار.. آلمودوفار خامس سينمائي يفوز بالجائزة بعد لويس بيرلانجي 1986 وفيرناندو جوميز "1995" وفيتوريو جاسيمان "1997" وودي آلان "2002" ورمز الجائزة عمل نحتي من أعمال خوان ميرو.

* نيابة عن الرئيس الفرنسي جاك شيراك قام وزير الثقافة رينو دونديو دي فاربس بمنح المخرج الصيني وونج كار - وإلي رئيس لجنة تحكيم المهرجان وسام فارس للفنون والآداب.

* لأول مرة علي الاطلاق تنشر جريدة يومية أمريكية للسينما وهي "هوليود ريبورتر" في الصفحة الأولي خبرا عن الفيلم الجديد لمخرج عربي حتي قبل أن يكون له عنوان محدد. وهو فيلم المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد الذي لايزال يكتبه. ومن المقرر أن يبدأ تصويره في يناير القادم.

الخبر يؤكد أن المشروع بيعت حقوقه في أكثر من دولة بمجرد الاعلان عنه. وبالطبع فالسبب هو وصول فيلم هاني أبو أسعد "الجنة الآن" إلي ترشيحات الأوسكار النهائية لأحسن فيلم أجنبي في مارس الماضي. ولكن هناك أيضاً ان موضوع الفيلم ما بعد 11 سبتمبر 2001 في أمريكا والعالم.

* غداً الخميس تنظم إدارة مهرجان كان الحفل السنوي لجمع التبرعات من أجل مقاومة مرض الإيدز. ومن بين نجوم الحفل اليزابيث تايلور وجان مورو وشارون ستون وغيرهم من كبار النجوم.

الجمهورية المصرية في

24.05.2006

 
 

يوميات مهرجان كان السينمائي الدولي...(7)

تعيد لورانس العرب وتفك لغز سقوط بغداد.. هوليوود تغازل العرب وتشارك في حرب العراق

“كان”  محمد رضا:

الصفحة الأولى من المجلة المعروفة “فاراياتي” نشرت الأحد الماضي حديثاً مع الأمير الوليد بن طلال جاء في وقته ومحله. هنا في “كان” استقبل  السينمائيون الغربيون، خصوصاً العاملين في المجالات الإعلامية والانتاجية الحديث باهتمام شديد كونه يعكس شيئاً واحداً وأكيداً: العالم العربي أصبح الميزان الذي يمكن قياس كل التوجهات السياسية والإعلامية به والمكان الذي ستتطلع اليه أعين المراقبين انتظاراً لمولد سينمات جديدة كبيرة الحجم ومثيرة للاهتمام، كما للاقدام على الاشتراك في الأحداث الدائرة بأفلام تكتب خصوصاً للمنطقة. بعض هذه الأفلام أصبحت جاهزة للبدء بتصويرها.

السبب يكمن أيضاً في أن حديث الإعلامي السعودي المعروف ركّز على عدة نقاط بينها أن المنطقة لن تبقى بعيدة عن منال رجال الأعمال الغربيين. في سعي هؤلاء للتحوّل الى شبكات دولية شاملة، وتوزيع استثماراتهم بحيث تغطّي كل شيء عند كل ساحل محيط، فإن المنطقة العربية ستشهد استثمارات مهمّة وأقربها، على هذا الصعيد، شراء امبراطور الإعلام روبرت مردوخ حصة في “روتانا” التي يملكها الأمير الوليد. ولا ننسى أن الأمير الوليد هو ثالث أكبر المستثمرين وأصحاب الحصص في امبراطورية مردوخ نفسها وهي “شركات فوكس”.

عما سيثمر عنه  هذا النوع من الاستثمار من نتائج أمر سوف يتبلور في السنوات وربما الأشهر القريبة اللاحقة. لكن العالمين العربي والعالمي لن ينتظرا حتى تتم معرفة هذه النتائج. من الآن هناك أفلام حول العالم العربي ومنه تستدعي الانتباه تلتقي ونيّات انتاج أعمال تاريخية تهم هذه المنطقة من العالم ولو ببعد يسير. التالي بعض ما يدور في كواليس شركات ومؤسسات السينما.

ومن الأفلام  المقترحة “عودة لورنس العرب” إذ تضع الشركة السينمائية المنبثقة عن امبراطورية الإعلام البريطاني “بي بي سي” واسمها “بي بي سي فيلمز” الخطط لتصوير فيلم حول حياة لورنس العرب من قبل الحرب العالمية الأولى ومن قبل الفترة الطويلة التي قضاها في العالم العربي وهي الفترة التي تناولها فيلم ديفيد لين المعروف ب “لورنس أوف أرابيا”. حسب رئيس الشركة ديفيد تومسون: “هذه هي المرحلة التي خلفت مرحلة حياة لورنس في العالم العربي وهي مرحلة لا تقل اثارة عنها”. ورداً على سؤال حول هل هناك احاطة بالمرحلة العربية في الحوار أو في مشاهد معيّنة؟ قال: “السيناريو المكتوب الآن يمر على مشاهد للورنس العرب يذكر فيها الفترة التي قضاها في العالم العربي، لكنه السيناريو الأول الذي بحاجة لاعادة كتابة”، وبشأن الميزانية المتوقعة للفيلم قال: “لم نعيّن بعد الممثلين الذين سيقومون ببطولته، ولا نعرف بعد من سيلعب دور لورنس، لذلك فإن التكلفة التقريبية التي نتحدّث عنها الآن هي في حدود 25 مليون دولار قد ترتفع اذا ما جلبنا نجماً غير بريطاني للدور”.

ومن الأفلام الأخرى التي تغازل العرب فيلم “موقع بلوغ بغداد”، ويستعد المخرج البريطاني مارك ايفانز للبدء بتصوير الفيلم الذي تنتجه شركة سينمائية بريطانية منبثقة عن “تشانل فور” التلفزيونية. “فيلم فور” لن تكون الوحيدة في انتاج هذا الفيلم الذي تقع أحداثه قبل وخلال الغزو وكيف سقطت بغداد، بل ستشاركها فيه شركة انتمريديا. والأحداث مأخوذة عن رواية نشرت في حلقات في جريدة الجارديان كتبها سلام باكس وتتحدّث عن الغزو والمحنة وآثار الفترة السابقة مقارنة بآثار المرحلة الحالية.

وهناك أكثر من مشروع حالياً يتمحور حول الحرب الدائرة في العراق حالياً بينها “ضد كل الأعداء”. وهو فيلم أمريكي كتبه بول هاجيز (كاتب “مليون دولار بايبي” لكلينت ايستوود) ويستعد لاخراجه بنفسه وهو عن كتاب وضعه رتشارد كلارك الذي كان مستشاراً في شؤون مواجهة الارهاب في البيت الأبيض. وهو ذات الشخص الذي كشف أن البيت الأبيض أخفق في أن يعير تحذيراته المتوالية عن قرب عملية إرهابية للقاعدة في الولايات المتحدة.

كما أن المخرج رون هوارد لديه مشروع فيلم قد يكون الرقم الأول بعد “شيفرة دا فنشي”. بعدما استرعى انتباهه سيناريو عنوانه “آخر جندي يعود” والجميع هنا يحيطه بكتمان شديد. الذي يعرفه هذا الناقد أن الفيلم ستموّله يونيفرسال ويتحدّث عن جندي أمريكي يقتفي أثر جندي عراقي للانتقام منه.

كما يعود المخرج ريدلي سكوت الى المنطقة التي كانت موضع   فيلمه الحربي السابق “بلاك هوك داون”. براماونت ستموّل مشروعه “العالم المختفي” الذي سيتم تصويره في المغرب والذي يدور حول صحافية أمريكية تم خطفها في العراق. هذا مفهوم باستثناء أن القليل المعروف عن الفيلم يتحدّث عن الصومال كموقع الأحداث.

والسينما ستعود الى القرن الثامن عشر لتتناول حياة نابليون بونابرت. ليس عبر فيلم واحد بل عبر فيلمين. هناك فيلم فرنسي بميزانية 20 مليون دولار يحضّره المخرج ياتريس شيرو عنوانه “وحش لونغوود” وسيدخل التصوير في الخريف المقبل أي قبل الفيلم الأمريكي “نابليون وبتسي” الذي ستقود بطولته سكارلت جوهانسن. وكلا المشروعين لا يذكران من سيلعب دور نابليون بعد. لكن المعروف أن الممثل آل باتشينو كان يمني النفس دوماً، وربما لا يزال، بلعب الشخصية الشهيرة.

لقطات “كان”

 انتقم  “شيفرة دا فينتشي” من رد فعل النقاد في “كان” بانتصار كبير في عروضه التي بدأت قبل أيام. في الولايات المتحدة وكندا حقق الفيلم 77 مليون دولار من الايرادات في الويك- اند الأول له. هذا مبلغ أكبر بكثير مما توقعه معظم المراقبين.

  النجمان المصريان محمود عبد العزيز وعادل امام حطّا في مدينة “كان” بدعوة من المنتج عماد الدين أديب الذي يعرض من انتاجه كل من “حليم” و”عمارة يعقوبيان”.

 بروس ويليس (بكامل صلعته التي يظهرها علنا للمرة الأولى) نك نولتي، سارا ميشيل غيلر، سكارلت جوهانسون، آشيا أرجنتو، ايثان هوك هم بعض الممثلين الغربيين المتوافدين على المهرجان هذه الأيام.

رهان على الأسبوع الثاني

مر النصف الأول من مهرجان “كان” السينمائي الدولي كما لو كان تمهيداً لشيء أفضل بالانتظار

 على المسارح الغنائية يتم صعود بعض المواهب الجديدة وغير الكبيرة أولاً ثم بمرور الوقت يتم دفع المواهب التي من أجلها تدافع الناس الى الحضور. طبعاً، هنا في “كان” تم تقديم فيلم للاسباني بدرو ألمادوفار، ولا يمكن اعتباره مبتدئاً او جديداً او غير معروف. والاعجاب بفيلمه “فولفر” سٌجّل على صفحات المجلات والصحف اليومية والعديد من النقاد اعتبروه عملاً رائعاً (وهذا متوقعاً على أي حال). لكن ألمادوفار هو مخرج واحد من الأسماء التي أسست نفسها. باقي الأسبوع الأول مرّ مقدّماً أعمالاً هي إما لمخرجين معروفين انما لم يشهدوا بعد ما وصل اليه المخرج الاسباني من نجاح، او مجموعة من المخرجين الجدد الذين يتساءل المرء عما اذا كانت لجنة الاختيار شاهدت أعمالهم فعلاً او شاهدت نصف كل عمل او خمسة عشر دقيقة من كل عمل او اعتمد بعض أعضائهم على بعضهم الآخر وصوّت لها من دون أن يعيرها أي اهتمام.

