جديد الموقع

 
 
 
 
 
 
 
 

لاحق

<<

31

<<<

15

14

13

12

11

>>

سابق

 
 
 
 
 
 
 

عطيات الأبنودي وأيام الديمقراطية

بقلم: نفيسة دسوقي

 
 
 
 
 
 
 
 

تعرفت على الفنانة المصرية الجميلة عطيات الأبنودي خلال عرض فيلمها الوثائقي "راوية" بمركز ثقافة الطفل بالجيزة عام 1995، حين انتهى عرض الفيلم علقت على الفيلم وكيف تأثرت بشخصية رواية تلك الفتاه القروية الأمية، من إحدى قرى الفيوم، التى قام أبيها بحرقها، وبمساعدة السيدة إيفلين بوريه، التى تعيش بقرية تونس بالفيوم، وتقوم بتعليم صناعة الفخار لأهالى قرى الفيوم، تحولت راوية من ضحية للعنف إلى بطلة ملهمة، تصنع الفخار وتتفنن في الرسم عليه، كما تتفنن في نحت اسمها على كل قطعة فخار تصنعها بيديها، أعجبت بشخصية راوية كما أعجبت بقدرة  الفنانة عطيات الأبنودي على مساعدة "راوية" في أن تتمكن من أن تروي قصتها، بصفتها بطلة وليست بصفتها ضحية.

 مع نهاية الأمسية وحين علمت عطيات الأبنودي أننى أعمل كباحثة اجتماعية، عرضت عليا العمل معها كمساعدة في فيلم "أيام الديمقراطية"، حيث كانت في حاجة إلى من يجمع لها المادة الأرشيفية الخاصة بتاريخ الحركة النسائية في مصر، منذ بدايات القرن الماضي، فكانت بداية الرحلة.

نساء بطلات ولسن ضحايا:

رحلتى مع عالم عطيات الأبنودي كانت رحلة مختلفة، فالنساء عند عطيات الأبنودي بطلات ولسن ضحايا، حيث تناولت عطيات الأبنودي قضايا النساء في أكثر من فيلم لها، وقدمت النساء كبطلات ملهمات، مثال فيلم الأحلام الممكنة عام 1982، وفيلم أحلام البنات وفيلم راوية عام 1990، ونساء مسئولات عام 1994، وأيام الديمقراطية عام 1996.

لا أدري هل أنا التى كنت أساعد عطيات الأبنودي في عملها الوثائقي، أم هى التى كانت تساعدني في إكتشاف عالمي، عملت مع عطيات الأبنودي ستة أشهر، كانت بالنسبة لي النبراس الذى يضىء لي الطريق، تعرفت من خلال العمل معها على رائدات الحركة النسائية في مصر، كان بيتها بمثابة متحف صغير لكل ما هو مصري أصيل، صوانى النحاس والكليم اليدوي والزي الذى ترتديه وقصة حياتها بكل ما فيها من عقبات وصعوبات والتى طالما روتها دون أى مرارة أو شعور بأى أسى فقط كان الدرس الأعظم من يجتهد بالطبع سيصل.

هز الهلال يا سيد:

تفتتح عطيات الأبنودي فيلم "أيام الديمقراطية" بأنشودة "هز الهلال يا سيد كراماتك لاجل نعيد .. يكفى اللى حصل كام يوم ووصل بقى زرع بصل .. ياما شفنا من الستات طلعوا وعملوا مظاهرات .. هز الهلال يا سيد كراماتك لاجل نعيد" تلك الأنشودة التى كتبها بديع خيرى ولحنها وتغنى بها سيد درويش في أعقاب ثورة 1919.

