جديد الموقع

 
 
 

لاحق

1<<

10

09

08

07

06

05

04

03

02

01

>>

سابق

 
 
 

«الشرق الأوسط» تنشر مذكرات «فاتن حمامة» (8)

 

بداية التعارف مع النجم الجديد ميشال شلهوب

كنت أشعر أني مقبلة على حدث جديد.. نوع آخر من الحب

القاهرة: السيد الحراني

 
 

 

مذكرات وسيرة فاتن حمامة

 
 
 
 

في حياة سيدة الشاشة العربية محطات لا تنساها مثل اللحظة التي فاجأها فيها البواب بورقة مالية قائلا إنها بقية النقود التي أعطته إياها «السيدة السمراء» التي قضت الليلة في منزل فاتن بينما كانت هي في بيروت. تأثرت حياتها مع عز الدين ذو الفقار بسبب تلك المرأة وكانت البداية لتفكيرها في طلب الطلاق، كانت أمنية الطلاق قد اختمرت في ذهني وكنت قد صممت بيني وبين نفسي أن أضع حدا لتلك العلاقة الزوجية التي أصبحت تنغص علي حياتي أكثر مما تسعدني، وكانت سامية كمال السبب المباشر ولكن الأسباب الأخرى كانت كثيرة. وكانت تلك الفترة أيضا مقدمات لمحطة قادمة في حياتها، بدأت باتصال من المخرج الشاب يوسف شاهين الذي أخبرها عن فيلم قادم يعد له وسيكون البطل فيه «مفاجأة».

تستكمل فاتن حمامة رحلة الذكريات.

مرت نحو عشرة أيام قبل أن يتصل بي يوسف شاهين ثانية وكنت في هذه الأثناء قد انتهيت من تمثيل دوري في الفيلم الذي كنت أعمل فيه مع يحيى شاهين واسمه «سلو قلبي». عدت إلى المنزل في ساعة متأخرة من الليل لأجد ورقة من عز الدين إلى جوار فراشي وعليها عبارة مختصرة «اتصلي بيوسف شاهين فقد كلمك مرتين ولم يجدك»، كان عز الدين قد عاد إلى الأستوديو مبكرا مرهقا متعبا فطلب من الخادم أن يعد له حماما ساخنا ثم نام في حجرة ثانية حتى لا يستيقظ عند عودتي ومن هنا ترك لي الورقة الصغيرة. وخلعت ملابسي وأخذت حمامي ودخلت سريري ومددت يدي فتناولت مجلة «الاثنين» وكانت واحدة من أشهر المجلات في ذلك الوقت بل لعلها كانت أشهر مجلة في حينها ثم حاولت أن أقرأ مقالا كتبه الكاتب الساخر وليم باسيلي لعل النعاس يدب في جفوني وقرأت السطور الأولى من المقال، وكان كما أذكر حتى الآن يسوق النصائح بطريق فكاهية إلى الزوجات ويصف لهن كيفية الاحتفاظ بالأزواج. وكان من بين الجمل الغريبة التي تضمنها المقال عبارة تقول «إذا أردت أن تحتفظي بزوجك أطول مدة ممكنة فكري في غيره فقد تنسين عيوبه»، كان المقصود بالعبارة التسلية والمداعبة، ولكنني وجدت مرارتها للأسف تمتزج بالواقع الذي أعيش فيه، ووجدتني دون أن أدري أحاول التفكير في رجل آخر، وشرد خيالي ثم اصطدم بالواقع، فلم تكن عيناي تلتقط الصور إلا بالمقدار الذي يسمح به العمل وكنت أنسى بعدها كل شيء حتى الأسماء ثم استسلمت للنوم. واستيقظت في السابعة صباحا على دقات ناعمة على بابي، والدقات كنت أعرفها جيدا فهي جزء من دقات قلبي، وهي أنامل ابنتي نادية تطرق الباب برفق قبل أن تدخل، وفتحت نادية الباب، ووقفت للحظات تنظر إلي من بعيد ثم أسرعت ترتمي في أحضاني وقبلتني، وهي تقول: صباح الخير يا ماما.