والى جانب أن فيلم الافتتاح “شيفرة دا فينتشي” جاء، كما أوردنا هنا، مخيّباً (ولو أنه سجل في الولايات المتحدة في الأسبوع الأول من عروضه 77 مليون دولار مذهلة، الا أن “باريس، أحبك” و”قصر صيفي” ثم “الطريق الأحمر” جاءت مفلسة من الحسنات الفنية العالية، وأحيانا من أي حسنة فنية ذات قيمة. الاجادة الوحيدة وجدناها في فيلم “أمّة الطعام السريع” لرتشارد لينكلاتر (لكنه يحمل هنّات أكيدة في الوقت نفسه) وفي فيلم “الريح التي هزّت الشعير” لكن لوتش (الذي ليس أفضل أعماله). من جيل أصغر هناك فيلم التركي نوري بيلج سيلان “فصول” الذي له وعليه.  ثلاثة أفلام معقولة في خمسة أيام؟ أهذا ما جئنا اليه مندفعين وآملين؟

الأسبوع المتبقّى ربما كان أفضل وكلمة ربما هي الأكبر من كلمة أفضل هنا. فلا شيء مضمون لكن لنتفحّص:

هناك فيلم للايطالي ناني موريتي عنوانه “شيامانو” الذي يستمد مبرر حضوره من أنه يدور حول رئيس الوزراء الايطالي السابق سيلفيو برلسكوني.  وفيلم للمخرج الفنلندي أكي كوريسماكي “أضواء في الغسق” ثم فيلم المكسيكي  ألييندرو جونزاليز ايناريتو  (وعنوانه “بابل”) يليه “ماري أنطوانيت” لصوفيا كوبولا ثم “أيام المجد” لرشيد بوشارب. الباقون لم نجرّبهم في المهرجانات (او خارجها في الحقيقة) قبل الآن وهم باولو سورنتينو (“صديق العائلة”) واكسافيير جانولي (“المغني”) وبدرو كوستا (“تقدموا يا شباب”) من بين آخرين.

على هؤلاء المخرجين أن يبرهنوا على أن اختيارات “كان” هذه السنة أصابت المطلوب. وعلى أفلامهم ان تكون الدليل أن النوعية هي التي ما زال المهرجان يصر عليها وليس فقط الانتاج الكبير والصورة الغريبة والموضوع الذي يثير اليمين او اليسار. وكلنا أعين نراقب حالياً ما اذا سينتعش المهرجان بفضل ما هو قادم خلال الأيام المقبلة، او سيبقى على ما هو عليه من مستوى باهت... او -في أسوأ الاحتمالات- يغوص كما غاصت “تايتانك”.

المفكرة ... الحفلات

خلال ساعات تنطلق حفلة “مهرجان دبي السينمائي الدولي” التي تقام على هامش مهرجان كان، وبات ينتظرها عديدون في الوسط. مدمنو الحفلات في مهرجانات السينما الكبيرة لديهم دائما جدول حفلات لا يختلف كثيراً عما لدى الناقد من جدول أفلام. يعرفون موعد كل حفلة وأين هي سواء أكانت طارئة أم سنوية معتادة تُقام في نفس المكان والزمان من كل عام.

والحفلات أنواع، فمنها ما ينفد الأكل فيه سريعاً، وهنا تعرف أن ميزانية الحفلة لم تكن كبيرة، ومنها ما يستمر الأكل فيه طويلاً لكنه عبارة عن “مُسلّيات”. أشياء صغيرة لا تغني ولا تسمن، تدور بها أيادي حامليها فوق صوانٍ وينظر اليها الآكلون باحثين عنها، أحيانا لا يُمكن أن ترى من شدّة صغرها.

النوع الذي يرضي هواة الحفلات أكثر من غيره هو نوع “البوفيه” حيث تمتد الموائد طويلة ومتنوّعة.. مآكل بحرية وبرّية وجوية.. أشياء لها رؤوس وأشياء بلا رؤوس.. أشياء بحاجة الى منشور يوضحها وأخرى تعرفها من كثرة اعتمادها في مثل هذه الموائد. ومن اللحم والشحم الى الخضار وأنواع السلطات ومن هذه الى الفاكهة والآيس كريم والحلوى... ينعم الساعون الى هذا المجد بوليمة مجّانية هي -بالنسبة لكثيرين من مدمني الحفلات- السبب الرئيسي خصوصاً مع ارتفاع المعيشة خارج حدود المكان لحضورهم.

ولك أن ترى مثل هذه الحفلات.

لك أن تشاهد ما لم ينقله فيلم سينمائي الى الآن.

أكوام الناس تسعى للوصول متسلّحة بإصرارها على أن تنجح في هذه المهمة بعدما فشلت بمهام أخرى كثيرة، هذا يرفع صحنه الى أعلى ما تصل يده كما لو كان خائفاً من أن يتم خطف ما عليه، وذلك يحتل مكان شخصين حماية لنفسه من تدافع الآخرين، وبعضهم يتخندق.. يركّز نفسه أمام الجزء الرئيسي من المائدة ولا يتحرك.. تراه يستخدم فمه للأكل وعينيه لتحديد القفزة الأخرى الى هذا الصحن او ذاك.

شخصياً غالباً ما أصل الى الحفلات القليلة التي أُدعى اليها جائعاً بعد يوم كامل من تناول وجبات الأفلام (وهذا العام معظمها بارد) وأغادرها جائعاً. لا أحب الزحام وأحاسب نفسي اذا اشتركت فيه، خصوصاً حين يكون الثمن التحوّل الى هذا الحشد من الناس التي تداوم تلبية الدعوات لما فيها من توفير مالي كبير.

الحمد لله، حفلة مهرجان دبي نظيفة، جميلة، أنيقة، وبذل فيها الكثير من الجهد لكنها ليست “بوفيه” بطون. انها بوفيه عقول يلتقي فيه الشرق والغرب، تماماً كما هو شعار المهرجان الذي يريد أن يربط العالمين عبر السينما، لذلك كان دائماً وأعرف انه سيبقى مناسبة سامية ومتميّزة بين رهط المناسبات الأخرى.

م.ر

الخليج الإماراتية في

24.05.2006

 
 

عبد الحليم حافظ في "حليم" المعروض في "كان" ليس هو

"البنات دول" لتهاني راشد وثيقة عن جرح اجتماعي

زياد الخزاعي

الوزر في شريط المخرج المصري شريف عرفه <حليم> (عرض في سوق الفيلم بكان) كبير ومؤذ، اذ ان سيرة المطرب الشهير عبد الحليم حافظ ما كان عليها ان تسرد كما لو كانت تمثيلية تلفزيونية باهتة (وهي في الواقع كذلك كمشروع أولي أريد فيها خلال ثلاثين حلقة من توقيع محفوظ عبد الرحمن اختزال حياة قصيرة من الألم والمرض والشهرة والخيبات، سبقته أم كلثوم في المسلسل الشعبي الذي يحمل اسمها، فيما تبقى أسمهان حبيسة المراهنات والمقايضات المالية!)، كما ان اختيار نجم كبير مثل أحمد زكي (الذي يفترض انه صرف اموالا وأعواما من اجل انجاز حلمه قبل ان يخطفه المرض الخبيث) كان مثل جرعة سم حولته الى ملق ومؤد. فالرجل في ايامه الأخيرة، وعز عليّ ان أراه وهو يجالد في الكلام والأداء والحركة، مثلما تحايلت الكاميرا (من توقيع أيمن أبو المكارم) في تركيزها على وجهه الذي اكتنز كما جسده بتأثير العقاقير الطبية.

هل كان الامر يستحق كل هذا العناء؟ في تقديري الشخصي لا!، فعبد الحليم ليس في حاجة الى سرد سينمائي، وزكي كان أبعد من ان يكون حليما!، النتيجة 148 دقيقة من الهباء، ضاعت بين مشاهد مفتعلة الصنعة وشخصيات رميت جبرا فوق الشاشة باعتبارها شواهد ومتورطين وحاملي ذنوب متعددة الوجوه في حياة المطرب الذي كان يفترض فيه صفة الرومانسية أسوة بانجازه الغنائي. ومفاتيح تاريخية صدئة كتبت بعجالة وبجبن فني، بان عليها جليا انها لا تريد ان تقدم معلومة ذات إفاضة في شأن الاسرار المكتومة في حياة حليم وورطاته السياسية وتكسبه وارتباطاته في الاوساط النافذة اثناء حكم عبد الناصر العسكري.

في شريط عرفة إرادة مسبقة في تجميل حياة المطرب وتحميلها صفات بطولية، بالتأكيد هو بعيد عنها، فأصله الفلاحي حتّم عليه المواءمة بين طموح الشهرة والموهبة أمام جبروت السلطة التي، آنذاك، استغلت الفن كوسيلة لتسليع خطابها السياسي. ومن نافل القول ان عبد الحليم لم يكن جزءا منها او متورطا فيها. الشريط لا يمس هذه القضية الجوهرية من صعوده، ومر عليها بعجالة واختزال مصورا أياه مقارعا عسكرييها بصلابة نادرة لا تتماشى مع واقع الحال. فهو يرفض الاملاءات (مثل مشهد طعنه المبطّن لأم كلثوم بعد وصلتها امام عبد الناصر وقيادييه وتشكيله بانها اطالتها بقصد تأخير تقديمه اغنياته امامهم رغم ان <اغنياته الوطنية> التي كتبها له صلاح جاهين أخذت حيزا معتبرا في شريط عرفة، والهدف واضح: ان عبد الحليم رمز وطني لا يمكن التشكيك في ولائه. بيد ان الخلل الدرامي كمن في لصق المقاطع الغنائية، مع الصور الارشيفية لمعارك حرب 67 وتطوراتها اللاحقة التي أدت الى الهزيمة المعروفة، ليبرر عبد الحليم كما الفيلم ورطته هنا في كلمات قليلة أمام مايكرفون وجدي الحكيم (اداء السوري جمال سليمان) بانه لم يغن للنظام بل للامل الذي جاءت به الثورة ورجالاتها. وحينما نراه يواجه جاهين الخائب والمحبط يتحول عبد الحليم الى شداد الهمم، فيما يخطب الاول ضد الخديعة كأنه طالب صغير وبخه استاذه على عدم درايته بعواقب مشاكساته!

كثير من الدموع

لم يغن عرفة (ومعه عبد الرحمن) المقطع السياسي بشيء جديد، وهو في قناعاتي كان لب الشريط، فما تبقى هو مجالات سينمائية عن خيباته في عشق النساء وتكالب المرض على جسده. وكي يضفي عرفة على عمله شيئا من التعقيد الدرامي، كضد من جفاف مادته، ظلت المشاهد تقفز ما بين طفولته المعذبة وارتهاناته الطويلة للفحوصات والعلاجات مع الكثير من الدموع والدعاءات. كلنا يعرف ان مطربنا هُزم أمام بلهارسيا وهو راقد على سرير مشفى لندني، لينقل لاحقا ملفوفا بعلم مصر (لتستكمل، حبيبته سعاد حسني لاحقا الحلقة المفقودة في انتحارها الملتبس في العاصمة البريطانية ايضا)، لكننا، بالتأكيد، هزمنا، كمتفرجين، في الحصول على نص مقنع نستشف منه جوابا: اين كمنت بطولة عبد الحليم، هل هي في صوته ام محنته الطويلة مع المرض أم اصراره على عبور ارتباكات الحب الفاشل المتكرر في حياته ام نجاحاته في التستر على ورطاته السياسية التي لا نعرف عنها الكثير.

يستكمل شريط <حليم> فشل السينما المصرية، ومثلها العربية، في تقديم فيلم ناجح يستلهم السيرة الذاتية.

