كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

سبعة أفلام هي الفيض الأول من مسابقة كان الـ59 والمنافسة غير محسومة بعد

ألمودوفار يحكي كل شيء عن أمه ولوتش في مراجعة لتاريخ حركات المقاومة

كان ـ ريما المسمار

مهرجان كان السينمائي الدولي التاسع والخمسون

   
 
 
 
 

ينتابك، وانت في كان، إحساس مفاجئ بالملل. ليس لأن شيئاً يدعو الى الملل ولكن لأن التوقعات المحلقة في سماء هذه المدينة الفرنسية الصغيرة وحول قصرها القادر على احتواء سينما العالم خلال اسبوعين في السنة تحولك غولاً نهماً لا يمل البحث عن طرائد (سينمائية) مشبعة. فمشاهدة فيلم في اطار المهرجان تختلف عنها في سياق آخر. هنا، وسط التوقعات والامال الكبرى، تغدو عملية مشاهدة فيلم والحكم عليه أكثر تعقيداً، تخضع لحسابات ومقارنات ليست دائماً في صالح الفيلم. فمجاورة أسماء كبيرة ليست بالمسألة السهلة والوعود التي يزينها المهرجان لرواده منذ عقود يصعب التخلي عنها. أحياناً يتخذ النقاش حول فيلم ما منحىً غريباً فيصبح المعيار ما اذا كان ملائماً ليعرض في هذه الفئة او انه اكثر ملاءمة لفئة اخرى او ربما ان مكانه ليس "كان" في مطلق الأحوال. بعيداً من صحة هذا النوع من النقاشات او عدمها، فإن الآمر لا يعدو كونه "دلال" وامتياز غير متاحين لهواة السينما ونقادها على حد سواء الا في مناسبات قليلة، حيث يتسع هامش النقاش ليطاول الرغبات والتمنيات والاقتراحات في مقابل "الامر السينمائي الواقع" المفروض خارج اطار المهرجانات وتحديداً كان وتحديداً أيضاً بالنسبة الى النقاد الاتين من مناخات سينمائية ضحلة التنوع والابداع. متابعو المهرجان وزواره المخلصون يستمتعون بتلك اللعبة التي تقوم على كشف المفاجآت. فتسمع أحدهم يقول عن فيلم لا يملك دلالات خارجية على جودة أكيدة (اسم المخرج مثلاً) انه سيكون مفاجاة المهرجان. فتلك قناعة راسخة بل ومثبتة بالنسبة الى كثيرين وهي ان كل دورة من هذا المهرجان تكشف عن مفاجأة غير متوقعة وليس بالضرورة في قسم المسابقة. وأثناء كتابة هذه السطور، هناك من يعتقد انني أفوت احدى المفاجآت (وان كان ممكناً مشاعدته ثانية غداً انما من دون امتياز الاكتشاف الاول) المتمثلة بفيلم ريتشارد كيلي َّSouthland Tale الذي يربو على ساعتين ونصف الساعة مصوراً يوم قيامة افتراضي في لوس انجلس بخليط من الكوميديا والخيالي العلمي والتشويق والموسيقى. وفوق ذلك، هو فيلم استغرق أكثر من خمس سنوات ليكتمل بعد تجربة سينمائية اولى لمخرجه (31 سنة أصغر مشارك في المسابقة) تحولت فيلم "كالت" على الفيديو Donnie Darko (عرض في مهرجان البندقية).ولكن هذا الاعتقاد الراسخ بحتمية اكتشاق المفاجآت ينطوي على رغبة أصحابه في المشاركة بصنع هذا الحدث السينمائي والتحول فرداً متفاعلاً معه وليس فقط متلقياً. فاكتشاف فيلم او مخرج مغمور هو بمثابة تقديمه الى العالم والتنبؤ بمستقبله ومتابعة شغله الى ان يتحقق للمكتشف ما تنبأ. ولعل جزءاً من جاذبية هذا المهرجان هو المكانة التي يمنحها للصحافيين والنقاد، أو الملعب، حتى ليعتقد الاخيرون ان المهرجان لا يستطيع ان يكمل من دونهم. ولكنها مفارقة ايضاً ان يكون الامر على هذا النحو وفي المقابل ألا يبدو رأيهم، مهما بلغت قسوته، قادراً على إسقاط فيلم (الا في حالات نادرة ربما) وما من صحافي او ناقد سيستبعد من الدورة المقبلة مهما كان نقده للمهرجان حاداً والأمر هنا ليس عائداً بكليته الى مساحة "الديمقراطية" والانفتاح اللذين يفترض بأي مهرجان سينمائي التحلي بهما... ثمة أمر آخر، هو تحول النقد لعبة بين أصحابه، مبارزة في اطلاق الحكم الاسرع في الفيلم وكلما كان مخالفاً للتوقعات ازداد الامر متعة كأن يخرج أحدهم مثلاً من فيلم المودوفار شاتماً بينما هناك اجماع من كثيرين عليه. ثمة مساحة للجميع هنا. للنقاد لعبتهم كما للموزعين والمنتجين حيث يقوم مهرجان آخر في السوق موازٍ لكان. اللعبة هنا بالطبع أعقد وأكثر كلفة. من لم يتمكن من عرض فيلمه في المهرجان، يستطيع عرضه في السوق )تُدفع مبالغ طائلة لتأجير مساحة للقيام بدعاية للفيلم وللشركة وصالة لعرضه ناهيك بتكاليف السفر لعدد كبير من المنتجين وطاقم الفيلم) اي في عرض على هامش المهرجان وفي صالات خاصة داخل القصر او خارجه. هكذا يمكن ان تتسرب الى الصحافة العربية مثلاً أخبار عرض فيلم "حليم" او "عمارة يعقوبيان" (كلاهما من انتاج شركة غود نيوز لعماد الدين أديب) في كان ولكن الواقع انهما عرضا في السوق (ستكون لنا وقفة عندهما مع افلام عربية أخرى في مقالة الغد).

سيلان يرصد"مناخات " العلاقات ولينكلايتر يعلّق على سياسة الاستهلاك والاستغلال

ثلاثة أيام من العروض (حتى لحظة كتابة هذه السطور) ليست كافية بالطبع لتحديد ما إذا كان ذلك الملل المارق سببه طبيعة هذه الدورة أو شيء آخر عابر. فمن طقوس كان المعتادة او الاحرى طقوس متابعة تصنيف دوراته بصفتين أساسيتين: ضعيفة أو قوية. ومن طرافة الامور قول أحد النقاد في معرض تصنيف مبكر للدورة 59 انها ستكون ضعيفة ككل الدورات التي تسبق الدورة "المدورة" أي التي تنبىء ببداية عقد جديد. في هذه الحال، ستكون الدورة المقبلة، الستون، هي الأقوى على مزاعم الناقد العتيق. التكهنات حول كان لا تنتهي وكلها تعبير عن عدم قدرة متابعيه على التعاطي معه من زاوية أفلامه فقط. بهذا نعود الى نقطة البداية (المقالة السابقة) عن سحر كان الخاص العصي على التعريف والذي يجعله أكثر من مهرجان وأكثر من لقاء بين اهل السينما ونقادها وهواتها. انه طقس من الممارسات لكل في مجاله.

عودة المودوفار العائد ومراجعة لوتش

خلال تلك الايام الثلاثة التي تبعت فيلم الافتتاح "شيفرة دا فينشي"، قدم البرنامج سبعة أفلام مشاركة في المسابقة، تشكل ثلث أفلام تلك الفئة العشرين. وعلى الرغم من الاعتبارات كافة ومعرفة كثيرين بأن افلام المسابقة ليست بالضرورة أفضل أفلام المهرجان وان احتمالات الوقوع على "جديد ومختلف" أكبر في قسم "نظرة ما" حيث الافلام الاولى والخاصة بأسلوبها ونظرتها (بل ان هناك من يعتقد انه حتى سنوات قليلة الى الوراء كانت افضل افلام كان هي المعروضة على هامش كان في برنامج نصف شهر المخرجين" Quinzane).. برغم كل ذلك، تبقى المسابقة قبلة العدد الاكبر من رواد المهرجان لأن الأخير مرتبط في ذهنهم بأسماء كبار السينما ومخرجيها المكرسين. وأولئك لا يعرضون افلامهم في أقسام جانبية بل في المسابقة ولأن الأخيرة تحمل علامة كان الفارقة، السعفة الذهب.

يمكن القول ان أكثر من نصف افلام المسابقة التي عرضت خلال الايام الثلاثة الاولى تحمل اسماء مكرسة في عالم السينما. من كين لوتش الى المودوفار، تابع ضيوف المهرجان اثنان من أعز نجوم كان على مر السنوات الاخيرة مع الفارق الزمني بينهما. ومن لو يي الى نوري بيلج سيلان مروراً بنيكول غارسيا، استعاد المتابعون مخرجين من اكتشاف كان. وبين اولئك اثنان يشاركان للمرة الاولى في المسابقة: الاسكتلندية اندريا ارنولد الاولى التي تشارك في المسابقة بفيلمها الاول والاميركي ريتشارد لينكلايتر. بالرجوع الى آراء النقاد والجمهور، يتقدم المودوفار السباق حنى لحظة كتابة هذه السطور. على الصفحات الاخيرة للمطبوعات التي تصدر بطبعات خاصة بالمهرجان وفي مقدمها "فاراييتي" و"سكرين" ينتظر الكل العلامات التي يمنحها نقادها لافلام المسابقة على شكل سعقة (تسير الى سقوطها في الامتحان) او اثنتين او ثلاث او اربع نندرج من سيء الى ممتاز. وحده شريط الاسباني بيدرو المودوفار حاز التصويت الاعلى الى الآن.

"عودة" او Volver هو اسم فيلمه الذي يعود به الى المهرجان بعد Bad Education الذي عرض في كان قبل عامين آملاً في تجديد فوزه عام 1999 بحائزة افضل مخرج عن "كل شيء عن أمي". المفارقة تكمن في ان الفيلم الحالي هو في الواقع "كل شيء عن امه"، ينطوي، كما يفيد العنوان، على العودة الى جذور الطفولة في "لامنشا" حيث وُلد عام 1951 و ترعرع. يجمع المودوفار حكايات أمه ( رحلت عام 1999 ) عن القرية واهلها ومعتقداتهم في فيلم عن النساء وعالمهن الذي لطالما جذب المخرج وسحبه في تياراته ودواره، فخرجت افلامه كالسحر، متحسسة بخصوصية وحسية ذلك العالم، كأنها الدم الذي يجري في عروقه والرعشة التي تصيب الجلد اذ تتدفق تحته الدماء. هنا يتغذى المودوفار من الاسطورة والتقاليد والعصرنة للخروج بفيلم يشبه كل الازمنة الماضية والحاضرة. او لعله خارج الزمان لأنه لولا التفاصيل الصغرى كالهاتف النقال حديث الصنع كنا لننسى ان هناك زمناً يمر. المخرج نفسه يمعن في خلط الحدود الزمنية كأنه يحفظ ذكريات طفولته في قالبها الزمني الاول تماماً كما يموه الخط بين الحياة والموت. الافتتاحية بمشهد مزيج من السوريالية والسحر وربما الفيللينية (نسبة الى فيديريكو فيلليني) بلقطة متحركة تمر على نساء منهمكات بغسل القبور وتنظيفها وسط هواء عاصف. مشهد جماعي يشبه الاحتفال ويجسد فرحاً نفهمه لاحقاً. فتجاور الحياة والموت من معتقدات القرية الراسخة وعودة ارواح الذين ماتوا لاحاطة من هم في وحدتهم بالعناية والحب أمر أكيد. الاموات لا يموتون في فيلم المودوفار. من تلك الخلفية، تتناسل حكايات اربع نساء: "رايموندا" وابنتها "باولا" واختها "سولي" وامها "ايرينا" التي يفترض اتها ماتت في حريق مع زوجها (والد رايموندا) قبل سنوات. تشكل العلاقات المتحولة بين النساء عصب الفيلم وديناميته على خلفية البوح بالمشاعر المكبوتة وكشف الاسرار النائمة. كعادته، يقصي المودوفار الرجال الى عالم آخر موازٍ لعالم النساء. في الأخير، يشتغل على ابراز روح التعاطف والتكاتف والكفاح في سبيل العيش. هنا، لا متع جسدية ولا جنس. العلاقات الاجتماعية تحل في مكان العلاقات الجسدية في تحول اساسي عن افلامه السابقة. تستقي نساؤه المتعة من الطبخ وتبادل الخدمات الصغرى والاسرار الكبرى. على هذا المنوال يتشكل عالم صغير من خيوط العنكبوت يحتفل فيه المودوفار بالعلاقات الانسانية التي تدوم وبالجهد اليومي المبذول للحفاظ عليها كأنه يرثي علاقاته المبتورة التي تحدث عنها في غير مناسبة. وكعادته يخطف من ممثلاته اروع الاداءات هنا مع بينيلوبي كروز في اجمل ادوارها التي تعود للعمل معه بعد ان لفت الانظار اليها في "كل شيء عن امي".

