شعار الموقع (Our Logo)

كتبوا في السينما

 

مختارات

جديد الأفلام الروائية القصيرة، والتسجيلية في السينما العربية

السينما المصرية الشابة ووعد التغيير

بعض الحقائق عن السينما العربية تكشفها الدورة الرابعة لمهرجان الفيلم العربيّ في روتردام 

إحتفاءٌ بالعلاقة بين مدير التصوير طارق التلمساني والمخرج خيري بشارة

مباشرة العمل في مشروع " صمت وذاكرة "

"حروب صغيرة"

على هامش الدورة العشرين لأيام قرطاج السينمائية

بقلم: صلاح سرميني

باريس (فرنسا)

 

خاص بـ "سينماتك"

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بعيداً عن الأفلام التي عُرضت في الدورة العشرين لأيام قرطاج السينمائية خلال الفترة من 1 إلى 9 أكتوبر, والتي قدمها, وتحدث عنها زملاء آخرين يمتلكون سرعةً في الكتابة, لا أمتلكها, وتدفقاً تحريرياً ليس لي القدرة عليه.

ولأنني لا أعمل في هذه الصحيفة, أو تلك, ولا يلاحقني محررو صفحاتها الثقافية, فإنني أتابع أيّ تظاهرة سينمائية على راحتي, وأشاهدُ, وأتأملُ, وأنتظرُ الوقت المناسب للكتابة.

ومن جهة أخرى, أنظر بعين مراقبة لما نُشر في نفس الصفحة, كي لا أكرر المعلومات التي كتبها غيري, ولا أضع نفسي في منافسة إحترافية مع أحدّ, ولا أخشى منافسة أحداً لي.

ولهذا, فقد تخيّرت الكتابة عن زيارتي الأخيرة لتونس بمناسبة مهرجانها السينمائيّ, والحديث عن مشاهداتي, وإنطباعاتي الشخصية عن السينما, والضيوف, والمُعارضة العراقية السابقة, وأشياء أخرى,.. .

ولا أعرف لماذا تذكرتُ اليوم اللحظات التي إستوقفني فيها الناقد السينمائيّ اللبنانيّ”محمد رضا” على درجات سلالم القصر الكبير لمهرجان كان السينمائيّ, وسألني بلطف شديد : هل تنوي الكتابة عن المهرجان لمجلة الرافد الإماراتية؟

لم أفهم جدوى السؤال, وأجبتُ بسرعة: لا أعرف, رُبما, لستُ متأكداً, لماذا؟

وبادرني بدوره : لديّ مادةٌ جاهزة, ولكن, إذا كنت تنويّ الكتابة, فسوف أرسلُ مادتي إلى مجلة أخرى, أعرف بأنك تتعامل مع “الرافد” منذ زمن طويل, وأنت أكثر إحتياجاً مني للمكافأة المُخصّصة للنشر, ولهذا فقد سألتك..

كررتُ نفس إجابتي الأولى, وأضفت : على أيّ حال, أعتقد بأن المجلة سوف تنشر ما يصلها  مني, ومنك, وهيئة التحرير تعرفنا نحن الإثنين, وتحترم كتاباتنا, ولن تفضّل واحداً عن الآخر,...

وبالفعل, فقد نشرت المجلة تقريريّن لناقديّن سينمائيين توطّدت منذ ذلك اليوم علاقتهما الإنسانية, وإحترام الواحد منهما للآخر.

على عكس مافعله يوماً” جواد بشارة”, أحد أقطاب المُعارضة العراقية السابقة, والمُفترض بأن يتحلّى بالأمانة, والنزاهة, والإنفتاح, والتسامح, وكلّ الصفات الحميدة المُناقضة لما كان يُعارضه سابقاً من رئيس, ونظام.

وهو الذي لم يقض يوماً واحداً في زنزانة عراقية, على الرغم من زعمه الدائم بأنه كان محكوماُ عليه بالإعدام, ولكنه قضى وقتاً طيّباً في أحد السجون الفرنسية بسبب كتب وإسطوانات, كان يعتقد بأنه من حقه إخراجها خفيةً من المحل  الشهير الذي عمل فيه بداية الثمانينيّات.

