جديد الموقع

 
 
 

صفحات

1<<

10

09

08

07

06

05

04

03

02

01

>>

سابق

 
 
 

«الشرق الأوسط» تنشر مذكرات «فاتن حمامة» (9)

(الحلقة الأخيرة):

 

الزواج وبريق هوليوود

«نهر الحب» تسبب في بكاء ابني.. وشائعات أرهقت حياتي

القاهرة: السيد الحراني

 
 

 

مذكرات وسيرة فاتن حمامة

 
 
 
 

كانت الحيرة والقلق والتوتر عنوانا لتلك المرحلة في حياة الفنانة الكبيرة فاتن حمامة، كانت أمام قرارات صعبة ومشاعر جديدة ملكت عليها حياتها. تحدثت حول حياتها مع المخرج عز الدين ذو الفقار وفتور علاقتهما ثم غيرته من عملها مع الوجه الجديد عمر الشريف. أما عن دقات قلبها فتحدثت بصراحة كبيرة وصورت أياما جالت بخاطرها أحلام وأماني، وأخذتنا معها خلال تصوير فيلم «صراع في الوادي» وتبادل المشاعر والأفكار بينها وبين عمر الشريف أثناء التصوير وفي الكواليس.

وتتحدث فاتن حمامة في الحلقة اللأخيرة من مذكراتها وسيرة حياتها التي تنشرها «الشرق الأوسط» بالاتفاق مع وكالة «الأهرام للصحافة}, عن أسرار حياتها مع عمر الشريف.

كنت قد بدأت أفكر بحل جدي لما وصلت إليه وبدأت أسأل نفسي ماذا افعل؟ وبعد تفكير طويل صممت على الطلاق وكنت أدرس موقفي من جميع نواحيه، ولكن شيئا وأحدا لم أكن أراجع نفسي به وهو حبي لعمر الشريف. حينذاك كانت الشائعات قد بدأت تردد اسمي وتربط بيني وبين عمر، كان الوسط الفني يتحدث عن علاقتي معه، حيث لمحت حينذاك إحدى المجلات إلى أنني أصبحت في طريق الطلاق وأن في حياتي رجلا آخر غير عز الدين وكادت هذه الشائعات تدمر أعصابي فكنت خائفة على قصة حبي من الانهيار. وذات يوم كنت مع عمر في مكان ما نتحدث في موضوع هذه الشائعات عندما قال لي: الحقيقة يا فاتن لازم نشوف حل.

قلت: ضروري، أنا مش قادرة أعيش بالطريقة دي.

فقال عمر ونظراته تغرق في عيني: مش أفضل تطلقي من عز ونتزوج.

قلت وأنا استشف الصدق في كلامه: هو ده الحل الوحيد.

وبالفعل افترقنا على هذا الأساس والجمل مختمرة في ذهني «أطلق من عز وأتزوج عمر» ولكن بقيت مشكلة تؤرقني، إنها ابنتي الحبيبة نادية التي تشغل صورها رأسي فأنا أحبها وهي تحبني ولا يمكنني الابتعاد عنها لحظة واحدة، خصوصا أنها بالنسبة لي عالمي ودنياي ومجتمعي وحياتي، وصممت أن أبقي نادية معي مهما كانت الظروف. وفي تلك الليلة كنت على موعد مع حدث جديد لعله غير مجرى حياتي وجعلني أسرع في الطلاق، حيث كانت عقارب الساعة تشير إلى منتصف الليل وكنت في غرفتي أراجع موقفي وأدرس خطواتي حيث كنت أفكر في «الطلاق وعز ونادية وعمر» وفجأة دخل عز الدين إلى غرفتي وهو بحالة عصبية واقترب مني قائلا: إيه الشائعات اللي بسمعها دي، مش حتعقلي يا فاتن.

وتجاهلت الموضوع الذي جاء يفاتحني به وقلت بعدم اهتمام: مش فاهمة حاجة.

قال عز بعصبية: البلد كلها بتحكي عن علاقتك مع الواد ده اللي اسمه عمر الشريف.

قلت بعدم اهتمام: وأنا مالي ومال الشائعات؟

قال عز بنفس اللهجة العصبية: ما تنسيش إنك لغاية دلوقتي مراتي وبتحملي اسمي.

قلت: وفيها إيه، عموما إحنا متفقين على الطلاق.

ولمعت في عينيه نظرات مجنونة وقال: إنتي لسه مراتي.