في شريط كين لوتش، "الريح التي هزت البارلي"، ايضاً عودة. هو شريطه الثامن الذي يشارك في المسابقة. اولها كان في العام 1990 بفيلمه Hidden Agenda الذي حاز جائزة لجنة التحكيم. العودة هنا تاريخية الي فصل من فصول حرب الاستقلال الايرلندية ضد بريطانيا. ينتمي الفيلم الى مسيرة لوتش بشدة مشكلاً امتداداً لسينماه التي التزمت قضايا اجتماعية وانسانية فكانت سينما نضالية بحق وربما هي اليوم آخر ما تبقى من هذه السينما بميزتها الخاصة المتمثلة بحفاظها على درجة عالية من الفنية والحرفية. في هذا الصدد، يمكن اعتبار الفيلم الحالي درساً في الحرفية والاتقان والقدرة على التكثيف والاختزال. وهو ايضاً درس في الكلاسيكية السينمائية حيث البناء الدرامي والتصاعد السردي ورسم الشخصيات. ولكنه برغم ذلك فيلم خاص، من طينة الاعمال التي تولد وتنجد بصرف النظر عن اية معوقات. تولد بجهد صاحبها وايمانه العميق بالحاجة الى قول ما يقولع فيها. كين لوتش الذي طرق حكاية معاصرة في فيلمه السابق Sweet Sixteen (حائز جائزة السيناريو في كان 2002) لا يبتعد من الحاضر في فيلمه التاريخي بل يصب في قلبه تماماً. ذلك الفصل الشاهد على قيام المقاومة الايرلندية ضد الجيش البريطاني المحتل وقتذاك، هي استعارة لصورة قوية من الحاضر. البعض قال انها فلسطين وهذا جائز ولكن الفيلم اوسع واشمل في ما يقوله عن الحركات التغييرية الثورية التي تتورط في اعادة استنساخ نظام السلطة داخلها وتستولد العنف الذي نشأت في الاصل لتواجهه. استعارات لونش في فيلمه لا تقع ضحية المباشرة كما لا يتحول فيلمه في اية لحظة لحجة او مبرر للحديث على الحاضر وفي هذا تكمن قوته. انه اولاً وأخيراً فيلم عن حقبة تاريخية، ولكن لوتش بنطرة استشفافية عالية وبقدرة على المراجعة التاريخية والسياسية النقدية والحادة، يحول فيلمه صورة ورصد مبكر يختزلان الخلل الاولي في حركات المقاومة التي تنشأ في ظل الاحتلال.

مناخات سيلان و"ساغا" لو يي

في المجموعة الثانية من الافلام، قدم الصيني لو يي فيلمه الرابع "القصر الصيفي" Summer Palace وهو في شق منه مراجعة لحقبة مهمة من تاريخ الصين المعاصر تبقى في الخلفية وانما بتأثير واضح على مجريات الاحداث. في شقه الثاني، هو قصة كل فتاة، تلتقي الشاب الاول ومن ثم تنفصل عنه لتعود اليه بعد سنوات بمزيج من المرارة واللذة وبعد قصة حب اخرى عاصفة. خلف بساطة هذه الحكاية. تتخايل بورتريه للصين اواخر الثمانينات، تتصاعد في اتجاه أحداث ساحة تينانمن المؤثرة وتعرج على سقوط جدار برلين عام 1989 في اشارة الى انها كانت لحظة ثورة شبابية في كل العالم. محور القصة هي "بو هونغ" التي تترك مسقط رأسها "تومن" اواخر الثمانينات مخلفة وراءها حبها الاول غير المنتهي ولتلتحق بجامعة بكين حيث تلتقي "زو واي". تربطها بالاخير قصة حب متقلبة وأحاسيس متناقضة يعبر الفيلم عنها بمشاهد جنس شغوف بينهما واندفاع كل منهما الى تخوم غير آمنة في الغيرة والتملك. يمسك الفيلم بخيوطه حتى منتصفه، ويبث اجواء المرحلة بحساسية عالية. ولكنه يفلت من بين يدي مخرجه بسبب التطويل وتنقل الاحداث بين اماكن عدة واحتلال شخصيات عير اساسية مقدمة مسرح الاحداث. يقدم الفيلم افضل لحظاته عندما يخلو من الحوارات ومن الشريط الصوتي المرافق لشخصيته الاساسية. فالاخيران يأسرانه في تعبير كلامي على حساب التعبير البصري. ويجسد في مشاهد الجنس الكثيرة كيف يمكن قوة الجنس ان تشكل ملامح جيل وسياسته.

في المقابل، تخضع العلاقة العاطفية في فيلم التركي نوري بيلج سيلان "مناخات" Climates لعوامل المناخ ومزاج شخصيته الاساسية الذي يشبه نقلبات المناخ من دون سابق انذار. وسيلان هو مخرج آخر استحق خلال السنوات الاخيرة ان يكون في دائرة الضوء بعد فيلمه الاول Clouds of May الذي عرض في البندقية وفيلم ثانٍ هو Distant عرض في مسابقة كان 2003 حائزاً جائزتي لجنة التحكيم والتمثيل. ليس "مناخات" بعيداً من مناخات فيلميه السابقين. فهو يحمل من الاول حساسيته تجاه الطبيعة وعلاقة الانسان بها ويستعير من الثاني نظرته السوداء الى قدر الانسان المحتوم اي وحدته. ولكن بين الفيلمين، يتفرد جديده بثقة كبرى تعبر عنها بساطة السرد وتقشفه وبتمكن من ادواته الفنية وبنعزيز للغته البصرية. ولكن ما قد يشعر به كثيرون ممن تابعوا فيلميه الاخيرين بشغف هو ان هذا الفيلم الثالث اقل من سابقيه وان كان تحديد ذلك ليس بالسهولة عينها. ولكن شيئاً في بناء الشخصيات وفي الدراما الخاصة بكل منها يجعله متأخراً على سابقه على الاقل. ولكنه في المقابل، يشتغل هنا اكثر على المشاعر المكبوتة والاحاسيس المنتهية. واذا استعاد المشاهد فيلمه السابق فسيلمس ما هو مماثل عن الوحدة والكبت خلا ان اجواء الفيلم السابق كانت محشوة بازدحام المدينة. في "مناخات"، تعيش الشخصيات وحدتها الداخلية داخل وحدة المكان الاوسع وتختبر مع تبدل الفصول تقلباتها الداخلية. انها مناخات الانسان الداخلية هي التي تتحكم هنا بمناخات الآخرين من حوله وتشدها الى تقلبات غير محسوبة. الجدير ذكره هو ان المخرج يلعب الشخصية الرئيسية في وقوفه الاول امام الكاميرا، تشاركه التمثيل زوجته الممثلة اصلاً ايبرو سيلان. في الخلاصة، يبقى "مناخات" شريطاً مؤهلاً للمنافسة على الجوائز وان كانت حظوظه بالسعفة ضئيلة.

ذهنية وسخرية فجة وتلصص

ثلاثة أفلام أخرى عرضت في المسابقة وتتفاوت مستوياتها في مقدمها شريط نيكول غارسيا Selon Charlie وهو ليس افضلها البتة ولكنه كان منتظراً لأن مخرجته الممثلة أصلاً سبق لها تقديم فيلمها السابق The Adversary في المهرجان. النقاش حول هذا الشريط يؤكد مزاعم كثيرين من ان الافلام الفرنسية في كان هي بمعظمها حاضرة لتمثل البلد الذي يقيم هذه التظاهرة الكبرى. يمكن الاستعانة هنا بمثال أخر استطراداً هو La Page Tourneuse الذي عرض في فئة "نظرة ما" وسط دهشة كثيرين ازاء عاديته. بالعودة الى شريط غارسيا الذي لا يستحق وقفة طويلة، هناك هيمنة للافكار والذهنية على حساب السينما وتطويل سردي وزحمة شخصيات بدون ان يكون لها تأثير درامي بمن فيهم الشخصية الاساسية "تشارلي"! الفيلم بمحصلته النهائية يروي الحيوات المزدوجة لمجموعة شخصيات، ظاهرها غير باطنها ورغباتها خارج افعالها ونمط حياتها بما يولد مأساتها.

في المقابل، يعاني شريط الاميركي ريتشارد لينكلايتر من مشكلات اخرى. فهو ايضاً من الافلام المنتظرة أولاً لأنه يقتبس كتاباً هو بمثابة تقرير ويحوله فيلماً روائياً وهو بهذا المعنى اختار الطريق الاصعب وثانياً لأنه يطرح موضوعاً بات جماهيرياً بعد فورة الافلام الوثائقية ذات الميل النقدي السياسي والاجتماعي. اما الكتاب فهو Fast Food Nation لايريك شلوسر الصادر عام 2001 والذي حقق اعلى المبيعات على الرغم من انه كتاب وثائقي. ولكن خيار المخرج والكاتب كان الخروج بسيناريو روائي من روح الكتاب بدلاً من المخاطرة بوثائقي قد يحسب في خط امثال Bowling for Columbine
و
Super Size Me. النتيجة فيلم بخطين روائيين يسيران بالتوازي. الاول عن سلسلة مطاعم للأكل السريع اسمها "ميكي" يشتبه بأن في اللحمة التي تقدمها آثار لروث البقر بما يستدعي ذهاب احد مدرائها الى كولورادو للتحقق من عمل المسلخ. في الاخير، تنسج الرواية الثانية عن استغلال العمال المكسيكيين غير الشرعيين في اعمال شاقة وخطيرة. المشكلة الاولى هي ان كل شق هو بمثابة تبرير لرواية الاخر في حين ان كل موضوع يستحق معالجة على حدا. من جهة ثانية هناك تفاوت كبير بين الجزءين حيث يبدو الشق المتعلق بالمسلخ والعمال اقوى واعمق تأثيراً باقتراحه الشبه بين العمال المكسيكيين والحيوانات في وصف كليهما لحماً حياً طازجاً جاهزاً للذبح! الشق المتعلق بالاكل السريع والذي يرصد تحركات طلاب مناهضة لضررها، يقع في فخ السخرية الفجة والتعليقات المباشرة والحوارات التي تتحول خطابات يلقيها الممثلون.

أخيراً وليس أخراً، الفيلم الاسكتلندي Red Road لاندريا ارنولد الذي هو جزء من ثلاثية انتجها لارس فون ترير تقوم على تقديم الشخصيات نفسها في ثلاثة افلام مختلفة مع الممثلين نفسهم. مقاربة ارنولد تنطوي على الكثير من الحميمية والحس التلصصي والكشف البطيء. هي حكاية امرأة تعمل في مركز كاميرات المراقبة المزروعة في ظل زاوية. هي مسؤولة عن مراقبة منطقة من خلال شاشات صغيرة امامها. في البداية، نجدها تتسلى بمراقبة الناس ولكنها مع الوقت تبدو وكأنها تعيش معهم من بعيد، تشاركهم تفاصيلهم حتى اذا التقتهم في الشارع ابتسمت وحيت لكأنهم جيرانها. ولكن ذلك لا يلبث ان يتبدل عندما تلمع على احدى شاشاتها وجهاً يثير الرعب ونفهم انه يعود من ماضيها الاليم الذي تحاول نسيانه. يقوم الفيلم على التوتر والتشويق وينجح بالامساك بالمشاهد قبل ان يفلت قليلاً قبيل النهاية. هو فيلم ذكي وآسر ولكن ما يتبقى منه في الذهن ليس بالكثير سوى بعض التفاصيل وحساسية مخرجته في التعاطي مع موضوع النقد والهشاشة والعلاقات.

