شعار الموقع (Our Logo)

كتبوا في السينما

 

مختارات

جديد الأفلام الروائية القصيرة، والتسجيلية في السينما العربية

السينما المصرية الشابة ووعد التغيير

بعض الحقائق عن السينما العربية تكشفها الدورة الرابعة لمهرجان الفيلم العربيّ في روتردام 

إحتفاءٌ بالعلاقة بين مدير التصوير طارق التلمساني والمخرج خيري بشارة

مباشرة العمل في مشروع " صمت وذاكرة "

إحتفاءٌ بالعلاقة بين مدير التصوير طارق التلمساني والمخرج خيري بشارة

بقلم: صلاح سرميني

روتردام (هولندا)

12 يونيو 2004

 

خاص بـ "سينماتك"

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مهرجان الفيلم العربيّ في "روتردام" تظاهرةٌ سينمائيّةٌ تكبر دورةً بعد أخرى، وتكسب جمهوراً عربياً وهولندياً، وثقة الداعمين محليّاً ووطنيّاً. كما بدأت تجذب أكثر فأكثر إحترام السينمائيّين العرب، وإهتمام الإعلام العربيّ في الداخل والمهجر. تحتضنها مدينةٌ هولنديةٌ شقراء، تتكحّل بسمرة جاليّاتها الأجنبية التي إستقرّت فيها، وإقتنعت بتسامح وأخلاقيات سكانها الهولنديين. وتفخر "هولندة" - عموماً - ببعض أهمّ المهرجانات السينمائية العالمية،  "أمستردام" وحدها تستقبل كل عام : المعرض السينمائيّ الدوليّ، المهرجان الدوليّ لسينما الأطفال، المهرجان الدوليّ للسينما التسجيليّة، مهرجان آمنستي الدوليّ للفيلم، والمهرجان العالمي للفيديو.

ويبقى لباقي المدن الهولندية: المهرجان الدوليّ للفنون البصرية في "أوتخيشت"، المهرجان الهولنديّ لأفلام التحريك في "هوغت"، والأشهر على الإطلاق المهرجان الدوليّ للفيلم في "روتردام"، مدينةٌ تتموقع في تقاطع الطرق بين العواصم الأوروبية، إنها أقرب إلى "بروكسيل"، "باريس"، و"جنيف" من أبعد مدينةٍ في شمال هولندا.

ويحرص القائمون على تظاهرة "مهرجان الفيلم العربيّ" بأن تبقى حميميّةً ما أُمكن، كي تتفتح علاقات المودّة والصداقة مابين الضيوف، أو تتجدّد.

وليس في ذهن (خالد شوكت، إنتشال التميمي، محمد أبو الليل)، وكلّ المحيطين بهم من المتطوعين غير الرغبة بإنجاح التظاهرة، وتسهيل مهمة الضيوف، وإرضائهم، ولايبخلوا بإقتراح زياراتٍ مُرتجلة، قصيرة، ومُستحيّة لمعالم هذه المدينة أو تلك، حتى ولو كان الوقت متأخراً، وتجاوز منتصف الليل، والمدن الهولندية أرخت جفونها، وتركت أضواءها تُزيّن شوارعها، ومعالمها الرئيسيّة.

وخلال الأيام الخمسة للتظاهرة(من 2 إلى 6 يونيو2004)، تطوّرت الفعاليّات بهدوءٍ تواكب مع سكون المدينة نفسها، حتى ولو تعكّر المزاج من بعض الصعوبات التنظيميّة، أو التقنية، كأن يتأخر فيلمٌ عن الوصول، أو يحدث تغيّير طفيف في مواعيد العروض،00والتي كان يتساهل معها الضيوف، لتكون حجةً مناسبة للتراخي، وإمتداد الأحاديث النهارية، أو الليلية.