وقلت لها وأنا سعيدة سعادة الدنيا: صباح الخير يا ست البنات.

ونظرت إلى نادية ثم قالت: أنت مريضة يا ماما؟

فقلت لها بدهشة: أبدا يا ستي أنا، ليه بتقولي كده.

فعادت تقول: أصلك فضلتي منورة النور طول الليل.

وضممتها إلى وأنا أهمس: لا، أبدا بس كان مش جيني نوم.

وتركتني نادية فقد سمعت صوت سيارة المدرسة ونظرت إلى جواري فوجدت الأباجورة ما زالت مضاءة لقد نسيتها هي الأخرى طوال الليل، وخرجت إلى القاعة الخارجية، ثم تقدمت إلى حجرة عز الدين فلم أجده، وعدت إلى حجرتي وحملت معي التليفون وأدرت رقم يوسف شاهين، وقالت لي زوجته إنه ما زال نائما فقلت لها: صحيه أنا عاوزاه ضروري. وجاء يوسف شاهين بعد قليل، وقال لي وهو ما زال يغالب آثار النوم: أهلا تونة إنتي فين، أنا قلبت عليكي الدنيا.

وقلت له: كنت في أستوديو نحاس، وجيت بالليل ما لقيتش حد منكم.

وأضاف يوسف: أصلنا كنا معزومين عند جان خوري وزوجته، على فكرة أنا عندي ميعاد النهار ده.

وسألته: مع مين؟

فرد بسرعة: مع عمر.

وعدت أسأل: عمر مين؟

فقال ببساطة: عمر الشريف.

وسكت برهة، ثم قلت له: أهلا وسهلا، حتيجوا الساعة كام؟

فقال: مش أحسن نتقابل بره؟؟

فرددت بعناد: لا.. اللي عاوزني يجيني في بيتي.

وقال يوسف: أمرك وإحنا يحصلنا الشرف حنيجي الساعة ستة.

وقلت وأنا أضع السماعة: أهلا وسهلا.

وفي الساعة الخامسة والنصف رن جرس الباب وفتحت الخادمة الباب ثم عادت ومعها باقة ضخمة من الورد الأحمر الجميلة، والتي تنم عن الذوق ملفوفة في ورق شفاف أنيق، وتفحصت البطاقة المرفقة فوجدت عليها اسم «عمر الشريف»، ودق قلبي، حقيقة دق قلبي لا أعرف لماذا، ولكن هذا ما حدث، وفي السادسة مساء رن جرس الباب ثانية وفتحت الباب في هذه المرة ووجدتني أمام يوسف شاهين ووجها لوجه مع عمر الشريف، وتسمرت في مكاني لحظات وبقي هو في مكانه دقائق ثم تقدم مني وبكل أدب انحنى على يدي وطبع قبلة مهذبة وارتجفت كما يرتجف العصفور تحت قطرات المطر التي تسقط فوق ريشه دفعة واحدة، ودخل النجم الجديد الشقة، لقد دخل عمر الشريف بخطوات هادئة كأنه يخضع أرضا جديدة، وقال لي وهو يتوقف في البهو الخارجي وينظر طويلا إلى لوحة لي تتصدر الحائط الرئيسي: الصورة دي رائعة.

فقلت له: شكرا.

وابتسم ابتسامة فيها بعض الخجل، ثم أضاف: أقدر أعرف مين اللي رسمها؟

وأجبته بهدوء: الصديق الفنان صلاح طاهر، لماذا؟

وزادت ابتسامته الجميلة اتساعا، ثم أضاف: حتى أحسده على مهارته أولا وكي أحسده على أنه وقف أمامك ساعات طويلة.