السباق مازال في اوله . والانتظار على اشده.. فالافلام المنتظرة المقبلة أكثر من التي عرضت وفي مقدمها The Caiman لموريتي وLights of the Suburb لآكي كاروزماكي وFlandres لبرونو دومون وغيرها.

المستقبل اللبنانية في

22.05.2006

 
 

الحضور العربي في «كان» بين ملايين مردوخ ويوميات بغداد والعروض الهامشية...

«البنات دول»: لحظة سينمائية قوية وحقيقية في حضيض قاهرة القرن الحادي والعشرين

كان (جنوب فرنسا) - ابراهيم العريس 

الحضور العربي في دورة «كان» لهذه السنة، في التظاهرات الرسمية الأساسية، ليس كبيراً، فمن بين عشرات الأفلام التي ارسلت الى لجنة الاختيار منذ شهور وأصحابها آملون في أن يتم قبولها، لم تبق اللجنة على أي شيء. ربما في السنة المقبلة حسناً... الى السنة المقبلة.

ومع هذا ثمة حضور عربي متنوع في «كان»، لعل أبرز علاماته الأرقام. فمن تأكيد على أن روبرت مردوخ، أحد عمالقة الإعلام في العالم سيشارك الوليد بن طلال في ملكية «روتانا» بنسبة لم تحدد، الى العشرة ملايين دولار التي ستمول فيلماً انكليزياً - أميركياً، مقتبساً من يوميات المهندس العراقي «سلام - باكس» التي كان نشرها على الانترنت بعيد «احتلال بغداد». وصولاً الى العرض الصاخب الذي جرى لفيلمي «حليم» و «عمارة يعقوبيان»... وحديث الشركة المنتجة «غود نيوز» عن ملايين كثيرة انفقت على الفيلمين، مطلوب الآن استردادها، وعن مئات النسخ التي طبعت من «عمارة يعقوبيان» لتعرض في فرنسا وحدها خلال الأيام المقبلة، بل تأكيد واحد من مسؤولي الشركة على أن أول طبعة من الترجمة الفرنسية لرواية علاء الأسواني التي أخذ عنها الفيلم لن تقل عن... عشرة ملايين نسخة.

كل هذه الملايين، صحيحة كانت أو مبالغة - كحديث مصري عن أن الذين ساروا في جنازة عبدالحليم حافظ كانوا خمسة ملايين شخص غرقوا في البكاء، لا يعني أنها شيئاً. على أية حال، لبنات تهاني راشد، «بطلات» الفيلم العربي الوحيد الذي يعرض في «كان»، حضور جدي ليس في العروض الرسمية انما خارج المسابقة. تهاني راشد سبق أن قدمت نساء مصريات في فيلم لها. وقدمت نساء فلسطينيات في فيلم آخر. في الفيلمين أثارت ضجة، ودفعت أهل السينما العالمية الى الاحتفال بها، لكنها هذه المرة حلقت بعيداً وعالياً... عالياً، وليس هذا حكم قيمته على فيلمها الجديد «البنات دول»، بل هو مجرد وصف لما صورته في هذا الفيلم القوي المزعج، الذي اذ شاء لنفسه منذ البداية ان يكون صورة لبعض ما يحدث في مصر الآن، أتى في نهاية الأمر، وربما عن المخرجة وعن «بناتها» فيلماً عن الحرية، الحرية من دون أن نعرف ماذا نفعل بها!

مراهقات، أو أقل من مراهقات بنات هذا الفيلم. بيتهن الشارع. أزقة القاهرة القذرة. ليس لهن ماض حقيقي، ولا يبدو أن المستقبل مستعد للابتسام لهن.

قيل عن الفيلم انه عن بنات الهوى والليل، وأنه سيثير ضجة. لكن الفيلم شيء آخر: عن أربع بنات من أهل الفقر المطلق. يعشن الحياة كما هي. الحياة الحقيقية. توغلت «كاميرا» تهاني راشد الى عالمهن العجيب، حاورتهن. التقطت تفاصيل يومياتهن. تحرت عن العلاقات بينهن. بينهن وبين العالم الخارجي. وسردت اليومي الآني من كل ذلك. والفيلم الذي بدأ بواحدة منهن ممتطية حصاناً كفارسة حقيقية في شوارع القاهرة، انتهى بمشهد مماثل. وبين المشهدين أخذت تهاني راشد متفرجيها في رحلة الى عالم البؤس. الجنس. الحكومة كشبح مخيم من بعيد. التعب. الحمل بشكل غير شرعي. التضامن. الغناء. الرقص. الاغتصاب. والولادة وسط النفايات (براد الفتيات الوحيد).

«البنات دول» يقول في ساعة ونصف الساعة، ما لم تقله السينما المصرية عن الحياة الحقيقية (التي لا تتمنى أحداً أن يعيشها) على مدى ثلاثين سنة. ويرينا في فصوله ما لا يمكن أن تراه في القاهرة.

الحياة اللبنانية في

22.05.2006

 
 

يوميات مهرجان "كان"السينمائي الدولي...(6)

الأفكار الجميلة على الورق تصبح شيئاً آخر

"باريس أحبك" فيلم لجمهور مجهول و”فصول” يثير الإعجاب

“كان”  محمد رُضا:

هل كانت السينما بحاجة الى 20 مخرجاً ليقول كل منهم رأيه في باريس؟ وتحت أي مبرر تم التقدّم لهم بطلب أن يحقق كل منهم فيلماً قصيراً عن باريس كما يحبّها؟ من هو المخرج الذي انسحب لأنه قال بصراحة: “لكني لا أحبها؟”.

جالت هذه الاسئلة في بالي وأنا أتابع واحداً من تلك الأفلام التي ربما تبدو جميلة على الورق، لكنها تتحوّل الى أقل من ذلك حينما ينتهي العمل عليها. متابعة فيلم يحتوي على عمل عشرين مخرجاً مثل مشاهدة

 “فوتو مونتاج” جمع من أفلام غير منتهية. اذا ما تجاوزت هذه العثرة وأنت تنتقل ليس فقط من فكرة الى أخرى او من مجموعة مشاهد الى مجموعة تالية، بل من أسلوب الى آخر أيضاً، واجهتك المشكلة الثانية: هل تستطيع أن تشاهد فيلماً من هذا النوع من دون أن تميل الى مقارنة الأفلام فيما بينها تتحيز الى هذا الفيلم أكثر من ذاك؟ وأي غرض يمكن لهذا التحيز غير الممكن تلافيه أن يلعبه ايجابياً لمصلحة الفيلم كله؟

نواصل قراءة بعض مما يعرض هنا في هذا العرس السينمائي السنوي، وما لدينا اليوم حديث عن فيلمين أحدهما في المسابقة..

“باريس أحبك”.

إخراج: 20 مخرجاً.

تمثيل: نحو 50 ممثلاً

فرنسي (قسم “نظرة ما”

تقييم الناقد: **

المقارنة لا مفر منها، بل تأتي تلقائية علماً بأن معظم المخرجين المشتركين لديهم وجهات نظر فيما يقدّمونه وبعضهم من السينمائيين المشهود لهم بالجودة. أتحدث عن الهندية جورندر شادا والأمريكي جس فان سانت، والأمريكيين جوويل وايثان كووين، والبرازيلي وولتر سايلس، والمكسيكي ألفونسو كوارون من بين آخرين.

باريس مقسّمة الى ثمانية عشرة مقاطعة وكل مخرج استلم مقاطعة ونقل منها وعنها شرائح من الحياة اليومية. وبما أن باريس هي أيضاً مستويات من الحياة والطبقات الاجتماعية فان ما يُنقل الينا في هذا الشأن، ولو تمثيلاً، مثير للانتباه على قلّته. الأمر الآخر المثير للانتباه هو أن بعضهم لم يكتف بسرد قصّة قصيرة بل حاول تلوينها ببعض المفردات الأسلوبية المكسيكي جوارون لعب على الألوان واستخدم لقطة “تراكينج شوت”  تصاحب ممثليه نك نولتي ولودفين سبانييه على نحو قريب مما فعله رتشارد لينكلاتر في “قبل الغروب”.

لكن هذه الحسنات تعلو وتهبط بلا انقطاع. بكلمات أخرى هذا الفيلم يتميّز بعدم توازنه نظراً لأن بعض النتائج أفضل من سواها. وحتى لو لم يكن هذا اللا توازن موجوداً فان السؤال سيبقى: لماذا هذا الفيلم؟ ولأي جمهور؟ لا يمكن أن يكون للباريسيين فهم يعرفون باريس أفضل منا جميعاً.

“فصول/ طقوس”

إخراج:  نوري بيلج سيلان

تمثيل: نوري بيلج سيلان، اربو سيلان، نازان كيرلميس.

تركي (المسابقة)

تقييم الناقد: ***

من داوم على متابعة دورات مهرجان “كان” السينمائي على هذه الصفحات خلال السنوات الماضية قد يذكر مدى اعجاب هذا الناقد بفيلم المخرج التركي نوري بيلج سيلان “عن بعد”. في ذلك الفيلم تناول المخرج حكاية شاب من القرية ينزح الى اسطنبول ويطرق باب ابن عمّه الأكبر سناً لينزل ضيفاً عليه الى أن يجد عملاً. وابن عمّه، الذي يستضيفه مرغماً، كان قد تغيّر وأصبح أقل تعلّقا بأخلاقيات القرية. الطارئ الشاب يبدأ بالبحث عن عمل من دون أن يجده بينما الحقيقة تصفعه حول الحياة في المدينة وحول سلوكيات ابن عمّه. كل هذا خلال فصل واحد من فصول العام هو الشتاء. للمخرج سيلان الذي لديه عين جمالية رمادية كئيبة خاصة لذلك الفصل من العام طريقة يرصد بها الثلج المنهمر ويعبّر فيها عن البرد الشديد الذي يكاد يتسلل الى جسد المشاهد وهو يتابع العرض.

لكن جلّ ذلك الفيلم عن شخصيتين لا تتلقيان (على الرغم من قربهما العائلي) كما هو عن رجل (ابن العم الأكبر) الذي من الصعب معاشرته. شخص دقيق يحب أن يتصرّف الآخرون حسبما ينص عليهم التصرّف المطلوب.

هذان العنصران هما الواضحان في فيلمه الجديد بالاضافة الى موضوع الفصول. هنا  يدور الفيلم (الذي يحمل باللغة التركية عنوان “فصول” لكن العنوان التجاري الخارجي “طقوس”) في ثلاثة فصول الصيف والخريف ثم الشتاء. أبطال هذا الفيلم لا يصلون الى الربيع (الفصل الغائب). كذلك هو عن رجل (يقوم به المخرج نفسه) صعب المراس لديه ميل جانح لاخبار من حوله ماذا يفعلون ويقولون؟ أمور صغيرة مثل: ارتدي سترتك، او كلي هذه الحبة. وهو يصر جاعلاً من التواصل معه أمرأ صعباً. هذا ليس سوى خيط من خيوط العلاقة بينه وبين زوجته التي ترقبه من بعيد في اللقطة الأولى من الفيلم وهو يمشي بين الأطلال ملتقطاً صور قلاع رومانية (او بيزنطية) قديمة. ترقبه وتفكر. ثم ترقبه وتبكي.