وجوهٌ بشوشةٌ وضاحكة، وإستفساراتٌ دائمة للضيوف عن إحتياجاتهم، حتى ولو وصل الفضول بهم إلى حدّ السؤال عن فترينات الشوارع الحمراء في "لاهايّ" و"أمستردام"، أو مقاهي المُدخنين الحالمين التي تشتهر بها "هولندا" عن باقي الدول الأوروبية.

ومابين الإبتسامات والفرحة، لايتوانَ العراقيّ "إنتشال التميمي" -المدير الفنيّ للمهرجان- عن التغزّل برفيقة عمره السورية الرقيقة "فاديا درّاج"، وإظهار حبّه لها، ولايتوانَ المنظمّون جميعهم عن إظهار رغبتهم بإنجاح التظاهرة.

وبمقارنة "مهرجان الفيلم العربيّ" في "روتردام" مع المهرجانات السينمائية العربية الأخرى، فإنّه لايشبه أيّ واحدٍ منها، حتى وإن تقاسمت جميعها نفس الأفلام، وهو تكرارٌ تعود أسبابه إلى الأزمة الخانقة التي تعيشها السينما العربية نفسها، كماً ونوعاً، والتي حولتها مع مرّ السنوات إلى "سينما عربية مهاجرة" يُنجزها سينمائيّون عرب يعيشون في بلاد المهجر، أو مخرجون من أصولٍ عربية، وفي الحالتيّن بأموالٍ أوروبية.

ولكن، ليس في ذهن القائمين على "مهرجان روتردام" أوهاماً بأن يشبه مهرجانهم أيّ واحدٍ آخر، أو يتقارب معه، كحال الرغبة الدائمة من المدراء المُتلاحقين لـ"مهرجان القاهرة السينمائيّ" بمقارنته العنيدة مع المهرجانات العالمية الكُبرى، مثل كان، برلين، وفينيسيّا، وكحال "مهرجان دبيّ السينمائيّ" القادم، والذي يسعى منظموه -منذ السنة الماضية- بأن يكون نسخةً عن تلك المهرجانات، بدون أيّ إعتبارٍ لسنوات التطور الطويلة التي عاشتها، وضرورة البحث عن خصوصيات متفردّة لمهرجاناتنا العربية.

أو محاولاتٍ مُستديمة لمهرجاناتٍ عربية أخرى للحصول على إعترافٍ من مؤسّسة فرنسية أهلية للمنتجين، وكأنه جواز مرور لاغنى عنه نحو الصفة الدولية، يمنح المهرجان أهميةً إستثنائيةً، ويُميزه عن باقي المهرجانات في العالم، وهي الأكثر أهميةً على المستوى النوعيّ مهما صغر حجمها، هاجسٌ يرتكز على عدم فهم قوانين ومهام الجمعيات الفرنسية الأهلية.

"مهرجان الفيلم العربيّ" في "روتردام"، وحتى دورته الرابعة، يبحث عن خصوصيّته وتميّزه، كما الحاجة لإستقطاب جمهورٍ له، وجعلهم مخلصين للتظاهرة، وهي عمليةٌ شاقةٌ، وتراكميّة، تتطلب وقتاً وصبراً، ولكنّ المهرجان بإمتلاكه الدعم الماليّ الهولنديّ المُسبق لخمس سنواتٍ قادمة، أمامه كلّ الفرص ليكون واحداً من أكبر المهرجانات السينمائية المُخصّصة للسينما العربية.

وعلى الرغم من مشاهداتي المُسبقة لمعظم أفلام المهرجان (من خلال عملي في لجنتيّ إختيار الأفلام التسجيليّة والروائية، القصيرة والطويلة، للدورة السابعة لبينالي السينما العربية في باريس) إلاّ أنّ متابعة أيّ مهرجانٍ تبقى فرصةً إضافية لمشاهدةٍ ثانية لهذا الفيلم أو ذاك، أو للتعرّف على أفلامٍ لم يتسنى لي مشاهدتها قبل ذلك، ولكن هدف "مهرجان الفيلم العربيّ" في "روتردام" - وأيّ مهرجانٍ- هو تقديم أفلامٍ جديدة وقديمة للجمهور المحليّ، العربي والأجنبيّ، حتى ولو كان العدد قليلاً، ويتضاعف سنةً بعد أخرى، كما لاحظ القائمون على التظاهرة، وبعض الضيوف الذين تابعوا المهرجان في دوراتٍ سابقة.