هل هذا فيلم عبد الحليم أم أنه فيلم لاحمد زكي؟ فمشاهده لن يمسك المطرب، وسيفلت من بين استمتاعه بأداء احمد زكي المتباسط.

البنات دول

<البنات دول> للمصرية تهاني راشد (ولدت في القاهرة عام ,1947 وانجزت اول اعمالها الوثائقية <هايتي، كيبيك> عام 1985 قبل ان تقدم الشريط المميز <اربع نساء> (1997) و<سريدا امرأة من فلسطين> (2004)). نص سينمائي صاعق، بصدقه واشتغاله الفني وخلاصته الاجتماعية والسياسية، انه <صفعة> تنبه للمرارات التي تمر بها فتيات يافعات رمين في شوارع القاهرة، متخذات من الناصيات والارصفة ملاذات وملاعب ومراتب للنوم وساحات مواجهة يومية ضاغطة في اقصاءاتها الاجتماعية. هن ضحايا عائلية، بالضرورة، هربن من عسف الآباء وعنفهم، وكيد زوجاتهم او الارغام على الزواج وغيرها.

وبعد عامين من الاقتراب من عالمهن السري، تمكنت راشد من اختراق جرح قاهري لم يتمكن آخرون من المجازفة في مسه حتى ولو من بعد. وهو ما سيحرض جهات ما في التحامل عليها واتهامها بالاساءة في عرضها الفاضح لاحدى خيبات المجتمع الكبير الذي فشل في احتوائهن واعادة تأهيلهن وحمايتهن. تركز راشد في كاميراتها (اشتغال مميز من نانسي عبد الفتاح) على اربع منهن: طاطا (او بطة)، مريم، عبير ودنيا، يترافقن في حياة بائسة، هامشية تدفعهن الى التعاضد الجماعي، كحصانة وحيدة وأخيرة ضد رغبات وشهوات وتنمرات واعتداء الصبية الاخيرين، ممن يحاولون اصطيادهن لقضاء وطر جنسي، او امتهانهن في مواخير او كسخرة. تقابلهن راشد وتستمع الى اعترافاتهن القاسية حول ليلهن الخطر وصباحتهن الملولة وبحثهن عن ضحية سرقة صغيرة او مكرمة من محسن ما. معهن، في نضالهن اليومي، تأتي السيدة المحجبة هند التي نذرت نفسها في مساعدتهن، لتحاول تخفيف الوطأة من دون ان توجَد حلول ناجعة في انقاذهن. هؤلاء الاربع وغيرهن بالعشرات، حيوات خانتها الحياة والاعراف والنظم الاجتماعية، يمارسن شجاعتهن بندارة لا تضاهى، يتقابضن مع الصبية الاعداء ونافذيهم، يرقصن، ينكتن، يتساببن، ويدخلن في جلالات تُثبت القليل من حكمتهن الصغيرة التي ولدت معهن في دياسبورا الشوارع القاهرية.

نجاح المخرجة راشد هنا لا يكمن في تقديري، بالوصول اليهن واقناعهن بالوقوف امام الكاميرا (فهذا ليس عملا تلفزيونيا او ريبورتاجا بليدا، انه اقرار سينمائي بمحنة انسانية نراها من حولنا)، تذرف طاطا دموعا حارة وهي تناشد الكاميرا في كيفية عبورها محنتها، فهي لن تعود الى كنف والدها الذي لن يتردد في ضربها وامتهانها، والمرة الوحيدة التي وثقتها راشد لهذا الاب العدائي في حضوره الى <مربّع> طاطا واقناعها بالعودة معه تحت إلحاح هند في اجتهاد اخير، بيد اننا سنراها عائدة بعد فترة وجيزة، لتحقق ما قالته صويحبتها بان <من تنزل للشارع ماتروحش لحتة تانية ابدا>. طاطا التي قصت شعرها لتبدو كصبي اكثر منها فتاة يافعة، لتخفي انوثتها الخطرة التي ستشد انتباه <الوحوش> من حولها، صاحبة مبادرات خاطفة للاهتمام، ففي المشهد الافتتاحي (وهو المفتاح الذي يجمع بقية المشاهد، نراها وهي تمتطي حصانا وسط شوارع القاهرة، متباهية بمتعتها الرجولية. فيما تداور الاخريات همومهن بين ولدانهن الصغار الذين جاؤوا الى الدنيا، بعد اغتصابات متعددة، يرمون على قارعات طرق القاهرة ليتحولوا (او يتحولن) لاحقا الى البنات او الصبية دول.(كان)

السفير اللبنانية في

24.05.2006

 
 

العرس مستمر بكل تفاصيله.. وصفقات بيع وشراء وتوزيع

حضور عربي خجول في «كان» والسعفة الذهبية تتجة لـ «فولفر» الإسباني

كان ـ مسعود أمرالله آل علي  

يستمر العرس في «كان»، وعلى امتداد «الكروسيت» يختلط كل شيء في أي شيء، لا تهدأ الحركة حتى بعد انتهاء العروض الليلية. الكل يحتفل، وربما يعقد صفقات تدر ملايين من الدولارات بعد عمل سنة كاملة.

حدث ينتظره الجميع: مخرجون، ممثلون، موزّعون، نقّاد، صحافيون، شركات إنتاج وتوزيع، وجمع غفير من الجماهير، وأيضاً بعض الفضوليين الذين يقتنصون الفرص لصورة هنا ، ولعرض مجاني هناك.

داخل القصر، إلى الأمام، تجتمع آلاف الشركات بمختلف أنواعها: إنتاج، توزيع، ترويج، تسويق... هنا حيث «المارشيه» أو «السوق»، وفيها تُعقد كافة الصفقات: بيع، شراء، توزيع... تمتد السوق إلى شاطئ البحر، حيث الخيام البيضاء تضفي على المشهد جمالية الصورة الكاملة.

أما في الخارج؛ فالمنظر لا يقلّ احتفالية، لافتات وبوسترات أفلام بطول المباني، مسارح رقص وغناء على ضفاف البحر اللازوردي، أناس يذهبون جيئة وذهاباً، والأهم: أشجار النخيل الممتدّة على طول الطريق المؤدّية إلى القصر، والتي أخذ المهرجان «سعفاتها» الذهبية لتكون رمزاً أليفاً للجوائز.

الحضور العربي

الحضور العربي في كان 2006 خجول كالعادة، غير أنه مهم في هذه السنة لكونه يحتل مكان الصدارة في برامج المهرجان الرئيسية: الفلسطيني إيليا سليمان - بعد حصوله على جائزة لجنة التحكيم عن فيلم «يد إلهية» في عام 2002- عاد هذه المرّة عضواً في لجنة تحكيم المسابقة الرسمية.

المخرج الجزائري رشيد بوشارب شارك بفيلم «أيام المجد» أو «مواطنون» في عنوانٍ آخر، وشارك نظيره الجزائري أيضاً رباح عامور زايمشي بفيلم «نزيف أوّل» في تظاهرة «نظرة ما»، كما قدمت المخرجة المصرية المميّزة، التي تقيم في كندا، فيلما تسجيليا بعنوان «البنات دول» خارج المسابقة الرسمية. أما برنامج «كل سينمات العالم»؛ فاحتفى بتونس -من ضمن دول أخرى- هذه المرّة بعد أن اختار المغرب في العام الماضي.

أفلام المسابقة الرسمية

هنا استعراض سريع لأفلام المسابقة الرسمية:

ـ بالنسبة لتشارلي (إخراج: نيكول غارسيا، فرنسا): بلدة على حافة الأطلسي، خارج فصول السنة. ثلاثة أيام، سبعة أشخاص، سبعة أرواح تبحث عن نفسها، تجتمع، تنفصل، تصطدم، وبعد أن تترك حياتها لن تعود كما كانت إطلاقاً.

ـ بابل (إخراج: أليخاندرو غونزاليز إناريتو، الولايات المتحدة): ثلاث حكايات تدور أحداثها في المغرب، تونس، المكسيك، واليابان، تبدأ القصة بمأساة تصيب زوجين يقضيان الإجازة في المغرب، لكنها يضطران للتمديد بسبب مشاكل صحية تعتري الزوجة. الفيلم من بطولة براد بيت، وكيت بلانشيت.

ـ التمساح (إخراج: ناني موريتي، إيطاليا): «برونو بونومو» كان منتجاً مشهوراً لأفلام رخيصة في السبعينات، وبعد عدّة اخفاقات إنتاجية، يُعيّن لصالح شبكة «راي» لإنتاج فيلم حول عودة كريستوفر كولومبوس إلى الوطن، غير أن مخرج الفيلم ينسحب من المشروع، ما يُجبر «برونو» على تقديم سيناريو آخر إلى الشبكة من تأليفه بعنوان «التمساح» يدور حول شخصية رئيس وزراء إيطاليا سيلفيو بيرلسكوني.

ـ مناخات (إخراج: نوري بيلج سيلان، تركيا): وُلد المرء ليكون سعيداً لأسباب بسيطة، وحزيناً لأسباب أكثر بساطة، وكما أنه يُولد لأسبابٍ بسيطة، فإنه يموت لأسباب أكثر بساطة. «عيسى» و«بهار» شخصيتان وحيدتان وسط مناخات داخلية ونفسية متقلّبة، يبحثان عن سعادة لا تنتمي إليهما أبداً.

ـ صديق العائلة (إخراج: باولو سورنتينو، إيطاليا): قصة حب بين فتاة شابّة، ورجل ستيني يعتاش على الديون، معتقداً بأنه سوي ومفيد للمجتمع، وأن بإمكانه انقاذ العوائل المحتاجة، والتدّخل في خصوصياتهم كصديق حميم لهم.

ـ أمة الطعام الجاهز (إخراج: ريتشارد لينكلاتر، الولايات المتحدة): مقتبس عن رواية إيريك شلوسر، الفيلم عبارة عن رحلة مثيرة في عالم الأطعمة الجاهزة، أو ما تُسمى «الفاست فوود»: خباياها، أسرارها، أضرارها، ونظرة من زوايا مختلفة لصناعة «الأطعمة الأميركية».

ـ فلاندرز (إخراج: برونو دومونت، فرنسا): في «فلاندرز»، يغادر جنود شبان للحرب إلى أرضٍ بعيدة... إلى الجبهة، حيث البؤس، والأوامر القاسية، والانتظار المرعب. ماذا يُمكن أن يحدث بعد ذلك، وخاصة حينما يُطلب إليهم أن يصبحوا رجالاً ثانيةـ

ـ ترخيص مجاني (إخراج: إسرائيل أدريان كيتانو، الأرجنتين): بيونس آيرس، 1977، تختطف جماعة تعمل لصالح الحكومة العسكرية حارس مرمى لفريق كرة قدم، وتنقله إلى حبس في منزل أرستقراطي قديم، حيث يلتقي بشاب آخر محجوز في ذات المكان. ينتظر الاثنان قرار مصيرهما الآن.

ـ أضواء في الغسق (إخراج: آكي كاريسماكي، فنلندا): ثلاثية المخرج كاريسماكي حول الكآبة الفنلندية بدأت بفيلم «غيوم منجرفة» عام 1996 والذي تناول موضوعة البطالة، ثم «رجل بلا ماضٍ» في 2002 حول التشرّد، ويختتم هنا فصول الحكاية بالوحدة، الخيانة، والتضحية.