مثل “ عن بعد”، هذا الفيلم هو أيضاً عن عدم التلاقي بين شخصيتين قريبتين. كل من الزوج والزوجة يدرك أن الأفضل له وللآخر أن ينفصلا. لكن في حين أنها تدرك أنه لن يتغيّر يعد هو بالتغير الذي لا يقدر عليه. في أحد مشاهد الفيلم تعود الى زيارته. تلك الليلة بينهما ليست غرامية بل مجرد اعادة رصف محتمل للحياة. الليلة التي تنام فيها الزوجة السابقة ليلة هانئة وحين تستيقظ تحكي لزوجها منامها، فقط لتكتشف حين تنتهي انه ليس هنا. لا يكترث. أول كلمة يقولها لها بعد انتهائها من سرد الحلم عليه “يجب أن تحضّري نفسك للعودة الى العمل”.

ملامحها كلها تتغير. تدرك انها أضاعت وقتها مجدداً.

ينتهي الفيلم هكذا من دون احكام الخاتمة، لكنها مقبولة. ما هو أقل قبولاً هو أن التأثير الكلي أقل مما يبدو أن المخرج حاول الوصول اليه. انه فيلم فراغات في الصورة وفي الدراما معمول حول شخصيتين رئيسيتين وباستثناء لحظة واحدة ليس هناك أكثر من ثلاثة ممثلين في لقطة واحدة (اللحظة تقع في مشهد تناول عشاء بين بطلي الفيلم ورجل وزوجته. تنسحب الزوجة لتحضر القهوة سريعاً لكنها لا تعود مطلقاً). ما يثير الاعجاب أولا وأخيراً التعبير بالصورة. لحظات الصمت الطويلة. دمج الوقت (يتدرب الزوج كيف سيخبر الزوجة بقراره الافتراق وهي بعيدة عنه. لقطة ثانية له يكرر ما قاله خلال التدريب لنكتشف أنها الآن تجلس بجانبه). اجمالاً وجدته أقل أهمية لكنه ليس أقل بدعة في الصنع.

لقطات

* وصل المخرج السعودي عبد الله المحيسن لعرض فيلمه الروائي الأول “ظلال الصمت” عرضاً خاصاً وغير رسمي. الفيلم يدور حول رحلة امرأة وصبي تكشف عن الوضع الصعب الذي يعيشه المثقف وعن تغييب دوره في الحياة العربية. وهو باللغة الفصحى. هذا هو ثاني فيلم سعودي روائي طويل يعرض هنا بعد “كيف الحال” الذي سيعرض خلال يومين أو ثلاثة. هذا الفيلم الثاني من انتاج سعودي مع ممثلين سعوديين ولهجة سعودية لكن المخرج فلسطيني كندي اسمه ايزودور مسلّم.

* ناوومي واتس وصلت الى المدينة وستحضر مؤتمراً صحافياً خاصاً بتوقيعها على بطولة “وعود شرقية” لشركة “فوكاس”.

*  والمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد لديه مشروع مع شركة فوكاس، أعلن عنه أمس. المشروع لا يزال بلا عنوان، لكن خلال تصريح للشركة تم التأكيد على أن هاني لديه مطلق الحرية في اختيار الموضوع الذي يريد وكتابته. هاني أخرج “الجنة الآن” الذي فاز بجائزة “جولدن جلوب” مع مطلع هذا العام.

المخرج والمنتج الجزائري رشيد بوشارب (لديه فيلمان في المسابقة واحد من اخراجه والآخر من انتاجه) منكب على كتابة سيناريو فيلمه الأول بالانجليزية وذلك عن حياة المغني بوب مارلي (رحل سنة 1981): “دائماً ما شعرت بأني أريد أن أعرف حياة هذا المغني وكيف وصل الى الشهرة العالمية من بدايات متواضعة تشابه بداياتي في السينما”.

*  بروس ويليس وصل الى “كان” لأن له دوراً صغيراً في فيلم “أمّة الطعام السريع” لرتشارد لانكلاتر. لم يكن لديه الكثير مما يستطيع قوله عن الفيلم سوى المدح، لكنه استغل فرصة وجوده لأجل أن يروّج لفيلمه المقبل: “سأعود الى سلسلة “داي هارد” في جزء رابع.  انتهينا من وضع اللمسات الأخيرة على السيناريو ونتطلع للبدء في التصوير بعد الصيف مباشرة”.

المفكرة

يحدث ذلك في كل أنحاء العالم. صحيفة “دايلي نيوز” في نيويورك التي كانت صرفت واحداً من أفضل نقادها السينمائيين قبل سبع سنوات (ديفيد كير) ، صرفت الناقدين اللذين بقيا في حوزتها في أسبوع واحد (أحدهما جامي برناردي) واستبدلتهما بناقد شاب ذي خبرة مسرحية فقط. صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” اشترت لأحد ناقديها (كيفن توماس) تذكرة ذهاب بلا اياب قبل شهر واحد. وعدد النقاد السينمائيين الذين يداومون على البحث عن مكان للعمل في لندن أو في باريس أو نيويورك أو سواها من المدن الكبيرة في ازدياد. بعضهم ينتهي الى الكتابة في مواقع الانترنت، وبعضهم الآخر يحاول تحصيل قوته بالكتابة في مجلات السينما (او ما تبقّى منها أيضاً).في عالمنا العربي، النقد الصحيح متوفر في عدد من الصحف اليومية بلا ريب. لكن هناك معتدين على المهنة يغيرون على باقي المواقع، ورؤساء الأقسام الثقافية فيها لا يدركون شيئاً من شيء فيسمّون كتابة شيء مثل “والتمثيل كان جيداً لكن الحوار كان رديئاً” (كيف يمكن للتمثيل أن يكون جيّداً اذا كان الحوار رديئاً؟) أو مثل “فيلم متميّز يحقق المعادلة (اياها) معادلة السهل الممتنع (اكتشاف!).  هنا في “كان” كتب أحدهم بعدما شاهد فيلم “حليم” آخر أفلام الممثل أحمد زكي: “لم يكن أحمد زكي مبدعاً كما كان له بالعادة”... يا رجل كان أحمد زكي على شفير الموت حين قرر مغالبة أوجاعه وتمثيل الدور الذي حلم به طويلاً! وفي غير هذين العالمين تمضي الكثير من الصحف اليومية اما في تسطيح المادة النقدية كمادة ثقافية أو الاستغناء عنها تماماً. كل عام أسمع شكاوى من زملائي البريطانيين وفي هذا العام، هنا في “كان”، يقول لي فيليب فرنش (الأوبزرفر): “لولا أن بعضنا لديه سُلطة معنوية وتاريخ حافل لتم صرفنا”. الناقد ديريك مالكولم يقول مازحاً: “سأبيع قلمي... كم تدفع لقاء كل نجمة من النجوم”. وحين نتداول الأمر قليلاً يضيف: “أنا الآن في الثالثة والسبعين من عمري، ولكي أعيش عليّ أن أنافس الشباب. كل أسبوع أجبر نفسي على مشاهدة كل فيلم جديد يصل الصالات. في بعض الأحيان

يبلغ العدد ثلاثة عشر فيلماً في الأسبوع الواحد”. وديفيد كير يكتب: “انهم يحاولون التخلّص من النقد والنقّاد لأجل استقطاب الجمهور الشاب”. وهذا صحيح في الغرب، حيث يسود الاعتقاد أن تغيير الطاقم القديم بآخر جديد سيجذب القراء الصغار (جمهور المراهقين حتى سن الثامنة والعشرين).

لكن مشكلة هذا التفكير هي أن هذا الجمهور هو الجمهور الذي لا يكترث لقراءة الصحف.

م. ر

merci4404@earthlink.net

الخليج الإمارتية في

22.05.2006

 
 

ساحة تيان آن مين في "القصر الصيفي".. والحرب الإيرلندية في "الريح التي هزت حقل الشعير"

المصائر اليائسة لمناضلي المعارك الخاسرة في مهرجان <كان>

زياد الخزاعي  

لا يني صاحب <البقرة العجفاء> (1968) و<كيس> (1970) المخرج البريطاني المميز كين لوتش من <التحرش> بالمؤسسة السياسية وجناياتها. ففي <الاجندة الخفية> (1990) حمل على استخبارات بلده وسطوتها على الاعلام، وفي <الحجارة الهاطلة> (1993) فضح الادارة الحكومية المعنية بالتصريف الاجتماعي، وفي <حكاية كارلا> مس العنصرية ضد المهاجرين، ومثلها في <مجرد قبلة> (2003) عن النظرة الدونية للاقليات المسلمة. بيد أنه في جديده <الريح التي هزت حقل الشعير> الذي عرض ضمن المسابقة الرسمية في مهرجان كان، زاد عيار هجومه، وهذه المرة على <العقدة الايرلندية> التي ما زالت تضرب في عمق النخبة البريطانية وسياسييها، لكن من باب الحكاية التاريخية هذه المرة!

هنا يعود الى الصيرورات الاولى لنشوء منظمة الجيش الجمهوري الايرلندي، معيدا للأذهان (في نص مشاكس سيثير الكثير من التحزبات والسجالات حين عرضه شعبيا) الورطة البريطانية في تلك البلاد الشمالية والتي تعود الى القرن الثاني عشر، حينما تحاصص الاثرياء البريطانيون أرضها واستعبدوا شعبها، مستفيدين من رخص العمالة وخصب المراعي. ومع قيام الثورة الفرنسية تشجع الايرلنديون على مقارعة المحتل ليؤسسوا <عصبة فينيان> التي قُمعت مرات عديدة قبل ان تُرغم لندن على الاعتراف بأذاها العسكري ووجودها السياسي.

سينتظر أهل ايرلندا حتى العام ,1920 ليشهدوا الشرارات الاولى لعمليات ثلة من الشباب الريفيين الذين انتظموا في خلايا عسكرية شنت هجمات منظمة على المعسكرات واغتالت جملة من القيادات، ومع ردة الفعل البريطانية الدموية، اصبح من المحتم انتقال الانتفاضة الى عمل نضالي احترافي.

هذه المقدمة واجبة للتعرف على الجزئية الدرامية التي بثها لوتش في فيلمه السياسي، فالحكاية ليست سردا مدرسيا للمآلات التاريخية، بل صورة درامية شديدة الإحكام كتبها زميله الاثير بول لافيرتي الذي خط معظم أفلام هذا المخرج، هنا قصة الشقيقين الطبيب الشاب دامين (الممثل غليان مورفي) الذي يمتاز بخطابيته السياسية وتدي (الممثل باتريك ديلاني) الثوري الذي يستعجل الحرب والحرية إثر اغتيال العسكر البريطانيين شقيقهم الاصغر. تُنظم المجموعة على عجل ويشرعون في سرقة الاسلحة والقيام بعمليات الاغتيال الضد. ومع اشتداد قوتهم، تسعى لندن للتفاوض ومن ثم الى الهدنة لاستخدامها وسيلة للتفرقة، وهذا ما يحدث، حيث ينضم تدي الى دعاة الاستفادة منها وتكريس العمل السياسي، منضما الى قيادة الجيش الوليد، فيما يرهن دامين نفسه الى تعهده بمواصلة النضال.

سيكون القدر متربصا بالشقيقين، ففي احدى العمليات الفاشلة يقع دامين في الاسر، ويرفض طلب القائد تدي الكشف عن مخبأ قيادة العصاة، ليواجه رصاص الاعدام الذي يأمر به شقيقه.

وكما فعل لوتش في شريطه <الارض والحرية> (1995) حول الكتائب الأممية التي حاربت مع الجمهوريين في الحرب الاهلية الاسبانية، عمد هذه المرة الى تصوير مطولات حوارية (سجالات) بين أبطاله، مستعرضا لنا الفروق الهائلة بين حميتهم الوطنية وسذاجتهم الحربية، بين وضاعة الخيانة واندفاعاتهم الفلاحية، بين الآصرة العائلية الشديدة التحكم بعواطفهم و<نزقهم الحزبي> الذي لم يتشكل بعد. انهم ايرلنديون بالفطرة، عهدهم الدائم للارض والعشيرة (تصرخ زوجة دامين الشابة في وجه نسيبها تدي عندما يسلمها آخر رسالة من زوجها <اخرج من ارضي> لتنهار متأوهة على العشب الذي هزته رصاصة الاخوة الغادرة (عنوان الفيلم مأخوذ من قصيدة أثيرة للشاعر روبرت ديور جويس (1830 1883 ستغنيها احدى السيدات العجائز في مأتم احد المغدورين).