يعقب تلك الأنشودة تعقيب بصوت عطيات الأبنودي يستعرض أهم لمحات تاريخ المشاركة السياسية للنساء في مصر، تم جمعه من أرشيف جريدة الأهرام، ذلك الأرشيف الذى كان بمثابة كنز كبير فتحته عطيات الأبنودي أمام عينيا تعرفت من خلاله على ملك حفني ناصف وكيف أسست الرابطة الفكرية للنساء المصريات عام 1914، وخروج النساء المصريات للمجال العام لأول مرة للمشاركة فى ثورة 1919، واستشهاد شفيقة بنت محمد، شهيدة ثورة 19، وتلحين سيد درويش لأنشودة "هز الهلال يا سيد" فى أعقاب الثورة، والتى اعتمدت عليها عطيات الأبنودي على امتداد الفيلم، كموسيقى تصويرية تذهب وتعود إليها، وتشيكل الاتحاد النسائي المصرى برئاسة هدى شعراوي عام 1923، وتأسيس سيزا نبرواي ونبوية موسى الاتحاد النسائى العربي عام 1942، ومطالبة إنجى أفلاطون وزميلاتها بإنشاء اتحاد النساء الوطنى عام 1942، وتأسيس فاطمة نعمت راشد أول حزب نسائى سياسي يطالب بالحقوق السياسية للنساء عام 1944، وتأسيس الدكتورة درية شفيق لإتحاد بنت النيل عام 1949، واعتصامها وعدد من القيادات النسائية المصرية عام 1954، بنقابة الصحفيين فى الاسكندرية والقاهرة للمطالبة بحق النساء في الانتخاب والترشح للمجالس النيابية، وصدور دستور 1956 الذى يمنح النساء الحق في الإنتخاب والحق في الترشح للمجالس النيابية، وأول نائبتين مصريتين في برلمان 1957، راوية عطية من القاهرة، وأمينة شكرى من الأسكندرية.

وصف مصر بعيون المصريين:

فيلم أيام الديمقراطية، عبارة عن وثيقة بالصوت والصورة، لمشاركة النساء المصريات في انتخابات مجلس الشعب عام 1995، غير أن عطيات الأبنودي لا تكتفي بالفيلم كوثيقة لتلك التجربة، فتتبعه بكتاب يحمل ذات العنوان "أيام الديمقراطية" ترصد فيه ما لم تتمكن من عرضه في فيلمها الوثائقي، وفي تقديم الكتاب تقول عطيات الأبنودي: "منذ وعيي المبكر وأنا أحلم بأن أنتج كتابا تحت اسم وصف مصر بعيون المصريين مستخدمة فيه أحدث أدوات عصرنا في الكتابة التاريخية وهى الصورة والحركة، وعندما استكملت أدواتى بتعلم مكونات اللغة الحديثة، الصورة والصوت واللون، أخترت أن أصنع أفلاما أكتب فيها عن الناس البسطاء وعن حياتهم اليومية".

تجوب عطيات الأبنودي وفريق عمل الفيلم في أرجاء مصر تتبع بطلات فيلمها "أيام الديمقراطية"، حيث خرجت 89 سيدة مصرية للمشاركة في العملية الإنتخابية، 70 سيدة خضن العملية الإنتخابية كمستقلات و19 فقط كمرشحات لأحزاب سياسية.

حين سأل أحد الصحفيين عطيات الأبنودي: هل هناك فرق بين أن تصنع فيلم عن الرجال وفيلما عن النساء في المعركة الإنتخابية؟ أجابت عليه: إن الفرق الوحيد من وجهة نظرها أنها لن تسأل الرجال هل تستطيعون التوفيق بين المعركة الانتخابية وبين مسئوليات البيت والأولاد؟

الحركة النسائية شىء والمعركة الانتخابية شئ تانى:

يتضمن فيلم أيام الديمقراطية عوالم مختلفة يشمل عالم أستاذة الجامعة، مثال دكتور ليلى عبد الوهاب، وعالم المناضلة السياسية والأديبة المشهورة فتحية العسال، وعالم سيدات المجتمع مثال منى القرشي، وعالم السيدة الفقيرة التى تعيش في شقة صغيرة لا تزيد مساحتها عن خمسين متر، والسيدة الريفية التى تسكن في قرية في أقصى صعيد مصر، وبينهن الكثير والكثير من المرشحات اللاتى ينتمين لعوالم مختلفة عن بعضها البعض.