ـ ماري أنطوانيت (إخراج: صوفيا كوبولا، الولايات المتحدة): مقتبس عن كتاب أنطونيا فرايزر حول الأرشيدوقة المشؤومة للنمسا وملكة فرنسا ماري أنطوانيت؛ حيث يتناول الفيلم قصّة أكثر امرأة تمّت الإساءة إليها في التاريخ، منذ ولادتها في النمسا الإمبراطورية، إلى حياتها التالية في فرنسا.

ـ مواطنون (إخراج: رشيد بوشارب، الجزائر-فرنسا- المغرب): قصّة منسية لأربعة جنود أرسلوا من قِبل الجيش الفرنسي الأوّل للقتال في افريقيا بين عامي 1944-1945 أثناء حرب تحرير فرنسا من الهيمنة النازية.

ـ متاهة المقلاة (إخراج: غوليرمو ديل تورو، المكسيك- إسبانيا): العام 1944، ترحل فتاة شابة مع أمها وزوجها إلى منطقة ريفية بعيدة في شمال إسبانيا، بعد انتصار نظام فرانكو، وبينما يزداد القمع الفاشي وحشية، على الفتاة أن تواجه العالم الخارجي بخرافة من صنعها الخاص.

ـ طريق حمراء (إخراج: أندريا أرنولد، المملكة المتحدة): «جاكي» تعمل موظفة لنظام رقابة الشاشات الداخلية في مجلس غلاسكو. تُراقب يومياً جزءاً صغيراً من العالم، وتأخذ وظيفتها على محمل الجد لتحمي الناس الذين يتحرّكون أمامها في الشاشات، متفادية كل احتكاك مع الآخرين، ومحافظة على شكل معيّن من الحياة يناسبها تماماً؛ حيث عانت في ماضيها من عذاب شديد. في يومٍ ما، يظهر رجل على شاشاتها، رجل اعتقدت أنها لن تراه ثانية.

ـ حكايات أرض الجنوب (إخراج: ريتشارد كيلي، الولايات المتحدة): تدور أحداث الفيلم في المستقبل، في لوس أنجليس بتاريخ 4 يوليو 2008، حيث تقع كارثة بيئية، واجتماعية، واقتصادية. نجد «بوكستر سانتاروس»، ممثل أفلام إثارة يعاني من النسيان، تتقاطع حياته مع ممثلة أفلام إغراء تعمل على تنفيذ مشروع برنامج تلفزيون الواقع، وشرطي يحمل معه مفتاح المؤامرة الكبرى.

ـ قصر صيفي (إخراج: لو يي، الصين): تغادر الفتاة الريفية «يو هونغ» قريتها، وعائلتها، وعشيقها لتدرس بالجامعة في بكين، تكتشف هناك عالماً مكثّفاً من الحرية الجنسية والملذات المحرّمة. تقع في حب زميل لها، لكنهما لا يستطيعان فهم هذه العلاقة، حتى يفقدان السيطرة عليها؛ لتصبح مجرّد لعبة خطرة.

ـ الأضعف دائماً على حق (إخراج: لوكاس بيلفو، بلجيكا): في بلدة «ليجي» البلجيكية، لأجل شراء درّاجة لزوجة صديقهم، يقرّر ثلاثة رجال تنظيم حفلة جماعية، ولكن كما هو متوقّع، لاشيء يسير على ما يرام.

ـ فعلتها بطريقتي الخاصّة أو «عندما كنتُ مغنياً» (إخراج: زافير جيانولي، فرنسا): «آلان» رجل خمسيني، يعمل مغنياً في قاعة بكليرمون- فيران، وراقصاً لشركات اجتماعية، ونوادي رقص. «آلان» يعرف قدر نفسه تماماً، إنه مشهور في بلدته، وهذا كل ما يعنيه. كان الغناء يشغل حياته كلها عندما التقى بالفتاة الشابة «ماريون» التي أتت للبلدة حديثاً، ولديها طفل في الرابعة من عمره من زوج لم تعد تحبه، كانت ضائعة عندما التقت بـ «آلان»، ولأجل ابقاء العلاقة بينهما، يقنعها «آلان» بأنه يبحث عن منزل يضمّهما.

ـ الريح التي تهز الشعير (إخراج: كين لوتش، إيرلندا- المملكة المتحدة): يلقي الفيلم نظرّة معمّقة ومتعاطفة مع الجمهوريين الإيرلنديين الذين يبحثون عن الاستقلال في 1919. (سيلان مورفي) يلعب دور رجل ينضم إلى الحركة الفدائية مع أخيه لمحاربة البريطانيين، وفصائل «تان» اللذين يحاولون عرقلة استقلال إيرلندا.

ـ شباب في مارس (إخراج: بدرو كوستا، البرتغال): تعيش قرية «كاب-فريديان» في لشبونة أيامها الأخيرة، حيث يتم ترحيل أغلبية سكانها البالغ عددهم (9) آلاف إلى شقق جديدة في الشمال. الفيلم رحلة نوستالجية في المكان والزمان، حيث تكتشف «كلوتيلدي» ذكريات البحر، وأسماك القرش، ويرفض «فينتشورا» تغيير أي شيء، مؤمناً بأن تكون كبيراً في السن، يعني أنه بإمكانك أن تكون شاباً!

البيان الإماراتية في

25.05.2006

 
 

ثلاثة أفلام تعيد ترتيب شروط المنافسة في كان الـ59 (4)

العائلة والسياسة والسينما في فيلم موريتي والعزلة وانعدام التواصل في "بابل"
وحرب افتراضية في "فلاندرز" لاكتشاف الحب

كان ـ ريما المسمار

لم يكن على رواد مهرجان كان الانتظار طويلاً لتنقلب الطاولة وتُخلط الاوراق. فحتى انتصاف المهرجان، أمسك فيلما بيدرو المودوفار وكين لوتش بطرفي المنافسة بإحكام. وبقدر ما أسعد ذلك الميالين الى اعتبار ان قيمة المهرجان انما تكمن في كونه المنصة الاولى لأعمال الكبار، خلف شيئاُ من الخيبة لدى فئة اخرى تتطلع الى تعزيز أكبر للحضور الشبابي في المهرجان. لم تعد مفاجأة بالنسبة الى الفئة الاخيرة ان يدخل المودوفار بفيلم جيد او ان يقدم لوتش عملاً يستحق التقدير. فهل يعقل ان يفوزا كلما شاركا بفيلم؟ أين المفاجآت الاخرى والاكتشافات غير المكرسة؟ لعل تلك الاسئلة وغيرها هي التي تغذي نقاشاً لا ينتهي ومحوره السؤال: هل يجب ان يقبل المهرجان بإشراك السينمائيين المكرسين في المسابقة؟ وهل يجوز ان يتنافس امثال غودار مثلاً أو اولمي مع مخرجين مبتدئين؟ الاجابة صعبة والمعيار ليس ثابتاً. فهناك فيلم اول قد يطيح بكل المكرسين فلا يعود لتصنيف "مكرس" و"مبتدئ" قيمة. وهناك من يظن ان المهرجان يتقصد الحفاظ على هذه الواجهة لحمايته من هجوم قد يصيبه من النقاد والصحافة كما حدث قبل ثلاثة اعوام عندما خلت المسابقة من افلام المكرسين. ولكن المؤكد ان وجود السينمائيين الكبار في المسابقة يترك للآخرين فرصاً اقل للمشاركة والدليل ان مسابقة هذا العام استقبلت فيلماً اضافياً تم نقله بعد ايام من اعلان البرنامج من فئة نظرة ما الى المسابقة. يخلف ذلك تساؤلاً حول امكانية وجود افلام اخرى في برامج اخرى جديرة بأن تنضم الى المسابقة.

انكسر محور المودوفار ـ لوتش بدخول ثلاثة أفلام جديدة شديدة الاختلاف والتميز المنافسة، عُرضت خلال الايام الماضية مثيرة ردود فعل متفاوتة: The Caiman للايطالي ناني موريتي، Flandres للفرنسي برونو دومون وBabel للمكسيكي اليخاندرو غونزاليس ايناريتو. ثلاث ملاحظات اولية يمكن سوقها حول هذه المجموعة اولها انقسامها بين مخرجين شابين محسوبين على الجيل الجديد هما ايناريتو ودومون وآخر مخضرم هو موريتي. وعلى الرغم من ان الاخير يسجل خلال هذه الدورة مشاركته الخامسة في كان (آخرها كان عام 2001 بفيلمه "غرفة الابن" الذي حاز السعفة الذهب) الا ان انتاجاته متباعدة. الملاحظة الثانية هي ان لكل من الثلاثة من ينتظر فيلمه؛ فهناك حتماُ جمهور موريتي وهواة افلامه الذاتية والساخرة في آن وهناك من يتطلع الى مشروع ايناريتو الجديد المكمل لثلاثية بدأها بفيلمه الاول Amores Perros وأتبعه قبل عامين بـ21 Gram. أما دومون فهو الذي صدم جمهور كان بفيلمه "الانسانية" الذي عرض في مسابقة كان وعام 1999 وحاز جائزة لجنة التحكيم. اما الملاحظة الثالثة فهي الاشكالية التي يولدها كل فيلم بعلاقته بجمهوره . فشريط موريتي ايطالي في الصميم، يستكمل فيه، انما على نحو اكثر مباشرة ومرارة نظرته الى ايطاليا المنهارة. دومون هو الآخر يعالج مسألة فرنسية في العمق ولكنها صادمة. اما ايناريتو المكسيكي المقيم في اميركا فيحاكي بفيلمه ذلك التمزق الجغرافي والثقافي الذي يعيشه، فارداً أحداثه على بقعة جغرافية واسعة من الولايات المتحدة والمكسيك الى المغرب واليابان. من هنا، يبني كل فيلم علاقة خاصة بجمهوره الداخلي. ففيلم موريتي يتحدث عن واقع ايطاليا وشريط دومون يدين الجيش الفرنسي بالاغتصاب في حرب ما في الشرق الاوسط (!) ويضرب ايناريتو على وتر الهجرة غير الشرعية من المكسيك الى اميركا.

العائلة والسياسة والسينما

يزور موريتي في The caiman عوالمه السينمائية الاثيرة وفي مقدمها العائلة. فما يخرج المشاهد به من الفيلم اكنشاف ربما يكون مخيباً بالنسية الى بعضهم. فمن انتظر بفارغ الصبر شريطاً ساخراً عن رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو بيرلوسكوني الذي بات معروفاً انه محور الفيلم، لن بجد كاريكاتوراً للرجل. ومن اعتقد ان الفيلم سيقدم حقائق فاضحة عن بيرلوسكوني على غرار ما فعل مايكل مور مثلاً في "فهرنهايت 11/9" فلن يعثر عند موريتي على ضالته. الواقع ان موريتي نفسه انطلق من كل تلك التصورات ومر في أشكال مختلفة لفيلمه ـ منها نسخة وثائقية ـ قبل ان يصل الى الشكل النهائي الذي هو مزيج من نظرته الى العائلة والسياسة والاعلام والسينما ايضاً في ايطاليا. ولكن موريتي لا يتورع عن خداع المشاهد في البداية حينما يسول له ان الشريط سيتخذ وجهة ساخرة كاركاتورية في تقديمه شخصية بيرلوسكوني. ومفتاح ذلك الاعتقاد "برونو يونومو" (سيلفيو اورلاندو) المنتج السينمائي العاطل عن العمل والذي اشتهر في الماضي بأفلامه الشعبوية رخيصة الانتاج. خلال حفلة تكريمية متواضعة تعرض خلالها مقاطع من فيلمه "كاتاراكت" (مقطع سينمائي صوره موريتي بروحية تشبه السلسلة التلفزيونية Xena انما بامكانيات اقل)، تتقدم منه امرأة شابة وتعطيه سيناريو نفهم انه اول تجاربه.