ارتباكات العاطفة والسياسة، متوافرة في النص الطويل الرابع للمخرج الصيني لو يي <القصر الصيفي> (124 دقيقة) بعد <عطلة العشاق> (1995) و<نهر زيشيو> (2000) و<الفراشة القرمزية> (مسابقة كان 2003)، فما تمر به البطلة الشابة يو هونغ (أداء باهر من الممثلة هاو ليي) القادمة من عمق الريف، هو مرارة العزلة وانكفاؤها الذاتي. انها امرأة ناضجة في جسد مراهقة، تسعى الى الحب المطلق واستحواذه الأليم. لا تجد يو رجلها في تلك القرية الكئيبة، وتقدم عفتها لأول شاب (ساعي بريد). فاللقاء الجنسي هنا بديل حيوي لجفاف حياتها (تعمل في متجر والدها كسخرة!)، وعليها الانتظار قليلا كي تأتي اوائل اطلالات محنتها العاطفية: رسالة قبول من جامعة بكين.

كيف بفلاحة مقارعة ايقاع العاصمة الضاجة؟ اين ستجد محبوبها ضمن الملايين الذين تضمهم شوارعها المزدحمة؟ انه اقرب اليها مما تتصور! وسيكون عشقها مؤذيا الى حد وقوعها في زنى متواصل. تلتقي يو بزميلها تساو (الممثل جوو تساودينغ الذي عرف شهرة عالمية في شريط <نوان> (2002)) ويغرقان في فيض جنسي لاهب. هو ابن المدينة الذي يعرف اصطياد الفتيات والفرص الكبيرة، في مواجهة روح ريفية هائمة، لا يصحح مسارها حب متعجل.

الانقلاب الكبير سيحدث مع وقوع الاحداث الطالبية في الجامعة وامتدادها حتى قلب بكين في ساحة تيان آن مين. تجرف الفورة الثورية الحبيب من دون ان يحسب قوة السلطة التوتاليتارية. ومع سحق الانتفاضة سيواجه تساو استحقاق الهروب او الهجرة الى ألمانيا مرفوقا المرة هذه بعشيقة اخرى هي الصديقة المقربة ليو (لاحقا تنتحر كأضحية غفران لحب يو تساو). الفراق هو الضد الدرامي للجماعية الشبابية التي غلفت حياتهما الجامعية. انه (اي الفراق) من باب آخر الاستكمال للفراق السياسي الذي بدأ يمور في الصين، بين انغلاقها القسري، والاختراقات الغربية الناجحة في تقريب البلاد قليلا من <الديموقراطية الوافدة!>. وهي بالذات النقطة التي ينجح المخرج يي في تكريسها في نهاية فيلمه باللقاء السريع بين العاشقين السابقين. فحينما يقرران الذهاب الى غرفة فندق، سترفض يو ملامساته، فالفراق حولها الى امرأة اكثر احتسابا وخشية من الرعونة الجنسية المعتادة التي عُرفت بها. نشاهد البطلة الشابة مرمية فوق شارع سريع خاو، اذ عليها ان تعود لانكفائها الازلي المستديم، انها ضحية الهجانة السياسية التي تعمم خطط حزب باو.

يزامن المخرج يي وقائع حب هذا الثنائي، مع مقاطع للانقلابات الدولية: انهيار جدار برلين، سقوط الاتحاد السوفياتي وصعود بوتين، زيارة عراب الانفتاح الرأسمالي في الصين الزعيم الراحل دينغ زهاو بينغ الى المقاطعات الجنوبية التي شكلت اعلانا حاسما لإزاحة العصابات الحزبية القديمة، تظاهرات التنديد بالحروب الاستباقية الاميركية. ولئن بدت هذه المقاطع مقحمة الى حد ما، الا أنها كانت لازمة في اضفاء غلالة تأويلية حسب المخرج يي الى الحاجة الماسة للصينيين للاتعاظ بما يجري حولهم في العالم. وما وقوف البطلة يو مستوحدة الا اشارة بليغة من يي (ولد في شانغهاي عام 1965) الى عزلة مجتمع هائل العدد يستخدم كعمالة رخيصة لرفاهيات الغرب.

(كان)

السفير البنانية في

23.05.2006

 
 

فيلمان مصريان في «كان» أما المشهد فواحد

«عمارة يعقوبيان» و«البنات دول» محاولتان متقدمتان للتغيير

كان ـ مسعود أمرالله آل علي 

عُرض فيلم «عمارة يعقوبيان» للمخرج مروان حامد ضمن «سوق كان» على هامش المهرجان، الفيلم الذي سبق عرضه في مهرجان برلين، ومهرجان ترايبيكا؛ هو أوّل فيلم طويل للمخرج، بعد فيلمه القصير «لي لي» الحائز على جوائز كثيرة من مهرجانات مختلفة. مروان حامد هو ابن السيناريست الشهير وحيد حامد، وكاتب السيناريو هنا عن رواية علاء الأسواني.

يبدأ الفيلم بسردٍ تاريخي لحكاية العمارة التي يمتلكها الأرمني هاغوب يعقوبيان، بشارع طلعت حرب الذي تقع فيه الأحداث، هذا السّرد مصحوب بلقطات بالأبيض والأسود في معظمها مراقبة دقيقة لتحوّل المدينة، والناس، والمكان، بمرور الزمن.

وهذا المرور المهم، هو لعبة الفيلم بأسره، وما يُبنى بعد ذلك ما هو إلا خيوط متشابكة لهذا المفهوم الأساسي. عندما تتقاطع الحكايات الرئيسية ببعض؛ فلأنها خاضت المرحلة الزمنية، وخضعت لتجاربها الرديئة، ما أدّى في النهاية إلى تلوينها وتقليبها أو حتى فشلها.

نتعرّف على عدّة قصص: الباشا عادل إمام، وأخته إسعاد يونس؛ نور الشريف وزوجته الثانية سمية الخشاب، خالد الصاوي والعشيق باسم سمرة، محمد إمام والخطيبة هند صبري،.

والأخوان أحمد راتب، وأحمد بدير، تتداخل علاقاتهم ببعض تدريجياً، بعضهم يقطن في العمارة ذاتها، والبعض يأتي من خارجها. هذه العلاقات المشوّشة والمضطربة، هي نتاج ما وصلت إليه حال البلد، ونتاج التغيرات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية.

عندما تجتمع أو تفترق خيوط القصص تلك؛ فإنها تشكّل نوعاً من الاحتكاك الدرامي، الذي غالباً ما يكون سلبياً، وفي لحظات قليلة نجدها فرحة، وتضجّ بالحياة.مروان وحيد حامد ينصب بكاميراته الرشيقة، وأسلوبه الإخراجي السلس في أحيان، والمركّب في أحيان أخرى، ينصب شبكة من التمازج المرن في التنقل ما بين القصص، وتقاطعاتها الرئيسية، وتلك الفرعية.

وكلما تقدّم في الحبكة، كلما ازداد توتّر الفيلم، وتعقّدت مجريات أحداثه وعاش أبطاله مآسيهم الخاصة في هذه العمارة، التي تنظر إليها من الخارج شاهقة وأنيقة، بينما تسرّب نوافذ شققها أمواجاً من الدموع والحرقة.. عمارة من حزن، وكثير من الجفاء، لا لسبب، وإنما لأن الزمن قد مرّ، والناس تغيّروا، والبلد لم تعد هي عند بناء العمارة.

«البنات دول»

من مصر أيضاً، عُرض الفيلم التسجيلي «البنات دول» للمخرجة تهاني راشد خارج المسابقة الرسمية، وإن كان «عمارة يعقوبيان» قد كشف وعرّى المجتمع، والسياسة، والأخلاق في شكلٍ روائي؛ فإن «البنات دول» يغوص في هذه التنويعات بشكلٍ تسجيلي.

يأخذنا الفيلم إلى الشوارع الخلفية من القاهرة؛ وإلى عالم فتيات مراهقات يعشن على هامش الحياة، على الرصيف تماماً؛ حيث الرحمة مفقودة، والعنف هو سيد الموقف.

فتيات أصبحن نساء على الرصيف، فتيات حملن وولدن على الرصيف، فتيات أدمن المخدرات وشم الغراء على الرصيف، فتيات أخذن حريتهن، وقاومن قسوة الآخرين.. على الرصيف أيضاً. يدهشننا بحبهن الكبير لمواصلة العيش حتى في وقت ضعفهن، يبتسمن أثناء انحدار دموعهن، ويتعاطفن مع بعضهن لأنهن بكل بساطة عزّل إلا من سلاح اتحادهن.

هذا العالم الغريب والمخفي، هو عالم أليف بالنسبة إليهن، يجدن فيه حرية العيش، لكن من غير كرامة، حينما يأتي والد إحداهن ليصطحبها إلى البيت، تبكي بحرقة المفارق لوطنه، لأنها ستتلقى وجبات سمينة من الضرب على يد والدها وزوجته. هي مدمنة بإخلاص للشارع الذي يحمل إليها الفرحة، والرقص، والحرية، ويحمل لها أيضاً الاهانة.

وُلدت تهاني راشد في القاهرة، واستقرّت في «كويبيك» عام 1966. صنعت فيلمها الأوّل في عام 1972، ومن بعد ذلك سلسلة من الأفلام التسجيلية المهمة، والتي حازت على جوائز في مهرجانات دولية كثيرة؛ منها: «أربع نساء من مصر» (1997)، وآخرها «سوريدا، امرأة من فلسطين» (2004).

يكتب المخرج يسري نصرالله في مقدمته للفيلم: من قال أن الأفلام العظيمة تُصنع حينما يكون المخرج ملماً بالموضوع، والشخصيات حاضرة بين يديه. ربما، وبلا شك، أنا من قال ذلك، مع آخرين.

وها هي تأتي تهاني راشد بفيلم «البنات دول» لتثبت أنه ربما أكون مخطئاً، فيلم يثبت أنه لتصنع فيلماً جيداً، عليك أيضاً استنطاق المناطق الطازجة.

ماذا كانت تعرف تهاني راشد عن أطفال الشوارع في القاهرة؟ أتوقّع، ليس الكثير. الكل يلاحظهم منتشرين في كل مكان، أحياناً نتصدّق عليهم بقليلٍ من المال، لكننا نفعل المستحيل لتفادي النظر إليهم، أو حتى الإحساس بوجودهن. يستغرب المرء، ما الذي قاد تهاني راشد للنظر إليهم، ومن ثم الشروع في هذا الفيلم الرائع لتحكي لنا ما شاهدته. هل هو لغز؟

لا، لأن الفيلم يعكس بامتياز دوافعها. الفتيات جميلات، جميلات جداً، ولهن أسماء: طاطا، مريم، عبير، دنيا.. صُوِّرن كأنهن نجمات؛ يضحكن، يبكين، يرقصن، يغنين، يمتطين الحصان، يتشاجرن فيما بينهن، وضد الشباب، يدخّن، يستنشقن الغراء، يتحدّثن في السياسة، وأيضاً ـ وهو أمر مهم ـ يولدن ويرضعن أطفالهن. باختصار: يعشن.

لم تضع تهاني أسئلة؛ من مثل: لماذا هجرتن المنزل؟ الأمر جلي؛ لأنهن وجدن حرية أكبر في الشارع تقلّ عن فظاعة بيوتهن. ونعم، الفيلم الجميل، هو الفيلم الذي يُحكى في الزمن الحاضر، وفي البنات دول لا شيء هنا غير الحاضر، حاضر يقول كل شيء: بالتأكيد، هناك مستقبل أيضاً.

