كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

أحمر ملتهب بالعواطف والإثارةِ واحتفال صوفي مفعم بعشق الحياة

مهرجان "كان" الـ 59 يعرض للسياسة والتاريخ والحب ويتوهج مثل "كوكب" منير

كان ـ صلاح هاشم

مهرجان كان السينمائي الدولي التاسع والخمسون

   
 
 
 
 

ربما كان اهم ما يميز الدورة التاسعة والخمسين من مهرجان كان السينمائي الدولي الذي انطلقت فعالياته اليوم جوار بحر 'كان'، شط الهوى والاحلام اللازوردي، الذي يعتبر 'عيد' السينما في العالم، وأكبر تجمع سينمائي اعلامي، لصناعة السينما والعاملين في الوسط السينمائي، على ظهر البسيطة. ولكل دورة يقينا طعم ومذاق خاص، هو انها ستكون دورة ملتهبة ومثيرة وحامية، مثل جمرة نار، بكل المقاييس، وربما بلون الدم الاحمر الساخن المشتعل، اللون المفضل عند المخرج الاسباني الكبير بيدرو المودوفار، الذي يشارك بفيلمه 'عودة' بطولة حسناء السينما الاسبانية والعالمية بينيلوب كروز في مسابقة المهرجان، وتتنافس افلامها جميعا ـ 21 فيلما ـ على خطف سعفة 'كان' الذهبية.

فجر المهرجان ، عند افتتاحه بالفيلم الاميركي 'شيفرة دافنشي'، 'قنبلة' سينمائية لا شك، بالافكار الجريئة التي يطرحها الفيلم، في مواجهة المؤسسة الدينية المسيحية ـ 'الفاتيكان' ـ واعتماده قيمة 'الشك'، كقيمة فلسفية عميقة، في علاقتها بالايمان والاخلاق. حيث يطعن الفيلم في العديد من مسلمات العقيدة المسيحية، التي تأسست عليها الحضارة الغربية، من خلال شريط بوليسي مثير لاهث، يحبس الانفاس، ويروج لأفكار وأسرار، ظلت في طي الكتمان منذ زمن. والمهم انه يشتغل على عدة محاور وافكار نظرية، فينقلها من صياغات باردة مجمدة وتجريدية، ويبعث فيها الحياة من جديد، بكيمياء وعناصرالفن.. وسحر الضوء الملهم.

في 'كان'.. اختراع النظرة

وهو امر اشبه مايكون بمعجزة، مثل تحويل المادة الى روح، وتحويل الشيء ـ شريط السيلولويد ـ الى قيمة، وقيمة السينما الاولى، هي انها تتسامى اساسا من خلال اعمالها بارواحنا. اهميتها، في اطار هذا 'المولد'، الذي يعتبر الحدث الاعلامي الاول في العالم، بأفلامه واحداثه ووقائعه واحتفالاته، بعد الدورة الاولمبية، هي في انها تنور وتطور وعينا بالعالم، وتعزز ايماننا بمبادئ وتقاليد وطقوس وروحانيات، وتجعلنا نعيد النظر في سياسات، ونحلم. حلم السينما وحده، كما يقول الشاعر الفرنسي فاليري، ولا حلم آخر يشبهه، هو الذي يقربنا من أعمق أعماق انسانيتنا. والغريب انك ان دققت النظر فلن تجد ان في السينما جديدا، وهي لم تغير كثيرا في موضوعاتها منذ نشأتها. ان الموضوع الواحد للسينما، ليس الموضوعات الثرثارة التافهة وقصص المسلسلات التي تقصفنا بها المحطات التلفزيونية العربية الرسمية والحديثة، فهذه 'اكوام زبالة'، لا ترقى الى مسلسلات الاذاعة القديمة المحفزة والمنشطة لتحريك الخيال، كما يقول الشاعر الالماني برتولت بريخت.

وذلك لكي يذكر بأن اهمية السينما، ليس في الموضوعات أو الثيمات التي تناولتها وطرحتها، بل في النظرة الجديدة الطازجة، التي تجعلنا من خلالها نطل على الاشياء والمواقف والاحداث. تلك 'النظرة' التي يمكن ان تتشكل في واقع مدهش بديع مثل 'قوس قزح' في السماء، ثم اذا بها تتفجر مثل فيلم 'أحلام' للياباني اكيرا كيروساو، أو 'القيامة الآن' للاميركي كوبولا أو 'التوت البري' للسويدي برجمان.

معرض للمجوهرات السينمائية

هذه النظرة التي تتفجر عبر الاعمال السينمائية مثل الدرر، هي حجر الزاوية في مهرجان 'كان' السينمائي 59 الذي يروح يسلط عليها الضوء، مثل الجواهرجي او صانع المجوهرات الذي يفتش عن جوهرة، كي يزيح عنها التراب، ويجلوها ويلمعها ويعرضها على الناس. لذلك يعتبر مهرجان 'كان' كما قال عنه الممثل الاميركي جاك ليمون اكبر محل او معرض 'مول' للمجوهرات 'السينمائية' في العالم. فقط من خلال تلك 'النظرة' التي تشدنا، وتفاجئنا في كل مرة، ومع كل فيلم نادر وفريد، بسحر الضوء والفن، تغزونا وتدهشنا، وربما تصنع لنا حياة جديدة. والطريف انك تشعر مع كل الافلام العظيمة كما يقول المخرج الفرنسي الكبير جودار، بأنها هي التي تشاهدنا، ولسنا نحن من نشاهدها، تصبح هي 'الفاعل' ونحن 'المفعول به'، فاذا بالفيلم بمجردالاعجاب به يمتلكنا، ويستحوذ بجماله على ارواحنا في ظلام القاعات التي تشبه المعابد القديمة. ولا عجب ان يقول فنان ومخرج سينمائي هندي عظيم مثل ساتيا جيت راي ان السينما دين.

وتكمن اهميتها في الحث على التفكير والتأمل، مثل رياضة 'اليوغا' الروحانية، فتجعلك، وانت تركض هنا في المهرجان الكبير 'سيرك النجوم والافلام' من قاعة الى قاعة، ومن فيلم الى فيلم، ومن حلم الى علم، تفكر كيف اشتغل المخرج على عمله، في ورشة الابداع. وهي عملية اشبه ما تكون ب'تفصيص الماس'، اي الفرز بين الاصيل والمزيف، والامساك ب'روح' الفيلم وتوهجه الاصلي. وهناك افلام بسبع أرواح، وهناك افلام بلا ضمير فهناك الفيلم الذي يداعب قلبك، ويقول احبوني، والفيلم الذي يخاطب عقلك، ويقول افهموني، ثم عليك من بعد المشاهدة البلاغ، عبر تحليل الاستماع والاستمتاع والمشاهدة، وحث الآخر اي المتفرج على المشاركة، اي اداء واجب النقد. اذ لا تكتمل العملية السينمائية، الا اذا كان هناك ايضا متلق وناقد، وغياب احد هذه العناصر في المثلث الفيلمي، يؤدي الى تأخر السينما في بلادنا.

ثقافة سينمائية

نعم توجد أفلام في بلادنا، لكن لا توجد سينما، ولا توجد ثقافة سينما. توجد ثقافة بالطبع في حياتنا، لكننا نتعامل معها ونفهمها، مع اشياء كثيرة، بمفاهيم مغلوطة وقديمة عفا عليها الزمن، والتمسك بها، والتعصب لها، هو سبب تخلفنا. وربما كان أكبر دليل على ذلك هو ان المهرجانات السينمائية التي تقام في بلادنا تدار بواسطة الموظفين، في حين ان 'كان' اكبر مهرجان سينمائي في العالم، من تنظيم جمعية أهلية، ولا يعتبر مهرجانا رسميا او حكوميا فرنسيا. بل لقد سبب المهرجان، في دورات كثيرة، احراج الدبلوماسية الفرنسية، بعرضه افلاما ممنوعة، ولا ترضى عنها حكوماتها. مثل فيلم 'التصريح' ـ يولYOL للمخرج التركي العظيم ايلماظ جوني الذي اخرجه وهو في الحبس، وجرى تهريب الفيلم من تركيا لكي يعرض في 'كان' ويشارك في المسابقة, ويفوز بجائزة السعفة الذهبية مناصفة مع فيلم 'مفقود' اخراج الفرنسي كوستا جافراس. وهذه مواقف تحسب للمهرجان الذي صار يعلي من قيمة الحرية، ويشارك ايضا في معركة الانسان ضد القبح والظلم والبربرية والعنصرية في العالم، وتكتشف هنا من خلال خياراته لافلام المسابقة (21 فيلما) من ضمن اكثرمن 3 آلاف فيلم قدمت للمهرجان، انه اختار الافلام التي تربط السينما بالواقع الذي نعيشه، والسياسات التي تمارس ضدنا، والمخاوف التي تزعزع ثقتنا بالحياة، ليضع السينما في قلب عصرنا، ويصور احباطاتنا على سكة الخلاص.

مهرجان 'الامم المتحدة'

مهرجان 'كان' ايضا هو 'الامم المتحدة' في السينما، او حكومة السينما في العالم، فهو، بعد مرور 58 عاما على تأسيسه، الجهة الوحيدة في العالم التي تحافظ على بقاء السينما كفن، وحماية التراث السينمائي من الانقراض والاندثار. تمنع 'حكومة' كان، من ان تتحول السينما كفن الى مجرد بضاعة تجارية في ورق سوليفان، وقد اسس كان عدة قواعد سينمائية مهمة للمحافظة على حرية المبدعين السينمايين من الشباب، وحمايتهم وتشجيع الموهوبين منهم، من ضمنها 'مؤسسة كان' CANNES FONDATION لرعاية المواهب الجديدة الشابة في الاخراج، وينظم المهرجان كذلك مسابقة بين احسن افلام المعاهد السينمائية في العالم، كما أنشأ مسابقة" الكاميرا الذهبية 'للافلام الاولى منذ اكثر من عشرين عاما، وتساعد الجائزة التي تصل قيمتها الى اكثر من 300 ألف فرنك ـ المخرج على انجاز فيلمه الثاني.

السينما الاستثناء والأربعة الكبار

ليست السينما في مهرجان 'كان' هي التجارة، على الرغم من انه يفسح مجالا كبيرا لتجارة وصناعة السينما، من خلال سوق الفيلم الذي يقام في قصر المهرجان، ويمتد خارجها على شاطئ البحر. بل هي السينما الاستثناء، السينما الفن، التي يشتغل عليها بدأب وحدب، ويلتف حولها مجموعة من السينمائيين المبدعين في العالم، ومن ضمنهم 4 مخرجين عتاولة كبار، يهبطون ديار 'كان' في دورة هذا العام، وكل واحد منهم يستحق من عشاق السينما تعظيم سلام، وتحية تقدير واحترام وشكر على فنه، وابداعاته واضافاته الى فن السينما.