واحمر وجهي، فقد شعرت كأنني تلميذة صغيرة تستمع إلى أول عبارة إعجاب على الرغم من أن العبارة كانت عادية، ولكن الظروف هي التي تصنع من الأشياء العادية أشياء لها قيمتها، واتجهنا إلى الصالون وجلسنا وظل الصمت يخيم قليلا على الحاضرين وأنا من بينهم قبل أن يتكلم يوسف شاهين وانتهزتها فرصة ورحت أتأمله وأعجبتني عيناه كانتا وما زالتا طبعا واسعتين عميقتين تقولان شيئا وتخفيان أشياء، لكن كان فيهما حزن، وكان فيهما عمق وغموض، واستقرت عيناي بعدها على وجهه ولم يعجبني أنفه كان كبيرا أكثر من اللازم كأنه مستعار من وجه آخر واستقرت نظراتي مرة جديدة على الخال الأسود البارز الذي كان يتوسط وجهه كان غريبا ولكنه كان مميزا، ورفع عمر رأسه فسحبت نظراتي كلها بسرعة وقلت له: أنت لك نشاط فني؟

وسرح قليلا، ثم أجاب: ليس كثيرا، كنت رئيس فريق التمثيل في فيكتوريا كوليدج.

ونطق كلمة فيكتوريا كوليدج بلهجة أجنبية بحتة، فابتسمت ولاحظ ابتسامتي فقال: غلطت في حاجة؟

فقلت على الفور: لا أبدا.

وبدأ يوسف شاهين يقول إنه واثق من أن عمر سوف يصبح ممثلا مرموقا من ممثلي القاهرة وبدأ يروي لنا تفاصيل القصة، وكنت قد قرأتها أكثر من مرة ولذا وجدت نفسي أشرد في لحظات كثيرة واستقرت عيناي مرة جديدة في عمر، ولاحظت أن سنتيه الأماميتين منفرجان وقلت في أعماقي هو إنسان موفور الحظ، وهذه هي الصفة التي تغلب على أصحاب «الفلجة في الأسنان»، واستمرت أحلامي، وصوت يوسف شاهين يبتعد ويبتعد حتى غدا ممزوجا بضجيج الطريق، وافقت على المخرج يسألني: عجبك الدور؟

وأجبت: مش بطال.

وتكلم عمر، فقال بصوته الذي يعكس لونا من الخجل: لما أنت تقومي بيه حيبقى أحسن دور.

وقلت له: تفتكر كده؟

فرد على الفور: طبعا ده أنا معجب بك جدا من زمان.

وابتسم وسكت وأرخى عمر عينيه العميقتين إلى السجادة ثانية، ثم قال لي وهو يبتسم ابتسامة هادئة هذه المرة: أنا سأقص لكي حكاية بس أوعى تضحكي علي.

وضحكت مقدما وقلت له: اتفضل.

وروي لي عمر كيف أنه لم يشاهد أكثر من ثلاثة أفلام عربية في حياته، في حين هو يشاهد الأفلام الأجنبية كلها، وقد حدث أن دعاه أحد أصدقائه في الإسكندرية إلى السينما، ولما كان الصديق رقيق الحال فقد جاءت الدعوة إلى سينما «ماجستيك» وهي سينما متواضعة في شارع سعد زغلول في الإسكندرية، ويومها شاهدنا فيلما أجنبيا هو فيلم «العالم بين ذراعيه» لجريجوري بيك، ثم فيلما عربيا هو «دنيا». ولما كان عمر يرتاح إلى راقية إبراهيم، هذا ما قاله لي: فقد بقي في القاعة راضيا فلما ظهرت أنا على الشاشة نسي راقية تماما وتعلقت نظراته بي طوال الوقت ومن يومها وهو يشاهد أفلامي كلها أو أغلبها، وانتهى اللقاء الأول بيننا وانصرفا.