البيان الإماراتية في

23.05.2006

 
 

السينما العربية في الدورة 59 لمهرجان كان بين صورة تمثل وأخرى تفضح (3)

السينما المصرية تقوم ببروه على "السجادة الحمراء" وتتبرأ من "البنات دول".. والجزائري "بلاد رقم واحد" يعيد التذكير بنمط قديم يتحكم في اختيار الأفلام العربية

كان ـ ريما المسمار

ـ 1 ـ

صدح صوت شادية وعبد الحليم حافظ على الكروازيت بأغنيتهما الشهيرة المشتركة "حاجة غريبة" وعلى الشاشة الضخمة التي علت امام قصر المهرجان، تمايل الحبيبان امام مئات العيون الشاخصة في فيلم "لحن الوفاء". على السجادة الحمراء المفضية الى مسرح لوميير الكبير حيث يعبر يومياً النجوم صعوداً على مرأى من العالم للمشاركة في العرض الرسمي لأحد افلام المسابقة، تخايل فريق فيلم "حليم": المخرج شريف عرفة، المنتج عماد الدين أديب والممثلون هيثم أحمد زكي وجمال سليمان وسلافة فواخرجي... بينما نفر صغير يلوح لهم ويكررون هم الحركة. وصلوا المدخل ومن ثم عادوا أدراجهم. تكرر المشهد ثانية في اليوم التالي ولكن هذه المرة مع فريق فيلم "عمارة يعقوبيان".. المنتج نفسه والمخرج مروان حامد والممثلون عادل امام وهند صبري ونور الشريف وآخرين. ليس في الأمر خطأ ما. كل ما في الموضوع ان منتجي الفيلمين "استأجروا" السجادة الحمراء وقاموا باستعراض صغير والتقطوا الصور الفوتوغرافية في حين ان الفيلمين معروضان في السوق اي خارج اطار اختيار المهرجان!

ـ 2 ـ

اذاً الامر لا يتعدى البروفه تعويضاً عن رغبة لم تتحقق بإشراك الفيلمين (او على الاقل "حليم" لأن "عمارة يعقوبيان" شارك في مهرجان برلين الماضي في المهرجان وربما هي، أي الحركة، نوع من تحية للبذخ الانتاجي على الفيلمين في سابقة لم تشهدها السينما المصرية من قبل (يتردد ان تكاليف كل فيلم تعدت الخمسة ملايين دولار) الذي لربما يوازي بعقلية المنتج تأهل العمل للمهرجانات السينمائية الكبيرة.

ـ 3 ـ

في سوق الفيلم حيث تتوزع شركات الانتاج والتوزيع وتعقد الصفقات وتُبرم الاتفاقات، هناك زاوية جيدة لشركة "غود نيوز" المنتجة للفيلمين في باكورة أعمالها، تزينها ملصقات للفيلمين مع توكيد على "حليم" الذي قدم في عرضه الاول. ولقد أقامت لكل فيلم عرضين او ثلاثة في صالات خارجية مستأجرة كسائر عروض افلام السوق.

تابعت الصحف المصرية وربما بعض الصحف العربية، مشاركة الفيلمين بجهود حثيثة وأخبار النجوم المشاركين ووصلتها حتماً (وربما نشرتها) صور "البروفه" مقتطعة من سياقها متيحة للخبر ان يتخذ مساراً آخر بعيداً من الحقيقة.

ـ 4 ـ

هناك في قسم الاختيار الرسمي، فئة "خارج المسابقة"، أُعلن منذ البداية عن مشاركة فيلم المخرجة تهاني راشد. "البنات دول" هو عنوان الشريط الوثائقي للمخرجة المصرية صاحبة "أربع نساء من مصر" و"سريدة، إمرأة من فلسطين". عن تلك المشاركة المصرية الصميمة في المهرجان، لم تكتب الصحف المصرية.

ـ 5 ـ

احتشد الناس في صالة "بازان" المخصصة لعروض فئة "نظرة ما" لمشاهدة الفيلم الجزائري "بلاد رقم واحد" لرباح عامر زايمينش. كثيرون غادروا بعد مرور بعض الوقت وان كان ذلك ليس بالمؤشر الصالح على جودة الفيلم. ولكن السؤال الذي تردد حتماً في أذهان كثيرين هو: على أي أساس اختير هذا الفيلم للمشاركة في المهرجان؟ وهل صدفة ان يتضمن كل فيلم عربي يعرض في منبر دولي مشهد ذبح حيوان وضرب امرأة ومجموعة دينية متطرقة وسط خواء فني ودرامي؟ هكذا يتحرك الفيلم في بلدة جزائرية يعود اليها احد شبابها يعيد قضاءه فترة في السجن ليتضح ان هذا الخارج من سجنه يمتلك نظرة أرحب الى العالم واكثر تسامحاُ وانفتاحاً. يتوه الفيلم في حكاياته، مستغرقاُ وقتاُ طويلاً قبل ان يختار محوره الدرامي المتمثل بالزوجة الشابة التي تريد الطلاق وامتهان الغناء الذي تعشقه وسط معارضة اهلها وزوجها. ثم لا يلبث ان يتحول الى حكايتها مع شقيقها المتطرف الذي لا يلبث ان يختفي لتصبح هي حرة بعد ان كانت سجينة. وأخيراً يصل الى الجزء الاخير المنفصل تماماً عن الفيلم حيث يتحول فيلماً وثائقياً في مستشفى الامراض العقلية. الى الخلل الدرامي والاداء المرتجل في احيان كثيرة والحوارات الفالتة، لا يفوت المشاهد تلك النظرة الخارجية او المستشرقة التي يعالج بها المخرج فيلمه، ماخوذاً بمشاهد الذبيحة وفرش اللحم على الارض وسواها من اللحظات التي يمكن اي سائح عابر التوقف عندها لدقائق ومن ثم المغادرة في حال سبيله. خلا ان المخرج هنا ارتأى ان يحولها المادة الاساسية لفيلمه.

"البنات دول"

تختصر تلك المشاهدات مشاركة الافلام العربية او بمعنى أشمل السينما العربية في مهرجان كان. يضاف اليها الفيلم الجزائري Indigenes للجزائري ايضاً رشيد بو شارب المقرر عرضه بعد غد في المسابقة. بين العروض على هامش المهرجان لفيلمي "يعقوبيان" و"حليم" وهشاشة "بلاد رقم واحد"، تنفرد تهاني راشد بالتجربة الابرز (بانتظار شريط بو شارب) والأجرأ وهو الامر الذي يقصيها عن تصورات أهل السينما المصرية لمعنى المشاركة في كان. فشريط راشد الاسود والقاسي بما يكشفه من واقع مرير لشريحة كاملة من الاطفال والمراهقين التي تحيا في عالم القاهرة السفلي، ليس بالصورة النموذجية التي يمكن ان يتخيلها اي مصري او حتى عربي عنه في المهرجان. بين هذا الوجه "الفاضح" او "المعرى" والآخر الاحتفالي (في حليم على الاقل) نفهم أكثر مظاهر الاحتفاء بالاخير والرغبة في طمس الاول لكأنه يعبر من الباب الخلفي للقصر وليس من على سجاده الأحمر. يتحرك الفيلمان (وان كانت المقارنة بينهما غير صائبة لاختلاف طبيعتيهما وعدم وجود تنافس بينهما في الاصل) في فلك عقدة الصورة ملامسين الهاجس الملح حول اي صورة بجب ان تصدر عنا. ولئن كانت الاجابة عن هذا السؤال في اي مكان آخر من العالم بسيطة الا انها في منطقتنا تتضخم وتتشتت بين غياب حرية الفن وضآلة الابداع وسواهما اللذين يتيحان ذلك التحرر من مفهوم الصورة الواحدة الآحادية المنوط بها تمثيل مجتمع بكامله.

لقد اختارت راشد لفيلمها "البنات دول" صورة قاتمة من صور القاهرة الحديثة تلك التي بدأت بالتشكل والظهور بعد الثورة. في حي المهندسين الذي تسكنه الطبقة المتوسطة ويشكل نقطة اجتذاب للسياح العرب، يحيا مجتمع آخر، حياة أخرى أناسها من أطفال ومراهقين يسكنون الشارع. والاخير شخصية اساسية في الفيلم، اختبرته المخرجة لنحو سنتين وصورت "سكانه" لتخرج بفيلمها هذا. ليس اولئك ايتام؛ معظمهم اختار الشارع كما تقول احدى البنات هرباً من مشكلات عائلية او مجرد اقتراب من نمط حياة يتيح بعض الحرية. تقلب الكاميرا في حيواتهم من دون ان تستبيحها. تترك لكل فتاة ان تحكي ما يحلو لها، فتتراكم عشرات القصص لترسم ملامح كائنات غريبة، قد تصيبنا قشعريرة من احساسنا انها تحيا هناك بموازاة ـ او تحت ـ عالمنا. شهادة صارخة هو فيلم راشد ووثيقة ولكنها متححرة من مشكلات هذا النوع من الافلام بعدم اكتفائها بموضوعها وبجرأتها وبـ "شرف المحاولة". انه فيلم متماسك مشدود، تتداخل شخصياته وحيواتهن ولا يلجأ الى التجزيء السهل او الاسئلة التقليدية وينأى بنفسه عن اي تحليل اجتماعي او نفسي. انه عن حياة الشارع، يشبهها الى حد بعيد بتركيبته المتداخلة وكادره الواسع الذي يتسع للجميع، يدخله ويخرج منه من يشاء. انه فيلم صادم ليس فقط بحكايات "نسائه" الطفلات والمراهقات وانما ايضاً بقدرته على تجنب السقوط في سؤال "وماذا بعد؟" بعد مرور الصدمة الاولى. تعكس الكاميرا علاقة المخرجة بشخصياته البعيدة من اية وصاية او ارشاد او حتى رصد لحالة غير طبيعية. هي علاقة اعجاب ودهشة تجاه قدرة البنات على العيش والمواجهة والحب وعقد الصداقات...وليس بعيداً من المنطق ان نفكر في انهن كن في شكل ما غطاء الحماية الذي يضمن صنع هذا الفيلم من دون مشكلات مه السلطات. لحظات الضعف كثيرة ونوبات البكاء متكررة ولكنها ابداً لا تدخل في اطار البناء الدرامي الذي يتوخى الوصول الى ذروة درامية. بمعنى آخر، ليس هناك من محاولة لتشكيل حياة الشارع واطفاله لتلائم الفيلم. بل هو لقاء بين كاميرا المخرجة وهذا العالم، تدخله وتتوه في زواياه وهي تدرك سلفاً انها ستغادره وان الحياة فيه ستكتمل.