وفي مقدمة هؤلاء في الدورة 59 البريطاني كين لوش، ألمع نجوم السينما الاجتماعية اليسارية الملتزمة في بريطانيا، وهو علم من اعلام الاخراج السينمائي في العالم. والاسباني بيدرو المودوفار، الذي يعود الي كان بفيلم 'عودة' الذي يحكي فيه فقط عن ثلاث نساء، بينما كانت افلامه الاخيرة تدور حول رجال، وتجسد فيه بينيلوب كروز دور أم حامل، ليكون كما قال مجرد تحية الى امرأتين ممثلتين عظيمتين في السينما الايطالية هما صوفيا لورين وآنا مانياني، وجميعنا نذكر حضوريهما الشامخ في افلام السينما الواقعية الايطالية في الخمسينات والستينات.

وحاليا يعتبر المودوفار، كما هو معروف، اشهر واعمق مخرج اسباني، وزعيم حركة الموفيدا الفنية في فترة الستينات، التي عملت في السر تحت الارض ضد حكومة فرانكو الفاشية، وهو استاذ في افلام الميلودراما الهوليوودية، كما هو معروف، وتخرج مثل شاهين في حضن السينما الاميركية الهوليوودية، ومعظم افلامه كسرت تابوهات ومحرمات، وساهمت في تحرير العقلية الاسبانية، من الكبت وسلطة الدين، والتعصب الأعمى المقيت للقوميات، في اسبانيا، الخارجة لتوها من ويلات حكم الديكتاتور فرانكو.

سينما المودوفار سينما حرة اجتماعية ونفسانية رائعة، كأنه يغزل لنا بفنه، فستان فرح قطيفة من حرير احمر، فستانا بلون الرمان في غرناطة وقرطبة. بلون دم الشاعر الاندلسي الغجري العظيم لوركا، الذي قتله العسكر الفاشي، بعد ان أحرقوا اشعاره، ومثلوا بجثته. بلون الفلامنكو الاحمر الملتهب, والاقدام المتشبثة بتربة الارض، والمزاج المتوسطي العصبي الدموي الحامي.

وجميعهم، كين لوش والمودوفار، والمخرج الايطالي ناني موريتي الذي يحكي عن بيرلسكيوني، في فيلم سياسي، وينضم اليهم المخرج الفنلندي آكي كوريسماكي، ابو الافلام التي تذوب انسانية ورقة مثل الشهد، والتي تشبه برقتها قصائد جاك بريفير، وحبات المطر، وتقطر وداعة، وتتضامن مع كل المساكين الهامشيين الصعاليك، ضحايا مجتمعات الاستهلاك والبطالة الكبرى في الغرب، والمعذبين والمتسولين والعاطلين عن العمل.

رسالة وليس حرفة

جميعهم يأخذون السينما كرسالة وليس حرفة، ويطرحون وهم منهمكون في ورشة الخلق والابداع، تساؤلات جوهرية، تمس صميم حياتنا، والمشكلات والازمات التي يمر بها عصرنا. والمهم هنا ان اعمال هؤلاء المخرجين الاربعة وغيرهم, بالاضافة الى اعمال المواهب الجديدة الشابة مثل صوفيا كوبولا التي تعرض فيلمها 'ماري انطوانيت' في المهرجان، تقدم قراءة السينما لعصرنا، وتكشف عن معضلات الوجود الانساني، وتناقضات المجتمعات الانسانية تحت الشمس، من كوارث ومذابح وازمات، ومآس وحروب, فتحول السينما الى مجموعة نظرات للتأمل، اي توظف السينما كأداة للتفكير في العالم.

وهنا بالضبط تتحقق الاهمية الكبرى لمهرجان 'كان'، لأنه لا يعرض افلام هؤلاء المخرجين السينمائيين الكبار فقط، ويرينا كيف يفكرون في العالم، وكيف يبدعون في الورشة فقط، بل يكشف ايضا عن المواهب الجديدة، ويدعمها ويساعدها، ويمشي مع الموهبة حتى تصنع فيلمها الثالث، ومن بعدها تسير عجلة القطار وحدها، بعدما يكون المهرجان كما يقول جيل جاكوب رئيس المهرجان ل 'القبس' في حوار معه، يكون انهى مهمته، وحقق لتلك الموهبة الرعاية المنشودة التي تستحقها، وسلط على موهبتها الضوء.

الرهان كما يقول جيل جاكوب هو قدرة المهرجان على الاستمرارية، في دعم ورعاية المواهب السينمائية الجديدة في العالم. والدليل على ذلك 'عربي' امامنا، ففي مهرجان 'كان' تحققت نجومية المخرج الفلسطيني ايليا سليمان في غمضة عين، بعد ان شاهد جمهور كان الذي نحكي عنه فيلم 'يد إلهية' لصاحبنا، فصار في اليوم التالي نجما، في 'كان' وفي العالم. احب جمهور 'كان' فيلم ايليا سليمان، الذي كشف عن موهبة سينمائية ناضجة اصيلة، فصفق لها ولفنها، ولم يسأل من أين أتت، او ما لون ونوعية جواز السفر الذي تحمله. واليوم يحتفل المهرجان بموهبة ايليا سليمان التي اطلقها بعرض فيلمه 'يد إلهية'، ويضمه كمخرج عربي مبدع الى لجنة تحكيم مسابقة السعفة الذهبية، وهو شرف ومكسب كبير، وتكريم للسينما العربية ومواهبها السينمائية الجديدة، كما احتفل من قبل بالنجوم من الممثلين والمخرجين الذين ولدوا واكتشفوا في كان مثل الاميركية شارون ستون الذي عرض لها فيلمها 'غرائز أساسية' والفرنسية جولييت بينوش، والمخرج الالماني فيم فندرز والمخرج البوسني أمير كوستوريكا والقائمة تطول، بل ان المخرج الاميركي ترانتينو يقول ان نجاح الفيلم في كان، يوفر على المخرج الدعاية للفيلم لمدة سنة كاملة، اذ يتكفل الاعلام الصحافي والتلفزيوني الدولي الهائل في المهرجان الكبير بتلك المهمة.

فرنسا وخيانة العرب

يعرض 'كان' في دورته الجديدة 59 لعدة موضوعات وثيمات، تربط السينما من خلال الاعمال المشاركة في المسابقة، بالاضافة الى افلام تظاهرة 'نظرة خاصة' الجانبية (حوالي 55 فيلما)، تربطها بالسياسة والحب والثورة والتاريخ، لكي تكون 'مرآة' لحركة وتطور مجتمعاتنا الانسانية. كان هو قارة سادسة، كما يقول جيل جاكوب، قارة نذهب لكي نتعرف على افلامها في الاحتفال السينمائي الكبير او 'اعظم استعراض في العالم. قارة تتحول احيانا الى 'سيرك قرود' كما يقول المخرج الفرنسي رومان بولانسكس، غير انه يضيف: ولكن من منا لايحب القرود الشمبانزي؟!

ومن المنتظر ان يثير فيلم سكان المستعمرات LES INDIGENES والسكان الاصليون للمخرج الفرنسي من اصل جزائري رشيد بو شارب، المشارك في مسابقة المهرجان، ويمثل الجزائر، الكثير من النقاش و الجدل، حيث يعرض لمشاركة فرقة من الجنود العرب من سكان المستعمرات الفرنسية في الجيش الفرنسي، اثناء الحرب العالمية، وتنكر وخيانة الحكومة الفرنسية لهم بعد التحرير، اذ تمس هذه القضية، وتتفاعل مع الاوضاع المزرية المتردية التي يعيشها ابناء الجالية العربية، في غيتوهات العزلة والفقر والبطالة والبؤس في ضواحي مدينة باريس، واطراف المدن الفرنسية الكبرى، كما تتلاقى مع المشاكل الخاصة بالذاكرة والتاريخ والهوية، وماضي فرنسا الاستعماري والعرب والعبيد السود المنسيين، المطروقة الآن بجدية على خريطة الواقع السياسي والفكري والاجتماعي الفرنسي.

وتدعو مثل تلك الأفلام بالطبع، من خلال الافكار التي تطرحها، وهي تعتمد على تقديم وتصوير وقائع تاريخية معينة محددة، تدعو الى التضامن مع هؤلاء المهاجرين العرب في نضالاتهم والمطالبة بحقوقهم، كما ترسخ من خلال الكشف التاريخي فكر تغيير العقليات، وتفتيح الاذهان على الحقائق الجديدة لمجتمعاتنا، التي سوف تكون يقينا في المستقبل، متعددة الجنسيات والهويات والثقافات، ولا تتعصب لفرقة او لحزب، واكثر محبة وعدالة وتسامحا، وضد العنصرية والبربرية.

وسنتوقف في 'القبس' عند ابرز افلام واحداث المهرجان في رسائل اخرى قادمة.

الأفلام العشرون المتنافسة على السعفة الذهبية لمهرجان 'كان'

فيما يلي قائمة بأسماء الأفلام العشرين المشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان 'كان' السينمائي الدولي المقام من 17 إلى 28 مايو.

'فولفير' (عودة) بدرو المودوفار (اسبانيا).

'رد رود' (الطريق الأحمر) الفيلم الأول لاندريا ارنولد (بريطانيا).

'لا ريزون دو بلو فيبل' (منطق الأضعف) لوكاس بلفو (بلجيكا).

'انديجان' (سكان اصليون) رشيد بوشارب (الجزائر).

'اكليملير' (أجواء) نوري بيلج سيلان (تركيا).

'كرونيكا دي اونا فوغا' (يوميات هروب) اسرائيل اندريا كيتانو (الارجنتين).

'ماري انطوانيت' صوفيا كوبولا (الولايات المتحدة).

'جوفنتود ايم مارشا' (مسيرة شبابية) بدرو كوستا (البرتغال).

'متاهة اله الريف' غييرمو ديل تورو (المكسيك).

'سولون شارلي' (استنادا الى شارلي) نيكول غارسيا (فرنسا).

'فلاندر' برونو ديمون (فرنسا).

'كون جيتيه شانتير' (عندما كنت مغنيا) كزافييه جيانولي (فرنسا).

'بابل' اليخاندرو غونزاليس ايناريتو (المكسيك).

