كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

يوميات مهرجان كان السينمائي الدولي...(2)

توم هانكس لـ"الخليج": "شيفرة دافنشي" فانتازيا سينمائية

كان - محمد رضا

مهرجان كان السينمائي الدولي التاسع والخمسون

   
 
 
 
 

افتتح الممثل الأمريكي المخضرم سيدني بواتييه مساء أمس الدورة التاسعة والخمسين لمهرجان “كان” السينمائي الدولي  وكان الحشد الذي أمّ حفل الافتتاح أمس تبلور عن فئات من الصحافيين والنقاد الذين يريدون معرفة الى أي مدى يذهب “شيفرة دافنشي” في موضوعه. هل حقاً يتبنّى ما جاء في رواية دان براون من أن السيد المسيح عليه السلام تزوّج من مريم المجدلية وأن الكنيسة الكاثوليكية تعرف ذلك ولا تجهر بالحقيقة؟ وكيف يتبنّاه؟ وهل هو مقنع في حجّته أم مذنب في الإقدام على موضوع يجب أن يبقى مُصاناً من العبث الهوليوودي؟

الحشد تدافع لاحتلال أماكنه في الصالة الكبرى ومتابعة فيلم مؤسس على سرد حكاية تشويقية ذات مواقع بوليسية. ليس لأن هناك مدير البوليس الفرنسي الذي عليه أن يعرف أسرار جرائم بشعة أولها يُرتكب في متحف اللوفر نفسه، بل لأن صياغة الرواية هي أساساً تشويقية بطلها المحاضر الأمريكي في “علم الأيقونات” (ليس هناك علم رسمي بذلك) الذي يؤديه على الشاشة توم هانكس.

مرة أخرى يتم تجيير موضوع  مهم في صياغة تجارية جدلية بعشرات الملايين من الدولارات، كما في تحقيق عمل ليس في رسالة فكرية او بحث ديني او اجتماعي او من أي نوع بل محاولة توظيف ذلك الموضوع الساخن في فيلم أسخن. “شيفرة دافنشي” هو الشيفرة التي تعمل عليها ستوديوهات السينما في هوليوود: اسبق الغير لشراء حقوق رواية حققت رواجاً كبيراً وكرر عناصر ذلك الرواج في عمل مصوّر. وببساطة لو أن القصة كانت مؤيدة للمفهوم السائد لدى الفاتيكان وتناصره، ونالت مثل هذا الرواج لسارعت هوليوود لنسخه في فيلم يعكس ذات الموقف المؤيد. المسألة تجارة واضحة ولو أن نقد الفاتيكان والمؤسسة الكاثوليكية ككل أمر أكثر تردداً لأسباب يطول شرحها.

توم هانكس، بطل هذا الفيلم يؤدي شخصية المحاضر الأمريكي الذي يستعين به البوليس الفرنسي لكشف الجريمة حين وقوعها. في بقية الفيلم عليه العمل لكشف المسؤولين عنها (الفاتيكان ومجرم يستخدمه الفاتيكان لتنفيذ مآربه وهي إبقاء السر دفيناً) وعليه أيضاً حماية نفسه والمعاونة الفرنسية “توتو” من المجرم الذي يعمل بإيمان كامل بضرورة تنفيذ تلك التصفيات خدمة للدين.

إنه موضوع شائك وتوم هانكس يدرك ذلك لكنه على الشاشة يسعى لعكس شخصية يمثّلها كما يمثّل أي شخصية أخرى. إنه “بزنس” عليه أن يؤديه على أفضل وجه. هذا الموقف ليس غريباً على المخرج رون هوارد. هذا الفيلم، كأي من أفلامه السابقة، “بزنس” عليه أن يؤديه على أفضل وجه أيضاً.

بكل هذا الإلمام وتبعاً لفيلم هو حديث المدينة والعالم هذه الفترة، جلست الى توم هانكس نتحدّث عن فيلمه. الاسئلة التي في البال كثيرة، الوقت محدود. المقابلة تبدأ:

·         من دون الدخول في ما نعرفه جميعاً حول النقاش القائم بين معسكرين واحد مؤيد وآخر رافض للفيلم. ما موقفك الشخصي منه؟

- القصة التي نسردها، والكتاب الذي اقتبست عنه مملوءان بالنظريات الخيالية العابثة. هذا حقيقي وأقوله لك بصراحة. إنها نوع من الصيد المتوحش. النظريات التي يستند اليها الفيلم والقصة والمتجسّدة في لوحات وتماثيل ومبان يقال ان الشيفرة موجودة فيها متوفرة منذ زمن بعيد والكتاب لم يبتدعها. وتلك اللوحات، من مادونا وسواها، مثيرة للجدل أيضاً. كل واحد سينظر الى ما أراد المؤلف دان براون اعتباره دليلاً على أساس أنه قابل للترجمة الفردية. البعض قد يوافق المؤلف على براهينه ورؤيته والبعض لن يوافق. البعض سيراها مثيرة في الكتاب وربما قبل بها لكن إذا ما انتقل الى ما يصفه الكتاب من موجودات فسيغيّر رأيه.

·         المسألة المطروحة هنا ليست أن الكتاب او الفيلم يدعوان الى النقاش، بل أنهما يهينان شخصية المسيح.

- هذا لا تستطيع أن تمنعه. نعم هناك من سيعتبرهما مهينين لشخصية المسيح. لكنه في النهاية موقف شخصي لكل فرد على حدة. هناك من هو مقتنع بأنه اعتداء على تلك الشخصية لدرجة انه لن يشاهد الفيلم، وهذا قراره الخاص.

·         البعض يعتبر الفيلم أخطر من الكتاب ما يعكس القوّة التي لا تزال السينما تمثّلها. هل توافق؟

- نعم. أوافق على قوّة الفيلم السينمائي لكني لا أعرف ما إذا كان هذا الفيلم أخطر من الكتاب او أقل خطراً. دعني أقل لك شيئاً: قبل عامين مثّلت شخصية سانتا كلوز الذي يعيش وعالمه الفريد في القطب الشمالي (بولار أكسبرس) ودعني أؤكد: ذلك الفيلم كان قطعة من الفانتازيا لا يزيد على الفانتازيا في هذا الفيلم. أقصد القول ان كلاهما خيالي جانح. هذا الفيلم ليس تسجيلياً ولا هو مأخوذ من الواقع. على العكس هذا فيلم خيالي وأطلب من المشاهد أن يعتبره كذلك.

·     لكن أنت أدرى أن الفيلم الخيالي قادر على طرح مواضيع مؤثرة على نحو أو آخر وتشكيل رأي ومفهوم ايجابي او سلبي حيال أي شيء.

- صحيح. لذلك أعود لأقول ان على المشاهد أن يحكم بنفسه. إذا اعتبر أن الفيلم سيهينه او يهين معتقداته يستطيع أن يتجنّب مشاهدته.

·         أين أنت من كل ذلك؟

- ما سبق هو رأيي، لكن سؤالك هذا مهم وأشكرك على إصرارك. أنا ممثل من النوع الذي لا يريد تمثيل قصة حول حقيبة مملوءة بالمال وبطل بصحبته فتاة يحاولان الاحتفاظ بها. لا يحاول العمل في أفلام من تلك العادية. بل يتطلع الى الأعمال التي تثير مسائل او تطرح مواقف وشخصيات وربما توم هانكس في دور يختلف عن توم هانكس في دوره السابق. هذا مهم بالنسبة لي، وهو أحد السببين اللذين دفعاني لقبول هذا الفيلم. السبب الثاني هو رغبتي في العمل مع رون هوارد. من حقي كممثل البحث عن أفلام منفردة سواء كانت مثيرة للجدل او لم تكن.

·         أنت ورون هوارد كوّنتما علاقة عمل ناجحة بدأت سنة 1993.

- نعم. بفيلم “سبلاش”.

·         لماذا تراه سبباً يدعوك للعمل معه من جديد؟

- بالنسبة لكثيرين، رون هوارد مجرّد مخرج يهتم بالكم والعمل وليس بالنوعية. وأنا أخالف من يعتقد ذلك. في البداية، نعم رون هوارد كان جديداً وكان يريد أن ينجح لذلك عمل بجهد وتعثّر وقام من جديد. لكن بعد كل هذه الأفلام أصبح مخرجاً حكيماً. أكثر وعياً وأكثر رغبة في طرح مواضيع جريئة. خاصة. هذا واحد منها. علاقتي معه تستفيد من أنه مخرج منفتح مستعد لأن يدعو ممثليه الى المشاركة في اتخاذ القرار. لا أدري إذا كان ذلك يعود الى حقيقة أنه كان ممثلاً بدوره قبل أن يصبح مخرجاً، لكني أعلم إنه أمر لا يقدم عليه الكثير من المخرجين إما لأنهم مشغولون او لأنهم لا يرغبون. رون يضم استشارة ممثليه الى صلب مشاغله. الى برنامج عمله وهذا ما يميّزه. بل هو يوظّف ذلك كجزء من عملية صنعه الفيلم.

·         حين يطلب هوارد مشاركة ممثليه اتخاذ قرارات، هل يتضمن ذلك الاشتراك في صياغة السيناريو النهائي؟

- لا أقصد أنه يعطي الفرصة لكل ممثل أن يكتب مشاهده.. أقصد إنه يتباحث معه ويستمع اليه ومستعد لأن يأخذ بوجهة نظره.

·         هل شاركت في كتابة السيناريو بنفسك؟

- لا. بل كانت لديّ اقتراحات محددة ناقشتها والمخرج.

لقطات من المهرجان

 “الفيلم الذي سيهز كان”.. يصرخ الإعلان المنشور عن فيلم بعنوان: “أمريكا: من الحرية الى الفاشية” لمخرجه آرون روسو، فيلم تسجيلي ينوي الانضمام الى تلك السلسلة من الأفلام التي تهاجم الإدارة الحالية في البيت الأبيض. لكن في حين أن أفلاماً مثل “العراق، مكشوفاً” و”فهرنهايت 11/9” تناولت الأحداث التي أدّت الى الغزو، متمحورة حول كذبة وجود سلاح دمار شامل، يذهب هذا الفيلم، كما يقول منتجه ومخرجه، الى مسألة المؤسسة السياسية الأمريكية وعلاقتها بالمواطن. الفيلم سينطلق للعروض التجارية في الثامن والعشرين من تموز/ يوليو المقبل.

 المنتج طارق بن عمّار ألغى مؤتمراً صحافياً كان قرر عقده في إطار مهرجان “كان” السينمائي الحالي للإعلان عن سلسلة مشاريعه الجديدة. سبب الإلغاء، كما قال ل”الخليج” هو أن أفلامه دائما ما تحدّثت عن نفسها أفضل من حديث أحد عنها، وقال: “لم أقم مؤتمراً صحافياً للحديث عن مشاريع جديدة من قبل فلم أفعل ذلك الآن؟”.