يعقوبيان وحليم: سينما بمواصفات خاصة

صفق الجمهور، المصري والعربي بمعظمه، طويلاً عندما انتهى شريط "حليم". الصورة كانت مذهلة. فيلم يكرم شخصية موسيقية مؤثرة ويرثي ممثلاً كبيراً ويعلن عن ولادة آخر يُراد له ان يكون نجماً. في الباحة الخارجية حيث تجمع فريق الفيلم وبعض مناصريه، كان هناك من يسأل الحاضرين "الرجل دا ايه؟" مشيراً بسبابته الى هيثم ابن الممثل الراحل احمد زكي ليصيح نفر "عظيم!" . ويتكرر السؤال وتتكرر الاجابة ليتحول الموقف الى ما يشبه المبايعة. ففيلم "حليم" (سنتناوله وعمارة يعقوبيان بشكل نقدي مفصل لاحقاً) هو فيلم هيثم وليس أحمد لأن الاخير يظهر في مشهدين اساسيين (في الحوار الاذاعي وعلى فراش الموت بأداء عالٍ) يشكلان العصب السردي للفيلم. وليس ممكناً ان نتخيل كيف كان احمد زكي سيلعب دور حليم العشريني فيما لو قدر له ان يعيش حتى انتهاء التصوير! لقد استدعت وفاته المتوقعة دخول ابنه في مكانه، فبدا الشاب في "زنقة" بين واجب سد فراغ والده وتجسيد شخصية يحلم بها اي ممثل وقوفه الاول امام الكاميرا. لعله كان من البديهي وسط تسارع الاحداث ان يلجا الممثل الشاب الى الصورة الاقرب في ذهنه. فأتت الشخصية مزيجاً من عبد الحليم حافظ الممثل ومن احمد زكي بطبيعة الحال. اي ان الشاب كان يمثل حليم الممثل وزكي الممثل. ولكن ذلك لم يكن وحده المشكلة ولئن يبدو صعباً في هذه الحالة رسم خط واضح بين ضعف الفيلم الاساسي وضعفه الناتج من الظروف التي واجهته بوفاة ممثله وان كان بديهياً ان يكون ذلك الاحتمال جزءاً من عملية بناء الفيلم قبل حدوثه. في مطلق الاحوال، وبتعليق موجز على الفيلم، يمكن القول انه يقع ضحية رغبته الشديدة في تغطية حقبة كاملة لحياة حليم وللملامح السياسية التي وسمت المرحلة بعيداً من خصوصية النظرة التي كان يمكنها ان تختزل الفيلم وتكثفه. اذاُ اختار فريق الفيلم الطريق التقليدية وذلك حقهم ولكن حتى هذا الخيار يخفق الفيلم في ان يكون سيرة لرجل وبلد. يخفق في تقديم حليم شخصية مكتملة فنحن نراه اما حليم المغني واما العاشق واما المريض (لعل جزءاً من ذلك عائد حتى الى ان سيناريو محفوظ عبد الرحمن الاساسي كان معداً لمسلسل تلفزيوني)... لا تتداخل تلك العناصر... فتضيع الدراما. ويعمل اسلوب المخرج شريف عرفة بالكاميرا المتحركة باستمرار والمهتزة على اقصاء المشاهد لترسم صورة الرجل. يرافق ذلك تقطيع سردي ينتقل من فلاش باك الي آخر الى آخر ما يخلق احساس بالحميمية دافعاً بالفيلم من خلال حركة الكاميرا المبالغ بها الى تخوم تخلع عن الشخصية انسانيتها وتتعامل معها كأيقونة وبموت احمد زكي حمل الفيلم على عاتقه ايقونة اخرى. في واحد من حواراته في الفيلم، يقول حليم ان "الناس تريد ان تراني في الصورة التي يتخيلونها عني" هذا هو تحديداً ما اختار الفيلم السير فيه: الحفاظ على الصورة التي يتخيلها الناس عن كل شخصيات الفيلم.

في "عمارة يعقوبيان" لمروان حامد قدرة أكبر على بناء الشخصيات وتحريكها في محيط الرواية الواسع: وسط البلد. هنا تتجسد شخصيات علاء الاسواني لكأنها خارجة من الورق. وتكتسب حكاية عمارة يعقوبيان الشاهدة على الازمات عصباً نابضاً بالحياة. عادل امام في دور "زكي" المنتمي الى سلالة الباشاوات يقدم اداءً جيداً يستحق الاحتفال بعودة الممثل اليه او عودته الى الممثل الذي حل في مكانه النجم منذ سنوات طويلة. الفيلم المصنوع بموازنة كبرى يحتفي بعودة اشياء اخرى مفقودة غير عودة امام الى التمثيل. انها عودة للتفاصيل الصغرى من ملابس وتصميم فني وديكورات ومشاهد طويلة.الجمهور الذي انخرط في ضحك متوتر انما غير ساخر على مشاهد الحب المثلي بين شابين ربما يعلن ان ذلك ليس معتاداً في السينما العربية السائدة ولكن حساسية ما في تصوير تلك المشاهد وفي نقديم شخصيتها الاساسية "حاتم" (خالد الصاوي) منعته من الاستهزاء. لعل ظهور هذا الفيلم سيعيد النقاش حول الاقتباسات الادبية في السينما المصرية وقد يستدعي مقارنات مع افلام قديمة. ولكن ثمة امر محوري هنا هو ان الفيلم كان سيمتلك مقومات سينمائية كبرى في ما لو انه تخفف من عبء الرواية والاخلاص لها. فتلك الامانة القصوى في ترجمتها نقلت نقاط ضعف الرواية الى الفيلم و سلبته اللغة السينمائية التي من شأنها ان تصهر مشاهد الرواية المتفرعة وخطوطها السردية الكثيرة والمتوازية وشخصياتها التي كأنما في الفيلم تقف في طوابير منفصلة بانتظار انتهاء حكايتها. وللكلام عن الفيلمين بقية...

المستقبل اللبنانية في

23.05.2006

 
 

أقـــــزام وجـــــبــابــــرة

من هوفيك حبشيان

بترحيب لا يستحقه الا الملوك والقياصرة، دخل المخرج الاميركي اوليفر ستون صالة العرض يرافقه ثلاثة من الممثلين في فيلمه الشهير "بلاتون"، وليم دافو وتشارلي شين وتوم بيرنجر، ليقدم 20 دقيقة من فيلمه المنتظر جداً، "مركز التجارة العالمي"، الذي تنتظره الصالات في آواخر شهر آب المقبل. بعد هيصة وتصفيق كانا يشيران الى وجود عدد كبير من انصار هذا السينمائي في الصالة، شكر ستون المهرجان لاحتفائه بـ"بلاتون" الذي اثار ضجة كبيرة لدى عرضه في برلين قبل 20 عاماً، قائلاً ان ما يدعو اليه في افلامه، والنضال الذي يجمع "بلاتون" و"مركز التجارة العالمي"، هو التصدي للطغيان السلطوي والتطرف، متمنياً ان تكون اعماله اقرب ما تكون الى الحقيقة. طبعاً، لم نر شيئاً من الخطاب السياسي الذي سيكون مطعّماً به شريطه الجديد، لكن ما اكتشفناه في فصوله الاولى هو اجواء من القلق والانتظار يشيعها ستون في مشاهد صباحية يلتقطها من نيويورك التي تعود فيها الحياة فجراً بعد نوم عميق. نرى السرجنت الذي يلعب دوره نيكولاس كايج، يترك منزله ليذهب الى العمل وفي اعتقاده (لكن ليس في اعتقاد المشاهد) انه سيكون يوماً رتيباً آخر يضاف الى ايامه. لكن هذا اليوم يحمل رقم 11 من ايلول اسود كاد ان يغيّر مجرى التاريخ. يصوّر ستون بواقعية لا تضاهى، اولى لحظات الاعتداء على "مركز التجارة العالمي"، من حسرة وعدم فهم وارتباك ترتسم ملامحها على وجوه رجال الاطفاء الذين يلقي عليهم ستون تحية، كأبطال مأساة تتخذ قبالة كاميرا صاحب "اسكندر" احجاماً مختلفة وتذهب ابعد من مجرد فيلم - كارثة.

من هنا وهناك

على هامش نشاطات المهرجان، عُقد مؤتمر صحافي لعرض محتوى برنامج "ميدسكرين"، الذي يدعم ترويج الافلام العربية في منطقة المتوسط، ويهدف الى تشجيع الانتاج السينمائي في تلك البلدان، في اطار برنامج الـ"يوروميد" لاحتضان الاعمال السمعية البصرية. من غاياته ايضاً تحسين الاقبال على هذه الاعمال وترويجها في البلدان الشريكة وتوفير المزيد من الفرص لها لكي تنتشر في الاسواق العربية والاوروبية. ينفذ هذا البرنامج اتحاد يتألف من مؤسسات مثل "بيروت دي.سي." اللبنانية المتمثلة بمديرتها هانية مروة التي شرحت ماهية المشروع خلال المؤتمر الصحافي، و"أوروبا سينما" و"جمعية سينما انقرة" وسواها.

نحو من 10 ثوان هو الزمن الذي علقت فيه يدي في يد فرنسيس فورد كوبولا الذي كان مدعواً لسهرة اقيمت على شرف بدرو المودوفار وحضرتها ايضاً ابنته صوفيا. كان الرجل الاسطورة جالساً وسط حشد من الراقصين على وقع الموسيقى الصاخبة، عندما ذهبت الى مكالمته. تسبّب بانقطاع الحديث، التفاتي الى الخلف بعدما شعرت بمداعبة على كتفي اليمنى، واذ بي ارى مايكل ماديوسن يطلب مني ان افسح له المجال للمرور (!).

كانت لحظة كبيرة، لحظة صعود فريق فيلم "باريس، احبك" على منصة صالة العرض لتقديم هذا العمل الجماعي المؤلف من 18 فيلماً انجزه 20 مخرجاً. دام التصفيق عشرات الدقائق الى ان صعد على المنصة نحو 50 شخصاً من كبار اسماء الفن السابع، وعذراً اذا لم نستطع نشر اللائحة هنا.

خلافاً لكثيرين، لم ار في "فولفر" لالمودوفار إلاّ تكراراً مملاً لكل ما صنع فنه ومجده في مساره السينمائي. على مسافة بسنوات ضوئية من فيلمه السابق، "التربية السيئة"، يعتمد جديده على المطولات الكلامية والمشاهد الجميلة تصويراً وايقاعاً واخراجاً، لكن لا يولّد اي اهتمام (اقله عندي) او انفعال، ولا ينجح في عملية تماهٍ مطلوبة مع الشخصيات النسائية التي يحسن المودوفار تصويرها وتقديمها في اطار ميلودرامي شائق. في اختصار، شيء ما ينقص هذا الفيلم، والمشكلة اننا لا نستطيع تحديد هذا الشيء.

في مقابل ذلك، يأتينا المخرج الايطالي ماركو بيللوكيو بعمل يثير الدهشة: "مخرج الاعراس". وهو يجدد روحيته ومزاجه في هذا الفيلم الذي يخرج على الدروب المطروقة ليبحث في عوالم السرد البصري وفن المونتاج واللغة السينمائية. في تناوله قصة هذا المخرج الذي يلعب دوره القدير سيرجيو كاستيلليتو، يروي قصته هو، وقصة كل خلاّق ضائع بين واجب الجنون والاستماع الى صوت العقل. صراع يولّده هذا الفيلم المتطرف، إن من ناحية الاحاسيس التي يصورها او من ناحية الخيارات الفنية والجمالية التي تدل على ان الوحي اصاب صميم بيللوكيو، وان السينما احياناً، تحتاج الى ثلاثة امور: قصة جيدة وقصة جيدة وقصة جيدة.

اما الفيلم الذي يختتم ثلاثية آكي كوريسماكي، "اضواء الساحة"، فبدا هو ايضاً باهتاً وثقيلاً بعض الشيء ومخيِّبا للآمال، علماً ان الشروط السينمائية كلها متوافرة. لكن هل هذا ما نطلبه من السينمائيين الكبار، وكوريسماكي واحد من هؤلاء؟ اذا عدنا الى الخلف قليلاً نرى ان المخرج الفنلندي القدير قدّم افلاماً اعلى شأناً ("يوها" مثلاً) من الذي يقدّمه هنا. وقد يكون آن الاوان لكوريسماكي لكي ينتقل الى موضوعات شائقة أكثر من تلك التي يسردها في هذا الفيلم، والتي تساهم في منح الشخصيات انطباعاً بأن العالم بأسره يدور حول اصبعهم.

بيد ان الكارثة الكبرى تتمثل في فيلم "حليم" الذي اسال الكثير من الحبر، وارتبط مصيره بمصير ممثله أحمد زكي الذي رحل قبل ان تتسنى له فرصة مشاهدته. لا شيء في هذا الشريط الذي اخرجه شريف عرفة، يدل على أننا قبالة إنتاج سينمائي ذي معايير عالمية، كما يدّعي القيمون على انتاجه. ضعيف في مقاربته ومعالجته الدرامية الى اقصى درجات الضعف، فهو يقع في فخاخ الميلودرما المصرية والتضخيم والمبالغات المدوية. أسوأ ما في الفيلم، الى نبرته المفتعلة وخطابه الساسي البائد، التصوير العشوائي بكاميرا في حاجة الى حبة "بانادول" كي توقف جنونها ودورانها حول الشخصيات. وهذا ليس شيئاً، مقارنة بالخلفية السياسية التي تندرج فيها الحوادث، والخطاب السياسي البائد الذي يرافقها. يبقى ان نتمنى لاحمد زكي، الذي يقدّم في الفيلم اداء هو الاقرب الى العبقرية (براندو، ماستروياني، دوبارديو) وتملك الذات والتوفير في الامكانات التمثيلية، أن لا يرى "حليم" من حيث هو، بعدما تحوّل من مشروع سينمائي آمن به وامضى سنوات من عمره حالماً بتحقيقه، الى انتكاسة وتبدد وتدهور آمال. لا يمكننا الا ان نغص ونحن نسمع العبارة التي يكررها حليم في الفيلم لأكثر من مرة، حيث تنفصل الصورة عن الصوة، في لحظة سينمائية مجنونة وساحرة، لنسمع حليم المغني ونرى زكي الممثل.