'أضواء الضواحي' اكي كوريسماكي (فنلندا).

'ثاوذلاند تيلز' (حكايات ثاوذلاند) ريتشارد كيلي.

'فاست فود نيشن' (امة الوجبات السريعة) ريتشارد لينكليتر (اميركا).

'ذي ويند ذات شيكس ذي بارلي' (الرياح التي تهز الشعير) كين لوش (بريطانيا).

'القصر الصيفي' لو يي (الصين).

'ايل كايمانو' (الحريف) ناني موريتي (ايطاليا).

'اميكو ديلا فاميليا' (صديق العائلة' باولو سورينتنو (ايطاليا).

القبس الكويتية في

19.05.2006

 
 

مهرجان كان.. السينما المغربية حاضرة في القرية الدولية

كان : أحمد نجيم | المغربية  

التحق العلم المغربي بأعلام دول كثيرة في القرية الدولية لمهرجان "كان" الدولي السينمائي التاسع والخمسين، رواق المغرب يجاور دولتين لهما باع سينمائي كبير.

على يمينه يوجد رواق الهولنديين، وفي الجهة الأخرى رواق الدولة الأكثر إنتاجا للأفلام السينمائية في العالم وهي الهند.

يتضمن الرواق المغربي معطيات عن تاريخ السينما المغربية من خلال »كاتالوغ« الأفلام المغربية، منذ إنتاج أول فيلم سينمائي، كما يقدم دليلا عن السينما المغربية يتوفر الرواق المغربي على معطيات بصرية تقدمها شاشات مثبتة.

زوار اليوم الأول من المهرجان كانوا في غالبيتهم من »المنتجين الذين يستفسرون أكثر على إمكانية تصوير أفلام سينمائية في المغرب«، يقول أحد المشرفين على الرواق، هؤلاء وجدوا ضالتهم، بالإضافة إلى موقع المركز الموجود في شاشة في الرواق، في مقتطفات لأفلام صورت في المغرب، كان من بينها الفيلم الفرنسي "إيزنوكود".

إذا كان الهولنديون، جيران المغاربة في الرواق، يستميلون زوارهم بـ "البيرة" الشهيرة، فإن المغاربة يقدمون أنواعا مختلفة من الحلويات، طبعا من أشهرها "كعب الغزال" ونقل المركز السينمائي المغربي أطباقا جاهزة من مختلف الأنواع من المغرب.

بالإضافة إلى هؤلاء المنتجين الباحثين عن المعلومة، يزور الرواق أناس آخرون بدافع الفضول »الرواق المغربي المنظم والجميل حظي باحترام أول من زاره، وهناك دول في حجم المغرب تحلم أن تملك مثله«، يقول مسؤول عن المركز السينمائي المغربي.

وفود الدول المجاورة للمغرب كانت سباقة إلى زيارة الرواق ولقاء مدير المركز السينمائي المغربي، نور الدين الصايل، فالمخرج التونسي الشهير فريد بوغدير كان ضمن ضيوف اليوم الأول للرواق المغربي، كما زار الرواق ثلاثة من المخرجين الشباب.

وتحل تونس خلال هذه الدورة ضيفا على قسم "سينما العالم" بالإضافة إلى إسرائيل وسنغافورة والشيلي وسويسرا وفنزويلا وروسيا.

المغرب، الغائب عن أحد أقسام المسابقة الرسمية للدورة 59، يحضر، بالإضافة إلى الرواق، في الإعلام المتخصص، فمجلة "دفاتر سينمائية"أدرجت السينما المغربية ضمن ملف يتحدث عن سينما 33 دولة.

كان المغرب ولبنان البلدان العربيان الوحيدان اللذان أدرجا في ملف أشهر مجلة سينمائية فرنسية، وتضمن الملف حديثا عن سينما دول لها تاريخ كبير في الفن السابع كإيطاليا وأميركا وفرنسا واليابان.

وتناول مقال في الموضوع بعنوان "التحديات الكبرى" بقلم الباحث الطاهر شيخاوي وأوضح أن مجموع المغاربة الذين يتابعون أفلاما سينمائية في القاعات يصل إلى ستة ملايين شخصا، 18 في المائة منهم فقط يتابعون الإنتاج المحلي، أما الباقي فموزع بالأساس بين السينما الهندية والسينما الأميركية.

وتحدث عن التحولات الكبرى التي شهدتها سنة 2005 من أكبر تجلياتها الاستمرار في تنظيم مهرجان الفيلم الدولي بمراكش، ثم تنظيم مهرجان الفيلم الوطني في السنة نفسها بطنجة وما واكبه من رفع لدعم الدولة المخصص للقطاع السينمائي.

التحدي الثاني الذي أثاره الكاتب في المقال نفسه يتجلى في نجاح المغرب في استقبال مخرجين مغاربة شباب من آباء قضوا سنوات من العمل في أوروبا، وأكد الباحث أن المغرب نجح في هذه العملية التي أخفقت فيها دول أخرى مجاورة كتونس والجزائر.

تبدو رغبة مدير المركز السينمائي المغربي في مشاركة مغربية في المنافسة عن السعفة الذهبية لمهرجان كان وشيكة، فقد أضحت السينما المغربية تحظي باحترام كبير.

الصحراء المغربية في

19.05.2006

 
 

افتتاح مخيب وإعراض جماهيري ونقدي عن "شيفرة دا فينشي"

انطلاق الدورة 59 لمهرجان "كان" وسط تكهنات حول الأفلام وتجاوز خيبة الافتتاح

كان ـ ريما المسمار

ينطوي سحر كان على أشياء كثيرة. فهو ليس فقط أكبر تظاهرة سينمائية في العالم. ولا تنحصر أهميته في تقديمه مروحة واسعة من الانتاجات السينمائية من عواصم السينما وضواحيها والداخلين اليها من وقت قريب. ولا تكفيه مكانته التي تكرست عبر ما يقرب من ستين عاماً بمشاركات قامات السينما الكبيرة التي كانت في وقت ما مواهبها الناشئة وفي أحيانٍ قليلة معجزاتها الضنينة. ولا يغويه وهو قبلة السينمائيين وملاذهم المنشود أن يستريح الى ثبات في المضمون أو رتابة في أي من برامجه وفئاته. هو كل ذلك ولكنه أيضاً ذلك المزيج الخاص الذي يصعب تكراره او محاكاته الجادة... مزيج من الميل الجارف الى سينما المؤلف والانحياز الساطع الى الأصوات المتفردة بخاصية أمكنتها وثقافاتها والاحتفاء بالفن السينمائي الخلاق المتجسد على الشاشة لغة بمفردات خاصة. إلى كل ذلك، تُضاف قدرة غير عادية على تحريك خصوصية النظرة والمقاربة في قالب احتفالي مبهر وضمن شبكة تواصل مع الجمهور والصحافة واهل المهنة ونجومها وسوقها... بما هي نوافذ مطلة على السينما، هذه الحياة الحافلة بسحرها ومتناقضاتها وتأويلاتها.

ها هي الشمس تسطع من جديد على "الكروازيت". تستقبلك الجادة البحرية في الوقت نفسه من كل عام لكأنها تبتدع تقويماً زمنياً جديداً. فلا يعود الوقت هو الوقت هناك ولا الزمن هو الزمن. تتسع الايام العشرة المخصصة لفترة المهرجان لتصبح حياة كاملة على جزيرة سينمائية تتصل بالعالم بما تحمله أفلامها من صور واقعه ومجتمعاته وتاريخه. مرة جديدة ترص الصفوف امام القاعات واسفل الادراج وتتطاول الاعناق وتتفتح العيون على اتساعها في انتظار ما تحمله او الاحرى تخبئه الدورة الحالية التاسعة والخمسين لمهرجان كان التي انطلقت أمس عروضها بعد ليلة الافتتاح المخيبة أول من أمس بفيلم رون هاورد "المنتظر" "شيفرة دا فينشي".

لجنة حكم المهرجان برئاسة المخرج الصيني ونغ كاروا (الخامس من اليسار) والممثل الفرنسي فنسنت كاسل (الخامس من اليمين) والممثل الأميركي سيدني بواتييه (السادس من اليمين) والمخرجة انجيلا جيورجيو (السادسة من اليسار)، والمخرج الفلسطيني الياس سليمان، والممثل الأميركي صامويل جاكسون، والمخرج الارجنتيني لوكريسيا مارتل، والممثلة الصينية زانغ زبيي والممثلة الايطالية مونيكا بيللوتشي، والممثل والمخرج البريطاني تيم روث، والممثلة البريطانية هيلينا بونهام ـ كارتر، والممثل والمخرج الفرنسي باتريس لوكونت (رويترز)

الافتتاح المخيب

قبل العرض الافتتاحي، اقيم للفيلم عرضان صحافيان كانا أكثر من كافيين لاستشفاف وقع الفيلم. واذا كان هناك من يعتبر العروض الصحافية معبرة عن وجهة نظر شريحة محددة وميالة الى القسوة غالباً، فإن العرض الافتتاحي حيث يحضر أهل المهنة ونجومها ممن تربطهم علاقات عمل ودية او ديبلوماسية لم يكن أفضل حالاً. قلة خرجت من الصالة أثناء العرض، ولكن ما إن بدأت أسماء فريق الفيلم بالظهور على الشاشة، حتى بدأ الحضور بالانسحاب صمتاً من دون ادنى تحية للعمل ولو تصفيق خافت. نجوم الفيلم الذين يعتلون عادة المنصة بعيد انتهاء العرض، وقفوا بانتظار التحية ولكن الجمهور كان قد بدأ يغادر. فما كان منهم الا ان هنأوا بعضهم بعضا ومن ثم انسحبوا قبل نهاية "الجنريك"!

لم يكن الشريط على مستوى التوقعات. ولولا الجدل الذي أثارته رواية دان براون، ملهمة الفيلم ومصدره، ومازالت تثيره لما حظي الفيلم بذلك الشق الفضولي حتى الذي يدفع بالناس الى مشاهدته. قبل ساعات من الافتتاح، افترش الدرج مجموعة من الراهبات البريطانيات مع كاهن احتجاجاً على الطرح الذي يقدمه الفيلم نقلاً عن الرواية والذي ينسف ألفي عام من المفاهيم المسيحية المكرسة من ان المسيح تزوج مريم المجدلية وأنجب بنتاً منها ولكن الكنيسة قامت بطمس معالم ذلك الجانب ونفت عن المجدلية صفة التلميذة الاقرب الى المسيح. الا ان ثمة رموزا واشارات لاسيما في رسومات ليوناردو دا فنشي تبرهن ذلك بحسب الفيلم والرواية.