عوالم نساء أيام الديمقراطية عوالم شديدة التنوع والثراء في آن واحد، فمن الحى العشوائى الذى حرصت المرشحة فتحية العسال أن تجلس على الأرض مع نساء الحى، تحدثهن عن الحق في السكن والحق في فرص العيش الكريمة، إلى المقهى الذى وقفت فيه نجلاء الأيوبى مرشحة حزب العمل، تتحدث فيه عن أن "الإسلام هو الحل"، إلى السرادق الانتخابي الذى جلست فيه سيدة المجتمع ومرشحة حزب الوفد منى القرشي وبصوت آمر تصرخ في أحد المعلقين على حديثها "ماتقاطعنيش يا حاج والتضامن أهم شئ .. ونمرة اتنين الأخلاق" إلى أستاذة الجامعية الدكتورة ليلى عبد الوهاب، التى رأت أن الحركة النسائية شئ .. والمعركة الانتخابية شئ أخر.

من عالم ساكنى الفيلات الفخمة، إلى عالم ساكنى الشقة ذات الخمسين متر فقط، ومن عالم المدن الحضرية مثل الأسكندرية وأحيائها المختلفة، إلى عالم ريف الدلتا وقرى الصعيد. 

تناولت عطيات الأبنودي عبر رحلة فيلمها الوثائقي، البرنامج الانتخابي لمختلف المرشحات وطبيعة الصعوبات التى تواجه المرشحات من النساء، خاصة تلك الصعوبات التى تواجه المستقلات منهن، وكيف تعاملن معها. مثال مشكلة التكلفة المادية المرتفعة للغاية للعملية الانتخابية والتى لا تستطيع تحملها المستقلات على وجه الخصوص.

سمعنا أصواتا عدة لم نسمعها من قبل، مثل غناء أطفال البراجيل وهم يغنون لمرشحتهم عين الحياة صالح بفرحة من يزفون عروسة ليلة زفافها "يارب يا ربنا .. عين الحياة تنجح لنا .. إدى صوتك يا ولد .. عين الحياة بنت البلد .. بنت البراجيل الفلاحة .. تخدمنا وهى مرتاحة .. هى أمنا هى أختنا .. هى حياتنا كلها" عرفنا فيما بعد أنها هى التى كتبت تلك الكلمات التى تغنى بها الأطفال من حوالها.

تنوعت عوالم الفيلم من عالم خريجى الجامعات من أساتذة جامعات وطبيبات وإعلاميات ومحاميات إلى عاملات وموظفات أنصاف متعلمات وشبه أميات، من متحدثات اعتدن الحديث أمام الكاميرات إلى متحدثات يقفن أمام الكاميرا لأول مرة في حياتهن.

الشخصية التى تختتم عطيات الأبنودي بها فيلمها هى شخصية نفيسة حامد حسن، مرشحة دائرة أدفو حين أرادت أن تعرف نفسها قالت "أنا عضو في المجالس المحلية .. من أيام الديمقراطية" من هنا جاء اسم الفيلم "أيام الديمقراطية". وحين سألتها عطيات الأبنودي نفسك في إيه يا ست نفيسة أجابت بعفوية شديدة: "نفسى لو نجحت وربنا نجحنى، أول حاجة المؤهلات بتاعة العيال اللى نايمة .. من 16 سنة نايمة ده، نطالب بيها ونجحهم ونوظفهم كغلابة عايزين يأكلوا عيش، ونفسي نعمل صرف صحى كمان، لأن زيى ما أنت عارفة البيوت، ونفسى يجبولنا الدقيق الصبي، علشان ناكله، يعنى مش يرخص ولا يغلى، بس يجبولنا حاجة نضيفة كده، وعايزين ندافع عن حق المرأة ونعمل تعليم الكبار" ... تلك كانت أحلام نفيسة إحدى البطلات الملهمات بفيلم أيام الديمقراطية.

تختتم عطيات الأبنودي فيلمها بأنشودة سيد درويش "هز الهلال يا سيد كرماتك لجل نعيد .. يكفى اللى حصل كام يوم ووصل بقى زرع بصل .. هديت وأهو راق الحال ورجعنا للأشغال .. دا الموظف منا مش وش خناق ولا شومة .. لما يحمر عينه ولا يقوم له قومه .. حد الله ما بينا وبينك غير حب الوطن يا حكومة".

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004