وفجأة تحول عز إلى إنسان ثائر عصبي وكأنه فقد وعيه ثم هجم علي وحاول خنقي فبدأت أصرخ وأستغيث وهو يزداد شراسة وعنفا، ومنذ تلك اللحظة التي نجوت فيها منه كان لا بد من الطلاق. وقبل الطلاق تفاهمت معه على مواضيع كثيرة أهمها أن نبقى أصدقاء وأن تبقى نادية معي ووافق على كل شيء وعندما ودعته شعرت بأن دموعه تنحبس في عينيه.

وبعد أن تم الطلاق أسرعت إلى التليفون أزف البشرى إلى عمر الشريف فقلت له وأنا أضحك من السعادة: خلاص أنا بقيت حرة تطلقت.

وبصوت ملئ بالأمل قال لي عمر: يعني حنتزوج؟

فقلت وأنا ما زالت أضحك: قريب، بس تخلص أشهر العدة.

ولكن كانت هناك مشكلة أخرى دينية فأنا مسلمة وعمر مسيحي كاثوليكي، وكان مستحيلا أن أترك ديني، وبالتالي لم يكن أمام عمر خيار آخر ولذلك وافق عمر على أن يترك دينه ويعتنق الدين الإسلامي وذهبنا إلى أحد المكاتب الحكومية المختصة بذلك الأمر التابعة لمشيخة الأزهر ووقع عمر على وثيقة إشهار الإسلام وكان الأمر هكذا سهلا على الأقل رسميا، ولكن كان صعب على عائلته حيث أصيب والد عمر بانهيار عصبي «رغم أنه لم يجرؤ علي إخباره وجها لوجه ولجأ لوالدته لتتولي الأمر وأعلن والده خيانته لعقيدته».

وكنت حينذاك بدأت أمثل مع عمر الشريف فيلما جديدا للمخرج حلمي حليم هو «أيامنا الحلوة» والذي شهد الظهور الأول للوجهين الجديدين «عبد الحليم حافظ وأحمد رمزي». وتم الزواج في الأيام الأخيرة التي كنا نعمل فيها في الفيلم.

بعد عقد القران سافرت مع عمر إلى باريس لقضاء شهر العسل، وكنت سعيدة وكأني أعيش في حلم لا أريده أن ينتهي، وكان عمر سعيدا في حياته الجديدة معي، وكنت لا أفارقه لحظة واحدة، وكان هو إلى جواري دائما، وعدنا من باريس إلى الإسكندرية لنبدأ حياتنا الجديدة.

بعد ذلك بسنوات عشناها مع بعض في منتهي الحب والسعادة والنجاح، وشاركنا بعضنا أفلاما وأعمالا فنية عدة، وجدت نفسي فجأة في لندن، وكانت المدينة حينذاك في حالة استعداد لعيد الميلاد ورأس السنة والشوارع الكبيرة مثل أكسفورد ستريت وريجنت ستريت مزينة بزينات في منتهى الذوق والجمال، وواجهات المتاجر ممتلئة بالسلع التي تغريك بالشراء. ولفت نظري شيء غريب جدا، وهو أن يتلفت المارة إلى الوراء لينظروا إلى سيدة صادفتهم في الطريق هذا شيء طبيعي في باريس مثلا، أما هنا في لندن فمستغرب، إلا أنه حدث لي حيث سرت مع عمر في الطريق وكلما مررت بشخص رجلا كان أم امرأة وجدته يتلفت وراءه وينظر إلينا مرة ثانية وضايقني هذا جدا في البداية، واهتممت وأخذت بالي ولكن دهشتي جعلتني أراقب المسألة لاكتشف الحقيقة، وأعرف ما الذي غير الإنجليز وجعلهم يقلدون الفرنسيين والإيطاليين.

ثم اكتشفت الحقيقة أنهم لا ينظرون لي أنا بل إنهم ينظرون إلى عمر وبالتحديد إلى شعر عمر فعمر قد كان أطال شعر رأسه ولم يقصه منذ ثمانية أشهر استعدادا للتمثيل في فيلم «لورانس العرب» الذي كان قد رشح له ويقتضي دوره فيه أن يظهر بشعر طويل وشارب.

وكنت قد التقيت بديفيد لين مرتين مرة في الأردن عندما ذهبت إلى هناك في الصيف لأزور عمر والمرة الثانية في لندن، وكان يعجبني جدا تفكيره ودقته ونظامه في العمل؛ لأنه لا يعمل شيئا في عجلة، بل كل شيء على مهل وبمنتهي الدقة، ولذلك كان يحترمه نجوم الفيلم احتراما هائلا، وكان يبادلهم هذا الاحترام بتقدير وإعجاب كبيرين.