من الصعب ان يتخيل المشاهد هذا الفيلم منجزاً لولا الرواية والنجاح الكبير الذي حققته. فكل تلك الطلاسم والأحاجي والرسوم والتاريخ الديني التي يقوم الفيلم عليها لا تتناسب وانتاجات استديوات هوليوود. انها من النوع السردي الثقيل والتحليل الذهني غير المغري لفيلم سينمائي يتوق الى الجماهيرية. المفارقة ان الرواية وِصفت بـ "السينمائية" بفصولها القصيرة الأشبه بمشاهد سينمائية وتحولاتها الكثيرة والخيال الواسع الذي تبنى عليه وحركة شخصياتها التي لا تهدأ في مهمات بحث تتخللها مغامرات مشوقة وفي خلال فترة زمنية مكثفة. تلك السهولة الظاهرية في تحويلها عملاً سينمائياً كانت خادعة. فما رشح الى الشاشة سرد طويل لكم معقد من المعلومات طغى على كل ما عداه على الرغم من الجماليات البصرية لاماكن التصوير المتعددة في فرنسا وبريطانيا وروما والاحتمالات الجمالية التي يتيحها العمل على لوحات دا فنشي.

يبدأ الفيلم بمحاضرة يلقيها البروفسور "روبرت لانغدن" (توم هانكس) المتخصص بعلم الرموز في باريس. يقطع الفيلم بين الصور التي يحاول ان يشرح من خلالها تعدد معنى الرمز وبين مقتل "سونيير" المنتج الفني بمتحف اللوفر. لاحقاً، تقرر الشرطة الاستعانة بتخصص "لانغدن" لفهم الرموز التي نحتها سونيير على جسده بدمه النازف قبل موته. انها اشارات ورموز تقود الى البحث عن "الكأس المقدسة" التي يعتقد انها المجدلية. بينما يقود "لانغدن" و "صوفي" (أودري توتو) حفيدة "سونيير" عملية الكشف عن الرموز تلاحقهم مجموعة دينية متطرفة هدفها القضاء على أي تهديد للمعتقدات الدينية القائمة. الى المضمون السردي المعقد، يقوم الفيلم بمحاولات تفسيرية بما ينتقص أكثر من موقعه الدرامي والفني. ثمة تفاصيل غير مقنعة ليس أقلها العلاقة بين لانغدن وصوفي الخالية من اي كيمياء والتي يعزز برودها ذلك الانغماس الكلي في حوارات وتفسيرات لا تنتهي حول الرموز والمفاهيم الدينية بما لا يمنحهما فرصة للتعبير عن انسانيتهما بجملة حوار واحدة خارجة على النص الديني المرمز.

سواء أأحب مشاهد الفيلم الرواية ام لم يحبها وسوأ أقرأها أم لم يفعل، فإن ما سيخلفه عنده هذا الفيلم من انطباع هو انه فيلم قائم على التحليل الكلامي وخال من الامتاع البصري خلا مشاهد الحركة والمطاردات التي لا فضل لها على الفيلم ولا فضل للفيلم عليها، اذ يبقيان عالمين منفصلين. ولكن الأهم ان الفيلم أطاح غموض الرواية وبفكرة البازل المركبة، فلم يعد هنالك من اسرار او شكوك وانما وجهة نظر مقفلة حول موضوع يحتمل الكثير من النقاش والتأويل. بالطبع سيطغى على النقاش حول شريط رون هاورد موضوعه ولن يتوقف عن ان يكون مادة نقاش شيقة في ما يخص نظرته الاستعادية للمسيحية. ولكنه ابداً لن يكون مادة لنقاش سينمائي. في مطلق الاحوال فإن الفيلم سيطلق عالمياً اليوم ولن يكون اي نقد سلبي رادعاً عن مشاهدته. فالامر يتلخص بحجم الاهتمام الجماهيري المرتبط بالقدرة الدهائية العالية التي باتت القوة الكبرى الفاعلة في السينما اليوم.

ملامح

قبل التوهان اللذيذ في دهاليز كان والضياع الارادي في اروقة مهرجانها المفضية جميعها في نهاية المطاف الى ذلك المكان الاثير والمفقود من حيواتنا اليومية حيث متعة الاكتشاف والغوص على عوالم لا تشبه الا نفسها، لا يسعنا سوى الملاحظة والتكهن والترقب. نترقب أفلام الكبار والافلام المفاجآت، ونتكهن بما ستكون عليه الافلام والنتائج ونلحظ ما يمكن ان تكون ملامح الدورة 59 للمهرجان. فهناك بداية حضور قوي للسينمائيين الكبار ومدللي كان المعتادين مثل بيدرو المودوفار وناني موريتي وكين لونش وآكي كاوريزماكي الى جيل من السينمائيين الطالعين أمثال صوفيا كوبولا وغونزاليس ايناريتو ولو يي ونوري بيلج سيلان وآخرين. عشرون فيلماً في المسابقة الرسمية تتنازعها موضوعات السياسة والتاريخ والنزاعات الاجتماعية. في الشق الاول، يتجاور فيلم موريتي The Caiman عن صعود بيرولسكوني الى السلطة مع شريط أدريان ثاتيامو Cronica de Una Fuga عن وحشية أشهر المعتقلات في بلاده. وعلى مسافة قصيرة يقف الصيني يي بفيلمه Summer palace الذي يروي قصة حب على خلفية أحداث سياسية وتحولات كبرى. ولا يخلو شريط الاميركي ريتشارد لينكلايتر من معالجة مشابهة في Nation of fast Food عن حالات استعباد ملايين المهاجرين الهسبانك في الشركات العملاقة.

في موضوعة الحرب والتاريخ يبرز فيلم صوفيا كوبولا عن الملكة ماري انطوانيت ويحضر شريط لونش The Wind That Shaked the Barley عن مجموعة شباب ايرلنديين تخوض حرب استقلالها ضد بريطانيا. ويقدم الجزائري رشيد يو شارب Indigines عن كتيبة من المتطوعين المغاربة والجزائريين خاضت معركة ضد النازيين. وفي Flandres يقارب الفرنسي برونو دومون حرباً غير محددة راصداً أخلاقياتها ومفاهيم القتل والنصر والعنف.كذلك يقدم المكسيكي غويلليرمو ديل تورو الحرب في شريطه Pan Labyrinth الذي يتابع حكاية طفلة تقرر الهروب من فواجع الحرب الاهلية في اسبانيا.

العلاقات الانسانية والنزاعات الاجتماعية هي موضوعات افلام سيلان Iklimer وريتشارد كيلي Southland Tales وميكول غارسيا Selon Charlie وخافيير غيانولي When I were a Singer وباولو سورينتينو Family Friend والمودوفار Volver وكاوريزماكي Lights of the Suburb.

مازالت فئة "نظرة ما" تستقطب الأعمال الجديدة متحولة في السنوات الاخيرة الى "منافسة" حقيقية لفئة المسابقة الرسمية. وهي فوق ذلك تعني الخطوة الاولى بالنسبة الى المخرج الى المسابقة حيث يبرهن تاريخها ان معظم المخرجين الذين مروا فيها، قدموا اعمالهم اللاحقة في المسابقة. وهي تتيح للسينمائيين المكرسين تقديم أعمالهم غير التقليدية فيها على نحو ما يفعل ماركو بيللوكيو ورولف دو هير هذا العام.

اللافت كذلك هذا العام وهو ما يستكمل ملامح السنوات الاخيرة الحضور القوي لسينما اوروبا الشرقية ممثلة هذا العام ببولندا وهنغاريا ورومانيا وليتوانيا. ناهيك بالسينما الآسيوية التي لم يعد ممكماً ان تستثنى من مهرجان سينمائي يطمح الى تقديم الافضل. ووانغ كار واي هو هذا العام عنوان السينما الآسيوية في الدورة الحالية لكان من خلال ترؤسه للجنة التحكيم واختيار صورة من فيلمه "في مزاج الحب" لتكون ملصق هذه الدورة بما سيتحول تقليداً سنوياً، اي اختيار صورة الملصق من فيلم لرئيس لجنة التحكيم. في كلمة القاها في الافتتاح، اعتبر كار واي انه يمثل السينما الاسيوية في كان وانه ليس منحازاً لاية قضية بل هو موجود للدفاع عن السينما وعن متعة اكتشافها.

تبقى الفئة الرسمية خارج المسابقة مفتوحة امام افلام ذات قيمة ما. فهذا العام مثلاً، تضم شريط United 93 الاول عن أحداث 11 ايلول والافلام الوثائقية: الفرنسي Zidane والمصري، البنات دول لتهاني راشد والاميركي Sketches of Frank Gehry لسيدني بولاك الى شريط الموريتاني عبد الرحمن سيساكو Bamako الى الجزء الاخير من سلسلة الخيال العلمي X Men وسواها من الافلام.

المستقبل اللبنانية في

19.05.2006

 
 

يوميات مهرجان كان السينمائي الدولي... (4)

الإرادة وحدها لا تكفي لصنع النجاح.. السينما تحولت إلى “بزنس” كبير

كان  محمد رضا:

مهرجانات السينما بزنس جيد. دكان لعرض الأفلام. لديه نوع واحد من البضاعة أو يحبذ عرض كل انواع البضاعة، وبعض الدكاكين مصممة بديكورات اغلى من بعضها الآخر. بعضها يقع على زاوية طريق رئيسية واخرى في ازقة داخلية. تنجح العروض وتستمر أو تتوقف وتفشل..

في العام الماضي وُلد مهرجان كبير جديد وقبل ان تنتهي ايامه انتهت صلاحيته. مهرجان “مونتريال” الجديد تحت رئاسة موريتز دي هادن، وهو رجل خبير ادار مهرجان برلين لاثنتين وعشرين سنة، ثم انتقل إلى ادارة مهرجان فانيسيا لسنتين أو ثلاث. حين انتهى عقده مع الإدارة الايطالية خاض تجربة مونتريال مع عدد من المستثمرين الكنديين الذين لديهم نشاطات موازية في الموسيقا والمعارض عموماً. وفي الشهر العاشر من العام الماضي انطلق المهرجان بما استطاع دي هادن جذبه إلى الدورة الأولى من أفلام وشخصيات. لكن المهرجان وُلد ميتاً. يقول ناقد كندي لنا: “لم تكن المسألة مسألة تنظيمية أو ادارية أو مالية. المهرجان فشل لأن الناس لم تقبل المشرفين عليه، ونظر الناس اليهم على اساس انهم مستفيدون”.