والمهرجان، أيّ مهرجان، هو فرصة لقاءاتٍ إضافية بين المحترفين أنفسهم من السينمائيّين، والنقاد، والصحفيّين لتبادل المعلومات، والخبرات، والإمكانيات المُحتملة لتعاونٍ مُشترك، بالإضافة للدور الذي يحققه بمساهمته العملية والإعلامية لخروج السينما العربية من حدودها الجغرافية، وإثارة الإهتمام بها، وأكثر من ذلك، ربط المهاجرين -بأجيالهم المختلفة- مع ثقافة بلدانهم الأصلية من خلال السينما الأكثر شعبيةً.

وإلى جانب المسابقة الرسمية للأفلام الروائية والتسجيلية، القصيرة والطويلة (لنا عودةٌ تفصيليةٌ لها)، إحتفت الدورة الرابعة لـ"مهرجان الفيلم العربيّ" بالعلاقة التي تربط بين المخرج السينمائيّ المصريّ "خيري بشارة"، ومدير التصوير المصريّ "طارق التلمساني"، وإقترحت أفلاماً لم تكن أبداً أفضل ما أنجزه "بشارة" كمخرج، ولا "التلمساني" كمدير تصوير: (أمريكا شيكا بيكا، إشارة مرور)، ولم يعرض المهرجان تحفتهما السينمائية (الطوق والإسوارة).

كانت مشاهدة الفيلميّن لأول مرةٍ صدمةً حقيقيةً بالنسبة لي، لم أتوقعها أبداً من مخرج (الطوق والإسوارة/1984، ويوم حلو، ويوم مرّ/1988).

في (أمريكا شيكا بيكا/1993، وإشارة مرور/1996)، يتناول >خيري بشارة< موضوعيّن على كثيرٍ من الجدية بمعالجةٍ درامية وسينمائية تستخف كثيراً من عقلية المتفرج العادي الذي يبحث عن المُتعة والتسلية، والآخر الناضج الذي يبحث عن المعرفة الفكرية والرؤية البصرية، وفي إعتقادي، بأنه لم يُرضي لا هذا، ولا ذاك.

في الأول: "أمريكا شيكا بيكا/1993" (قصة "مدحت العدل" والمخرج، وسيناريو "مدحت العدل")، إلتقطا بعض حكايات وخيبات الحالمين بالسفر إلى أمريكا، وقدما نماذج متناقضة لشخصياتٍ ومواقف لاتوجد إلاّ في مخيّلتهما، ليُوصلا مقولاتٍ ومواعظ أخلاقية تتنافى تماماً مع حقائق الهجرة، ليعود الجميع إلى مصر "أم الدنيا" مخذولين، يحملون قناعتهم بإقصاءٍ كاملٍ لأيّ رغبة بالهجرة، أو حتى الحلم بها.

خليطٌ عجيب، وترميزٌ ساذج : ميكانيكيٌّ شهم، طبيبٌ خائب، جامعيةٌ هربت من زواج مُرّتب، راقصةٌ سابقة، وطفلتها المُصابة بفشلٍ كلويّ، إثنان عملا في كلّ شيئ، وفشلا في كلّ شيئ، وترزيّ عجوز.

يلتقي هؤلاء في "رومانيا" (جاء هذا الإختيار لرخص التصوير هناك) ليكتشفوا يوماً بعد أخر، بأنهم ضحية نصاب، وبعد عشراتٍ من المواقف التي يتعرضون لها في محاولاتهم المُستميتة للحصول على تأشيرةٍ الدخول إلى أمريكا، يدركون بأنهم كانوا يسعون خلف سرابٍ، ووهمٍ كبير.