 كيانو ريفز الذي سيصل خلال الأيام القليلة المقبلة لحضور المهرجان بسبب عرض فيلم اشترك بتمثيله وهو “أمّة الطعام السريع” قرر في حديث له أن المهرجان الفرنسي “رفع قيمة السينما حول العالم”. أضاف متحدّثاً عن هذا الفيلم: “لا أعتقد أن التجربة التي يحتويها هذا الفيلم أقل أهمية من أي تجربة فنية أقدمت عليها السينما. مثّلنا وتم إدخال الفيلم الى الكومبيوتر وقام المخرج رتشارد لينكلاتر بتحويلنا الى رسوم متحركة”. رتشارد لينكلاتر قام بالعملية نفسها من قبل في فيلم سابق له من بطولة إيثان هوك.

 براد بت بدوره سيصل ومعه كيت بلانشيت، والمكسيكي غايل غارسيا برنال، والياباني كوجي ياكوشو. كلهم جزء من الفيلم الذي أخرجه ألياندرو جونزاليز أناريتو (21 جراماً) بعنوان بابل والذي تم تصويره في المغرب.

 ناقدان عربيان يحضران “كان” للمرة الأولى هما ريما المسمار عن صحيفة “المستقبل” وهوفيك حبشيان عن صحيفة “النهار”. الناقدان يسعيان لتأليف جمعية لنقاد السينما اللبنانيين وضمّها الى فدرالية الاتحاد الدولي لنقاد السينما.

المفكرة.. تكون أو لا تكون

مرة أخرى المشاركة العربية في “كان” ضعيفة ومرة أخرى يعكس هذا ضعف السينما العربية الذي يعكس بدوره ضعف العالم العربي.

ما قتل مصطفى العقاد قبل الحادثة المأسوية التي أودت به، هو ذلك الجهل بالقيمة المطلقة لما كان يحاول إنجازه عربياً. وما قتل طموحات العديد من السينمائيين قبله هو الوضع المرضي المنتشر على صفحة هذا العالم بلا استثناء. وما يقتل المبادرات الفردية التي تنطلق من هنا وهناك هو اعتبار “كان” تحصيلاً حاصلاً لنظم غربية هي التي تُقيم وهي التي تعرض وهي التي تبتهج وتستفيد وليس واجباً علينا المشاركة في أي من هذا لأننا غير معنيين.

معنيون برفع الشعارات البرّاقة عن المؤامرات المحيطة بنا، والدفاع عن التراث والثقافة والحديث عن خطر محدق بكل ما هو إسلامي وعربي، لكن الكلام شيء مجاني والمجّان هو ما يحرّكنا. ننطلق من الصفر ونبقى فيه. لا نفهم أنه حتى لا يسيء أحد الى الثقافة والى “الحضارة” و”التاريخ” وكيف كنا فإن علينا أن نوفر لهذا العالم الأسباب التي لا تدعو الى تهكّمه وسوء فهمه وتتيح له استخدام مخالبه الشرسة مسلّحاً بأن ثقافته تسمح له بحرية الرأي.

لا زلت في طلب موضوع “كان” و”المهرجان” حين أقول إن السينما هي التي في مقدورها خدمة الثقافة وخدمة المواطن وخدمة أي قضية يحملها العربي في داخله. وليس فقهاء المحطات التلفزيونية الجدد ولا المنشدين الذين انتشروا على الفضائيات.

نعم “كان” أكثر إفادة هو وعشرات المهرجانات والمناسبات السينمائية الأخرى المقامة حول العالم. فيلم هاني أبو أسعد ووصوله الى منصّة الأوسكار -فاز أو لم يفز- وحصوله على “الجولدن جلوب” وعلى جائزة من برلين قبل ذلك وتوزيعه تجارياً هو الذي يُفيد أكثر من كل المقالات التي نكتبها عن فلسطين وننساها قبل أن نخلص من قراءتها.

في “كان” هذا العام بضع مشاركات عربية هي جلّ ما خرجت به هذه الأمة المستكينة ومعبّرة عن حال آيل للاستمرار طالما أن هناك مسؤولين لا يعتبرونها سوى فن ساقط. ووزير يفضل الذهاب الى معرض فني على حفلة إعلان الجوائز لمهرجان سينمائي تشرف عليه وزارته.

م.ر -  merci4404@earthlink.net

الخليج الإماراتية في

18.05.2006

 
 

يوميات مهرجان كان السينمائي الدولي ... (3)

كان  محمد رضا: 

ونحن نناقش الأفلام المعروضة في المهرجان لا مفر من أن نشير الى فيلم الافتتاح “شيفرة دافنشي” رغم صدمتنا الكبيرة به، لكن ما يخفف الصدمة عمل اسباني يبعث على الأمل السينمائي، وبين الصدمة والأمل يدور حديثنا اليوم ولتكن البداية من فيلم الافتتاح.

رون هوارد شريك في الجريمة

فولف أمل سينمائي يخفف من صدمة “دافنشي”

"شيفرة دافنشي"

اخراج: رون هوارد

تشويق أمريكي (فيلم الافتتاح)

تقييم الناقد: *

كم كان فيلم الافتتاح رديئاً؟ الى درجة أن معظم المتحدّثين ذكروا أنه نال انتقادات لاذعة وواسعة بين النقاد الفرنسيين حتى من قبل خروج الصحف. لتبيّن أن ما أشيع كان صحيحاً وفوقه آراء عدد آخر من النقاد الأمريكيين.

المشكلة في فيلم رون هوارد واضحة للعيان: اقتباس أمين جداً لا ل 400 صفحة من الكتاب تقريباً، بل لمنحاه في السرد. الشخصيات على الشاشة لا تتنفس طبيعياً. الحوار جامد والحركة خشبية والمساجلات طويلة. الفيلم في عدد من مشاهده يقترب من المسلسلات الاذاعية التي كانت تقدّم لتجييش الرأي العام فتنضح مخيلة الكاتب بحوارات طويلة ووعظية ومباشرة تحوّل كل المعطيات الى نوع من الدروس تُلقى ولا تُتداول. يُبت بالأمر قبل أن يوافق المستمع عليه.

أتخيّل أن الوحيد الذي كان سعيداً بما كتب هو كاتب السيناريو (أكيفا جولدسمان) لأن كاتبا محدود القدرة على صياغة اقتباس جيّد من رواية ما يستطيع أن يكون سعيداً بما كتب. لكن المخرج رون هوارد شريك في جريمة هذا الفيلم: كيف يمكن له، وهو الذي تقدّم بضع خطوات عن مستواه العادي حين أخرج “رجل الساندريلا”، أن يتراجع الى مستوى العمل بالتزام نص هزيل كهذا؟ كيف له، وهو الذي جاء من صف الممثلين وعادة ما أدار الممثلين جيّداً، أن يخفق في تحريك الجامد من الأداء؟ الكيمياء بين الممثلة توتو وتوم هانكس مفقودة. التجانس في الحركة والايقاع والأداء بينهما معدوم.

وحين تتكلم فإنها مثل ذلك الذي عليه طرح السؤال البديهي حتى يتسنى للطرف الآخر اعادة ما قاله او الاستطراد في استرسال جديد.

"فولفر"

إخراج: بدرو ألمادوفار

دراما اجتماعية (المسابقة)

تقييم الناقد: ***

جميعنا هنا نريد أن ننسى “شيفرة دافنشي” وندلف الى آخر يحمل الينا بعض الأمل في سينما أفضل، وهذا ما يتيحه لنا المخرج الاسباني (بدرو ألمادوفار) في فيلمه الجديد “فولفر”. ليس أفضل أفلامه لكن هذا أمر يختلف البت به من مشاهد الى آخر، لكن المؤكد هو أنه عودة من ألمادوفار الاستعراضي الى ألمادوفار الأقل اهتماماً بالأسلوب وامكانيات الصورة تماماً كما بدأ قبل عشرين سنة و(ستة عشر) فيلماً هي حصيلته حتى الآن.

بكلمات أخرى، هذا فيلم تقليدي الشكل والتنفيذ يشغل مساحته الاعتماد على قصة مثيرة للاهتمام ومرصّعة بشخصيات لا تقل اثارة للأهمية. هناك لحظات مهمة من سينما ألمادوفار لكنها خالية من اللمعة التي شغفت النقاد الغربيين في السنوات الأخيرة. البطولة نسائية. بينيلوبي كروز تؤدي شخصية المرأة التي لديها ابنة (يوهانا كوبو) ربما كانت من زوجها الحالي (أنطونيو دي لا توري) الأمر ليس مؤكداً لا عندنا ولا عند الأم نفسها.

رايموندا (كروز) تعمل منظِّفة في مطار مدريد لكنها وُلدت وترعرعت في بلدة صغيرة خارجها. لرايموندا أم ماتت في حريق وأخت اسمها سول (لولا ديوناس) تعمل مصففة شعر. بعد تأسيس المخرج لشخصياته وهذه الجوانب من العلاقات ينعطف نحو تطوير الواقع الذي عرضه. ها هي سول تمشي تائهة في الشوارع حين تلتقي بها شقيقتها رايموندا وتسألها ما بالها. لا تجيب على الفور لكن هي لحظات قبل أن نعرف أنها طعنت زوج رايموندا دفاعا عن نفسها حين حاول الاعتداء عليها.

لكي تعفي شقيقتها من أي مسؤولية تبادر رايموندا الى التعامل مع الوضع الجديد بحكمة واندفاع. الجريمة بالاضافة الى تاريخ العائلة ووضعها الحالي ودخول شخصيات أخرى الى الفيلم خلال ساعتيه هو ما يشغل الشاشة طيلة الوقت.

انه فيلم جيّد، ولو بحدود، وربما ممتاز لمن يستهضمون بدرو ألمادوفار ويعتقدون بالفعل انه يستحق الهالة الكبيرة المرسومة من حوله. التمثيل جيد والشخصيات مرسومة ثم منفّذة بتجاوب وحسن دراية للمطلوب.

السيناريو أحياناً مفهوم ومتوقع لكنه بلا فجوات تذكر. التصوير يختلف عن المعتاد في أفلام المخرج، عادة ما بات يرتاح للألوان الهادئة، لكنه هنا يعود الى جملة من الألوان الأكثر تعبيراً وتلاقياً مع الشخصيات ولو كانت أحياناً فاقعة.