(The Caiman) يردد برونو بدون اهتمام. لاحقاً وبعد سلسلة من الاحداث المخيبة تتضمن انهيار مشروعه السينمائي الجديد عن كريستوفر كولومبوس وتصميم زوجته (بطلة افلامه الاولى) على الطلاق وخروجه من بيته... يجد نفسه يتصفح السيناريو الجديد سريعاً، متخيلاً بعض مشاهده الذي يتضمن الاكشن. لا يدرك "برونو" ان السيناريو عن بيرلوسكوني الا في وقت متأخر وهو في طريقه الى التلفزيون الايطالي للاتفاق مع المنتج. من هناك يتحول الفيلم بكليته الى "برونو"، تلك الشخصية العادية والخاصة في آن. وهناك يتسع المكان لموريتي ليقول الكثير عن السينما. فمن علاقة برونو الخاصة بأفلامه وشغفه بعمله، بصرف النظر عن قيمته الفنية، واكتفائه بذلك النوع من الافلام ("انها فقط طريقة ثانية في معالجة الامور" يقول في وصف نوعية السينما التي يقدمها بدون اي شعور بالدونية تجاه السينما الفنية) الى ادخال مشروع كولومبوس الضخم الذي يجد منتجه في السينما المكلفة، يقول موريتي الكثير عن السينما، السينما التي تشكل شغفاً لبعضهم بعيداً من قيمتها وعن السينما الايطالية التي باتت تستعير اليوم ابطالاً (كولومبوس) لا يمتون اليها بصلة بعد ان اشتهرت في الماضي بافلامها الناريخية. بين الاثنين، يقوم موريتي باعتراف خطير من ان الشغوف بالسينما هو في نهاية المطاف الذي يخوض المغامرة، مغامرة صنع عن بيرلوسكوني على الرغم من تواضع امكانياته الانتاجية والفنية وافتقاره الى الحس السياسي والنقدي. اما صناع السينما او الغارقون في شقها الصناعي فيختارون كولومبوس.

في رحلة تحوله التي تقوده الى التمسك بالمغامرة لا يقترح الفيلم ان برونو يتعرض لصحوة او يخوض رحلة داخلية ايديولوجية. ان اسباب تحوله خاصة جداً اساسها ان يثبت لزوجته ولنفسه انه قادر على صنع فيلم كبير وان يعود الى عالمه الاثير، السينما، ويستمع من جديد نلك الكلمات الثلاث الساحرة: "اضاءة كاميرا أكشن!".

بموازاة ذلك، لا يضيع موريتي الهدف الاولي او بيرلوسكوني. يقدمه على الشاشة بأربع حالات مختلفة كأنها المراحل والافكار التي مر الفيلم فيها قبل الاستقرار على الشكل النهائي لمعالجة موضوعه. فهو اولاً يقدمه بنظرة برونو الذي يتخيل المشاهد بينما يقرأها. نسخة تشبه افلام برونو الرخيصة والشعبوية وتتلاءم الى حد بعيد مع بدايات صعود بيرلوسكوني ونشاطه السري القذر قبل التحول واجهة سياسية واعلامية كبرى. الصورة الاخيرة نعثر عليها في النسخة الاولى لفيلم الشابة قبل ان ينسحب الممثل ويتوقف المشروع. بين الصورتين، نشاهد بيرلوسكوني الحقيقي من خلال شاشات التلفزة في اشارة الى انها هي التي صنعته وفي اشارة اخرى الى الاحتمال التوثيقي الذي رافق المشروع. اما الصورة الثالثة فهي الاكثر تأثيراً، يؤديها موريتي كممثل كان قد رفض الدور بدايةً. الفصل بين موريتي المخرج وموريتي الذي يلعب دور ممثل في الفيلم أساسي في تحقيقه المسافة بين موريتي وموضوعه وربما بينه وبين "عدوه" بيرلوسكوني. ابتعد موريتي في هذا الشق من اي تصوير كاريكاتوري او تقليد في الشكل او الحركة. لقد لعب موريتي بيرلوسكوني بالجدية التي تنبئ بخطورة الاخير وبمدى تاثيره السلبي ليقول ان النيل من بيرلوسكوني او الهزء به ليس هدفه بل ان هدفه الاضاءة على العقد الاخير من تاريخ ايطاليا وتحولاته المصيرية. مع انتقال الفيلم من صورة الى أخرى، اختلفت لغته البصرية. ففي حين ينطلق من السخرية من افلام برونو ومن مشروع الشابة يسير في اتجاه التماهي معه تماماً. في الجزء الاخير، تنتفي الحدود تماماً بين فيلم موريتي وفيلم المخرجة الشابة داخل الفيلم. واللقطة الاخيرة هي لقطة من الفيلم داخل الفيلم يختم بها موريتي فيلمه.

"بابل" والفيض

اذا كان فيلم موريتي يحتاج الى تنقيب على معانيه وشغله الداخلي، فإن Babel كان مفاجأة فورية، حققها المخرج من خلال شكل سينمائي يحاكي عمليه السابقين انما بنفحة من العظمة وبمزيج من الفانتازيا والحس الآني المعاصر. خلف تلك الرحلة الانسانية لمجموعة شخصيات في اربع بلدان وقارتين، لا تتراجع الدهشة، الدهشة من السرد المحكم والشخصيات المكتملة والاداء التمثيلي العالي والقدرة على استخراج العبر الانسانية من دون استعراض او تكلف. يفتتح الفيلم بمشهد في المغرب مع شخصيات تتحدث بالعربية حيث يشتري رجل بندقية صيد حديثة الطراز ويسلمها لولديه راعيي الماعز لحماية القطيع من الثعالب. على غرار ما فعل أمدرو نيكول في افتتاحية فيلمه Lord of War عندما تابع مسيرة رصاصة من التصنيع والتوضيب والتصدير وحتى الاستقرار في رأس أحدهم مقترحاً ان ذلك هو مصيرها المحتوم، كذا يفعل ابناريتو هنا عندما يجعل الرجل يسلم ابنه الذي لم يجاوز الثالثة عشرة ربما البندقية مثيراً منذ اللحظة الاولى التساؤلات حول مصير هذا السلاح في يد طفل. لا يطول الامر قبل ان تصيب رصاصة طائشة من البندقية سائحة اميركية (كايت بلانشيت) في باص مع زوجها (براد بيت) ومجموعة اخرى على طريق جبلية في المغرب. هكذا يربط الفيلم بين شقيه السرديين في المغرب وكاليفورنيا حيث ترك الزوجان ولديهما في رعاية مربيتهما المكسيكية "اميليا" التي تضطر الى اصطحابهما الى المكسيك لحضور زفاف ابنها بعد تأخر موعد وصول الوالدين بسبب الحادثة. وفي ربط أقل عضوية، يتضح ان البندقية انما مصدرها رجل اعمال ياباني ثري كان في رحلة صيد الى المغرب قبل سنوات وقرر ان يهدي البندقية لدليله هناك. يتنقل الفيلم بين القصص الاربع مع احتفاظ كل منها بقوتها السردية وبخصوصيتها. تتشارك القصص الاربعة على أرضية الحياة والموت. نواجه كل من شخصيات القصص تلك الحد بين الاثنين وتختبر الموت كاحتمال قد يقع بأسخف الطرق واكثرها عبثية. انه ليس الموت المحتوم او البديهي الذي يقع بمريض او بمحارب على الجبهة او بمجرم... انه الموت الذي كان يمكنه الا يحدث ولكنه حدث نتيجة لسلسة من الاحداث غير المتوقعة. يستكمل ايناريتو اسلوبه السردي المتقطع عامداً الى تقديم الحدث من زوايا عدة انما بفارق زمني طويل كالمحادثة التلفونية التي نراها في البداية بين المربية وبيت من وجهة نظر الاولى ليعود اليها في اخر الفيلم هذه المرة من طرف الرجل. يبني ايناريتو على فكرة العزلة وانتفاء التواصل. الكل تائه اما في صحراء خارجية او في صحرائه الخارجية. يكتسب الشق الحكائي الذي يدور في اليابان قوة استثنائية في هذه الثيمة حيث يركز على ابنة رجل الاعمال البكماء التي تذهب الى تخوم بعيدة لتختبر التواصل المفقود. في غياب حواسها، لا يبقى سوى جسدها الذي تقدمه عارياً لاي عابر في سبيل ان تشعر بدفء التواصل. ولكن حتى بين الاشخاص الذين يسمعون ويتكلمون، ثمة ما هو مفقود بسبب سوء الفهم بين الناس والميل الى الحكم المسبق كما يقترح الفيلم. فردة الفعل الاولى على تعرض الاميركية لعيار ناري هو اعتبارها هجوماً ارهابياً. والمشاهد بوقوفه على جانب الشاهد على الاحداث يختبر من الداخل كيفية تصعيد الامور وكمية سوء الفهم التي تعالج الامور بها من الاطراف كافة وتؤدي الى انهيار حيوات انسانية وعلاقات حتى في غياب النوايا السيئة.

بين الطبيعة الصحراوية للمغرب والاستوائية للمكسيك والمشاهد الداخلية لبيت العائلة في كاليفورنيا والحس المديني المعاصر في اليابان، يختبر الفيلم لغة بصرية متدفقة متنوعة وغنية ويقدم فيضاً من الصور والافكار التي تركز على علاقة الانسان بمحيطه الطبيعي. ويتيح له ذلك التنوع الدخول في مناخات مختلفة والغوص على الصورة ليس فقط كمادة جمالية وانما كوسيلة تواصل محتملة. فتلك المشاهد الطويلة للطبيعة ترافقها الموسيقى التي تبدو خارجة منها هي بشكل ما رسالة ايناريتو حول امكانية التواصل في هذا العالم. ان ما يحققه الفيلم على صعيد هذه التفاصيل الصغيرة يعود بالدرجة الاولى الى قدرة غير اعتبادية على دخول المكان والتماهي معه من دون اية محاولة لتشكيله بحيب فكرة او معتقد. لذلك لا يشعر المشاهد في اية لحظة ان عين الكاميرا غريبة عن المكان بل هي جزء منها بعيدة من النظرة الاكزونيكية والسياحية حتى في تصويرها السياح. ولا شك في ان التعامل مع ممثلين (معظمهم غير محترف) من كل بلد وادارتهم بلغتهم الاصلية هو انجاز اضاف الى حساسية الفيلم تجاه الثقافات المختلفة والروح الانسانية الجامعة. وحدهما قصتا الزوجين الاميركيين والفتاة اليابانية تختتمان في حين يبقى مصير المربية والولدين المغربيين مفتوحاً.