مرت أيام طويلة قبل أن يبدأ الفيلم، حيث كان قد طلب يوسف شاهين من الممثل المسرحي المعروف عبد الرحيم الزرقاني أن يدرب النجم الجديد على الإلقاء، وقد اختار الزرقاني حوار الفيلم نفسه الذي كنا نمثله فيلم «صراع في الوادي» ليدرب عليه عمر، ويمرنه، والغريب أن كاتب الحوار كان السيناريست المعروف على الزرقاني شقيق عبد الرحيم، ثم قال لي يوسف شاهين إن والد عمر مريض وإنه لم يتمكن من مغادرة الإسكندرية. لم يتمكن عمر من الحضور إلى القاهرة قبل أسبوع كامل فقد طال مرض والده بحيث اضطر للبقاء إلى جواره، وقبل أن ألتقي بالنجم الجديد ثانية، وقبل أن نقف معا أمام الكاميرا حدث خلاف شديد بيني وبين عز الدين ذو الفقار لم تكن له أسباب مباشرة، وإنما كانت له أسباب بعيدة ورواسب كثيرة في النفس، حيث كنا جالسين ذات ليلة في بيتنا، وهو منصرف إلى قراءة جريدة مسائية، وفجأة رفع عينيه عن الجريدة وأشعل غليونه، وراح ينفث الدخان من صدره ثم قال: أنا ملاحظ حاجة غريبة يا فاتن.

ولم يكن عز يناديني باسمي إلا إذا كان هناك أمر له أهمية أو شيء على جانب من الخطورة وسألته على الفور: ملاحظ إيه؟

وبدأ يتكلم بهدوء كأنه استعد للمناسبة من قبل، وكأنه حفظ الكلمات تماما، كما كان يحفظ حوار أفلامه كلها، ثم قال: ملاحظ إنك مش سعيدة، بقالي مدة براقبك كويس، وبقول لنفسي يمكن سحابة وتعدي، لكن السحابة طالت أكثر من اللزوم، وسكت عز وأشغل الغليون الذي انطفأ، ثم أضاف، ساعات كثيرة أحس إني حابس عصفور في قفص، عصفور كناريا ريشه لونه حلو وصوت جميل لكنه محبوس.

وقاطعته قائلة: ده صحيح.

وفوجئ عز بالكلمتين المختصرتين تماما كمن يفاجئ الجندي عندما يشعل فتيل قنبلة بالدوي الهائل الذي لم يكن يتوقعه، وخيمت على عينيه نظرات بلا بريق وأحنى رأسه ينظر إلى الأرض وراح يمر بيده على شعيرات لحيته القصيرة التي أطلقها فترة، والتي أصبحت جزءا من صورته في أعين الناس، ورفع إلي عينيه بعد فترة ثم قال: إذن ظنوني كانت في محلها.

وقلت له باندفاع: ظنون إيه يا عز، دي حقائق الحياة.

وسألني بلهجة اليائس: فيه حد تاني في حياتك؟

وأجبته بصدق: لا أبدا.

وعاد عز يتكلم بهدوء ظاهري، ولكنه في الواقع كان منفعلا جدا وحزينا جدا حزن المريض الذي يرى موضع الجراح يقترب منه يبتر من جسده قال لي: والحالة دي مالهاش علاج.

وردت عليه بقوة بكل الكتمان الذي عانيت منه: ما تفتكرش إني ما فكرتش في العلاج فكرت كتير وكان الدواء مر قوي واستحملته لكن.

وتوقفت قليلا عن الكلام وتعلقت عيناه بشفتي كأنه مذنب ينتظر الحكم من بين شفتي قاض وراح يمر بأنامله بعصبية بين شعيرات لحيته، ثم سألني: لكن إيه؟

وتابعت كلامي قائلة: لكن أنا شايفة إن مصلحتنا المشتركة في إننا نسيب بعض.

ولمعت في عينيه نظرات غريبة، كأنها نظرات التوسل في عيني مشرف على الغرق وقال: يعني قصدك؟ وابتلع ريقه وحاول أن يبتلع الكلمات، ولكنه عاد وقال «قصدك نطلق».