من الماضي

1947:  الدورة الثانية من المهرجان شهدت توزيع الجوائز على نحو مختلف عما هو عليه الآن. كانت هناك جائزة لأفضل فيلم نفسي وهذه نالها الفيلم الفرنسي “أنطوان وأنطوانيت” لجاك بيكر، وجائزة لأفضل فيلم اجتماعي وجاءت من نصيب الفيلم الأمريكي “تبادل نار” لادوارد دمتريك. أما أفضل فيلم موسيقي فكان “أغبياء زيجفيلد” للأمريكي فنسنت مانيللي.

1952:  تم عرض فيلم باسم المغرب ولو أنه في المضمون والاخراج ليس مغربياً. الفيلم هو الترجمة السينمائية لمسرحية “عطيل”، كما أخرجها وقام ببطولتها الأمريكي أورسون وَلز. الفيلم نال الجائزة الأولى.

1969: هذه بعض أيام فنان السينما فديريكو فيلليني الذي قدّم فيلمه الجديد “لا دولشي فيتا” او “الحياة اللذيذة” الى المهرجان وخطف سعفته الذهبية.

1977: مجموعة من الأفلام الأمريكية المتميّزة (عكس ما هو الحال عليه في هذه الأيام) عرضت في المسابقة: روبرت ألتمان قدّم “ثلاث نساء”، هال أشبي عرض “جدير بالمجد”، مايكل شولتز جعلنا نرقص على أنغام “كار ووش”. لكن الأمريكيين لم ينفردوا في إثارة الاهتمام. الى جانبهم مثلا الألماني فيم فندرز قدم “الصديق الأمريكي”، والاسباني كارلوس ساورا “اليزا”، واليونانيان ميخائيلي كوكايانيس وثيو أنجيلوبولوس تنافسا لأول وربما لآخر مرة في أي مكان من العالم، والسويسري كلود جوريلا “الدنتلييه”. وهناك أيضاً الايطاليان باولو وفيتوريو تافياني اللذان لفتا النظر في “الأب المعلم”.

1989: سبايك لي يقدّم فيلمه الجيد “افعل الشيء الصحيح” من بطولته ومجموعة من الشخصيات السوداء والايطالية تعيش على حافة انفجار عنصري في أمريكا اليوم. المخرج الذي قدّم القليل من الأفلام في مسيرته جيري تشاتزبيرج قدّم آخر فيلم له الى الآن وهو “عودة اتصال” وفيه يلقي نظرة مضادة للمتاجرة بالهولوكوست. لكن فيلماً أمريكياً ثالثاً هو الذي نال السعفة (وهو سينمائياً أسوأها) وهو “جنس، أكاذيب وأشرطة فيديو” لستيفن سودربيرج.

لقطات من المهرجان

 المنتج السعودي أيمن الحلواني وصل الى مهرجان “كان” تمهيداً لعرض الفيلم الروائي السعودي الأول “كيف الحال” الذي خصص له عرض في الرابع والعشرين في احدى صالات قصر المهرجان وحفل استقبال يليه في قاعة من قاعات “ماجستيك هوتيل”.

 الممثل الفرنسي فنسنت كاسل الذي هو أحد أعضاء لجنة التحكيم أعلن عن أنه سيقود بطولة فيلم “سيادته الهامشي” الذي سيخرجه جان- جاك أنو. فنسنت كاسل قدّم حفل الافتتاح وألقى كلمة بالفرنسية ثم بالعربية على الرغم من أنه ليس عربياً.

 فيلم “حليم” حظي بإعلان صحافي على غلاف مجلة “فاراياتي” الواسعة الانتشار، يدبّر له المنتج عماد الدين أديب ثلاثة عروض. الفيلم هو آخر أعمال الراحل أحمد زكي.

 السينما الايطالية مشتركة ليس فقط بمجموعة من الأفلام بينها فيلم مسابقة “ال كيامونو” لناني موريتي، بل بعدد كبير من الأفلام الكلاسيكية أولها للعرض “روما مدينة مفتوحة” تحفة روبرتو روسيلليني (1946) وأول فيلم ايطالي تناول الوضع الفاشي خلال الحرب العالمية الثانية.

 الممثلة توتو (نراها في “شيفرة دا فنشي”) تتحدّث عن زيارة قريبة لها في هوليوود للبحث في سلسلة أفلام أحدها قد ينقلها من هناك الى منغوليا على حساب شركة وورنر التي قررت انتاج فيلم بعنوان “سيف الشرق”.

قول اليوم

"تطلب الأمر مني ثلاثة او أربعة أسابيع قبل أن أقتنع بأني أريد انجاز هذا الفيلم. خلالها تحدّثت وكاتب السيناريو أكيفا جولدسمان وإلى شريكي المنتج برايان جرازر ودرست الموضوع بعناية”...... المخرج رون هوارد عن “شيفرة دا فنشي”

المفكرة ... أزمة مع الصين

“كان” مع حرية التعبير. الصين مع ضرورة  الالتزام بقوانين البلاد والتزامات المواطن صوب الدولة الشيوعية ناسبه ذلك ام لم يناسبه. وافق عليه أو لم يوافق. والمخرج “هو” -قبل وقوفه وراء الكاميرا وبعد ذلك- هو مواطن وقوانين البلاد تطبّق عليه.

السجال الواقع حالياً بين المهرجان الفرنسي والسلطة الصينية بمناسبة حصول المهرجان على نسخة من فيلم “قصر الصيف” لم يكن الرقيب الصيني يرغب في عرضها عالمياً، ليس جديداً. في السابق عرضت أفلام صينية وإيرانية وتركية، ضد رغبة الدول التي ينتمي اليها المخرج- المواطن. وعادة ما يصاحب ذلك تعريض المخرج الى متاعب مع الحكومة الصينية. ومخرج “قصر الصيف” (لو يي) لن يجد حين عودته الحرس التشريفي بانتظاره ولا السجّاد الأحمر تحت قدميه حتى ولو انتزع جائزة ما. الذي سيجده هو تحقيق حول كيف تسرّبت النسخة من معقلها الصيني الى شاشة المهرجان الدولي من دون أن يجيز الرقيب لها ذلك.

ونسمع هنا سجالات معظمها كاذب. من قول المخرج انه لم يكن يعرف شيئا عن اختيار فيلمه ليدخل مهرجان “كان” الى قول المنتج انه لا يعرف كيف انتقلت النسخة الى هناك الى قول الحكومة انها لم تشاهد النسخة التي عرضت في “كان” لأنها لم تكن صالحة للعرض.

ما نعرفه هو أن النسخة التي وصلت الى هنا لم تكن كاملة ولا جاهزة و”كان” صرف على اتمامها في المختبرات الفرنسية واذا كان ذلك يعني شيئاً فانه يعني أن المخرج والمنتج او أحدهما على الأقل هرّب النسخة الى “كان” مع رسالة تفيد بأن المتاعب تنتظر هذا الفيلم في الصين وأنه لا يستطيع اتمام عملياته الفنية.

هناك مخرجون صينيون بدأوا طريقهم بأفلام تنتقد وتعجب الجمهور خارج الصين وتثير حنق الجهات الرسمية فيها، لكن معظم هؤلاء المخرجين قرر لسبب ما أن النضال انتهى وارتاح لوسادة وثيرة تمكّنه من صنع أفلام مثل “بيوت الخناجر الطائرة”: الطائر فيها ليس الخناجر ولا حتى الأبطال المحلقين عالياً، بل الرغبة في النضال من أجل ما يؤمن المخرج به ويريد تغييره او -على الأقل- التعبير عنه بحرية.

م.ر

الخليج الإماراتية في

19.05.2006

 
 

أما بعد.. غياب صورة العرب ومرآتهم

بقلم :حسين قطايا  

يشكل الغياب العربي عن المهرجانات السينمائية العالمية ظاهرة، تزداد كل سنة زيادة انزلاق الثقافة العربية نحو الأسفل، بأكثر إنتاجاتها، وخاصة الفنية منها. فلا من كم نعتد به ولا من نوع نعتز فيه. فإذا ما قيس عدد السكان في العالم العربي وقورن بعدد سكان الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو الهند تأتي النتيجة مفزعة،

من حيث حجم الإنتاجات السينمائية هناك مع ما ننتجه لذات عدد السكان تقريباً. فالهند تنتج ألف فيلم تقريباً وحدها وأوروبا أكثر من ألفي فيلم والولايات المتحدة أكثر من أوروبا بقليل، ونحن لا نتجاوز مع مصر الثلاثين فيلماً على الأكثر، معظمها لا يستحق تسميته بعمل سينمائي أو فني، لضعفه في جميع مستوياته، التقنية، والفنية في آن.

هذا الهزال في الثقافة والفن هو صورة طبق الأصل عن هزالنا في السياسة والاقتصاد والاجتماع والفكر والتكنولوجيا .. إلخ.. من قطاعات الحياة المختلفة، التي نحيا فيها ولا نشارك بصناعتها. نقف على بوابة المعنى ولا نلج إلى المبنى.

نختار منطقة ندعي أنها وسطية ونتجمد داخلها، مشدوهين بما وصل اليه الغرب ،وخائفين منه نتمسك بالماضي، ونسجن أنفسنا فيه، بدل أن يكون عبرة نستقي منها خطط المستقبل، كل واحد يعيش على هواه من دون أن يستقل بفرديته، ومن دون أن ينسجم مع الجماعة، التي هي بدورها نائمة غافلة عما يجري حولها، وفي جوانياتها.

السينما مرآة الشعوب لأنفسنا، ومرآة كي يرانا الآخر. وهذا يتطلب جرأة على القول والبوح بما يعترينا في دواخلنا من أزمات ومشاكل لا حصر لها. ولكننا نضعها في مشكلة واحدة هي أطماع الآخر فينا، وبما نمتلك. فنتناسى أن طبيعة الحياة تفترض تنافساً، في استثمار الثروات، لخير تطور البشرية، التي تتجاوز المذوي عنوة بقراره، في سبيل استثمار ما يمتلك من ماديات من جهة ومن تراث ومن مخزون واقعي مليء بالأحداث والمفارقات.

فمن وقت ليس ببعيد شاهدنا من أعمال ريدلي سكوت شخصية القائد صلاح الدين الأيوبي، واحتلال العراق بفيلم تركي، وفي القريب العاجل سوف نرى الكثير مما يعنينا ويتصل بنا منتجا بأعين الغرب والشرق ما دامت صورتنا امام الذات تائهة، وما دامت مرآتنا مكسرة، تكسر أرواحنا أمام عاصفة التخلف، التي تجتاحنا ولا نبالي.