ولكن، بعيداً عن تلك الإختيارات لشخصياتٍ خائبة أصلاً، ماذا عن آلاف المصريين والعرب الذين حلموا، وسافروا، وإستقروا في بلاد الله الواسعة ؟

يبدو بأن المؤلف والمخرج قد إلتقطا تفاصيل حكايتهما من الخائبين، والذين لايمتلكون أصلاً الإستعداد والإمكانيات لتحقيق حلمهم بالهجرة إلى أمريكا، أو بالأحرى إختلقا شخصياتٍ لايريدا بأن يحققوا حلمهم بالهجرة، كي يصلا بشخصياتهما عمداً إلى طريقٍ مسدود: الموت في بلد الهجرة، أو العودة إلى الوطن الأم، ودغدغة الأحاسيس، والمشاعر الوطنية.

وفي الثاني: "إشارة مرور/1996" (قصة "مدحت العدل" أيضاً) يستغلّ المؤلف والمخرج حالة توقف إشارة المرور في وسط القاهرة، وإختناق الشوارع بالسيارات المُنتظرة إنتهاء مرور الموكب الرئاسيّ، ويُلخصا بتبسيطٍ فظيع أزمات المجتمع المصريّ من خلال بعض الشخصيات التائهة، والمعزولة، ومواقف هزلية تستدعي الحسرة على >جرأة< مخرجٍ كبير بإنجاز فيلمٍ مستعجلٍ، لايقلّ تواضعاً عما يُسمى خطأً بـ"سينما شبابية"، ربما تتوفر فيها عناصر التسلية والإضحاك، بدون إدّعاءات كبيرة.

يرتكز الفيلم على حالةٍ ليست مُتخيّلة، ولا فانتازية، ولا غريبة عن القاهريين، وقد سمعت بدوري عن حالة توقف المرور تماماً، ولمدة ساعاتٍ طويلة فوق كوبري 6 أكتوبر، ولكن، شتان بين ماحدث، والمعالجة الدرامية التبسيطيّة، والتسطيحيّة في فيلم "إشارة مرور".

قصة حبٍّ بين النقاش "ريعو" والممرضة "سوسو" التي تهوى الغناء، "نعمات" الخمسينيّة التي تعاني من الإرهاق، وهي في طريقها إلى المستشفى لتضع مولودها، وزوجها "زكريا" المدرّس المُحبط  الذي يقرر الإنتحار تعبيراً عن إحتجاجه، وفي هذا الخضم من الأحداث، تضع "نعمات" مولودها، ويتعرّض رجل الأعمال لخسارة كبيرة، ويحاول إرهابيٌّ إلقاء قنبلة على الموكب الرسميّ، وتصيب عجوزاً وحفيدتها، ويقع الإرهابيّ في بالوعة مجاري، ويعود المرور إلى حالته الطبيعية، ولن ننسى مكالمات وزير الداخلية لإبن البلد "ريعو"، وتهنئته بعد أن أنقذ المدرس من الموت، ومكافأته على شجاعته، .. هل هناك سذاجة أكثر من هذا الخليط المرعب للشخصيات، والمواقف، والإستخفاف بعقلية المتفرج، أياً كان مستوى ذكائه ؟

بينما كان "الطوق والإسوارة/1984" (الذي لم يُعرض في هذه المناسبة) تحفةً سينمائيةً حقيقيةً (عن قصة "يحيى الطاهر عبد الله"، وسيناريو "يحيى عزمي" و"خيري بشارة").

وهل لنا أن ننسى تلك الترنيمة الحزينة التي رافقت بعض مشاهد الفيلم: "وآه يالالالّي، علّي تغرّب بعيد، ولا قالي،00خاد شالو الكشمير، وطاقيتو الحرير، راح يغيب كتير، مين ياناس يقوللي؟...".