"فلاندرز"

بين طبيعتين شديدتي الاختلاف ايضاً، ينقل الفرنسي دومون أحداث فيلمه "فلاندرز" مفتتحاً بمشهد حرث الأرض الذي سيتكرر بصور مختلفة مفضياً الى فكرة اساسية هي علاقة الانسان العضوية بالارض وبالجسد، اشتغل عليها في فيلميه السابقين "الانسانية" و"29 نخلة". يدور الجزء الاول من الفيلم في قرية فرنسية نائية، لا نلتقي سوى خمسة او ستة من اهلها منهم "اندريه" الشاب الصامت الذي تربطه علاقة بالمراهقة "بارب" انما ينكرها امام الناس و"بلونديل" صديقها الجديد الذي تخرج معه انتقاماً من انكار اندريه لها. وهناك ثنائي آخر صديق لهما. يقضي اندريه اوقاته بين الاعتناء بالمزرعة والقيام بنزهات مع "بارب" تتخللها لقاءات جنسية عابرة باردة بدون كلام يسبقها او يتبعها. يثقل تلك اليوميات انتظار مغادرة الشباب الى حرب ما غير محددة. من تلك الطبيعة البدائية الهادئة، يغادر الفيلم مع اندريه ورفاقه الى حرب في بلد عربي ما. تختلف الطبيعة بشكل جذري ومعها تتبدل نفوس الشخصيات. هناك يخوضون حرباً جسدية ومعنوية وأخلاقية. لا يهتم المخرج بالمعارك الكبرى مكتفياً بتصوير الحرب على مقاس شخصياته. مشاهد قليلة توصل فكرة جحيم الحرب، يصممها وفقاً لمعادلة الفعل ورد الفعل. تتعرض الكتيبة لاطلاق نار ويموت أحدهم. في الهجوم التالي، يقتل الجنود ولدين مسلحين بحس انتقامي واضح. وفي المعركة الثانية، يعمدون الى اغتصاب جندية لتنقلب الادوار لاحقاً عندما يتم القبض عليهم وتواجههم الفتاة لتقوم هي بانتقامها الآن. انشغل كثيرون بتأويل الحرب التي يشير الفيلم اليها. ولكن دومون لا تهمه الاشارات ولا الرموز. وليس جعله تلك الحرب مجهولة هو من قبيل التملص من تبعات تسميتها. انه اسلوبه في تفكيك الواقع مبقياً على عناصر منه كالطبيعة والاصوات والاداء التمثيلي. وكل ما عدا ذلك هو بناء لحقيقة سينمائية من شأنها أن تستفز المشاهد لا ان تشعره بأن ما يراه انما يحدث دائماً وبالطريقة عينها كما يحدث في الواقع. لا يدخل الفيلم في ادانة لاي من الطرفين، مركزاً على الدوافع الشخصية التي تختتم في النهاية معركة اندريه وبلوندل على "بارب". ان تتحول الحروب ساحة لفض المشكلات الخاصة لهو رثاء أكبر للانسانية نفسها. يحمل اندريه ذنب تركه بلونديل جريحاً ولن يتمكن من الخلاص الا بمشاعر حب جارف. على صدر "بارب" في وضعية تشبه وضعية ممارستهما للجنس في البداية، يجد اندريه خلاصه ليس من خلال الجنس انما من خلال التواصل الجسدي الذي لم يحققه الجنس له. انه الحب الذي لا يشبه الجنس والذي يوحد اثنين من دون ان يخترق احدهما جسد الآخر تماماً كما تحتضن الطبيعة الانسان.

المستقبل اللبنانية في

25.05.2006

 
 

"مشروع" سينما تروج لقيم وأفكار وسلوكيات

فيلم حليم يلخص مشكلة السينما العربية المريضة بداء الكلام

كان - القبس - صلاح هاشم

كان عرض فيلم حليم لشريف عرفة في مهرجان كان السينمائي 59 بحضور عدد كبير من نجوم السينما العربية من أمثال النجم محمود عبد العزيز، والشخصيات الإعلامية الكبيرة مثل الشيخ صالح كامل، والقائمة تطول..كان حدثا سينمائيا ضخما بكل المستويات، فقد كانت هذه المرة الأولى التي يعرض فيها فيلم مصري قطاع خاص بهذه الضجة الإعلامية العرمرمية، وبحضور نجوم الفيلم، ومنتجه الإعلامي عماد الدين أديب، معلنا عن انطلاقة شركة إنتاج سينمائية مصرية طموحة وعملاقة، وتستطيع جود نيوز يقينا وبكل هذا الحماس والطاقة المتفجرة عند أصحابها، للمشاركة في صنع 'صحوة جديدة' للسينما المصرية، تستطيع بالفعل أن تقوم بعملية 'تثوير' لهذه السينما من ناحية تأسيس قاعدة إنتاجية مستنيرة شاملة، بعد أن تآكلت الهياكل القديمة رسمية وغير رسمية أو اندثرت، ولم تعد صالحة لعصرنا وزمننا، كما أن هذه الهياكل بالرجوع إلى تاريخها، ظلت محلك سر، ولم تتطور مع الزمن، ومازالت تتحكم فيها العقليات القديمة، ونحن مازلنا متأخرين عن السينما في العالم بمسافة ربع قرن أو يزيد.

'حليم' مشروع سينما يروج لقيم وأفكار كان فيلم حليم الذي أحببته، وأعجبت به كثيرا، مع بعض التحفظات، قد سطع في 'كان' مثل كوكب منير، وكشف عن عدة مواهب سينمائية جديدة، مثل موهبة هيثم احمد زكي، وأكد أن ثمة مواهب قديمة قد ترسخت، وازدادت حلاوة وتألقا مع الزمن، ولم يخيب 'حليم' أملنا في سينما مصرية جديدة نظيفة وواعية، تحمل فكرا، وتروج لقيم نبيلة وسلوكيات، في محل ذلك الهراء العام الذي صارت إليه حياتنا، بهذا التل الركام من المسلسلات والأفلام الكوميدية العبثية التافهة، التي تقصفنا بها شاشات التلفزيون العربية في كل لحظة، ولا علاقة لها بالسينما أو بأي شيء.

حقق 'حليم' الذي يروي لنا طفولة وصعود نجم العندليب الأسمر وقصة حياته على مدار أكثرمن ثلاثين سنة عدة أحلام، من ضمنها حلم الفنان المرحوم أحمد زكي.. في أن يمثل دور عبد الحليم قبل أن يموت، وقد تحقق حلمه، ..وحقق أحمد زكي بدوره في الفيلم إضافة جديدة غنية إلى أدواره العملاقة في أفلام 'طائر على الطريق'، و'السادات'، و'زوجة رجل مهم' لمحمد خان و'ناصر 56' لمحمد فاضل و'أرض الخوف' لداود عبد السيد، وهي في اعتقادنا من أجمل وأعمق أفلام السينما المصرية.

وبلور 'حليم' حلم ومشروع عماد الدين أديب، في النهوض بصناعة السينما في مصر في أبهى صورة، فربما كانت فكرة الأخذ بمبدأ العمل بنظام الإنتاج الضخم، كما هي الحال مع استديوهات هوليوود الكبرى، مثل استديو والت ديزني، كفيلة بأن تخرج السينما المصرية من النفق المظلم..

نفق السينما المتهالكة العجوز التي عفى عليها الزمن،وصارت بإيقاعها وثرثرتها العقيمة من مخلفات عصر مضى، وعليها أن تتطور الآن في عصر العولمة، وتنفض عنها غبار التخلف، وتتكيف مع المتغيرات الجديدة على مستوى الواقع والصورة ومشكلات عصرنا.

يحكي فيلم 'حليم' حياة وكفاح فنان إنسان ومواطن ومغن مصري مع الألم، ويصور قصة صعوده ونجاحه، من طفل يتيم في ملجأ، الى صوت لجيل في الوطن، 'الجيل' الذي صعد وكبر مع أغنيات عبد الحليم، وتربى في حضن ثورة جمال عبد الناصر، ودخل مثلنا الجامعة المصرية ليتعلم بالمجان، ومنحته الثورة كل شيء، وعلمته أن يرفع رأسه بعد أن مضى زمن الاستعباد، وأعادت إليه الكرامة في الوطن، وبنت لمصر السد العالي.

ونعيش في الفيلم حكاية صعود المطرب عبد الحليم شبانة، الذي كان جده اشتهر لحلاوة صوته، بأنه يغني للخيل فتطرب، وذكريات حياته في الملجأ، التي تظل تطارده حتى آخر لحظة من عمره، وقصته مع الثورة وجمال عبد الناصر، والآمال والأحلام التي داعبت مخيلة جيل كامل، من خلال مطرب أحبه كل الناس.. وكان علما من أعلام الغناء في الوطن.

ولم يبالغ عماد الدين أديب، عندما وصف عبد الحليم في تقديمه للفيلم، وقبل عرضه الأول في 'سوق الفيلم' في 'كان 59' وبحضور 'القبس'، فذكر بأنه كان في شهرة ألفيس بريسلي وفرانك سيناترا، أما على مستوى الغناء، فاني أعتقد أن حليم كان أقرب بما حققه في مجال الأغنية وبخاصة في مجال الأفكار والقضايا التي تطرحها، اقرب إلى المغني الأميركي بوب ديلان، الذي ارتبطت أغنياته بجيل الستينيات في أميركا، والأفكار التي اعتنقها، وكان كما عبد الحليم، صوتا لجيل بأحلامه ونضالاته.

'حليم' لحظات مسروقة من ألبوم شخصي

كما نعيش في 'حليم' قصة علاقة الحب التي خبرها مع ثلاث نساء، من ضمنهن ابنة باشا تموت في الفيلم بن ذراعيه على سرير المرض، بعدما ترفض أسرتها الارستقراطية، أن تتزوج من 'مغنواتي' من أصل متواضع وريفي وفقير، أي أن أصله في عرف السادة في الوطن 'واطي' منحط، كما نتعرف في الفيلم على حكاية الحب التي عاشها في السر مع الفنانة الكبيرة 'سندريلا' السينما المصرية سعاد حسني، ويسلط 'حليم' الضوء على أشياء وأحداث كانت مجهولة أو خفية سرية ويكشف عنها النقاب، وتلكم حسنة حسنات الفيلم، الذي نمر من خلاله على شخصيات كثيرة، من ضمنها شخصية الفنان موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وكوكب الشرق السيدة أم كلثوم، والشاعر المصري العظيم صلاح جاهين، ورويدا يعمل الفيلم عمله، بقوة ضوء وكيمياء السينما الساحرة، على مستوى الأحداث التي عاشها جيلنا، أي الجيل الذي أنتمي إليه، فتنفطر لبعض مشاهد 'حليم' الإنسانية المؤثرة قلوبنا، وتجعلنا نبكي 'حليم' في سرنا من فرط التأثر، ونحن نحج أيضا في ذات الوقت إلى ذكريات عصر مضى، عصر حليم ابن الثورة، وصوت الحب، وأنشودة الامل، ومن فرط استغراقنا في أحداث الفيلم، نسرق بعض اللحظات خلسة من ألبوم حليم الشخصي، ونضعها في ألبوم ذكرياتنا.