كان إنجابي من عمر الشريف ابننا طارق مصدر سعادة جديدا لي وتتويجا حقيقيا لعلاقتنا وأصبح طارق يحكم قلبي بل يحكم عالمي كله، وعندما كان يغيب عني فترة من الصباح فلا أتحدث إلا عنه، وكنت أجلس إلى ضيوفي الذين يزورونني داخل بيتي وعيوني بعيدة تتابعه وهو يتحرك في ردهة البيت أو يجلس أمام التلفزيون أو يتشاجر مع شقيقته نادية، وأذكر أن طارق في صباح أول يوم دراسي له ذهب للمدرسة، وكنت أخشى أن يخاف أو يبكي ويعيش بعقدة من المدرسة، وما أن حان موعد انصراف التلامذة من المدرسة أرسلت المربية لتصحبه للبيت، ولكن العجيب والمضحك أنها عندما ذهبت للمدرسة وجدته يمارس دورا بطوليا على زملائه ويبرحهم ضربا، كما أن طارق كان دائما يصر على أن يدخل السينما وحده مع مربيته فقط، ولو أرادت نادية مثلا أن تذهب معه يتمسك بعناده إلى درجة كبيرة جدا، بل كان إصراره على أن يشاهد أفلامي وأفلام والده يعتبر شيئا مألوفا.

وحقيقة فوجئت بطارق ذات مرة يعود من السينما صارخا، ومنفعلا يكاد ينفطر من البكاء فحاولت قدر ما استطعت تهدئته ولكن بلا جدوى فكان يبكي بحرقة وهو يصيح بصوت يخنقه التشنج «عايز بابا، هاتوا لي بابا»، واضطررت إلى أن أقضي عدة ساعات أبحث عن عمر حتى وجدته أخيرا في الأستوديو وطلبت منه أن يترك المشهد الذي يمثله ويعود إلى البيت فورا ليراه طارق. وعندما عاد عمر إلى البيت أسرع طارق يلقي بنفسه عليه وهو يصيح وما زال بكاؤه يطغى على صوته «بابا، يا حبيبي يا بابا، رجلك اتعورت يا بابا» ولم يكف عن البكاء إلا بعد أن أثبت له عمر أنه صحيح معافى حتى يقتنع أنه لم يصب بسوء، وانفجر عمر ضاحكا، ولم أتمالك نفسي من الضحك عندما سأل عمر المربية عن الفيلم الذي كان طارق يشاهده معها فاكتشف أنه «نهر الحب». لقد تصور طارق أن والده قد أصيب حقا عندما شاهده مصابا على الشاشة وكان هذا هو سر بكائه.

عشرات من الشائعات التي لا تنتهي ولا تتوقف زاد محصولها بعد أن تربع عمر فترة من فترات المواسم السينمائية بأفلام «بداية ونهاية» و«إشاعة حب» و«حبي الوحيد» و«نهر الحب» و«في بيتنا رجل» وأصبح هو الجواد الرابح بالنسبة لشباك التذاكر في دور السينما، حينها زادت حدة الشائعات، ولأنني مدركة لكل تلك الأبعاد وأعرفها جيدا وأعرف كامل الحقيقة كنت أطبق المثل الشعبي القائل «أذن من طين وأخرى من عجين».

كنت دائما أحاول قدر استطاعتي أن أكسب ثقة ابنتي «نادية» وأقلل ما استطعت من إصدار الأوامر والنواهي لها يكفي فقط الأوامر المعقولة؛ لأنني كنت حريصة على أنها بعد أن تكبر تتخذني صديقة تستمع لي وتصدقني فورا عن إيمان واقتناع. أما بالنسبة لمستقبل نادية فكان يبدو في البداية أنها تريد أن تكون نجمة سينمائية، وإن كنت من جانبي أحاول دائما ألا أفرض عليها طريقا معينا، وحقيقة كنت لا أحب أن تظهر صور نادية وطارق في المجلات وهم صغار، وهذا قرار اتخذته حرصا على مصلحتهما، كنت أريد ألا يشعر أحدهما بأنه يمتاز شيئا عن زملائه في المدرسة ولا أريد أن يعاملهما الزملاء معاملة خاصة فيجب أن يعيشا حياة عادية مثل كل الأولاد والبنات، وإن صداقة الطفولة والدراسة لا يمكن أن تعوض لأنها صداقة خالصة بعيدة عن الأهواء والأغراض.