البيان الإماراتية في

19.05.2006

 
 

الدورة 59 لمهرجان كان السينمائي الدولي:

الريح التي هزت حقل الشعير يؤرخ للانتفاضة الإيرلندية والصيني القصر الصيفي يمزج الحب بالسياسة مع الخيبة الشخصية

زياد الخزاعي

أخذت رواية دان براون شيفرة دافنشي شهرتها المدوية باعتبارها محاججة أدبية لقضية دينية لم تحسم بعد رغم انطلاقها ـ كوشاية ـ منذ عهود قديمة، وظلت تكبر وتتضخم حكاياتها وتأويلاتها وغرائبها وأسرارها: الامر يتعلق بأبوة السيد المسيح وزواجه من مريم المجدلية، بيد ان الامريكي براون اراد تقديم مقاربة من نوع آخر، اذ داخل السيرة التأريخية للمنظمات والجماعات والخلايا الدينية التي راهنت منذ الايام الاولي للحروب الصليبية علي تنظيف البيت المسيحي من الاعداء.

من هنا ولدت حركة حراس المعبد في عام 1118 بعد عودة القدس الي المسلمين لتتداخل سطوتهم مع تسييس الدين والكنيسة، والسعي المتجدد الي السيطرة علي المدينة المقدسة بأي ثمن، قبل ان يعمد الملك فيليب الرابع يوم الجمعة 13 تشرين الاول (اكتوبر) 1307 الي اصدار قرار باعتقال جميع منتسبي هذه الخلية المسلحة واعدامهم عن بكرة ابيهم لتنتهي حكايتهم بعد جبروت طال 200 عام (هذا اليوم اصبح عيدا شعبيا لمثال اليوم المشؤوم في الغرب حيث يعتقد ان الاموات سيعودون للأخذ بالثأر) من بين الأمور التي عجلت في سمعة هذه الخلية اقدامها علي زرع وشايات دينية غريبة احداها زيجة يسوع وانجابه الآنفة الذكر، (ومثلها البطولات الخارقة لاعضائها في الوصول الي المكان الخفي للكأس المقدسة)، الا ان فتح هذه السيرة لم يغلق، وبقي اكاديميون وانثروبولجيون وبحاثة دينيون يسعون كل في اختصاصه للوصول الي السر المغلق، وكلما اقتربوا كثرت المطبات والحكايات والالغاز، واشهرها ما اشيع عن شيفرة دافنشي التي بثها في لوحاته الدينية المحملة بالرموز والمشهديات الملحمية، ما دفع كثيرا من الاختصاصيين لفك خباياها، ومنهم الكاتب دان براون وروايته التي عدت ظاهرة تجارية في عالم النشر.

لكن لنعترف: ان هذه الرواية ليست نصا دينيا جديدا، او لنقل نصا يقارب قرينا له يمتد الي حقب قديمة، وهي ليست مقولة سياسية مقولبة في نص ادبي، بل ليست إصحاحاً تاريخياً حول ابوة المسيح المذكورة. انها لعبة احداث تنطلق من تخمين الي آخر وافتراض لم يؤكد الي آخر، ومن تقول غيبي انكب علي تمحيصه وامتحان صدقيته بحاثة لا يحصون من دون ان يتوصل احدهم الي الحقيقة القاطعة. الكاتب براون ركب الموجة ـ بعد عشرات البحوث ـ مستفيدا من تأويل النميمة التاريخية التي اطلقت ذات يوم، وظلت المخيلات تنسج حولها الاساطير وخلقت لعبا ومقتنيات ارادت ان تعقد الافتراء لتحيله الي واقعة تاريخية تمس ابن الناصرة. النتيجة ان وليد براون هز سوق القراءة في كل مكان معززا تجاريته بحملة اعلامية منظمة ذات خبث غير خفي يحوز علي ارقام مبيعات وصلت ارقاما فلكية وتحولت الي معجزة تجارية، إذ أوحي في متنها ان خلاصاته هي الاقرب الي الحقيقة، وما علينا سوي انتظار منقذين من رجال الفاتيكان كي يرسموا فوق اغلفتها تبريكاتهم.

لا ريب ان قارئ شيفرة دافنشي سيسحر بتعقيد سرديتها والتباس شخصياتها الا ان الأهم من هذا، ان براون برع الي حد بعيد في صنعة الاثارة وبث الشكوك واشاعة الترقب. فان اردت قراءتها كنص بوليسي ذي متعة فهي كذلك، وان اردتها غوراً في تاريخ ديانة ورموزها فلك الحق فيها، وان استمتعت بها كفاتحة اولية لمعرفة سر ظل مغلقا لعهود وما زال، فهي لن تخيب ظنك. عليه يفهم هذا التهافت العالمي علي اقتنائها والذي أحالها الي اشهر عمل ادبي يغار منه جهابذة القرون المجيدة من كتاب الرواية.

الشيفرة المعنية لعبة معقدة ابتكرها عَلَمُ النهضة الايطالية الرسام والمخترع ليوناردو دافنشي. مفتاحها كلمة سردية لا تفتح خفايا الا عبر انتظام حروفها علي عجلات دائرية صغيرة محكمة الصنع ومعقدة الطراز. داخلها وضع صاحب الموناليزا خارطة سحرية تقود الي مخبأ الكأس المقدسة التي يعتقد ان يسوع رشف آخر قطرات نبيذه منها، قبل الوشاية به علي يد يهوذا. هذا النبيذ هو السائل السحري الذي سيدمر الخارطة ان حاول احدهم اختصار فضوله وكسرها.

تلك الكأس موجودة في لوحة العشاء الاخير الشهيرة. بيد ان الحكاية ليست في كينونة الكأس بل في موقع آخر من العمل: علي يمين يسوع هناك شخصية حالمة تجلس مائلة بحنو علي كتف حواري آخر يمكن للمتمعن ادراك ان التصاقهما غير محكم، وكأنها قطعت وتم لصقها في ذلك الموقع، الي ذلك فان سحنة الشخصية تقترب الي المرأة منها الي حواري المسيح المذكور، السر: انها مريم المجدلية وان اعدت توزيع الشخصيات ـ كما اوردها المخرج هاورد بحنكة الكمبيوتر في اقتباسه ـ ستجد انها مائلة علي كتف ابن الناصرة.. زوجها ووالد طفلتها!

هذا هو العنصر الاساسي الذي لو اخذه المرء علي حدة، فان ما تبقي من الرواية هو استكمال مطول ومفبرك للمطاردات والبحث المضني عن الكنز المسيحي. وهو بالضبط ما يؤخذ علي الفيلم الذي تحول الي فصول متعاقبة تأخذنا من التباس الي أعقد ومن موقع كنسي الي ثان، نلهث خلف البطلين عالم الرموز روبرت لانغدون (النجم توم هانكس) وصوفي نيفود (الفرنسية اودري تاتو) وسعيهما (قل قدرهما) ان يقتربا من سر الأبوة الضائع، الأول مأخوذ بكونه اصبح متمكنا من فتح المغاليق اللغوية والرسوم ـ الرموز (وهو الاكاديمي البحت) والثانية مرعوبة من ماض لا تعرف كنهه، وارتباطها الملتبس مع جدها سونسييه القيم علي ادارة متحف اللوفر! والذي سيغتاله العصابي سيراس (البريطاني بول باتني) حينما اعترض طريقه الي لوحة دافنشي الشهيرة! في احد اجنحة المتحف الباريسي. قبل قتله سيرسم سونسييه علامات ويكتب اشارات تستلف صياغاتها من تعابير دينية متوارثة، ستمكن الثنائي لانغدون ـ نيفود من ادراك خطورة (وربما خطل) اللعبة برمتها. فالسير لي تيبنك (الممثل البريطاني ايان ماكيلان) النافذ والمخاتل الذي سيستخدمهما في الوصول الي الشيفرة، في سعي شخصي لامتلاك الكأس المقدسة وسرها، مدفوعا برعاية القطب الفاتيكاني الاب ارينغروسا (الممثل الفريد مولينا) الذي صنع بدوره قاتله سيلاس (يُذكر كثيرا بشخصية كوزمودو في احدب نوتردام !).

بالطبع، كقدر تاريخي يكتب علي يد هوليوود ـ فان لانغدون سيفلت السر من بين يده ـ تحت تهديد سلاح تينك ـ ويسلمه الي صوفي علي اعتبار ان المؤشرات تثبت انها آخر ذرية السيد المسيح!! لكن هذه النبيهة ستؤكد له انها غير قادرة علي المشي فوق الماء ـ كما يسوع ـ وتردف قائلة: ربما سأنجح في قضية النبيذ الاحمر!! في ختام المطاف ـ وتحت علامات واشارات الأقدار ـ ستقود الحكاية لانغدون الي اللوفر ثانية ليقع علي مفتاح السر الثاني: رميم مريم المجدلية الذي اختفي بغموض نادر موجود تحت قدميه، وهو الواقف فوق قاعدة الهرم الزجاجي المقلوب وسط ساحة المتحف (الذي نعته المفتش الفرنسي بيزو ـ الممثل جان رينو ـ بانه خدش في وجه باريس!) ليسكب دمعة اسي علي رعونته التي كادت ان تخدش بدورها وجه حكاية الغموض المسيحية! (لا علاقة لهذه العجالة بسردها جميعها!).

افلمة هوارد ذات صفة هوليوودية تستكمل مغامراته في عقل جميل و رجل الساندريلا . بناء درامي اعتمد بالكامل علي حرفية المونتاج الذي انجزه الثنائي دان هانلي ومايك هيل في تعاونهما السادس عشر مع المخرج هاورد! وابلغ ما فعلاه هو المزج المحنك للفصول التاريخية التي تبين عناصر السر وتراكمه التاريخي والديني، وهو ما يسرد علي لسان السير تينك موضحا اياه لصوفي (وريثة ذلك السر). فالآني المعاصر سيتداخل مع المشهديات الملحمية المقاربة لاشتغالات رسامي النهضة الايطالية، انها وسيلة ايضاح سينمائية بليغة وذات سحر فاتن. لقد قاد هذا الثنائي النص المعقد الذي كتبه اكيفا غود لزمان (في ثالث تعاون مع هاورد) الذي اكتفي بساعتين ونصف الساعة فقط في الساعات الاربع التي كان ينبغي تصوير شيفرة دافنشي فيها) الي مستويات تذاكت علي المطولات الحوارية والشروحات التي كان يجب ورودها علي لسان الشخصيات القليلة، فالمعضلة كانت واضحة ان الشريط ليس استكمالا للرواية، بل هو صورة تقريبية لحدثها المركزي، والبقية هي طعوم درامية من اثارة وايقاع لاهث يجعل المتفرج العادي مشوشاً ومضطربا الي حد بعيد، من دون ان يخسر متعته في سعيه لفك الرموز العصية التي سرعان ما يفكها هاورد ليغريه بأخري وهكذا.