ويمكن اضافة سبب آخر: في اواخر شهر أغسطس/ آب، ومع مطلع سبتمبر/ أيلول يُقام في كل عام مهرجان “مونتريال السينمائي العالمي” وبعده بأيام قليلة مهرجان تورنتو السينمائي الدولي. “مونتريال الجديد” كان اضافة لم يطلبها احد ولم تستدعها حاجة. الصالات كانت خالية. كل من اراد مشاهدة أفلام فنية أو انتاجات كبيرة أو التعرف إلى سينمات صغيرة فعل ذلك في مونتريال قبل اسبوعين أو ثلاثة من إقامة المهرجان الجديد. بكلمات اخرى، الجميع تبضعوا. من “مونتريال الجديد” وبقيت في مكانها.

ما سبق يعكس واحداً من الاسباب التي تستدعي التوقف عندها لدراسة حال مهرجانات السينما اليوم. “كان” الحالي هو سبب آخر. هذا المهرجان المستمر بلا كلل أو ملل الذي يجذب اليه آلاف العاملين في السينما على مختلف حالاتهم، والذي لا بد من حضوره مرة في العمر ولو من باب الفضول، لا تبدو على كاهله آثار التقدم في العمر (59 سنة) ولا آثار حالات الفشل الفني التي تصاحب بعض الدورات. اين يكمن نجاحه؟ بل اين لا يكمن نجاحه؟

“كان” حالة منفردة من الحالات. حيث إن بقية المهرجانات في العالم (نحو 1000). ينتشر على رقعة ساحلية صغيرة نسبياً. “كان”- المدينة ليست عاصمة، ولا هي مدينة كبيرة. معظم  تلك المقامة في مدن كبيرة تتعرض لمخاضات صعبة. مهرجان لندن هو افضل نموذج. مهرجان عريق، كبير، تعاقب من دون انقطاع. وُلد صغيراً (في الستينات)  ونما. وسُمي سابقاً “مهرجان المهرجانات” على اساس انه يوفر للجمهور افضل ما تم عرضه في المهرجانات الرئيسية الاخرى. ايامها كانت المهرجانات الرائدة هي كان وبرلين وفانيسيا وموسكو وسان سابستيان في الصف الأول، وفي مطلع الثمانينات قرر مهرجان لندن انه كبر الآن ويستطيع ان يعتمد على اختياراته هو ويستقبل أفلاماً لم تعرضها المهرجانات السابقة، استقل، ولكنه منذ ذلك الحين وهو يمر بسنوات غير متساوية النجاح.

هونج كونج يعاني من المشكلة نفسها. مهرجان يريد ان يكبر (وهو كان محطة كبيرة في جنوب شرق آسيا حتى مطلع التسعينات) لكنه لم يعد يستطيع. لا احد يؤمه بأفلام ذات عرض اول.

المهرجان المصري هو اقدم مهرجانات المنطقة. انطلق واعداً واستطاع تحت ادارة الراحل سعد الدين وهبة، تبوؤ مكانة لكنها لم تكن كبيرة الحجم ولا ثابتة. المشكلات الادارية كانت متوالية ولولا حزم سعد الدين وهبة لسقط المهرجان من حينها. لكنه استمر واشتغل كثيراً على نفسه ليصبح موجوداً، الارادة كانت هناك وانتقلت إلى حسين فهمي حين تسلم ادارته ثم إلى شريف الشوباشي، مديره الحالي، لكن الارادة وحدها لا تكفي. بين الاثني عشر مهرجانا منضوياً تحت مظلة “فيدرالية المهرجانات الدولية” مهرجان القاهرة هو اقلها تمتعاً بميزانية كافية. المهرجان يبدو كبيراً لمن هم في الداخل. لكن ميزانيته المحدودة تمنعه في الكثير من الاحيان من الخروج عن التقليد المتبع واتخاذ مناهج جديدة أو التبلور نحو آفاق اوسع.

بالإضافة إلى أن القاهرة ليست المدينة التي يسهل الانتقال فيها، وحسناً فعلت القاهرة اخيراً ان وجد صالات لا تبعد عن مقر المهرجان وإقامة الضيوف اكثر من بضعة طوابق في المبنى المجاور. لكن ذلك تحسين وليس تطويراً.

القاهرة ومشكلته الادارية وعلاقته بالمدينة ليس وحيداً. عاصمة السينما العالمية هوليوود، لديها الآن بضعة مهرجانات (منها واحد اسمه لوس انجلوس وآخر اسمه هوليوود)، لكن أيا منها ليس مهماً إلى درجة توقف حركة السير بين المهرجانات. نجوم السينما لا يحضرونها والعروض الدولية الأولى محدودة. انجح منه “سندانس” وهو يقع في بلدة على سفوح جبال ثلجية عالية.

في المقابل، تشهد المهرجانات المقامة في الضواحي (ترايبيكا في نيويورك) أو في القرى (لوكارنو في سويسرا، سندانس في سندانس) أو البلدات الصغيرة (كارلوفي فاري) نجاحاً متواصلاً وثرياً. الناس تنتقل إلى هناك لأن المكان مختلف وصغير (ليس إلى حد خانق) والمهرجان يعكس هوية منفردة (سندانس للأفلام المستقلة، لوكارنو للأفلام الشابة)، وحتى حين يكون منفتحاً على العالم فإن طعم المزاوجة بين المكان الصغير والشأن الكبير مستساغ.

لكن إذا ما كانت المهرجانات المقامة في مدن كبيرة تعاني من المشكلات كيف يمكن تفسير نجاحي تورنتو وبرلين؟

هناك استثناء لكل قاعدة. برلين وتورنتو هما ذلك الاستثناء والجامع بينهما الدعاية الكبيرة التي يوفرانها كل سنة لصنع جمهور ولصنع إقبال وجذب اهتمام، والغني عن القول ربما ان مسألة جلب فيلم وعرضه على الجمهور الراغب في السينما ليس سوى ضلع في مربع، وبقية الأضلاع تتعامل مع معطيات وشروط أصعب. المحك الأساسي دائماً هو: لماذا على صاحب الفيلم اختيار هذا المهرجان عنوة عن أي مهرجان آخر لعرض فيلمه فيه؟

في “كان” السبب معروف: آلاف الصحافيين يولدون اعلاماً مجانياً كبيراً، وسوق تحتوي على مئات الموزعين تولد فرصاً تجارية رائعة، في “كان” هناك “بزنس” لكل واحد تحت الشمس. ميزانية المهرجان 20 مليون دولار لأنه يستطيع استردادها.ايراد  الفنادق وحدها، من تأجير الغرف والقاعات إلى الخدمات كافة، خلال الايام الأحد عشر الأولى يزيد على ثلاثة ملايين دولار. المدينة ذاتها، محال وشقق ايجار ونواد ومراقص ومطاعم ودكاكين من كل حجم ونوع وشركات هواتف ومؤسسات ارسال واعلام ومحطات تلفزيونية واذاعية ووكلاء اراضي للاستئجار.

خلال السنوات العشرين الاخيرة التي شهدت، فيما مضى، تراجع الشعور القومي وتوالد شعور المصلحة الفردية ليس بين الناس فقط بل بين معظم الدول، فإن انجاز مهرجان جديد ناجح أمر يستدعي الكثير من الجهد. حين انطلق مهرجان “عنابة” الجزائري في مطلع التسعينات كان المد المتطرف في الجزائر قد بدأ. ذلك المهرجان كان طموحاً في غير موقعه. هي مرة واحدة وانتهى امرها.

لكن الحال ليست كذلك بالنسبة لمهرجاني مراكش ودبي، والسبب القدرة على الصرف وعدم وضعه شروطاً صعبة لاستقبال الأفلام. “مراكش” يستفيد من اتصالات قوية مع عدد كبير من المنتجين والمخرجين الذين يستخدمون البلاد كمكان تصوير، و”دبي” مهمتها أصعب لكنها ليست مستحيلة، بل ناجحة من مطلعها. كل ما تحتاج اليه ادارة تنظم الحدث بفاعلية أكثر، والجواب عن سؤال من نوع “كيف ذلك” يستوعب صفحات طويلة.

لقطات “كان”

 يقوم مدير مهرجان دبي السينمائي الدولي، نيل ستيفنسون، بالتحضير للحفلة الكبيرة التي ستقام بعد أيام وهي الحفلة التي اعتاد المهرجان الكبير إقامتها كل عام. يقول لنا: “هناك جديد سنعلنه هذا العام لا أستطيع البوح به الآن. لكنه سيكون خطوة إيجابية الى الأمام”.

 المخرج جويلرمو دل تورو الذي يعرض في إطار المسابقة هنا فيلمه الجديد “متاهة بان” أخذ يحضّر لفيلمه المقبل “الساحرات” عن رواية نشرت العام 1973 للكاتب رولد دول. البطولة ليست نهائية لكن القلم يضع دوائر حول أسماء منها كلير دانس ونتالي بورتمان ولورا ليني.

 المخرج البريطاني المخضرم ريتشارد أتنبوروف سيعود الى العمل بعد توقف سنين عبر فيلم بعنوان “تضييق الحلقة” كريستوفر بلامر وشيرلي مكلين وبرندا فريكر من بين الممثلين.

جبريال أنور كانت وجهاً واعداً قبل اختفائها المفاجئ قبل عدة سنوات (واحد من أفلامها كان “عطر امرأة” أمام آل باتشينو). لكنها حالياً تعود ولو بفيلم يعرض خارج الاشتراكات الرسمية عنوانه “المسيرة”. تخبرنا ذلك حين جلسنا في مقهى الجناح الأمريكي وتضيف: “ابتعادي كان رغبة مني في معرفة طريقي. السينما مليئة بالوجوه الجديدة وشعرت إنني بحاجة الى أن أبتعد قليلاً لأبدأ من جديد”.

أفلام اليوم

دعوة للثورة في “أُمّة الطعام السريع

* إخراج: ريتشارد لينكلاتر.

* تمثيل: كريج كينير، أشلي جونسون، إيثان هوك، كاتالينا مورينو، دراما اجتماعية، أمريكي/ فرنسي/ بريطاني

قبل صعود الإنسان إلى القمر وصلت السينما إلى هناك (سنة 1912)، وقبل إنجاز الروبوتس والكثير مما يُسمّى بالثورة الصناعية ، كانت هناك أفلام تدور حول الروبوتس والمنجزات الصناعية. وقبل أن يتحوّل العالم إلى قرية مملوكة من قبل حفنة من رجال الأعمال، سبقت السينما وتناولت مثل هذا الوضع، حتى انهيار الشيوعية تنبأت به السينما وعالجته قبل وقوعه.