وفي باريس, مارس حياةً مناقضة تماماً لما كان يُعارضه من فساد, ولولا الذكاء, والتحايل, والكذب, والخداع, والمُراوغة,.. لقضى حياته كلّها في سجون فرنسا, أو على الأقلّ, بتعويض أكثر من مؤسّسة إجتماعية لأموال لايستحقها هو, ولا زوجته, ولا أولاده,...

أذكر, بأنه بعد عودتي من إحدى دورات مهرجان كان, حملتُ مجموعةً من الكتب العربية الصادرة عن “صندوق التنمية الثقافية” في مصر, وكانت زائدة عن حاجتي, وبدلاً من تركها في ردهات قصر المهرجان, كما فعل غيري, ليكون مصيرها علب القمامة, أو مصانع التدوير, فكرتُ بتقديمها هديةً  ل.... “جواد بشا رة” نفسه.

وعندما إلتقينا في إحدى مقاهي الشانزإليزيه, وبعد أن أصبحت الكتب في حوزته, ونسيّ, أو تناسى دعوتي على فنجان قهوة, أظهر لي إستياءه, وإستنكاره لأنني أكتب في مجلة المدى السورية بدون إستئذانه, أو إستشارته, لأنه المندوب الدائم, والرسميّ, والوحيد للمجلة”على حدّ قوله”.

كان ردّي حاسماً, وقاطعا:ً جواد, إنك لا تكتبُ في المجلة منذ سنوات, ومن جهة أخرى, مكانتي الإحترافية لاتسمح لي بالتعاون مع أيّ مطبوعة من خلال مراسليها, وثالثاً, طالما أنّ المجلة قد نشرت مقالاتي, يتحتم عليك في هذه الحالة توجيه ملاحظاتك لمدير التحرير مباشرةً,..

المُثير للغيظ, بأنني أول من شجّعه على الكتابة في مجلة “الحياة السينمائية” السورية, ولكنني بعد أن تمكنتُ من لغتي الفرنسية, إتضح لي بأنّ معظم مايكتبه هي دراسات, وحوارات مسروقة, وكان إكتشافي لهذا الأمر بمحض الصدفة, وأصبح فيما بعد متعمداً.

فقد نشرتُ يوماً في مجلة “المدى” دراسةً مُترجمةً عن “السينما التجريبية” كتبها الروائيّ, والباحث الفرنسيّ “دومينيك نوغيز”, وبعد سنوات, أهداني الشاعر العراقيّ “صلاح الحمداني” أعداداً قديمة منها, وحالما تصفحتها, عثرتُ على نفس الدراسة بقلم ...” د. جواد بشارة”...تواردٌ في الخواطر لدراسة كاملة من عشرات الصفحات.

واليوم, وأنا أسمع أخباراً مُتلاحقة عمّا يحدث في العراق, فإنني أستغربُ, وأتساءلُ, وأتعجبُ : كيف لمُعارض للنظام السابق, يمتلك سلوكاً عرفته, وعشته, وجربته في فرنسا, كيف له أن يكون شريفا,ً ونزيهاً, وصادقاً في عمله الحاليّ بوزارة الثقافة, وكيف يمكن للسينما العراقية أن تتطوّر, وتتقدم, وتتغيّر على يديه, والكثير من أمثاله؟

وعلى نفس المنوال, وخلال متابعتي للدورة العشرين لأيام قرطاج السينمائية, شدّتني مشاهد جديدة لم أنتبه لها في الدورات السابقة.

قبل الغزو الأمريكيّ البريطانيّ للعراق بهدف تحريره من النظام السابق, كان العراقيون الذين يعيشون في تونس على أنقاض معارضتهم, يتمتعون بإحترام الشعب التونسيّ, حتى أن البعض منهم حصلوا على فرص عمل مهمّة,... من منطلق التعاطف, وليس الخبرة, والشهادات العلمية التي حصلوا عليها في الغرب, أو التي إبتدعوها لأنفسهم.

كنت أسمعُ من أصدقاء تونسيين عبارات  التذمر الضمنية من سلوكيات بعض العراقيين, وأخلاقياتهم في بلد الضيافة, ومن خبرة تعليمية, وإحترافية متواضعة تكشفت لهم على مرّ السنوات,...