نروح نستحم مع حليم في ترعة البلد، ونتألم معه حين ينهش كبده وحش البلهارسيا، ونبكي معه بنت الباشا التي ماتت بين يديه، بعد ان نكون اصطحبنا حليم وحبيبته الى عش حبهما في صحراء الهرم، ونصبح بفضل تمثيل طاقم حليم المدهش، وروعة الأداء، نصبح مثل العصافير اليتيمة المحلقة، التي تبكي نهاية عصر بأكمله، بعد وفاة عبد الحليم، وجمال عبد الناصر، وام كلثوم وصلاح جاهين، وكل الرموز المصرية العظيمة، بأعمالها الفذة، التي سطعت في حياتنا، ونروح نلملم ذكريات الحب والضياع، وأد الحلم، والفشل وذكريات النكسة.

يعيد الينا الفيلم وهو يؤرخ لمصر في فترة، حكاية حلم التغيير في الوطن، وتحكي كيف انكسر، وهي تحرك في الفيلم الروائي مشاعرنا بقوة المشاهد التسجيلية الوثائقية في أرشيفنا القومي والجريدة الناطقة المصورة، وتستفيد سينما شريف عرفة هنا من التسجيلي في الروائي، فتدعمه وتعزز تأثيراته، وتمنحه مصداقية أكثر، وتجعلنا نتغاضى عن عيوب سيناريو الفيلم، ومن ضمنها بعض الخطب والبكائيات والتصريحات الجعجاعة في بعض المشاهد، والتطويل غير العضوي والضروري، وترهل السيناريو احيانا الى حد الإزعاج والسأم والملل.

والسينما الجديدة المتطورة كما نعلم لا ترحم، لأنها فن الاقتصاد والتكثيف عن جدارة، وتحكي بالصورة مثل الشعر، لا بالكلام الكثير الوباء، وتنشد الإيقاع السريع، ولا أظن أن الإيقاع هو أفضل حسنات 'حليم' أو الحكي بالصورة. هناك إخراج مدهش، لكنه يظل حبيس تصوير السيناريو فقط، صفحة صفحة، وهناك اضاءة جيدة في الفيلم وتصوير رائع، لكنه يظل في أحيان كثيرة مجرد تصوير 'كارت بوستال'، جميل صحيح، لكن بلا روح.

الرهان على السينما

التي تعبر عن هموم اليوم بالإضافة إلى أن هذا التطويل الممل، وعدم نسيان أي حادثة او واقعة عاشها عبدالحليم الا ذكرها في الفيلم، حتى كدنا نصرخ في النهاية أن كفاية، وحرام عذبتمونا، جعل الفيلم يبدو لنا كما لو كان مسلسلا تلفزيونيا من ثلاثين حلقة، وجرى ضغطها بنجاح في فيلم من ساعتين ونصف الساعة. ومشكلة هذا النوع من الأفلام التي تتجاوز الحدود، وتريد أن تحكي عن رموز، وتنسى ان السينما هي 'ايقاع' و'روح' وليست جلسات استماع لحكاوى، مشكلتها أنها تستسلم للسرد فقط، وتنشغل بالتصوير من دون أن تنتقي وتختار،أو تركز فقط على الضروري والجوهري.

مشكلتها أنها تصبح في نهاية المطاف أعمالا تلفزيونية جيدة، بعيدة عن روح السينما، التي تحمل هما، وتستحوذ بنبضها وإيقاعها، وتوهجها في لحظات الصمت، على روحك.

مشكلة فيلم حليم تلخص مشكلة السينما العربية في مجملها، المريضة بداء الكلام، والكريمة مع جمهورنا إلى أبعد حد، وتريد في كل مرة أن تتحفه بوجبة سينمائية دسمة، وتحكي له عن كل شيء من منطق 'يالا بركة'، والكثير أحسن من القليل، ومن دون أن تفكر لحظة واحدة، بأنها يمكن أن تكتم على قلبه ونفسه، وتميته بالتخمة.

مشكلة 'حليم' أنه يحكي مائة قصة وأغنية في فيلم، ويجعل الإذاعي الدرامي، هو الذي يقود من خلال تصوير الفيلم إلى المواقف والذكريات التي يحكي عنها عبد الحليم في حوار إذاعي طويل اجري معه، ويحكي فيه قصة حياته، ويكتفي الفيلم بهذا، ولا يتقدم من عند ذلك خطوة، كي يبتكر أو يقدم جديدا، لينعشنا ويدهشنا ويمتعنا في آن. مشكلة 'حليم' انه سرد علينا تفاصيل حياة العندليب الأسمر، وانطلق في جميع الاتجاهات، فخلق فقط كيانا بصريا، يتجاور مع طبيعة المسلسل التلفزيوني الجيد بكل المقاييس، لكنه يفتقد، نقول الصراحة، روح السينما الحقيقية.

يحكي الفيلم عن هموم جيل وعمر وتاريخ، غير انه هو ذاته، نتركه حين نغادر القاعة، ولا يصبح عبئا أو هما.ورهان مشروع عماد الدين أديب، والمشروعات السينمائية الجبارة القادمة على الطريق، لا يجب أن يكون في 'تعليب' حياة رموز حياتنا، وتقديمها على الشاشة فقط، حتى يتعرف عليها شباب اليوم والغد، وكل هذا حسن.

بل في صنع افلام تحكي ايضا عن هموم اليوم، وعذابات المواطن المصري كل نهار، في مجتمعاتنا الجديدة. الرهان معقود على الأفلام التي تطرح تساؤلات بشأن اليوم، وتسعى الى تجاوز التجاري والسائد، ولا تكتفي فقط بتحسين 'النوعية'، وصنع بضاعة جيدة كما في هوليوود وملفوفة في ورق سوليان، بل تدخل في مغامرات لصنع سينما حقيقية بديلة، وليس من نوعية فيلم 'حليم' فقط. الرهان معقود على السينما التي تحمل هموم الحاضر بنت اليوم، وتمنياتنا لجود نيوز في مشروعاتها الجديدة الوليدة.

القبس الكويتية في

25.05.2006

 
 

"تــمـــســـــاح" مـــوريـــــتـي لا يــخـــــيــف أحــــداً

والبـــــــورنــــو  يـــثــــيــر الغـــــرائـــــز ولا يـقــــــيــم المــــوتــى

من هوفيك حبشيان:  

لم تكن عودة ناني موريتي الى "مهرجان كان" بعد 5 سنوات على نيله "السعفة"، موفقة على المستوى الفني، رغم انه شغل كثيراً رواد المهرجان سواء في المؤتمر الصحافي الذي عقده او عند تسلقه السلالم الشهيرة او خلال السهرة التي اقيمت على شرفه. شريطه "التمساح"، يروي قصة مخرج افلام رديئة يرغب في ايجاد ممثل يجسد دور برلوسكوني. تركيبة الفيلم معقدة، والمشاهد تتضمن قدراً هائلاً من الثرثرة والرؤية غير واضحة والاخراج لا يحتوي على اي عامل من عوامل جذب الانتباه. ثم ان امتناع موريتي عن القيام بالدور الرئيسي واكتفائه بتجسيد دور برلوسكوني متنكراً وجاعلاً من المليونير الايطالي كاريكاتوراً، ليس لمصلحة الفيلم البتة. هذا كله لم يساعدنا في الانخراط في اجواء هذا العمل، فخرجنا منه بإحساس مؤلم بأننا صرفنا وقتاً على شيء لا يستحق المشاهدة في مهرجان يتضمن مئات الافلام، حدّ انه ينبغي لكل منا ان يختار "فيلمه" مستنداً الى  تجربة المخرج السابقة او ما يسمعه من هذا او من ذاك.

ازاء هذا كله، هناك حقيقة قوامها ان موريتي يعتبر "التمساح" فيلم حب وتحية الى السينما وشريطاً سياسياً. بيد اننا لا نجد فيه تلك النبرة الحميمية التي ميّزته عن سينمائيي جيله في ايطاليا وخارجها. فـ"التمساح" عكس بعضاً من مواقف موريتي وآرائه في السياسة الايطالية والامساك بزمام السلطة، لكن لم يرد من خلاله، حسبما قاله في المؤتمر الصحافي، ان يكون رمزاً لليسار، مؤكداً انه في افلامه السابقة امضى وقته وهو يهزأ من اليسار الذي يعتبره مازوشياً، لكنه عندما ينجز فيلماً لا يفكر في جمهوره. "يسكنني شعور متصل بالعالم الذي من حولي. واحاول ان اعبّر عن احساسي بأفضل طريقة ممكنة. اذا اردنا ان نغيّر رأي المشاهد او ان نجعله يدرك شيئاً ما، فأنا متأكد من اننا سننجز فيلماً سيئاً".

يقول موريتي ان من الصعب مقارنة الوضع في ايطاليا بالظروف السياسية في البلدان الاخرى. "إنه لأمر مشين، اعطاء المواطن الحق في ادارة 3 من اصل 6 تلفزيونات عامة، ثم السماح له بالترشح للانتخابات. وليس لأن اليسار احرز نصراً في الانتخابات الاخيرة، يعني انه لم يعد هناك مشاكل".

يذكر ان الصالة التي عرضت سلسلة افلام الـ"بورنو" التي اختارها المخرج الفرنسي غاسبار نوويه، كادت تنفجر من كثرة المشاهدين المتعطشين لرؤية فيلم اباحي وعيش تجربة مماثلة مع الاخرين. جاءت الاعمال المعروضة والمتمحورة حول الجنس متفاوتة المستوى، فبعضها كان عادياً ويتضمن طموحاً ظلّ في حدود الطموح، والبعض الآخر كان لا يقل رداءة عن الافلام الاباحية التي تعرض على القنوات المشفرة. ولا شك ان فيلم المخرج الاميركي لاري كلارك كان لافتاً في طرحه الجنس بجزءين: جزء يمتنع فيه عن عرض الجنس بل يتطرق اليه عبر الكلام، وجزء ثان لا يتوانى فيه عن الاستسلام لمنطق الفيلم الاباحي. وعليه، ما يصنع جمال الفيلم هو الطرافة التي يُطرَح فيها موضوع محرّم في الكثير من البلدان. اللافت ايضاً في هذه السهرة المخصصة للافلام الاباحية، طبيعة المتلقي الغربي ونضجه، اذ بقيت الصالة هادئة (أقله ظاهرياً)، حتى في لحظات طويلة لا يفعل المخرج الا ان يلتقط بالزمن الحقيقي عملية ممارسة الجنس. فالشيء المثير للغرائز الذي رأيناه على الشاشة لم يمنع المشاهدين من البقاء في أمكنتهم رغم دعوة غاسبار نوييه، ممازحاً، الى "فعل اي شيء في الصالة لكن ضمن اطار جماعي وقانوني".

من جهة أخرى، وبعد جائزتين في "مهرجان كان"، يعود المخرج الفرنسي برونو دومون بفيلم "فلاندر" الذي يصور مجموعة جنود من جنوب فرنسا يذهبون الى حرب اندلعت في بلاد بعيدة. بعد نيكول غارسيا، برونو دومون هو المخرج الفرنسي الثاني الذي يعرض فيلمه في كان ضمن المسابقة الرسمية. اما المخرج المكسيكي اليخاندرو غونثاليس ايناريتو، فحاز فيلمه "بابل" اعجاب كل من الجمهور والنقاد، وصعب على من اراد مشاهدته ان يعثر على بطاقة دخول الى صالة "لوميير". من جانبه، سجل المخرج التركي نوري بيلغ سيلان اطلالة جديدة بعد 3 سنوات من نيله الجائزة الكبرى مع فيلمه "اوزاك".