اما "عمارة يعقوبيان" للمخرج الشاب مروان حامد الذي اقتبس من رواية ذاع صيتها وبيعت منها كميات كبيرة وترجمت الى لغات عدة، فيعاني ازمات عدة على مستوى النبرة والايقاع والنزوع الميلودرامي المتجلي في التمثيل والموسيقى والكتابة السينمائية. الشريط بأكمله يسكنه حب التصادم، لكن المخرج غير متمكن من ادواته، والقصة تتدهور امام اعيننا وليس من ينقذها.

في الجناح الاميركي لسوق الافلام، القى المخرج وليم فريدكين محاضرة على مجموعة من المهتمين، منهم الممثلة فاي داناواي (!)، غداة عرض فيلمه الجديد "باغ" في السوق ايضاً. من الملاحظات التي جاءت على لسان هذا السينمائي، ان صاحب العمل المحترم هو الذي يطرح الاسئلة ولا يأتي بإجابات جاهزة عنها. في المقابل، ما لم نفهمه هو وجوب دفع 45 دولاراً للتمكن من الاستماع الى هذه المحاضرة.

اللافت في الدورة الحالية مشاركة أكثر من فيلم مناهض للسياسة والقيم الاميركية، اهمها، "أمة الوجبات السريعة" لريتشارد لينكلايتر (مسابقة) و"حكايات أرض الجنوب" لريتشارد كيلي (مسابقة). يتمحور العمل الاول على شخصية دون هاندرسون، مسؤول في سلسلة مطاعم للوجبات السريعة، يكتشف يوماً أنه عثر على كميات كبيرة من اللحم الفاسد في مخزن المؤسسة. تالياً، يتوجب على دون ان يعرف الاسباب التي ادت الى هذه الفضيحة التي تسيء الى سمعة المؤسسة. لكن طريق البحث عن اجوبة لن تكون سهلة، اذ سيذهب في رحلة استكشاف الى المعامل والمسالخ والامكنة التي تأتي منها اللحوم، مدركاً في نهاية المطاف ان المنتوج الذي يبيعه هو الذي يأكل المستهلك وليس العكس.

النهار اللبنانية في

24.05.2006

 
 

السينما العربية تدفع باليورولعرض أفلامها

إطلالة على الحضور العربي في "كان" السينمائي

مهرجان كان - القبس - صلاح هاشم 

الشيء المفرح حقا في كان هذا العام الدورة 59، هوهذا الحضور السينمائي العربي القوي والمهم، الذي يجمع الناس، وتتخلق عبره مشروعات، ويجعلنا نتصالح مع أنفسنا والعالم من حولنا، فهناك في قائمة الاختيار الرسمية الفيلم الجزائري 'المواطنون الأصليون' لرشيد بوشارب في المسابقة ولم يعرض بعد، ومشاركة فيلم 'البنات دول' للمصرية تهاني راشد التي تعيش في كندا، وهومن النوع التسجيلي، وأعجبنا، وكذلك فيلم 'باماكو' للموريتاني عبد الرحمن سيساكو، وهناك فيلم 'العودة إلى البلد الأصلي'، لرباح عمور زيميش في تظاهرة 'نظرة خاصة' الذي عرض بالفعل، واعتبرناه خارج سياق كل السينمات بمثابة 'كارثة' بجميع المقاييس، وسنفرد له ما يستحقه لاحقا إلا أن السينما العربية تتواجد هذه المرة بقوة في 'سوق الفيلم' بمشاركات مدفوعة باليورووالدولارات، لتقول 'أنا هنا' أي من خلال الأفلام 'الأعمال الفنية الإبداعية' المهمة الملهمة، وليس من خلال المهرجانات السياحية التي تضحك علينا الناس، ويعرفها اللبيب بالإشارة، ولا يحتاجها جمهورنا أحيانا في بلادنا.

والذي يدعوحقا إلى الفرح هنا، ليس المشاركة في سوق الفيلم وحدها، كنوع من الواجب، وهي ضرورية، لموقع وحجم 'كان' على خريطة السينما العالمية، بل قيمة ودلالات الأفلام التي عرضت حتى الآن، والأفلام التي سوف تعرض لاحقا، وهي جميعها، والحق يقال، أفلام سينمائية عربية جيدة شرفتنا، ورفعت رأسنا في المهرجان مع بعض التحفظات، مثل فيلم حليم لشريف عرفة، وفيلم عمارة يعقوبيان لمروان حامد، والفيلمان من إنتاج شركة جودنيوز الجديدة للإنتاج السينمائي، التي أسسها الإعلامي المصري الكبير عماد الدين أديب، الذي أطلق عليه البعض اسم 'ميردوخ' العرب، كما توهج بعض هذه الأفلام بقوة في المهرجان، مثل فيلم البنات دول لتهاني راشد الذي أعجبنا كثيرا.

فيلم 'بلاد رقم واحد' لرباح عمور - كارثة سينمائية

وكنا قبل التنويه بالأفلام وقيمتها، ذكرنا في مقال سابق أهمية التمثيل الفلسطيني في المهرجان، من خلال اختيار فنان سينمائي مبدع، الا وهوالمخرج ايليا سليمان في لجنة التحكيم المسابقة الرسمية التي تمنح جائزة السعفة الذهبية، وهي كما يعرف كل السينمائيين أشهر من 'أسد' فينيسيا و'دب' برلين، ونعتبر هذا الاختيار بمثابة تكريم للسينما العربية واعتراف من المهرجان بمواهبها، ومواهب شباب السينما الجديدة في عالم صار بلا حدود، تحت راية العولمة وأحد أهداف حكومة كان السينمائية الدولية تسليط الضوء على تلك المواهب، واكتشافها وتشجيعها، اذ تشتغل على السينما الفن، ولا تنشغل بحسابات المكسب والتجارة، لذلك يقف المهرجان إلى جوارها ويدعمها.

ولسوف تكتشف حين تستعيد الآن موضوعات الأفلام العربية، كيف تناولت مسائل وقضايا كثيرة سياسية مهمة وملتهبة، ومتصلة بتاريخنا وهويتنا، والرموز المضيئة الكبيرة في حياتنا وذاكرتنا، لتصل في النهاية بعد رحلة طويلة الى الحاضر، وتصدمنا كما في فيلم البنات دول، وتبين كيف كان هذا 'واقع الحاضر' وابن اليوم، نتيجة حتمية لسياسات استغلال وعنف وظلم،مورست على الناس، وخلفت في النهاية جيلا بلا مستقبل، وأحد لا يعرف المصير الذي سوف يؤول اليه أولادنا، اللعنة، والأشياء تسير من خراب إلى هيروشيما، ويا أيتها الفضائل التي يفاخر بها الانسان ساعدينا.

في فيلم 'العودة' الجزائري يحكي رباح عمورعن 'كامل فرنسا' ابن احدى العائلات الجزائرية المهاجرة، ويكشف الفيلم عن محنة جيل ضائع وحائر بين ثقافتين، من ابناء العرب المهاجرين الى فرنسا، اذ يرحل كامل بطل الفيلم من فرنسا بعد خروجه من السجن، وطرده من البلاد يرحل إلى بلدته في أعماق الريف الجزائري، فيكتشف ان الجزائر هي سجن آخر، وانك لكي تنتقل من قرية الى أخرى، فلا بد أن تعبر نقاط تفتيش اقامها اهل البلدة لضبط المتسللين الإرهابيين، وعدم السماح لغريب بالدخول، ويكشف الفيلم الكارثة، شكلا وموضوعا، والذي بدا لنا فنيا ضعيفا ومشتتا،كيف يتحول الإنسان الى وحش في الجزائر، والأسباب التي تدفعنا احيانا الى الغربة حتى داخل جلودنا في الوطن الأصلي، بتوحشه وعنفه ودمويته، ويصدمنا بمشهد الثور الذي يذبح في الفيلم، في حين يتأمل كامل القادم من فرنسا في نملة، تسعى ياسلام، بين ثنايا العشب.

ولا عمل لأهل البلدة سوى شرب البيرة، ولعب الدومينوفي المقهى، والاعتداء على النساء بالضرب، واهانتهن في عرض الطريق وقمعهن، والمصيبة ان تحاول إحداهن الغناء، فتجلب العار على أهلها، وتستحق عقاب الاخ قبل الزوج، ويحرم عليها رؤية ابنها، فلا تفكر هي وأمثالها الا في الانتحار، أوتفقد عقلها، وتتحول الى مجنونة، وينتهي بها الامر الى مصحة عقلية تغني داخلها براحتها.

تغني بالانجليزية مثل جوزفين بيكر بحضور المجانين المذهولين، وينتهي الفيلم بتفكيركامل فرنسا في مغادرة الجزائر، والذهاب الى تونس، ومهما كلفه ذلك من ثمن، ولا تهم هنا الفلوس، المهم ان يغادر بأي طريقة.

وعلى الرغم من أهمية الموضوع الذي يطرحه الفيلم، أي عودة مواطن الى بلده الأصلي، وتأثيرات ذلك على مستقبل حياته، فإنه لا يستحق بداية أن نطلق عليه اسم فيلم، يمكن ان يكون ربع اونصف فيلم، لأنه في نظرنا عمل تافه من أعمال الهواة، الذين يأخذون الكاميرا، ويصورون مايقع لهم عند عودتهم، أوفي رحلتهم، ويوظفون التمويل الفرنساوي الفرانكفوني في صنع افلام مثل تلك، لا تساوي نكلا، ويعتبرونها من رموز 'الحداثة'، تفرج في حين يصور الفيلم الجزائر والجزائريين كأناس بشعين، ويضعهم جميعا في سلة واحدة، ويخسف بهم الارض، بكراهية عميقة، ومنقطعة النظير، لكن فجأة تخرج علينا صحف الصباح الفرنسية في المهرجان الكبير مثل صحيفة ليبراسيون، وهي تمجد في ذلك الفيلم الرديء وتكيل له المدح، ولا عجب في ذلك لأن الأفلام المصنوعة بأموال فرنسية، لابد ان ترضي ذوق المتفرج الغربي الفرنسي.

وتصور له الجزائر كما عهدها في الكتابات الاستشراقية الغرائبية الاكزوتيكية، وهي جميعها كتابات كولونيالية استعمارية، كانت تمهد لغزوبلادنا، وتستبيح نهب ثرواتنا، وتدعوالى اغتصاب الوطن والارض وممتلكات الغير، على أمل ان نتحول الى مسخ ونتغرب في بلادنا.

ولا نعرف كيف سمح المهرجان لنفسه باختيار هذا الفيلم الوضيع المبتذل، لكي يعرض في تظاهرة 'نظرة خاصة'، لله ما أردأه، ومتى يا ترى تنتهي أفلام الفولكلور الفرانكفونية الفرنسية هذه التي تصورنا كحضارة وحوش، بالعنف والقتل والدم، وتضعنا دوما في خانة الارهابيين والمتخلفين عقليا، هلكتونا ارحمونا من تلك الأفلام، فهي لا تستحق حتى عناء مشاهدتها.

ولنا وقفة مع 'حليم' شريفة عرفة و'عمارة يعقوبيان' لمروان حامد، وبقية الافلام العربية الاخرى في عدد قادم من 'القبس'.

القبس الكويتية في

24.05.2006

 
 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)