ولكن, في زيارتي الأخيرة, كان الإستهجان واضحاً, وعلنياَ, وأشد قسوةً, فبالإضافة للسببيّن السابقين, بدت صورة المُعارضة العراقية السابقة مهزوزة, ومشوشة عند الرأيّ العام التونسي, وبسبب الشرخ الكبير الذي أحدثه الإحتلال الأمريكي للعراق, وإهانة شعبه, والأمة العربية بأجمعها, تقلص التعاطف كثيراً مع العراقيين من المُعارضين السابقين, وتحول إلى عداء مُبطّن, وهم يسمعونهم يدافعون, ويبررون الإحتلال.

وفي الوقت الذي كان الشعب التونسيّ” والعربيّ إجمالاً” على طريق واحدة ضدّ النظام الديكتاتوريّ السابق في العراق, أصبح كلّ طرف في طريق مغايّر.

لم أكن أتصور حجم هذا النفور الضمنيّ, والمُعلن ضدّ القليل من العراقيين الذين يعيشون في تونس بهناء, أو أولئك الذين عاشوا فيها لفترة مؤقتة, ولا يفهم التونسيون تبريراتهم في إحتلال العراق, ولماذا لم يرجع هؤلاء إلى بلدهم بعد التحرير, وأكثر من ذلك, طفت سلوكيات بعضهم على السطح, فزاد النفور, وإتسعت المسافات.

في الدورات السابقة, عندما كنت ألتقي بالصحفيّ, والشاعر العراقي المُعارض” حكمت الحاج”, لم أكن أفهم أسباب عدوانيّتهّ, وفظاظته, وسلوكياته المريضة, وحروبه التنافسية مع هذا, أو ذاك, وحتى  تسريب الأقوال, والإشاعات الإحترافية, والشخصية عني, محاولةً منه إبعادي عن تونس, أو على الأقلّ عن صفحات “القدس العربيّ”, واليوم, إختفى “حكمت الحاج” عن صفحات “القدس العربيّ”, وعن “تونس” نفسها.

وبينما كنتُ أقدر, وأحترم السينمائيّ المُعارض”حكمت داود”, إنقلب عليّ فجأةُ حالما شاهدني مرةً ألتقي بمدير “معهد الفنون المسرحية”  في تونس لمناقشته بموضوع يتعلق بعراقيّ آخر يرغب إنجاز ورشة مسرحية بالتعاون مع المعهد,”هو أيضاً تسبّب بحرماني من دورة سابقة من أيام قرطاج السينمائية”.

وبدلاً من الإستفسار, والمُصارحة, إستخدم أسلوباً صبياناً ليس بأقلّ عدائيةً من زميله “حكمت الحاج”, وعرفت بأنه بُروج لفكرة كنت أتمنى بأن أكون قادراً على تنفيذها, تتلخص بأنني السبب المباشر في إنهاء عقده من “المعهد”.

لو كنت أعيش اليوم في تونس, وأحاضر في معاهدها التنشيطية, لكنتُ فهمت عدوانيته نحوي, ولكن, أن أكون السبب في إنهاء عقده, وأعود أدراجي إلى باريس, لأكمل حياتي فيها, فهو توّهم عبثيّ, ليس بأقل حجماً من أوهام الإضطهاد, والإعدام,..

وبينما كان الكثير من العراقيين يبيعون, ويشترون من معارضتهم للنظام السابق, ويعيشون النضال عن بعد, فإنهم يتمتعون اليوم بالتحرير, والعراق الجديد في ظلّ الإحتلال,..ولكنهم بالمقابل خسروا  بضاعتهم, ولا يمتلكون مايمكن مقايضته.

وفي الوقت الذي نفذوا بجلدهم من أخطار حروب كبيرة, وتركوا بلدهم في حربّ متواصلة مع الأمريكان, وحلفائهم, فقد خلقوا لأنفسهم “حروباً صغيرة” يتسلّون, ويقتاتون منها على أرصفة المقاهي.

20 أكتوبر 2004