النهار اللبنانية في

25.05.2006

 
 

فيلمنا في المهرجان

"البنات دول" علامة في السينما التسجيلية المصرية

رسالة مهرجان كان: سمير فريد 

من بين أكثر من ألف فيلم طويل "روائي تسجيلي تحريك" اختارت ادارة مهرجان كان السينمائي الدولي ال 59 "17 28 مايو" اكبر مهرجانات السينما في العالم 20 فيلماً في المسابقة و24 في برنامج "نظرة خاصة" و21 خارج المسابقة ومنها 9 أفلام تسجيلية من أمريكا وفرنسا وايطاليا والمانيا ومصر "البنات دول" اخراج تهاني راشد.

منذ عشر سنوات كان عرض فيلم تسجيلي طويل أو فيلم تحريك طويل حادثاً نادراً في مهرجان كان وغيره من المهرجانات الكبري. ولكن القنوات الفضائية وكاميرا الديجيتال صنعت العصر الذهبي الأول للأفلام الطويلة التسجيلية والتحريك بعد أن أصبحت جزءاً من اسواق السينما. ولم يعد من الغريب أن يدر فيلم تسجيلي أو تحريك الملايين مثل الأفلام الروائية الطويلة. ومن ناحية أخري ساهمت كاميرا الديجيتال في تحرير السينما التسجيلية بصفة خاصة. سواء من الرقابة الحكومية حيث يمكن التصوير من دون اذن مسبق. أو من التكاليف الكبيرة.

ومنذ عشرين سنة كان عرض فيلم طويل من اخراج امرأة في مهرجان كان أو غيره من المهرجانات الكبري حدثاً نادراً بدوره. وخاصة داخل المسابقة. أما الآن فقد أصبح من الأمور العادية. ونادراً مايخلو أي قسم داخل أو خارج المسابقات في برامج المهرجان الرسمية أو البرامج الموازية من أفلام من اخراج نساء. وفي تاريخ السينما التسجيلية المصرية. والعام القادم 2007 يشهد مئوية السينما المصرية التي بدأت مثل كل صناعات السينما في العالم بانتاج افلام تسجيلية. لا يتجاوز عدد الأفلام التسجيلية الطويلة عشرين فيلماً. ولم يسبق أي عرض فيلم تسجيلي طويل من مصر أو العالم العربي في مهرجان كان أو غيره من المهرجانات الكبري. الاثنين الماضي في قاعة بونويل في قصر مهرجان كان عرض فيلم تسجيلي طويل من الانتاج المصري الخالص "ستوديو مصر" ومن اخراج مخرجة مصرية مصور بكاميرا الديجيتال من دون أن يحصل علي اذن مسبق للتصوير من الرقابة. انه حلم قديم تحقق من احلام رواد السينما التسجيلية العظام الراحلين سعد نديم. وصلاح التهامي وعبدالقادر التلمساني. وتلاميذهم النابغين أحمد راشد وهاشم النحاس وعطيات الأبنودي ونبيهة لطفي وغيرهم من اعلام السينما التسجيلية المصرية.

مخرجة من مصر

تعيش تهاني راشد في كندا منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي. وقد عملت حتي 2004 في الناشيونال فيلم بورد الذي ساهم مساهمة رئيسية في صنع تاريخ السينما التسجيلية في كندا والعالم. ويعتبر من أهم المؤسسات الكندية الدولية. ورمز من رموز كندا الثقافية الكبري. و"البنات دول" الفيلم التسجيلي العاشر لمخرجته في 35 سنة حيث أخرجت أول أفلامها عام .1972 ومن هذه الأفلام فيلم عن الحرب الأهلية في لبنان عام 1983. وآخر عن قضية فلسطين عام 2004. وفيلم "4 نساء من مصر" عام 1997. والذي كان أول أفلامها عن مصر. ويعتبر من روائع الأفلام التسجيلية الطويلة حيث قدمت رؤية شاملة لتاريخ مصر في نصف قرن بعد ثورة يوليو 1952 من خلال 4 نساء صديقات هن ناقدة الأدب والمسرح الكاتبة صافيناز كاظم واستاذة الأدب الفرنسي امينة رشيد والناشطة السياسية شاهندة مقلد واستاذة التربية والتعليم وداد ميتري. فالصداقة تجمع بينهن رغم الاختلافات الطبقية والدينية والمهنية الكاملة. ولكن مايجمع بينهن أيضاً انهن جميعاً تعرضن للاعتقال السياسي عدة مرات في عهد عبدالناصر وعهد السادات.

6 بنات من مصر

وفي فيلمها الثاني عن مصر "البنات دول" تنتقل تهاني راشد من خلاصة التاريخ المعاصر عبر تجارب 4 مثقفات من مصر. إلي خلاصة من الواقع المعاصر عام 2006 عبر تجارب 6 بنات من اطفال الشوارع في زوايا حي من احياء الأثرياء الجدد في القاهرة الثالثة حيث بنيت هذه الأحياء منذ نحو أربعة عقود "القاهرة الأولي هي الفاطمية منذ ألف سنة. والقاهرة الثانية الإسماعيلية نسبة إلي الخديو اسماعيل منذ 150 سنة".

البنات الست توتة ومريم ورضا وعبير ودنيا وايمان من اطفال الشوارع الذين يعيشون يومهم من دون أمس ولا غد. وكل يوم مثل الأمس والغد: ينامون في أي مكان. ويأكلون من أي مكان بما في ذلك صناديق القمامة. وكلهم دون العشرين وبعضهم دون العاشرة. ومنهم أيضاً أطفال رضع. ومن الأطفال الرضع من لا أب معروفاً له. أو "ابن الشعب" علي حد تعبير احداهن. والواضح من الفيلم أن المخرجة عايشت شخصياتها أكثر من سنة. فنحن نري الفتاة الحامل في بداية شهور الحمل وحتي انجاب الطفل. "قالت المونتيرة مني ربيع أن النسخة النهائية ساعة و8 دقائق صنعت من مواد مصورة تبلغ مدة عرضها نحو 60 ساعة".

كل بنت من البنات الست حالة مختلفة عن الأخري. فمنهن من هربت من أسرتها. ومنهن من ولدت في الشارع. ومنهن من يظهر فجأة من أسرتها من يطالبها بالعودة إلي المنزل. ومنهن من نسيها أهلها. أو من لا أهل لها أصلاً. ولكن يجمع بينهن البؤس. ومقاومة البؤس والتحايل عليه بل وقهره عن طريق الاستمتاع بالحياة في ذاتها. أي العثور علي ماهو جميل لمجرد التنفس والبقاء. أما حياتهن الخاصة. فلكل منهن شاب أحبته من اطفال الشوارع أيضاً وبالطبع. ولكن اغلب هؤلاء الشباب في السجن لإرتكابهم مايعاقب عليه القانون من السرقة إلي بيع المخدرات..

سيرك خاص

وللوهلة الأولي يبدو أن البنات عاهرات. ولكنهن لسن عاهرات. وانما مغتصبات بحكم وجودهن في الشارع. أي يدفعن ثمن استباحة الجميع لهن. ومنهن من قصت شعرها وارتدت ملابس توحي بأنها ذكر حتي تتمكن من مقاومة الاغتصاب. انهن يستسلمن وكل أملهن علي حد تعبير احداهن "لا تعوير ولا تخزين". أي من دون أن يتعرضن للعنف البدني. أو للحجز فيما يطلقن عليه "عشة ويصا" حيث تحبس الفتاة لفترة. ويتناوب عليها أكثر من شخص.

"الحكومة" بالنسبة إليهن شبح غامض يتمثل في رجال الشرطة الذين يطاردوهن. أو يحبسون الشباب الذين يتبادلون معهن الحب. الخير الوحيد يأتي من السيدة هند وهي امرأة طيبة متدينة من الطبقة الوسطي عطفت عليهن وفتحت لهن قلبها ففتحوا قلوبهن لها. وأصبحت ملاذهن الآمن. ولا تحاول هند ولاتفكر في تغيير ظروف "البنات دول. أو إنقاذهن من الحياة في الشوارع. وانما توجيه النصح في اطار الظروف القائمة بالفعل لتجنب المزيد من الاضرار والمحن. بل انها تستمد منهن القدرة علي الحياة رغم كل شيء.

"الحي" الخاص الذي تعيش فيه "البنات دول" مثل سيرك يجمع البشر مع الطيور والحيوانات. وهن لسن من الغجر. ولكنهن أقرب إلي منطق الغجر في الحياة من دون أن يدركن ذلك حيث العواطف الجامحة. والأصول المبتدعة لكل شيء حتي السرقة. واللامبالاة بالتفكير العقلاني الذي يحسب ويحصي وينظم ويرتب. وهذا ما أدركه الموسيقي الموهوب تامر كروان بتأليف موسيقي أقرب إلي موسيقي السيرك واستخدام المخرجة البارع للموسيقي. انه فيلم خرج من رحم سينما كوستورتيشا.

ومما يؤكد طابع السيرك بداية الفيلم لإحدي البنات علي حصان تسير به وسط السيارات في الشوارع. وهو مشهد يتكرر مرة أخري بالقرب من النهاية. والبهجة التي تتولد من الألم. مثل بهجة البهلوانات. ومما يؤكد النزعة الغجرية الاحساس القوي بالموسيقي والغناء. ويغني اطفال الشوارع في الفيلم اغنية "مواطن ومخبر وحرامي" في تحية إلي تحفة داود عبدالسيد التي لخصت عصراً كاملاً وهناك مشاهد عديدة في "البنات دول" تصل إلي ذروة انسانية رفيعة مثل مشهد ولادة الرضيع حيث تنبعث الحياة من أفسد الدم. ومشهد اعداد مهد الرضيع في صندوق من الصناديق المهملة.

هل هذا فيلم تسجيلي. أم فيلم روائي تمثل فيه شخصيات علي حقيقية ادوارها الحقيقية في الحياة. ليس هذا المهم. فالتصنيف النقدي علي الابداع. وعلي الناقد أن يخضع للابداع. وليس للتصنيف المسبق. الأهم هو الصدق الفني. وتهاني راشد لا تسعي لاندماج المتفرج فيما يراه وكأنه فيلم روائي. أو تصديق انها خرجت بالكاميرا وصورت الواقع كما هو وتعرضه وكأنه فيلم تسجيلي بالمفهوم الشائع للسينما التسجيلية. وانما هي صورت واختارت مما صورته مايعبر عن وجهة نظرها. ولذلك هناك مشهد تتحدث فيه من وراء الكاميرا. وتسأل احدي البنات يمكن أن نوقف التصوير إذا أردت. ولا تعني تهاني راشد بالعلاقة بين "حي" اطفال الشوارع الخاص. والحي الذي يوجد فيه بالقاهرة. ولا تهتم بالتناقض بين العمارات الشاهقة التي تبدو في لقطة واحدة. والحياة خلف هذه العمارات. وبالطبع ليس المقصود من ابراز القدرة علي الحياة والبقاء تجاهل المأساة التي يعيشها أطفال الشوارع. فالفيلم صرخة من أجل العمل علي حل هذه المشكلة. ولكنها صرخة انسانية في عمل فني جميل.

الجمهورية المصرية في

25.05.2006

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)