وسكت وكنت بلا شك أقصد الطلاق، نعم أريده وأفكر فيه، ولكنني فزعت من الكلمة وشعرت، وكأنها نغمات في لحن جنائزي المفروض فيها أن تبكيك وأن تطلق لدموعك العنان ولكنني لم أبك، وتماسكت، وكأن قطرات الدموع تحولت إلى قطعات جامدة، لا يمكن أن تسيل على الرغم من توتر الموقف، وقلت لعز، وأنا أنظر إلى الأرض محاولة أن أهرب من وقع كلماتي عليه: أظن هو ده الحل السليم.

وقال بسخرية: سليم بالنسبة لك، ولا بالنسبة لي؟

فرددت على الفور: إحنا الاثنين.

وعدت أقرأ صفحات السيناريو دون أن أعي شيئا مما فيها، وراح هو بدوره يقرأ الجريدة دون أن يبدو عليه أنه يتابع السطور فعلا، وطالت الجلسة حتى أصبحت مملة، فنهضت أحاول دخول حجرتي، ولكنه استوقفني قائلا: استني شوية.

وجلست ثانية ولكنه لم يتكلم إلا بعد تفكير طويل، فقال لي وهو يزن كلماته بكل دقة: اسمعي أنا مش عاوز نتسرع في حاجة وبعدين نندم أنا عندي اقتراح.

وسألته: إيه هو؟

فقال: زي ما بيبقى فيه فترة خطوبة يعني فترة اختبار قبل الجواز أنا عاوز نعمل فترة اختبار قبل الطلاق يعني نبعد عن بعض حتى ولو عشنا مع بعض ونشوف كل واحد يقدر يعيش من غير التاني ولا لا.

وفكرت في الأمر فوجدته معقولا وقلت له: فكرة مش بطالة.

وقمت ودخلت حجرتي وظل نور الصالة الخارجية مضيئا لفترة طويلة حتى استسلمت للنوم، وعندما فتحت عيناي في الخامسة صباحا وجدت المكان إلى جواري خاليا وجدت وسادة عز على حالها أي أنه لم يدخل السرير وخرجت إلى الصالة فلم أجده، لقد أصبحنا غرباء في بيت واحد، أنا غريبة عن عز الدين وهو غريب عني.

وانقطعت شعره معاوية بيني وبين عز الدين حيث كنت أقاوم وكان هو يقاوم وأهملني عز، لقد أراد أن يشعرني أنني بحاجة إليه، ولكنه لم يكن يعرف أن قلبي بدأ يخفق بحب جديد، بحب شاب أسمر ملك مشاعري قبل أن أراه. وحاول عز أن يلعب معي دورا جديدا، لقد حاول أن يدخل الغيرة إلى صدري ويشعرني أن في حياته امرأة غيري ومن هنا بدأ يسهر خارج البيت ولا يعود إلا مع طلوع الفجر.

كنت حقيقة أسأل نفسي: ترى هل عاد عز الدين إلى سامية كمال أم أنه مع غيرها؟ ومع الأيام بدأت أعتاد هذه الحياة، وكانت صورة الشاب الأسمر تكبر في خيالي، وتكبر وتكبر لتشكل خيوط قصة حب تعيش من طرف واحد. ونجحت التجربة بيني وبين عز الدين، لقد وجدت نفسي قادرة على السير دون أن أعكز عليه، وقررت أن أسير وحدي في الطريق الذي رسمته لنفسي، وبدأت ألملم جناحي وأقاومه، وعز الدين يقاوم، وكانت نادية الصغيرة تشغل كل فراغي وكبرت الهوة بيننا وكان لا بد من الطلاق لنضع نهاية للمأساة الصامتة التي تشغل حياتنا.

وبينما كنت في المنزل أراجع سيناريو الفيلم الجديد، قرع جرس التليفون وكان على الطرف الآخر المخرج يوسف شاهين الذي قال: مدام فاتن هل أنت مستعدة للمباشرة في التصوير؟

قلت بلهفة: هل عاد عمر من الإسكندرية؟

قال المخرج شاهين: نعم مدام فاتن.