شخصيا وجدت الافلمة اقل قيمة فنية في الرواية، وبدا ان الاستعجال تحكم في الكثير من المقاطع ما انعكس علي اداء توم هانكس بالذات، اذ لم يقدم شيئا لافتا علي منوال فورست غامب او حتي في انقاذ الجندي رايان فتحول الي قارئ حوار رديء كما في المشهد الافتتاحي داخل قاعة المحاضرة ومشهد الباص اللندني من بين اخريات) اضافة الي غياب طلته امام الاداء اللامع للبريطاني ايان ماكيلان الذي سرق الثقل الاكبر.

لنعترف: ان الشريط الهوليوودي ليس هو المهم في ظاهرة شيفرة دافنشي بل التجاري التي ستدور حوله، فكما فعلتها هوليوود مع سلاسل حروب نجم و ستارترك والشخصيات اكس وغيرها في مجال التسليع، فان موسم الصيف الحالي سيشهد الكثير من الالعاب وبرامج الكمبيوتر والمقتنيات المتعلقة بفك تلك الشيفرة او اخريات تمزج ما بين الفضول الديني وحشرية المستهلك الحداثي الذي لا يمل من ركب موجات المغامرة حتي لو كانت حكاية افتراء واضحة المعالم. شريط هاورد سيستقطب جمهوراً حماسيا (مثلما ستستقطب هذه الايام الكنائس الخمس التي ظهرت في شريطه والتي تشهد إقبالاً سياحيا من نوع المحجات الدينية، كونها لم تكن علي خرائط معلوماتهم السابقة)، للوهلة الاولي، لكنه سريعا ما سيغيبه، فطالما شاعت حكايته القصيرة وسرها المتهافت، فان ضحكات النقاد والصحافيين التي هزت قاعة ديبوسيه في قصر السينما بالكروازيت وصفير استهجانهم بعد انتهاء الفيلم ستكونان علامتين اكيدتين علي فشل هاورد في ابتلاع لقمة دافنشي بسهولة، لم تسعفه فيها نجومية هانكس وتاتو، ولا فضائح المحاكم البريطانية التي تنظر في تهمة الانتحال التي يواجهها الكاتب دان براون علي يد زميلين له كتبا نصا توثيقيا حول تلك الشيفرة واسرارها التي كتب لها ان تظل في طي الكتمان.. ربما الي الابد!

المخضرم البريطاني وأحد خوارج سينما كين لوتش يعود الي المسابقة الرسمية للمرة الثامنة علي التوالي، وفي ما يشبه الاستكمال غير المعلن لشريطه المسيس الارض والحرية (1995) الذي قارب فيه الكتائب العالمية خلال الحرب الاهلية الاسبانية، لكنه هذه المرة يترصد الاشكال الايرلندي ومعضلته الطائفية والمحازبات في جديده الريح التي هزت حقل الشعير وهو عنوان قصدي للشاعر روبرت ديور جويس (1830 ـ 1883) والتي ستغنيها احدي سيدات القرية النائية في رثاء شاب من الخلية العسكرية الاولي التي نظمت الجيش الجمهوري الايرلندي (قبل تشكل عصبة السياسة والذراع العسكرية IRA لاحقا) في عام 1920 الذي خاض حربا طويلة ضد الوجود البريطاني. يركز لوتش في عمله علي حكاية الشقيقين الطبيـب الشـــاب دامين (تمثيل غليان مورفي) الذي يمتاز بخطابيته السياسية المميزة وتدي (الممثل باتريك ديلاني) العنفي المزاج والثوري الذي يسعي بعجالة شخصية الي اطلاق شرارة الانتفاضة الاولي، وفيما يتخلي الاول عن مهنته وهو في بدايتها وينضم الي الخلية الصغيرة متحسبا خطواته في جعل نضال المجموعة كاستكمال لما فعله اجدادهم، يكون علي الثاني مهمة شحذ الهمم وتنظيم المقاتلين وقيادة اولي العمليات التي ستصطاد الجنود المحتلين بسهولة لم تكن متوقعة لهم.

يوغل البريطانيون في الفتك بالمدنيين وتتصاعد ملامح المواجهات الدموية، في تزامن مع تعقد الحالة السياسية للوضع الايرلندي التي عملت لندن علي تفكيكها بحنكة ومداورة خبيثة، لتتحول وحدة النضال الشعبي الي اصطراع بين طرفين، الاول وجد ان اعلان الهدنة هي انتصار لحكمة العقل وتوكيد علي نجاح الحرب في اقناع البريطانيين في التباحث بشأن مستقبل البلاد، فيما اصر الآخرون (وهم لبنة الجيش الجمهوري) علي المضي في العمليات حتي اعلان التحرير الكامل.

الشاب تدي سيناصر الطرف المهادن، وينخرط في الفيلق الاول لما سيكون عليه الجيش الايرلندي الرسمي، بينما يحافظ دامين علي تعهده الذي قطعه علي نفسه بمحاربة المحتل.

وفي احدي العمليات الفاشلة للاستيلاء علي سلاح الثكنة التي يقودها الشقيق تدي يقع دامين في الاسر، ومع رفضه التعاون والكشف عن مكامن العصاة وقادتهم، سيكون علي الشقيقين ان يواجها قدرهما الاعمي: تدي يترأس فرقة الاعدام التي ستطلق الرصاصات القاتلة بأمرته وتخترق قلب اخيه دامين.

في المشهد الختامي الدرامي يسلم تدي زوجة شقيقه شانيد قلادتها الاثيرة التي اهدتها الي زوجها قبل اعدامه، لتشاهدها بعد ضربه وطرده وهي تنهار متأوهة من وجع الغدر الذي به خطف الأخ روح أخيه.

ومثلما فعل صاحب كيس (1970) و المفكرة الخفية (1995) و اغنية كلارا (1996) في شريطه الاسباني ، سيرتب جديده علي المنوال الدرامي التقليدي، ففي المشاهد الافتتاحية سنري تلك القلة من الشباب وهم يمارسون رياضتهم الشعبية (الشبيهة بالهوكي) قبل ان تكسر ايقاعها الحماسي هجمة الجنود البريطانيين، وفي كل مقطع جديد سنتابع التصعيد الذي سيستقطب ارادتي الشقيقين (التدريبات العسكرية البدائية، الهجمات الاولي، جلسات التعذيب اللاحقة) اللتين ستتحولان، بحسم، نحو الانتفاضة بعدما يشهدان اغتيال احد اشقائهما اليافعين داخل بيتهما الريفي. وللمزيد من المقاربة الواقعية بث المخرج لوتش فصولا مطولة من المحاورات والمساجلات الايديولوجية بين المقاتلين، والكيفية التي يجب ان تدار بها امور الحرب. وحافظ لوتش ايضا علي تجنب الوقوع بالمسلمات الجاهزة حول مفاهيم الخيانة والسعي الي القيادة الفردية، فهؤلاء الشباب تدفعهم وطنيتهم نحو الحرية التي تقودها عزائمهم الفلاحية، وليس حسهم المتحزب الذي لم يتشكل بعد.

الريح التي هزت حقل الشعير يمزج التاريخ بالسياسية، ليعد عودة مجيدة لنوعية من السينما اختفت او بهتت في المشهدية السينمائية البريطانية، ويبدو ان لوتش هو آخر الكبار الذين يرفضون التخلي عن هذا المبدأ. ولا ريب ان الشريط سيحقق اثارة سياسية في بريطانيا عند عروضه الشعبية داخل البلاد، وسيثير الكثير من اللغط والمواجهات النقدية علي صفحات الجرائد والجلسات التلفزيونية.

السياسة ليست خافية في شريط المخرج الصيني المميز لويي (ولد عام 1965 في شانغهاي) القصر الصيفي رغم ان حدوتته المركزية هي علاقة الحب العاصف الذي يغمر الشابين هونغ يو (اداء باهر من الممثلة الشابة لي هاو) ووي تساو (الممثل تزدونغ جو) اللذين يلتقيان في عام 1989 في حرم جامعة بكين. هي القادمة من عمق الريف، والمدفوعة بحماسة داخلية لالغاء فاقتها وعزلتها، وهو ابن المدينة العارف بكيفية اصطياد الفرص والايقاع بالفتيات. مشكلة هونغ انها تعاني من فشلها في عقلنة مشاعرها وخلقها الجنسي الذي سيقودها الي تنمر شخصي، يصل الي حدود الأذي القاسي لدواخلها، وهي هنا شبيهة بمادونا معاصرة، تكتم الامها وتقسو علي نفسها، رافضة مساعي الآخرين في مساعدتها وتجاوز ازماتها بمن فيهم حبيبها وي الذي ستقوده مشاكساتها الي قطع العلاقة والسفر الي المانيا حيث ينكب علي دراسته قبل عودته ثانية الي مسقط رأسه، والابتداء بمشروع تجاري (ادارته لمطبعة) يدر عليه ثراء سريعا. وكما يقال ان الحب الاول لا يمكن ان يموت. سيكون علي الشاب وي الاتصال بعشيقته ليصعق من التغيير الهائل الذي اصابها واحالها الي كائن مهزوم كثير الارتباكات والزلل. في مشهد الختام نشهد لقاءهما في غرفة فندق، لنتوقع جلسة حميمة تفجر المشاعر المكبوتة، الا ان الخسارة قد فعلت فعلها في عواطف الحبيبة لترفضه وتغادر دامعة العينين.

هونغ ستقف وحيدة، معزولة، وغريبة علي قارعة الطريق فيما يقود وي سيارته الفارهة متجاوزا اياها من دون مشاعر تذكر.

اين السياسة اذن؟ انها في المشاهد التوثيقية التاريخية التي تفهمنا الزمن السياسي الدولي، فمن احداث ساحة تيان آن يمين الدموية، الي سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفييتي الي الزيارة التاريخية لزعيم الحزب الشيوعي الصيني الراحل دينغ زهاو بينغ الي المقاطعات الجنوبية التي اعلنت غلبة سياسة رأسمالية الدولة. قد تبدو هذه المقاطع مقحمة الي حد ما، الا انها تبويب درامي اضفي غلالة سياسية علي حكاية العشيقين من دون ان تؤثر عليها، فهما نتيجتان (كقناعتين ثقافيتين: البطلة تكتب رؤيتها عن حياتها في كتيبها الشخصي بينما الحبيب ينغمر في العمل السياسي المناهض لسطوة الحزب الأمر الذي سيدفعه الي الاغتراب) للخيارات السياسية التي تشهدها البلاد.