“أوديسا الفضاء: 2001” حذّر من إنسان واقع تحت الآلة. اليوم كلنا واقعون تحت الآلة. ممسوكون بقبضتها نكاد لا نتنفّس الأوكسجين بقدر ما نتنفّس حياتها المبرمجة. انظر إلى النتيجة إذا ما تعطّل كمبيوتر مستخدم في توجيه حركة سير أو طيران.

اليوم هناك أفلام ترى أن الثورة الكبرى قادمة، ثورة جديدة  قديمة قوامها الإنسان الصغير الذي استسهلت المنشآت والمؤسسات الكبرى الجلوس عليه وامتصاص شرايينه وتحويله إلى عجلات لمركباتها. “ف للانتقام” كان صرخة واضحة في هذا الشأن. فيلم ريتشارد لينكلاتر الجديد “أمّة الطعام السريع” هو فيلم من نوع مختلف تماماً. ليس فيلم أكشن ولا قصة من الخيال  العلمي ولا تقع أحداثه في الزمن القريب، لكنه يتنبأ بثورة، لا.... لا يتنبأ بثورة بل (ومثل المشهد الأخير في “ف للانتقام”) يدعو لها. ريتشارد لينكلاتر مفاجأة بين المخرجين في هذا الشأن، من قال إن سينمائياً متأثراً ومحبّاً للسينما الفرنسية البديلة اعتاد تحقيق أفلام عن الحب والعلاقات الاجتماعية الفردية (“قبل الغروب” و”بعد الغروب” هما مثالان واضحان لكن هناك سواهما) يمكن أن يختزن في باله كل ذلك القدر من الرغبة في إحداث تغيير اجتماعي شامل، يكسر حلقة مفرغة.

“الأمل هو ألا تفعل شيئاً. بل تنتظر”. يقول أحد الشخصيات محذّراً ومصيباً. كلنا نشترك في أمل أن تنصلّح الأحوال وفي أمل أن يسود السلام وفي أمل أن تعود الأرض أو نجد شريك الحياة المناسب او نحقق المجد الذي نريد. لكن هناك نوعيْن من الأمل، نوع لك ولي، وآخر لأصحاب القرارات الكبرى، والمؤسسات التي تجمع ثرواتها مما في جيبي وجيبك. أملها محقق من دون تأخير لأنها ذات سيطرة على المقدّرات، آمالنا هي أحلام تتأجل مرة كل أربع وعشرين ساعة. “أمّة الطعام السريع” يبدأ باجتماع في مقر واحدة من شركات الهمبرجر، تصوّر مكدونالد لكن تحدّث عن “مايكي” (الاسم الخيالي). المشهد التمهيدي الذي تمر عليه العناوين هو لهمبرجر يتم حمله على صينية مع بطاطا مقلية وشراب إلى طاولة، قطعة اللحم ظاهرة. الكاميرا تقترب منها وتقترب لتصبح لقطة كبيرة على قطعة اللحم. هناك شيء عجيب في تلك القطعة، شيء لونه بني داكن.... اللقطة المباشرة تماماً على كلب. لا دور له في الفيلم بل يمر عابراً باستثناء أن الفيلم لا يمكن له هنا الا أن يوحي بأن الأمور ليست على ما يرام في أمة الوجبات السريعة.

الاجتماع يتداول نجاح هذه الشركة، اسم ماكدونالد وبرجر كينج يتكرر مرة واحدة، ترميز آخر لمن يشاء، بعد الاجتماع يطلب المدير من أحد موظّفيه (كريج كينير) التحقيق في أمر مهم: أحد المختبرات لديها عيّنة من اللحم الذي تستخدمه الشركة ووجدت فيه فضلات حيوانات. موضوع يمكن أن ينسف الشركة بأسرها إذا ما تم فضحه، ثم يطلب منه الرئيس التحقيق في ذلك.

المفكرة.. المال الذكي

أحد الأسباب المهمة إن لم يكن الأهم وراء استمرار السينما ذات الأسلوب الفني والمستوى الذي يصلح للعرض في أي من المهرجانات الرئيسية يكمن في أن الناس بدول الغرب عموماً، ودول جنوب شرق آسيا، كما في الهند وماليزيا وسنغافورة وأندونيسيا، لا تزال تحب الفن السابع وتقبل عليه.

الوفرة التجارية تسهم من حيث لا تريد أو تخطط لانبثاق أفلام فنية، سوق ميّت للفيلم الجماهيري سيكون كاسداً كذلك بالنسبة للسينما البديلة او المستقلة او الفنية، سوق نشط سوف يعكس فوائده على كل السينما وليس بعضها، وسيخلق منتجين جدداً يطمحون لتحسين النوعية ولفتح الباب شبه الموصد لمخرجين جدد راغبين في فعل المستحيل بغية الوصول لتحقيق أحلامهم.

وبالنظر الى أرقام جمعها مكتب متخصص تابع للاتحاد الأوروبي باعت السوق البريطانية نحو 165 مليون تذكرة في العام الماضي مقابل 142 مليوناً و500 الف تذكرة عام 2000 ارتفاع مشابه نلاحظه في روسيا حيث بيعت 94 مليوناً و300 الف تذكرة في العام الماضي مقابل 42 مليوناً و800 الف تذكرة في العام 2000.

ومع أن هناك رغبة ملحوظة في كل الدول الأوروبية لتشجيع الإنتاج السينمائي (باستثناء بريطانيا التي عدّلت قوانين سابقة كانت تمنح المنتجين تشجيعاً مقتطعاً من إيرادات اللوتو) إلا ان السوق لا يزال يميل لصالح العروض الأمريكية في مختلف دول الاتحاد.

الأفلام الأمريكية تشكّل 60 في المائة من السوق (أي تبيع 60 في المائة من التذاكر المباعة سنوياً). يليها الأفلام الفرنسية (6،9 في المائة) ثم البريطانية (2،4 في المائة) ثم الأسبانية والإيطالية والألمانية بنسب متقاربة.

وعلى ذلك، لا يتعب مهرجان “كان” في مهمّة البحث عن أفلام فرنسية. بينما يشقى المهرجان العربي في جلب أفلام عربية جيّدة، وهنا نتحدث عن اثنتي عشرة دولة عربية أنتجت أفلاماً في تاريخها، واسأل أي مدير في أي مهرجان عالمي او عربي، سيشكو لك أنه يبحث عن فيلم عربي جيّد واحد فلا يجد.

طبعاً لا تستطيع أن تقول له إن السوق العربية خامدة، وأن المثقفين العرب مفلسين من الطموح، وأن التلفزيون أكل الدنيا ويخرج في أي وقت على المشاهدين، ولا تستطيع أن تقول إن دولنا لا تهتم، ومسؤولينا نائمون والتشجيع الرسمي معدوم، كل ما تستطيع فعله أن تدعي التعجّب، ثم تهز رأسك في صمت وأسف.

الخليج الإماراتية في

20.05.2006

 
 

المجـــــهــول والـعــــــالــم الـســــــفـــلـي يـســـــتــحـــقــان الـضـــــوء

من هوفيك حبشيان:  

خلافاً لما كان متوقعاً، لم يثر العرض العالمي الاول لـ"شيفرة دافينتشي" فضيحة كبرى، لكنه استفز بعضهم وولّد استياء بعضهم الاخر. وكان الاحتجاج الديني الوحيد، وغير الرسمي طبعاً، متمثلاً في راهبة رأيناها تنبش شعرها وتطالب بإدانة هذا العمل الزنديق الذي ذاع صيته حتى قبل ان يصدر الى العلن. لكن أحداً لم يعرها اهتماماً وهي جالسة ارضاً، لأن "اعتصامها" تزامن مع اطلالة مونيكا بيللوتشي وصعودها سلالم "قصر المهرجان". وعليه، كادت نجومية هذا الشريط الذي اخرجه الاميركي رون هاورد، وعامل الانتظار الذي رافقه طوال مرحلة تصويره، ان يقضيا على بهرجة حفل الافتتاح والبريق الاعلامي الذي يراد منه، وإن لم يتسم المهرجان عبر تاريخه العريق، وفي حفليه الافتتاحي والختامي، بالنزوع الى الاستعراض البصري الذي يلازم، عادةً، حفلات توزيع الجوائز.

الرهان الاكبر في الدورة الحالية، بحسب المسؤولين عن اختيار الافلام، يتمحور حول التأسيس لمفهوم جديد لكلمة "نجومية" في السينما، بغية ان يجلب الفيلم الوافد الى كان نجوميته التي صنعها بإرادته الكاملة، اي بنفسه، ولم يكتسبها تحت الاضواء وامام "اسلحة المصورين". ليس في الضرورة ان يوازي تفسير عبارة "نجومية"، مفردات السينما الهوليوودية التي ورثنا منها الحلو والمر. لهذا السبب ربما انحاز المبرمجون الى "الاكتشافات الجديدة"، الاتية من المجهول السينمائي ومن الفضاءات الغنية بالتجارب الخاصة والافكار النقدية، بدلاً من دعوة الاسماء المكرسة والسينمائيين الكبار، كالمعتاد، لتشريف هذا المكان الذي صنعوه بقدر ما صنعهم.

لعل الرهان الذي وضعه من اختار رفع الستارة عن العتمة المهيمنة على شريحة كاملة من السينمائيين، من انصار "العالم السفلي"، هو من باب التصدي لاحتمالات المهرجان البديلة، ومحاورة اصحاب التجارب الاولى على قدم المساواة، بعيداً من منطق استرجاع "الطبقة المحظوظة" لضمان نجاح المهرجان على المستويين الاعلامي والشعبي.

لنكن منطقيين: امام هذا الواقع الجديد الذي ستتضح ملامحه تدريجاً، هناك أكثر من قراءة: إما ان يكون ما نشهده من تعديل في الذهنية "الكانية" هو نتيجة افلاس تعرض له بعض الاوفياء لمنبرهم، وإما ان الفصام بين التلفزيون والسينما ـــ الاول كوسيلة تغطية اعلامية والثانية كوسيلة تعبير ـــ هو الى تطور وتفاقم ايجابيين. وهنا يعمل المهرجان على ردم الهوة بين الوسيلتين، وتعزيز فكرة الانتماء الى الحداثة من دون الاذعان لسياسة الشاشة الصغيرة.