بعد انتهاء عمر من فيلم «لورانس» وبعد النجاح الضخم الذي كان قد تحقق له كنت أعتبر عمر الشريف ذلك الزوج الطيب والإنسان الكبير والصديق المخلص وهو كان يحفظ لي مثل هذا الشعور، ولكن أصبح لكل واحد منا ظروفه في الحياة وكان الطريق الذي سلكناه هو طريق صعب ومزروع بالدموع والأشواك والألم. لقد بدأت الحكاية في عام 1961 عندما طار عمر إلى صحراء الأردن ليمثل دورا ثانويا في فيلم «لورانس العرب» ثم شاهده المخرج ديفيد لين، وكان قد وزع الأدوار المهمة ومن بينها دور علي بن الحسين الحارثي للممثل الفرنسي موريس رينيه، فلما شاهد عمر طلب أن يصوره هو الآخر في بضع لقطات لنفس الدور ولم ينم عمر لمدة أسبوع ولم ينم موريس رينيه أيضا لمدة أسبوع وجاءت اللقطات من لندن بالطائرة وشاهدها المخرج والمنتج فقررا أن عمر أفضل من الممثل الفرنسي لهذا الدور وكان عقده عن دوره الثانوي 8 آلاف دولار فقط فارتفع عن دور علي إلى 25 ألف دولار. وكانت هذه هي بداية الانطلاقة، وبعد ذلك قام بتمثيل فيلم «الدكتور زيفاجو» وظهر معه ابننا طارق ليمثل زيفاجو في طفولته. وخلال عمله معه كانت أعصابي مرهقة بالطبع لأنني كإنسانة أعمل في السينما أقدر المسؤولية ونفقات إعادة تصوير أي منظر وهذا ما لا يدركه هو كطفل ومن الطبيعي أن الوقوف أمام الكاميرا شاق ومرهق للطفل، ثم إنني كنت أشفق عليه من تسليط الأضواء على عينيه، ومن تسليط الآلات التي كانت تحدث هواء وثلجا، ولم تبد من طارق أي تصرفات غريبة، اللهم إلا أنه كان إذا كلفه المخرج بالوقوف في مكان معين قال لي: «وأنا أقف هنا ليه.. إيه اللي يخليني أقف هنا؟.. لا.. مش عايز».

ومن الطبيعي أن هذا كان يسبب بعض المتاعب، وأعتقد أنه أوتي استعدادا للتمثيل، ولكن المرء لا يستطيع أن يعرف اتجاهاته لأنه لا يزال صغيرا لم يتعد عمره ثماني سنوات ونصف. بالفعل بعد أن انتقل عمر في أقل من ثلاثة أعوام من دور بسيط في فيلم مشترك إلى الأدوار الثانية في ثلاثة أو أربعة أفلام عالمية إلى دور البطولة في فيلم «الدكتور زيفاجو» الذي رشحه للفوز بجائزة الأوسكار، جاءت عاصفة كادت تطيح بالبيت الذي تضمنا جدرانه والذي كان يبدو مستقرا. صعد عمر درجات المجد وأصبح نجما عالميا لامعا، وأصبح مجنونا ومدفوعا بطموحه في طريق يمضي به إلى الأمام على نحو تصعب معه العودة.

أصبح عمر أشبه برجل الأعمال المشغول والمكدود والمتعب والمرهق دائما الذي لا يملك من أمر نفسه شيئا وعيناه أضناهما السهر، لا يكاد ينام أكثر من أربع ساعات يختطفها في الهزيع الأخير من الليل وأصبح مرهف الحس ومتوتر الأعصاب ينتابه الإحساس بالخوف من الناس، والخوف من أن يستغلوه بصورة ما وهو إحساس طبيعي لا يمكن إلا وأن يسيطر على أي إنسان يهبط عليه المجد فجأة ويجد نفسه صاحب حسابات في البنوك تقدر بملايين الدولارات وأيضا يصبح مطمعا للمستغلين والنصابين. هذه المخاوف بالذات ساعدت على نموها في نفسه سكرتيرته الأميركية كارولين التي أصبحت تباشر، ولكني في ظل كل ذلك كنت أعيش في لندن أغلب الوقت بينما عمر يطوف بمجده في أنحاء العالم، وكان عمر دائما يقول إنني كنت في كل تلك الفترة ألعب دائما الدور الأصعب والأكثر جهدا وعناء وضنى. والذين اعترضوا على تضحيتي الهائلة من أجل يوم قررت أن أتزوج عمر كانوا قد أصبحوا للأسف شامتين في ويهمسون هذا جزاؤك، أن الذي ضحيت من أجله قد هجرك، فالمجد عنده أعز منك، ويدعمون نصائحهم بالأسانيد، (التحقيقات الصحافية المصورة الوافدة من الخارج التي تظهر عمر في مغامرات غرامية مزعومة مع بطلات أفلامه)، في لقطات ليست من أفلامه ولكن في أوقات الفراغ اختلستها العدسات له وهو يلف ذراعيه حول البطلة ويضمها إليه أو وهو يعبث بقدمه في ساقها، وكنت دائما أدافع عن عمر كما تعودت دائما وأيضا في الواقع كنت أدافع عن نفسي وكياني وبيتي الذي توشك أن تطيح به العواصف، ولكنه كان دائما دفاعا بلا طائل فأقرب الناس إلي كانوا لا يصدقون ولا يرحمون.