كان من الطبيعي ان يكون حرم الجامعة (كرحم سياسية) هو الساحة المثالية للحكاية المثلومة المستقبل، فالمكان يعج بالمصادمات الشبابية وموارها المعقد، اضافة الي كثرة النزق الجسدي الذي سيقود الكثيرين الي جلسات الجنس وكأنه الحل الأوحد للهروب من الضنك الاجتماعي.

ناقد سينمائي من العراق يقيم في لندن

القدس العربي في

191.05.2006

 
 

تظاهرة «نصف شهر المخرجين» تنافس على جائزة «الكاميرا الذهبية»

المشهد في «كان ـ 59» يكتمل بالأفلام البديلة

كان ـ مسعود أمرالله آل علي

نستكمل في هذا العرض أهم المسابقات والتظاهرات في كان 2006 وفي مقدمها مسابقة «نصف شهر المخرجين»، وهي مشهد مكمل لإجمالي برنامج المهرجان، حيث تقوم جماعة من المخرجين باختيار الأفلام التي ستشارك في المسابقة، مع ملاحظة أن الأفلام الأولى لمخرجيها يحق لها التنافس على جائزة «الكاميرا الذهبية».

في 14 يونيو 1968 أسّست مجموعة من السينمائيين، من بينهم: جاك ريفيت، روبير بريسون، كلود بيري، وجاك روزير «نقابة المخرجين الفرنسيين». في السنة التالية، أسسوا تظاهرة «نصف شهر المخرجين» على هامش مهرجان كان السينمائي.

كانت مهمة النقابة تتلخّص في «الدفاع عن الجانب الفني، الأخلاق المهنية، والحرية الاقتصادية للإبداع السينمائي». تضم النقابة اليوم أكثر من 250 مخرجاً وتشارك في نشاطات مختلفة وفي معاهد سينمائية دولية.

لا يقتصر دور «نصف شهر المخرجين» على إبراز المواهب الجديدة على خارطة السينما العالمية ومخرجي المستقبل، بل يتعدّاه إلى مساندة المخرجين المجهولين بالنسبة للغرب، أو الأعمال التي لا تجد طريقها عادة إلى المهرجانات الدولية الرئيسية.

يشغل باسكال توماس منصب رئيس النقابة اليوم، أما زميله أوليفر بيريه؛ فيشغل منصب المدير الفني للنقابة، والذي تقع على عاتقه مسؤولية ـ مع لجنة اختيار مؤلّفة من خمسة مخرجين ـ اختيار الأفلام، يقول بيريه: «نهدف إلى ترويج أفلام غير متوقعة،

وتأتي من مناطق جغرافية متنوعة، سواء أكان الفيلم لمخرج مخضرم، أو لمخرج مبتدئ.. الأفلام المختارة هي لفنّيتها وجودتها العالية، ولجرأتها، وجماليتها، وآنيتها، وأصالتها. تثبت التظاهرة ـ عن طريق عرض أفلام تسجيلية،

وبرامج أفلام قصيرة، وتحريك، وتجريب ـ بأنها منتدى ترحب بكافة أشكال صناعة الفيلم، أفلام مختلفة عن الأخرى بسبب طرازها، مواضيعها، جنسيتها، وآلية إنتاجها، غير أنها تتقاسم كلها ـ وبدون قيود ـ متطلبات نقدّرها جميعاً: فكرة الصورة السينمائية».

يشارك (22) فيلما روائياً طويلاً في برنامج هذه السنة، و(3) أفلام في عرضٍ خاص، و(11) فيلماً قصيراً موزّعة على برنامجين:

«أميرة» للافتتاح

(إخراج: أندريه مورغنتالر، ألمانيا/الدنمارك، فيلم أوّل): عندما تموت شقيقته، يعود «أوغوست» إلى المنزل تاركاً مهنة التبشير. كانت شقيقته «كريستينا»، وتُعرف بالأميرة، ممثلة أفلام إباحية.

ماتت بعد سنوات من الإفراط في المخدرات، تاركة وراءها ابنة في الخامسة تدعى «ميا»، يشعر «أوغسوت» بأنه ملزم بالاهتمام بها الآن. مغمور بالحزن والذنب، يقرّر «أوغوست» الانتقام لموت «كريستينا» بتحطيم كل المواد الإباحية التي ظهرت بها لتتصاعد بسرعة وتيرة العنف.

... و«كونغوراما» للختام

(إخراج: فيليب فالاردو، فرنسا/بلجيكا/كندا): «ميشيل» مخترع بلجيكي، يسيء فهمه مديره في العمل. الآن ـ وهو في الثانية والأربعين من عمره ـ يعلم بأنه كان طفلاً متبنى، وأنه وُلد سرّاً في كويبيك. يسافر إلى مدينة ولادته ليبحث عن عائلته الحقيقية، لكنه يخفق في العثور عليها، وقبل أن يصل إلى حد اليأس، يقابل رجلاً يقود سيارة كهربائية قديمة. فجأة يقع لهما حادث، لا يغير حياتهما فقط، بل مستقبل صناعة السيارات أيضاً.

الأفلام الطويلة

هنا استعراض أوّلي لأفلام المسابقة:

ـ آ فوست سو نا آ فوست (إخراج: كورنيليو بورومبوا، رومانيا، فيلم أوّل): 22 ديسمبر، ستون سنة مضت على الثورة، والكريسماس على الأبواب. «بسكوني» متقاعد مسن يستعد لقضاء عطلة الكريسماس وحيداً مرة أخرى. «مانيسكو» أستاذ التاريخ لا يرغب في فقد كل راتبه في تسديد الديون.

«يدريسكو» مالك محطة تلفاز محلية لا يبدو مهتماً جداً بعطلته السنوية. بمساعدة من «بسكوني» و«مانيسكو»، يود «يدريسكو» الإجابة على سؤال ظل يؤرّقه لستة عشر عاماً: «هل وقعت الثورة حقيقة في مدينتهم؟».

ـ آنتشي ليبرو فا بين (إخراج: كيم روزي ستيوارت، إيطاليا، فيلم أوّل): «تومي» 11 سنة، وشقيقته الكبرى «فيولا»، ووالدهما يشكّلون عائلة متحدة بغرابة منذ أن هجرتهم الأم. ورغم كل شيء؛ فإن هذه العائلة مليئة بالغضب، والعيوب، والوحدة القاتلة. شكراً لقلقهم الدائم، وحبهم لبعض.

ـ لو أنجي اكسترميناتور (إخراج: جان كلود بريسو، فرنسا): «فرانسوا» مخرج يعد لصنع فيلم إثارة. أثناء البروفات ينساق إلى رغبة تقديم شيء جديد للسينما، فيقرّر صنع فيلم يمزج فيه الواقع بالخيال، ويركّز على موضوع سيتحوّل -بشكلٍ غير متوقع- إلى أحجية وتابوهات.

ـ أزور وأسمار (إخراج: ميشيل أوكلو، إسبانيا/بلجيكا/إيطاليا/فرنسا): حدث ذات مرة أن طفلين لديهما نفس المربّية. أزور: أشقر وذو عينين زرقاوين، وابن سيد القلعة، بينما أسمار: أسمر بعينين سوداوين، وابن للممرضة. حدث أن كبرا كأخوة، لكنهما تفرّقا فجأة.

ـ بَق (إخراج: ويليام فريدكين، الولايات المتحدة): نادلة وحيدة بماضٍ مأساوي، تقطن في غرفة بنزلٍ خرب، وتعيش في ذعر بسبب طليقها الأهوج. عندما تدخل في علاقة حب جديدة، تشعر بالأمل ثانية؛ إلى أن يظهر «البق» الأوّل.

ـ سا برول (إخراج: كلير سيمون، سويسرا/فرنسا): تعاود «ليفيا» (15) عاماً المشي بعد سقوطها من ظهر حصان بمساعدة من «جان»، رجل إطفاء متطوّع، تقع في حبه لدرجة الجنون جارفاً إياها نحو هيجان أعمى، حتى ترتكب فعلاً لا يُمكن إصلاحه بأي شكل.

ـ تبديل العنوان (إخراج: إيمانويل موريه، فرنسا): «ديفيد»، شخص خجول، وموسيقي صعب المراس، انتقل إلى باريس حديثاً، يقع بجنون في حب طالبته. يفعل المستحيل ليفوز بقلبها، وتشجعه في ذلك شريكته في السكن، بشكلٍ حماسي، وعاطفي أيضاً.

ـ دافت بانكس إلكتروما (إخراج: ثوماس بانغلتر، غاي مانويل دي هوم-كريستو، الولايات المتحدة، فيلم أوّل): رحلة بصرية وموسيقية في حياة «روبوتين»، ومسعاهم في التحوّل إلى «إنسان».

ـ في باريس (إخراج: كريستوف هونري، فرنسا): مغامرات رومانسية لأخوين، وبورتريه لعائلة قد يكون شعارها: «خذ الوقت الكافي لإهمال حزن قريبك الخاص».

ـ ليل نهار، ليل نهار (إخراج: جوليا لوكتيف، ألمانيا/الولايات المتحدة، فيلم أوّل): تستعد الفتاة ذات التاسعة عشرة لتفجير انتحاري في «التايمز سكوير»، لا تتحدّث بأية لكنة معروفة، لذا يصعب تحديد عرقها بدقّة. لا نعرف إطلاقاً لماذا اتخذت هذا القرار، ولا نعرف أية جماعة تمثّل، أو بماذا تُؤمن. نعرف بالتأكيد أنها تؤمن بما ستفعل.

ـ أكفف بيضاء (إخراج: زابولكس حاجو، هنغاريا): «ميكلوس دونغو» رياضي أولومبي، انتهت حياته المهنية بعد تعرّضه لإصابة، يرحل إلى كندا ليبدأ حياته كمدرّب. يُعيّن لتدريب أحد أهم الموهوبين الكنديين؛ غير أن الشاب مغرور ومتكبّر، ويجد «ميكلوس» صعوبة في التواصل معه. يصل «ميكلوس» إلى قرار: إن كان عليه أن يؤسّس لعلاقة مع الشاب؛ فإنه يجب عليه أن يتغلّب على مخاوفه أولاً، ويُواجه ماضيه الشخصي.

ـ الصقر يموت (إخراج: جوليان غولدبيرغر، الولايات المتحدة): «جورج غاتلينغ» رجل خارج هذا العالم، يملك محلاً لتأجير السيارات، ويعيش مع شقيقته المطلّقة، وابنها العشريني. يحلم بأسر وترويض صقر برّي. عندما يتعقّب هذه الطيور الجارحة، يشعر بتحرّر مؤقّت من سخف الحياة المدنية. بعد عدّة سنوات من المحاولات الفاشلة، يصطاد «جورج» الطير الأكثر روعة: صقر ذو ذيل أحمر.