نسخة جديدة ومعدلة اذاً من تظاهرة شعارها كل سينمات العالم، لكن من دون إغفال الجانب الاحتفالي، من سهرات وتسلق ادراج على البساط الاحمر، وتصفيق حار على الـ"كروازيت"، واستعراض يكشف ان السينما فن متعدد الهويات، يختلف معناها وتفسيرها وفقاً للزاوية التي نراها منها.

كل يوم يمر، هو يوم جديد في المهرجان. ليس فقط بأفلامه والوعود التي يفي بها، انما ايضاً بالمصطلحات الجديدة التي يغذي بها قاموسنا الفكري والسينمائي، وفي اقتراحه تعديل ذائقة المشاهدين، رغم استحالة تحقيق هذا المطلب وتحويل هذا الادعاء شيئاً ملموساً في عصر يجرنا الى الذوق الواحد والتعميم والشمولية. في لحظة انجذاب، نعتقد اننا، بحكم وجودنا في هذه المدينة المطلة على الابيض المتوسط، البعيدة والقريبة عن همومنا الوطنية والاقليمية، في منأى من كل ما يحصل هناك في الجحيم الباردة، لكن مكاناً مثل "مهرجان كان" لا يسعه الا ان يذكّر المرء بما ينوي ان ينساه حين يقرر ان يأتي الى مدينة تبيع الاوهام على مدار 11 يوماً، قبل ان تعود الى رتابتها وايقاعها الصيفي الجميل، وتعيدنا معها الى رتابة وإيقاع سينمائيين كتب لنا ان نكتب عنهما.

أبرز الأحداث

•  منح وزير الثقافة الفرنسي وسام الشرف للممثل الاميركي سيدني بواتييه الذي بدا متأثراً ولم يستطع إلاّ قول بضع كلمات شكر تقليدية، متوجهاً الى والديه اللذين كانا في اساس تأهيله وانفتاحه على الناس واختلافاتهم.  

• لم يشبع المخرج البريطاني كين لوتش من كان، التي عاد اليها ليقدم فيلمه "الرياح تهب". انطلاقاً من اهتمامه بالقضية الايرلندية وانجذابه الى مساءلة التاريخ، يغوص لوتش على اجواء الاستقلال الذي ادى عام 1990 الى اندلاع حرب اهلية في ايرلندا. وسط هذه التجاذبات، يقرر شقيقان المقاومة بدلاً من الخضوع للامر الواقع، ويتصديان للمحتل البريطاني دفاعا عن أرضهما الأم. يقول عن فيلمه، رداً على الانتقادات الموجهة ضده، انه لم يرد ان يعادي البريطانيين، وكل ما رغب فيه ان ينسى كل مُشاهد جنسيته قبل دخول الصالة. في المؤتمر الصحافي الخاص بالفيلم، قال ان "الرياح تهب" ليس فيلماً عن بريطانيين ينهالون بالضرب على شعب ايرلندا. ثم خرج باستثناء قوامه: "يتشارك الناس قواسم مع الغريب الذي ينتمي الى طبقتهم الاجتماعية أكثر من كونهم ينسجمون مع من يحتل رأس هرم المجتمع الذي ينتمون اليه".

• بفيلم جديد اسمه "قصر الصيف"، يحضر المخرج الصيني يو لي الى كان، وفيه ينتقل من المعاناة الشخصية الى المعاناة الجماعية، في مزج واقعي مرّ بين العام والخاص. يؤكد لي أن المشاعر الشخصية أكثر تعقيداً من الفوضى الخارجية التي تجد حلاً بسرعة كبيرة.

• في قسم "نظرة ما"، عرضت مخرجة من الباراغواي اسمها باز انسينا فيلمها الاول، "هاماكا باراغوايا"، الذي يتمحور على يوميات ثنائي في عام 1935 خضع لمصير انتظار الابن الذي ذهب الى الحرب. محور الشريط هو التفاوت في رد الفعل بين الاب الذي ينظر الى الامر بتفاؤل، في حين تؤمن والدة الجندي انه قتل على الجبهة. اما المخرجة الواعدة فتصرح بلا تردد بأنها قررت الا تخشى الوقت.

النهار اللبنانية في

20.05.2006

 
 

هيثم احمد زكي مفاجأة فيلم "حليم" في مهرجان كان

روح احمد زكي وصوت عبدالحليم حافظ يهيمنان على الجمهور الذي حضر افتتاح فيلم 'حليم' في مهرجان كان 

كان (فرنسا) - حقق هيثم نجل الممثل الراحل احمد زكي مفاجأة عبر ادائه دور الفنان عبد الحليم حافظ شابا في فيلم "حليم" الذي اخرجه شريف عرفة وكتب السيناريو له محفوظ عبد الرحمن وانتجته شركة "غود نيوز" وعرض للمرة الاولى الجمعة في اطار مهرجان كان السينمائي التاسع والخمسين.

وفاجأ هيثم زكي بقدرته على الاداء وحضوره المميز في اول دور سينمائي له، علما ان الدور عرض عليه صدفة لانقاذ الفيلم الذي رحل الفنان احمد زكي اثناء تصويره.

وقال هيثم ان الفضل في ذلك يعود الى المخرج، بينما اكد شريف عرفة ان احمد زكي هو اول من قال له ان هيثم ممثل فعلي.

واضاف هيثم ان اداء الدور كان تحديا كبيرا اذ كان تحت صدمة موت والده.

وقدم العرض الاول للشريط بحضور فريق الفيلم وفي مقدمه هيثم زكي الذي ادى دور عبد الحليم شابا، الى جانب منى زكي وسلاف فواخرجي وجمال سليمان الذي ادى دور الصحافي الذي يسأل حليم عن حياته وعزت ابو عوف الذي ادى دور الموسيقار محمد عبد الوهاب.

وحضر العرض ايضا النجمان عادل امام ومحمود عبد العزيز، واعقبه حفل في فندق الكارلتون احتفاء باسرة الفيلم الذي واجه الكثير من الصعوبات.

ومثلما كانت روح احمد زكي حاضرة بين الجمهور وفريق الفيلم، كان صوت عبد الحيلم حاضرا في الامسية التي اعقبت العرض فصدحت الاغنيات العربية في فضاء مدينة كان.

وصفق الجمهور طويلا حين ظهر اسم احمد زكي على الشاشة، فيما قال شريف عرفة ان النجم الاسمر اقنع الجميع طوال فترة التصوير انه بخير وقادر على الاستمرار حتى النهاية.

وقال الاعلامي المصري عماد الدين اديب في كلمة قدم فيها لـ "حليم" ان عرض الفيلم "سيكون ردا على الشائعات التي قالت ان احمد زكي لم يصور سوى خمس دقائق من الفيلم قبل رحيله".

وروى ممثل شركة "غودنيوز" المنتجة للفيلم انه تعهد القيام بثلاثة امور امام احمد زكي، "انجاز الفيلم وانتاجه باحدث التقنيات في لندن وعرضه في كان وهو ما تحقق اليوم".

وحلم الراحل احمد زكي الذي جسد شخصيتي جمال عبد الناصر وانور السادات باداء دور عبد الحليم وقال قريبون من زكي وحليم ان حياتهما تتشابه وتتقاطع.

واحتلت الخلفية التاريخية جزءا كبيرا من القسم الاول من "حليم" الذي وضع موسيقاه التصويرية الفنان عمار الشريعي، مع تركيز على ارتباط فن عبد الحليم بالمراحل السياسية التي عاشتها مصر.

اما الجزء الثاني فركز على الجانب العاطفي في حياة العندليب الذي احب وفكر في الزواج مرة وحيدة في حياته من شابة تنتمي الى البورجوازية المصرية، لكن الفارق الاجتماعي بين عائلتها وعائلته حال دون ذلك.

كما توقف المخرج شريف عرفة عند مراحل مختلفة من حياة عبد الحليم والصعوبات الصحية التي واجهها.

وذكر الفيلم بحوادث مختلفة في حياة عبد الحليم وخصوصا ما حدث له مع ام كلثوم في احدى الحفلات احتفاء بعيد الثورة، اذ ظلت كوكب الشرق تغني حتى الثانية بعد منتصف الليل حتى اعتذر عبد الحليم الذي كانت وصلته بعدها، ما اثار استياء كثيرين.

ميدل إيست أنلاين في

20.05.2006

 
 

القبس في مهرجان كان 59: فشل في الإمساك بروح الرواية الأصلية ولم يخلق جوا أو غموضا

فيلم "شيفرة دافنشي": "بضاعة" من هوليوود في ورق سوليفان

كان ـ القبس من صلاح هاشم

كان فيلم 'شيفرة دافنشي' الذي عرض في حفل افتتاح مهرجان 'كان' الدولي التاسع والخمسين بائسا ومملا ولم يعجبنا، والغريب ان ماكينة الدعاية الهوليوودية الجبارة التي لم تبخل عليه بالملايين، وتتجاوز ثلث ميزانية الفيلم (الذي تكلف اكثر من 125 مليون دولار) والتي انطلقت في عملها، وحتى قبل تصويره، استمرت كذلك حتى بعد عرضه، ويبدو انها ستظل دائرة هكذا لفترة، اقامت عدة سهرات صاخبة في 'كان' للاحتفال بنجومه بجوار البحر، ربما للترفيه عنهم، والتخفيف من صدمتهم بعد ان صفر للفيلم جمهور كان من النقاد.كنا نتوقع ان نشاهد عملا سينمائيا يدهشنا في حفل الافتتاح، بعد ان التهمنا الرواية وقرأناها بالانكليزية، وتابعنا تفاعلات صدورها، والمظاهرات التي خرجت في بعض الدول العربية والاسلامية من قبل المتعصبين الدينيين تطالب بحرقها، لانها تطعن كما قالوا في بعض مسلمات الديانة المسيحية، وتأتي بما اعتبره البعض زندقة، وتجديفا. يبدو الآن ان اي تعبير أو تفكير مخالف، في بعض المجتمعات التقليدية المتخلفة والمتعصبة، قد تكون عواقبه وخيمة. ياللرعب.

تخيلت ان 'شيفرة دافنشي' سيكون قنبلة في حفل الافتتاح، لكنه خيب أملنا. وتمخض الجبل عن فأرة.مشكلة الفيلم الذي لم يعجبنا، ان ماكينة الدعاية بالغت، واقول تهورت كثيرا في الدعاية للفيلم، ولم تترك ثغرة أو حتى هامشا صغيرا لكي نشغل عقلنا ونفكر ونتخيل.. لم تترك لنا فرصة للترقب والغموض، وعدم التوقع والدهشة، بل منحتنا كل شيء عن الفيلم، وقبل ان نشاهده، ووافقت على ان يتدخل كاتب الرواية في الفيلم، ويصبح منتجا منفذا وهذه وحدها لعنة. ولذلك كان لدينا اعتقادا جازما بأننا شاهدنا 'شيفرة دافنشي' من قبل، وعندما شاهدناه مع الحشد في كان صدمنا.