قلت وأنا أشعر بفرحة كبيرة: متى سنبدأ؟

قال المخرج شاهين: بعد بكره، عموما سيصلك أمر التصوير.

وشعرت وأنا أطلق سماعة التليفون أن غمامة الحزن زالت عن صدري، وأن مشكلاتي العائلية ومتاعبي مع عز الدين قد زالت فجأة، لماذا؟ هل لأني أحب الشاب الأسمر صاحب النظرات الثاقبة والجسد الرياضي، هل يكون عمر الشريف الذي ضحكت عندما أخبروني ان اسمه الأصلي ميشال شلهوب يجسد صورة الرجل الذي يعيش في خيالي؟ ورغما عني أسرعت إلى المرآة لأتأكد من جمالي هل أرضيه؟ وهل يفكر بي كما أفكر به؟ ولم أجد نفسي إلا وأنا ألف وأدور في المنزل وأغني «يا حبيبي طال غيابك ليه يا قاسي إنت فاكر ولا ناسي» كأني كنت أغني لعمر الشريف وكنت أضحك بمرح كطفلة أهدوها لعبة يوم العيد.

في اليوم التالي جاءتني الخادمة بمجلة فنية تصدر في القاهرة، وما إن قلبت صفحاتها حتى شاهدت فيها تحقيقا مصورا عن عمر الشريف، إنها أول صور كانت تنشر للوجه الجديد الذي سيقاسمني دور البطولة في فيلم «صراع في الوادي» وتأملت الصورة وأنا أتخيل نفسي بين ذراعيه، وللمرة الأولى أشعر فيها بحاجة إلى شاب من هذا النوع. أقول هذا لأني عرفت مع زوجي عز الحب الهادئ المشحون بالتأملات والذكاء، أما مع هذا الشاب الأسمر فكنت أحلم بنوع آخر من الحب، ذلك الحب الذي تحدثت عنه الكاتبة الفرنسية «فرنسواز ساجان» في رواياتها، ورحت أتأمل صورته فلا أشبع منها، وضحكت عندما شاهدت لحيته القصيرة وشاربه «الدوغلاس» ووقفت أحدق في عينيه وشعره الأسود وأنفه وقامته الرياضية وضممت المجلة إلى صدري وكأني كنت أضمه هو بالذات، وبدأت أفكاري تعمل بسرعة وأنا في الغرفة أراجع موقفي، كنت أشعر أني مقبلة على حدث جديد، قد يقلب أوضاع حياتي رأسا على عقب، لقد كنت أسال نفسي هل شعر عز الدين أنني أميل إلى الوجه الجديد عمر وأنني سأفلت من العش الزوجي؟

* حكاية الإسم

روى يوسف شاهين لعمر ملخص الأحاديث التليفونية التي دارت بيننا وكيف أنني سخرت من اسمه الأصلي وضحك عمر ضحكة قصيرة فيها ارتباك ظاهر ثم أضاف: والله يا مدام فاتن فيه في الحياة حاجات كثيرة الشخص لا يستطع اختيارها من نفسه ومنها الاسم، ونظر بعينيه الواسعتين إلى السجادة كأنه يغرق نظراته في نقوشها.

* إحساس عز الدين

شعر عز أن في حياتي صورة رجل قد يهاجم قلبي ويتسلل إلى أعماق صدري، وكان يجلس وقتا طويلا وهو صامت يفكر وأحيانا يسهر خارج البيت ويعود في آخر الليل لينام في غرفته. لم يكن عز يعلم شيئا عن عمر الشريف سوى أن المخرج يوسف شاهين جاء به ليلعب معي دور البطولة في فيلم «صراع في الوادي»

 

الشرق الأوسط اللندنية في

02.06.2015

 
 

مذكرات وسيرة فاتن حمامة ـ السيد الحراني

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004