ـ شرف الفارس (إخراج: ألبرت سيرا، إسبانيا، فيلم أوّل): يتابع «دون كيشوت» و«سانشو» رحلاتهما بحثاً عن المغامرة ليل نهار. يرتادان الحقول، يتحدّثان عن مواضيع مختلفة كالروحانية، والفروسية، والحياة اليومية. يثقان بمصيرهما، حتى توحّدهما رابطة الصداقة.

ـ المضيف (إخراج: بونغ جون ـ هو، كوريا الجنوبية): سيؤول 2006، يُدير «هي ـ بونغ» مطعماً للوجبات الخفيفة على ضفّة نهر «هان» حيثما يقطن مع عائلته. في يوم، يظهر فجأة وحش غريب من أعماق النهر وينشر الرعب والموت، كما يختطف الابن الأصغر للعائلة، لتقرّر شن حملة شرسة ضد الوحش.

ـ جنداباين (إخراج: راي لورانس، أستراليا): «ستيوارت كين»، مواطن من بلدة «جنداباين»، في رحلة صيد سمك مع ثلاثة من أصدقائه عندما يكتشفون جثة لفتاة شابة في النهر، وعوضاً عن العودة، يستمرون في الصيد وليبلغوا عن الجريمة بعد عدّة أيام. عندما يصلون البلدة، يجب عليهم الآن مواجهة غضب السكان.

ـ كذب (إخراج: م. بلاش، الولايات المتحدة، أوّل فيلم): عطلة نهاية أسبوع طويلة تجمع أربع نساء ببعض في الريف. غرباء افتراضاً، تُجبر النساء على استكشاف تفاعلهن الاجتماعي، وبينما يبدو الأمر هادئاً على السطح، تبدأ لعبة الخداع والسيطرة في الباطن.

ـ أون ني ديفري با إكزيست (إخراج: إيتش بي جي، فرنسا، فيلم أوّل): «هيرف» ممثل أفلام إباحية في السابعة والثلاثين من عمره، ضجر من هذه المهنة، يقرّر فتح صفحة جديدة كممثل عادي، في عالمٍ لا يفقه منه شيئاً. عندما يرفضه زملاؤه الممثلون، يصرّ «هيرف» على تعلّم قواعد اللعبة.

ـ صيف 04 (إخراج: ستيفان كرومر، ألمانيا): في الأربعين من عمرها، تنضح «ميريام» بجمالٍ هادئ، وثقة واسعة بالنفس كسعة المحيط بجانب بيتها الصيفي. لا محرّمات في الحياة التي تعيشها مع صديقها «أندريه»، وابنهما «نيلز». الكل يتفهّم ويتحمّل، لكن عندما تغازل الفاتنة «ليفيا» العجوز «بيل»، تقرّر «ميريام» وضع حد للعلاقة المريبة.

ـ ترانس (إخراج: تيريزا فيلافيردي،البرتغال/فرنسا/إيطاليا): حكاية الشابة «سونيا» التي تترك عائلتها وصديقها في «سانت بطرسبرج» مقرّرة الرحيل دون عودة. تعيش «سونيا» في وهم لحياة جديدة، لكنها تدخل في جحيم أولئك الذين لا تعني لهم الحياة شيئاً. تعبر أوروبا، من روسيا إلى البرتغال، وتواجه كل البؤس، والاهانة، واستغلال البشر.

ـ يوريرو (إخراج: ميوا نيشيكاوا، اليابان): «هاياكاوا تاكيرو» مصوّر فوتوغرافي بارع، يتتبّع حياة المترفين في طوكيو، يعود مجرباً إلى بلدته في الذكرى الأولى لموت والدته، حيث يلتقي بصديقة طفولته «شيكو» التي تعمل الآن لدى شقيقه الأكبر «مينورو».

يقرّر الثلاثة الخروج في نزهة إلى وادٍ قريب، حيث الجمال المدهش. عندما يعبر «تاكيرو» جسراً لالتقاط بعض الصور، يلحقه الاثنان، تسقط «شيكو» إلى حتفها. تقبض الشرطة على «مينورو»، وأثناء المحاكمة نكتشف غيرة عميقة بين الأخوين، ما يدعو «تاكيرو» إلى الشك فيما رآه في ذلك اليوم.

البيان الإماراتية في

19.05.2006

 
 

ارقام ومفاجآت وخيبات في انطلاقة الدورة الـ59 لمهرجان «كان» السينمائي...

ماذا لو كانت الأفلام الجيدة آتية من مناطق مجهولة؟

كان (جنوب فرنسا) – ابراهيم العريس 

وضعوا أيديهم على قلوبهم يوم الافتتاح، لكن ما خشوه لم يحدث. أو لم يحدث كثيراً. انطلق المهرجان وها نحن اليوم في يومه الثالث. الصخب يملأ المدينة الساحرة في الجنوب الفرنسي. الأجساد مستلقية على رمال الشاطئ. الشمس تلعب لعبتها والمطاعم عامرة، كل لحظة بزبائنها. الأرصفة استعراض دائم، مهرجون، مشعوذون، تماثيل بشرية. يابانيون لالتقاط الصور، فرنسيون للسخرية من كل شيء. ايطاليون فرحون بـ «نهاية» برلسكوني. وهواة كرة قدم هم هنا «يسلون وقتهم» ريثما يبدأ «المونديال». ومن حظ السينما في «كان» ان المونديال لن يبدأ إلا بعد اختتام المهرجان.

كم زاد عدد سكان كان خلال هذه الأيام؟ بحسب إحصاءات شبه رسمية: 200 ألف شخـص. قد يـكون ثمة مبالغة في الرقم، لكن زحام الأرصفة والكورنيش والمتاجر يقول ان ثمة شيئاً من هذا. فـ «كان» خلال هذه الأيام، زحام في زحام. وإذ نقول هذه الأيام نعني بدءاً من امس الأول الأربعاء. وإذا كان من المنطقي ان يشهد الكورنيش الجميل على شاطئ «كان» (الكروازيت) والذي يشبه كورنيش البحر في بيروت الى حد مدهش، كل هذا الزحام. فإن من المنطقي اكثر ان يسود الزحام ايضاً هناك في الداخل، حيث قصر المهرجان. حيث العروض. حيث الشيء الجوهري: الأفلام. تلك المتسابقة او المعروضة فحسب. أفلام التظاهرة الأساسية وأفلام التظاهرات الثانوية. تلك المثيرة لكل أنواع الصخب والأخرى الأكثر تواضعاً. ولكن الأكثر فاعلية ايضاً.

ففي «كان» الى زحام البشر، زحام افلام. كم عدد المعروض منها هنا؟ في الأوراق والبرامج الرسمية ليس اكثر من مئة بين طويل وقصير. ولكن الرقم الحقيقي يتجاوز هذا كثيراً. وللتيقن من الأمر على المرء ان يزور سوق الفـيلم، وهو حيّز، قد لا يعيره هواة السينما الحقيقيون اهتماماً كبيراً. لكنه، في «كان» ذو اهمية فائقة. إذ هناك تجرى الصفقات وعمليات البيع والشراء، وهناك يعرض كل ما يراد عرضه من دون المرور على لجنة اختيار الأفلام. واليوم، إذا سمعتم عربياً يتحدث عن سينما عربية (مصرية او غيرها) في «كان» فافهموا ان المقصود هو عروض سوق الفيلم.

ارقام فلكية

انطلقت، إذاً، الدورة التاسعة والخمسين لمهرجان «كان». وإذا كان اصحاب المهرجان بدأوا منذ الآن يعدون للدورة المقبلة التي تحمل الرقم الستين (وهو رقم يُحتفل به عادة)، فإن هذا لم يمنعهم من ان يعلقوا أهمية كبرى على دورة هذا العام. والسبب واضح. إنها تشهد عودة ما للأميركيين وكذلك لاستديوات سينمائية «عولمية» كبرى مثل «استديو كنال» الذي ابتعد عن المهرجان في شكل غير واضح – ربما غضباً لعدم فوز له في دورة سابقة كان يعوّل عليه كثيراً – منذ فترة وها هو يعود الآن ليقود «البزنس» السينمائي في شكل لافت. الأميركيون الذين «عادوا» قد لا يكونون اهل الاستديوات الأميركية الكبرى، لكنهم، من صوفيا كوبولا الى غرينغراس وريتشارد كيلي وغيرهم يمثلون نوعاً من الجيل الجديد في السينما الأميركية. هؤلاء لهم داخل الصالات والشاشات. في المقابل تكفي نظرة على الإعلانات الكبرى في الشوارع الرئيسة في «كان» لإدراك ان النوع الآخر من الأميركيين قد عاد ايضاً... وبقوة.

ولأن الحديث عن الأميركيين يجر بدوره الحديث عن الأرقام، تروي الحكايات في «كان» منذ اليوم ان كل غرف الفنادق والشقق حجزت، حتى وإن كانت الأسعار تصل احياناً الى 25 ألف يورو للمبيت في فندق فخم، ولا تقل عن ألف يورو لاستئجار شقة عادية. وعلى ذكر «استديو كنال» لا بد من ان نشير الى ان موازنة حضور ضيوفها الـ 300 في «كان» تصل الى مليوني يورو. و «استديو كنال» استأجرت احد أضخم اليخوت الراسية الآن في عرض بحر «كان». ويبلغ عدد الضخم منها نحو أربعين حجزت كلها للشركات الكبرى، ويتراوح إيجار الواحد منها بين 2000 يورو و300 ألف يورو.

طبعاً، عباد الله الصالحين من امثالنا، نحن النقاد وهواة السينما، لا يمكننا ان نتصور علاقة لنا بأي شيء من هذا. نحن والثلاثة آلاف صحافي زملاؤنا في «كان»، سيكون علينا ان نشعر بالسعادة إن نحن حصلنا على مقعد مريح لعرض ننتظره بشغف في واحدة من الصالات التي تعرض افلام التظاهرات الرئيسة. فالتدافع هنا على أشده. والذين يعودون خائبين بعد امتلاء الصالة وإقفال الأبواب، هم اكثر عدداً بكثير من الذين سيجلسون سعداء داخل الصالة تُرنِّم آذانهم، بعد إطفاء الأنوار، أنغام كاميل سان سانس، التي صارت نغمة العروض المعتادة منذ سنوات.

مفاجآت

التدافع كبير اذاً، والتنافس للدخول حاد. لكن المكافأة في نهاية المطاف كبيرة وجيدة: واحد من تلك الأفلام التي كنا قرأنا عنها كثيراً وتابعنا تصويرها والصخب المثار من حولها – وغالباً ما يخيِّب هذا النوع من الأفلام آمالنا – أو واحد من افلام لم نكن سمعنا عنها من قبل، آتية من بلدان لم نكن نعتقد حتى بوجود سينما فيها. وهنا تكون المفاجآت اجمل.