لا يوجد في 'شيفرة دافنشي' فن ولاسينما. انه مجرد 'بضاعة' هوليوودية نمطية ستاندار من العيار الثقيل ومجرد 'فرجة' استعراضية مقرفة. وتصيبك بالملل والاكتئاب، بضاعة مثل الاكل السريع، تمضغه بسرعة، وكأنه لم يكن، وتهضمه بأسرع مما أكلته، وبسرعة تنساه ايضا، مثل سندويتشات السكر في الخبز الحاف، ولايخلف اثرا. اذ لا يرقى 'شيفرة دافنشي' الى افلام الاثارة والغموض البوليسية الرائعة، التي شاهدناها من قبل عند هيتشكوك، وأورسون ويلز، وجون هيوستون وغيرهم. بل انه يخلو حتى من أبسط تسلية، ويبدو اصطناعيا ومسطحا وغير مقنع بالمرة.

فشل الفيلم.. لأن المخرج الاميركي رون هوارد أراد أن ينقل الرواية بحذافيرها، ولم ينجح في استلهام اجوائها، او الامساك بروح وتوهج العمل الاصلي، والمفروض في الفيلم الجيد، ان ينسيك العمل الاصلي، ويدفعك الى قراءة الرواية، كما دفع فيلم 'زوربا' للمخرج اليوناني مايكل كاكويانيس افراد جيل الستينيات في مصر الى الاقبال على رواية 'زوربا' وأعمال كازانتزاكيس الروائية الاخرى والتهامها. لم ينقل كاكويانيس احداث الرواية، بل امسك بروح العمل الادبي وتوهجه، ووظف عبقرية انتوني كوين في الاداء لتقمص دور زوربا في الفيلم، فصنع لنا فيلما ملهما. هنا يختار المخرج بدلا من نقل احداث الرواية ان يخلق جوا وغموضا وحالة أو يؤسس ل 'نظرة' مغايرة. ولأن الفن 'اختيار' سقط فيلم 'شيفرة دافنشي' لأنه خال من اي اختيار، فالمخرج هنا راح يلهث وراء 'تصوير' وقائع الرواية بكاميرا باردة جافة وبلا روح، فجاءت مشاهد الفيلم ايضا مسطحة وجافة وتصويرية وبلا كيان او روح، او حتى نسمة فن.

في 'شيفرة دافنشي' الذي ينتهي نهاية سعيدة صور كارت بوستال جميلة براقة لبرج ايفل في باريس في الليل، ومناظر مدهشة يا عيني في العاصمة لندن، ومطاردات مثيرة ثم تفقد تأثيراتها تدريجيا، وتدخيل لصور احداث تاريخية قديمة داخل نسيج الاحداث الواقعية التي يرويها الفيلم، الا ان كل تلك الابتكارات و'الحيل' قصد بها التحايل بأي وسيلة لصنع فيلم يعوزه الايقاع، والاستفادة من شهرة الرواية، واستثمار ذلك في 'فبركة' فيلم بسرعة على الجاهز.

مشكلة الفيلم ان كنت قرأت الرواية مثلي، انه نسخة مصورة جاهزة من الرواية، لكن ينقصها الحس والطابع والنفس الشخصي، الذي يتواري هنا في خلفية الصورة مثل شبح، بلا كيان.

تسأل أين المخرج وأين الفيلم ؟ مريم وسارة يعبران البحر

'شيفرة دافنشي' ليس الا محاولة سينمائية فاشلة لنقل رواية مثيرة بحذافيرها على الشاشة.بل ان الفيلم الذي يحكي عن جريمة قتل في اللوفر، ومحاولة اكتشاف الجناة التي يقوم بها عالم اميركي في علم الرموز بصحبة فتاة فرنسية، وتقودهما تلك المغامرة الى عدة اماكن ورحلات وشخصيات، يجعلنا، ومنذ اول لحظة في الفيلم، نركض ونلهث من كثرة استكشافاته العبقرية الملهمة لحل رموز الجريمة، وكلها ثرثرات وحوارات عقيمة بين توم هانكس واودري توتو بطلي الفيلم، وكله ديالوغات لشرح تلك الالغاز، المتضمنة في الرواية، والوصول الى استنتاجات تضرب بعرض الواقع والتاريخ، وتخلط ما بين الحقيقة والخيال، ويمكن بعد رحلة متعبة انهكتنا ان نتبين رسالته. يريد ان يقول الفيلم ان الكنيسة أعلى سلطة دينية مسيحية والفاتيكان انحازت وتبنت، لكي تحافظ على سلطتها ومركزها، انحازت لانجيل واحد من عدة اناجيل، ولم تتورع عن ارتكاب الجرائم والموبقات لكي تجعل من المسيح ابن الانسان الها، وتستمر من خلال ذلك في استغلال المسيحيين. في حين ان بعض الاناجيل الاخرى تحكي عن مسيح آخر انسان، وتتضمن اشارات وأسرارا تخصه وربما تعنينا، منها انه تزوج من مريم المجدلية، وانجب منها ابنة تدعى سارة، وغادر الاثنان مريم وسارة فلسطين، وركبا البحر الابيض المتوسط، وحطا على الشاطئ الفرنسي، هناك عند مدينة سانت ماري دو لامير على البحر، التي بنى فيها الغجر كنيسة لمريم المجدلية. ويشير الفيلم الى دور مريم المجدلية في انتشار الديانة المسيحية، حيث كانت اقرب الناس الي قلب يسوع المسيح بن مريم، وكانت اول من شاهده يقوم ويبعث من الاموات، فراحت تبلغ عن الامر.

تفسير وشرح

كما يحكي الفيلم عن عدة اشخاص كانوا يعلمون هذا السر (علاقة المسيح بمريم المجدلية) الذي حاول الفاتيكان اخفاءه، من ضمنهم فنان عصر النهضة العظيم ليوناردو دافنشي، والشاعر الفرنسي فيكتور هيغو، والدليل على ان ليوناردو كان يعلم بذلك السر، هو ابتسامة الموناليزا ولوحة العشاء الاخير. ويشرح الفيلم من خلال تشريح اللوحة كيف ان اسطورة 'الكاس المقدس' تشير الى مثلث خفي، وانه يشير الى شكل الجهاز التناسلي عند المرأة، كما ينتهي الفيلم بعد تفسير وشرح ـ بالرغي والثرثرة الفارغة والكلام وكأننا في درس لتعليم اللغة الهيروغليفية، ولابد من التركيز ـ وما ادراك من درس يطول فيه الشرح الى حد الملل والتململ ـ ويروح فيه توم هانكس يشرح ومن بعده اودريه توتو تعقب، ويظل الاثنان يفسران ويتكلمان معا طوال الفيلم، حتى تزهق و'تطلع روحك' وتصرخ خلصونا.

ينتهي الفيلم ـ برافو هوليوود ـ نهاية سعيدة ايضا، مثل كل الافلام الخارجة من المصنع الهوليوودي وهو فيلم نظيف لامع وبراق وبممثلين نجوم ودكتور في السيناريو، ونكتشف في النهاية السعيدة مع البطلة انها بنت حسب ونسب، وسليلة بعض الاسر الملكية التي حكمت فرنسا، وانها منحدرة من عائلة ستنا سارة ابنة مريم المجدلية وها هي تترك بطلنا حبيبها الاميركاني في الفيلم وتودعه كي يعود اخيرا الى حبيبته اميركا، وينبهها البطل في آخر لقطة الى ان المهم في الحياة ما يؤمن به المرء، ولا ينبغي ان ينشغل بأي افكار او معتقدات او مؤمرات اخرى، عليه فقط ان يبحث عما يؤمن به، ويؤمن به، وليذهب العالم الى الجحيم... والملاحظ في معظم الافلام الناجحة المأخوذة عن روايات، ان المخرج لا يعنى بالتفاصيل والاحداث، بل يسعى الى بناء جو او خلق وجهة نظر او تشكيل حالة غموض. السينما في الاساس تلميح، وليست تصريحا، ولن تجد في 'شيفرة دافنشي' تلميحا بل سلسلة طويلة من التصريحات، عن أسرار ومؤمرات والغاز ورموز.

حادثة وأجواء توتر

وهنا يطرح البعض سؤالا. لماذا نجحت بعض الافلام المأخوذة عن اعمال ادبية وفشل فيلم شيفرة دافنشي ؟. في فيلم 'مع سبق الاصرار' الاميركي المأخوذ عن رواية للاميركي ترومان كابوت مثلا، نجد انه نجح لأنه لم يعتمد على نقل احداث الرواية، بل سعى الى خلق 'جو' خاص في الفيلم عكس مناخات القرى الجنوبية الاميركية في اعماق الريف الاميركي بظلمها وعنصريتها وتزمتها وكراهيتها للسود، ولم يكن العبد الاميركي الانسان الاسود تحرر بعد، او حصل على حقوقه المدنية.

عكس الفيلم جو الحالة التي يخلقها عند ذلك الفضاء المظلم الملبد بالسحب والذي يمتد في الفيلم الى ما لا نهاية ويرعبنا ويرعب الناس، ففي اجواء التوتر هذه قد تقع حادثة او جريمة سطو، وقد نجح الفيلم الى حد كبير في الهروب من مطب نقل احداث الرواية كما وضعها ترومان كابوت على الشاشة، واكتفى باختيار بعض الاحداث الاساسية، والتركيز على خلق هذا الجو العصبي الهستيري، بل ان الفيلم تفرد عن الرواية بهذا 'الجو' الذي جعل الفيلم اشبه ما يكون بفيلم تسجيلي واقعي رائع، وكأنه صور في مكان الجريمة، كما نجح بفضل استخدام ممثلين غير محترفين في الفيلم. وهي جميعها عوامل افتقدها فيلم 'شيفرة دافنشي' لكي يحقق اي نجاح او يجعلنا نتعاطف معه.

لم يخلق 'شيفرة دافنشي' جوا او حالة او اي غموض، فبدا تافها وبلا قيمة، وغرق في بحر 'كان' على البحر من أول غطسة.

ولنا وقفات اخرى قادمة في 'القبس' مع أفلام ووقائع المهرجان الكبير.

القبس الكويتية في

20.05.2006

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)