وحينذاك فاض بي الكيل فهرعت إلى عمر أبحث عنه وأسبقه إلى مدينة من المدن في أوروبا، وكان هو ينتهز فرصة فراغ من عمله فيطير إلي، وأيضا ذات مرة نزلت عليه في مدينة كان مشغولا فيها بالعمل، ولكني شعرت وأنا معه في مدينة واحدة أنني بعيدة عنه حيث كنت لا أكاد أراه، وكنت أستقي أنباءه من سكرتيرته كارولين التي كانت دائما لغزا بالنسبة لي حيث كنت أشعر أن تلك السكرتيرة تسيطر بشكل ما على زوجي عمر بل إنني لا أبالغ في التصور إن قلت إن خيالي صور لي أن كارولين تسيطر على قلب عمر، ولكن عمر كان دائما، يقول لي إن كارولين تسيطر على ما في بحكم أنها مديرة أعمالي ولكن قلبي هو المكان الوحيد التي لا تستطيع القرب منه لأنه لك وحدك.

ولكني شعرت بالضيق والحنق والغضب في صيف عام 1964 عندما سافرت إلى مهرجان كان حيث لحقت بي كارولين بتعليمات من عمر لتكون في خدمتي وكان سر كل مشاعري السلبية تجاهها في ذلك الصيف الكئيب أنني شعرت أنها تباعد بيني وبين لقائي بعمر الذي كان من المفترض أن يكون بجواري. حقيقة لقد شعرت بأن عمر يحب سكرتيرته وكثيرا حاول أن يثنيني عن ذلك الشعور ولكنه فشل، وعندما كنت أقابله كان يتلاشى منه كل جبروت المجد الذي حققه ويبدو أمامي عمر الشريف الذي خفق قلبه بعنف منذ أول لقاء له معي، عمر الشريف الذي ساعدته وساندته حني أصبح أهم ممثل في مصر والوطن العربي، وكنت أستغل اللقاء لأمارس عليه كل سلطان الحبيبة وكل سلطان الزوجة فأناقشه وأحاسبه وأسأله وأعاتبه. وفي أحد لقاءاتي معه بباريس كنت أنتظره بأحد الفنادق، وكنا قد اتفقنا على منح حياتنا المقبلة معا شيئا كثيرا من الحرية والمرونة وأن البيت الذي يبنيه في باريس سيكون دائما بيتنا معا ويستطيع كل منا أن يهرع إليه في أي وقت يشاء وأن نلتقي فيه كلما سمحت بذلك الظروف، وأيضا اتفقنا على أن تلتحق نادية وطارق بمدارس داخلية في جنيف يقيمان بها ويترددان علينا في أي وقت يريدان أو يستطيعان واتفقنا على أن أختار ما أشاء من مكان أقيم فيه سواء في باريس أو جنيف، ولكننا أيضا اتفقنا قبل كل هذا على الطلاق ولكنه ليس الآن، وإن كان عمر سيحققه لي يوم أن أطلبه أنا.

* عز كان حزيناً

* كان عز حزينا وكان كئيبا ولكنه تصرف كرجل، لقد تمنى لي التوفيق والسعادة في حياتي الجديدة وقال إنه يحفظ في نفسه المحبة ولا شيء غير المحبة وقال لي إن احترامه سيبقي كما كان وإن رحلة الدرب التي مشيناها معا لن تؤثر على صداقته في قلبي وأعترف الآن بأني أكبرت في عز الدين ذو الفقار هذه الروح الكبيرة.

* شائعات

* لقد كانت حياتي مع عمر وأطفالي نادية وطارق هانئة وإن عكر صفوها في كثير من الأحيان بعض الطامعين والحاقدين على نجاحنا وأيضا طلاب الشهرة من المغامرين فكان لا يكاد يمضي يوم حتى يطلقوا شائعة ولكن الحقيقة لا تلبث أن تهدمها بأسرع مما نسجتها العقول المريضة، وكان من السهل جدا أن تطال تلك الشائعات بيتي وحينذاك زوجي عمر الشريف.

 

الشرق الأوسط اللندنية في

09.06.2015

 
 

مذكرات وسيرة فاتن حمامة ـ السيد الحراني

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004