فهل علينا ان نشير هنا الى خيبة الأمل النسبية التي كانت من نصيب كل اولئك الذين توقعوا ان يكون فيلم الافتتاح تحفة من التحف؟ حسناً، «دافنشي كود» فيلم جيد، وسينجح تجارياً، لكنه ليس ذلك الفيلم الذي سيوصل صاحبه الى ذروة اخرى. فرون هوارد الذي كان حقق الأوسكار قبل سنوات عن إخراجه «عقل جميل»، لن يحقق مجداً فنياً كبيراً هذه المرة. حسبه ان يحصد ارباحاً من فيلم اخذ عن رواية حصدت ارباحاً، لكنها بالتأكيد لن تمنح صاحبها دان براون، جائزة نوبل للآداب.

في المقابل من المؤكد ان صوفيا كوبولا، لن تخيب امل جمهورها، بل ستفاجئه. ومثلها سيفعل بيدرو المودوفار في تحفته الجديدة. ذلك ان افلاماً مثل «ماري انطوانيت» لكوبولا، و «العودة» لألمودوفار، افلام مضمونة سلفاً، فنياً وتجارياً. فالقاسم المشترك بينهما هو كونهما فيلمي نساء، لهما حساسية انثوية، وكل منهما يدافع عن المرأة في مواجهة فضاء ذكوري لا يرحم. وإذا كان المودوفار اعتاد هذا النوع من المواقف، قبل ان يتعرض في فيلميه السابقين («تكلم معها» و «التربية السيئة») الى الرجال يتحرى أحوالهم وعواطفهم، فإن صوفيا كوبولا تعتبر سابرة أغوار المرأة في انتقالها من المراهقة الى ذروة الأنوثة، انتقالاً غير مريح، بامتياز، وهي في جديدها «ماري انطوانيت» لا تبتعد كثيراً من عالمها هذا، حتى وإن كان الإطار العام لفيلمها تاريخياً.

طفلة اسمها صوفيا

طبعاً لن نتحدث هنا بالتفصيل عن افلام هذه الدورة التي اقل ما يقال عنها انها انطلقت قوية. فنحن لا نزال في البداية، والمفاجآت كثيرة. لكن في امكاننا ان نقول انها دورة تبدو منذ الآن انعطافية، عمادها فنانون سيكونون بالتأكيد ابرز سينمائيي الزمن المقبل. ولئن كان اهل المهرجان اشاروا الى هذا، وإلى خصوصيته في هذه الدورة، فإن الأمر بدا عند ذلك نظرياً يحاول ان يعطي الدورة إطاراً. اما هنا، في المواجهة المباشرة مع الأفلام الموزعة، فإن الأمور تبدو أكثر وضوحاً.

صحيح ان ثمة بعضاً من مخضرمي «كان» في المسابقة وفي التحكيم وفي الجمهور حتى... ولكن صحيح ايضاً ان ثمة وجوهاً جديدة كثيرة على شتى المستويـات. وليس هذا فـقـط حين يـتـفـرس المرء في وجوه لجنة التحكيم، ليجد اصحابها جدداً، بالكاد كانوا يقومون بـدور المتفرج لا أكثـر قبل عـقديـن فـقط، بل ايضاً حين يسير في الشارع، او يدخل الصالات ليلاحظ ان الحضور والجمهور ينتمون جميعاً الى فئة من العمر، كان معتـقـداً منذ زمـن ان التـلفـزة حققت انتصارها على السينما نهائياً حين كسبتها.

ولعل الصورة التي يمكنها ان توضح كل هذا اكثر هي صورة صوفيا كوبولا، تتمشى على الكورنيش بحياء وتواضع، حاملة أعوامها الثلاثين وسمعتها الجديدة كواحدة من أبرز أبناء الجيل السينمائي الأميركي الجديد – حتى وإن صورت فيلمها في فرنسا-. ولكن لماذا صوفيا كوبولا بالذات؟ بكل بساطة لأن الذين، منا، يتذكرون دورة العام 1978 من مهرجان «كان» نفسه، يتذكرون بالتأكيد انهم في كل مرة كانوا يلتقون فيها فرانسيس فورد كوبولا، كانوا يرون الى جانبه طفلة شقية دينامية في سنوات عمرها الأولى تشد ثيابه وتنظر بتحد الى محدثيه، وتريده ان يتركهم ليأخذها الى البحر. تلك الطفلة كان اسمها صوفيا كوبولا...

الحياة اللبنانية في

19.05.2006

 
 

كـل حـــرف تـــربـحـــــه يـخــسّـــرك مـشــــهــداً من فـــــيـلـم

من هوفيك حبشيان:  

اذا امضيتَ ليلتين بلا نوم من دون ان يدق النعاس بابك، اذا كادت تدوسك سيارة ورغم ذلك لم تشتم السائق وتنعته بكل الاوصاف الممكنة، اذا فكرت في رشوة ملحق اعلامي لكي يدبر لك مقابلة صحافية مع اودري توتو، اذا لم يكن لك منذ اليوم الاول القدرة على التصفيق بعد جنريك الفيلم، اذا ادركت مرة جديدة ان لبنان ليس مركز الكرة الارضية، اذا كتبت مقالة كاملة على يدك وانت تشاهد فيلماً، اذا نسيت ان النهار من 24 ساعة، اي انك لا تستطيع، مبدئياً، ان تشاهد أكثر من 5 او ستة افلام، اذا تمنيت لو كان لديك أكثر من عينين واذنين ويدين ورجلين، اذا شعرت بأن كل حرف تكتبه، وتالياً تربحه، يخسّرك مشهدا من فيلم، اذا سئمت الشاشة منك لكن انت لم تسأم منها البتة، اذا من اجل ان تنام قليلاً اخترت الذهاب الى الصالة لانها اقرب اليك من فندقك، اذا وقعت ذبابة في القهوة التي يحتسيها مخرج تحاوره ولم تقل له شيئاً خوفاً من ان يربكه ذلك، واخيراً، اذا تساءلت هل انت موجود حقا ام انك محض اختراع يقفز من موعد الى آخر ومن فيلم الى آخر الى حد انك بتّ تنتمي الى عالم الافلام وصرت افتراضياً وأضفت الى "عزلتك عزلة التماهي في مجموعة"... اذا شعرت يوماً بهذا كله في آن واحد، لا تخف. فهذه حقيقتك، وهذا شريطٌ انت بطله، وكاتب نصه المحشو بالمغامرات: فأنت في "مهرجان كان".

• • •

لم نتوقع عنواناً تقليدياً وانجذاباً الى فيلم الافتتاح، "شيفرة دافينشي"، من صحيفة "ليبيراسيون". لكن ان تلقي الضوء، مثلما فعلت، على "قصص أرض الجنوب" لريتشارد كيلي (صاحب "داني داركو" القاتم ـــ 2001)، كموضوع تمهيدي لافتتاح المهرجان في الصفحة الاولى، فالراجح ان في رسالة الهجاء الاميركية هذه، السياسية مضموناً والبارودية النزعة، ما يستحق ويبرر تالياً حضوره الى المهرجان، وايضاً ادراجه ضمن المسابقة الرسمية. يعتبر كاتب النص ان اختيار مثل هذا الفيلم رهان مجنون على عمل هجين يتعذر تصنيفه ومنحه هوية. في تقويم متسارع واعتباطي، لا يستبعد الكاتب احتمال ان يكون كيلي النجم الساطع في هذه الدورة. هل الفيلم قطعة اضافية على رف سينما باتت شغلتها وعملتها انتقاد المجتمع والناس بنظرة متعالية، كما لو أن صاحب النظرة ليس واحداً "منهم"؟ الانكى، استخدام التطرف في ادانة متطرفين! لكن كيلي يلسع ويترك أثر لسعته واضحة. لوس انجلس وسكانها، يؤطرهم كما لو خرجوا لتوهم من "سيتكوم". لا نجوم صف أول، لا موازنة ولا اشارة تحاكي غرائز الموزعين واستديوات المايجورز. يتكىء كيلي على اسماء تتعاطى الافلام الرديئة او المسلسلات الملحمية، مثل شون وليم سكوت وسارا ميشال غيلير، او احد رموز ماض سينمائي لا يشرف، كريستوف لامبير، ويأتينا بمزيج من ديفيد لينتش وفيليب ديك، وتأثيرات اخرى كثيرة، فيختلط حابل السياسة بنابل الموسيقى والمؤثرات البصرية.

بالنسبة الى بعضهم، مجرد التفكير في زواج محتمل بين المسيح والمجدلية خطيئة مميتة. في بيروت، حجة منع فيلم رون هاورد جاهزة في بالي وبال كثيرين، وسأعطيها للرقابة كي لا تشغل بالها: "هذا الفيلم يشعل فتنة في البلاد ويخشى منه على السلم الاهلي...". لكن لا خوف على سلامة قصر المهرجان المتموضع على نحو 3500 كلم من الاستعمار الرقابي لعقل الانسان. في جميع الاحوال، فإن الفيلم لن يصل في الفضيحة المنتظرة والمخطط لها، الى مستوى الجدال الذي اسس له الكتاب. اكتب هذه "الافكار الجاهزة" قبل دقائق من بداية الفيلم، لاني اعرف رون هاورد بما فيه الكفاية كي لا اتوقع منه فيلماً حاسماً على موضوعات شائكة، هو الذي تنقصه الجرأة، والذي لم يكن يوماً بعيداً عن "الستاندرات" الهوليوودية المملة. وارجو ان يفاجئني ويأتي بسابقة مرحب بها في المشهد الهوليوودي، قائمة على التصدي للدين من غير زاوية النيات الحسنة، ويثبت ان الوعود بالتصادم والتجريح والزندقة ليست مجرد شعارات يستغلها متخصصو الماركيتينغ لبيع بضاعة مر تاريخ صلاحيتها، وخصوصاً هنا في كان، الارض التي استقبلت بونويل و"فيريديانا" و"موشيت" و"تحت شمس ابليس". لذا، قد يولّد الفيلم جدالاً هزيلا جداً في هذا المهرجان، نظراً الى تاريخه العريق مع المشاغبين واعداء الكنيسة. الراجح ان في حساب هوليوود التي كانت تخشى على الدوام تقديم افلامها في كان، اعتبارات اخرى، منها ان الكتاب بيع منه نحو 40 مليون نسخة في العالم، أي 40 مليون مشاهد حاضرين وجاهزين ليقارنوا ما تخيلوا بما تخيله شخص آخر.

البيان الإماراتية في

19.05.2006

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)